هندسة القرءان : السياق القرءاني

محمود دويكات في الثلاثاء ٠٧ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


في بحث سابق (هنـا) تم تبيان أن ترقيم القرءان كان يحذو طريقا بسيطا. ففي ذاك البحث وجدنا أن الارقام في المصاحف الاولى لم تكن تتوالي منذ بداية السورة الى نهايتها. بل وجدنا علامات تفصل الايات عن بعضها البعض. و وجدنا أن تلك العلامات انقسمت الى نوعين : علامات صغرى و كبرى. و كانت العلامات الكبرى تتكرر على شكل حزم عشرية ، بمعنى كل عشرة متتالية من العلامات الصغرى كانت تأتي علامة كبرى. و رغم ضعف الاثبات الحسي وراء كون تلك العلامات وحي إلهي بذاتها ، إلا أننا افترضنا أن تلك العلامات كان لها مكانة خاصة في القرءان الكريم. و السبب  أنه لو كان هدف النساخ مجرد الفصل ما بين الكلام أو الايات لما كان هناك حاجة للتمييز بين نوعين من العلامات بشكل منتظم. على العموم وجود العلامات الكبرى و ضمنها الصغرى أوحى لنا بفكرة التجزئة في السياق القرءاني و التي سنعرض لها و نناقشها في هذا المقال .

إن أحد أهم المشاكل التي يعاني منها الباحثون في القرءان هو عدم القدرة على ضبط اتجاه التحول في الخطاب الالهي في القرءان. و المقصود باتجاه التحول هو الطريقة التي ينتقل بها المشرع سبحانه من موضوع الى آخر ضمن آيات القرءان. لهذا لو أعطيت القرءان الى باحث علمي لم يسمع به منذ صغره و لكنه يحمل علما ماديا (كأن يكون فيزيائيا مثلا) فإن أول شيء سيتذمر منه ذلك الباحث عند قراءة القرءان هو عدم القدرة على متابعة التحولات في المواضيع المطروحة إذا قام بقراءة القرءان قراءة متصلة متسلسلة ، أي من البداية للنهاية. السؤال: لماذا؟ الجواب: لأن ذلك الباحث معتاد على قراءة بحوث علمية مكونة من فقرات متسلسلة (عدة جمل) كل فقرة تحتوي على معنى منفصل (أو فكرة منفصلة) ، و يكون مجموع تلك الفقرات (بأفكارها) مساويا لفكرة أكبر و تشمل باقي الافكار.  و السبب وراء شيوع هذا النمط في عرض الافكار هو عدم قدرة الانسان على التفكير بشكل متوازي في عدة أمور معاً ، لقوله تعالى (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ)أحزاب/4 ، بل تجد تفكيره يسير بتسلسل منتقلا من فكرة الى أخرى بالتوالي ، نطلق على هذه العملية طريقة التفكير المتسلسل أو الخطي لأنها تسير في خط مستقيم إما لأعلى أو لأسفل. و بناء عليه يكون ترتيب الافكار في ورقة بحثية علمية (على سبيل المثال) مثل ذلك الموضح في الشكل رقم 1.

شكل رقم 1: مخطط يبين نمط التفكير الخطي المتسلسل الذي يتبعه عادة بنو البشر.

أما إن حاولنا تطبيق نمط التفكير الخطي البسيط المبين في الشكل رقم 1 على نصوص القرءان فإننا سنبوء بفشل ذريع. السبب الراجح وراء ذلك هو أن القرءان يتبع طريقة أكثر تعقيدا في طرح الافكار التي يحتويها. يبدو لنا للوهلة الاولى أن القرءان يتبع طريقة لاخطية في معالجة و عرض الافكار ، كما أن هذه الطريقة اللاخطية تمتاز بدائرية و تكرارية متداخلة عالية المستوى تجعل عملية تتبع الافكار في القرءان من السهل الممتنع. أي في متناول اليد بَيْد أن الحصول عليها يتطلب تكثيف فكري غير بسيط. الشكل رقم 2 يبين أحد طرق عرض الافكار في السياق القرءاني الكريم. ففي الشكل نرى أن القرءان قد يبدأ الخطاب عن فكرة أساسية رقم 1 ، و يسوق لها فكرة فرعية رقم 1 و رقم 2 و رقم 3 كأفكار داعمة أو تفصيلية لها ، و في نفس الوقت تكون فكرة فرعية رقم 2 و3 مشتركة مع فكرة أساسية أخرى (رقم 2). و أيضا قد ينتقل القرءان الى طريقة خطية في عرض نفس الافكار السابقة لكن بشكل أخر وبالتسلسل كالفكرة الاساسية رقم 3 مثلا لكن بتكرار الافكار الفرعية رقم 1 و 4 مثلا. الأمر الذي يؤدي الى تغيير الزاوية التي ننظر من خلالها (كقارئين) على هذه الافكار المكررة و ذلك لأنها خدمت فكرة أساسية أخرى مختلفة عن الافكار الاولى.

شكل رقم 2: مخطط يبين نمط التفكير اللاخطي في نصوص القرءان الكريم

إن وجود أفكار صغيرة مشتركة ما بين الافكار الاساسية التي يعرضها القرءان هي أحد أهم مميزات نظام الخطاب الالهي في ذلك الكتاب بالاضافة الى إعادة صياغة الافكار الفرعية الى أفكار أساسية أخرى. و السبب وراء ذلك أن طبيعة الخطاب فيه تكاملي يكمل بعضه بعضا. و لأن الافكار الفرعية كما رأينا قد تكون منثورة عبر الكتاب (لأنها مشتركة بين أفكار أساسية كثيرة)، لذا، لكي نفهم أي فكرة متكاملة في السياق القرءاني ، يستلزم الأمر تجميع كافة الافكار الفرعية ذات العلاقة بالفكرة الاساسية التي في الحسبان ، و يدل على ذلك قوله تعالى(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) نساء:82-83 ، أي لتدبر القرءان يستلزم الاستنباط ، و هو استقراء النتائج إثر تجميع كافة الافكار الفرعية حول المسألة في الحسبان و من ثم قراءتها قراءة تسلسلية حسب ما فتح الله علينا. و قد أعطي الاستاذ أحمد شعبان  في مقاله "نسق معرفي جديد" ( من هنـا) شرحا موجزا لأحد الاستراتيجيات الممكن اتباعها في سبيل تحديد معنى كلمة قرءانية ضمن سياق قرءاني ، و رغم أنه تكلم عن التجريد هناك و ذكر له مستويات ، إلا أنه لم يعط شرحا وافيا لمقصده من ذاك المصطلح.

طريقة العرض هذه في القرءان الكريم تشبه الى حد كبير طريقة عرض الافكار في الكودات التصميمية الهندسية Building Design Codes. الكودات التصميمة الهندسية – من مثل الكود الأمريكي و الأوروبي ..الخ – هي من أرقي و أكمل الوثائق التي ينتجها الانسان و أحد أكثرها أهمية ، و السبب يعود الى أن تلك الكودات وظيفتها ضمان وصول المصمم الى تصميم آمن و موثوق لأي منشأ (سواء كان مبنىً سكنياً أو طائرة بوينغ 747) ، و بالتالي فالمسألة متعلق بها حياة مئات البشر ، لهذا يتم وضع تلك الكودات التصميمية بعناية فائقة. إذن، تتشابه الى حد كبير طريقة عرض الأفكار فيما بين القرءان الكريم و أي كود تصميمي هندسي ، حيث يتم في الكودات التصميمية توزيع الافكار الكلية فيه بشكل خطي على شكل افكار أساسية لكن تكون الافكار الفرعية فيها ترتبط ارتباطاتٍ لاخطية فيما بينها مع الأفكار الاساسية. الشكل رقم 3 يبين لنا مخطط للنظام اللاخطي لعرض الأفكار في كود تصميم بنائي ، حيث نجد مثلا أن الأفكار رقم 2 و 4 هي أمور مشتركة في الفكرتين الاساسيتين 1 و2.


شكل رقم 3: مخطط يبين نمط التفكير أثناء استخدام أحد كودات التصميم الهندسية.

و كمثال تطبيقي بسيط : تشرح الكودات تفصيلياً كيفية التصميم ضد العزوم Bending وضد قوى الضغط Compression و ضد قوى الشد Tension و قوى القص Shearing .. و لكن عند ذكر العناصر الانشائية المختلفة، فإن المصمم يقوم بالتصميم لها بتجميع كافة الافكار السابقة و الملائمة - ضمن شروط - للعنصر المراد تصميمه. فمثلا لتصميم جسر Beam يحتاج لمعرفة التصميم ضد العزوم و القص ، أما العمود column فيلزمه التصميم ضد الضغط و الشد بالاضافة للعزوم. فنلاحظ أن العمود و الجسر يشتركان في التصميم ضد العزوم مثلا.و نلاحظ نفس الشيء في القرءان الكريم. فإذا أردت معرفة معلومات عن الصيام ، تقوم بتجميع كافة الافكار الفرعية المتعلقة بالصيام ، و نفس الشيء عن الحج ، نقوم بتجميع الايات التي تتحدث عن الحج ، و نلاحظ عندها وجود بعض الايات المشتركة فيما بين الصوم و الحج ، من مثل قوله تعالى (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) بقرة/196 ، و بدراسة أكثر للارتباطات ما بين مفردات الصيام و مفردات الحج نجد بما أن (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ) بقرة/197 نستطيع أن نفهم أنه "لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الصيام" أيضا لأن الصيام قد يحدث في الحج لقوله (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ )و لكن ياتي التخفيف في آية منفصلة للصيام بخصوص الرفث بقوله (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ) بقرة/187.

لنضرب مثالا آخر على نمط القرءان في عرض الأفكار ضمن سياقه ؛ فنقول لو أخذنا سورة البقرة و سرنا فيها منذ البداية سنجد تحولات في الخطاب تتراوح كميتها من تحولات بسيطة (أو فرعية) الى تحولات جذرية بإنشاء خطابٍ آخر ذي هدف آخر. و هكذا نقول بوجود أفكار أساسية متناثرة في سورة البقرة على مقدار تلك التحولات في الخطاب. فمثلا في أول ثلاثين آية من سورة البقرة تكاد تشعر أن الله سبحانه يتحدث عن المؤمنين و غير المؤمنين و الكفار و أوصاف كل منهم مع الامثلة بسيطة لتوضيح المقصود و من ثم على رأس الاية رقم 30 (بترقيم حفص) يُنشإ الله سبحانه خطابا آخر عن آدم و قصته في عشر آيات و من ثم على رأس الاية رقم 40 (بترقيم حفص أيضا) يُنشأ الله خطابا آخر عن بني إسرائيل معطيا تفاصيل بالاطناب و التكرار و التمثيل. و يستمر الحديث عن بني إسرائيل و كيف افترقوا الى يهود و نصارى مستغرقا أكثر من ثمانين آية ليأتي الله سبحانه لنا في بدايات الايات الماية و عشر بالحديث لأول مرة على الاطلاق عن "إسلام الوجه أو التوجه لله " بقوله (بلى من أسلم وجهه لله..الخ) بقرة:112  ، و ذلك في مقام معارض لافتراق بني اسرائيل الى يهود و نصارى. و من ثم يظهر الحديث أكثر جليا عن إبراهيم و معه يجلب لنا الله لأول مرة أحد معاني كلمة "مسلمين لك" في الاية 128 ، و كأن تلك الايات ما بين 112 و 128 تمثل مرحلة انتقالية تتداخل فيها ما بعدها بما قبلها من آيات لأننا نلاحظ أن الخطاب اللاحق سيستغرق أكثر من مائة آية بالحديث عن تفاصيل في التشريع الاسلامي الذي وصفه الله بملة إبراهيم. و لا يأتي ذكر بني إسرائيل بعدها إلا ذكرا بسيطا من خلال أمثلة طرحت كقصة الملك طالوت و غيره. و هكذا تستمر هذه الانتقالات الفذة من الحديث عن عموم (إيمان-كفر-ناس) ثم الى خصوص (آدم) و من ثم الى خصوص كثير (بني إسرائيل) ، ثم الى حديث مسهب عن التفاصيل العملية للاسلام كتشريعاته.
ولو عدنا الى الايات الثلاثين الاولى من البقرة لوجدنا أن التحولات الداخلية فيها (كأفكار فرعية) منطقية و بسيطة و تسير بشكل سلس رغم حاجتنا لوضع بعض الافتراضات لمتابعة المقصود بالخطاب. فمثلا في أول 5 آيات يتحدث الله عن الذين يؤمنون بالغيب .. الخ .. الى أن يقول (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) بقرة (5-6) فنلاحظ وجود قطع في الخطاب عند "قوله إن الذين كفروا .. الخ" ..وعند هذا المفترق يوجد لدينا خياران: الاول أن نفترض أن بداية الخطاب بقوله "إن الذين كفروا..الخ" إنما هو استهلال جديد و بهذا يكون معنى الكفر عموميا ، أي الذين كفروا بشكل عام. و الخيار الثاني هو أن نفترض استمرار الحديث ضمن نسق واحد و بالتالي كأننا نفترض أن المقصود بالذين كفروا هم الذين كفروا بماسبق ، أي بالايمان بالغيب و إقام الصلاة ..الخ من آيات سابقة. إن الافتراض الاول يجعل الايات الخمس الاولى بمعزل (نسبي) عن الايات التوالي و لكن الافتراض الثاني يجعل الايات الخمسة الاولى جزء من سياق قرءاني متصل الى أن يقول الله على رأس الاية 21 (حسب ترقيم حفص) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ..الخ) و هنا نشعر قطعا آخر في اتصال الخطاب الى أن يقول الله تعالى على رأس الاية رقم 30 (بترقيم حفص) (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ ..الخ) فنشعر بانقطاع في سياق الخطاب ملحوظٍ هنا. الى أن يبدأ الله الخطاب عن بني إسرائيل على رأس الاية 40 بقوله (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ..الخ) فنشعر بتحول جذري آخر أكبر من سابقيه في سياق الخطاب هناك.
إذا حاولنا مقارنة الوضع مع سورة آل عمران ، فإننا نجد وتيرة أسرع في تغيير الخطاب في حفنة الايات الاوائل و لكن يستقر بعدها الخطاب لاحقا .. و هو عينه ماحدث في سورة البقرة ،و إن كانت التحولات في آل عمران أسرع من اختها في البقرة. ففي آل عمران نلحظ أن الاية السابعة (بترقيم حفص) قد استهلت خطابا منقطعا عن السياق الاول و لا مجال لربطه مع السابق إلا عن طريق افتراض أنها تتابع ما في الايات ذات الارقام 3 و 4 من الحديث عن الكتاب و بالتالي تكون الايات ما بينهما تشكل سياقا قرءانيا منفصلا و ذلك لصعوبة ربط قوله (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بحديثه عن إنزال الكتب و أنواع الايات في الكتاب. و المقصود بصعوبة ربط هاتين الايتين هو حاجتنا للكثير من الافتراضات أثناء ربطنا لهذه الايات بما سبقها و ما تلاها من خطاب. أما الايات التالية للاية رقم 7 فيكون ترابطها واضحا عن طريق أقل الافتراضات كلفة ألا وهي إرجاع الافعال و الضمائر للأقرب. و بالتالي فإن الاية 8 ترتبط مع 7 بالزيغ ، و الاية 8 مع 9 ترتبط بكلمة "ربنا" التي تفيد استمرار الخطاب بالدعاء ، و الاية 10 مع 9 ترتبط ضمنيا بالحديث عن يوم القيامة كأمر مشترك ،و هكذا دواليك.
إن دراسة البنية الهندسية للخطاب القرءاني تتطلب أمرين: أولهما معرفة النمط الفكري العام الذي من خلاله يتم عرض الافكار في هذا الكتاب ، تلك تتحصّل بالاستقراء. و الثاني وجود أدوات تساعد على قياس مدى ارتباط الايات أو الكلمات فيما بينها على امتداد المجال القرءاني. و هذه الادوات لا بدّ و أن تكون رياضية حتى نضمن التماثل و التجانس في النتائج و تجنبا للتحيزات Biases التي منبعها الافكار المسبقة عند الباحث.

اجمالي القراءات 30200