آحمد صبحي منصور Ýí 2014-04-12
فى باب الأسئلة والفتاوى جاءتنى هذه الرسالة من شاب مسلم يعيش مع ابيه وأمه وأسرته فى المهجر . لأهميتها أخصص لها هذا المقال .
فحوى الرسالة أنه تربى فى مصر طفلا ثم هاجر مع والديه وهو على أعتاب المراهقة ، وشهد مجتمعا مختلفا فى العادات والتقاليد ، وفى العلاقة بين البنت والولد . ليست هذه هى المشكلة الوحيدة ، المشكلة الاكبر فى نظره هى معاملة أبيه له ، فأبوه لا يتعامل معه ولا يتكلم معه إلا فى موضوع واحد وكلمة واحدة ، هى الأمر بالمذاكرة . لايعطيهم ـ وهو يتكلم عن اخوته ـ فرصة للتفاهم والنقاش ، بل حتى لا يجلس يتسامر معهم ، كل حياته فى العمل ، ويرى أن حياة ابنائه وبناته لا بد أن تدور فى المذاكرة والجد والاجتهاد . ويقول إنهم فعلا متفوقون و مجتهدون ، ولكن يريدون التمتع بالحلال ، النزهات و ( الفُسح ) ، وأهم من هذا جلسات المؤانسة مع ابيهم ، وأن يغير اسلوبه من الأمر والنهى والشجار الى التفاهم والمودة والرحمة . ويرى الشاب أن أباه مع هجرته من مصر وحياته فى أمريكا أكثر من عشر سنوات فلا يزال يفرض المناخ المصرى عليهم ، فى ( الزعيق ) والخصام والمنع والحظر ، وعدم التفاهم ، وأن هذا أدى الى مشاكل بينه وبين أمهم التى تتعاطف معهم ، وخلق فجوة بينهم من ناحية وبين أبيهم من ناحية أخرى، وأن هذه الفجوة تُنذر بعزلة الأب عن أسرته ، لأنهم منعا للمشاكل يضطرون الى عدم مصارحته ، وربما الكذب عليه . والشاب يريد منى أن أوجه كلمة للأب .
وأقول :
1 ـ هناك طرق مختلفة للتعبير عن الحب ، الأسوأ منها : الاهتمام الشديد والخوف الشديد على المحبوب . والأب الشرقى العربى المسلم فى أمريكا الذى يحب أبناءه وبناته بهذه الطريقة يعيش فى هوس الخوف عليهم ، ويرى نفسه مسئولا عنهم ، ومُلاما لو وقع لهم سوء ، أو إنحرفوا عن الطريق المستقيم . هذا الخوف يجعله يؤمن بالمثل المصرى القائل ( الباب اللى يجى لك منه الريح .. سدّه واستريح ) . وفى أمريكا الريح تأتى من كل إتجاه ، من المدرسة ومن النادى حيث سهولة الاختلاط الجنسى ، الى الانترنت ودنياه . هذا الهجوم الكاسح يؤدى بالأب الملتزم المرعوب على سلامة أبنائه وبناته ـ الى أن يعتنق الحظر والتحريم والمنع والتشديد . يظل هاجس الخوف مسيطرا عليه ، يخنق فيه التعبير عن الحب بطريقة مختلفة ، كالتفاهم والنقاش ، لأن النقاش قد يسلبه مكانته فى إصدار الأوامر والنواهى . لذا يبتعد عن هذا ليظل فى مكانه العالى يأمر وينهى ، غير مدرك أنه فى مكانه العالى هذا يجعله يقع فى الانفصال والانفصام عن واقع الأولاد ، وينتهى به الحال فى النهاية بعيدا وحيدا فى شيخوخته ، وقد تقطعت السُّبل بينه وبين اولاده وبناته الذين يشقون طريقهم فى تفاعل وتوافق مع مجتمعهم الأمريكى الذى ألفوه وتصالحوا معه . والخاسر هو الأب ، لأنه وقع أسيرا للطريقة الأسوأ فى التعبير عن حبه لأولاده وإهتمامه بهم .
2 ـ هناك الطريقة الأمريكية فى التعبير عن الحب ، وهى ترك الأولاد والبنات يمارسون حياتهم كيف يشاءون ، مع بعض النصائح الخفيفة ، إيمانا بأن هذه هى حياتهم وتلك هى مسئولياتهم .
3 ـ وأرى أن الطريقة الأفضل فى التعبير عن الحب هى التى تجمع بين هذا وذاك . النصائح والتوجيهات والمتابعة ولكن باسلوب محبب للأولاد خلال مشاركتهم فى النزهات والحفلات ، وتخصيص وقت للمؤانسة فى البيت ، وللنزهات فى الخارج ، وأن يكون الأب صديقا لبناته وأخا لابنائه ، والمثل المصرى يقول ( إن كبر ابنك خاويه ) أى إجعله أخا لك . لا بد للأب المصرى والشرقى أن يقوم بتجسير الفجوة بينه أولاده ، وهى فجوة فى العُمر وفى الثقافة، بأن يقترب منهم ، وأن يشجعهم على أن يحكوا له أسرارهم ، وألا يلجأوا للكذب عليه . وأن يوضح لهم إستعداده للغفران لهم إذا أخطأوا ، وأن يوضح لهم أنه هو فى شبابه لم يكن معصوما ، فقد وقع أيضا فى أخطاء ، وندم عليها ودفع ثمنا فادحا ، ، ومن المهم جدا أن يحكى لهم فى جلسات المؤانسة نوادر وطرائف وقصصا ومواعظ من حياته ومعاناته وذكرياته وذكريات الأهل والعائلة والأجداد ، وأن يختار موضوعات دينية وثقافية وعلمية للتناقش فيها ، لا يحتكر لنفسه الرأى الصواب ، بل يسمع منهم أكثر مما يتكلم ، ويدير النقاش بديمقراطية العلم حيث الانحياز للرأى الصواب ، سواء قيل من الابن او ابنت أو الأب أو الأم . التمسك بالروابط الأسرية لا بد أن يتم التعبير عنه بهذه الجلسات العائلية التى تُحبب الأولاد والبنات فى بيتهم ، وتبعدهم عن جلسات أصدقائهم الأمريكيين ، فطالما يجد الأبناء والبنات دفء الحنان الأُسرى ، ومُتعة التلاقى مع الأب والام فلا حاجة لحفلات الديسكو وجلسات أصدقاء السُّوء . إن الأسرة الأمريكية تفتقد ـ غالبا ـ هذا التلاقى ، مما يدفع الابناء الى البحث عن بديل فى الانتماء الى النوادى والتجمعات والروابط بديلا عن الدور الأُسرى المفقود . ولو قام الأب والأم بتوفير هذا الترابط ألأسرى فى البيت , وفى النزهات فى الخارج لأمكن تجسير الفجوة بين جيل الأب وجيل الأبناء ، والفجوة بين ثقافة أمريكا وثقافة الشرق .
4 ـ ومن المؤكد أنها مشكلة عامة تؤرق الكثيرين فى الجاليات العربية والمصرية والمسلمة . ويمكن بالتلاقى بين تلك الأسر التى تنتمى الى نفس الثقافة إجتياز هذه المحنة . فتتعدد اللقاءات بين العديد من الأُسر ، وتتكون فى إطارها صداقات نظيفة بين الشباب .
5 ـ هذا هو التعبير الأمثل عن الحب ، حب الأب لابنائه ، فلذات كبده . ليس بالمبالغة فى الخوف ، بل فى التعبير عن الحنان ، بالكلام والاهتمام والرفق ، والصبر والمصابرة . أرجو من الأب أن يجرب الجلوس مع ابنائه وبناته ، وأن يعبر لهم عن حبه بالاقتراب منهم والاستماع اليهم . وأن يُعطى من وقته نصيبا لهذا التلاقى ، ويجعل له أولوية فى حياته بقدر حبه لأبنائه وبقدر حرصه عليهم .
وندعو لهم بالتوفيق .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,054,859 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
عرفتك يا دكتور منصور: قرأت مقالك عن القرآ ن والسن ة وزواج...
لا تناقش الكافرين : كنت اناقش احد البخا ريين في موضوع الصلا ة ...
أريد زوجا قرآنيا: انا سيدة مطلقة عمري 37 سنة لي بنت عمرها سبع...
لا تقل هذا : السلا م عليكم اهل القرا ن هم اهل الله...
إشغال الرصيف بالسلع : ما حكم إخراج السلع إلى الشار ع ووضعه ا على...
more
السلام عليكم دكتور أحمد ، مقال مهم يعطي نموذجيا للمسلمين والعرب في بلاد المهجر ، ولكن أرجو أن يتمكن الاب من ان يجد متسعا من الوقت لكي يقوم بالتنزه مع أولاده ورعايتهم والتمكن من غمس النصائح بأسلوب غير مباشر ، فكلما كان بعيدا عن النصح المباشر كان افضل ، لكن ليس سهلا ايجاد وقت كافي فالناس في جري دائم ومستمر ، حتى يضطر الاب أحيانا أخذ وقت العطلة الآسبوعية في العمل ،!! هذا إذا كان الاب حيا يرزق ...
شكرا والسلام عليكم