صناعة الفقر فى مصر

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٤ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إنقاذ مصر


منشور الثورة والحرية: صناعة الفقر

13-05-2010

يحيى زكريا نجم

كما أن لصناعة الثروة أصولاً وقواعداً في الدول المتقدمة ، منها العدالة وطهارة اليد والشفافية والاهتمام بالعلم والتعليم والتجريب وتطبيق المنهج العلمي والمنطقية في التخطيط والتنفيذ ، والإتقان وإتباع معايير الجودة في العمل وإطلاق طاقات الإبداع والعقول واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب والتطوير ومتابعة الجديد … الخ .
فإن لصناعة الفقر في الدول المتخلفة أيضا أصولا وقواعدا هي الضد والنقيض مما سبق .
خبر قرأته منذ أشهر قليلة على موقع “المصريون” مازال يطرق رأسي حتى اليوم ويطاردني في الصحو والمنام ، حول تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن مراجعة أعمال بنك مصر ، يقول الخبر أن ” تقرير الجهاز كشف عن أن البنك قد منح قروضا تصل إلى 65 مليار جنيه إلى 26 مستثمرا ” !!!!!!!!!
أي أن مراجعة الجهاز لحافظة ائتمان البنك كشفت عن حصول 26 مستثمرا على 65 مليار جنيه من أموال الشعب ، من أموال الغلابة محدودي الدخل من أموال المعدمين سكان الأكواخ والعشوائيات من أموال الشباب الذي لا يجد سكنا ولا زواجا ولا عملا ، من أموال معاشات كبار السن الذين يتقاضون ملاليم بعد أن يقفوا في الطابور يوما أو بعض يوم ، من أموال الذين لا يجدون مقعدا في وسيلة مواصلات ولا مقعدا في مدرسة لتعليم أولادهم ، الذين لايصل إليهم الماء ولا يجدوه ، المجاهدون في طوابير الحرب الأهلية على المخابز والحوامل اللاتي أصبحن يضعن مواليدهن أثناء انتظار رغيف الخبز ، والذين أصبحوا يحكون لأولادهم عن اللحم في الحواديت !! كما يحكون لهم عن أعاجيب السندباد والعفاريت والعنقاء والساحرة الشريرة , بعد أن وصلت أسعاره إلى أرقام فلكية !!!

ولا أجد طريقة أخرى لوصف الخبر وتبسيطه لنستوعبه سويا ، والغريب أنه مر مرور الكرام ولم أسمع عن وقوع انقلاب أو حتى مظاهرة أو احتجاج ولا حتى استجواب في مجلس الشعب عنه ، هل وصل الأمر بنا من البلاهة والبلادة إلى هذه الدرجة ، لذلك لم يدهشني ما قيل لي بعد ذلك عن وصول أسعار أنابيب الغاز (في بلد منتج له) واللحوم إلى مستويات خارج قدرة الغالبية ، وكما قلنا في مقالات كثيرة قبلا إن الفقر ليس سبب الشقاء ولكنه نتيجة لعوامل كثيرة (من أهمها الفساد والاستبداد وهما صنوان لا يفترقان) .

ونعود إلى الخبر مرة أخرى لنجتهد أو أجتهد في فهمه ، لأني حتى الآن لا أستطيع استيعابه : 65 مليار جنيه تساوي =  حوالي 12 مليار دولار (بالتأكيد هي أكبر من ميزانية عدد من الدول) مقسمة على 26 شخصا = أي أن نصيب كل فرد أو جهة = 2500 مليون جنيه (2،5 مليار جنيه) =  أقل قليلا من 500 مليون دولار  !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! وأرجوكم مراجعتي في الحسبة السابقة حيث كانت درجاتي في الحساب ضعيفة شوية في المرحلة الابتدائية !!!

وأرجو منكم الصبر لأن ” الثقيل لسه وراء ” فالمصيبة لا تقتصر على ما فات ، ولكن ما كُشِف عنه بعد ذلك هو أضل سبيلا : وبمراجعة الجهاز لحافظة ائتمان البنك تكشف له ما يلي :
-    أنه هناك بعض صلات القربى بين الحاصلين على القروض (مجموعة ال26) ، أي أن بعض العائلات قد حصلت على ما يزيد عن مليار دولار   (5 مليار جنيه مصري = حوالي مليار دولار في بلد مش لاقي أنبوبة الغاز!).
-    من بين الحاصلين على القروض شركة “الإمارات للاتصالات” ، أي أننا (غلابة مصر) نقوم الآن بتمويل دولة الإمارات وشركاتها !!!!! ، والأدهى من ذلك أن هذه الشركة وهي شركة خاصة حصلت على القرض بتسهيلات على أنها شركة عامة حكومية !!!
-    أعرب التقرير عن تخوفه من قدرة بعض  الشركات التي حصلت على القروض على السداد .

هل عرفنا الآن لماذا لا نجد اللحم ولا الغاز ولا المواصلات ولا السكن ولن نجد حتى التراب لنسفه بعد ذلك !!! هل عرفنا الآن لماذا يتحدثون عن ثروات تقدر بمليارات الدولارات لأسرة الرئيس في الخارج ، هل عرفنا الآن لماذا يجري الرئيس عملياته بالخارج ، ولماذا تضع زوجة المحروس ولي العهد مولودها في خارج مصر !!!

وبما أنه لم تقم ثورة حتى الآن ولم يقع انقلاب عسكري ولم تخرج المظاهرات ، أفترض أن الأمر ليس واضحا بعد ، فأستأذنكم في الإسهاب في مزيد من التعليق لاستجلاء الأمر بهذه النقاط :

-    على حد معلوماتي المتواضعة فإن “بنك مصر” هو ثاني أكبر مصرف في مصر بعد البنك الأهلي ، وهو ملكية للدولة أي أنه “حصالة البلد” نضع فيه أموالنا ومدخراتنا وتعب وشقاء العمر ، أي أنه ليس بنك من تحت السلم أو مصرف أجنبي يتحكم فيه المتآمرون الخارجيون ، أي أنه يخضع تماما لرقابة وإشراف الجهات الرقابية الحكومية ، كما انه مصرف له خبرة وسمعة وتاريخ عريق ، والمفروض أن تحكمه أعلى معايير الانضباط المصرفي .
-    إذا كان الحال كذلك في مصرف حكومي كبير عريق ، فما بالك بما يمكن أن يحدث في غيره ، وكم من الثروات والقروض تم نزحها إلى الخارج وإلى الحسابات الخاصة ، وكم هدى مصر وكم رامي لكح وكم علية العيوطي وكم نائب للقروض ؟ يرتعون ويمصون دماء هذا الشعب المسكين !!
-    دائما تتحجج الحكومة بقلة وضعف الموارد وكثرة النسل وجحود الشعب الناكر لأفضالها وأياديها البيضاء عليه ..!! عند العجز عن عدم القيام بمشروع إنمائي لخدمة الشعب الغلبان ، ونفاجأ ” بقدرة قادر ” أن الموارد تتفجر من تحت ” طقاطيق ” الأرض لل 26 المبشرين بالجنة الذين انفتحت لهم طاقة القدر !! .
-    طبقا لتقارير الجهاز المركزي للمحاسبات (منشور على موقع الجزيرة بتاريخ 80م.) عن الحساب الختامي للموازنة العامة 20089م. فإن الدين العام (خارجي وداخلي) وصل إلى 90،3% من الناتج المحلي الإجمالي (أي أن الدين يستهلك أكثر من 90% من إنتاجنا أي أننا نعمل ونكد لصالح الآخرين) ، حيث يبلغ نصيب كل مواطن مصري من الدين بما فيهم المواليد (9527جنيه)=(1771دولار)  !!! في حين ارتفع معدل التضخم إلى 16,2% من 4,2% في 2004م.
-    وطبقا لأرقام رئيس الجهاز فإن 47,7% من المواطنين لا يتمتعون بخدمة الصرف الصحي الآمن ، وتصل معدلات الأمية إلى 29,7% ، ويضيف رئيس الجهاز (وهو بيشد في شعره) أنه تقدم بهذه الملاحظات المتكررة على مدى نحو 10 سنوات مضت دون حساب !!
-    ويجب طبعا أن نتساءل عن هؤلاء ال26 المبشرين بالجنة ، الذين فُتحت لهم أبواب مغارة علي بابا ليغترفوا منها كما شاءوا في غفلة من صاحبها والست مرجانة التي لم تصب عليهم الزيت المغلي هذه المرة ، لنجد أنهم من كبار الواصلين إلى لجنة السياسات في الحزب المسمى “الوطني” ، إنهم المجموعة التي تحكم الوطن حقيقة ، أو ربما اُلقي لهم بهذه الملايين أو المليارات القليلة ليسكتوا ويصمتوا عن الحيتان الكبيرة التي تدير البلد وتتحكم في خزائنه       ، ويبدو فعلا أن مفاتيح خزائنهم لتنوء بها العصبة أولي القوة ، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه لعصر تقاسم الدولة بين قارون (رجال الأعمال) وبين  فرعون ” أنا ربكم الأعلى ” و ” ما علمت لكم من إله غيري ” ،  وإن لنا فيه لعبرة.
-    يجب أن نتساءل عن الذي منح ؟ وكيف منح ؟ ولمن منح ؟ ( من لا يملك لمن لا يستحق ) من دماء هذا الشعب الغلبان الذي لا يجد لقمة العيش ، وأين أجهزة الاستخبارات ؟ والرقابة ؟ والأمن ؟ ومعالي الباشا الكبير حبيب الكل حبيب العادلي ؟ والباشا اللواء مدير الأمن ؟ والباشا العميد مدير المباحث ؟ والباشا الرائد معاون المباحث ؟ والباشا الأمين “النبتشي” ؟!! والأمن المركزي ؟ ، أم أنهم لا يظهرون لا بارك الله فيهم إلا لضرب تظاهرات حركة كفاية والطلبة الغلابة والعمال المضربين ، أين أعضاء مجلس الشعب الذين طالبوا بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين ؟!!
-    إذا أضفنا إلى ذلك أن العاملين في وزارة الداخلية قد وصلوا إلى 700 ألف من جنود وضباط ومخبرين ومدنيين ، لتكون الوزارة الثانية من حيث العدد بعد وزارة التعليم ، متفوقة على وزارات الدفاع والزراعة والصحة والصناعة .. لعرفنا أن معركة نظام الحكم الحالي المعروف بحكومة الأربعين حرامي ليست مع الفقر والجهل والمرض ولا مع العدو الخارجي ، وإنما هي مع الشعب لإفقاره ونهبه وإذلاله وتجويعه وإسقامه وتهجيره .. هذا هو الملخص باختصار .
-    هذا ما تم الكشف عنه في مراجعة واحدة في بنك واحد (حكومي عريق وكبير) في جهة واحدة في قطاع واحد هو قطاع المصارف ، فما بالك بباقي المصارف والوزارات والهيئات والمعاهد والجامعات والمصانع … ، هذا مجرد مؤشر فقط أو قمة جبل الثلج الغاطس على حجم الفساد الرهيب الذي يرعاه النظام الحالي وحزبه ، وما قضية وزير الإسكان السابق التي يجري التحقيق فيها الآن ببعيد ، والتي أعطى الوزير فيها لأولاده وأقاربه أراض ظهرا وعصرا وليلا (ليس مبالغة) فقد تم تخصيص خمس قطع أراض في نفس اليوم لعائلته !! زمان كانوا يقولون أن مصر هي أغنى دولة في العالم لأنها تسرق منذ عصر الفراعنة ولا يزال بها خير ولم نكن نفهم معنى ذلك لسذاجتنا !! الآن نعم .

لكن الأعجب من كل ذلك ومن الأربعين حرامي الذين يقوم بمهمتهم الطبيعية في النهب بكل كفاءة ومهارة لا نستغربها ، هو موقف علي بابا والست مرجانة أي الشعب الذي لا يحرك ساكنا وهم يسرقوه جهارا نهارا علانية وفوق رؤوس الأشهاد ، فحتى في الحواديت قامت مرجانة بإيقاظ علي بابا واتخاذ اللازم بحق هؤلاء الأوغاد ، أما في حالتنا والواقع أغرب من الحواديت فإن الشعب لا يهش ولا ينش !!!  فيه حاجة غلط !

لا أدري لماذا بعد أن قرأت هذا الخبر قررت أن أقاطع والدي ولا أتحدث معه بالهاتف بعد اليوم (فضلا عن أني لا أراه ولا يراني بأوامر معالي الباشا العادلي لأني كنت السبب في هزيمة 1967م.!!) ، إذ أنه المسؤول الأوحد عن كوننا عائلة مستورة جدا ومحدودة الدخل ، لأنه لم يفكر أبدا في الانضمام للحزب الوطني ولا التقرب من لجنة سياسات ولي العهد ولا طلب قرض من مغارة علي بابا ، واكتفى بتعليمنا الصح والغلط والحلال والحرام ككثير من أبناء هذا الشعب ، ولم يمتلك قصرا ولا حتى كوخا في الساحل الشمالي !! ولا أدري لماذا تذكرت مسرحية “إنها حقا عائلة محترمة” للراحل فؤاد المهندس وابنه الصغير يقول له (ما أعطلكش يا والدي) ، أبي العزيز .. لا أستطيع أن أسامحك على ما فعلته ، ومن هنا ورايح أنت من سكة وأنا من سكة وما أعطلكش يا والدي !!!

حكومتنا تعيد كتابة التاريخ , بعد أن خدعتنا جداتنا ( رحمهن الله ) طويلا بحكاية أن الحرامية كانوا أربعين !! هاهي حكومتنا الرشيدة تصحح هذا الخطأ التاريخي لتؤكد بعد دراسات مستفيضة أنهم كانوا 26 فقط ، وسامح الله جداتنا الطيبات !!!

باحث في الحواديت الشعبية

اجمالي القراءات 4914
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   عبدالمجيد سالم     في   الجمعة ١٤ - مايو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
[47820]

النهب المنظم

 في 2007 أيضا كان هناك بنك يسمى بنك القاهرة وأقرضوا منه أيضا مبلغ يفوق الــ  20 مليار جنيه قروض وهرب أصحاب القروض للخارج أيضا .. أي انه نهب منظم لثروات مصر وتهريبها للخارج وطبعا الخارج سعيد بهذا ولذلك لن يتدخل لإنقاذ مصر مهما كانت هناك منظمات لحقوق الإنسان تتبنى تعريف الغرب ما يحدث في مصر من مبارك وآله .. وعندما ينهار النظام سيخرج هؤلاء اللصوص لأموالهم في الخارج ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق