( هل كانت النبوة فى النساء ؟..نعم .!) ردُ على تعليق هام .!

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-01-06


 مقدمة :

علّق الأستاذ يوسف يورى على المقال متسائلا عن قوله جل وعلا :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ) (109) يوسف ). وواضح أن الآية الكريمة تفيد حصر الرسالات السماوية فى الرجال فقط  أى الذكور . وقمت بالرد السريع فى حينه فى موقع ( أهل القرآن )، وهنا أكتب الرد كاملا فى هذا المقال .

أولا : معانى كلمة ( رجال ) فى القرآن الكريم :

1 ـ كلمتا ( ذكر وأنثى ) تدل كل منهما على المعنى بالتحديد . كقوله جل وعلا (للَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)الشورى ). ولكن كلمة ( رجال ) قد تفيد ( الذكور ) وقد تفيد ( المترجلين ) الذين يمشون على ( أرجلهم ).

2 ـ وتأتى كلمة ( رجال ) بمعنى ( الذكور ) غالبا فى موضع المقارنة بالنساء . ونعطى بعض الأمثلة :

 ففى بداية تشريع الميراث يقول جل وعلا :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ) الرجال هنا أى الذكور مقابل النساء، بينما جاء ( الوالدان والأقربون ) لتدل على الذكر والأنثى معا . وفى ميراث الكلالة يقول جل وعلا : ( ... وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (176) النساء )  (إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً ) أى ذكورا وإناثا .ونظير ذلك قوله جل وعلا : ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَال نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ) (32) النساء ).

 وعن فريضة الجهاد يقول جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء ) ( الرجال ) أى الذكور مقابل النساء . أما الولدان فتشمل الذكر والأنثى . ونفس الحال  فى قوله جل وعلا عن فريضة الهجرة :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ). وفى تشريع زى المرأة وزينتها تضم التفصيلات الرجال الذكور التابعين والأطفال : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) النور). وكان فى مكة قبيل الفتح رجال ( ذكور ) ونساء مسلمات ، يقول جل وعلا : ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (25) الفتح ). ونختم هذه اللمحة بقول النبى لوط عليه السلام لقومه مستنكرا : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) الاعراف ) الرجال هنا تعنى الذكور ، وهذا ما جاء فى سورة الشعراء : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)).

3 ـ وتأتى كلمة ( رجال ) لا تعنى الذكور بل ( المترجلين ) الذين يسعون فى الأرض سيرا على أقدامهم . وجاءت كلمة ( رجال ) بمعنى مترجل فى قوله جل وعلا : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة ) : ( رجالا ) أى مترجلين ، مقابل ( ركبانا ) ، وهذا فى حالة الصلاة عند خوف ضياع الوقت ، كأن يكون المؤمن راكبا أو فى حالة مطاردة وحرب . وعن فريضة الحج يقول جل وعلا : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ( الحج )، أى يأتون رجالا مترجلين أو راكبين للإبل الضامرات من السير فى الصحراء . والصلاة فى المساجد هو للذكور والإناث ، اى للمترجلين  من الذكور والإناث الذين يسعون للمساجد مشيا على أرجلهم ، يقول جل وعلا : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور ). كلمة ( رجال ) هنا تعنى مترجلين . ومثله قوله جل وعلا : ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة ). وفى غزوة الأحزاب حيث حوصرت المدينة صمد المؤمنون والمؤمنات بينما إنفضح المنافقون والمنافقات ، يقول جل وعلا عن المؤمنين والمؤمنات الذين نجحوا فى إختبار المحنة : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) الاحزاب ). ( رجال ) هنا تعنى مترجلين ، حيث كانوا يسرعون فى الحركة دفاعا عن المدينة ، فى مقابل المنافقين القاعدين . وفى كتابنا ( المسلم العاصى ) تحدثنا عن الملائكة المترجلين على الأعراف  الفاصل بين أصحاب الجنة واصحاب النار : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) ..( وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ  ) ( الأعراف 48  ). الرجال هنا بمعنى ملائكة مترجلين .

 ثانيا : فى قوله جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ.. ) لماذا تعنى كلمة ( رجالا ) ( مترجلين ) تحديدا ؟ :

1 ـ السياق  جاء عن الأمم السابقة :  فقوله جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ.. ) جاء فى ثلاثة مواضع : فى سورة يوسف بعد إنتهاء القصّ عن يوسف ، يقول جل وعلا للنبى عن قومه القرشيين : ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107). ويأمره جل وعلا : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108). وبعدها يقول له جل وعلا داعيا قريش للسير فى الأرض للإتّعاظ مما حدث للأمم السابقين  : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) يوسف ).  فالسياق هنا عن الأمم السابقة . ونفس الحال فى سورة النحل : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل ). وفى سورة الأنبياء : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) الأنبياء ) .

2 ـ كانت الأمم السابقة تريد نزول ملائكة ضمن تكذيبها للرسل ، قالها قوم نوح : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24) المؤمنون ). قالوا ( لو شاء الله لأنزل ملائكة ). وقالها قوم عاد وقوم ثمود : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فصلت ). وقالها فرعون موسى : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) الزخرف ).

3 ـ كانت قريش تسير على سُنّة الأمم الكافرة السابقة فى طلب الملائكة  : لذا قال جل وعلا عنهم إنهم يشبهون الأمم السابقة : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )(33) النحل ).

4 ـ وجاءت أسباب الرفض فى إنزال الملائكة لهم :

4/ 1 : فهم لن يؤمنوا مهما جاءت من آيات ومهما نزل اليهم من ملائكة : (  وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (109) ، ( وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) الانعام ).

4/ 2 : والملائكة لا يراها الانسان إلا عند الموت ( ملائكة الموت )، وفى يوم القيامة ، وفى الحالتين لا مجال للتوبة ولا للعمل الصالح ، يقول جل وعلا : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلْ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الانعام ) ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً) ( 26 ) الفرقان ). وحين تنزل الملائكة فهو الحق الذى ليس فيه إمهال أو فرصة ثانية . ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (8) الحجر ).

5 ـ ثم هناك السبب الذى يخصّ موضوعنا عن معنى كلمة ( رجال )،وهو يختصّ بطبيعة الملائكة المختلفة عن طبيعة البشر . فالملائكة مخلوقات برزخية فى مستوى إهتزازى يعلو فوق مستوانا المادى ، وسرعتها فى الحركة فوق تخيلنا وإدراكاتنا ، والتعبير القرآنى عن هذه السرعات الفائقة يأتى بلفظ ( أجنحة مثنى وثلاث ورباع ) أى بلا حد أقصى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ). ولا يمكن للعين البشرية المادية محدودة الامكانات أن ترى الكائنات المادية الدقيقة فى نفس عالمنا ، ولا يمكن أن ترى أنواعا مختلفة من الأشعة ، وبالتالى لا ترى الملائكة التى تتخلل الجسد البشرى تسجل أعماله ؛ ملائكة تسجيل وحفظ الأعمال ، ولا يمكن أن ترى الملائكة من المستوى الأعلى ( الملأ الأعلى ) .

الطريقة الوحيدة أن تتجسّد الملائكة لتكون فى هيئة مادية بشرية ، كما حدث فى قصة ابراهيم ولوط ( هود 69 : 83  ) وفى قصة مريم (  مريم 16 : 21 ). تجسيد الملائكة هنا يعنى أن تترجل وتسير على قدمين ، لتمشى بسرعة البشر ، ولهذا فعندما طلبت قريش نزول ملك من السماء قال جل وعلا : ( وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) الانعام )، فالرفض هنا له سببان : أن نزول الملائكة يعنى نهاية الأمر ، وأنه لو نزلت الملائكة فستكون بشرا ، ولو نزل ( ملك ) سيكون ( رجلا ) أى مترجلا ، يسير برجليه وقد إرتدى نفس اللباس المعتاد للناس . فكلمة ( رجلا ) فى الآية تعنى ( مترجلا ) يمشى بسرعة البشر المعتادة المطمئنة البطيئة جدا جدا قياسا بسرعة الملائكة .

 والقول الفصل فى موضوعنا هو ما جاء فى سورة الاسراء :  ( وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) الاسراء ). فقد طلبوا آيات حسية مادية متنوعة ؛ تفجير ينابيع فى الأرض ، جنات من نخيل وأعناب ، صواعق من السماء ، مجىء الله جل وعلا والملائكة ..الخ ..وأساس العناد هو الاستكبار ، فكيف يتبعون بشرا رسولا مثلهم يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق : (  وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) ( الفرقان )، لذا يقول جل وعلا تعقيبا على طلباتهم فى سورة الاسراء : ( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمْ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً (94)  أى رفضوا الهدى لأنهم يريدون ملائكة تنزل لهم ، ويأتى الرد بأنه لو كان فى الأرض ملائكة تعيش كالبشر لأنزل الله جل وعلا لهم ملكا من السماء  : ( قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنْ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً (95) الاسراء ). الشاهد هنا قوله جل وعلا يصف الملائكة التى تعيش فى الأرض ( إفتراضا ) بأنهم ( يمشون مطمئنين ) أى يسيرون مترجلين .

أخيرا

والمستفاد من هذا ، أن الأمم الكافرة السابقة وقريش كانت تطلب ملائكة فجاء الرد الالهى بأن الله جل وعلا لم يرسل للبشر ملائكة بل رجالا بمعنى بشرا مثلهم مترجلين ، يوحى اليهم : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ).

فالرجال هنا تعنى بالتحديد ( مترجلين  ).والله جل وعلا هو الأعلم 

اجمالي القراءات 11863

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ١٠ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89104]

كلمتا ( ذكر وأنثى ) تدل كل منهما على المعنى بالتحديد . كقوله جل وعلا


(للَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)الشورى ). ولكن كلمة ( رجال ) قد تفيد ( الذكور ) وقد تفيد ( المترجلين ) الذين يمشون على ( أرجلهم ).وتأتى كلمة ( رجال ) بمعنى ( الذكور ) غالبا فى موضع المقارنة بالنساء . ونعطى بعض الأمثلة :ففى بداية تشريع الميراث يقول جل وعلا :( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (7) النساء ) الرجال هنا أى الذكور مقابل النساء، بينما جاء ( الوالدان والأقربون ) لتدل على الذكر والأنثى معا . وفى ميراث الكلالة يقول جل وعلا : ( ... وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (176) النساء )  (إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً ) أى ذكورا وإناثا .ونظير ذلك قوله جل وعلا : ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَال نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ) (32) النساء ). وعن فريضة الجهاد يقول جل وعلا : ( وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75) النساء ) ( الرجال ) أى الذكور مقابل النساء . أما الولدان فتشمل الذكر والأنثى . ونفس الحال  فى قوله جل وعلا عن فريضة الهجرة :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ). وفى تشريع زى المرأة وزينتها تضم التفصيلات الرجال الذكور التابعين والأطفال : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) النور)



2   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ١٠ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89105]

وكان فى مكة قبيل الفتح رجال ( ذكور ) ونساء مسلمات ، يقول جل وعلا :


 ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (25) الفتح ). ونختم هذه اللمحة بقول النبى لوط عليه السلام لقومه مستنكرا : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) الاعراف ) الرجال هنا تعنى الذكور ، وهذا ما جاء فى سورة الشعراء : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166)).وتأتى كلمة ( رجال ) لا تعنى الذكور بل ( المترجلين ) الذين يسعون فى الأرض سيرا على أقدامهم . وجاءت كلمة ( رجال ) بمعنى مترجل فى قوله جل وعلا : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة ) : ( رجالا ) أى مترجلين ، مقابل ( ركبانا ) ، وهذا فى حالة الصلاة عند خوف ضياع الوقت ، كأن يكون المؤمن راكبا أو فى حالة مطاردة وحرب . وعن فريضة الحج يقول جل وعلا : ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) ( الحج )، أى يأتون رجالا مترجلين أو راكبين للإبل الضامرات من السير فى الصحراء . والصلاة فى المساجد هو للذكور والإناث ، اى للمترجلين  من الذكور والإناث الذين يسعون للمساجد مشيا على أرجلهم ، يقول جل وعلا : ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) النور ). كلمة ( رجال ) هنا تعنى مترجلين . ومثله قوله جل وعلا : ( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة ). وفى غزوة الأحزاب حيث حوصرت المدينة صمد المؤمنون والمؤمنات بينما إنفضح المنافقون والمنافقات ، يقول جل وعلا عن المؤمنين والمؤمنات الذين نجحوا فى إختبار المحنة : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) الاحزاب ). ( رجال ) هنا تعنى مترجلين ، حيث كانوا يسرعون فى الحركة دفاعا عن المدينة ، فى مقابل المنافقين القاعدين . وفى كتابنا ( المسلم العاصى ) تحدثنا عن الملائكة المترجلين على الأعراف  الفاصل بين أصحاب الجنة واصحاب النار : ( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) ..( وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ  ) ( الأعراف 48  ). الرجال هنا بمعنى ملائكة مترجلين


3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الجمعة ١٠ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89107]

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) لماذا تعنى( رجالا )مترجلين تحديدا


السياق  جاء عن الأمم السابقة :  فقوله جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) جاء فى ثلاثة مواضع : فى سورة يوسف بعد إنتهاء القصّ عن يوسف ، يقول جل وعلا للنبى عن قومه القرشيين : ( وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107). ويأمره جل وعلا : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108). وبعدها يقول له جل وعلا داعيا قريش للسير فى الأرض للإتّعاظ مما حدث للأمم السابقين  : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109) يوسف ).  فالسياق هنا عن الأمم السابقة . ونفس الحال فى سورة النحل : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل ). وفى سورة الأنبياء : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (7) الأنبياء ) .كانت الأمم السابقة تريد نزول ملائكة ضمن تكذيبها للرسل ، قالها قوم نوح : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24) المؤمنون ). قالوا ( لو شاء الله لأنزل ملائكة ). وقالها قوم عاد وقوم ثمود : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14) فصلت ). وقالها فرعون موسى : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) الزخرف ).كانت قريش تسير على سُنّة الأمم الكافرة السابقة فى طلب الملائكة  : لذا قال جل وعلا عنهم إنهم يشبهون الأمم السابقة : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )(33) النحل ).



4   تعليق بواسطة   الأستاذ علي يعقوب     في   السبت ١١ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[89109]

هل كانت النبوة فى النساء؟ كلا


مع أن الله سبحانه تعالى لم يذكر بشكل حصري في كتابه الكريم أن الأنبياء والرسل كانوا من الذكور فقط دون الإناث، إلا أنه في المقابل لم يأتِ أبدا ذكر أي نبية أو رسولة في كل التنزيل الحكيم، وبناء على هذا فالقول بشكل جازم بأن النبوة كانت في النساء، هو قول خاطئ ومبني على الظن والوهم ولا تدعمه أي آية في كتاب الله. فالمعلوم أن الله تعالى أوحى إلى بعض النساء كمريم وأم موسى وإمرأة عمران، إلا أن الوحي لا يعني النبوة بالضرورة، فكل نبي يوحى إليه ولكن ليس كل من يوحى له هو نبي والفارق جلي. 



أتى ذكر النبيات من النساء في العهد القديم كمريم ودبورة وحنة وخلدة، لكن في القرآن الكريم هذا الأمر لم يذكر بتاتا، وبالتالي إذا اعتمدنا على القرآن الكريم حصرا فالإستنتاج الأقوى والفهم الأصح يكون أن الله سبحانه وتعالى إختار أنبياءه من الذكور فقط دون الإناث، فكل الأنبياء الذين ذكرهم الله في كتابه العزيز هم من ذكور البشر دون إستثناء. 



قد يحتج أحدهم بقول الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ، ثم يبني على هذا القول بأنه قد يكون الله عز وجل أرسل رسلا من النساء ولم يخبرنا عنهن، لكن هذا الإستنتاج أيضا خاطئ كونه مبني على الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا. فإذا بنينا على ما نملكه فعلا ونقرؤه بأعيننا من آيات وقصص قرآني، فيكون الأسلم والأكثر منطقية أن نستنتج أن الله عز وجل لم يختر أنبياء من النساء.



ليست لدي أي مشكلة على الإطلاق إذا كان هناك نبيات أو رسولات في التاريخ الإنساني، بل قد أحب أن يكون هذا، لكن المسألة هنا ليست مسألة تفضيل شخصي، بل مناقشة فكرة وسؤال بناء على نص القرآن الكريم الذي بين أيدينا، وهذا النص من أوله لآخره لم يذكر لنا نبية واحدة من النساء، فأنى لنا أن نتقول على الله ونقوله ما لم يقله عز وجل في كتابه العظيم، فنفترض من عندياتنا بدون دليل قرآني أن الله إختار نبيات من النساء؟!



أما لو شاء وأراد البعض أن يتخذ نص العهد القديم كدليل على نبوة بعض النساء، فهنا أيضا لا مشكلة عندي، فلكل إنسان الحق بالإيمان بما يشاء، لكن المشكلة تبرز عندما يريد هذا البعض فرض هذا الدليل على القرآن الكريم، فهنا علميا لا يحق له هذا ويكون مخطئا في إستدلاله. فالقرآن الكريم كتاب كامل بذاته والعهد القديم كتاب قائم بذاته كذلك، وليسا كتابا واحدا في مجلدين. 



مع كل التقدير والمحبة. 



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,882,168
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي