مواقف من الصلاة

الجمعة ١٠ - نوفمبر - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
تأثرت جدا بمقالك عن الصلاة بين المشقة والتيسير ، وبقيت أفكر فى صلواتى وهل هى مقبولة أم لا . يغلبنى السهو والانشغال بامور كثيرة وأنا أصلى ، ولسانى يتلوا الفاتحة وما تعودت عليه بطريقة آلية دون الخشوع الواجب . وغالبا انتهى من الصلاة دون أن اشعر بها فى قلبى . ثم بقيت أفكر فى مواقف الناس من الصلاة . الناس المتدينين والزبيبة فى جبهتهم ولكن منافقين واخلاقهم طين . وهناك ناس ما بتصليش لكن محترمة وأخلاقهم عالية . شىء غريب فعلا . وبعدين الناس القرآنيين اللى متفرغين لانكار الصلاة وبيقولوا الصلاة الحركية مش فى الاسلام . أنا قرآت كتابك عن الصلاة واقتنعت بيه ، لكن الناس القرآنيين دول حكمهم إيه ؟ واللى بيقولوا الصلاة اتنين أو تلاتة بس ، وإذا كان ده موضوع فيه خلافات بينك وبينهم ليه ما يختاروش الاسلم ويصلوها خمسة ويبقوا فى السليم فاذا كانت تلاتة يبقى زود اتنين وبقى فى السليم واذا كانت خمسة فهو فى السليم ؟ وهل القرآنيين جماعة كبيرة قوى عشان يطلعوا يعملوا تفريق فى وسطهم ؟ وليه واحد يتفرغ عشان الكلام ده ؟ خلاص كل المشاكل إتحلت معادش الا إنكار الصلاة ، انا محتار .
آحمد صبحي منصور :

شكرا جزيلا ، واقول :

فى البداية : الصلاة أمرها خطير ، فهى حضورك فى صلة متجددة بربك جل وعلا .

 قال جل وعلا :

1 ـ للنبى محمد نفسه : (  وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) (132) طه ) .

3 ـ للمؤمنين : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) البقرة )  

ونعطى تفصيلا :

أولا :

1 ـ عن السهو وعدم الخشوع فى الصلاة : هذه مشكلة لى أيضا ، وسُئلت فيها كثيرا ، وأكرر الاجابة بضرورة محاولة التركيز فى الصلاة وطرد الأفكار التى تأتى وينشغل بها المُصلّى . وجهة نظرى أن التكرار يجعل ذاكرة لسانية آلية ، فيردد الانسان ما إعتاده دون تفكير ، وربما ينتهى من صلاته وقد قرأ الفاتحة وركع وسجد وقال التسبيح وكل شىء وهو لا يعى ما يقول . وربما ينسى هل هو فى الركعة الثانية أو الثالثة .

2 ـ عن قبول الصلاة : وجهة نظرى إن ما ينطقه اللسان من خير أو شرّ يتم تسجيله فى كتاب أعماله . قال جل وعلا : ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)  ق ). وسيكون مُحاسبا عليه . قال جل وعلا : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)  البقرة ). بالتالى فإن ما تنطق به فى الصلاة له ثواب ، ويعظم الثواب حين تنطقه خاشعا مستحضرا عظمة الخالق جل وعلا مستشعرا أنك فى صلاتك تكون فى صلة به جل وعلا ، وأن ما تقوله فى صلاتك هو خطابك له سواء كان تسبيحا أو دعاءا .

3 ـ ثم فى النهاية فإن المهم هو إقامة الصلاة بالتقوى فى سلوكك بحيث تنهاك عن الفحشاء والمنكر .فالصلوات الخمس وذكر الله جل وعلا والصيام والحج والصدقات ليست غاية بل وسيلة للتقوى ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) البقرة ) . ولا يدخل الجنة إلا المتقون ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً (63) مريم ).

ثانيا :

  الناس من حيث الصلاة أنواع :

 1 : المتقون الذين يخشون ربهم بالغيب : يحاولون ما استطاعوا الخشوع فى صلواتهم ، ويقيمونها تقوى فى سلوكهم . وهم بعد ذلك لا يغترّون بما يفعلون ، بل يظلون بين الرجاء والخوف ، آملين فى رحمة الله جل وعلا وفى نجاتهم من النار . قال جل وعلا عنهم : ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) المؤمنون )، أى تحفزهم صلاتهم على المسارعة فى الخيرات .

 2 : الذى يصلى صلاة سريعة مجرد حركات بلا خشوع ثم يظن نفسه فى أعلى عليين ، ثم لا يقيم الصلاة تقوى فى سلوكه . هذا ينطبق عليه قوله جل وعلا : ( وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35)   الانفال ). ( المكاء ) طائر يتراقص ، والتصدية هى التصفيق ، والمعنى أن قيامه وركوعه وسجوده مجرد حركات بهلوانية وأصوات لا معنى لها ، وينتظره ـ مع صلاته هذه ـ عذاب الآخرة ، فهو كافر بصلاته هذه .

 3 : أصحاب الصلاة الشيطانية ، وهم الأكثر تدينا والأكثر إحترافا وإستغلال للدين فى سبيل حُطام الدنيا من الثروة والسلطة والنفوذ . يستخدمون صلاتهم المظهرية فى خداع الناس ، وتكون صلاتهم وسيلة تحرّضهم على العصيان ، وبها يستحلُّون الحرام ويسفكون الدماء ويأكلون المال السُّحت . أئمتهم الخلفاء الفاسقون وصحابة الفتوحات ، وقد تحولوا الى آلهة عند المحمديين . وعلى سنتهم يسيرالمتدينون المحمديون يخادعون الناس ورب الناس ولا يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون . تذكروا أن مجرمى داعش كانوا يؤدون الصلاة وهم يقتلون الأبرياء ويغتصبون النساء ، ويحسبون أنهم يحسنون صُنعا .

 4 : هناك من لا يصلى أصلا ، ويتعامل مع الناس بالرقىّ الأخلاقى . هذا له أجره فى الدنيا وليس له فى الآخرة الا لنار ، وقد ضاع عمله الصالح . قال جل وعلا : (  مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) هود )

  5 : هناك مثقف لم يتعود الصلاة ، وقد أعجبه ما نقول ، وكان لا يجرؤ على إنتقاد الشيوخ واسفارهم المقدسة ، فانبهر بما نقول ، وبدأ يسير فى طريق الهجوم على التراث ، ودخل فى القرآن الكريم بلا إستعداد وتأهيل علمى بل يسيطر عليه هواه . ومن أهوائه ما تعوّده من عدم الصلاة ، وهى ثقيلة على قلبه أصلا . فوجد ضالّته فى أن القرآن الكريم لم يذكر عدد الصلوات ولا كيفيتها ، ولم يقتنع بما كررناه من منهج القرآن الكريم فى المتوارث من ملة ابراهيم ، وكفر بما جاء فى القرآن الكريم من أنه ما فرّط من شىء وأنه نزل تبيانا لكل شىء . لم يكتف بكفره هذا بل أعلنه ، وتفرّغ للدعوة لانكار الصلوات الخمس أو ما يسمونه بالصلوات الحركية . وبعضهم تنازل وتوسط فقال بالصلاتين والثلاث .

ونتذكر قوله جل وعلا :

2 / 5 / 1 : (  قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) فصلت )

2 / 5 / 2 : ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) القيامة )



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 1060
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4989
اجمالي القراءات : 53,646,653
تعليقات له : 5,339
تعليقات عليه : 14,644
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


قاعة البحث (4): بالنس بة للموض وع التشر فت بالتك ليف ...

الحجاب : ما هو الحجا ب وما حكمه ؟ ...

الخلود هل له نهاية ؟: الخلو د هل له نهاية ؟ ...

لا قياس فى التحريم: هل تعتقد أن هنالك مجالا للقيا س في تشريع ات ...

منهجية بحث التراث: قرأت لك مرة إشارة للمشا كل التى يقع فيها...

أياما معدودات : فى القرآ ن عن الصوم أنه ( أياما معدود ات ) هل...

هداية متأخرة: أنا فى نفس عمرك تقريب ا . ولقد عثرت بالصد فة ...

عذاب الحريق: هذه أول مرة أراسل ك فيها . وأعرف ك بنفسى :...

عن لحظات قرآنية : عنوان الحلق ات هو لحظات قرآني ة ، ولكنك فى...

شرعة ومنهاجا: لِكُل ٍّ جَعَل ْنَا مِنْك ُمْ شِرْع َةً ...

شرعية هيئات الصلاة : السلا م عليكم وفقكم الله لهذه المجه ودات ...

ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : اشتر يت لأمى شقة ووضعت...

الامتناع عن الحمل: ارجو منكم عدم تجاهل سؤالي لانني فعلا محتاج ة ...

أكلت حق أخى : بتأثي ر زوجته أكل حق أخيه الأصغ ر فى...

لا فرق: ما الفرق بين ،،، سبحان الله العظي م ربين...

more