بعد أن فرقتهمانيران الإحتلال الإسرائيلي شقيقتان فلسطينيتان تلتقيان بعد 61 عامًا

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٦ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف


بعد أن فرقتهمانيران الإحتلال الإسرائيلي شقيقتان فلسطينيتان تلتقيان بعد 61 عامًا

شقيقتان فلسطينيتان تلتقيان بعد 61 عامًا

GMT 8:00:00 2009 الخميس 16 يوليو

غادة أسعد 
غادة أسعد من الناصرة: لم تكن الحاجة آمنة عبد الله مصطفى الخطيب "ام فؤاد" (79 عاما)، تحلم يومًا بلقاءِ شقيقتها نجاة، ( 65 عامًا) والتي حملتها على ظهرها أيامَ صباها، حتى كادت تقع أرضًا من فرط التعب.



قصة الشقيقتين آمنة ونجاة تلخّص قصة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.

لا تزال الحاجة آمنة الخطيب تعيش في تفاصيل "التفاصيل" التي تذكرها منذ ولادتها في قرية رأس الأحمر، قرب مدينة صفد، والتي هُجر أهلها الى الأراضي اللبنانية، بعدما قررَت القوات الاسرائيلية في الثلاثين من تشرين أول من العام 1948، مهاجمة البلدة وتهديدهم بمجازر كالتي طالت القرى المجاورة كالصفصاف والجِش وصالحة والريحانية ودلاثة وقرىً أخرى قريبة.

وفي مدينة سخنين، كانت المشاعر فوق الوصفِ عندما التقت الشقيقتان آمنة ونجاة، على أرضِ فلسطين بعد 61 عامًا من الحنين والشوق، وكانَ لمراسلة "إيلاف" حضورٌ في تلك اللحظات الإنسانية.

بكى الجميعُ لحظتها، أطفالاً ونساءً ورجال، يوم حضنت ام فؤاد شقيقتها نجاة، وأجهشت في البكاء.
دموعٌ امٍ لحظة احتضان ابنتها، وعناق شقيقةٍ وجدت ضالتها، وعبرات ممزوجة بالفرح الذي يتمناه المرءُ أن يستمر العمر كله...
وبكلماتٍ حزينة قالت: "يا حبيبة قلبي، مش مصدقة إني شفتك... كيف خواتي؟! كيف اخوي راشد؟!! مناح خيتا؟!"
ردت نجاة: "مناح خيتا، ليش بتبكي، لازم تفرحي... أنا ما صدقت اشوفِك!!".

عادت آمنة لتتحس رأس شقيقتها الأصغر نجاة وتسقط دموعها مدرارًا على وجنتيها، ثم تحضنها لتبتسمان معاً والدموع لا تزال في المآقي.

وتمنّت كل واحدة منهما للأخرى عمرًا مديدًا ودوام لمّة العائلة.

هدوء ما بعد الحلم وذكريات موجعة!

يبدو أنّ اللقاء بين الشقيقتين أراحَ أعصابهما تمامًا، وصارتا أكثر تفاؤلاً وفرحًا وامتناناً إحداهن للأخرى، بينما عادت ام فؤاد لتحكي قصة مسقط رأسها، أيام الهجيج، فقالت: "قامت قوات شيفع، هيك كان اسمها (السابع)، بالدخول الى أراضي الرأس الأحمر مسلحة بالدبابات والرشاشات، لكنها وجدت القرية خالية من سكانها، فجميعهم نزحوا الى لبنان هرولة...
قالت والدتي: "سنأخذ خبزًا ومرطباناً من اللبنة الجاهزة، وسيرافقنا راشد، ووالدكم، فهيا اسرعن يا بنات... لن يكون بمستطاعنا أن نفعل شيئًا للبليلة (حبات القمح المسلوقة) المنشورة على سطح البيت، سنتركه إلى أن نعود".

وكان هذا آخرُ مرةٍ تلتقي العائلة في بيتها الكائن في الرأس الأحمر.
سألتها: "هل قتلَ اليهود أحدًا من أبناء القرية، ساعة الهجيج؟!
أجابت: "لما نزلنا من الخلة، وين كنا ساكنين، شفنا ناس متصاوبين وناس مقتولين، معلوم كان فيه قتلى، كانوا يضربوا علينا بالرشاشات، دارنا عالية، وقفوا عند دارنا وصاروا يضربوا علينا، تيجي الرصاصات من فوق راسي، احسمس على راسي الاقي فش دم، أطير من الخوف، لو كنت شفت دم كنت متت".

تابعت الحاجة آمنة سرد حكاية فلسطين: "يوم الهجيج، خرجَ جميع أهل قريتي، عائلات بأطفالهم ونسائهم وكبارهم، اندفعوا يتراكضون، نهرني يومها والدي قائلاً: (احملي نجاة يا آمنة)، فحملتها على ظهري ومشيت.... كنتُ في السابعة عشرة من عمري، مشيْنا في طريقٍ طويلة، وعندما هدني التعب، تأففتُ وأنزلتها عن ظهري، وتركتها تمشي لوحدها وهي أقلُ من خمس سنوات... في الطريق الى المجهول رأيتُ مسنينَ لا يحملون شيئًا سوى أرجلهم التي بالكاد تجرهم... وصلنا الى مدينة صور، لم يبهرني المكان فقد كان همنا المشترك في هذا الحدث الجلل، يوم النزوح عن الديار".

تخطّت ام فؤاد ذكرياتها في لبنان، ويبدو أنّ الذاكرة لم تُسجل وجع الغربة الذي عاشته مع أهلها هناك، اكتفت بالإشارة الى تعرفها على أبو فؤاد، محمد غالية، الذي التقته وبعض أفراد عائلته في لبنان، تزوجا وعادا الى مدينة سخنين، وفي سخنين شاءت الأقدار أن تستقر بأمانٍ مع زوجها وتلد له صبية من الإناث والذكور، لكنّ لم يستطع الزوج ولا الأبناء ولا الأحفاد أن يخففوا من وجعها المستمر لفراقها عن الأهل.

قالت ام فؤاد بهدوء وكأنها تحدث نفسها: "آه يا ميمتي، حرمتُ من نعمة الوالدين، ومن حنان الأشقاء، حبيب قلبي يا راشد شو مشتاقة احضنه واضمه لصدري... يا ويلي ما اصعب الحياة من دون اخوي واخواتي، راشد الله يخليلولو ولاده، خلف 4 صبيان و3 بنات، الله يحرسهم...".

سألتها: "شو مع خواتك؟! التقيتِ بهم؟!"
فأجابت: "قبل أكثر من 20 سنة، عملنا على استصدار تصاريح لهم، وزرنني شقيقاتي، لكن للأسف لم يستطع راشد الحضور، ثمة مشكلة تعيقه عن لقائي، طلبت منه أن نلتقي في الاردن، فأكدّ انه لا يستطيع، لكننا نتواصل باستمرار عبر الهاتف".
تجتاحها موجة من الشوق للقاء شقيقها راشد فتقول: "ع لوا من الله اشوفو، بالذات هو دوناً عن خواتي كلهن، ما اغلاه علينا، ملناش غيرو بهالدنيا".

السعادة غير المكتملة وحلم العودة المؤقت!!

أيامٌ معدودة مضت كالبرق سريعًا، كانَ حلمًا عاشته عائلة غالية من مدينة سخنين داخل الخط الأخضر، وأسعد الأيام قضتها الشقيقتان آمنة ونجاة معًا في الوطن الأم، فلسطين.
خمسة أيامٍ، لم تكن تكفي لتخرج بواطن الشوق من الأعماق، لكنه يظلُ حلمًا جميلاً وحقيقة مؤقتة.
عادت الأخت الصغرى نجاة الى أبنائها المقيمين في مدينة، بعد أن قذفتها أمواج القدر طفلة في مخيم عين الحلوة، وصبيةً في مدينة أبو ظبي، ولاجئة في الخامسة والستين من عمرها، تحمل الجنسية الأمريكية.

وعن اللجوء تتحدث شقيقتها ام فؤاد، بكلماتٍ عامية بسيطة لكنها تحملُ معنىً لا يمكن أن يعيه سوى اللاجئ الفلسطيني، إذ تقول: "كل حياتنا نحنا الفلسطينيين لجوء بلجوء، من عين الحلوة، لأبو ظبي، لأميركا، فيه أصعب منها هاي "الشحشطة"؟! في حدا غيرنا احنا الفلسطينيين منتفرق هيك كل واحد ببلد؟! واحدة بلبنان، وواحدة بأبو ظبي، وواحدة هون؟!! يا اما ما اصعبها حياتنا"....

زيارة عائلية الى تراب "الرأس الأحمر"

طلبت الحاجة نجاة من عائلة شقيقتها الكبرى غالية القيام بزيارة الى "الرأس الأحمر"، فهلّل الجميع، ووصلوا الى البلدة، وما أن أطلَ البيت أمام الزائرين واقفًا شامخًا كما تركه أصحابه قبل واحدٍ وستين عامًا، حتى صدمت الشقيقتان، بكتا وأبكتا الحضور، قالت ام فؤاد: "في هذا البيت عشنا مبسوطين أنا ونازلي وأديبة وفاطمة ونجاة وراشد وأبوي وامي"...
واستمرت في سرد التفاصيل: "هنا كان كرم الزيتون، وأين النبع؟! تركنا البيت مليان ومفتوح على وسعه، يا ريت ما عشنا وشفنا اليهود ساكنين محلنا... مخربين الأرض، ما فيه لا أرض ولا عرض، كنا 1000 نفر، ضلّ 3 بيوت بالعدد؟!"
ابتسمت وقالت: "كنا نزع قمح وشعير وفول وعدس... محو البيوت تقريبًا بس ضل الكرم والتينات والعنبة محلهن... سبحان الله".

وعند الوداع بكت ام فؤاد بحرارة وهي تعتّب قائلة:

وانا لارسل سلامي وابعتلـــــن
وصدى وهموم مني لابعتلن
لو انو خيتا الطير يفهم لابعتلهن
عمنو يزيع في رد الجواب

وبكلماتٍ موجعة، أبكت الحضور رددت أيضًا:

أنا لكتب سلامي بحبر جـازْ
على اللي خـلّوا حـْوالي ما تنجاز
وبـْـأيا شرِع وفراقـْكم جـازْ
وبـأيّ كـْـتاب حلـَّلــــــــتوا الجفا

نـِزل دمعي على خـدي طريقين
يا شِبـْه المـَي بالسـّهله طريقين
أنا خـََمـَّنِـت الموت والفرقة طريقين
أثــاري المـوت والفرقة سـوى!

حـْبـابي شمـَّلـوا شمـَل وسـنـْون
عليهم لصـبُغ الشـِّفه ولسـنونْ
حـرام الضحك وإبيِّنـكوا يا لِـسنون
ما دامْ وجوههم عنـا غـْـيابْ

نـِزِل دمعي على خـدّي حـرقني
مثل الزيت بالمقلي حرقني
أنا تمنيت ربي ما خلقني
خلقني للمراره والعــذابْ

أنا لابكي وابـَكيّ بـْعـاد وقـْرابْ
ومنْ دمـِع عيني لـَمـَليّ ظروف وقِربْ
متى يا ظـعن لِـحبابْ تِقربْ
واجازي الليّ في غيبتنا اشتفى

اجمالي القراءات 2899
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الخميس ١٦ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[41125]

موقف مؤثر

اللهم اجمع شمل العائلات  على خير وسلام  فأرض الله واسعة كما عبر القرآن للمستضعفين  في الأرض  ، وغدت وسائل الاتصال  تجعل ما كان مستحيلا بالأمس ممكننا اليوم .


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق