حكايات من دفتر المعتقلين السياسيين في مصر.. يبقي «الظلم» علي ما هو عليه!

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٠ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الدستور


 

 

مقالات متعلقة :

حكايات من دفتر المعتقلين السياسيين فيمصر.. يبقي «الظلم» علي ما هو عليه!
 
 
 

سامية بكري

في الوقت الذي يحتفل فيه الملايين بعيدالفطر المبارك، يمكث خلف قضبان وجدران المعتقلات وسجون مصر مئات وربما الآلاف منالمعتقلين يفتقدون بهجة هذا اليوم، محرمين من كل ما في العيد من فرح وصلة رحمومظاهر ينعم بها ذويهم وإن كانت مرارة غياب أبنائهم المعتقلين تنغص عليهم فرحةالعيد، مع تكبيرات الصلاة يجلس المعتقلون في ظلمة السجن، ربما يتبادلون التهانيلكنها مذبوحة قتلها حبسهم وحرمانهم من نور الحرية،
بينما ننعم نحن بكل ما يرتبط بعادات وطقوس العيد، يجلس المعتقلونسوياً يرون نفس الوجوه، نفس ظلام السجن، نفس الرائحة، نفس الملابس، لا تغيير ولاتبديل لحالهم، لا يشعر بهم سوي من حرمهم الأمن من ذويهم وزجوا بهم خلف القضبانوملأوا بهم السجون.

الدستور تفتح ملف آلاف المعتقلين وتقرأ مآسيهم وتكشف عنجزء من العذاب الذي يواجهونه في محبسهم، ونحاول أن نشاركهم أحزانهم وآلامهم في يومالجميع فيه سعداء متناسين لما يراه هؤلاء المعتقلون خلف القضبان، محرومين منالاحتفال مع ذويهم بالعيد.
رمضان.. أدخلوه المعتقل لسبع سنوات .
 
 
 
 . فخرج بعاهة مستديمة وعبارة «لا يوجدتعويض»

الحاجة « فتحية علي سيد» عجوز فوق الستين من بنيسويف. .أعتقل ابنها «رمضان علي حسن» لمدة 7 سنوات في الفترة من 1992 إلي 1999 وحتيالآن مازالت تعاني معه آثار فترة الاعتقال ومازالت تحاول الحصول علي تعويضات ماليةعن تلك الفترة.

عن الاعتقال تقول: «رمضان كان عمره 18 سنة لما اعتقلوه ماكانش له دقن ولا بيصلي في الجامع نزل مصر يسترزق وكان بيبيع شوية ليمون في دارالسلام أخذوه مع واحد زميله كان أبوه سني وفضل في السجن 7 سنين لحد ما اتأكدوا أنهمش سني أتاريهم قبضوا عليه بدال واحد هربان
والله ما كان حتي بيصلي في الجامع لأن عنده شلل في رجلهالشمال».تضيف: «فضلت رايحة جاية من بني سويف لمصر أقدم شكاوي وتظلمات طول فترةسجنه، ده غير المرار اللي دقناه في الزيارات والشحططة من الوادي الجديد لطره لواديالنطرون للفيوم ورجله حصلها ارتخاء كانوا بيرفضوا ياخدوا الأدوية في السجن ولما خرجدوخنا وعملنا له عمليتين في مستشفي أحمد ماهر».

القصة لم تنته بعد «أبوهتوفي قبل ما يخرج بأربعة أشهر وأنا جاني تعب في الأعصاب ومع كده لازم أنزل مصر أدورعلي المحامين عشان قضايا التعويضات اللي الحكومة مش عايزة تصرفها لنا من يومخروجه».

ولأننا في مصر فكان لابد أن تستمر متاعب وعذابات رمضان حتي بعدخروجه من المعتقل: «المتابعة صعبة قوي مع الأمن، ياخدوه بالأربع ساعات وأحيانا يباتعندهم، ساعتها كنت أحط إيدي علي قلبي وأفتكر أيام السجن لما كنا نروح نزوره فيالوادي الجديد كان بينا وبينه شارع وهو وراء سلك وإحنا ورا سلك تاني ومن كتر الزحمةكلام الناس مع أهاليهم كان زي «الصوصوة» وبنفهم بعض بالإشارة والكحة ماكانش يحلالهاتيجي لي غير في العشر دقايق بتوع الزيارة وما أقدرش أتكلم معاه».«رمضان» الآن بعدسنوات الاعتقال وما خلفته من إصابات ليست لديه وظيفة، نال تعويضا بسيطا تزوج به،لكنه الآن «أرزقي» بلا عمل ثابت وكل أمله الآن أن تصرف الحكومة التعويض المناسبالذي قد يعينه علي الحياة بشكل آدمي بعض الشيء. تقول الحاجة فتحية :«نفسي يتوظف فيحاجة يتركن عليها ده مريض.. جريت عشان كشك في المحافظة وعند أعضاء مجلس الشعب محدشعبرني، وحتي كلية الشريعة والقانون اللي دخلها وهو في السجن مش قادر يكملها لما خرجلأنه بيجري علي أكل عيشه وعياله.. بس مين يسمع أو يحس».
 
خالد ياسين.. 17 سنة اعتقالاً «دون تهمة».
 
 
 
. وضابط الحراسة ضربه في موضع إصابته ثم «فص ملحوذاب»

>
تم الزج به دون قضية أو حكم معتقلا في سجن طرهولمدة عام من تاريخ اعتقاله لم يستطع رؤية أهله لأن الزيارة ممنوعة > اعتادالصلاة في مسجد تسيطر عليه جماعة الجهاد دون أن يعتنق أفكارهم وعندما جاء وقتالاعتقال.. كان اسمه علي رأس القائمة

ما أن فتح عينيه قليلاً حتي أغلقها مرةأخري فمازال تحت تأثير البنج، الخيوط والأفكار مازالت تتداخل وتتعارك داخل رأسهالمخدر وتشاركها آلام سبعة عشر عامًا راحت.
 
جاءه صوت أمه وهي تحذره «بلاش يا خالد صلي يا ابني في البيت وسيبكمن الجماعة السنية بتوع جامع الشادر» لم يأبه بكلامها كعادته منذ أن حصل عليالدبلوم وبدأ يتردد علي صلاة الجماعة وندوات مسجد الشادر ببني سويف، حيث يعيش معأسرته البسيطة.. الأب موظف والأم ربة منزل وهو الأوسط بين أخوته الذكوروالإناث.

الأحداث تصاعدت بسرعة، سنواته الثمانية عشرة لم تسعفه في اتخاذالاحتياطات أو الفرار من المكتوب، فالجماعة تصعد من خطابها الحماسي ضد الحكومةوالأمن يحاصر المسجد حتي لا يصبح معقلاً لأعضاء الجهاد، فجأة وجد نفسه ضمن مئاتالمعتقلين من أعضاء الجماعة. اقتادوه ليلاً من منزله وسط توسلات أبيه وصراخأمه.

مع الإفاقة التدريجية من المخدر بدأ يهاجمه الألم في موضع عمليةاستئصال المرارة ومعها تباغته ذكريات الألم والتعذيب، جرت الأحداث بسرعة مزعجة.. تمالزج به دون قضية أو حكم معتقلاً في سجن طرة، ولمدة عام من تاريخ اعتقاله في أبريل 1992 لم يستطع رؤية أهله لأن الزيارة ممنوعة، لكنه لم يعرف أن هذه هي البداية فقط،فعلي مدي سبعة عشر عامًا من الاعتقال تنقل «خالد ياسين» بين سجون طره أبي زعبلوالوادي الجديد ودمنهور والفيوم ووادي النطرون. وما بين الإفراج القضائي وإعادةاعتقاله في سيارة الترحيلات عاش علي حافة الأمل وسقط في الإحباط وافترسهاليأس.

يتذكر حزن والدته وأخوته وهم يبلغونه بوفاة والده بعد عام مناعتقاله. لم يحتمل أبوه المريض بالسكر صدمة اعتقاله والحرمان من زيارته، أما والدتهفكادت أن تفقد بصرها بعد استسلامها للبكاء الدائم حزنًا عليه، ومع امتداد فترةالاعتقال لم تعد قادرة علي زيارته في سجون يتعذب من بداخلها ومن يأتيها زائرًا.. ولا يزال يتذكر حتي الآن سجن الوادي الجديد وكيف كانت الزيارة فيه تمثل ذروةالإهانة لأهله، فبعد قطع مسافة طويلة في قلب الصحراء، يتم تفتيشهم بغلظة، ولا يسمحلهم بإدخال طعام أو أدوية بل إن الزيارة كلها رغم كل هذه المشقة لا تطول أكثر منعشر دقائق فقط.

تعاوده الآلام علي سريره في مستشفي المنيل الجامعي وتتداعيمعها ذكرياته حين رآه أخوه حسين محمولا بأيدي زملائه بعد أن تم حرمانه من علاجالحمي الروماتيزمية، كاد أن يغشي عليه حتي عملية المرارة التي يرقد الآن فيالمستشفي بعد إجرائها كان لابد من إجرائها عام 2006 ولم يتم ذلك إلا في 2009،فالإجراءات الطويلة والتعنت مازال يسيطر علي إدارة سجن وادي النطرون حيث استقرأخيرا، الطبيب أخبره بعد الفحص والأشعة أنه يعاني وجود حصوة علي الكلي تستلزم عمليةلتفتيتها ويحتاج أيضا لعلاج طبيعي مرة أسبوعيا علي فقرات الغضروف.

تأثيرالبنج بدأ يتلاشي بصعوبة، فتح عينيه ليجد نفسه مقيدًا في سريره لا يستطيع حتي فركعينيه. علم من الممرضة أن الطبيب رفض أن تربط يديه في السرير لكن الضابط المكلفبحراسته أصر علي ذلك.. عندما أتي الضابط طلب منه أن يفك وثاقه فيكفيه آلام العملية،فرفض وعندما جادله في حقه كإنسان لطمه الضابط علي وجهه بقوة، لم يشعر بالألم بقدرما شعر بإنسانيته تهدر فصرخ في وجه الضابط «أنت لست رجلاً» تستقوي علي مريض مقيد. تضربني وأنا لا أستطيع الرد. استشاط الضابط غضبا وضربه بلا رحمة في موضع العمليةالجراحية.... الأطباء والممرضات يهرولون لوقف النزيف الناتج عن الضربة لكن لا أحديشهد بما رأي، مورست عليهم الضغوط من قبل الضابط حتي يتم نقل «خالد» إلي عنبرالمعتقلين بمستشفي السجن رغم احتياجه للبقاء بالمستشفي تحت الرعاية، عدم استكمالالعلاج أدي إلي آلام والتهابات مزمنة.

عندما علمت أسرته بما حدث تقدموابالشكاوي لمديرية أمن القاهرة ولوزارة الداخلية وحرروا محضرا ضد الضابط الذي لايعرفون اسمه والذي ذاب فورا بعد علمه بإجراء المحضر، نائب مأمور قسم مصر القديمةأوهمهم بجديته في الإجراءات عندما هددوا باللجوء للصحافة لكنهم اكتشفوا أن المحضروهمي وأن المأمور يدعوهم للصلح مع الضابط.

شعر أجوه «حسين» بأن حق «خالد» يضيع لجأ إلي النائب العام وقدم بلاغا برقم «9510»، أخته «كريمة» بكت عندما رأتهبعد اعتداء الضابط عليه لم تصدق أن هذا هو أخوها الأصغر الذي صارع سنوات الاعتقالواستطاع أن يحصل علي الثانوية العامة بمجموع 98% ويلحق بكلية الصيدلة ولولا قيامإدارة السجن بمنعه من الامتحانات لوصل للسنة الرابعة بالكلية. لم تصدق أن رجالالأمن لا يكفيهم اعتقال حريته فيعتدون عليه ضعيفا طريح الفراش وتمر الجريمة بلاحساب أو عقاب.

أما هو فيتساءل ألا يكفي أنهم منعوني من اصطحاب تقاريريالطبية من المستشفي إلي السجن فكيف أثبت أنني مصاب بحساسية الصدر والعيون والانزلاقالغضروفي، هل أعود لنقطة الصفر مرة أخري حيث الإجراءات الطويلة للعلاج؟

طالببالإفراج عنه كغيره ممن خرجوا من المعتقلين فطالبوه بالتنازل عن أفكاره، رد ليس ليشأن بمبادرات أو مراجعات أحد وليس لكم شأن بفكري.. حاسبوني علي أخطائي تعاملوا معيكملف أمني وليس كصاحب فكر أنا حر فيما أعتقد وتنتهي حريتي حين أعتدي علي حريةغيري.

عاد «خالد» إلي محبسه في النطرون ومازال يعاني آلامه المتكررة ومازالبحاجة للعلاج ومازال أخوته يترددون علي وزارة الداخلية ومكتب النائب العام لعل أحديمكنه أن يحقق في التهمة التي قضي بسببها «خالد» 17 عاماً في السجن ولعل هناك منيلاحق ذلك الضابط الذي اختفي بعدما «استرجل» علي معتقل مريض يديه مربوطة في سريرمستشفي.
 
محمد زارع: عدد المعتقلين انخفض بعد حادثالأقصر عام 1997 من 23 ألفاً إلي 4 آلاف
 
 
 
.. لكن أوضاعهم لا تزال «متردية»


عدد المعتقلين الإسلاميين في سجون نظام «مبارك» وأحوالهم كانت علي مدي الخمس سنوات الفائتة محل نقاش وجدل طويلين بين ممثلي النظاموالمعارضة فما بين ثلاثة أو أربعة آلاف حسب تصريحات الحكومة و 25 و 30 ألفاً حسبتقديرات المعارضة وجمعيات حقوق الإنسان لم يتم الوصول بدقة إلي العدد الفعليللمعتقلين الإسلاميين حتي الآن.

«
محمد زارع» - الناشط الحقوقي ورئيس المنظمةالعربية للإصلاح الجنائي - يقول: «قدرنا عدد المعتقلين بثلاثة وعشرين ألفاً وذلكحتي عام 1997 بعد حادث الأقصر الشهير،
حيث بدأت بعدها نغمة التهدئة بين الدولة والجماعات ثم المبادراتمن قبل الجماعات التي تلاها الإفراج المتوالي عن الآلاف منهم حتي أصبح العدد الآنيتراوح ما بين ثلاثة أو أربعة آلاف وهو العدد الذي نستطيع تقديره من خلال زياراتناالدورية للسجون وإحصاء عدد الزنازين وعدد المعتقلين في كل زنزانة».

أما عنأحوال المعتقلين فيعتقد «زارع» بوجود تحسن جزئي فيما يخص حقوق الإنسان حيث تم فتحكل السجون للزيارة وتم السماح للمعتقلين بالدراسة والامتحان، كما تطورت الظروفالصحية لهم إلي الأفضل نتيجة تناقص أعدادهم، ويستدرك زارع قائلا:ليس معني هذا أنالأوضاع نموذجية فمازالت الظروف الصحية لبعض المعتقلين متردية وباستثناء سجن مزرعةطرة الذي يوجد به الصفوة من رجال الأعمال وضباط الشرطة والقضاة فإن أحوال السجونوالمعتقلات مازالت غير مرضية وهناك نقص الإمكانات، كعدم توافرالأدوية.

يضيف: «تخضع معاملة المعتقل السياسي داخل السجن للظرف الأمني فيالخارج فعندما تم التصالح مع الجماعة الإسلامية طبقا لمبادرة وقف العنف تحسنتمعاملة معتقلي الجماعة كثيرا بالسجون وفي المقابل نجد الدولة تتعامل بكل عنف مع «كفاية» أو«الإخوان» أو أي مجموعة عمالية تتظاهر كما حدث مع عمال المحلة. ورغم تحسنمعاملة المعتقلين الإسلاميين فمازال بعضهم يشكوا، أعتقد أن لديهم الحق فوجودهم فيالمعتقل في حد ذاته أمر غير طبيعي فالأمن يتعامل مع كل معتقل حسب مبدأ المبادرة أوالتوبة أو التراجع عن فكر معين والإفراج من عدمه يتم حسب التصنيف الأمني، بينماالمفروض أن يتم الإفراج عن كل المعتقلين بلا استثناء لعدم وجود حكم قضائي أو جريمةارتكبوها خاصة مع الاتجاه لإلغاء قانون الطوارئ والوعود بعدم تجديده حيث وجودهم قيدالاعتقال غير قانوني أو إنساني».

ورغم قيام الدولة بالإفراج عن الآلاف ممنضاع شبابهم في المعتقلات فإنها لم تمد لمن خرجوا يد العون ولم تؤهلهم لمواجهةالواقع حتي الآن، وهو ما يفسره زارع قائلا: «الحكومة تفعل ذلك لأنها تظن أن هؤلاءالمعتقلين السابقين لن يعودوا إلي العنف ثانية وذلك لأن معتقلي هذه الأيام تنظيماتمتفرقة لا يضمها تيار واحد، لكن هذا تفكير خاطئ، لأن عدم احتواء المعتقلين بعدالإفراج عنهم يجعل باب عودتهم إلي العنف مفتوحا وملجأً دائما لهم».
 

 

اجمالي القراءات 4946
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   سوسن طاهر     في   الأربعاء ٢٣ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[42364]

أدعوا الله ..

أدعوا  الله سبحانه وتعالى أن تختفي ظاهرة الإعتقال والمعتقلين ومن المؤكد بإذن الله أن هذا سيكون قريبا ، ومن المؤكد أيضا أن الله سبحانه وتعالى سينتقم من الظالمين ، مهما طال الوقت ، ففي النهاية سيحصلون على جزائهم العادل ..
 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق