أثر التصوف فى تدهور المستوى العلمى فى العصر المملوكى

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-07-28


كتاب : أثر التصوف  المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الثانى  :( أثر التصوف الثقافى فى مصر المملوكية )

  أثر التصوف  فى تدهور المستوى العلمى فى العصر المملوكى

1ــ كتب بعض الباحثين رأيا طيبا في العلم في العصر المملوكي يقول (ازدهرت الحركة العلمية والأدبية في أواخر القرن الثامن الهجري واوائل القرن التاسع وحفل القرن التاسع بالأخص بعدد كبير من الأساتذة البارزين في سائر العلوم والفنون وساهم الأزهر الى  جانب المدارس الأخرى  ) [1]. وهذا الرأي يقيس الازدهار بالكمّ دون اعتبار للكيف والنوع .

المزيد مثل هذا المقال :

 والواقع أن العصر المملوكي عصر التلامذة من الناحية العلمية ، إذ تكاثر فيه المتعلمون بدردجة تلميذ ، وندر فيه وجود الأستاذ أو العالم الحقيقى بالمعنى العلمي ، وحورب فيه الاجتهاد . وهذا شيء طبيعي في عصر ازدهر فيه التصوف المملوكي وتوارت فيه العلوم العقلية.، وهكذا فإن محاربة الاجتهاد وشيوع الحفظ ـــ كبديل للاجتهاد ــ وخفوت صوت العلوم العقلية تمثل أضلاعا ثلاثة للحياة العلمية المملوكية وتتأثر في نفس الوقت بالضلع الرابع وهو ازدهار التصوف المسئول عن هذه الردّة العلمية . 

2ــ وتحريم الاجتهاد جهد صوفي بحت أعاق العقل عن البحث العلمى ليزدهر التصوف المملوكي في غيبة من العقل يقول الدسوقي : (  فيض الربوبية اذا فاض أغنى عن الاجتهاد  ) [2] والغزالى الصوفي الشهير هوصاحب القول المشهور: ( ليس في الإمكان أبدع مما كان ) ، وتمسك متصوفو العصر المملوكي بتلك الكلمة لترسيخ التقليد وتحريم الاجتهاد ، فوضعوا عليها الشرح مثل محمد المغربي والسيوطي والشاذلي والشعرانى  [3]..

ونتج عن تحريم الاجتهاد ان صار التقليد سيد الموقف.  فعاب الفقيه السنى الصوفى ابن الحاج فى القرن الثامن على صوفية مصر تقليدهم ، وقال : ( أوضعوا تلك العوائد التي نشأت بها نفوسهم  موضع السنن ، حتى انك إذا قلت لبعضهم:  السنة كذا ، يقول جوابه لك على الفور : عادة الناس كذا وطريقة المشايخ كذا .! . فإن طالبته بالدليل الشرعي لم يقدر على ذلك إلا انه يقول : نشأت على هذا وكان والدي وجدي وكل من اعرفه على هذا المنهج ) [4] أى هى طريقة الجاهليين فيما وجدوا عليه آباءهم . وابن الحاج كوافد مغربي لمصر يتعجب لهذه الظاهرة ــ ظاهرة تقليد السابقين واتخاذها سنة مع تعطيل العقل وتقديم طريق الأشياخ عليه.

والصوفية قرنوا دعواتهم لنبذ الاجتهاد بتحصين طريقهم الصوفي من الاعتراض بشتى الطرق . يقول ابرهيم الدسوقي : ( صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر ، فقد يعطي المولى من يكون قاصرا ما لم يعط أصحاب المحابر ، وليس مطلوب القوم الا هو ، ( أى الله ) فان حصلوا على ما ارادوا عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب ولا نصب . ثم ان صحت له المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك ) [5]...أي أنه يجعل الاجتهاد من نصيب أصحاب العلم اللدني دون غيرهم . ومن يصل الى  الحلول والاتحاد و ووحدة الوجود ( تصح له المعرفة بلا حجاب"  ) [6]...

والشعراني يفتخر بتصديقه للصالحين في كل ما يخبرون به وأن أنكره العقل ويبيح الاجتهاد لأهل الكشف لاطلاعهم على الأسرار الإلهية بلا نظر وتأمل. وفي نفس الوقت الذي يحرم فيه عن المريد التفكير وإطالة النظر رغبة في الفهم،  ويستخدم في ذلك المنطق المعكوس والتخويف (.... اذ ينبغي التأدب مع الله ولا نتكلم إلا بما نعلم .... ولا نخوض من غير تحقيق .) [7] وافتخر الشعرانى بعدم قوله بالرأي في الأمور الدينية ، أى لا يقول رأيا جديدا ، أو لا يجتهد فى إبداء رأى جديد ، ويقول إنه اذا لم يجد في المسألة تصريحا توقف على العمل بها ولا يقدم عليها ، إلا أن رأى فيها  نصا أو اجماعا او قياسا جليا . ( وقد منع بعض العارفين من القياس ) [8] . ويهدد الشعراني من يختلف مع أحد الأئمة الأربعة ، فيروى قصة عن شخص ألّف كراسة في الرد على أبي حنيفة وعرضها على الشعراني ، فطرده ، ثم وقع لذلك الشخص مكروه اعتبره الشعراني عقابا له على جرأته على أبي حنيفة ، ورفض أن يزوره في محنته ادبا بالإمام أبي حنيفة ، يقول : ( حتى لا أوالى من أساء الأدب معه ) [9]..

4ــ وفي عصر يسوده التقليد ويُحارب الاجتهاد لابد أن يكون الحفظ هو مقياس النبوغ العلمي فكان ( العالم ) في العصر يوصف بأنه (أعجوبة عصره في الحفظ ) ، وتُروي الحكايات بالتدليل على ذلك . وقد عقد  [10] مجلس لامتحان الهروي ــ قاضي القضاة ــ وقد ادعى حفظ اثنى عشرة ألف حديث بأسانيده، وحضر السلطان المجلس مع العلماء ، وظهرت في روايات ابن حجر في ذلك المجلس العلمي ــ وكان حاضرا ــ تفاهة الأسئلة وسطحية الإجابات مما لا يتفق مع شهرة أسماء الحاضرين . [11].. وقيل عن الفوى : ( فأبهت الحاضرين من قوة استحضاره ) [12] ..

وفي مناظرة بين ابن مغلى والسيرامى حضرها السلطان المؤيد شيخ تبارى المتناظران في الحفظ وصاح المنتصر في النهاية: ( مولانا قاضي القضاة حفظه طاح ) [13].. ووُصف سراج الدين البلقيني باجتماع شروط الاجتهاد فيه حتى قيل انه مجدد القرن التاسع ، وليس في ترجمته مع ذلك ما يدل على الإبتكار ، أفكار ولم يرد فيها غير موهبته في الحفظ والاستحضار  [14] الذي كان المقياس العلمي للعصر المملوكي ...

5 ــ وقد وضعت "الفوائد" للتمتع بدوام نعمة الحفظ . يقول الابشيهي : ( اذا أردت أن لا تنسى وكذا أردت ان ترزق الحفظ ، فقل خلف كل صلاة مكتوبة : بالله الواحد الأحد ....... الخ .. ومن فوائد سيدي الشيخ صالح بن عجيل في الحفظ : يقرأ في كل يوم عشر مرات: ففهمناها سليمان ...... الخ .. ) [15].

6 ـ وبسبب إتعدام الاجتهاد وشيوع التقليد تركز جهد أولئك ( العلماء ) على إختصار ما كتبه السابقون ، أو شرحه ، وتلخيص الشرح. وعقد ابن خلدون فصلا في المقدمة فى ( أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم، وان ذلك الاختصار في أمهات الكتب كان لتسهيل حفظها ) [16]  وذلك منتظر من ابن خلدون الذي كان نادرة لا ينتمي لعصره المملوكى.

7 ـــ ولم يكن غريبا أن يخاف أولئك ( العلماء) في العصر من تهديد الصوفية لهم بسلب العلم والقرآن ،أي سلب ما لديهم من الحفظ ، الذي هو كل محصولهم العلمى ، مما يعد دليلا على ضعف الشخصية العلمية وهبوطها العقلي الذي يعتمد أولا وأخيرا على مجرد الحفظ ، ويعتقد في قدرة الكرامات الصوفية على محو ذاكرتهم وما يحفظونه ، فتخشاهم إبقاء عليها. وترددت كرامات فى تخويف أولئك العلماء بسلب ما يحفظون ، وكان لها أبلغ الأثر فى تدعيم سٌلطة الصوفية من ناحية ، وفى هبوط المستوى العقلى والعلمى من ناحية أخرى.

8 ـ وفي الوقت الذي أصبحت فيه خرافات التصوف علما  ـــ حوربت العلوم العقلية ، فالسيوطي قد ألّف : ( الغيث المغدق في تحريم المنطق )،  وجاء شخص للشيخ الفتوحي الحنبلي قاضي القضاة يريد ذلك الشخص أن يقرأ عليه شيئا من المنطق فقال له " يا ولدي قد صار الفقه ثقيلا على قلبي ، فما بالك بعلم أفتى بعض العلماء بتحريم الاشتغال به ) [17]. وقد سبق السبكي   [18] في الانكار على من اشتغل في الفلسفة ، وهاجم الفارابي وابن سينا  [19]  

والحصاد العلمي لهذا العصر معدوم من الناحية النوعية فى رأى بعض الباحثين . ( واذا نظرنا إلى الأبحاث والمجادلات التي كانت في مجالس الغوري مثلا عرفنا ضيق الأفكار وقلة المعارف والولع بسفاسف الأمور والقصور في جلائها ) [20] . والسيوطي خير ما نتخذه مثلا للعلم المملوكي فمن عادته أن يفخر  ( بالسرعة لا بالتدقيق ) [21] واهتم بنقله من كتب المتقدمين دون استنباط للجديد أو ابتداع للفكرة المستقلة ، وحتى دون ان يبدو في منقوله جهدا يوفيه ويرتبه ويهذبه ويستدل به ويعلق عليه ) [22] . هذا ما قاله بعض الباحثين المعاصرين .

وأقول إن القارىء للسيوطى يشعر أن السيوطي بأنه لا يستعمل عقله فيما ينقله. ففي إجابته عن سؤال أين تذهب الشمس بعد الغروب قال بأنه " يبتلعها حوت وتغرب في عبن حمئة ، وقيل انها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول يا ربي ان قوما يعصونك فيأمرها بالرجوع ، وقال اما الحرمين وغيره لا خلاف في ان الشمس تطلع عند قوم وتغرب عند آخرين والليل طويل عند قوم وقصير عند الآخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين "  ) [23] ..هى اجابات مختلفة نقلها وأراح عقله من محاولة الترجيح والاجتهاد .... والسيوطى صاحب أكبر عدد من المؤلفات ، وكلها تجميع وإختصار ونقل بلا وعى ، وسطو على مؤلفات الغير . نقول هذا بعد بحث ومراجعة لمؤلفاته ومعظمها رسائل لا تزال مخطوطة . وعليه فلا عبرة بما يجمعه من كتابات السابقين ، فإن قيمة العالم فيما يبتكره ولو كان قليلا وليس فيما يجمعه ولو كان كثيرا..

6ــ  على أن هذا التناقض بين الكيف والكم في العصر المملوكي قد أثار انتباه بعض الباحثين المعاصرين مثل احمد أمين القائل : ( كانت حركة التأليف قوية في عصر المماليك حتى ليعجزنا حصر ما ألف في ذلك العصر ، ولكنها كانت قوية من حيث العدد لا من حيث القيمة . ومن الغريب أن عالما يأتي فيختصر ثم يأتي عالم اخر فيشرع ما اختصر .... ولم نكسب من ذلك إلا المجهود الضائع . وكل يوم يمر يزداد الحال سوءا ) [24] ويقول : ( يكاد العلم والأدب والفن قد انتهى فى العالم العربي بانتهاء القرن الخامس ، وربما تولد شيء في القرن السادس من الابتكار والتجديد ،أما بعد ذلك من ابتداء القرن السابع وحتى النهضة الحديثة (العصرين المملوكي والعثماني) فيكاد يكون ترديدا لما فات ، تجميعا لمتفرق او تفريقا لمتجمع" ) [25]...

7 ـ ونأخذ مسيرة ( علم الحديث ) مثالا على الفشل العلمى للعصر المملوكى : فالخطيب البغدادي ت463 أول المتأخرين وأخر المتقدمين في علم الحديث ، وضع مؤلفين : كتاب الكفاية في قوانين الرواية وكتاب الجامع لآداب الشيخ والسامع . وقد ظل هذان الكتابان محور النشاط العلمي للعصر المملوكي بالاختصار والشرح على النحو الآتي:

إبن الٌصلاح ت 643 ( عثمان بن عبد الرحمن الشهروزى ) جمع شتات مؤلفات الخطيب في كتاب له هو ( مقدمة ابن الصلاح فى علوم الحديث ) . وعكف المتأخرون بعده عليه اختصارا وشرحا: ابن جماعة ت 733 في كتابة المنهل الروي في الحديث النبوي الذي اختصر فيه كتاب الصلاح . وجاء بعده ابن ابي بكر ت819 فشرح مختصر ابن جماعة في كتابه ( المنهج السوي في شرح المنهل الروي ) . ثم  سراج الدين البلقيني 805  الذى ألف ( محاسن الإصلاح في تضمين كتاب الصلاح ) وهو مختصر ، ثم :  محيي الدين النووي 676 ــ الذى اختصر كتاب الصلاح في كتابين : (تدريب الارشاد إلى علم الاسناد ) وهو مختصر ، والثاني ( التقريب والتيسير) وهو مختصر المختصر . لذا انكب عليه متأخرون لاحقون بالشرح وشرح الشرح ، كما فعل الزين العراقي والسخاوي والسيوطي . وأنهمك آخرون  في كتابة تعليقات ونكت كتاب ابن الصلاح كالعراقي في كتابة التقييد والايضاح وابن حجر في كتابة الإفصاح والزركشي... وقام اخرون بنظم كتاب ابن الصلاح شعرا ، مثل الحافظ العراقي 805 في ( نظم الدرر في علم الأثر ) . ثم قام نفسه بشرح النظم في كتابين احدهما مطول والأخر مختصر . وقام البقاعي بتأليف حاشية على الشرح المختصر اسماها ( النكت  الوفية : بشرح الألفية ) ، وشرح السخاوي هذا النظم في ( فتح المغيث في شرح ألفية الحديث ) ، وشرحه السيوطي في ( لقط الدرر ) ، وشرحة الدمشقي في ( صعود المراقي ) وشرحة زكريا الأنصاري في : ( فتح الباقي بشرح ألفيه العراقي ). والأمر لا يحتاج على تعليق..

8 ــ والباحث المفكر الاستاذ أحمد أمين يعلل التقليد والجمود العلمى فى العصر المملوكى   باختفاء العنصر العربي وغلبة العنصر الفارسي والتركي وسقوط المعتزلة وهجوم التتر وانتشار العصبيات المختلفة بين المسلمين مما نتج عنه اقفال باب الاجتهاد )  [26]..

والواقع انه قد ظلم العنصر الفارسي الذي أسهم فى الحياة العلمية في القرون السابقة، كما  ان هجوم التتر لم يكن مانعا من الاجتهاد العلمي ، بل أنه ألهب حماسة العلماء لتعويض ما دمر  من مؤلفات ، وكان العلماء العرب أساتذة للصليبيين ، وانتشار العصبيات لا يعوق الحركة العلمية بل قد يدفع للمنافسة بينها ، وما ذكر عن سقوط المعتزلة صحيح وان لم يعلل ذلك السقوط  بانه كان هزيمه مبكرة للإتجاه العقلى أمام الحنابلة فى العصر العباسى الثانى . وكان هذا قبل العصر المملوكى بقرنين على الأقل ,

ويقترب باحث اخر من الحقيقة حين يقول مترفقا ( ومن سمات العصر قوة التصوف ولعل ذلك من عوامل  ضعف الحركة العلمية،  فإن العلم يعتمد على العقل والفكر على حين يعود التصوف الحق على الذوق والوجدان ) [27]..

9 ـ  والحقيقة ان التصوف المملوكي هو المسئول عن ذلك الركود . اذ كانت علوم السابقين قد جُمعت وفُصّلت ، ولم يبق إلا البناء عليها بالاجتهاد والابتكار على نحو ما بدأت به مسيرة الحركة العلمية فى العصر العباسى الأول قبل أن يُجهضها الحنابلة فى العصر العباسى الثانى ، ثم تحكم التصوف فجعل التقليد دينا ، وأرسى الخرافة محل العلم ، وأعلى شأن الحفظ كمقياس وحيد للقدرة العلمية .

ويلاحظ ان العلاقة العكسية واضحة بين مسيرة العلم والتصوف في العصر المملوكى ، فكلما إزدهر التصوف بالتدريج تدهور العلم بنفس الوتيرة ، حتى إذا وصلنا الى نهاية العصر وتسيّد التصوف تحول التقليد الى جمود ، ثم اشتدت الظلمة تكاثفا في العصر العثماني باشتداد سلطان التصوف فيه.   وأي مقارنة للإنتاج العلمي بين القرن السابع مثلا والقرن العاشر تُظهر ذلك بوضوح ، وعلى الأقل فاقرأ أسلوب المقريزى وابن حجر وقارنه بأسلوب ابن اياس وابن زنبل الرمال فى أواخر العصر المملوكى ومطلع العصر العثمانى ، تجد الفارق واضحا.

والمؤسف أن ربط الصوفية جهلهم بالدين قد جعل الإسلام مسئولا  عن نشر ذلك الجهل . ونذكر بالعرفان قول كلوت بك يصف المصريين في العصر العثماني : ( السواد الأعظم من الامة المصرية هائم في الجهالة . وقد حاول بعضهم اسناد جهلهم إلى الديانة الإسلامية، وهو خطأ فاحش ومذهب باطل ، فإن في القرآن آيات كثيرة تدل على شرف العلم والحض على تحصيله ) [28] ..  ...

10 ــ وبعدٌ ..

فإن تاريخ العلم يختلف عن التاريخ السياسي لأمة من الأمم.  فمن الممكن أن تبدأ أُمّة بالضعف ثم تصل إلى القوة والشباب ثم تنحدر للضعف والانحلال . وهذا واضح فى مسيرة التاريخ الانسانى . إلا إن التاريخ العلمى ليس حتما أن يرتبط بهذا الخط البيضاوي البياني ، كما لا يرتبط تاريخ العلم في امة ما بقوتها السياسة، بل ربما تزداد القوة العلمية لأمة ما في عصر ضعفها بل تفككها السياسي، فالمسلمون تفرقوا دولا وأمراء في القرن الرابع الهجري وهو عصر الازدهار العلمي ، بل إن الأمة المهزومة قد تنتصر علميا على الفاتحين الجهلاء وفي التاريخ امثلة كثيرة ( أثينا مع اسبرطه والعرب مع البلاد المفتوحة والتتار مع العرب والصليبيون مع المسلمين والأتراك مع المصريين في الفتح العثماني ) .

العلم في الطريق الطبيعي ـ بدون عوائق ــ يسير في صعود وتقدم ، ويتوقف وينحسر ويذبل وينتهى إذا وُوجه بالجهل الذى يتمسح بالدين .

العلم فى أوربا ظل فى تقدم فى اليونان ( سقراط / افلاطون / ارسطو / جالينوس ..الخ ) ، وتلقّح بالحضارة الفارسية فى عهد الاسكندر الأكبر وخلفائه ، ثم قام الرومان بالبناء عليه ، ثم تحكمت الكنيسة فى العقل الأوربى فتوقفت مسيرة العلم الأوربى . العلم فى تاريخ المسلمين حمل الراية بعد اوربا بترجمة مؤلفات الاغريق وغيرهم ، والنقل عن الحضارات السابقة ـ أوربية وفارسية ـ وبنى عليها ، وظل فى تقدم إلى ان أوقفه الحنابلة باسم ( السّنة ) وأنها وحى سماوى، وجعل ( علوم السنة ) من حديث وتفسير وعقائد ( علم الكلام ) وما يسمى بعلوم القرآن ــ بديلا عن العلوم الحقيقية الفلسفية والطبيعية . ثم قضى التصوف بالتدريج على ما تبقى من ( العلوم السنية ) ، ووصل بالحياة العقلية الى الحضيض. هذا ، فى الوقت الذى بدأت فيه النهضة الأوربية بترجمة المؤلفات العربية ـ فى عصر الازدهار العلمى ـ والبناء عليها ، وإكتشاف المنهج العلمى التجريبى فى العلوم الطبيعية والذى دعا اليه القرآن الكريم ، كما إتبعوا دعوة القرآن فى السير فى الأرض ــ كل هذا بدون معرفة بالقرآن ـ ولكن وصلوا للمنهج القويم علميا لأنهم بدأوا الخطوة الأساس وهى تحجيم دور المسيحية وأربابها وتحريم تدخلها فى السياسة والتفكير وحظر تجولها فى الشارع ، وسجنها داخل أديرتها وكنائسها . بهذا إنطلقت أوربا تكتشف العالم وتستعمره ، وتكتشف البخار والقوى الكهربائية وتخترع ، ودخل بها العالم فى مسيرة علمية تتقدم الى الأمام حتى الآن ـ بعد أن تحرر العقل والفكر من تحكم المسيحية وكنيستها . ومن أسف أنه فى الوقت الذى كان فيه الشعرانى يسجل بطولاته الوهمية مع الجن وأسفاره الوهمية حول العالم ، وفى الوقت الذى عاش فيه المسلمون يفكرون فى ( جبل قاف ) وقدرة الولى الصوفى على تحريك الجبال وهزيمة الجيوش كانت أوربا تكتشف العالم الجديد ، وتجرّب إستعمال البخار قوة متحركة . وظل المصريون فى سُبات عميق الى أن أيقظتهم مدافع نابليون وهى تدكُ الأزهر ، فهرع شيوخ الأزهر يقاومون مدافع نابليون بتلاوة صحيح البخارى و ( دلائل الخيرات ) . وبعودة الحنبلية الوهابية تتحكم فى عقلية مسلمى اليوم عادت خرافات الأحاديث وعجائب الفتاوى الفقهية تصدر الساحة تحمل إسم الاسلام .



[1]
ــ سعاد ماهر : مساجد مصر 1 ــ 168

[2]ــ أبو الفيض المنوفي : جمهرة الأولياء  2 ــ 241

[3]أخبار القرن العاشر  مخطوط 76

[4]ــ المدخل 2 ــ  102

[5]ــ أبو الفيض المنوفي   جمهرة الأولياء : 2 ــ 241

[6]ــ لطائف المنن 293 : 294

[7]ــ آداب العبودية 11 ، 102

[8]ــ لطائف المنن 100 ، 

[9]ــ لطائف المنن   ، 154

[10]ــ النجوم الزاهرة 11 ــ 389 الذيل على رفع الإصر للسخاوى  90 ، البدر الطالع 2 / 234 ، 235

[11]ــ أنباء الغمر 3 ــ 57 إلى 64 ،  

[12]ــ أنباء الغمر  2 / 80

[13]ــ النجوم الزاهرة 15/ـ 127

[14]ــ ابن العماد الحنبلى : شذرات الذهب 7 ــ 51 ، 52

[15]ــ الأبشيهى : المستظرف 1 ــ 22

[16]ــ  المقدمة : 531  ، 522

[17]ــ أخبار القرن العاشر 79

[18]ــ الطبقات الصغرى للشعرانى 80

[19]ــ معبد المنعم 99 ، 100

[20]ــ عبد الوهاب عزام مجالس الغورى 38

[21]ــ أحمد أمين :ي قاموس العادات والتقاليد 173

[22]ــ حمودة :  صفحات من عصر السيوطى 248

[23]ــ السيوطي أسئلة السلطان قايتباي مخطوط ورقة 27

[24]ــ ضحى الإسلام 4/ 210 ، 214 ، 215

[25]ــ ظهر الإسلام  4 ــ 191

[26]ــ ظهر الإسلام 4 ــ 191 : 195

[27]ــ محمد يوسف موسى ابن تيمية 48

[28]ــ لمحة عامة إلى مصر 1 ــ 554

اجمالي القراءات 7851

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,055,893
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي