تفسير سورة القصص

رضا البطاوى البطاوى Ýí 2010-04-02


 

 

                           سورة القصص

سميت بهذا الاسم لذكر قصص موسى (ص)للشيخ الكبير فى قوله "فلما جاءه وقص عليه القصص ".

"بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين "المعنى بحكم الرب النافع المفيد العدل هو أحكام الوحى العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله الرحمن الرحيم والمراد أن الرب النافع المفيد اسمه وهو حكمه هو أن طسم تلك آيات الكتاب المبين والمراد أن العدل هو أحكام القرآن وهو الوحى العظيم مصداق لقوله بسورة النمل"طس تلك آيات القرآن"والخطاب للنبى (ص)هو وما بعده من القصص ومنه للناس

"نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون "المعنى نقص عليك من خبر موسى (ص)وفرعون بالعدل لناس يصدقون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه يتلوا عليه والمراد يقص عليه مصداق لقوله بسورة طه"نقص عليك "من نبأ وهو خبر أى قصة موسى (ص)وفرعون بالحق وهو العدل لقوم يؤمنون أى يفهمون أى يذكرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"لقوم يذكرون ".

"إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين "المعنى إن فرعون طغى فى البلاد وفرق ناسها فرقا يستوهن جماعة منهم يقتل أولادهم ويستخدم إناثهم إنه كان من المسرفين،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون علا فى الأرض والمراد طغى فى البلاد مصداق لقوله بسورة طه"إنه طغى "وهذا يعنى أنه حكم البلاد بالظلم حيث جعل أهلها شيعا والمراد قسم ناسها فرقا يستضعف طائفة والمراد يستعبد جماعة منهم يذبح أبنائهم أى يقتل أولادهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"يقتلون أبناءكم "ويستحى نساءهم والمراد ويستخدم إناثهم أى يجعلهم خدم أى إماء لقومه إنه كان من المفسدين وهم المجرمين أى المسرفين مصداق لقوله بسورة الدخان "إنه كان عاليا من المسرفين ".

"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون "المعنى ونحب أن ننعم على الذين استذلوا فى البلاد أى نعينهم حكاما أى نجعلهم المالكين أى نحكمهم فى البلاد ونشهد فرعون وهامان وعسكرهما الذى كانوا يخافون،يبين الله لنبيه (ص)أنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا فى الأرض والمراد يحب أن ينعم على الذين ذلوا فى البلاد وهم بنى إسرائيل وفسر هذا بأنه يريد أن يجعلهم الوارثين أى المالكين للأرض المباركة وفسر هذا بأنه يمكن لهم فى الأرض والمراد يحكمهم فى البلاد وهى مشارق ومغارب الأرض المباركة مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها"ويبين له أنه يريد أن يرى والمراد يشهد كل من فرعون وهامان وزيره وجنودهما وهم عسكرهما ما كانوا يحذرون أى الذى كانوا يخافون وهو ما رآه فرعون من زوال ملكه هو وقومه على يد أحد بنى إسرائيل فى الحلم وتفسيره بهذا التفسير .

"وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "المعنى وألقينا إلى والدة موسى (ص)أن اسقيه فإذا خشيت عليه فارميه فى البحر ولا تخشى أى لا تغتمى إنا معيدوه لك ومختاروه من الأنبياء ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أوحى إلى أم موسى (ص)والمراد أنه ألقى إلى والدة موسى وحى قال لها فيه :أرضعيه أى اسقيه لبن ثديك فإذا خفت عليه والمراد فإذا خشيت عليه أذى قوم فرعون فألقيه فى اليم والمراد فضعيه فى صندوق فضعيه فى النهر ولا تخافى أى لا تحزنى أى لا تخشى عليه من أى أذى وهذا تسكين لقلبها إنا رادوه إليك والمراد إنا معيدوه لك وهذا وعد من الله بإرجاع موسى (ص)لها بعد ذهابه وجاعلوه من المرسلين أى ومختاروه من الأنبياء وهذه بشارة لها أن موسى (ص)سيكون نبيا رسولا  فى المستقبل ومن ثم  فهو لن يموت على أيدى قوم فرعون .

"فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين "المعنى فأخذه قوم فرعون ليصبح لهم كارها وهلاكا إن فرعون وهامان وعسكرهما كانوا مجرمين،يبين الله لنبيه (ص)أن آل وهم قوم فرعون التقطوا أى أمسكوا موسى (ص)ليكون لهم عدوا أى كارها لهم وحزنا أى وسببا فى هلاكهم ،ويبين له أن فرعون ووزيره هامان وجنودهما وهم عسكرهما كانوا خاطئين أى فاسقين أى مجرمين مصداق لقوله بسورة الزخرف"إنهم كانوا قوما فاسقين ".

"وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون "المعنى وقالت زوجة فرعون سكن نفس لى ولك لا تذبحوه عسى أن يفيدنا أو نتبناه ابنا وهم لا يعلمون،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة وهى زوجة فرعون قالت لفرعون :قرة عين أى راحة نفس لى ولك وهذا يعنى أن هذا الولد سيجعل قلوبهم ساكنة بسبب عدم إنجابهما ،وقالت لا تقتلوه أى لا تذبحوه عسى أن ينفعنا أى يفيدنا مستقبلا أو نتخذه ولدا أى نتبناه ابنا،وهذا يعنى أن المرأة نهت فرعون عن ذبح موسى (ص)متعللة بأن هذا الولد إذا كبر سينفعهما عند العجز أو يتبنوه ابنا  ليرث ما يملكون وبهذا نفذوا ما كانوا يريدون منعه بأنفسهم وهم  لا يشعرون أى وهم لا يعلمون أن هذا الولد هو الذى سيدمر ملكهم

"وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين "المعنى وأصبح قلب والدة موسى قلقا لقد همت أن تكشف أمره لولا أن قيدنا على نفسها لتصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فؤاد أم موسى (ص)والمراد أن قلب والدة موسى (ص)أصبح فارغا أى خاليا من كل شىء سوى القلق على مصير موسى (ص)وهذا القلق دفعها إلى أنها كادت لتبدى به والمراد إلى أنها أرادت أن تكشف سره ولكنها لم تفعل لأن الله ربط قلبها والمراد أسكن نفسها بالوحى حتى تصبح من المؤمنين أى المصدقين به .

"وقالت لأخيه قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون "المعنى وقالت لأخته تتبعيه فنظرت إليه من قرب وهم لا يعلمون ومنعنا عليه المرضعات من قبل فقالت هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم لكم مخلصون،يبين الله لنبيه (ص)أن أم موسى (ص)قالت لبنتها أخت موسى (ص):قصيه أى اتبعيه والمراد اعرفى ما يحدث له،فأطاعت البنت أمها فبصرت به عن جنب أى فنظرت له من ناحية قريبة وقوم فرعون لا يشعرون أى لا يعلمون بها وهذا يعنى أنها أجادت فكرة المراقبة ولم ترتكب خطأ يدلهم على حقيقة الأمر،ويبين له أنه حرم عليه المراضع والمراد منع المرضعات عن موسى (ص)بأن جعله لا يقبل على الرضاعة منهن فكلما اقتربت واحدة منهن لترضعه رفض وبكى وذلك حتى يرجعه لأمه فقالت لهم أخته:هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم والمراد هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم له ناصحون أى مخلصون؟والغرض من السؤال هو أن تعيد الأخت أخيها إلى أحضان أمها وقد استجاب القوم لها فاستدعوا أمها لإرضاع موسى (ص)فرضع منها .

 "فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فأعدناه لوالدته كى يسكن قلبها أى لا تخف ولتعرف أن قول الرب صدق ولكن معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه رد أى أعاد موسى (ص)لأمه وهى والدته والأسباب هى أن تقر عينها أى يسكن قلبها والمراد تطمئن نفسها وفسر هذا بأن لا تحزن أى لا تخاف عليه من الأذى وأن تعلم أن وعد الله حق والمراد وأن تعرف أن قول الله لها صدق أى متحقق واقع ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون أى لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون "

"ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين "المعنى ولما وصل قوته ورشد أعطيناه معرفة وهكذا نثيب الصالحين ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما بلغ أشده والمراد لما وصل سن قوته واستوى أى واعتدل والمراد ورشد أتاه الله حكما أى علما والمراد أوحى له وحيا أى معرفة ويبين له أن كذلك أى بوحى الحكم وهو العلم يجزى الله المحسنين والمراد يثيب المصلحين أى الشاكرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسيجزى الله الشاكرين ".

"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين "المعنى وولج البلدة وقت غيبة سكانها فلقى فيها ذكرين يتشاجران هذا من جماعته وهذه من كارهه فاستنجده الذى من جماعته على الذى من كارهه فضربه موسى (ص)فأنهى عليه قال هذا من فعل الهوى إنه كاره كافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دخل المدينة على حين غفلة من أهلها والمراد ولج البلدة فى وقت غيبة سكانها لسبب ما إما النوم أو تجمعهم فى معبد أو محفل وهذا يعنى أنه دخل البلدة فوجد فيها رجلين يقتتلان والمراد فلقى ذكرين يتشاجران كل واحد منهما يريد قتل الآخر وهذان الرجلان أحدهما من شيعته أى من قوم موسى (ص)والآخر من عدوه أى باغضه أى كارهه وهم قوم فرعون فاستغاثه الذى من شيعته والمراد فاستنجد به الذى من جماعته على الذى من عدوه وهو كارهه فاستجاب موسى (ص)له فوكزه والمراد فضرب الذى من قوم فرعون فقضى عليه أى فأنهى عليه أى قتله فلما فكر موسى (ص)فى الأمر وجد نفسه قد ارتكب ذنبا فقال :هذا من عمل الشيطان والمراد هذا من فعل الشهوة أى الهوى الضال فى إنها عدو مضل مبين أى إنها كارهة لنفعى كافرة عظيمة .

"قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "المعنى قال إلهى إنى بخست نفسى فاعفو عنى فعفا عنه إنه هو العفو النافع قال إلهى بما وهبت لى فلن أصبح ناصرا للكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دعا الله فقال:رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى والمراد خالقى إنى بخست حق نفسى فاعفو عنى وهذا يعنى إقراره بذنبه وطلبه العفو عنه فكانت النتيجة أن غفر له أى عفا عن ذنبه أى ترك عقابه على جريمته إنه هو الغفور الرحيم والمراد إنه هو النافع المفيد لمن يستغفره ،وقال موسى (ص)رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين والمراد خالقى بالذى وهبت لى من النعم وهو حلف بنعم الله فلن أصبح نصيرا للكافرين وهذا يعنى أنه حلف بنعمة الله على أنه لن ينصر ظالما مهما حدثوالقسم بنعم الله يعنى إباحة القسم بالخلق.

"وأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين "المعنى وأقام فى البلدة قلقا ينتظر فإذا الذى استغاثه البارحة يستنصره قال له موسى (ص)إنك لكافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)أصبح فى المدينة خائفا يترقب والمراد بقى فى البلدة قلقا ينتظر مجىء جند فرعون لقتله فإذا الذى استنصره بالأمس والمراد فإذا الرجل الذى استنجد به البارحة يستصرخه أى يناديه لنجدته اليوم أيضا فقال له موسى (ص)إنك لغوى مبين أى كافر عظيم الكفر والسبب فى اتهامه له بالكفر هو تكراره شجاره مع القوم.

"فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين "المعنى فلما أن هم أن يؤذى الذى هو كاره لهما قال يا موسى أتحب أن تذبحنى كما ذبحت إنسانا البارحة إن تحب إلا أن تصبح ظالما فى البلاد وما تحب أن تصبح من العادلين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الهوى وهو الشهوة صور لموسى (ص)أن يقتل أكبر عدد من قوم فرعون مقابل أن يقتلوه أفضل أن يقتل مقابل واحد فقط فأراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما والمراد فهم أن يؤذى الذى هو كاره له وللمستغيث به وهذا يعنى أنه بدأ يتحرك باتجاه الرجل لقتله فقال له الرجل:يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس والمراد هل تحب أن تقضى على كما قضيت على إنسان البارحة ؟إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض والمراد إن تحب إلا أن تصبح مفسدا فى البلاد و فسر هذا قوله بقوله :وما تريد أن تكون من المصلحين أى وما تحب أن تصبح من العادلين المحسنين ،والرجل هنا ذكر موسى (ص)بما نسى وهو أن يكون مصلحا وليس ظالما يفسد فى البلاد وقد استجاب موسى (ص)للنصيحة فترك الرجل دون أن يبطش به .

"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "المعنى وأتى ذكر من أبعد البلدة يجرى قال يا موسى إن القوم يكيدون لك ليذبحوك فاهرب إنى لك من المخلصين،يبين الله لنبيه (ص)أن رجل جاء من أقصى المدينة يسعى والمراد أن إنسانا أتى من أبعد مكان فى البلدة يجرى نحو موسى (ص)فقال له :يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك والمراد إن القوم يجتمعون لك ليذبحوك فاخرج إنى لك من الناصحين والمراد فاهرب إنى لك من المخلصين ،وهذا يعنى أن الرجل من محبى موسى (ص)وأنه بين له أن القوم اجتمعوا لعمل خطة لقتله والواجب عليه هو أن يهرب من البلدة لبلدة أخرى لا يعرف فيها .

"فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل "المعنى فهرب منها قلقا ينتظر قال إلهى أنقذنى من الناس الكافرين ولما ذهب جهة مدين قال عسى إلهى أن يعرفنى خير الطرق،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)خرج من البلدة خائفا يترقب والمراد هرب من مصر قلقا ينتظر مجىء الجند لقتله فى أى لحظة وبعد خروجه منها قال رب نجنى من القوم الظالمين والمراد خالقى أنقذنى من الناس المجرمين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينقذه من أذى قوم فرعون ولما توجه تلقاء مدين والمراد ولما ذهب جهة بلدة مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل والمراد عسى أن يعرفنى إلهى عدل الدين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يعرفه الدين العادل حتى لا ينحرف عنه .

"ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير "المعنى ولما وصل ماء مدين لقى عنده جماعة من البشر يروون ولقى من خلفهم فتاتين تدفعان قال ما شأنكما قالتا لا نروى حتى ينصرف الرعاة ووالدنا شيخ عجوز،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)ورد ماء مدين والمراد وصل عين الماء التى فى بلدة مدين فوجد عليه أمة من الناس يسقون والمراد فلقى عند العين جماعة من البشر يروون أنعامهم ووجد من دونهم امرأتين تذودان والمراد ولقى من قبلهم فى مكان بعيد عنهم فتاتين تقفان مع أنعامهما تدفعانهما عن القوم وأنعامهم فسألهما موسى (ص):ما خطبكما أى ما الذى جعلكما تقفان هكذا دون سقى ؟فقالتا :لا نسقى حتى يصدر الرعاء أى لا نروى حتى ينتهى الرعاة من السقى وأبونا شيخ كبير أى ووالدنا رجل عجوز ،وهذا يعنى أن أسباب وقوفهما تلك الوقفة هى أنهما لا تريدان الإختلاط بالرجال الذين يسقون وإن والدهما شيخ عجوز لا يقدر على العمل .

"فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت على من خير فقير "المعنى فروى لهما ثم انصرف فقال إلهى إنى للذى أعطيت لى من نفع محتاج ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)سقى أى روى لهما عطش الأنعام ثم تولى إلى الظل والمراد ثم انصرف إلى مكان غير مشمس فقال :رب إنى لما أنزلت على من خير فقير أى إلهى إنى مع الذى أعطيت لى من نفع محتاج ،والمراد أنه محتاج إلى رزق أخر من عند الله غير ما أعطاه فى الماضى .

"فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "المعنى فأتته واحدة منهما تسير فى خجل قالت إنى والدى يريدك ليعطيك ثواب ما رويت لنا فلما أتاه وحكى له الحكايات قال لا تخش أنقذت من الناس الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن إحدى البنات جاءته تمشى على استحياء والمراد أتته تسير فى خجل أى خفر فوقفت وقالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا والمراد إن والدى يريدك ليعطيك رزق ما عملت لنا ،وهذا يعنى أن الرجل كان عادلا أراد أن يشكر موسى (ص)على عمله لبنتيه فقام معها موسى (ص)فلما جاءه أى ولما حضر عنده فى البيت وقص عليه القصص والمراد وحكى له الحكايات مع قوم فرعون قال له الرجل:لا تخف نجوت من القوم الظالمين أى لا تخشى أذى القوم هنا فلا سلطان له فى مدين أنقذت من الناس المجرمين .

"قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين "المعنى قالت واحدة منهما يا والدى استعمله إن أفضل من استعملت المتين المخلص،يبين الله لنبيه (ص)أن إحداهما أى واحدة من المرأتين وجدت فى موسى (ص)ما يرفع عن كاهلها وأختها مشقة العمل فقالت لأبيها :استأجره والمراد استعمله إن خير من استأجرت القوى الأمين أى إن أفضل من استعملت القادر المخلص،وهذا يعنى أن الفتاة وجدت فى موسى (ص)رجلا قويا قادرا على العمل لأنها شاهدته وهو يسقى لهما وهو أمين أى صادق مخلص لم يفعل شىء مؤذى لهما .

"قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين "المعنى قال إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن عملت عشرا فمن كرمك وما أحب أن أتعبك ستلقانى إن أراد الله من المحسنين،يبين الله لنبيه (ص)أن الشيخ الكبير قال لموسى (ص)إنى أريد أنكحك إحدى ابنتى هاتين والمراد إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج أى على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن أتممت عشرا فمن عندك والمراد فإن عملت لى عشر سنوات فهذا من كرمك ،وهذا يعنى أن الرجل لما وجد نفسه سيجعل موسى (ص)مقيما فى البيت عنده وجد أنه من الأفضل أن يمنع الضرر الذى قد يقع مستقبلا بين موسى (ص)وإحدى بناته عن طريق تزويجه إحداهن وهذا فى مقابل أن يعمل له ثمانى سنوات فإن زاد سنتين على الثمانى فهو من نبل أخلاقه وقال وما أريد أن أشق عليك والمراد ولا أحب أن أتعبك وهذا يعنى أنه لا يريد أن يسبب الأذى له،وقال ستجدنى إن شاء الله من الصالحين والمراد ستلقانى إن أراد الله من المحسنين وهم الموفين بشروطهم وهذا يعنى أنه سيفى له بالعهد وكلامه دليل على إيمانه بالله .

"قال ذلك بينى وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل "المعنى قال العهد بينى وبينك أيما المدتين أمضيت فلا أذى لى والرب على ما نتعاهد شهيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرجل الكبير قال لموسى (ص)ذلك وهو شروط العهد بينى وبينك ،أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والمراد أى المدتين الثمانى أو العشر سنوات أمضيت معى  فلا عدوان على والمراد فلا ضرر ينزل بى والله على ما نقول وكيل والمراد والله على الذى نتحدث شهيد وهذا يعنى أنه اختار الله حاكما بينهما لو اختلفا لأنه هو من علم شروط العهد .

"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله أنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى أنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "المعنى فلما أمضى موسى (ص)المدة وسافر بعائلته شاهد من جوار جبل الطور لهبا قال لعائلته ابقوا هنا إنى رأيت لهبا لعلى أجيئكم منها بنبأ أو قطعة من الوقود لعلكم تستدفئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما قضى الأجل والمراد لما أمضى المدة وهى العشر سنوات من كرمه سار بأهله والمراد رحل بعائلته من مدين حتى وصل سيناء قرب جبل الطور فأنس من جانب الطور نارا والمراد فرأى من جوار جبل الطور لهبا مشتعلا فقال لأهله وهم عائلته وهو زوجته وعياله :امكثوا إنى أنست نارا والمراد ابقوا مكانكم هنا إنى رأيت لهبا مشتعلا وهذا يعنى فى ظنه وجود ناس عند النار وقال لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون والمراد لعلى أجيئكم من عندها بنبأ أى هدى أى خبر يسركم من الناس أو قطعة أى قبس من الوقود لعلكم تستدفئون مصداق لقوله تعالى بسورة طه"لعلى أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "وهذا يعنى أنه سيذهب إما لجلب قطعة نار للإستدفاء وإما ليقول لهم خبر سار بالمبيت عند أهل النار كما يعنى أن رب العائلة مسئول عنها فى المهام الصعبة فى السفر مثل الاستطلاع وتقصى حقائق المكان .

"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين "المعنى فلما جاءها أوحى له من ناحية الوادى الأيمن فى الموضع المقدس حول الشجرة أن يا موسى إنى أنا الرب إله الكل ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما وصل عند الشجرة نودى والمراد أوحى له مصداق لقوله تعالى بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "وكان الوحى آتيا من شاطىء الواد الأيمن والمراد من ناحية المكان الأيمن المقدس طوى فى البقعة المباركة من الشجرة والمراد عند المكان المقدس حول الشجرة وهذا يعنى أن وادى طوى كان بين جبلى الطور فسمع موسى (ص)الوحى التالى :أن يا موسى (ص)إنى أنا الله رب العالمين والمراد إنى أنا الرب خالق الكل وهذا هو تعريف المنادى ومن ثم لابد فى بداية الحديث من أن يعرف السامع من هو المتكلم .

"وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "المعنى وأن ارم عصاك فلما شاهدها تتحرك كأنها ثعبان جرى هاربا ولم يرجع يا موسى (ص)عد ولا تخشى إنك من السالمين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص):ألق أى ارم عصاك فرماها على الأرض فتحركت فلما رآها تهتز كأنها جان والمراد فلما شاهدها تتحرك كأنها حية مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ولى مدبرا ولم يعقب والمراد جرى هاربا ولم يرجع وهذا يعنى أنه خاف من أذى الحية فجرى ولم ينظر خلفه فقال له الله يا موسى (ص)أقبل أى عد لمكان العصا إنك من الآمنين والمراد إنك من السالمين وهم المعصومين من الأذى .

"اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى ضع كفك فى فتحة ثوبك تطلع منيرة من غير ظلمة وضع لك كفك من الخوف فتلك آيتان من إلهك إلى فرعون وقومه إنهم كانوا ناسا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال لموسى (ص)اسلك يدك فى جيبك أى "أدخل يدك فى جيبك"كما قال بسورة النمل أى "اضمم يدك إلى جناحك "كما قال بسورة طه والمراد ضع كفك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير سوء والمراد تطلع منيرة من غير ظلمة فى أى جزء منها وقال واضمم إليك جناحك من الرهب والمراد وضع كفك فى ثوبك من الخوف والمراد إذا فزعت من يدك فضعها بعيدا عن عينك فذانك برهانان من ربك والمراد فهاتان آيتان من خالقك لفرعون وملائه وهم قومه إنهم كانوا قوما فاسقين والمراد كانوا ناسا مجرمين وهذا يعنى أنه أعطاه البراهين ليذهب بها لدعوة فرعون وشعبه للحق .

"قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "المعنى قال إلهى إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون وأخى هارون(ص)هو أبين منى كلاما فإبعثه معى وزيرا يساعدنى إنى أخشى أن يكفروا بى،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لله :رب أى خالقى إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون والمراد إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون مقابله وهذا تعبير عن خوفه من انتقام القوم وهو شىء طبيعى ،وأخى هارون (ص)هو أفصح منى لسانا والمراد هو أحسن منى حديثا فأرسله معى ردءا يصدقنى أى فإبعثه معى شريكا يقوينى ،وهذا يعنى أنه يبين لله عيبه وهو أنه لا يحسن الكلام لوجود عقدة فى لسانه ومن ثم فهو يريد متحدث أفضل منه حديثا وهو أخاه هارون(ص)وهذا المتحدث يكون ردء أى شريك له فى الأمر يصدقه أى يساعده على أداء المهمة ،إنى أخاف أن يكذبون والمراد إنى أخشى أن يكفروا بحديثى وهذا تعبير عن خوفه من تكذيب القوم له مع وجود الأدلة على صدقه معه .

"قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون "المعنى سنقوى نفسك بأخيك ونحدد لكما قوة فلا يقدرون عليكما بمعجزاتنا أنتما ومن أطاعكما المنتصرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص)سنشد عضدك بأخيك والمراد سنقوى نفسك بهارون (ص)وهذا يعنى أن الله استجاب لطلب موسى (ص)بأن يكون هارون (ص)شريكا له فى الرسالة ،وقال ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا والمراد ونقيم لكم حماية فلا يؤذونكما ببراهيننا وهذا يعنى أن الله أمن موسى (ص)وهارون(ص)من الخوف فجعل لهما سلطان أى قوة أى حماية تمنع قوم فرعون من أن يمسوهم بسوء وهذه الحماية وسيلتها هى آيات الله وهى معجزاته وهى العصا واليد وقال أنتما ومن معكما الغالبون والمراد أنتما ومن أطاع قولكما القاهرون،وهذا يعنى أنه أخبره بما سيحدث فى المستقبل وهو انتصارهم على قوم فرعون .

"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين "المعنى فلما أتاهم موسى (ص)ببراهيننا واضحات قالوا ما هذا إلا خداع عظيم وما علمنا بهذا من آباءنا السابقين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما جاءهم بآيات الله بينات والمراد لما أظهر لهم معجزات الله مرئيات كان رد فعلهم هو قولهم :ما هذا إلا سحر مفترى أى خداع معد من قبل والمراد مكر مبين مصداق لقوله بسورة يونس "إن هذا لسحر مبين "وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين والمراد وما عرفنا هذا فى دين آباءنا السابقين وهذا يعنى أنهم لم يعلموا شيئا فى دين الآباء يدل على ما أتى به موسى(ص)من عبادة رب العالمين وترك عبادة ما سواه .

"وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المعنى وقال موسى (ص)إلهى أعرف بمن أتى بالحق من لديه ومن تصبح له مثوبة القيامة إنه لا يفوز الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للقوم ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده والمراد خالقى أدرى بالذى أتى بالعدل من لديه ومن تكون له عاقبة الدار والمراد ومن يدخل جنة القيامة وهى دار السلام مصداق لقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "إنه لا يفلح الظالمون والمراد إنه لا يفوز المجرمون والمراد إنه لا يرحم الكافرون مصداق لقوله بسورة يونس "إنه لا يفلح المجرمون "وهذا الكلام من موسى (ص)هو رد هادىء عليهم فقد ترك لهم فيه حرية الكفر بحجة أنهم سيعرفون هل هو أو هم  على الحق فى المستقبل .

"وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين "المعنى وقال فرعون يا أيها الحضور ما عرفت لكم من رب سواى فأشعل لى يا هامان على الطين فابن لى مصعدا لعلى أصعد إلى رب موسى وإنى لأعرفه مفتريا ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:يا أيها الملأ وهم الحاضرين ما علمت لكم من إله غيرى والمراد ما عرفت لكم من رب سواى ،وهذا يعنى أن فرعون ادعى الألوهية وأنه الإله الوحيد ليس معه غيره ،وقال فأوقد لى يا هامان على الطين والمراد فأشعل لى يا هامان النار فى التراب المعجون بالماء فاجعل لى صرحا والمراد فابن لى بالطين المشوى سلما،ومن قوله هذا يتضح أنه ليس إله لأن الإله لا يحتاج للآخرين كما احتاج فرعون لهامان ،وقال لعلى أطلع إلى إله موسى والمراد كى أصعد إلى رب موسى ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله فى مكان هو السماء يصعد إليه عن طريق سلم مبنى وذلك ليقاتله وقال وإنى لأظنه من الكاذبين والمراد وإنى لأعرف موسى من المفترين ،وهذا يعنى أن فرعون يعتقد أن موسى (ص)كذب فى قوله بوجود رب سواه .

"واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون "المعنى وبغى هو وعسكره فى البلاد بغير العدل واعتقدوا أنهم إلينا لا يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استكبر أى بغى أى حكم هو وجنوده وهم عسكره فى الأرض وهى البلاد بغير الحق وهو العدل وهذا يعنى أنه حكم بلاد مصر بغير حكم الله وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون والمراد واعتقدوا أنهم إلى جزاء الله لا يبعثون بعد الموت مصداق لقوله بسورة الجن "كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا "وهذا يعنى كفرهم بالبعث .

"فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتيناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين "المعنى فأهلكناه هو وعسكره أى وأغرقناهم فى الماء فاعلم كيف كان عقاب الكافرين وعيناهم قادة ينادون إلى النار ويوم البعث لا يرحمون وأعطيناهم فى هذه الأولى غضب ويوم البعث هم من المعذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أخذ فرعون وجنوده والمراد أنه أهلك فرعون وعسكره وفسر هذا بأنه نبذهم فى اليم أى أغرقهم فى البحر مصداق لقوله بسورة الدخان"إنهم جند مغرقون"ويطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كان عاقبة الظالمين أى أن يعلم كيف كان عذاب الكافرين ليعتبر بما حدث لهم،ويبين له أنه جعل قوم فرعون أئمة يدعون إلى النار والمراد عينهم قادة ينادون الناس لإتباع الظلم بعملهم الظلم الذى يدخل السعير ويوم القيامة وهو يوم البعث لا ينصرون أى "لا ينظرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لا يرحمون أى لا ينقذون من النار ،ويبين له أنه أتبعهم فى هذه الدنيا لعنة والمراد أعطى لهم فى المعيشة الأولى عقاب أى عذاب ويوم القيامة أى البعث هم من المقبوحين أى "من المحضرين "كما قال بسورة القصص وهم المعذبين فى النار .

"ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .

"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).

"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.

"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .

"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .

"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .

"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له

"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".

"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "المعنى إنك لا ترحم من وددت ولكن الرب يرحم من يؤمن وهو أعرف بالمرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يهدى من أحب والمراد لا يرحم من يريد أى لا يدخل الجنة من يود ولكن الله يهدى من يشاء والمراد ولكن الرب يرحم أى يدخل الجنة من يؤمن بحكمه مطيعا له والله أعلم بالمهتدين أى المرحومين أى الداخلين الجنة لإيمانهم وطاعتهم حكم الله .

"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا إن نطيع الوحى معك نطرد من بلادنا أو لم نخلق لهم مكانا مطمئنا يأتى له منافع كل نوع عطاء من عندنا ولكن أغلبهم لا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا والمراد إن نطيع حكم الله معك نطرد من بلادنا وهذا يعنى أن نتيجة إتباع الحق فى رأيهم هى إصابتهم بالظلم فى بلادهم وهو الطرد منها ويسأل الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا والمراد ألم نخلق لهم مكانا حصينا يجبى إليه ثمرات كل شىء والمراد يحضر لهم منافع كل نوع رزقا من لدنا أى عطاء من عندنا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أن الله وضع فى الأرض مكان منيع لا يظلمون فيه هو مكة التى يأتيها الرزق بكل أنواعه من عند الله ومع هذا تعلل الكفار أن سبب عدم إيمانهم هو عدم وجود أمان فى أرضهم فى حالة إيمانهم ويبين الله لنا أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس "ولكن أكثرهم لا يشكرون "والمراد أنهم لا يطيعون حكم الله  .

"وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "المعنى وكم دمرنا من أهل بلدة رفضت رحمتها فتلك بيوتهم لم تشغل من بعدهم إلا قصيرا وكنا نحن المالكين ،يبين الله لنبيه (ص)أن كم من قرية أهلكها والمراد أن عدد أهالى البلدات التى قصمها أى دمرها الله كبير مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "والسبب أنها بطرت معيشتها أى رفضت حياتها وهى الجنة فى الآخرة مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان "أى المعيشة الحقة وهذا يعنى أنهم كذبوا وحى الله الذى يؤدى بهم للمعيشة الدائمة فتلك مساكنهم وهى بيوتهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا والمراد أنها لم تشغل بالسكان إلا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا وكان الله هو الوارث أى المالك لمساكنهم .

"وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلوا عليها آياتنا وما كنا ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون "المعنى وما كان إلهك معذب أهل البلاد حتى يرسل فى أصلها مبعوثا يبلغ لهم أحكامنا وما كنا معذبى أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان مهلك القرى والمراد ما كان معاقب أهل البلاد حتى يبعث فى أمها رسولا والمراد حتى يرسل إلى ناسها مبعوثا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "وهذا الرسول يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه ما كان مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون والمراد ما كان معذب أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون بحكمه وهذا يعنى أن سبب الهلاك هو الظلم أى الكفر والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص).    

"وما أوتيتم من شىء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون "المعنى والذى أعطيتم من رزق هو نفع المعيشة الأولى أى فائدتها والذى لدى الرب أحسن وأدوم أفلا تفهمون؟ ،يبين الله للناس أن ما أوتوا من شىء والمراد ما أعطوا من رزق فى دنياهم فهو متاع الحياة الدنيا وفسره بأنه زينة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأن ما عند الله خير وأبقى والمراد وأن الذى لدى الرب وهو متاع الجنة هو أفضل من متاع الدنيا وأدوم لأنه لا يفنى ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تبصرون "كما قال بسورة القصص والمراد أفلا تطيعون حكم الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.

"أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين "المعنى هل من أخبرناه خبرا نافعا فهو داخله كما أعطيناه نفع المعيشة الأولى ثم هو يوم البعث من المعذبين ،يسأل الله الناس :أفمن وعدناه وعدا حسنا أى هل من أخبرناه خبرا طيبا وهو دخول الجنة مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"فهو لاقيه والمراد فهو داخل الجنة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أى كمن لذذناه بنفع المعيشة الأولى ثم هو يوم القيامة وهو يوم البعث من المحضرين أى "من المعذبين "كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن داخل الجنة لا يستوى مع داخل النار وهو العذاب .

"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون "المعنى ويوم يخاطبهم فيسألهم أين مقاسمى الذين كنتم تعبدون ؟يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يناديهم أى يسأل الكفار على لسان الملائكة فيقول :أين شركاءى أى مقاسمى فى الملك الذين كنتم تزعمون أى تعبدون أى تقولون أنهم شفعاؤكم عندى مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون "والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا وجود لأى آلهة غير الله

"قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "المعنى قال الذين صدق فيهم الحديث إلهنا هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا تبنا لك ما كانوا إيانا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين حق عليهم القول والمراد أن الذين صدقت عليهم كلمة العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر "أفمن حق عليه كلمة العذاب"قالوا ربنا أى إلهنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمراد هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا وهذا يعنى أنهم أبعدوا الناس عن الحق كما أبعدهم عن الحق الذين من قبلهم وهذا معناه أن كل أمة تلقى المسئولية على سابقتها وهذا هو قول الكفار وأما الآلهة التى زعموا وجودها فقد قالوا :تبرأنا إليك والمراد تبنا لك أى أخلصنا لك ما كانوا إيانا يعبدون أى يطيعون وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة تنفى أن الكفار كانوا يتبعون إياهم والخطاب للنبى(ص).

"وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون "المعنى وقيل نادوا آلهتكم فنادوهم فلم يردوا عليهم وشاهدوا النار لو أنهم كانوا يعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قال الله لهم على لسان الملائكة :ادعوا شركاءكم والمراد نادوا آلهتكم المزعومة مصداق لقوله بسورة سبأ"ادعوا الذين زعمتم من دون الله "فدعوهم أى فنادوا عليهم لينقذوهم فلم يستجيبوا لهم والمراد لم ينقذوهم من العذاب ورأوا العذاب أى وشاهدوا العقاب والمراد فدخلوا النار لو أنهم كانوا يهتدون أى يعملون بالرشد فى الدنيا ما دخلوا النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"المعنى ويوم يخاطبهم فيقول بماذا رددتم على المبعوثين فأخفيت عليهم الأخبار يومذاك فهم لا يستفهمون ،فأما من أناب أى صدق وفعل حسنا فعسى أن يصبح من المرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب أى يسأل الله الكفار على لسان الملائكة فيقول :ماذا أجبتم المرسلين أى بماذا رددتم على الأنبياء ؟وفى هذا اليوم عميت عليهم الأنباء أى خفيت عليهم الأخبار والمراد أنهم جهلة بالأحداث فى هذا اليوم ومن ثم فهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء لأن "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه "جبتم أ كما قال بسورة عبس وأما من تاب أى أناب لدين الله وفسر هذا بأنه آمن أى صدق حكم الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا مما فى حكم الله فعسى أن يكون من المفلحين وهم الفائزين بجنة الله مصداق لقوله بسورة مريم "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ".

"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "المعنى وإلهك ينشىء ما يريد ويصطفى ما كان لهم الاختيار ،علا أى ارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه يخلق ما يشاء والمراد أن خالقه يبدع ما يريد من الأفراد وهو يختار أى يصطفى منهم من يريد رسولا ،وسبحان أى تعالى الله عما يشركون والمراد أن طاعة الله فضلت أى علت على طاعة الذى يطيعون وهو الآلهة المزعومة فهو من يجب طاعته لكونه الإله الوحيد والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "المعنى وإلهك يعرف الذى تخفى نفوسهم والذى يبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه وهو خالقه يعلم ما تكن صدور الناس والمراد يدرى الذى تكتم نفوس الناس وما يعلنون وهو الذى يظهرون أى يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ".

"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون "المعنى وهو الرب لا رب سواه له الطاعة فى الدنيا والقيامة أى له الملك ولجزاءه تعودون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله له الحمد أى الطاعة لحكم الرب وفسر هذا بأنه له الحكم وهو الأمر فى الكون مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "فى الأولى وهى الدنيا وفى الآخرة وهى القيامة ويبين الله للناس أنهم إليه يرجعون أى إليه يقلبون أى يحشرون والمراد يعودون لجزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "وقوله بسورة العنكبوت "وإليه تقلبون"والخطاب للناس.

"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون "المعنى قل أعلمتم إن خلق الرب لكم الليل دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بنور أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس السؤال التالى :أرأيتم أى عرفونى إن جعل الله عليكم الليل وهو الظلام سرمدا أى إن خلق الله لكم الظلام مستمرا إلى يوم القيامة وهى البعث من إله غير الله يأتيكم بضياء والمراد من رب سوى الله يجيئكم بنور ؟أفلا تسمعون أى "أفلا تبصرون "كما قال بالآية التالية أى أفلا تعقلون ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إنارة الليل وأما غيره فلا يقدرون على إنارة الليل بالضوء إذا أراد الليل دائم حتى يوم القيامة وإن الواجب عليهم هو السماع أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.

"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون "المعنى قل عرفونى إن خلق الرب لكم النهار دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بليل ترتاحون فيه أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس أرأيتم والمراد أعلمونى إن جعل أى خلق الله لكم النهار سرمدا أى مستمرا من إله غير الله يأتيكم بليل أى يجيئكم بظلام تسكنون أى تنامون أى ترتاحون فيه ؟أفلا تبصرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بسورة يس والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إظلام النهار إذا أصبح  سرمدا أى مستمرا حتى يوم القيامة وأما غيره فلا يقدرون على هذا إذا أراد الله أن يكون النهار دائما وعليه فالله وحده هو القادر على إظلام النهار حتى يسكن أى يرتاح الناس وإن الواجب عليهم هو البصر أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه .

"ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "المعنى ومن نفعه خلق لكم الليل والنهار لترتاحوا فيه ولتطلبوا من رزقه ولعلكم تطيعون ،يبين الله للناس أن من رحمته وهى نفعه لهم أن جعل أى خلق لهم الليل ليسكنوا فيه والمراد ليرتاحوا فيه وخلق النهار ليبتغوا من فضله والمراد ليطلبوا فيه من رزق الله وقد خلق الليل والنهار لعل الناس يشكرون أى "لعلكم تذكرون "كما قال بسورة النور والمراد لعلهم يطيعون حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.

"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون "المعنى ويوم يخاطبهم فيقول أين مقاسمى الذين كنتم تقولون وأخرجنا من كل جماعة مقرا فقلنا أظهروا دليلكم فعرفوا أن الحكم لله وبعد عنهم ما كانوا يزعمون ،يبين الله أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب والمراد يسأل الكفار على لسان الملائكة أين شركاءى أى مقاسمى الذين كنتم تزعمون أى تعبدون مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون"والغرض من السؤال إظهار عدم وجود آلهة مع الله ،والله ينزع من كل أمة شهيدا والمراد والله يجىء من كل جماعة مقر على قومه ليشهد عليهم بما فعلوه معه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النساء "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد"ويقول الله للكفار :هاتوا برهانكم والمراد أحضروا دليلكم على صدق زعمكم فلم يحضروا شيئا وعلموا أى عرفوا التالى أن الحق لله والمراد "والأمر يومئذ لله "كما قال بسورة الإنفطار وهذا يعنى أن الحكم العادل لله وضل عنهم ما كانوا يفترون والمراد وتبرأ منهم الذى كانوا يزعمون فى الدنيا والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس.

"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "المعنى إن قارون كان من شعب موسى (ص)فطغى عليهم وأعطيناه من الأموال ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أصحاب البأس إذ قال له شعبه لا تطغى إن الرب لا يرحم الطاغين ،يبين الله لنا أن قارون كان من قوم وهم شعب موسى (ص)والمراد من بنى إسرائيل فبغى عليهم والمراد فسار فيهم بالظلم أى تكبر عليهم والسبب أن الله أتاه من الكنوز أى أعطاه من الأموال ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة والمراد ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أهل البأس وهذا يعنى أن الجماعة ذات الصحة إذا رفعت الأموال من على الأرض تألمت من ثقلها فتعجز عن حملها فقال له قومه وهم أهله :لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين أى لا تفسد إن الرب لا يرحم المفسدين مصداق لقوله بسورة القصص "إن الله لا يحب المفسدين "وهذا يعنى أنهم نهوه عن حكمهم بغير حكم الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس هو وما بعده من القصة .

"وابتغ فيما أتاك الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين "المعنى واطلب فيما أعطاك الله جنة القيامة ولا تترك منفعتك من الأولى وأصلح كما أصلح الله لك ولا ترتكب الظلم بالبلاد إن الرب لا يثيب الظالمين،يبين الله أن القوم نصحوا قارون فقالوا :وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة أى واطلب فى الذى أعطاك الرب المقام القادم والمراد اعمل فى المال بما يضمن لك دخول الجنة ولا تنس نصيبك من الدنيا أى ولا تترك منفعتك من الأولى والمراد ولا تترك متعتك التى أباحها الله لك فى الدنيا وفسروا هذا بقولهم وأحسن كما أحسن الله إليك والمراد وأصلح عملك كما أصلح الله لك حالك والمراد اعدل كما عدل الله معك وفسروا هذا بقولهم ولا تبغ الفساد فى الأرض والمراد ولا تصنع الظلم فى البلاد والمراد "ولا تمش فى الأرض مرحا "كما قال بسورة لقمان ،إن الله لا يحب المفسدين أى إن الرب لا يرحم الفرحين مصداق لقوله بنفس السورة "إن الله لا يحب الفرحين "وهم الكافرين .

"قال إنما أوتيته على علم عندى أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون "المعنى قال إنما أخذته بسبب معرفة لدى ،هل لم يعرف أن الرب قد دمر من قبله من الأمم من هو أعظم منه عزة وأكثر عددا ولا يستخبر عن خطاياهم الكافرون ،يبين الله أن قارون رد على قومه قائلا :إنما أوتيته على علم عندى والمراد لقد حصلت عليه بسبب معرفتى وهذا يعنى أن سبب وجود كل هذا المال عنده هو معرفته وليس لأحد فضل عليه سواء الله أو غيره ،ويسأل الله أو لم يعلم والمراد هل لم يدرى أن الله قد أهلك أى دمر من قبله من القرون وهم الجماعات من هو أشد أى أعظم منه قوة أى بطشا مصداق لقوله بسورة الزخرف "فأهلكنا أشد منهم بطشا "وأكثر جمعا أى وأعظم أولادا مصداق لقوله بسورة التوبة "وأكثر أموالا وأولادا "؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس هو أن قارون كان يعلم أن الله دمر من الأمم من هو أقوى وأكثر عددا ومع ذلك كفر ولم يتخذ عبرة مما حدث لهم وعلى الناس اتخاذ العبرة مما حدث له ويبين لنا أن المجرمون وهم الكافرون لا يسئلون عن ذنوبهم والمراد لا يستفهمون عن خطاياهم وهذا يعنى أن الله لا يستفهم من الكفار عن سيئاتهم لأنه عالم بها .

"فخرج على قومه فى زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو فضل حظ عظيم "المعنى فطلع على شعبه فى هيئته قال الذين يحبون المعيشة الأولى يا ليت لنا شبه الذى أعطى قارون إنه لصاحب غنى كبير، يبين الله لنا أن قارون خرج على قومه فى زينته والمراد طلع إلى شعبه فى هيئته وهى الحلى الذهبية وغيرها أى الأوزار كما بقوله بسورة طه "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم "فقال الذين يريدون الحياة الدنيا وهم الذين يحبون متاع المعيشة الأولى :يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون أى يا ليت لنا مقدار الذى أعطى قارون من المال إنه لذو حظ عظيم والمراد إنه لصاحب غنى واسع وهذا يعنى أنهم تمنوا أن يكون لهم مال مثل مال قارون .

"وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن أمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون "المعنى وقال الذين أعطوا الوحى العذاب لكم أجر الله أفضل لمن صدق وفعل حسنا أى لا يدخلها إلا المطيعون،يبين الله أن الذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الكتاب وهو الوحى مصداق لقوله بسورة آل عمران "الذين أوتوا الكتاب "قالوا للمتمنين:ويلكم والمراد العذاب نصيبكم ،ثواب الله خير والمراد الدار الآخرة وهى الجنة أفضل لمن آمن أى صدق الوحى وعمل صالحا أى وفعل حسنا وهم المتقون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وللدار الآخرة خير للذين يتقون "وفسروا هذا بقولهم ولا يلقاها إلا الصابرون والمراد ولا يدخل الجنة إلا المطيعون وهم ذوو الحظ العظيم مصداق لقوله بسورة فصلت "ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم "

"فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "المعنى فزلزلنا به وببيته الأرض فما كان له من جماعة ينقذونه من سوى الرب وما كان من الغالبين ،يبين الله لنا أن الله خسف أى زلزل بقارون وداره وهى قصره بمن فيه الأرض وهى اليابس المقام عليه فما كان له من فئة ينصرونه والمراد فما كان له من جماعة ينقذونه من عذاب الله وما كان من المنتصرين وهم الغالبين وهذا يعنى أنه لم يقدر على الهرب من العذاب .

"وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "المعنى وأصبح الذين أرادوا مقامه بالبارحة يقولون إن الرب يكثر العطاء لمن يريد من خلقه ويقلل لولا أن تفضل الرب علينا لزلزل بنا إنه لا يفوز المكذبون،يبين الله أن الذين تمنوا مكان قارون بالأمس وهم الذين أرادوا مقام قارون وهو ماله بالبارحة أصبحوا يقولون بعد أن شاهدوا هلاك قارون :ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر والمراد إن الرب يكثر النفع لمن يريد من خلقه ويقلل وهذا إقرار منهم بخطأ تمنيهم فالله يبتلى بالغنى كما يبتلى بالفقر وقالوا لولا أن من علينا أى لولا أن رحمنا الله لخسف بنا والمراد لزلزل بنا والمراد لأهلكنا ويكأنه لا يفلح الكافرون والمراد إنه لا يفوز المكذبون أى إنه لا يرحم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "إنه لا يفلح الظالمون ".

"تلك الدار الآخرة  نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "المعنى تلك جنة القيامة ندخلها الذين لا يعملون ظلما فى البلاد أى جورا أى الجنة للمطيعين،يبين الله أن الدار الآخرة وهى جنة القيامة يجعلها الله للذين لا يريدون علوا فى الأرض والمراد يسكنها الرب الذين لا يفعلون كفرا فى البلاد وفسر الله العلو بأنه الفساد وفسر الله هذا بأن العاقبة وهى الجنة للمتقين أى المطيعين لحكم الله .

"من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون "المعنى من أتى بالنافعة فله أحسن من النار ومن أتى بالفاسدة فلا يعطى الذين صنعوا الفاسدات إلا عقاب ما كانوا يفعلون ،يبين الله أن من جاء بالحسنة والمراد أن من أتى بنفسه المسلمة فى الآخرة فله خير منها والمراد فله جزاء أفضل من النار وهو الجنة وأما من جاء بالسيئة والمراد وأما من أتى بالكفر فلا يجزى الذين عملوا السيئات والمراد فلا يدخل الذين "اجترحوا السيئات "كما قال بسورة الجاثية وهى الخطايا إلا ما كانوا يعملون والمراد إلا عقاب الذى كانوا يفعلون وهو النار

"إن الذى فرض عليك القرآن لرادك لمعاد قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين "المعنى إن الذى أنزل لك الكتاب لمعيدك إلى مرجع قل إلهى أعرف من أتى بالإسلام ومن هو فى كفر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى فرض عليه القرآن والمراد الذى نزل له الكتاب وهى الوحى مصداق لقوله بسورة الأعراف "الذى نزل الكتاب "راده إلى معاد والمراد محييه فى وقت أخر بعد موته ويطلب الله منه أن يقول للناس ربى أعلم بمن جاء بالهدى والمراد خالقى أدرى بمن أتى بالحق وهو الإسلام ومن هو فى ضلال مبين أى على كفر ظاهر وهذا يعنى معرفة الله للمسلمين والكافرين .

"وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد أن أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع  مع الله إلها أخر لا إله إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون "المعنى وما كنت تريد أن ينزل عليك الوحى إلا نفع من إلهك فلا تصبحن ناصرا للكاذبين ولا يردنك عن أحكام الله بعد إذ ألقيت إليك وناد إلهك ولا تصبحن من الكافرين ولا تعبد مع الرب ربا أخر لا رب إلا هو كل مخلوق فان إلا جزاءه له الأمر وإليه تعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب والمراد أنه ما كان يريد أن يوحى له القرآن وبيانه إلا رحمة من ربه والمراد إلا نفع من خالقه وهذا يعنى أنه أراد من إلقاء الوحى له الخير له من عند الله وينهاه الله أن يكون ظهيرا للكافرين والمراد ألا يكون نصيرا أى مطيعا لحكم المكذبين لحكم الله وفسر هذا بقوله لا يصدنك عن آيات لله بعد إذ أنزلت إليه والمراد لا يردنك عن طاعة أحكام الرب أحد بعد أن أوحيت لك وفسر هذا بقوله وادع إلى ربك والمراد وأطع حكم إلهك وفسر هذا بقوله ولا تكونن من المشركين أى "فلا تكونن من الجاهلين"كما قال بسورة الأنعام والمراد لا تصبحن من الكافرين وفسر هذا بقوله ولا تدع مع الله إلها أخر والمراد ولا تطع مع حكم الله حكم رب أخر مزعوم ،ويبين له أن لا إله أى لا رب إلا الله وأن كل شىء وهو كل مخلوق هالك إلا وجهه والمراد كل مخلوق فان إلا جزاء الله وهو الجنة والنار وإليه ترجعون أى تعودون أى تحشرون مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "والمراد وإلى وجه وهو جزاء الله تعودون بعد الموت والخطاب وما قبله وما قبله وما قبله للنبى(ص).

 

                           سورة القصص

سميت بهذا الاسم لذكر قصص موسى (ص)للشيخ الكبير فى قوله "فلما جاءه وقص عليه القصص ".

"بسم الله الرحمن الرحيم طسم تلك آيات الكتاب المبين "المعنى بحكم الرب النافع المفيد العدل هو أحكام الوحى العظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله الرحمن الرحيم والمراد أن الرب النافع المفيد اسمه وهو حكمه هو أن طسم تلك آيات الكتاب المبين والمراد أن العدل هو أحكام القرآن وهو الوحى العظيم مصداق لقوله بسورة النمل"طس تلك آيات القرآن"والخطاب للنبى (ص)هو وما بعده من القصص ومنه للناس

"نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون "المعنى نقص عليك من خبر موسى (ص)وفرعون بالعدل لناس يصدقون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه يتلوا عليه والمراد يقص عليه مصداق لقوله بسورة طه"نقص عليك "من نبأ وهو خبر أى قصة موسى (ص)وفرعون بالحق وهو العدل لقوم يؤمنون أى يفهمون أى يذكرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"لقوم يذكرون ".

"إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين "المعنى إن فرعون طغى فى البلاد وفرق ناسها فرقا يستوهن جماعة منهم يقتل أولادهم ويستخدم إناثهم إنه كان من المسرفين،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون علا فى الأرض والمراد طغى فى البلاد مصداق لقوله بسورة طه"إنه طغى "وهذا يعنى أنه حكم البلاد بالظلم حيث جعل أهلها شيعا والمراد قسم ناسها فرقا يستضعف طائفة والمراد يستعبد جماعة منهم يذبح أبنائهم أى يقتل أولادهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"يقتلون أبناءكم "ويستحى نساءهم والمراد ويستخدم إناثهم أى يجعلهم خدم أى إماء لقومه إنه كان من المفسدين وهم المجرمين أى المسرفين مصداق لقوله بسورة الدخان "إنه كان عاليا من المسرفين ".

"ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم فى الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون "المعنى ونحب أن ننعم على الذين استذلوا فى البلاد أى نعينهم حكاما أى نجعلهم المالكين أى نحكمهم فى البلاد ونشهد فرعون وهامان وعسكرهما الذى كانوا يخافون،يبين الله لنبيه (ص)أنه يريد أن يمن على الذين استضعفوا فى الأرض والمراد يحب أن ينعم على الذين ذلوا فى البلاد وهم بنى إسرائيل وفسر هذا بأنه يريد أن يجعلهم الوارثين أى المالكين للأرض المباركة وفسر هذا بأنه يمكن لهم فى الأرض والمراد يحكمهم فى البلاد وهى مشارق ومغارب الأرض المباركة مصداق لقوله بسورة الأعراف "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها"ويبين له أنه يريد أن يرى والمراد يشهد كل من فرعون وهامان وزيره وجنودهما وهم عسكرهما ما كانوا يحذرون أى الذى كانوا يخافون وهو ما رآه فرعون من زوال ملكه هو وقومه على يد أحد بنى إسرائيل فى الحلم وتفسيره بهذا التفسير .

"وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه فى اليم ولا تخافى ولا تحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين "المعنى وألقينا إلى والدة موسى (ص)أن اسقيه فإذا خشيت عليه فارميه فى البحر ولا تخشى أى لا تغتمى إنا معيدوه لك ومختاروه من الأنبياء ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أوحى إلى أم موسى (ص)والمراد أنه ألقى إلى والدة موسى وحى قال لها فيه :أرضعيه أى اسقيه لبن ثديك فإذا خفت عليه والمراد فإذا خشيت عليه أذى قوم فرعون فألقيه فى اليم والمراد فضعيه فى صندوق فضعيه فى النهر ولا تخافى أى لا تحزنى أى لا تخشى عليه من أى أذى وهذا تسكين لقلبها إنا رادوه إليك والمراد إنا معيدوه لك وهذا وعد من الله بإرجاع موسى (ص)لها بعد ذهابه وجاعلوه من المرسلين أى ومختاروه من الأنبياء وهذه بشارة لها أن موسى (ص)سيكون نبيا رسولا  فى المستقبل ومن ثم  فهو لن يموت على أيدى قوم فرعون .

"فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين "المعنى فأخذه قوم فرعون ليصبح لهم كارها وهلاكا إن فرعون وهامان وعسكرهما كانوا مجرمين،يبين الله لنبيه (ص)أن آل وهم قوم فرعون التقطوا أى أمسكوا موسى (ص)ليكون لهم عدوا أى كارها لهم وحزنا أى وسببا فى هلاكهم ،ويبين له أن فرعون ووزيره هامان وجنودهما وهم عسكرهما كانوا خاطئين أى فاسقين أى مجرمين مصداق لقوله بسورة الزخرف"إنهم كانوا قوما فاسقين ".

"وقالت امرأة فرعون قرة عين لى ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون "المعنى وقالت زوجة فرعون سكن نفس لى ولك لا تذبحوه عسى أن يفيدنا أو نتبناه ابنا وهم لا يعلمون،يبين الله لنبيه (ص)أن امرأة وهى زوجة فرعون قالت لفرعون :قرة عين أى راحة نفس لى ولك وهذا يعنى أن هذا الولد سيجعل قلوبهم ساكنة بسبب عدم إنجابهما ،وقالت لا تقتلوه أى لا تذبحوه عسى أن ينفعنا أى يفيدنا مستقبلا أو نتخذه ولدا أى نتبناه ابنا،وهذا يعنى أن المرأة نهت فرعون عن ذبح موسى (ص)متعللة بأن هذا الولد إذا كبر سينفعهما عند العجز أو يتبنوه ابنا  ليرث ما يملكون وبهذا نفذوا ما كانوا يريدون منعه بأنفسهم وهم  لا يشعرون أى وهم لا يعلمون أن هذا الولد هو الذى سيدمر ملكهم

"وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين "المعنى وأصبح قلب والدة موسى قلقا لقد همت أن تكشف أمره لولا أن قيدنا على نفسها لتصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فؤاد أم موسى (ص)والمراد أن قلب والدة موسى (ص)أصبح فارغا أى خاليا من كل شىء سوى القلق على مصير موسى (ص)وهذا القلق دفعها إلى أنها كادت لتبدى به والمراد إلى أنها أرادت أن تكشف سره ولكنها لم تفعل لأن الله ربط قلبها والمراد أسكن نفسها بالوحى حتى تصبح من المؤمنين أى المصدقين به .

"وقالت لأخيه قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون وحرمنا عليه المراضع من قبل فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون "المعنى وقالت لأخته تتبعيه فنظرت إليه من قرب وهم لا يعلمون ومنعنا عليه المرضعات من قبل فقالت هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم لكم مخلصون،يبين الله لنبيه (ص)أن أم موسى (ص)قالت لبنتها أخت موسى (ص):قصيه أى اتبعيه والمراد اعرفى ما يحدث له،فأطاعت البنت أمها فبصرت به عن جنب أى فنظرت له من ناحية قريبة وقوم فرعون لا يشعرون أى لا يعلمون بها وهذا يعنى أنها أجادت فكرة المراقبة ولم ترتكب خطأ يدلهم على حقيقة الأمر،ويبين له أنه حرم عليه المراضع والمراد منع المرضعات عن موسى (ص)بأن جعله لا يقبل على الرضاعة منهن فكلما اقتربت واحدة منهن لترضعه رفض وبكى وذلك حتى يرجعه لأمه فقالت لهم أخته:هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم والمراد هل أرشدكم إلى أصحاب مسكن يرضعونه لكم وهم له ناصحون أى مخلصون؟والغرض من السؤال هو أن تعيد الأخت أخيها إلى أحضان أمها وقد استجاب القوم لها فاستدعوا أمها لإرضاع موسى (ص)فرضع منها .

 "فرددناه إلى أمه كى تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فأعدناه لوالدته كى يسكن قلبها أى لا تخف ولتعرف أن قول الرب صدق ولكن معظمهم لا يؤمنون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه رد أى أعاد موسى (ص)لأمه وهى والدته والأسباب هى أن تقر عينها أى يسكن قلبها والمراد تطمئن نفسها وفسر هذا بأن لا تحزن أى لا تخاف عليه من الأذى وأن تعلم أن وعد الله حق والمراد وأن تعرف أن قول الله لها صدق أى متحقق واقع ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون أى لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة يونس"ولكن أكثرهم لا يشكرون "

"ولما بلغ أشده واستوى أتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين "المعنى ولما وصل قوته ورشد أعطيناه معرفة وهكذا نثيب الصالحين ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما بلغ أشده والمراد لما وصل سن قوته واستوى أى واعتدل والمراد ورشد أتاه الله حكما أى علما والمراد أوحى له وحيا أى معرفة ويبين له أن كذلك أى بوحى الحكم وهو العلم يجزى الله المحسنين والمراد يثيب المصلحين أى الشاكرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"وسيجزى الله الشاكرين ".

"ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذى من شيعته على الذى من عدوه فوكزه فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين "المعنى وولج البلدة وقت غيبة سكانها فلقى فيها ذكرين يتشاجران هذا من جماعته وهذه من كارهه فاستنجده الذى من جماعته على الذى من كارهه فضربه موسى (ص)فأنهى عليه قال هذا من فعل الهوى إنه كاره كافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)دخل المدينة على حين غفلة من أهلها والمراد ولج البلدة فى وقت غيبة سكانها لسبب ما إما النوم أو تجمعهم فى معبد أو محفل وهذا يعنى أنه دخل البلدة فوجد فيها رجلين يقتتلان والمراد فلقى ذكرين يتشاجران كل واحد منهما يريد قتل الآخر وهذان الرجلان أحدهما من شيعته أى من قوم موسى (ص)والآخر من عدوه أى باغضه أى كارهه وهم قوم فرعون فاستغاثه الذى من شيعته والمراد فاستنجد به الذى من جماعته على الذى من عدوه وهو كارهه فاستجاب موسى (ص)له فوكزه والمراد فضرب الذى من قوم فرعون فقضى عليه أى فأنهى عليه أى قتله فلما فكر موسى (ص)فى الأمر وجد نفسه قد ارتكب ذنبا فقال :هذا من عمل الشيطان والمراد هذا من فعل الشهوة أى الهوى الضال فى إنها عدو مضل مبين أى إنها كارهة لنفعى كافرة عظيمة .

"قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين "المعنى قال إلهى إنى بخست نفسى فاعفو عنى فعفا عنه إنه هو العفو النافع قال إلهى بما وهبت لى فلن أصبح ناصرا للكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص) دعا الله فقال:رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى والمراد خالقى إنى بخست حق نفسى فاعفو عنى وهذا يعنى إقراره بذنبه وطلبه العفو عنه فكانت النتيجة أن غفر له أى عفا عن ذنبه أى ترك عقابه على جريمته إنه هو الغفور الرحيم والمراد إنه هو النافع المفيد لمن يستغفره ،وقال موسى (ص)رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين والمراد خالقى بالذى وهبت لى من النعم وهو حلف بنعم الله فلن أصبح نصيرا للكافرين وهذا يعنى أنه حلف بنعمة الله على أنه لن ينصر ظالما مهما حدث والقسم بنعم الله يعنى إباحة القسم بالخلق. 

"وأصبح فى المدينة خائفا يترقب فإذا الذى استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوى مبين "المعنى وأقام فى البلدة قلقا ينتظر فإذا الذى استغاثه البارحة يستنصره قال له موسى (ص)إنك لكافر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)أصبح فى المدينة خائفا يترقب والمراد بقى فى البلدة قلقا ينتظر مجىء جند فرعون لقتله فإذا الذى استنصره بالأمس والمراد فإذا الرجل الذى استنجد به البارحة يستصرخه أى يناديه لنجدته اليوم أيضا فقال له موسى (ص)إنك لغوى مبين أى كافر عظيم الكفر والسبب فى اتهامه له بالكفر هو تكراره شجاره مع القوم.

"فلما أن أراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين "المعنى فلما أن هم أن يؤذى الذى هو كاره لهما قال يا موسى أتحب أن تذبحنى كما ذبحت إنسانا البارحة إن تحب إلا أن تصبح ظالما فى البلاد وما تحب أن تصبح من العادلين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الهوى وهو الشهوة صور لموسى (ص)أن يقتل أكبر عدد من قوم فرعون مقابل أن يقتلوه أفضل أن يقتل مقابل واحد فقط فأراد أن يبطش بالذى هو عدو لهما والمراد فهم أن يؤذى الذى هو كاره له وللمستغيث به وهذا يعنى أنه بدأ يتحرك باتجاه الرجل لقتله فقال له الرجل:يا موسى أتريد أن تقتلنى كما قتلت نفسا بالأمس والمراد هل تحب أن تقضى على كما قضيت على إنسان البارحة ؟إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض والمراد إن تحب إلا أن تصبح مفسدا فى البلاد و فسر هذا قوله بقوله :وما تريد أن تكون من المصلحين أى وما تحب أن تصبح من العادلين المحسنين ،والرجل هنا ذكر موسى (ص)بما نسى وهو أن يكون مصلحا وليس ظالما يفسد فى البلاد وقد استجاب موسى (ص)للنصيحة فترك الرجل دون أن يبطش به .

"وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين "المعنى وأتى ذكر من أبعد البلدة يجرى قال يا موسى إن القوم يكيدون لك ليذبحوك فاهرب إنى لك من المخلصين،يبين الله لنبيه (ص)أن رجل جاء من أقصى المدينة يسعى والمراد أن إنسانا أتى من أبعد مكان فى البلدة يجرى نحو موسى (ص)فقال له :يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك والمراد إن القوم يجتمعون لك ليذبحوك فاخرج إنى لك من الناصحين والمراد فاهرب إنى لك من المخلصين ،وهذا يعنى أن الرجل من محبى موسى (ص)وأنه بين له أن القوم اجتمعوا لعمل خطة لقتله والواجب عليه هو أن يهرب من البلدة لبلدة أخرى لا يعرف فيها .

"فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجنى من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل "المعنى فهرب منها قلقا ينتظر قال إلهى أنقذنى من الناس الكافرين ولما ذهب جهة مدين قال عسى إلهى أن يعرفنى خير الطرق،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)خرج من البلدة خائفا يترقب والمراد هرب من مصر قلقا ينتظر مجىء الجند لقتله فى أى لحظة وبعد خروجه منها قال رب نجنى من القوم الظالمين والمراد خالقى أنقذنى من الناس المجرمين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن ينقذه من أذى قوم فرعون ولما توجه تلقاء مدين والمراد ولما ذهب جهة بلدة مدين قال عسى ربى أن يهدين سواء السبيل والمراد عسى أن يعرفنى إلهى عدل الدين وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يعرفه الدين العادل حتى لا ينحرف عنه .

"ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير "المعنى ولما وصل ماء مدين لقى عنده جماعة من البشر يروون ولقى من خلفهم فتاتين تدفعان قال ما شأنكما قالتا لا نروى حتى ينصرف الرعاة ووالدنا شيخ عجوز،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)ورد ماء مدين والمراد وصل عين الماء التى فى بلدة مدين فوجد عليه أمة من الناس يسقون والمراد فلقى عند العين جماعة من البشر يروون أنعامهم ووجد من دونهم امرأتين تذودان والمراد ولقى من قبلهم فى مكان بعيد عنهم فتاتين تقفان مع أنعامهما تدفعانهما عن القوم وأنعامهم فسألهما موسى (ص):ما خطبكما أى ما الذى جعلكما تقفان هكذا دون سقى ؟فقالتا :لا نسقى حتى يصدر الرعاء أى لا نروى حتى ينتهى الرعاة من السقى وأبونا شيخ كبير أى ووالدنا رجل عجوز ،وهذا يعنى أن أسباب وقوفهما تلك الوقفة هى أنهما لا تريدان الإختلاط بالرجال الذين يسقون وإن والدهما شيخ عجوز لا يقدر على العمل .

"فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنى لما أنزلت على من خير فقير "المعنى فروى لهما ثم انصرف فقال إلهى إنى للذى أعطيت لى من نفع محتاج ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)سقى أى روى لهما عطش الأنعام ثم تولى إلى الظل والمراد ثم انصرف إلى مكان غير مشمس فقال :رب إنى لما أنزلت على من خير فقير أى إلهى إنى مع الذى أعطيت لى من نفع محتاج ،والمراد أنه محتاج إلى رزق أخر من عند الله غير ما أعطاه فى الماضى .

"فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين "المعنى فأتته واحدة منهما تسير فى خجل قالت إنى والدى يريدك ليعطيك ثواب ما رويت لنا فلما أتاه وحكى له الحكايات قال لا تخش أنقذت من الناس الكافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أن إحدى البنات جاءته تمشى على استحياء والمراد أتته تسير فى خجل أى خفر فوقفت وقالت إن أبى يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا والمراد إن والدى يريدك ليعطيك رزق ما عملت لنا ،وهذا يعنى أن الرجل كان عادلا أراد أن يشكر موسى (ص)على عمله لبنتيه فقام معها موسى (ص)فلما جاءه أى ولما حضر عنده فى البيت وقص عليه القصص والمراد وحكى له الحكايات مع قوم فرعون قال له الرجل:لا تخف نجوت من القوم الظالمين أى لا تخشى أذى القوم هنا فلا سلطان له فى مدين أنقذت من الناس المجرمين .

"قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين "المعنى قالت واحدة منهما يا والدى استعمله إن أفضل من استعملت المتين المخلص،يبين الله لنبيه (ص)أن إحداهما أى واحدة من المرأتين وجدت فى موسى (ص)ما يرفع عن كاهلها وأختها مشقة العمل فقالت لأبيها :استأجره والمراد استعمله إن خير من استأجرت القوى الأمين أى إن أفضل من استعملت القادر المخلص،وهذا يعنى أن الفتاة وجدت فى موسى (ص)رجلا قويا قادرا على العمل لأنها شاهدته وهو يسقى لهما وهو أمين أى صادق مخلص لم يفعل شىء مؤذى لهما .

"قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين "المعنى قال إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن عملت عشرا فمن كرمك وما أحب أن أتعبك ستلقانى إن أراد الله من المحسنين،يبين الله لنبيه (ص)أن الشيخ الكبير قال لموسى (ص)إنى أريد أنكحك إحدى ابنتى هاتين والمراد إنى أحب أن أزوجك إحدى بنتى هاتين على أن تأجرنى ثمانى حجج أى على أن تعمل لى ثمانى سنوات فإن أتممت عشرا فمن عندك والمراد فإن عملت لى عشر سنوات فهذا من كرمك ،وهذا يعنى أن الرجل لما وجد نفسه سيجعل موسى (ص)مقيما فى البيت عنده وجد أنه من الأفضل أن يمنع الضرر الذى قد يقع مستقبلا بين موسى (ص)وإحدى بناته عن طريق تزويجه إحداهن وهذا فى مقابل أن يعمل له ثمانى سنوات فإن زاد سنتين على الثمانى فهو من نبل أخلاقه وقال وما أريد أن أشق عليك والمراد ولا أحب أن أتعبك وهذا يعنى أنه لا يريد أن يسبب الأذى له،وقال ستجدنى إن شاء الله من الصالحين والمراد ستلقانى إن أراد الله من المحسنين وهم الموفين بشروطهم وهذا يعنى أنه سيفى له بالعهد وكلامه دليل على إيمانه بالله .

"قال ذلك بينى وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل "المعنى قال العهد بينى وبينك أيما المدتين أمضيت فلا أذى لى والرب على ما نتعاهد شهيد ،يبين الله لنبيه (ص)أن الرجل الكبير قال لموسى (ص)ذلك وهو شروط العهد بينى وبينك ،أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والمراد أى المدتين الثمانى أو العشر سنوات أمضيت معى  فلا عدوان على والمراد فلا ضرر ينزل بى والله على ما نقول وكيل والمراد والله على الذى نتحدث شهيد وهذا يعنى أنه اختار الله حاكما بينهما لو اختلفا لأنه هو من علم شروط العهد .

"فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله أنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إنى أنست نارا لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون "المعنى فلما أمضى موسى (ص)المدة وسافر بعائلته شاهد من جوار جبل الطور لهبا قال لعائلته ابقوا هنا إنى رأيت لهبا لعلى أجيئكم منها بنبأ أو قطعة من الوقود لعلكم تستدفئون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما قضى الأجل والمراد لما أمضى المدة وهى العشر سنوات من كرمه سار بأهله والمراد رحل بعائلته من مدين حتى وصل سيناء قرب جبل الطور فأنس من جانب الطور نارا والمراد فرأى من جوار جبل الطور لهبا مشتعلا فقال لأهله وهم عائلته وهو زوجته وعياله :امكثوا إنى أنست نارا والمراد ابقوا مكانكم هنا إنى رأيت لهبا مشتعلا وهذا يعنى فى ظنه وجود ناس عند النار وقال لعلى أتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون والمراد لعلى أجيئكم من عندها بنبأ أى هدى أى خبر يسركم من الناس أو قطعة أى قبس من الوقود لعلكم تستدفئون مصداق لقوله تعالى بسورة طه"لعلى أتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى "وهذا يعنى أنه سيذهب إما لجلب قطعة نار للإستدفاء وإما ليقول لهم خبر سار بالمبيت عند أهل النار كما يعنى أن رب العائلة مسئول عنها فى المهام الصعبة فى السفر مثل الاستطلاع وتقصى حقائق المكان .

"فلما أتاها نودى من شاطىء الواد الأيمن فى البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إنى أنا الله رب العالمين "المعنى فلما جاءها أوحى له من ناحية الوادى الأيمن فى الموضع المقدس حول الشجرة أن يا موسى إنى أنا الرب إله الكل ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما أتاها أى لما وصل عند الشجرة نودى والمراد أوحى له مصداق لقوله تعالى بسورة طه "وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى "وكان الوحى آتيا من شاطىء الواد الأيمن والمراد من ناحية المكان الأيمن المقدس طوى فى البقعة المباركة من الشجرة والمراد عند المكان المقدس حول الشجرة وهذا يعنى أن وادى طوى كان بين جبلى الطور فسمع موسى (ص)الوحى التالى :أن يا موسى (ص)إنى أنا الله رب العالمين والمراد إنى أنا الرب خالق الكل وهذا هو تعريف المنادى ومن ثم لابد فى بداية الحديث من أن يعرف السامع من هو المتكلم .

"وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين "المعنى وأن ارم عصاك فلما شاهدها تتحرك كأنها ثعبان جرى هاربا ولم يرجع يا موسى (ص)عد ولا تخشى إنك من السالمين ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص):ألق أى ارم عصاك فرماها على الأرض فتحركت فلما رآها تهتز كأنها جان والمراد فلما شاهدها تتحرك كأنها حية مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ولى مدبرا ولم يعقب والمراد جرى هاربا ولم يرجع وهذا يعنى أنه خاف من أذى الحية فجرى ولم ينظر خلفه فقال له الله يا موسى (ص)أقبل أى عد لمكان العصا إنك من الآمنين والمراد إنك من السالمين وهم المعصومين من الأذى .

"اسلك يدك فى جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملائه إنهم كانوا قوما فاسقين "المعنى ضع كفك فى فتحة ثوبك تطلع منيرة من غير ظلمة وضع لك كفك من الخوف فتلك آيتان من إلهك إلى فرعون وقومه إنهم كانوا ناسا كافرين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه قال لموسى (ص)اسلك يدك فى جيبك أى "أدخل يدك فى جيبك"كما قال بسورة النمل أى "اضمم يدك إلى جناحك "كما قال بسورة طه والمراد ضع كفك فى فتحة ثوبك تخرج بيضاء من غير سوء والمراد تطلع منيرة من غير ظلمة فى أى جزء منها وقال واضمم إليك جناحك من الرهب والمراد وضع كفك فى ثوبك من الخوف والمراد إذا فزعت من يدك فضعها بعيدا عن عينك فذانك برهانان من ربك والمراد فهاتان آيتان من خالقك لفرعون وملائه وهم قومه إنهم كانوا قوما فاسقين والمراد كانوا ناسا مجرمين وهذا يعنى أنه أعطاه البراهين ليذهب بها لدعوة فرعون وشعبه للحق .

"قال رب إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخى هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله ردءا يصدقنى إنى أخاف أن يكذبون "المعنى قال إلهى إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون وأخى هارون(ص)هو أبين منى كلاما فإبعثه معى وزيرا يساعدنى إنى أخشى أن يكفروا بى،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال لله :رب أى خالقى إنى قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون والمراد إنى ذبحت منهم إنسانا فأخشى أن يذبحون مقابله وهذا تعبير عن خوفه من انتقام القوم وهو شىء طبيعى ،وأخى هارون (ص)هو أفصح منى لسانا والمراد هو أحسن منى حديثا فأرسله معى ردءا يصدقنى أى فإبعثه معى شريكا يقوينى ،وهذا يعنى أنه يبين لله عيبه وهو أنه لا يحسن الكلام لوجود عقدة فى لسانه ومن ثم فهو يريد متحدث أفضل منه حديثا وهو أخاه هارون(ص)وهذا المتحدث يكون ردء أى شريك له فى الأمر يصدقه أى يساعده على أداء المهمة ،إنى أخاف أن يكذبون والمراد إنى أخشى أن يكفروا بحديثى وهذا تعبير عن خوفه من تكذيب القوم له مع وجود الأدلة على صدقه معه .

"قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما أنتما ومن اتبعكما الغالبون "المعنى سنقوى نفسك بأخيك ونحدد لكما قوة فلا يقدرون عليكما بمعجزاتنا أنتما ومن أطاعكما المنتصرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الله قال لموسى (ص)سنشد عضدك بأخيك والمراد سنقوى نفسك بهارون (ص)وهذا يعنى أن الله استجاب لطلب موسى (ص)بأن يكون هارون (ص)شريكا له فى الرسالة ،وقال ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا والمراد ونقيم لكم حماية فلا يؤذونكما ببراهيننا وهذا يعنى أن الله أمن موسى (ص)وهارون(ص)من الخوف فجعل لهما سلطان أى قوة أى حماية تمنع قوم فرعون من أن يمسوهم بسوء وهذه الحماية وسيلتها هى آيات الله وهى معجزاته وهى العصا واليد وقال أنتما ومن معكما الغالبون والمراد أنتما ومن أطاع قولكما القاهرون،وهذا يعنى أنه أخبره بما سيحدث فى المستقبل وهو انتصارهم على قوم فرعون .

"فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين "المعنى فلما أتاهم موسى (ص)ببراهيننا واضحات قالوا ما هذا إلا خداع عظيم وما علمنا بهذا من آباءنا السابقين،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)لما جاءهم بآيات الله بينات والمراد لما أظهر لهم معجزات الله مرئيات كان رد فعلهم هو قولهم :ما هذا إلا سحر مفترى أى خداع معد من قبل والمراد مكر مبين مصداق لقوله بسورة يونس "إن هذا لسحر مبين "وما سمعنا بهذا فى آباءنا الأولين والمراد وما عرفنا هذا فى دين آباءنا السابقين وهذا يعنى أنهم لم يعلموا شيئا فى دين الآباء يدل على ما أتى به موسى(ص)من عبادة رب العالمين وترك عبادة ما سواه .

"وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون "المعنى وقال موسى (ص)إلهى أعرف بمن أتى بالحق من لديه ومن تصبح له مثوبة القيامة إنه لا يفوز الكافرون ،يبين الله لنبيه (ص)أن موسى (ص)قال للقوم ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده والمراد خالقى أدرى بالذى أتى بالعدل من لديه ومن تكون له عاقبة الدار والمراد ومن يدخل جنة القيامة وهى دار السلام مصداق لقوله بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم "إنه لا يفلح الظالمون والمراد إنه لا يفوز المجرمون والمراد إنه لا يرحم الكافرون مصداق لقوله بسورة يونس "إنه لا يفلح المجرمون "وهذا الكلام من موسى (ص)هو رد هادىء عليهم فقد ترك لهم فيه حرية الكفر بحجة أنهم سيعرفون هل هو أو هم  على الحق فى المستقبل .

"وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين "المعنى وقال فرعون يا أيها الحضور ما عرفت لكم من رب سواى فأشعل لى يا هامان على الطين فابن لى مصعدا لعلى أصعد إلى رب موسى وإنى لأعرفه مفتريا ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون قال لقومه:يا أيها الملأ وهم الحاضرين ما علمت لكم من إله غيرى والمراد ما عرفت لكم من رب سواى ،وهذا يعنى أن فرعون ادعى الألوهية وأنه الإله الوحيد ليس معه غيره ،وقال فأوقد لى يا هامان على الطين والمراد فأشعل لى يا هامان النار فى التراب المعجون بالماء فاجعل لى صرحا والمراد فابن لى بالطين المشوى سلما،ومن قوله هذا يتضح أنه ليس إله لأن الإله لا يحتاج للآخرين كما احتاج فرعون لهامان ،وقال لعلى أطلع إلى إله موسى والمراد كى أصعد إلى رب موسى ،وهذا يعنى أن فرعون اعتقد أن الله فى مكان هو السماء يصعد إليه عن طريق سلم مبنى وذلك ليقاتله وقال وإنى لأظنه من الكاذبين والمراد وإنى لأعرف موسى من المفترين ،وهذا يعنى أن فرعون يعتقد أن موسى (ص)كذب فى قوله بوجود رب سواه .

"واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون "المعنى وبغى هو وعسكره فى البلاد بغير العدل واعتقدوا أنهم إلينا لا يعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أن فرعون استكبر أى بغى أى حكم هو وجنوده وهم عسكره فى الأرض وهى البلاد بغير الحق وهو العدل وهذا يعنى أنه حكم بلاد مصر بغير حكم الله وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون والمراد واعتقدوا أنهم إلى جزاء الله لا يبعثون بعد الموت مصداق لقوله بسورة الجن "كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا "وهذا يعنى كفرهم بالبعث .

"فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأتيناهم فى هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين "المعنى فأهلكناه هو وعسكره أى وأغرقناهم فى الماء فاعلم كيف كان عقاب الكافرين وعيناهم قادة ينادون إلى النار ويوم البعث لا يرحمون وأعطيناهم فى هذه الأولى غضب ويوم البعث هم من المعذبين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أخذ فرعون وجنوده والمراد أنه أهلك فرعون وعسكره وفسر هذا بأنه نبذهم فى اليم أى أغرقهم فى البحر مصداق لقوله بسورة الدخان"إنهم جند مغرقون"ويطلب الله من نبيه (ص)أن ينظر كيف كان عاقبة الظالمين أى أن يعلم كيف كان عذاب الكافرين ليعتبر بما حدث لهم،ويبين له أنه جعل قوم فرعون أئمة يدعون إلى النار والمراد عينهم قادة ينادون الناس لإتباع الظلم بعملهم الظلم الذى يدخل السعير ويوم القيامة وهو يوم البعث لا ينصرون أى "لا ينظرون"كما قال بسورة البقرة والمراد لا يرحمون أى لا ينقذون من النار ،ويبين له أنه أتبعهم فى هذه الدنيا لعنة والمراد أعطى لهم فى المعيشة الأولى عقاب أى عذاب ويوم القيامة أى البعث هم من المقبوحين أى "من المحضرين "كما قال بسورة القصص وهم المعذبين فى النار .

"ولقد أتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أوحينا لموسى (ص)التوراة من بعد ما دمرنا الأقوام السابقة أنوار للخلق أى نفع أى فائدة لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه أتى أى أعطى أى أوحى لموسى (ص)الكتاب وهو الفرقان أى التوراة مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد أتينا موسى وهارون الفرقان"وذلك من بعد أن أهلك القرون الأولى والمراد من بعد ما دمر الأقوام السابقة بسبب كفرهم بالحق والكتاب بصائر أى منافع للناس وفسره بأنه هدى أى رحمة أى نفع أى فائدة لهم لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة المؤمنون والمراد لعلهم يطيعون الوحى .

"وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين "المعنى وما كنت بجوار الطور حين أوحينا لموسى (ص)الحكم أى ما كنت من الحاضرين،يبين الله لنبيه (ص)أنه لم يكن بجانب الغربى أى بجوار جبل الطور من ناحية الغرب إذ قضى الله إلى موسى الأمر والمراد حين أوحى لموسى (ص)الألواح وهو حكم الله الممثل فى التوراة وفسر الله هذا بأنه لم يكن من الشاهدين أى الموجودين فى ذلك الزمان أو المكان وهذا رد على من ادعوا أنهم كانوا محمد(ص)فى عصر وموسى (ص)فى عصر وغيرهم فى عصور أخرى فهنا محمد(ص)لم يكن موجودا فى عصر موسى (ص).

"ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "المعنى ولكنا خلقنا أقواما فبعد عليهم الوقت وما كنت مقيما فى أصحاب مدين تبلغ لهم أحكامنا ولكنا كنا مبلغين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه أنشأ قرونا والمراد خلق أقواما من بعد وفاة موسى (ص)فتطاول عليهم العمر والمراد فمرت عليهم السنين فكفروا،ويبين له أنه ما كان ثاويا فى أهل مدين والمراد ما كان موجودا مع أصحاب مدين فى عصر موسى (ص)يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه كنا مرسلين أى منذرين أى مبلغين للوحى لهم مصداق لقوله بسورة الدخان"إنا كنا منذرين "وهذا يعنى بعثه رسل أبلغوا الوحى للقرون وهم الأقوام ومنهم مدين الذين أبلغهم موسى (ص)رسالة الله.

"وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون "المعنى وما كنت بجوار الجبل حين أوحينا ولكن نعمة من إلهك لتخبر ناسا ما جاءهم من مخبر من قبلك لعلهم يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان بجانب الطور إذ نادى موسى (ص)والمراد ما كان موجودا بجوار جبل الطور حين أوحى لموسى (ص)الوحى وهذا تكرار لنفى وجوده فى زمن موسى (ص)ويبين له أن الوحى نزل عليه رحمة من ربه والمراد نعمة من خالقه والسبب لينذر قوما ما أتاهم من نذير من قبله أى ليبلغ ناسا ما جاءهم من مبلغ من قبله وهذا يعنى أن الناس فى عهد الرسول (ص)لم يرسل لهم رسلا بالوحى والسبب فى إبلاغ الوحى لهم هو لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة "والمراد لعلهم يطيعون حكم الله .

"ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين"المعنى ولولا أن تمسهم عقوبة بما عملت أنفسهم فيقولوا إلهنا لولا بعثت لنا مبعوثا فنطيع أحكامك ونصبح من المصدقين ،يبين الله لنبيه (ص)أن السبب فى بعثه للناس هو ألا يقولوا إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم والمراد ألا يزعموا إذا مسهم عذاب بما عملت أنفسهم مصداق لقوله بسورة المائدة "ما قدمت لهم أنفسهم "ربنا أى إلهنا لولا أرسلت إلينا رسولا والمراد هلا بعثت لنا مبعوثا يعلمنا فنتبع آياتك أى فنطيع أحكامك ونكون من المؤمنين أى "من الصالحين "كما قال بسورة التوبة والمراد من المصدقين بوحى الله ،وهذا يعنى أن الله بعث رسوله (ص)حتى لا يكون للناس حجة عليه عند إنزاله العذاب عليهم جزاء عملهم .

"فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتى مثل ما أوتى موسى أو لم يكفروا بما أوتى موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون "المعنى فلما أتاهم العدل من لدينا قالوا هلا أعطى شبه الذى أعطى موسى (ص)هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل قالوا مخادعان اتفقا وقالوا إنا بكل مكذبون ؟،يبين الله لنبيه (ص)أن الناس لما جاءهم الحق من عند الله والمراد أن الناس لما أتاهم الوحى من لدى الرب قالوا :لولا أوتى مثل ما أوتى موسى والمراد هلا أعطى شبه ما أعطى موسى وهذا يعنى أنهم يريدون أن يعطى محمد(ص)معجزات كالتى أعطاها الله لموسى (ص)ويسأل الله نبيه (ص)أو لم يكفروا بما أوتى أى هل لم يكذبوا بما أعطى موسى (ص)من قبل ؟قالوا سحران تظاهرا أى ماكران اتفقا على المكر وقالوا إنا بكل كافرون أى مكذبون؟والغرض من السؤال إخبار النبى (ص)وإيانا أنهم كذبوا بالمعجزات التى كانت مع موسى (ص)ومن ثم سيكذبون بها إذا أعطاها لمحمد(ص)ومن ثم فلا داعى لإعطاءها له ما دامت النتيجة تكذيبهم بها .

"قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين "المعنى قل فهاتوا وحى من لدى الرب هو أعدل منهما أطيعه إن كنتم محقين فى قولكم ،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس :فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه والمراد هاتوا وحى من لدى الرب هو أفضل من القرآن والتوراة أطيعه إن كنتم صادقين أى "إن كنتم مسلمين"كما قال بسورة يونس وهذا يعنى أنه يطلب من اليهود إحضار وحى أفضل من القرآن والتوراة من عند الله وذلك حتى يترك طاعتهما ويتبع الوحى الذى يحضرونه وهذا الوحى طبعا لن يأتى لأن الله لن يعطيه لهما ومن ثم سيظل متبعا للقرآن والتوراة والخطاب للنبى(ص)ومنه للكفار وما بعده له

"فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدى القوم الظالمين "المعنى فإن لم يردوا عليك فاعرف أنما يطيعون ظنونهم ومن أكفر ممن أطاع ظنه بغير رشاد من الرب إن الرب لا يثيب الناس الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن اليهود إن لم يستجيبوا له والمراد إن لم يحضروا الوحى المطلوب من لدى الله كما طلب منهم فعليه أن يعلم أى يعرف أن الكفار يتبعون أهواءهم أى يطيعون ظنونهم مصداق لقوله بسورة يونس "إن يتبعون إلا الظن "ويبين له أن ليس أضل أى أظلم ممن اتبع هواه بغير علم والمراد من الذى أطاع ظنه بغير هدى أى وحى أى علم من الله مصداق لقوله بسورة الأنعام "فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم "ويبين له أنه لا يهدى القوم الظالمين أى أنه لا يرحم أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران "فإن الله لا يحب الكافرين ".

"ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون "المعنى ولقد أبلغنا لهم الوحى لعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه (ص)أنه وصل للناس القول والمراد أبلغ لهم الوحى والسبب فى تبليغه لعلهم يتذكرون أى "لعلهم يهتدون "كما قال بسورة السجدة والمراد لعلهم يطيعون القول مؤمنين به والخطاب وما بعده للنبى(ص) .

"الذين أتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين "المعنى الذين أعطيناهم الوحى من قبله هم به يصدقون وإذا يبلغ لهم قالوا صدقنا به إنه العدل من إلهنا إنا كنا من قبله مطيعين أولئك يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا أى يمحون بالصالح الفاسد أى من الذى أوحينا لهم يعملون أى إذا علموا الباطل خالفوه وقالوا لنا أفعالنا ولكم أفعالكم خير لكم لا نطيع الكافرين،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين أتاهم الكتاب من قبل القرآن به يؤمنون والمراد أن الذين أوحى لهم الوحى من قبل نزول القرآن هم بالقرآن يصدقون مصداق لقوله بسورة آل عمران"وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم "وفسر هذا بأنه إذا يتلى أى يبلغ لهم القرآن قالوا :آمنا به أى صدقنا بالقرآن إنه الحق من ربنا والمراد إنه العدل من عند خالقنا إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين أى مطيعين لحكم الله السابق ولذا يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا والمراد يعطون ثوابهم مرتين بما أطاعوا وهذا يعنى أن الله يعطيهم كفل من رحمته فى الدنيا وهو حكمهم الأرض بحكمه وكفل من رحمته فى القيامة وهو الجنة مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"يؤتكم كفلين من رحمته "وفسر الله صبرهم بأنهم يدرءون بالحسنة السيئة والمراد يذهبون بعمل الصالح عمل الباطل مصداق لقوله بسورة هود"إن الحسنات يذهبن السيئات "وفسر هذا بأنهم مما رزقناهم ينفقون والمراد من الذى أوحى الله لهم يعملون وفسر هذا بأنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه والمراد إذا علموا بالباطل عصوا أحكامه وقالوا للكفار :لنا أعمالنا أى لنا جزاء أفعالنا ولكم أعمالكم أى ولكم جزاء أفعالكم والمراد لنا ديننا ولكم أديانكم التى نحاسب بكل منها بعملنا بها مصداق لقوله بسورة الكافرون "لكم دينكم ولى دين "سلام عليكم أى الخير لكم وهو قول يسخر من الكفار،لا نبتغى الجاهلين أى لا نطيع حكم وهو أديان الكافرين والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين "المعنى إنك لا ترحم من وددت ولكن الرب يرحم من يؤمن وهو أعرف بالمرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أنه لا يهدى من أحب والمراد لا يرحم من يريد أى لا يدخل الجنة من يود ولكن الله يهدى من يشاء والمراد ولكن الرب يرحم أى يدخل الجنة من يؤمن بحكمه مطيعا له والله أعلم بالمهتدين أى المرحومين أى الداخلين الجنة لإيمانهم وطاعتهم حكم الله .

"وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شىء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون "المعنى وقالوا إن نطيع الوحى معك نطرد من بلادنا أو لم نخلق لهم مكانا مطمئنا يأتى له منافع كل نوع عطاء من عندنا ولكن أغلبهم لا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا والمراد إن نطيع حكم الله معك نطرد من بلادنا وهذا يعنى أن نتيجة إتباع الحق فى رأيهم هى إصابتهم بالظلم فى بلادهم وهو الطرد منها ويسأل الله أو لم نمكن لهم حرما آمنا والمراد ألم نخلق لهم مكانا حصينا يجبى إليه ثمرات كل شىء والمراد يحضر لهم منافع كل نوع رزقا من لدنا أى عطاء من عندنا ؟والغرض من السؤال هو إخبار المسلمين أن الله وضع فى الأرض مكان منيع لا يظلمون فيه هو مكة التى يأتيها الرزق بكل أنواعه من عند الله ومع هذا تعلل الكفار أن سبب عدم إيمانهم هو عدم وجود أمان فى أرضهم فى حالة إيمانهم ويبين الله لنا أن أكثرهم لا يعلمون والمراد أن أغلب الناس لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يونس "ولكن أكثرهم لا يشكرون "والمراد أنهم لا يطيعون حكم الله  .

"وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين "المعنى وكم دمرنا من أهل بلدة رفضت رحمتها فتلك بيوتهم لم تشغل من بعدهم إلا قصيرا وكنا نحن المالكين ،يبين الله لنبيه (ص)أن كم من قرية أهلكها والمراد أن عدد أهالى البلدات التى قصمها أى دمرها الله كبير مصداق لقوله بسورة الأنبياء "وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة "والسبب أنها بطرت معيشتها أى رفضت حياتها وهى الجنة فى الآخرة مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت "وإن الدار الآخرة لهى الحيوان "أى المعيشة الحقة وهذا يعنى أنهم كذبوا وحى الله الذى يؤدى بهم للمعيشة الدائمة فتلك مساكنهم وهى بيوتهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا والمراد أنها لم تشغل بالسكان إلا وقتا قصيرا هو وقت الدنيا وكان الله هو الوارث أى المالك لمساكنهم .

"وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا يتلوا عليها آياتنا وما كنا ربك مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون "المعنى وما كان إلهك معذب أهل البلاد حتى يرسل فى أصلها مبعوثا يبلغ لهم أحكامنا وما كنا معذبى أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان مهلك القرى والمراد ما كان معاقب أهل البلاد حتى يبعث فى أمها رسولا والمراد حتى يرسل إلى ناسها مبعوثا مصداق لقوله بسورة الإسراء "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "وهذا الرسول يتلوا عليهم آيات الله والمراد يبلغ لهم أحكام الله ويبين له أنه ما كان مهلك القرى إلا وأهلها ظالمون والمراد ما كان معذب أهل البلاد إلا وأصحابها كافرون بحكمه وهذا يعنى أن سبب الهلاك هو الظلم أى الكفر والخطاب وما قبله وما قبله للنبى(ص) .    

"وما أوتيتم من شىء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون "المعنى والذى أعطيتم من رزق هو نفع المعيشة الأولى أى فائدتها والذى لدى الرب أحسن وأدوم أفلا تفهمون؟ ،يبين الله للناس أن ما أوتوا من شىء والمراد ما أعطوا من رزق فى دنياهم فهو متاع الحياة الدنيا وفسره بأنه زينة الدنيا والمراد نفع المعيشة الأولى وأن ما عند الله خير وأبقى والمراد وأن الذى لدى الرب وهو متاع الجنة هو أفضل من متاع الدنيا وأدوم لأنه لا يفنى ويسألهم أفلا تعقلون أى "أفلا تبصرون "كما قال بسورة القصص والمراد أفلا تطيعون حكم الله والغرض من السؤال إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله والخطاب وما بعده للناس.

"أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين "المعنى هل من أخبرناه خبرا نافعا فهو داخله كما أعطيناه نفع المعيشة الأولى ثم هو يوم البعث من المعذبين ،يسأل الله الناس :أفمن وعدناه وعدا حسنا أى هل من أخبرناه خبرا طيبا وهو دخول الجنة مصداق لقوله بسورة التوبة "وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات"فهو لاقيه والمراد فهو داخل الجنة كمن متعناه متاع الحياة الدنيا أى كمن لذذناه بنفع المعيشة الأولى ثم هو يوم القيامة وهو يوم البعث من المحضرين أى "من المعذبين "كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن داخل الجنة لا يستوى مع داخل النار وهو العذاب .

"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون "المعنى ويوم يخاطبهم فيسألهم أين مقاسمى الذين كنتم تعبدون ؟يبين الله لنبيه (ص)أن يوم القيامة يناديهم أى يسأل الكفار على لسان الملائكة فيقول :أين شركاءى أى مقاسمى فى الملك الذين كنتم تزعمون أى تعبدون أى تقولون أنهم شفعاؤكم عندى مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون "والغرض من السؤال هو إخبارهم أن لا وجود لأى آلهة غير الله

"قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون "المعنى قال الذين صدق فيهم الحديث إلهنا هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا تبنا لك ما كانوا إيانا يطيعون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذين حق عليهم القول والمراد أن الذين صدقت عليهم كلمة العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر "أفمن حق عليه كلمة العذاب"قالوا ربنا أى إلهنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا والمراد هؤلاء الذين أضللنا أضللناهم كما ضللنا وهذا يعنى أنهم أبعدوا الناس عن الحق كما أبعدهم عن الحق الذين من قبلهم وهذا معناه أن كل أمة تلقى المسئولية على سابقتها وهذا هو قول الكفار وأما الآلهة التى زعموا وجودها فقد قالوا :تبرأنا إليك والمراد تبنا لك أى أخلصنا لك ما كانوا إيانا يعبدون أى يطيعون وهذا يعنى أن الآلهة المزعومة تنفى أن الكفار كانوا يتبعون إياهم والخطاب للنبى(ص).

"وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون "المعنى وقيل نادوا آلهتكم فنادوهم فلم يردوا عليهم وشاهدوا النار لو أنهم كانوا يعقلون ،يبين الله لنبيه (ص)أن الكفار قال الله لهم على لسان الملائكة :ادعوا شركاءكم والمراد نادوا آلهتكم المزعومة مصداق لقوله بسورة سبأ"ادعوا الذين زعمتم من دون الله "فدعوهم أى فنادوا عليهم لينقذوهم فلم يستجيبوا لهم والمراد لم ينقذوهم من العذاب ورأوا العذاب أى وشاهدوا العقاب والمراد فدخلوا النار لو أنهم كانوا يهتدون أى يعملون بالرشد فى الدنيا ما دخلوا النار والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون فأما من تاب وآمن وعمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين"المعنى ويوم يخاطبهم فيقول بماذا رددتم على المبعوثين فأخفيت عليهم الأخبار يومذاك فهم لا يستفهمون ،فأما من أناب أى صدق وفعل حسنا فعسى أن يصبح من المرحومين ،يبين الله لنبيه (ص)أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب أى يسأل الله الكفار على لسان الملائكة فيقول :ماذا أجبتم المرسلين أى بماذا رددتم على الأنبياء ؟وفى هذا اليوم عميت عليهم الأنباء أى خفيت عليهم الأخبار والمراد أنهم جهلة بالأحداث فى هذا اليوم ومن ثم فهم لا يتساءلون أى لا يستفهمون عن شىء لأن "لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه "جبتم أ كما قال بسورة عبس وأما من تاب أى أناب لدين الله وفسر هذا بأنه آمن أى صدق حكم الله وعمل صالحا أى وفعل حسنا مما فى حكم الله فعسى أن يكون من المفلحين وهم الفائزين بجنة الله مصداق لقوله بسورة مريم "إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ".

"وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون "المعنى وإلهك ينشىء ما يريد ويصطفى ما كان لهم الاختيار ،علا أى ارتفع عن الذى يعبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه يخلق ما يشاء والمراد أن خالقه يبدع ما يريد من الأفراد وهو يختار أى يصطفى منهم من يريد رسولا ،وسبحان أى تعالى الله عما يشركون والمراد أن طاعة الله فضلت أى علت على طاعة الذى يطيعون وهو الآلهة المزعومة فهو من يجب طاعته لكونه الإله الوحيد والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "المعنى وإلهك يعرف الذى تخفى نفوسهم والذى يبدون ،يبين الله لنبيه (ص)أن ربه وهو خالقه يعلم ما تكن صدور الناس والمراد يدرى الذى تكتم نفوس الناس وما يعلنون وهو الذى يظهرون أى يبدون مصداق لقوله بسورة المائدة "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ".

"وهو الله لا إله إلا هو له الحمد فى الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون "المعنى وهو الرب لا رب سواه له الطاعة فى الدنيا والقيامة أى له الملك ولجزاءه تعودون ،يبين الله للناس أن الله لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله له الحمد أى الطاعة لحكم الرب وفسر هذا بأنه له الحكم وهو الأمر فى الكون مصداق لقوله بسورة الرعد"لله الأمر جميعا "فى الأولى وهى الدنيا وفى الآخرة وهى القيامة ويبين الله للناس أنهم إليه يرجعون أى إليه يقلبون أى يحشرون والمراد يعودون لجزاء الله مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "وقوله بسورة العنكبوت "وإليه تقلبون" والخطاب للناس.

"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون "المعنى قل أعلمتم إن خلق الرب لكم الليل دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بنور أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للناس السؤال التالى :أرأيتم أى عرفونى إن جعل الله عليكم الليل وهو الظلام سرمدا أى إن خلق الله لكم الظلام مستمرا إلى يوم القيامة وهى البعث من إله غير الله يأتيكم بضياء والمراد من رب سوى الله يجيئكم بنور ؟أفلا تسمعون أى "أفلا تبصرون "كما قال بالآية التالية أى أفلا تعقلون ؟والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إنارة الليل وأما غيره فلا يقدرون على إنارة الليل بالضوء إذا أراد الليل دائم حتى يوم القيامة وإن الواجب عليهم هو السماع أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.

"قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون "المعنى قل عرفونى إن خلق الرب لكم النهار دائما إلى يوم البعث من رب سوى الله يجيئكم بليل ترتاحون فيه أفلا تعقلون ؟يطلب الله من نبيه (ص)أن يسأل الناس أرأيتم والمراد أعلمونى إن جعل أى خلق الله لكم النهار سرمدا أى مستمرا من إله غير الله يأتيكم بليل أى يجيئكم بظلام تسكنون أى تنامون أى ترتاحون فيه ؟أفلا تبصرون أى "أفلا تعقلون "كما قال بسورة يس والغرض من الأسئلة هو إخبار الناس أن الله وحده هو القادر على إظلام النهار إذا أصبح  سرمدا أى مستمرا حتى يوم القيامة وأما غيره فلا يقدرون على هذا إذا أراد الله أن يكون النهار دائما وعليه فالله وحده هو القادر على إظلام النهار حتى يسكن أى يرتاح الناس وإن الواجب عليهم هو البصر أى فهم هذا الأمر ليطيعوا دين الله ويتركوا طاعة الأديان سواه .

"ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون "المعنى ومن نفعه خلق لكم الليل والنهار لترتاحوا فيه ولتطلبوا من رزقه ولعلكم تطيعون ،يبين الله للناس أن من رحمته وهى نفعه لهم أن جعل أى خلق لهم الليل ليسكنوا فيه والمراد ليرتاحوا فيه وخلق النهار ليبتغوا من فضله والمراد ليطلبوا فيه من رزق الله وقد خلق الليل والنهار لعل الناس يشكرون أى "لعلكم تذكرون "كما قال بسورة النور والمراد لعلهم يطيعون حكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.

"ويوم يناديهم فيقول أين شركاءى الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون "المعنى ويوم يخاطبهم فيقول أين مقاسمى الذين كنتم تقولون وأخرجنا من كل جماعة مقرا فقلنا أظهروا دليلكم فعرفوا أن الحكم لله وبعد عنهم ما كانوا يزعمون ،يبين الله أن فى يوم القيامة ينادى أى يخاطب والمراد يسأل الكفار على لسان الملائكة أين شركاءى أى مقاسمى الذين كنتم تزعمون أى تعبدون مصداق لقوله بسورة الشعراء "أين ما كنتم تعبدون"والغرض من السؤال إظهار عدم وجود آلهة مع الله ،والله ينزع من كل أمة شهيدا والمراد والله يجىء من كل جماعة مقر على قومه ليشهد عليهم بما فعلوه معه فى الدنيا مصداق لقوله بسورة النساء "فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد"ويقول الله للكفار :هاتوا برهانكم والمراد أحضروا دليلكم على صدق زعمكم فلم يحضروا شيئا وعلموا أى عرفوا التالى أن الحق لله والمراد "والأمر يومئذ لله "كما قال بسورة الإنفطار وهذا يعنى أن الحكم العادل لله وضل عنهم ما كانوا يفترون والمراد وتبرأ منهم الذى كانوا يزعمون فى الدنيا والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.

"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وأتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين "المعنى إن قارون كان من شعب موسى (ص)فطغى عليهم وأعطيناه من الأموال ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أصحاب البأس إذ قال له شعبه لا تطغى إن الرب لا يرحم الطاغين ،يبين الله لنا أن قارون كان من قوم وهم شعب موسى (ص)والمراد من بنى إسرائيل فبغى عليهم والمراد فسار فيهم بالظلم أى تكبر عليهم والسبب أن الله أتاه من الكنوز أى أعطاه من الأموال ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولى القوة والمراد ما إن أثقاله لتتعب الجماعة أهل البأس وهذا يعنى أن الجماعة ذات الصحة إذا رفعت الأموال من على الأرض تألمت من ثقلها فتعجز عن حملها فقال له قومه وهم أهله :لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين أى لا تفسد إن الرب لا يرحم المفسدين مصداق لقوله بسورة القصص "إن الله لا يحب المفسدين "وهذا يعنى أنهم نهوه عن حكمهم بغير حكم الله والخطاب للنبى(ص)ومنه للناس هو وما بعده من القصة .

"وابتغ فيما أتاك الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين "المعنى واطلب فيما أعطاك الله جنة القيامة ولا تترك منفعتك من الأولى وأصلح كما أصلح الله لك ولا ترتكب الظلم بالبلاد إن الرب لا يثيب الظالمين،يبين الله أن القوم نصحوا قارون فقالوا :وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة أى واطلب فى الذى أعطاك الرب المقام القادم والمراد اعمل فى المال بما يضمن لك دخول الجنة ولا تنس نصيبك من الدنيا أى ولا تترك منفعتك من الأولى والمراد ولا تترك متعتك التى أباحها الله لك فى الدنيا وفسروا هذا بقولهم وأحسن كما أحسن الله إليك والمراد وأصلح عملك كما أصلح الله لك حالك والمراد اعدل كما عدل الله معك وفسروا هذا بقولهم ولا تبغ الفساد فى الأرض والمراد ولا تصنع الظلم فى البلاد والمراد "ولا تمش فى الأرض مرحا "كما قال بسورة لقمان ،إن الله لا يحب المفسدين أى إن الرب لا يرحم الفرحين مصداق لقوله بنفس السورة "إن الله لا يحب الفرحين "وهم الكافرين .

"قال إنما أوتيته على علم عندى أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون "المعنى قال إنما أخذته بسبب معرفة لدى ،هل لم يعرف أن الرب قد دمر من قبله من الأمم من هو أعظم منه عزة وأكثر عددا ولا يستخبر عن خطاياهم الكافرون ،يبين الله أن قارون رد على قومه قائلا :إنما أوتيته على علم عندى والمراد لقد حصلت عليه بسبب معرفتى وهذا يعنى أن سبب وجود كل هذا المال عنده هو معرفته وليس لأحد فضل عليه سواء الله أو غيره ،ويسأل الله أو لم يعلم والمراد هل لم يدرى أن الله قد أهلك أى دمر من قبله من القرون وهم الجماعات من هو أشد أى أعظم منه قوة أى بطشا مصداق لقوله بسورة الزخرف "فأهلكنا أشد منهم بطشا "وأكثر جمعا أى وأعظم أولادا مصداق لقوله بسورة التوبة "وأكثر أموالا وأولادا "؟والغرض من السؤال هو إخبار الناس هو أن قارون كان يعلم أن الله دمر من الأمم من هو أقوى وأكثر عددا ومع ذلك كفر ولم يتخذ عبرة مما حدث لهم وعلى الناس اتخاذ العبرة مما حدث له ويبين لنا أن المجرمون وهم الكافرون لا يسئلون عن ذنوبهم والمراد لا يستفهمون عن خطاياهم وهذا يعنى أن الله لا يستفهم من الكفار عن سيئاتهم لأنه عالم بها .

"فخرج على قومه فى زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون إنه لذو فضل حظ عظيم "المعنى فطلع على شعبه فى هيئته قال الذين يحبون المعيشة الأولى يا ليت لنا شبه الذى أعطى قارون إنه لصاحب غنى كبير، يبين الله لنا أن قارون خرج على قومه فى زينته والمراد طلع إلى شعبه فى هيئته وهى الحلى الذهبية وغيرها أى الأوزار كما بقوله بسورة طه "ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم "فقال الذين يريدون الحياة الدنيا وهم الذين يحبون متاع المعيشة الأولى :يا ليت لنا مثل ما أوتى قارون أى يا ليت لنا مقدار الذى أعطى قارون من المال إنه لذو حظ عظيم والمراد إنه لصاحب غنى واسع وهذا يعنى أنهم تمنوا أن يكون لهم مال مثل مال قارون .

"وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن أمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون "المعنى وقال الذين أعطوا الوحى العذاب لكم أجر الله أفضل لمن صدق وفعل حسنا أى لا يدخلها إلا المطيعون،يبين الله أن الذين أوتوا العلم وهم الذين أعطوا الكتاب وهو الوحى مصداق لقوله بسورة آل عمران "الذين أوتوا الكتاب "قالوا للمتمنين:ويلكم والمراد العذاب نصيبكم ،ثواب الله خير والمراد الدار الآخرة وهى الجنة أفضل لمن آمن أى صدق الوحى وعمل صالحا أى وفعل حسنا وهم المتقون مصداق لقوله بسورة الأنعام "وللدار الآخرة خير للذين يتقون "وفسروا هذا بقولهم ولا يلقاها إلا الصابرون والمراد ولا يدخل الجنة إلا المطيعون وهم ذوو الحظ العظيم مصداق لقوله بسورة فصلت "ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم "

"فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين "المعنى فزلزلنا به وببيته الأرض فما كان له من جماعة ينقذونه من سوى الرب وما كان من الغالبين ،يبين الله لنا أن الله خسف أى زلزل بقارون وداره وهى قصره بمن فيه الأرض وهى اليابس المقام عليه فما كان له من فئة ينصرونه والمراد فما كان له من جماعة ينقذونه من عذاب الله وما كان من المنتصرين وهم الغالبين وهذا يعنى أنه لم يقدر على الهرب من العذاب .

"وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون "المعنى وأصبح الذين أرادوا مقامه بالبارحة يقولون إن الرب يكثر العطاء لمن يريد من خلقه ويقلل لولا أن تفضل الرب علينا لزلزل بنا إنه لا يفوز المكذبون،يبين الله أن الذين تمنوا مكان قارون بالأمس وهم الذين أرادوا مقام قارون وهو ماله بالبارحة أصبحوا يقولون بعد أن شاهدوا هلاك قارون :ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر والمراد إن الرب يكثر النفع لمن يريد من خلقه ويقلل وهذا إقرار منهم بخطأ تمنيهم فالله يبتلى بالغنى كما يبتلى بالفقر وقالوا لولا أن من علينا أى لولا أن رحمنا الله لخسف بنا والمراد لزلزل بنا والمراد لأهلكنا ويكأنه لا يفلح الكافرون والمراد إنه لا يفوز المكذبون أى إنه لا يرحم الظالمون مصداق لقوله بسورة الأنعام "إنه لا يفلح الظالمون ".

"تلك الدار الآخرة  نجعلها للذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين "المعنى تلك جنة القيامة ندخلها الذين لا يعملون ظلما فى البلاد أى جورا أى الجنة للمطيعين،يبين الله أن الدار الآخرة وهى جنة القيامة يجعلها الله للذين لا يريدون علوا فى الأرض والمراد يسكنها الرب الذين لا يفعلون كفرا فى البلاد وفسر الله العلو بأنه الفساد وفسر الله هذا بأن العاقبة وهى الجنة للمتقين أى المطيعين لحكم الله .

"من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون "المعنى من أتى بالنافعة فله أحسن من النار ومن أتى بالفاسدة فلا يعطى الذين صنعوا الفاسدات إلا عقاب ما كانوا يفعلون ،يبين الله أن من جاء بالحسنة والمراد أن من أتى بنفسه المسلمة فى الآخرة فله خير منها والمراد فله جزاء أفضل من النار وهو الجنة وأما من جاء بالسيئة والمراد وأما من أتى بالكفر فلا يجزى الذين عملوا السيئات والمراد فلا يدخل الذين "اجترحوا السيئات "كما قال بسورة الجاثية وهى الخطايا إلا ما كانوا يعملون والمراد إلا عقاب الذى كانوا يفعلون وهو النار

"إن الذى فرض عليك القرآن لرادك لمعاد قل ربى أعلم من جاء بالهدى ومن هو فى ضلال مبين "المعنى إن الذى أنزل لك الكتاب لمعيدك إلى مرجع قل إلهى أعرف من أتى بالإسلام ومن هو فى كفر عظيم ،يبين الله لنبيه (ص)أن الذى فرض عليه القرآن والمراد الذى نزل له الكتاب وهى الوحى مصداق لقوله بسورة الأعراف "الذى نزل الكتاب "راده إلى معاد والمراد محييه فى وقت أخر بعد موته ويطلب الله منه أن يقول للناس ربى أعلم بمن جاء بالهدى والمراد خالقى أدرى بمن أتى بالحق وهو الإسلام ومن هو فى ضلال مبين أى على كفر ظاهر وهذا يعنى معرفة الله للمسلمين والكافرين .

"وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين ولا يصدنك عن آيات الله بعد أن أنزلت إليك وادع إلى ربك ولا تكونن من المشركين ولا تدع  مع الله إلها أخر لا إله إلا هو كل شىء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون "المعنى وما كنت تريد أن ينزل عليك الوحى إلا نفع من إلهك فلا تصبحن ناصرا للكاذبين ولا يردنك عن أحكام الله بعد إذ ألقيت إليك وناد إلهك ولا تصبحن من الكافرين ولا تعبد مع الرب ربا أخر لا رب إلا هو كل مخلوق فان إلا جزاءه له الأمر وإليه تعودون ،يبين الله لنبيه (ص)أنه ما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب والمراد أنه ما كان يريد أن يوحى له القرآن وبيانه إلا رحمة من ربه والمراد إلا نفع من خالقه وهذا يعنى أنه أراد من إلقاء الوحى له الخير له من عند الله وينهاه الله أن يكون ظهيرا للكافرين والمراد ألا يكون نصيرا أى مطيعا لحكم المكذبين لحكم الله وفسر هذا بقوله لا يصدنك عن آيات لله بعد إذ أنزلت إليه والمراد لا يردنك عن طاعة أحكام الرب أحد بعد أن أوحيت لك وفسر هذا بقوله وادع إلى ربك والمراد وأطع حكم إلهك وفسر هذا بقوله ولا تكونن من المشركين أى "فلا تكونن من الجاهلين"كما قال بسورة الأنعام والمراد لا تصبحن من الكافرين وفسر هذا بقوله ولا تدع مع الله إلها أخر والمراد ولا تطع مع حكم الله حكم رب أخر مزعوم ،ويبين له أن لا إله أى لا رب إلا الله وأن كل شىء وهو كل مخلوق هالك إلا وجهه والمراد كل مخلوق فان إلا جزاء الله وهو الجنة والنار وإليه ترجعون أى تعودون أى تحشرون مصداق لقوله بسورة الملك "وإليه تحشرون "والمراد وإلى وجه وهو جزاء الله تعودون بعد الموت والخطاب وما قبله وما قبله وما قبله للنبى(ص) .

اجمالي القراءات 54428

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-08-18
مقالات منشورة : 2619
اجمالي القراءات : 20,811,863
تعليقات له : 312
تعليقات عليه : 512
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt