القوي العظمي التي ستنقذ إبراهيم سليمان من السجن

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٩ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


القوي العظمي التي ستنقذ إبراهيم سليمان من السجن

القوي العظمي التي ستنقذ إبراهيم سليمان من السجن

ا/عادل حمودة

في يوم شم النسيم قبل الماضي جلس إبراهيم سليمان في مطعم فندق " فلسطين " المطل علي شاطئ المنتزه الساحر.. كان الوزير السابق يرتدي "تريننج سوت" أزرق عليه علامة "أديداس".. يتناول طعامه بمفرده.. لا جليس.. لا ونيس.. ولا تحية ولو عابرة بهز الرأس من كل من يمر به.. ومنهم شخصيات مؤثرة في الحكومة.

لم أكن قد رأيته منذ أن خرج من الوزارة وفقد بريق السلطة وزهوها.. فبدا شديد السمنة.. منحنيا قليلا.. وهو ما يفسر نهمه للطعام.. فقد وضع همه فيه.

كان نزعه من مكانه في وزارة الإسكان والتعمير التي تملك غالبية أراضي مصر ومشروعاتها أشبه بخلع ضرس صعب المنال.. لكن.. أحمد نظيف أصر علي أن يريه "عرض أكتافه".. وشجعه علي ذلك وزيرا الاستثمار والصناعة محمود محيي الدين ورشيد محمد وكانت حجتهما أنه يتحكم في الأراضي التي يحتاجها المستثمرون ويتصرف فيها دون الرجوع لهما.

حاول أصدقاء إبراهيم سليمان الكبار حمايته والإبقاء عليه.. لكن.. قوة التيار السياسي الجديد في الحكومة بدعم جمال مبارك أجهزت عليه.. ونقلت أحمد المغربي من السياحة إلي مكانه في لحظة واحدة.. خاطفة.. وهناك رواية تقول إنه رفض تخصيص فيللا لـ أحمد المغربي في مارينا.. وإن عرض عليه التوسط لشرائها من القطاع الخاص.. وهو ما رفضه أحمد المغربي.. خاصة بعد أن تأكد أن هناك فيللات تحت التخصيص يحتفظ بها إبراهيم سليمان لمن يشاء.. فهو جاهز بما خفي للمسئولين الجدد.. يعرضه عليهم قبل ان يطلبوه بأنفسهم.. وهذا هو سر قوته.

لم يسبق لوزير في مصر منذ أن عرفت صيغة الحكومة أن أصبح ظاهرة منفلتة القوة.. مثله.. إن كل من تولوا منصبه من قبل لم يصلوا إلي ما وصل إليه.. بمن فيهم أول وزير للتعمير عثمان أحمد عثمان.. والحقيقة أن قوته ليست في ذاته أو شخصه أو إنجازه.. وإنما في موهبته الفائقة في وضع غالبية مصادر القوي الأخري في رصيده بعد الأراضي والفيللات التي خصصها لهم.. وتشمل هذه القوي شخصيات مؤثرة.. وأجهزة رقابية.. ومؤسسات مهمة.. فهو صاحب فضل علي أعداد هائلة من رجال سلطة وأصحاب ثروة.. كثير مما كسبوه يرجع إليه.. ومن ثم لابد أن يشعروا بالامتنان له.. إلا قليلا.

ولابد أن صدمة إبراهيم سليمان في تعيين أحمد المغربي خلفا له كانت مروعة فلم يتردد في ان ينتقد سياسته في بيع الأراضي بالمزاد وهي سياسة أدت إلي ارتفاع جنوني في الأسعار.. وضاعفت من أرباح مليارديرات " التسقيع " في شهور قليلة.. ورغم أن أحمد المغربي تبادل القفشات الساخرة بينه وبين إبراهيم سليمان علي طريقة " انتم السابقون ونحن اللاحقون " إلا أن ما في القلب ظل في القلب.

وأحمد المغربي رجل أنيق.. مهذب.. يعرف كيف يقتل خصومه دون أن يطلق رصاصة واحدة.. أو يترك بصمة واحدة.. والدليل علي ذلك أنه قد سمح للنائب علاء عبد المنعم بالحصول علي كل المستندات الخاصة بإبراهيم سليمان تنفيذا لقرار محكمة نظرت نزاعا بين النائب والوزير السابق.. وكانت تلك المستندات هي التي تقدم بها النائب وزملاؤه الستة وأربعون إلي النائب العام في البلاغ الذي تحققه نيابة الأموال العامة العليا الان.

ويعد هذا البلاغ هجوما بالصواريخ ضد إبراهيم سليمان الذي كنت اول من فتح ملفات تجاوزاته قبل ثماني سنوات مما جعله يقدم بلاغا ضدي حققه رئيس النيابة وقتها حامد راشد الذي أثبت أمامه بالمستندات الرسمية الدامغة صحة ما كتبت ونشرت.. فوجد أن الذي يستحق الإحالة لمحكمة الجنايات الوزير الذي كان في عز قوته.. بجانب تبرئتي.. وهو ما جمد نتيجة التحقيق في مكتب النائب العام السابق ماهر عبد الواحد إلي أن أُقيل الشاكي من الوزارة.. فحفظ البلاغ.. وعجز سليمان عن تنفيذ تهديده بحبسي.. ومن جانبي عفوت عنه.. ولم أتقدم ضده بجنحة بلاغ كاذب.. ولم أطلب منه تعويضا مدنيا عن الساعات الطويلة التي قضيتها تحت ضغوط التحقيقات.

وما يلفت النظر أن غالبية ما ينشر الآن منسوبا إلي الرقابة الإدارية سبق أن نشرناه قبل تلك السنوات البعيدة.. لا جديد فيما يوجه إلي إبراهيم سليمان من اتهامات الآن.. الفرق الوحيد أننا واجهناه بها وهو في عز سلطانه ونفوذه وكرمه.. لكن.. من المؤكد أن دخول الرقابة الإدارية طرفا في المعركة يضع إبراهيم سليمان أمام المدفع بعد أن كان خلفه.

في ذلك الوقت أتذكر أن مسئولا كبيرا في الرقابة الإدارية استقبلني في مكتبه قبل أن يترك الخدمة وراح يتحدث عن المستندات التي تملأ ثلاث غرفات وتمس إبراهيم سليمان الذي ادعي مرة انه ورث ثروته عن ابيه.. وادعي مرة أخري انه جمعها من عمله مع السعودية.. لكن.. ما تقوله الأوراق يشير إلي طريق ثالث.. وعندما سألت عن سر السكوت عنه.. رفع الرقابي المهم رأسه إلي أعلي.. شاخصا ببصره إلي السقف.. وفهمت.. لابد من تعليمات عليا.

لقد تسبب إبراهيم سليمان في الإطاحة بالرئيس الأسبق للرقابة الإدارية أحمد عبد الرحمن عندما تسرب نبأ أن أجهزته تتابعه وتسجل له ما يوحي بتجاوزاته.. وكان واضحا أن متابعة وزير رقابيا تحتاج إلي قرار أكبر من رئيس الحكومة.. وما أن تولي هتلر طنطاوي رئاسة الرقابة الإدارية حتي التصق به إبراهيم سليمان.. ورافقه كظله في المناسبات الاجتماعية التي كان يهوي التواجد فيها.. وهو ما تجنبه خليفته محمد فريد التهامي الذي لا يراه أحد إلا في عمله.

في موسم الحج قبل الماضي جمعتني الصدفة بإبراهيم سليمان ولاحظت أنه يبتعد عن كل من حوله ويصر علي العزلة وكأنه من جنسية أخري.. لكن.. ما لفت نظري أكثر أن كل الذين استفادوا منه تجنبوه.. وكأنهم لا يعرفونه.. ودعانا مدير فندق أوبروي المدينة عادل عبد الحي علي العشاء في جناحه.. وحضرت شخصيات مختلفة ما أن رآها إبراهيم سليمان حتي اعتذر عن الجلوس.. بحجة أنه يحتاج وقتا لترتيب حقيبة سفره إلي مكة في اليوم التالي.. لكن.. كمال الشاذلي الذي كان علي رأس المدعوين طلب منه فيما يشبه الأمر ان يجلس.. فاستجاب إليه.. وإن لم يمكث طويلا.

لكن.. سبحان مغير الأحوال.. ما أن صدر قرار بتوليه رئاسة شركة الخدمات البترولية حتي دبت فيه الروح من جديد.. وخرج في حوار تليفزيوني يشكر الرئيس الذي منحه وساما ومنحه وظيفة عليا مغرية ومنحه رعايته.. وبدا وكأنه يخرج لسانه لكل من صدموا في القرار ووجه حديثه لهم قائلا : " يا عوازل فلفلوا ".. وكانت جملة مناسبة لرجل تعود علي أن يطلق لسانه دون حدود.. وأغلب الظن أن قيادات وزارة البترول استقبلت ما جري في صمت ربما كان أكثر بلاغة من كلمات كثيرة.. مباشرة.

والغريب أن جهات عليا سألت عن مدي شرعية الجمع بين عضوية مجلس الشعب ورئاسة الشركة والأكثر غرابة أن الإجابة كانت عائمة.. رأي في مجلس الدولة وافق.. ورأي آخر رفض.. فكان القرار بالتعيين.. وفيما بعد أحال فتحي سرور القرار نفسه إلي مجلس الدولة من جديد.. فتكررت الفتوي المتناقضة.. فكان لابد من عرض النتيجة علي الجمعية العمومية للمجلس التي كادت تصدر فتواها النهائية في وقت تصادف أن كشفت نيابة الأموال العامة فيه عن التحقيقات الأخيرة ضد إبراهيم سليمان فتأخرت الفتوي دون سبب ظاهر.

لقد عاد يفرد صدره كما كان ليذكرنا بدموع أحمد مظهر علي شاشة التليفزيون بعد أن اخترق المحور بيته الريفي.. وفي ذلك الوقت رفض إبراهيم سليمان مقابلة شهاب مظهر ابن الفنان الكبير وشريكه محمود الجمال دون أن يتخيل أن الزمن سيأتي له بمفاجأة صادمة هي أن محمود الجمال سيدخل في علاقة نسب ومصاهرة مع عائلة الرئيس.. ولا أعرف وقع ذلك عليه.

ولابد أن شعور إبراهيم سليمان بالندم تضاعف بعد أن وجد نفسه من جديد في مرمي النيران ولابد أنه راح يتساءل: من دفع الأمور إلي تلك الخانة المسدودة ؟.. هل هناك من أعطي إشارة لذبحه ؟.. هل هناك من سيرد له الجميل ويسانده ؟.. هل يكشف كل ما عنده أم يتحلي بالصبر والصمت حتي يلقون إليه بطوق النجاة ؟.

إن القانون يجبر الجهات المعنية بمطاردة تجاوزات الموظف العام ولو بعد خروجه من الخدمة.. وتستمر الملاحقة عشر سنوات.. تسقط بعدها بالتقادم.. وفي حالة إبراهيم سليمان فإنه لم يستهلك من مدة التقادم سوي خمس سنوات.. وبفتح التحقيقات في نيابة الأموال العامة العليا يكون وقوفه أمامها أمرا واجبا لا يستطيع الفرار منه.

وحسب ما سمعنا فإن إبراهيم سليمان حاول الاتصال بمكتب النائب العام لكنه لم يتلق ردا.. فقد أراد المستشار عبد المجيد محمود أن يكون محايدا إلي أقصي درجة.. ولا يدخل في حوار ولو عبر التليفون مع متهم ولو كان بدرجة وزير سابق.. ومن حسن الحظ.. لم يحصل النائب العام علي فيللا أو قطعة أرض أو شاليه من إبراهيم سليمان.

لكن.. هناك من حصل علي ذلك وأكثر من مسئولين كبار وصغار تدخل أحدهم وطلب من الصحف الحكومية أن تكف عن إبراز أخبار التحقيقات التي ستطول إبراهيم سليمان.. وتدخل آخر واقترح عليه أن يبادر بنفسه ويطلب من مجلس الشعب السماح له بأن يدلي بأقواله لتعطيل رفع الحصانة عنه وأخذ فسحة من الوقت يمكن خلالها التدخل لإنقاذه.

والإدلاء بالأقوال يغل يد النيابة عن توجيه اتهام للوزير السابق أو مواجهته بمستند يدينه.. لا يجوز للنيابة أن تقول له : " أنت متهم ".. ولا يحق لها أن تسأله : " ما رأيك في هذا المستند ؟ ".. ولا تقدر علي مواجهته بما قاله شاهد ضده.. كل ما للنيابة أن تقوم به هو سؤال واحد : " ماذا تريد أن تقول ؟ ".. وتتركه ليقول ما عنده دون مقاطعة.. ولو بقي يتكلم عشر ساعات.

بعد الإدلاء بالأقوال يحق للنيابة أن تطلب من مجلس الشعب السماح بالاستجواب وهو نصف رفع للحصانة يحق معه توجيه اتهام ولكن دون الوصول إلي إجراء عنيف مثل الحبس الاحتياطي علي ذمة القضية.. فإذا رأت النيابة الوصول إلي ما هو أكبر.. رفع الحصانة.. طلبت ذلك من مجلس الشعب.

واللافت للنظر أن إبراهيم سليمان تسرع في طلب الإدلاء بالأقوال.. فقد كانت النيابة في مرحلة التحري من الرقابة الإدارية ومسئولي وزارة الإسكان قبل ان تنتهي لقرار ما.. ربما حفظت التحقيقات دون استدعاء إبراهيم سليمان.. ربما فعلت ما هو أكثر من ذلك.

وربما تشابهت قضية إبراهيم نافع مع قضية إبراهيم سليمان في بعض جوانبها القانونية.. وربما انتهت لنفس نهايتها.. تبرئة صاحبها من كل ما نسب إليه.. ولكن.. هل سترضي هذه التبرئة الرأي العام ؟.. هذا هو السؤال الصعب.

إن ما نشر من وقائع تمس إبراهيم سليمان علي مدي السنوات الطويلة الماضية بجانب ما تسرب من الرقابة الإدارية والتحقيقات الحالية جعلته أقرب للإدانة منه إلي البراءة في محكمة الرأي العام.. وهي محكمة قاسية.. لا تقبل الطعن ولا الاستئناف حتي لو خرج كالشعرة من العجين من الجهات القضائية المختلفة.

وفي ظل هذا الحكم المسبق ينقسم الرأي العام حول مصير إبراهيم سليمان.. هناك من يري أن النظام تخلي عنه.. وقرر تقديمه كبش فداء في عام تبييض وجه الحزب الوطني بمناسبة الانتخابات البرلمانية القادمة بعد شهور قليلة.. وهناك من يري أنهم يفتحون ملفاته كي ينظفوها لتغلق بعد ذلك إلي الأبد.

هناك من يري أنها فرصة للنظام كي يكشف عن شفافيته وهناك من يري أن النظام لا يمكن أن يضحي به وإلا تورط بعض رموزه ورجاله في القضية التي قد يجد إبراهيم سليمان أنه لا مفر من أن يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع.. وإن كانت طبيعته في تنفيذ تعليمات الكبار تبتعد به عن ذلك الاحتمال.

وينقسم المسئولون حول القضية.. أغلبية قوية ومؤثرة تري أن نظرية الضوء الأخضر لذبح إبراهيم سليمان نظرية خاطئة.. لا أساس لها في الواقع.. فليس هناك في قوي السلطة العليا من يفكر بتلك الطريقة.. وأقلية تري أن الوقت قد أزف كي يدفع الوزير السابق الثمن.. وإن كانت كل هذه التوقعات سابقة إلي أوانها قبل ان تنتهي جهات التحقيق من عملها.

 

اجمالي القراءات 4162
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   سوسن طاهر     في   الأربعاء ٢٠ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[45114]

نفس القوى العظمى التي أنقذت السابقين ..

الذي سينقذ محمد إبراهيم سليمان هي هي نفس القوى التي أنقذت سابقيه من المفسدين ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق