رضا البطاوى البطاوى Ýí 2009-10-30
سورة المائدة
سميت السورة بهذا الاسم نظرا لذكر قصة طلب الحواريين من المسيح (ص) إنزال مائدة عليهم يأكلون منها فقالوا"هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء".
"بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد " يفسر قوله "أوفوا بالعقود" قوله تعالى بسورة الإسراء"وأوفوا بالعهد"فالعقود هى العهد وقوله "إن الله يحكم ما يريد"يفسره قوله بسورة الحج"إن الله يفعل ما يريد" وقوله بسورة إبراهيم"ويفعل الله ما يشاء"فيحكم تعنى يفعل ويريد تعنى يشاء والمعنى بحكم الرب النافع المفيد أطيعوا الأحكام ،أبيحت لكم ذبيحة الأنعام إلا ما يبلغ لكم غير مبيحى الصيد وأنتم زائرين لبيت مكة إن الله يشرع الذى يشاء،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا بوحى الله مبينا لهم أن بسم الله الرحمن الرحيم أن بحكم الرب النافع المفيد عليهم أن يفوا بالعقود والمراد أن يطيعوا الأحكام الإلهية،ويبين لهم أن من الأحكام أنه أحلت لهم أى أبيحت لهم بهيمة الأنعام وهى ذبيحة الأنعام إلا ما يتلى عليهم وهو الذى يبلغ لهم فى الوحى وهو ما نزل فى نفس السورة وسورة الأنعام وسورة البقرة ،ويبين لهم أنهم إن كانوا حرم أى زائرين للبيت الحرام فعليهم أن يكونوا غير محلى الصيد والمرد غير مستبيحى قتل الحيوانات البرية وهذا يعنى حرمة الصيد على حجاج وعمار البيت الحرام ،ويبين لهم أنه يحكم ما يريد أى يفعل الذى يشاء والمراد يشرع الذى يحب والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"يفسر قوله "لا تحلوا شعائر الله" قوله تعالى بسورة الحج"ومن يعظم شعائر الله"و"ومن يعظم حرمات الله"فالشعائر هى الحرمات وقوله "يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا"يفسره قوله بسورة البقرة"يرجون رحمة الله"فيبتغون فضل أى رضوان الله تعنى يرجون رحمة الله وقوله "وتعاونوا على البر والتقوى"يفسره قوله بسورة العصر"وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"فتعاونوا تعنى تواصوا والبر أى التقوى هى الحق أى الصبر وقوله"واتقوا الله"يفسره قوله بسورة التغابن"وأطيعوا الله"فاتقوا تعنى أطيعوا وقوله"إن الله شديد العقاب"يفسره قوله بسورة البقرة"وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تستبيحوا حرمات الله ولا الشهر الممنوع ولا الأنعام ولا الصيد ولا زوار البيت الحرام يريدون نفعا من إلههم أى قبولا وإذا انتهيتم من الحج فصيدوا ولا تدفعنكم كراهية ناس أن ردوكم عن المسجد الحرام أن تظلموا وتواصوا بالخير أى الإسلام ولا تتواصوا بالشر أى المنكر وأطيعوا حكم الله إن الله عظيم العذاب،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله ناهيا إياهم عن استباحة الأشياء التالية:
-شعائر الله وهى حرمات الله والمراد أماكن الحج والعمرة المقدسة.
-الشهر الحرام وهو الأربعة شهور التى حرمها الله حتى تزار فيها الكعبة.
-الهدى وهو الأنعام التى تسمى الأضاحى والتى تذبح فى الكعبة .
-القلائد وهى مقابل حيوانات الصيد فى البر والتى يصيدها زوار الكعبة وقت الزيارة من الأنعام.
-آمين البيت الحرام وهم زوار المسجد الحرام للحج أو العمرة وهم يبتغون أى يريدون فضلا أى رضوانا والمراد رحمة أى رزقا من الله ،والإستباحة تعنى انتهاك الحرمة بتدنيس مكان البيت أو بالقتال فى الشهر الحرام أو بأخذ الهدى ونهبه أو منعه أو بالصيد وقت الإحرام أو بإيذاء زوار البيت ويبين الله للمؤمنين أن عليهم ألا يجرمنهم والمراد ألا يدفعنهم شنئان قوم والمراد كراهية ناس قاموا بصدهم عن المسجد الحرام والمراد قاموا بمنعهم من زيارة البيت الحرام إلى أن يعتدوا أى يؤذوهم ما دام هناك عهد سلام معهم ،ويطلب الله منهم أن يتعاونوا على البر أى التقوى والمراد أن يشتركوا فى عمل الخير وهو الصالح وألا يتعاونوا على الإثم أى العدوان والمراد ألا يشتركوا فى عمل الشر وهو الفاسد من العمل وفسر هذا بأن يتقوا الله والمراد يطيعوا حكم الله ،ويبين لهم أنه شديد العقاب والمراد عظيم العذاب لمن يكفر به.
"حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم"المعنى منعت عليكم المتوفاة والدم وشحم الخنزير وما قصد به غير الله والمخنوقة والمضروبة والواقعة والمتشاجرة وما طعم الوحش إلا الذى ذبحتم وما قتل على الحجر وأن تلعبوا بالأقداح ذلكم كفر،الآن قنط الذين كذبوا من إسلامكم فلا تخافوهم وخافون ،اليوم أتممت لكم إسلامكم أى أكملت لكم هبتى وقبلت لكم الإسلام حكما فمن أجبر فى مجاعة غير متعمد لذنب فإن الله تواب مفيد،يبين الله للمؤمنين أن الأطعمة التى حرمت أى منعت عنهم والمراد والممنوع من الأطعمة أكله على المسلمين هو :
-الميتة وهى المتوفاة التى خرجت نفسها من جسدها دون ذبح .
-الدم وهو السائل الأحمر الذى ينزل عند الجرح أو الذبح وفيه قال بسورة الأنعام"أو دما مسفوحا" أى دما جاريا وقد كانوا يشربونه أو يأكلونه .
-لحم وهو شحم الخنزير وهو كل الأعضاء اللينة فيه.
-ما أهل لغير الله به وهو الذى لم يذكر اسم الله عليه مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه".
-المنخنقة وهى الحيوان الذى ضغظ على مجرى تنفسه شىء منع الهواء عنه فمات خنقا.
-الموقوذة وهى الحيوان الذى ضرب حتى مات.
-المتردية وهى الحيوان الذى وقع من مكان عالى فمات .
-النطيحة وهى الحيوان الذى تشاجر مع حيوان أخر فنطحه الأخر فقتله.
-ما أكل السبع وهى الحيوان الذى اصطاده الوحش وأكله ويستثنى من الخمس الأخيرة ما ذكى الإنسان من الأنعام قبل أن تلفظ أنفاسها .
-ما ذبح على النصب والمراد ما قتل على المذبح المعد للآلهة المزعومة .
-الاستقسام بالأزلام والمراد الذى تم لعب الميسر عليه بالأقداح حيث يكون هناك حيوان أو شىء يشتريه الخاسرون ويستفيد من ذبحه الكاسبون باللحم وغيره .
ويبين الله للمؤمنين أن كل الأطعمة وممارسة الأعمال الأخرى معها من ميسر وغيره هى فسق أى كفر بالإسلام ،ويبين لهم أن اليوم هو أخر يوم نزل فيه الوحى يئس الذين كفروا من دين المؤمنين والمراد قنط الذين كذبوا الوحى أن يزول حكم الله وينهاهم فيقول :فلا تخشوهم واخشون والذى يفسره قوله بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون "فهو يطلب منهم عدم الفزع من الكفار ويطلب منهم أن يفزعوا من عذاب الله ،ويبين لهم أن اليوم وهو أخر يوم نزل فيه الوحى أكمل لهم دينهم وفسره بأنه أتم عليهم نعمته والمراد أنهى نزول الوحى الذى أصبح كاملا ويبين لهم أنه رضى الإسلام لهم دينا والمراد قبل حكم الله لهم حكما ويبين لهم أن من اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم والمراد أن من أكره على أكل محرمات الأطعمة فى مجاعة غير متعمد للأكل وهو الجريمة والله غفور رحيم أى عفو نافع لمن يأكل مكرها على الأكل .
"يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب"المعنى يستفهمون منك ماذا أبيح لهم قل أبيح لكم النافعات والذى عرفتم من الحيوانات مقيدين تعرفونهن من الذى عرفكم الله فاطعموا مما صدن لكم وأطيعوا حكم الله فيه وأطيعوا حكم الله إن الرب شديد العقاب ،يبين الله لنبيه(ص)أن المسلمين يسألونه والمراد يستفهمون منه :ماذا أحل لهم والمراد ماذا أبيح لهم من الأطعمة ؟ويطلب منه أن يقول لهم :أحل لكم الطيبات والمراد أبيح لكم النافعات من الطعام والصيد الذى يمسكه الحيوان المدرب بشرطين :
-أن يكون ممسوك للمعلم أى مصطاد للمعلم وليس لأكل الحيوان المدرب فإذا أكل الحيوان المدرب منه فهو ليس حلالا للمعلم .
-أن يذكر اسم الله عليه والمراد أن يردد المعلم حكم الله وهو الوحى عند إرساله الحيوان المدرب .
ومن هنا نعلم أن الله أباح للإنسان تعليم الحيوانات الصيد من خلال العلم الذى علمه الله للناس فى الوحى ،ويطلب الله من المؤمنين أن يتقوه أى أن يطيعوا حكم الله خوفا من عذابه وهو ناره مصداق لقوله بسورة البقرة"فاتقوا النار"ويبين لهم أنه سريع الحساب أى شديد العقاب لمن يخالفه والخطاب للنبى(ص)ومنه للمؤمنين وما بعده .
"اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا أتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذى أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الآخرة من الخاسرين "المعنى اليوم أبيح لكم النافعات وأكل الذين أعطوا الوحى مباح لكم وأكلكم مباح لهم والعفيفات من المصدقات والعفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبلكم إذا سلمتموهم مهورهن عفيفيين غير زانين أى غير متخذى عشيقات ومن يكذب بالوحى فقد خسر فعله وهو فى القيامة من المعذبين ،يبين الله للمؤمنين أن اليوم وهو يوم نزول الآية قد أحل لكم الطيبات والمراد قد أبيح لهم الأطعمة النافعة وهى بهيمة الأنعام لقوله بسورة الأنعام "أحلت لكم بهيمة الأنعام"وصيد البر والبحر لقوله"أحل لكم صيد البحر وطعامه حل لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرم"وأباح لهم طعام وهو أكل الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى من اليهود والنصارى وطعامنا وهو أكلنا حل لهم أى مباح أكله لهم وأباح للمؤمنين زواج المحصنات من المؤمنات وهن العفيفات من المصدقات بوحى الله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهن العفيفات من الذين أعطوا الوحى من قبل المؤمنين فى عهد محمد(ص)وشروط الزواج هو أن يؤتوهن أجورهن والمراد أن يسلموهن مهورهن لهن وأن يكونوا محصنين غير مسافحين أى وأن يكونوا عفيفيين غير زناة وفسر هذا بأنهم ليسوا متخذى أخدان أى نائكى عشيقات أو عشاق ،ويبين لهم أن من يكفر بالإيمان وهو ما أنزل الله مصداق لقوله بسورة البقرة "أن يكفروا بما أنزل الله"والمراد من يكذب بوحى الله المنزل فقد حبط عمله أى ضل عمله لقوله بسورة محمد"أضل أعمالهم "والمراد خسر فعله وفسره الله بأنهم فى الآخرة من الخاسرين وهم المعذبين فى النار مصداق لقوله بسورة هود"ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده ".
"يا أيها الذين أمنوا إذا أقمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم فى الدين من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله إذا نويتم الصلاة فطهروا وجوهكم وأذرعكم إلى الكوعين وطهروا شعوركم وأقدامكم إلى الكعبين وإن كنتم قاذفين للمنى فاغتسلوا وإن كنتم عليلين أو على ترحال فلا تغتسلوا أو أتى أحد منكم من الكنيف أو مسستم الإناث فلم تلقوا ماء فاقصدوا ترابا طاهرا فمسوا به وجوهكم وأذرعكم به ،ما يحب الله أن يشرع لكم من ضيق ولكن يحب أن يزكيكم وليكمل دينه لكم لعلكم تطيعون ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله أنهم إذا قاموا إلى الصلاة والمراد إذا رغبوا فى أداء الصلاة فعليهم بالتالى :
غسل أى تطهير وجوههم،وغسل أى تطهير أيديهم إلى المرافق وهى أذرعهم حتى الكوعين وهو منتصف الذراعين،ومسح الرءوس وهو تطهير الشعور،وغسل أى تطهير أرجلهم إلى الكعبين والمراد وتطهير أقدامهم إلى العظمتين البارزتين فى أسفل الرجلين والتطهير يتم بالماء ،ويبين لهم أنهم إن كانوا جنبا فعليهم أن يطهروا والمراد إن كانوا قاذفين للمنى فى جماع أو غيره عليهم أن يغتسلوا بالماء مصداق لقوله بسورة النساء"ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا"وأما إذا كانوا مرضى أى مصابين بالأوجاع أو على سفر أى على ترحال أى فى انتقال من بلد لبلد أخر طوال النهار فلا غسل عليهم إن كانوا جنبا حتى يعودوا لصحتهم أو يصلوا لبلد به ماء كافى وإما إذا جاء أحد منهم من الغائط والمراد إذا خرج أحدهم من الكنيف وهو مكان التبول والتبرز متبولا أو متبرزا أو مفسيا أو مضرطا أى مخرج صوت من الشرج أو لامس النساء والمراد مس جلده جلد الإناث البالغات فالواجب هو الوضوء فإذا لم يجدوا أى إذا فقدوا الماء الكافى للوضوء فعليهم أن يتيمموا صعيدا طيبا والمراد أن يضعوا ترابا جافا فيمسحوا والمراد فيضعوه على وجوههم وأيديهم ثم يصلوا حتى يحضر الماء ،ويبين لهم أنه لا يريد بهم الحرج أى لا يفرض عليهم الأذى وهو العسر وإنما يفرض اليسر مصداق لقوله بسورة البقرة "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "ويفسر هذا بأنه يريد أن يطهرهم أى يزكيهم أى يتوب عليهم مصداق لقوله بسورة النساء"والله يريد أن يتوب عليكم"والمراد أن يرحمهم ويبين لهم أنه سيتم نعمته عليهم لعلهم يشكرون والمراد سيكمل لهم نزول أحكامه لعلهم يطيعونها أى يستسلمون لها مصداق لقوله بسورة النحل"كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون "والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور"المعنى وأطيعوا حكم الله لكم أى رسالته التى عاهدكم عليها وقت قلتم علمنا واتبعنا أى اتبعوا الله إن الله عارف بنية النفوس،يطلب الله من المؤمنين أن يذكروا نعمة الله عليهم وفسرها بأنها ميثاقه الذى واثقهم عليه وهى ما أنزل من الكتاب أى الحكمة مصداق لقوله بسورة البقرة"واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل من الكتاب والحكمة "والمراد أن يطيعوا وحى الله لهم أى عهده الذى عاهدهم عليه إذ قالوا سمعنا وأطعنا والمراد حين قالوا عرفنا حكم الله ونفذنا وفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى "وأطيعوا الله"كما قال بسورة التغابن والمراد اتبعوا حكم الله ويبين لهم أن الله عليم بذات الصدور والمراد خبير بالذى فى النفوس وهو النية ويحاسب عليها إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
"يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى كونوا طائعين لحكم الله مقرين بالعدل ولا يدفعنكم كره ناس على أن لا تقسطوا أقسطوا هو أحسن للأجر أى أطيعوا الرب إن الرب عليم بالذى تصنعون،يطلب الله من الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله أن يكونوا قوامين لله أى طائعين لحكم الله شهداء بالقسط والمراد مقرين أى مصدقين بالعدل وهو حكم الله وينهاهم فيقول ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا والمراد ولا تحملنكم كراهية الناس على ألا تقسطوا وهذا يعنى أن يزيحوا الكراهية للغير عن قلوبهم عند الحكم فى قضية ما فيحكموا بالعدل ويطلب منهم نفس الطلب فيقول اعدلوا أى احكموا بالقسط وهو حكم الله فهو أقرب للتقوى أى أحسن للأجر ويفسر الطلب بقوله اتقوا الله أى أطيعوا حكم الله ويبين لهم أنه خبير بما يعملون والمراد عليم بما يفعلون مصداق لقوله بسورة يونس"والله عليم بما يفعلون "وسيحاسبهم عليه والخطاب للمؤمنين .
"وعد الله الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة وأجرا عظيما والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم "المعنى أخبر الرب الذين صدقوا وفعلوا الحسنات رحمة أى ثوابا كبيرا والذين كذبوا أى جحدوا بأحكامنا أولئك سكان النار ،يبين الله لنا أنه وعد الذين أمنوا وعملوا الصالحات مغفرة أى أجرا عظيما والمراد أنه أخبر الذين صدقوا حكم الله وفعلوا النافعات من العمل رحمة أى ثوابا كبيرا هو الجنات مصداق لقوله بسورة التوبة"وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات "ووعد الذين كفروا وفسرهم بأنهم كذبوا بآياتنا أى جحدوا بأحكام الله بأنهم أصحاب الجحيم أى سكان النار مصداق لقوله بسورة البقرة"أولئك أصحاب النار" والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون "المعنى يا أيها الذين صدقوا الوحى اعلموا رحمة الله بكم حين أراد ناس أن يوصلوا لكم أذاهم فمنع أذاهم عنكم وأطيعوا الرب وبالرب فليحتمى المصدقون ،يطلب الله من الذين أمنوا أى الذين صدقوا حكم الله أن يذكروا نعمة الله عليهم والمراد أن يعرفوا رأفة الله بهم إذ هم قوم أن يبسطوا إليهم أيديهم والمراد وقت أراد ناس أن يوصلوا لهم أذاهم فكف أيديهم عنهم والمراد فمنع أذى وهو بأس الكفار عنهم مصداق لقوله بسورة النساء"عسى أن يكف عنكم بأس الذين كفروا"والغرض من القول هو تعريف القوم أن الله لا يتركهم بلا دفاع عنهم ما داموا مخلصين له ويطلب منهم أن يتقوا الله والمراد أن يطيعوا حكم الله وفسر هذا بأن على الله فليتوكل المؤمنون والمراد وبطاعة حكم الله فليحتمى المصدقون بحكمه من الأذى والخطاب للمؤمنين .
"لقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم إثنى عشر نقيبا وقال الله إنى معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمنتم برسلى وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل"المعنى لقد فرض الله عهد أولاد يعقوب(ص)وعين لهم إثنى عشر رئيسا وقال الله إنى ناصركم لئن أطعتم الدين أى اتبعتم الطهارة أى صدقتم بأنبيائى ونصرتموهم أى أطعتم الله طاعة صالحة لأمحون عنكم ذنوبكم أى لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون فمن كذب بعد ذلك منكم فقد استحق عذاب النار ،يبين الله لنا أنه أخذ ميثاق بنى إسرائيل والمراد فرض على أولاد يعقوب(ص)العهد وهو عبادة الله مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله"ويبين لنا أنه بعث منهم إثنى عشر نقيبا والمراد وعين لهم إثنى عشر رئيسا لكل أسرة من الإثنى عشر أسرة رئيس وقال الله لهم: إنى معكم والمراد إنى ناصركم إنى راحمكم لئن أقمتم الصلاة أى إن اتبعتم دين الله وفسر هذا بقوله وأتيتم الزكاة أى وأطعتم حكم الله وفسر هذا بقوله وأمنتم برسلى وعزرتموهم والمراد وصدقتم بمبعوثى وأطعتموهم وفسر هذا بقوله وأقرضتم الله قرضا حسنا والمراد واتبعتم حكم الله إتباع صالح ،فهنا ربط الله نصره للقوم بطاعتهم الصالحة لحكم الله وفسر الله نصره أى معيته لهم بقوله لأكفرن عنكم سيئاتكم أى لأمحون عنكم ذنوبكم أى يتجاوز عن جرائمهم مصداق لقوله بسورة الأعراف"ونتجاوز عن سيئاتهم"وفسر هذا بقوله ولأدخلنكم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد لأسكنكم حدائق تسير فى أرضها العيون ذات السوائل اللذيذة ،ويبين الله لبنى إسرائيل أن من كفر أى كذب بعد ذلك أى بعد نزول العهد فقد ضل سواء السبيل أى فقد استحق عذاب الكفر والخطاب للنبى(ص) .
"فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم من بعد مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"المعنى فبما نكثهم عهدهم غضبنا عليهم وخلقنا نفوسهم كافرة يغيرون الأحكام عن مقاصدها وعصوا نصيبا من الذى أبلغوا به ولا تزال تعلم مكيدة منهم إلا بعضا منهم فأعرض عنهم أى اعفو إن الله يرحم المطيعين،يبين الله للنبى(ص) أن بما أى بسبب نقض القوم ميثاقهم والمراد بسبب مخالفة القوم عهدهم لعنهم الله أى غضب الله عليهم وجعل قلوبهم قاسية والمراد وخلق أنفسهم كافرة لأنهم أرادوا أنفسهم كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الإنسان "وما تشاءون إلا أن يشاء الله"وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يزيدون فى الأحكام على مقاصدها عند الله أحكاما باطلة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا"وهم قد نسوا حظا مما ذكروا به والمراد خالفوا بعض الأحكام التى أبلغوا بها فى الميثاق ،ويبين الله لنبيه(ص)أنه لا يزال يطلع على خائنة منهم والمراد يستمر يعلم تدبير المكائد منهم ضد المؤمنين إلا قليلا منهم وهم الذين يسلمون ويطلب الله منه أن يعفو عنهم وفسر هذا بأن يصفح عنهم والمراد أن يعرض عن التعامل معهم تاركا عقابهم على المكائد ويبين له أنه يحب المحسنين أى يرحم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين"وهذا يعنى إدخالهم الجنة والخطاب للنبى (ص)عن أهل الكتاب فى عصره وما سبقه حديث عمن ماتوا منهم وما بعده خطاب له.
"ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون" المعنى ومن الذين قالوا إنا أنصار الله فرضنا عهدهم فخالفوا بعضا من الذى أبلغوا به فأشعلنا بينهم الكراهية أى المقت إلى يوم البعث وسوف يخبرهم الله بالذى كانوا يعملون،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا إنا نصارى والمراد إنا أنصار الله كما قال عيسى(ص)أخذ الله عليهم الميثاق والمراد فرض الله عليهم عهدهم فكانت النتيجة أنهم نسوا حظا مما ذكروا به والمراد أنهم عصوا بعض أحكام العهد الذى أبلغوا به من قبل عيسى(ص)ومن ثم عاقبهم الله بأن أغرى بينهم العداوة والتى فسرها بأنها البغضاء والمراد أنه أشعل بين النصارى الكراهية وهى المقت إلى يوم القيامة وهى البعث مصداق لقوله تعالى بسورة الروم"إلى يوم البعث" وهو سوف ينبئهم بما كانوا يصنعون أى يعملون مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"فينبئهم بما كانوا يعملون"والمراد أن الله سوف يخبر الناس بالذى عملوا فى الآخرة عن طريق تسليم الكتب المنشرة .
"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين"المعنى يا أصحاب الوحى السابق قد أتاكم نبينا يبلغ لكم كثيرا من الذى كنتم تكتمون من الوحى ويصفح عن الذنوب قد أتاكم من الله هدى أى حكم عظيم ،يخاطب الله أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق مبينا لهم أنهم قد جاءهم رسول الله والمراد أنهم أتاهم مبعوث الله والسبب أن يبين لأهل الكتاب الكثير مما كانوا يخفون من الكتاب والمراد والسبب أن يذكر أهل الكتاب بالأحكام العديدة التى كانوا يكتمونها من الحق مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"وإن فريقا منهم ليكتمون الحق" فيخفون تعنى يكتمون والكتاب هو الحق ويبين لهم أنه أى الله يعفو عن كثير والمراد يتجاوز عن الذنوب إن تابوا منها ويبين لهم أنهم قد جاءهم نور أى كتاب مبين أى بينة أى هدى أى رحمة والمراد أنهم قد بلغهم وحى أى حكم عظيم من الله يجب طاعته والخطاب لأهل الكتاب وما بعده.
"يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" المعنى يسكن من أطاع حكمه جنات الخير أى يبعدهم من العذابات إلى الرحمة بحكمه أى يدخلهم فى متاع دائم،يبين الله لأهل الكتاب أنه يهدى بالكتاب من اتبع رضوانه سبل السلام والمراد أن الله يدخل من أطاع كتابه جنات الخير بطاعتهم له ورضوان الله هو دينه الذى رضاه لنا مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"ورضيت لكم الإسلام دينا"وفسر الله هذا بأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه والمراد يبعدهم عن النار إلى الجنة بطاعتهم لحكمه وفسر هذا بأنه يهديهم إلى الصراط المستقيم والمراد يدخلهم إلى المتاع السليم الذى ليس به أى انحراف فى أى شىء.
"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الأرض جميعا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى لقد كذب الذين قالوا إن الله هو نفسه المسيح ابن مريم(ص) قل يا محمد فمن يمنع عنه من الله عذابا إن شاء الله أن يعذب المسيح ابن مريم(ص) ووالدته ومن فى الأرض كلهم ؟ولله ميراث السموات والأرض والذى بينهما يبدع الذى يريد والله لكل أمر يريده فاعل ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا:إن الله هو المسيح ابن مريم(ص) والمراد إن الإله هو عيسى(ص)قد كفروا أى كذبوا بحكم الله ونلاحظ تناقضهم فى جعل الإله ابن امرأة،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم من يملك من الله شيئا أى من يمنع من الله أمرا إن أراد أى شاء أن يهلك أى يعذب المسيح ابن مريم (ص)وأمه وهى والدته ومن فى الأرض جميعا؟والغرض من السؤال إخبار النصارى أن المسيح وأمه ليسوا آلهة وهو يهلكهم وكل الخلق لو أراد فالإله هو الله وليس مخلوق ابن لامرأة ويقول:ولله ملك أى ميراث مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "ولله ميراث السموات والأرض" أى حكم السموات والأرض وما أى والذى بينهما وهو الجو وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير"المعنى وزعمت اليهود والنصارى نحن أولاد الله وأصفياؤه قل فلم يعاقبكم بخطاياكم إنما أنتم خلق ممن أنشأ يرحم من يريد ويعاقب من يريد ولله حكم السموات والأرض والذى بينهما وإليه المرجع ،يبين الله لنبيه(ص)أن اليهود والنصارى قالوا أى زعموا:نحن أبناء أى أولاد الله وأحباؤه أى وخلانه والمراد أولياء الله وفى هذا قال بسورة الجمعة "إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس"وهذا يعنى أن الله لن يعذبهم لأنهم بزعمهم أولاده والأب رحيم بأولاده ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم فلم يعذبكم بذنوبكم والمراد لو كنتم حقا أولاده فلماذا يعاقبكم بسبب خطاياكم ؟والغرض من السؤال هو نفى أبوة الله لهم ويقول:بل أنتم بشر ممن خلق والمراد إنما أنتم ناس من الذين أنشأ الله وهذا يعنى أنهم من نفس نوعية الخلق فليسوا أولاد لله لكونهم مخلوقات من مخلوقاته ويقول يغفر لمن يشاء أى يرحم من يريد وهم المؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"ويرحم من يشاء"ويعذب من يشاء أى يعاقب من يريد وهم الكفار ويقول ولله ملك أى ميراث السموات والأرض وما بينهما والمراد له حكم السموات والأرض والجو بينهما مصداق لقوله بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض "ويقول وإليه المصير أى المرجع مصداق لقوله تعالى بسورة يونس"إليه مرجعكم"والمراد إلى جزاء الله عودتكم فى الآخرة.
"يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير أو نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شىء قدير"المعنى يا أصحاب الوحى السابق قد أتاكم نبينا يبلغ لكم آياتنا قبل انقطاع من الأنبياء(ص)كى لا تقولوا ما أتانا من مبلغ أى مخبر فقد أتاكم مبلغ أى مخبر والله لكل أمر يريده فاعل ،يخاطب الله أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق مبينا لهم أنهم قد جاءهم رسوله يبين لهم والمراد أنهم قد أتاهم مبعوث الله يبلغ لهم أحكام الله على فترة من الرسل والمراد قبل انقطاع بعث الله للأنبياء(ص) والسبب أن يقولوا والمراد حتى لا يقولوا بعد إبلاغ الوحى :ما جاءنا من بشير ولا نذير والمراد ما أتانا من مخبر بالوحى أى مبلغ لحكم الله ويبين لهم أنهم قد جاءهم البشير وهو النذير والمراد قد أتاهم المبلغ أى المخبر بالوحى ويبين لهم أنه على كل شىء قدير أى فعال لما يريد مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد"فالله لكل أمر يريده فاعل والخطاب لأهل الكتاب.
"وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وأتاكم ما لم يؤت أحد من العالمين"المعنى وقد قال موسى (ص)لشعبه يا شعبى اعلموا رحمة الله بكم حين أرسل لكم رسلا وخلقكم حكاما وأعطاكم الذى لم يعطى أحد من الخلق،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لقومه وهم بنو إسرائيل اذكروا نعمة الله عليكم والمراد اعرفوا فضل الله عليكم حين جعل فيكم أنبياء أى أرسل لكم رسلا مصداق لقوله بسورة المائدة"لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا" وجعلكم ملوكا والمراد وخلقكم حكاما والمراد أعطاهم ما يجعلهم حكاما وهو حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"ولقد أتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة"وأتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين والمراد وأعطاكم الذى لم يعطى أحدا من الخلق وهذا هو تفضيلهم على الخلق بطاعتهم حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"وفضلناهم على العالمين" والمراد أن الله ميزهم بطاعتهم لحكم الله والخطاب وما بعده من قصص للنبى(ص).
"يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين"المعنى يا شعب اسكنوا القرية المباركة التى فرض الله لكم ولا تعودوا على أعقابكم فتعودوا خائبين ،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال لهم:يا قوم أى يا شعب ادخلوا الأرض المقدسة والمراد اسكنوا القرية المباركة مكة مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"اسكنوا هذه القرية"التى كتب الله لكم والمراد التى فرض الله لكم وهذا يعنى أنه أوجب عليهم سكن مكة المباركة فى التوراة ولا ترتدوا على أدباركم والمراد ولا تعودوا إلى كفركم والمراد لا تخالفوا أمر الله فتنقلبوا خاسرين أى خائبين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فتنقلبوا خائبين"والمراد فتعودوا معذبين .
"قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون"المعنى قالوا يا موسى إن فيها ناسا أقوياء وإنا لن نسكنها حتى يتركوها فإن يتركوها فإنا ساكنوها،يبين الله لنا أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص):يا موسى إن فيها قوما جبارين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"قوما عالين"أى مفسدين وإنا لن ندخلها أى نسكنها حتى يخرجوا منها والمراد حتى يتركوها دون قتال منا فإن يخرجوا منها أى يتركوها لنا فإنا داخلون أى ساكنون لها،وهذا يعنى أنهم يريدون سكن الأرض المقدسة دون حرب فهم يريدون من الله أن يخرج الجبارين منها بعمله وليس بجهادهم.
"قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" المعنى قال ذكران من الذين يطيعون من الله عليهما افتحوا عليهم البلد فإذا فتحتموه فإنكم منتصرون وبالله فاحتموا إن كنتم مصدقين بحكم الله،يبين الله لنا أن رجلان أى ذكران من بنى إسرائيل وهم موسى (ص)وهارون(ص) من الذين يخافون أى يخشون عذاب الله فيطيعون حكمه قد أنعم الله عليهما والمراد قد تفضل الله عليهم بحكمه قالوا لبقيتهم :ادخلوا عليهم الباب والمراد افتحوا عليهم البلد أى اهجموا عليهم فى الأرض فإذا دخلتموه أى هجمتم عليها فإنكم غالبون أى منتصرون على الجبارين وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين والمراد وبطاعة حكم الله فاحتموا من عذاب الله إن كنتم صادقين مصداق لقوله تعالى بسورة الجاثية"إن كنتم صادقين".
"قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون "المعنى قالوا إنا لن نسكنها ما بقوا فيها فسافر أنت وإلهك فحاربا إنا ها هنا ساكنون،يبين الله لنا أن القوم ردوا على موسى(ص)فقالوا :يا موسى إنا لن ندخلها أبدا والمراد إنا لن نسافر لسكنها ما داموا فيها أى ما سكنوها والمراد كما قالوا فى آية سابقة"حتى يخرجوا منها"فهم لا يريدون أن يجاهدوا وأن يترك الجبارون الأرض لهم دون حرب وقالوا:فاذهب أنت وربك فقاتلا والمراد سافر أنت وإلهك فحاربا وقولهم ربك يعنى كفرهم بهذا الرب لأنهم لو كانوا يعتقدون أنه ربهم لقالوا ربنا ،زد على هذا أنهم وصفوا الله بالذهاب والقتال وهو وصف يشبه الله بخلقه،وقالوا إنا ها هنا قاعدون أى باقون فى أرضنا هذه .
"قال رب لا أملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين"المعنى قال إلهى لا أحكم إلا نفسى وأخى فباعد بيننا وبين القوم الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال أى دعا الله :رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى والمراد إلهى إنى لا أحكم سوى نفسى وأخى لا يحكم سوى نفسه وبألفاظ أخرى لا أمر سوى نفسى بالقتال و أخى يأمر نفسه بالقتال فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين أى فاحكم أى فاقضى أى فافتح بيننا وبين القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة الأعراف"افتح بيننا وبين قومنا بالحق"،وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يصدر حكمه فى الكفار الذين عصوا أمر الله.
"قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض فلا تأسى على القوم الفاسقين"المعنى قال فإنها ممنوعة عليهم أربعين سنة يضلون فى الأرض فلا تحزن على القوم الكافرين،يبين الله لنا أنه استجاب لدعاء موسى(ص)فحكم حيث قال لموسى(ص):فإنها والمراد فإن الأرض المقدسة محرمة أى ممنوع عليهم دخولها أربعين سنة أى عام يتيهون فيها فى الأرض أى يضلون أى يتحيرون فى الأربعين سنة فى الصحراء التى أرادوا الجلوس فيها دون حرب ،ثم يطلب الله من موسى(ص) ألا يأسى أى يحزن على القوم الفاسقين وهم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فلا تأسى على القوم الكافرين".
"واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"المعنى وأبلغ لهم قصة ولدى آدم(ص)حين قدما دانية لله فأخذ من أولهما ورفض من الثانى قال لأذبحنك قال إنما يأخذ الله من المطيعين ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يتلو عليهم والمراد أن يبلغ لهم نبأ ابنى آدم(ص)والمراد خبر ولدى آدم(ص)إذ قربا قربانا والمراد حين قدم كل منهما شىء يتقرب به لله فكانت النتيجة أن الله تقبل من أحدهما أى رضا عن أحدهما ولم يتقبل من الأخر والمراد ولم يرضى عن الثانى ومن ثم عرف الأول أنه على الحق وعرف الثانى أنه على الباطل فى خلافهما فقال الثانى للأول:لأقتلنك أى لأذبحنك من أجل هذا وهذا يبين لنا أنه بدلا من أن يلوم نفسه لام أخيه فقال له الأول:إنما يتقبل الله من المتقين والمراد إن الله يرضى عن المطيعين لحكمه والخطاب للنبى(ص)يقوله للناس هو وما بعده من القصة.
"لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى لأقتلك إنى أخاف الله رب العالمين "المعنى لئن مددت إلى أذاك لتذبحنى ما أنا بماد لك أذاى لأذبحك إنى أخشى عذاب الله إله الناس ،يبين الله لنبيه(ص)أن الأخ الأول قال للثانى:لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى والمراد لئن عملت مكرك لتذبحنى ما أنا بباسط يدى إليك لأقتلك والمراد ما أنا صانع مكر لك لأذبحك إنى أخاف رب العالمين والمراد إنى أخشى عقاب الله خالق الجميع،وهذا يعنى أنه لا يريد قتل أخيه مثلما يريد هو قتله كما يعنى أن سبب عدم قتله لأخيه هو خوفه من عذاب الله .
"إنى أريد أن تبوأ بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين"المعنى إنى أحب أن ترجع بذنبى وذنبك فتصبح من أهل الجحيم وذلك عقاب العاصين لله،يبين الله لنبيه(ص) أن الأخ الأول قال للثانى:إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك والمراد إنى أحب أن ترجع بجرمى وجرمك السابق وهذا يعنى أن الأول يقول للثانى أن سبب عقابك سيكون ذنب قتلى وذنوبك الأخرى فتكون من أصحاب النار أى فتصبح من المعذبين مصداق لقوله تعالى بسورة الشعراء"فتكون من المعذبين"وذلك جزاء الظالمين أى عقاب الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة التوبة"وذلك جزاء الكافرين" وهذا القول منه هو تذكير للثانى بعذاب الله حتى يخاف منه فلا يقدم على القتل .
"فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين"المعنى فسولت له شهوته ذبح أخيه فذبحه فأصبح من المعذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن نفس الأخ الثانى وهى شهوته أى هواه الضال طوع له أى سول له أى أمره بقتل أى ذبح أخيه فكانت النتيجة أن نفذ الأمر فقتل أى ذبح أخيه فأصبح من الخاسرين أى النادمين مصداق لقوله فى الآية التالية"فأصبح من النادمين"وهم المعذبين فى النار.
"فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه كيف يوارى سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى فأصبح من النادمين"المعنى فأرسل الله غرابا يحفر فى التراب ليعلمه كيف يخفى جثة أخيه قال يا عذابى أفشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأدفن جثة أخى فأصبح من المعذبين، يبين الله لنبيه(ص)أنه بعث أى أرسل غرابا يبحث فى الأرض والمراد يحفر بأرجله فى التراب والسبب ليريه كيف يوارى سوءة أخيه أى ليعلمه كيف يدفن جثة أخيه وهذا يعنى وجوب دفن الميت بغض النظر عن دين الميت عن طريق الحفر فى الأرض ووضع الميت ثم إهالة التراب عليه،فقال القاتل:يا ويلتى أى يا عذابى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارى سوءة أخى والمراد هل فشلت أن أصبح شبه هذا الغراب فأخفى جثة أخى فى التراب ،وهذا يعنى أن الإنسان يتعلم من الحيوان وربما كان هذا التعليم هنا سبب فى تشاءم البشر بالغراب وهو أمر محرم لأن الغراب فعل تعليم الدفن بأمر من الله ،وأصبح من النادمين أى الخاسرين وهم المعذبين فى النار.
"من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون"المعنى بسبب هذا فرضنا على أولاد يعقوب أنه من ذبح إنسانا بغير إنسان أو ردة فى البلاد فكأنما ذبح الخلق كلهم ومن عفا عنها فكأنما بعث البشر كلهم ولقد أتتهم مبعوثينا بالآيات ثم إن كثير منهم بعد ذلك فى البلاد لمفسدون،يبين الله لنا أن من أجل ذلك والمراد بسبب قتل الأخ لأخيه كتب أى فرض الله على بنى إسرائيل التالى:
أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الأرض والمراد أن من ذبح إنسان بغير ذبحه لإنسان أو ردة عن دين الله فى البلاد وهو الظلم وهذا يعنى أن سبب قتل الإنسان إما قتله لأخر أو ردته عن الإسلام وهو حربه لله ورسوله(ص) والقاتل كأنما قتل الناس جميعا والمراد من ذبح إنسانا فكأنما ذبح الخلق كلهم لأنه يعمل على قطع نسل المقتول الذى سيحيى من بعده وأما من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا والمراد وأما من عفا عن القاتل فترك قتله فكأنما أحيا الخلق كلهم لأنه بهذا يحيى نسله الذى سيحيى مستقبلا ،ويبين الله لنا أنهم جاءتهم رسلهم بالبينات أى أرسل لهم مبعوثيهم بالآيات مصداق لقوله تعالى بسورة الحديد"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات "وهذا معناه أن الأنبياء(ص)أبلغوا الناس بالوحى ليعملوا به ولكن الذى حدث هو أن كثير منهم بعد إبلاغهم الوحى مسرفون أى فاسقون مصداق لقوله بسورة المائدة "وإن كثيرا من الناس لفاسقون"والمراد مكذبون بوحى الله.
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أو أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى إنما عقاب الذين يقاتلون الله ونبيه(ص)أى يفعلون فى البلاد ظلما أن يذبحوا أو يعلقوا أو تبتر أيديهم وأرجلهم من تضاد أو يبعدوا عن اليابسة ذلك لهم ذل فى الأولى ولهم فى القيامة عقاب كبير،يبين الله لنا أن جزاء وهو عقاب الذين يحاربون الله ورسوله (ص)أى يحادونهم مصداق لقوله بسورة المجادلة"إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك فى الأذلين"والمعنى أن عقاب الذين يعادون دين الله ونبيه(ص)وفسرهم بأنهم الذين يسعون فى الأرض فسادا والمراد الذين يعملون فى البلاد بالظلم وهو حكم غير الله هو أحد العقوبات التالية:
يقتلوا أى يذبحوا أى أن يصلبوا أى يعلقوا على المصلبة وفسر هذا بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف والمراد أن تبتر يد من اليدين والرجل المخالفة لها فى الجهة ويعلق حتى يموت على المصلبة أو أن ينفوا من الأرض والمراد أن يخرجوا من اليابسة أى يغرقوا فى الماء ،ويبين لنا أن ذلك خزى لهم فى الدنيا أى ذل أى عذاب لهم فى الحياة الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"لهم عذاب فى الحياة الدنيا" ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة النور"لهم عذاب أليم فى الدنيا والأخرة" والخطاب للمؤمنين وما بعده .
"إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" المعنى إلا الذين عادوا للحق من قبل أن تعاقبوهم فاعرفوا أن الله عفو نافع ،يبين الله لنا أن المحاربين المفسدين يستثنى منهم من العقاب الذين تابوا قبل أن نقدر عليهم والمراد الذين عادوا لدين الله قبل أن نقبض عليهم فنعاقبهم فهؤلاء يجب علينا أن نعلم أن الله غفور رحيم أى عفو نافع لهم ومن ثم لا يجب معاقبتهم.
"يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله أطيعوا حكم الله أى اعملوا من أجل جنته الطاعة لحكمه أى اعملوا فى نصره ،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله طالبا منهم أن يتقوه أى يخافوا ناره فيطيعوا حكمه مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"فاتقوا النار"وفسر هذا بأن يبتغوا إليه الوسيلة والمراد أن يعملوا لجنته المطلوب منهم وهو طاعة حكم الله وفسر هذا بأن يجاهدوا فى سبيله أى يعملوا على نصر دينه بطاعتهم له والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا بجنة الله وهى رحمته مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فأطيعوا تعنى اتقوا تعنى ابتغوا تعنى جاهدوا وتفلحون تعنى ترحمون والخطاب للمؤمنين وما بعده.
"إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم"المعنى إن الذين كذبوا لو أن لهم الذى فى الأرض كله وقدره معه ليبعدوا به عن عقاب يوم البعث ما أخذ منهم ولهم عقاب شديد يحبون أن يطلعوا من النار وما هم بباعدين عنها ولهم عقاب دائم، يبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا بحكم الله لو أن لهم أى لو أنهم يملكون ما فى الأرض جميعا ومثله معه أى وقدر ما فى الأرض معه من أجل أن يفتدوا من عذاب يوم القيامة والمراد من أجل أن ينجوا من عقاب يوم البعث ما تقبل منهم أى ما رضى الله أن ينقذهم من العذاب بسبب دفعهم له ملك الأرض ومثلها معها لأن الله حرم الفدية فقال بسورة الحديد"فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا"ويبين لنا أنهم لهم عذاب أليم أى عقاب عظيم مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ولهم عذاب عظيم"وأنهم يريدون أن يخرجوا من النار والمراد أنهم يرغبون فى أن يبعدوا عن النار ولكن الحادث أنهم ليسوا بخارجين منها أى ليسوا بطالعين منها أى ليسوا بمبعدين عنها وفسر هذا بأن لهم عذاب مقيم أى عقاب خالد أى دائم مصداق لقوله بسورة المائدة"وفى العذاب هم خالدون ".
"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم"المعنى واللص واللصة فافصلوا أكفهما عقاب لما عملا انتقاما من الله والله قوى قاضى فمن أناب من بعد سرقته أى أحسن العمل فإن الله يغفر له إن الله تواب نافع،يبين الله لنا أن السارق والسارقة وهما من أخذا مال الغير أيا كان نوعه جهرا أو سرا دون رضاه الواجب فيهم هو قطع أيديهم أى فصل أكفهما عن أذرعهما وهذا جزاء ما كسبا والمراد عقاب الذى صنعا وهو السرقة وهذا الجزاء نكال من الله أى انتقام فرضه الله منهم وهو العزيز أى القوى الحكيم أى القاضى بالحق ،ويبين لنا أن من تاب من بعد ظلمه أى من عاد للحق من بعد سرقته وفسره الله بأنه أصلح أى أناب للحق فالله يتوب عليه أى يغفر له أى يرحمه لأنه غفور رحيم أى نافع مفيد للتائب والخطاب للمؤمنين.
"ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شىء قدير"المعنى هل لم تعرف أن الله له ميراث السموات والأرض يعاقب من يريد ويرحم من يريد والله لكل أمر يريده فاعل؟يخبر الله رسوله(ص)أن له ملك أى ميراث السموات والأرض أى حكمهم مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"ولله ميراث السموات والأرض"وهو يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء أى يعاقب من يريد وهو الكافر به ويرحم من يريد وهو المؤمن به مصداق لقوله تعالى بسورة العنكبوت"يرحم من يشاء"وهو على كل شىء قدير والمراد لكل أمر يريده فعال مصداق لقوله تعالى بسورة البروج"فعال لما يريد" والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم أخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم"المعنى يا أيها المبعوث لا يغمك الذين يتسابقون فى تكذيب حكم الله من الذين قالوا صدقنا بألسنتهم ولم تصدق نفوسهم ومن الذين هادوا مطيعون للكفر مطيعون لناس أخرين لم يجيئوك يبعدون الأحكام عن مقاصدها يقولون إن أعطيتم هذا فأطيعوه وإن لم تبلغوه فابعدوا عنه ومن يحب الله عذابه فلن تمنع عنه من الله عذابا أولئك الذين لم يحب الله أن يزكى نفوسهم لهم فى الأولى ذل وفى القيامة عقاب شديد،يخاطب الله الرسول وهو محمد(ص) فينهاه عن الحزن على الذين يسارعون فى الكفر والمراد يزجره عن الأسى على الذين يتسابقون فى عمل أعمال التكذيب لحكم الله لأنهم لا يستحقون ذلك وهم الذين قالوا آمنا بأفواههم والمراد الذين قالوا صدقنا حكم الله بكلماتهم وهى ألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم أى ولم تصدق نفوسهم بحكم الله أى لم يدخل الإيمان فى قلوبهم كما قال بسورة الحجرات "ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم"،ويبين له أن من الذين هادوا وهم اليهود سماعون للكذب والمراد متبعون لحكم الكفر وفسرهم بأنهم سماعون لقوم أخرين لم يأتوه والمراد متبعون لحكم ناس سواهم لم يحضروا عند محمد(ص) وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه والمراد يبعدون أحكام الله وهى كتابه عن معانيها الحقيقية أى "يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب" كما قال بسورة آل عمران ويقولون لمتبعيهم :إن أوتيتم هذا فخذوه والمراد إن أبلغتم كلامنا هذا فاتبعوه وإن لم تؤتوه فاحذروا والمراد وإن لم تبلغوا به من محمد(ص) فلا تتبعوه،ويبين له أن من يرد الله فتنته والمراد من يشاء الله تعذيبه أى إضلاله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"ومن يرد الله أن يضله" فلن يملك له من الله شيئا والمراد فلن يمنع عنه من الله عذابا وبين له أن هؤلاء هم الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم والمراد الذين لم يشأ الله أن يزكى أى يرحم نفوسهم وعقابهم أنهم لهم خزى أى ذل أى عذاب فى الحياة الدنيا وهى الأولى مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولهم عذاب فى الحياة الدنيا " ولهم فى الأخرة وهى القيامة عذاب عظيم أى أليم مصداق لقوله تعالى بسورة المائة"ولهم عذاب أليم"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"سماعون للكذب آكالون للسحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضرونك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين"المعنى متبعون للكفر آخذون للحرام فإن أتوك فاقض بينهم أو تولى عنهم وإن تتولى عنهم فلن يؤذوك بشىء وإن قضيت فاقض بينهم بالعدل إن الله يثيب العادلين ،يبين الله لنبيه(ص) أن أهل النفاق وأهل التحريف سماعون للكذب أى مطيعون لما يقال لهم من الباطل وهم آكالون للسحت أى آخذون للمتاع الحرام و الكفار المذكورين إن جاءوه أى حضروا عنده للتقاضى فله الحق فى أن يحكم بينهم أى يقضى بينهم أو يعرض عنهم أى يتولى عنهم والمراد يمتنع عن الحكم بينهم ويبين له أنه لو أعرض عن الحكم والمراد لو امتنع عن الحكم بين الكافرين فلن يضروه بشىء والمراد فلن يصيبوه بأذى مهما كان صغيرا ويطلب منه إن حكم أى قضى بينهم أى يحكم بالقسط وهو العدل أى ما أنزل الله مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فاحكم بينهم بما أنزل الله"ويبين له أن الله يحب المقسطين والمراد أن الله يرحم العادلين وهم المتقين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران"فإن الله يحب المتقين".
"وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"المعنى وكيف يتقاضون عندك ولديهم التوراة بها قضاء الله ثم يعرضون من بعد حكمك وما أولئك بالمصدقين؟،يسأل الله رسوله (ص)كيف يجعلك اليهود قاضيا بينهم مع أن عندهم التوراة فيها حكم أى قضاء الله ثم يتولون أى يرفضون الحكم من بعد صدوره منك ؟والغرض من السؤال هو إخبار الرسول(ص)بأن غرض اليهود من التقاضى عنده خبيث لأنهم يعرفون حكم أى قضاء الله وهو الهدى أى النور فى التوراة مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور" والغرض الخبيث هو أن يقولوا للناس أن حكم محمد(ص)ليس من عند الله بدليل أنهم تولوا أى أعرضوا عن تنفيذه لما وجدوه يخالف ما عندهم واليهود ليسوا مؤمنين أى غير مصدقين بحكم الله أى كافرين مصداق لقوله تعالى بسورة المائدة"فأولئك هم الكافرون"والخطاب للنبى.
"إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"المعنى إنا أوحينا التوراة فيها علم أى حكم يقضى بها الرسل (ص)الذين أخلصوا للذين هادوا و أهل الرب أى العلماء بما علموا من حكم الله وكانوا به مصدقين فلا تخافوا الناس وخافون ولا تأخذوا بأحكامى متاعا فانيا ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل أى أوحى التوراة فيها هدى أى نور والمراد أى قضاء أى حكم الله كما فى الآية السابقة"وعندهم التوراة فيها حكم الله"والتوراة يحكم أى يقضى بها النبيون الذين أسلموا والمراد الرسل(ص)الذين أطاعوا حكم الله ويحكم بها الربانيون أى أهل دين الله وهو الرب وهم الأحبار وهم العلماء بدين الله وهم يحكمون بها للذين هادوا وهو اليهود ،والرسل والربانيون أى الأحبار يحكمون بما استحفظوا من كتاب الله والمراد يقضون بالذى علموا من حكم الله وهم شهداء عليه أى مقرين بأن التوراة من عند الله ،ويطلب الله من المؤمنين ألا يخشوا الناس والمراد ألا يخافوا أذى الخلق ويخشوه أى ويخافوه من عذابه لهم إن كفروا به وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"فلا تخافوهم وخافون"ويفسر الطلب بأن يطلب منهم ألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا والمراد ألا يتركوا طاعة عهد الله مقابل طاعتهم لدين يمتعهم بمتاع قصير الأمد مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"فلا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا" ويبين لنا أن من لم يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الكافرون أى الظالمون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"و"ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون".والخطاب أوله للنبى(ص)وما بعده للمؤمنين وهذا يعنى أنه آيتين محذوف بعض من كل منهما وصلتا هكذا بدليل عودة الآية التالية لذكر ما فى التوراة إكمالا لما قيل للنبى(ص)فى أول القول
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"المعنى وفرضنا عليهم فى التوراة أن قتل القاتل بقتله للقتيل وإصابة العين بإصابة العين وإصابة الأنف بإصابة الأنف وإصابة الأذن بإصابة الأذن وإصابة السن بإصابة السن والشقوق فى الجلد إتباع فمن عفا عنه فله دية له ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يبين الله لنا أنه كتب أى فرض أى أوجب على اليهود فى التوراة أن النفس بالنفس أى كما قال تعالى فى نفس البقرة"كتب عليكم القصاص فى القتلى"فالنفس بالنفس تعنى قتل الإنسان القاتل مقابل قتله للقتيل والعين بالعين والمراد إصابة العين بالأذى يقابله إصابة عين المصيب بنفس الأذى والأنف بالأنف والمراد وإصابة المنخار بالضرر يقابله إصابة منخار المصيب بنفس الضرر والأذن بالأذن والمراد وإصابة الأذن بضرر يقابله إصابة أذن المصيب بضرر مثله والسن بالسن تعنى إصابة الأسنان بضرر يقابله إصابة أسنان المصيب بنفس الضرر والجروح قصاص والمراد إحداث شقوق فى الجلد يقابله إحداث شقوق مثلها فى الجارح ،ويبين الله لنا أن من تصدق به أى من تنازل عن حقه فى القصاص فهو كفارة له والمراد له دية من المصيب مصداق لقوله بسورة البقرة"فمن عفى فله شىء من أخيه"ويبين لنا أن من يحكم أى يقضى بما أنزل أى أوحى الله فأولئك هم الظالمون أى الكافرون أى الفاسقون مصداق لقوليه بنفس السورة "فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الفاسقون".
"وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين"المعنى وأرسلنا على دينهم عيسى ابن مريم(ص) مؤمنا بالذى عنده من التوراة وأوحينا له الإنجيل فيه حكم أى علم ومؤمنا بالذى معه من التوراة ورشاد أى ذكر للمطيعين،يبين الله لنا أنه قفى على آثار الرسل والمراد أنه بعث على دين الرسل(ص)عيسى ابن مريم(ص)وهو مصدق بما بين يديه من التوراة والمراد مؤمن بما معه من التوراة أى مصدق بكل ما فى التوراة وأتاه الإنجيل والمراد وأعطاه كتاب الإنجيل فيه هدى أى نور والمراد حكم الله وهو الفرقان بين الحق والباطل والإنجيل يؤمن أى يطابق أى يشابه التوراة وهو هدى أى موعظة أى ذكر للمتقين مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وذكرا للمتقين"والمراد حكم الله والخطاب للنبى(ص) وما بعده.
"وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون" المعنى وليقضى أصحاب الإنجيل بالذى أوحى الله فيه ومن لم يقضى بالذى أوحى الله فأولئك هم الكافرون،يطلب الله من أهل وهم أصحاب الإنجيل أى النصارى أن يحكموا بما أنزل الله فيه والمراد أن يقضوا بالذى حكم الله فى الإنجيل حتى يكونوا حقا مؤمنين به ووضح لهم أن من لم يحكم بما أنزل الله والمراد أن من لم يقضى بالحق الذى أوحى الله فأولئك هم الفاسقون أى الكافرون أى الظالمون مصداق لقوله بنفس السورة"فأولئك هم الكافرون"و"فأولئك هم الظالمون". "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون"المعنى يا محمد(ص) وأوحينا لك القرآن بالعدل مشابها بالذى عنده من الوحى ومسلطا عليه فاقضى بينهم بالذى أوحى الله ولا تطع آلهتهم فتترك ما أتاك من العدل لكل شرعنا لكم حكما أى دينا ولو أراد الله لخلقكم طائفة واحدة ولكن ليختبركم فيما جاءكم فسارعوا للحسنات إلى الله عودتكم كلكم فيخبركم بالذى كنتم فيه تتنازعون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أنزل إليه الكتاب بالحق أى إنه أوحى له الذكر وهو حكم الله بالعدل مصداق لقوله تعالى بسورة النحل"وأنزلنا إليك الذكر"وقوله بسورة فاطر"والذى أوحينا إليك"وهو مصدق لما بين يديه من الكتاب والمراد وهو مؤمن أى مشابه أى مطابق للذى عند الله فى الكتاب أى الوحى السابق كله وهو مهيمن عليه أى مسلط عليه والمراد أن القرآن ناسخ لكل ما سبقه فى النزول من كتب فى الأحكام التى تخالف أحكامه ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل الله والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أوحى الله وينهاه فيقول :ولا تتبع أهوائهم عما جاءك من الحق أى لا تطع حكم شهوات الغافلين مبتعدا عن الذى أوحى لك من العدل مصداق لقوله بسورة الكهف"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا"،ويبين للناس أن لكل فرقة جعل شرعة أى منهاج والمراد أن لكل جماعة دين أى حكم يحكمون به سواء شرعه لهم أو شرعوه لأنفسهم ويبين الله للناس أنه لو شاء أى أراد لجعلهم أمة واحدة والمراد لخلقهم جماعة متفقة على دين واحد ولكنه لم يرد هذا والسبب أن يبلوكم فيما أتاكم والمراد أن يختبركم فى الذى أوحى لكم أتطيعونه أم تعصونه ويطلب منهم أن يستبقوا الخيرات أى يسارعوا لعمل الحسنات لينالوا رحمات الله مصداق لقوله تعالى بسورة الأنبياء"كانوا يسارعون فى الخيرات"ويبين لهم أن مرجعهم جميعا لله والمراد أن عودتهم هى لجزاء الله ثوابا أو عقابا وعند العودة ينبئهم بما كانوا فيه يختلفون والمراد يخبرهم عن الذى كانوا يعملون عن طريق إعطائهم الكتب المنشرة مصداق لقوله بسورة المائدة"فينبئكم بما كنتم تعملون"والخطاب للنبى(ص).
"وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون"المعنى وأن اقضى بينهم بالذى أوحى الله لك فإن عصوا فاعرف أنما يحب الله أن يعاقبهم ببعض سيئاتهم وإن معظم الخلق لكافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يحكم بين الناس بما أنزل إليه والمراد أن يقضى بين الخلق بالذى أراه الله فى القرآن مصداق لقوله تعالى بسورة النساء"لتحكم بين الناس بما أراك الله"ويبين له أنهم إن تولوا أى عصوا حكم الله فعليه أن يعلم أى يعرف أن الله يريد أى يشاء أى يحب أن يصيبهم ببعض ذنوبهم والمراد أن يعاقبهم على بعض جرائمهم ويبين له أن كثير من الناس فاسقون أى معظم الخلق كافرون لا يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة الرعد"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون" والخطاب للنبى(ص).
"أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"المعنى أفدين الكفر يريدون ومن أفضل من الله دينا لناس يؤمنون،يسأل الله أفحكم الجاهلية يبغون أى هل غير حكم الله يريدون مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"أفغير حكم الله أبتغى حكما"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن القوم يريدون تحكيم أديان الكفر وليس دين الله ويسأل :ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أى ومن أفضل من الله صبغة لقوم يؤمنون مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ومن أحسن من الله صبغة"وقوله بسورة الأنعام "لقوم يؤمنون"والغرض من السؤال هو إخبارنا أن حكم الله هو أفضل حكم للمؤمنين به والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين"المعنى يا أيها الذين صدقوا لا تجعلوا اليهود والنصارى أنصار لكم بعضهم أنصار بعض ومن يناصرهم منكم فإنه منهم إن الله يرحم القوم الكافرين ،يخاطب الله المؤمنين ناهيا إياهم عن إتخاذ اليهود والنصارى أولياء والمراد عن جعل اليهود والنصارى حلفاء أى أنصار لهم ويبين لهم سبب النهى وهو أن اليهود والنصارى أولياء بعض أى أنصار لبعضهم ومن ثم سيتفقون على المسلمين حتى يهزموهم ،ويبين لهم أن من يتولهم أى يناصر اليهود والنصارى فإنه منهم والمراد أنه على أديانهم والله لا يهدى القوم الظالمين والمراد لا يحب القوم الكافرين مصداق لقوله تعالى بسورة آل عمران "والله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم المكذبين بدينه والخطاب للمؤمنين.
"فترى الذين فى قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتى بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا فى أنفسهم نادمين"المعنى فتعرف أن الذين فى نفوسهم علة يتسابقون إليهم يقولون نخاف أن يمسنا سوء فعسى الرب أن يجىء بالنصر أو بعذاب لهم من لديه فيصبحوا بسبب ما أخفوا فى قلوبهم معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى أى يشاهد والمراد يعرف أن الذين فى قلوبهم مرض وهم الذين فى نفوسهم علة هى النفاق يسارعون أى يتسابقون فى تولى وهو مناصرة الكفار مصداق لقوله بنفس السورة"وترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا"والسبب فى توليهم كفار أهل الكتاب يدل عليه قولهم:نخشى أن تصيبنا دائرة والمراد نخاف أن يمسنا ضرر وهذا يبين لنا أن سبب مناصرتهم اليهود والنصارى هو خوفهم من أن يمسهم الأذى من الأخرين ،ويبين له أنه عسى أن يأتى بالفتح والمراد أنه سوف يحضر النصر للمسلمين أو أمر من عنده والمراد حكم من لديه هو العذاب الذى يستعجلونه مصداق لقوله بسورة النمل"عسى أن يكون ردف لكم بعض الذى تستعجلون "وساعتها سيصبح أهل النفاق نادمين على ما أسروا فى أنفسهم والمراد معذبين بسبب ما كتموه فى نفوسهم من النفاق والخطاب للنبى(ص)وما بعده .
"ويقول الذين أمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين"المعنى ويقول الذين صدقوا الوحى :أهؤلاء الذين حلفوا بالله قدر طاقاتهم إنهم لمنكم خسرت أفعالهم فأصبحوا معذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله يقولون لليهود والنصارى فى الأخرة:أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم والمراد هل المنافقون الذين حلفوا بالله قدر استطاعتهم إنهم لمعكم أى إنهم ناصريكم ؟والغرض من السؤال إخبار اليهود والنصارى أن المنافقين لا يناصرون أحد سوى أنفسهم ويبينون لهم أن المنافقين حبطت أعمالهم أى ضلت مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم "والمراد خسرت أفعالهم فأصبحوا خاسرين أى معذبين .
"يا أيها الذين أمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون فى الله لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله من يبعد منكم عن إسلامه فسوف يجىء الله بقوم يطيعونه ويرحمهم رحماء بالمصدقين أشداء على المكذبين يقاتلون فى نصر دين الله ولا يخشون فى الله قول قائل ذلك نفع الله يعطيه من يريد والله غنى خبير ،يبين الله للذين أمنوا وهم الذين صدقوا حكم الله أن من يرتدد منهم عن دينه والمراد من يرجع عن إسلامه إلى الكفر فإن الله سوف يأتى بقوم يحبهم ويحبونه أى كما قال بسورة محمد"إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم"فعدم كونهم مثل الكفار هو حبهم لله والمراد فسوف يحضر الله ناس يرحمهم دنيا وأخرة ويحبونه أى ويطيعون حكمه وهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ويفسرها قوله بسورة الفتح"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم"فأذلة تعنى رحماء وأعزة تعنى أشداء والمراد وهم رحماء بالمصدقين إخوانهم غليظين فى معاملتهم المكذبين بحكم الله وهم يجاهدون فى سبيل الله أى يقاتلون لنصر دين الله بكل الوسائل ولا يخافون فى الله لومة لائم والمراد لا يخشون فى دين الله قول قائل أى لا يهابون عتاب الناس لهم بسبب تمسكهم بدين الله ويبين لهم أن ذلك وهو أفعالهم السابقة الحسنة من فضل أى نفع أى رحمة الله يؤتيه من يشاء والمراد يختص به من يحب وهو من يطيع حكمه مصداق لقوله بسورة آل عمران"يختص برحمته من يشاء" وهو الواسع أى الغنى فى كل شىء العليم أى الخبير بكل شىء والخطاب للمؤمنين .
"إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"المعنى إنما ناصركم الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله الذين يطيعون الدين أى يتبعون الحق أى هم طائعون لحكم الله،يبين الله للمؤمنين أن وليهم وهو مولاهم أى ناصرهم هو الله والرسول(ص)والذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله وفى هذا قال تعالى بسورة آل عمران"بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"ويبين الله لنا أن إخواننا المناصرين لنا يقيمون الصلاة أى يتبعون الدين لقوله بسورة الشورى "أن أقيموا الدين"وفسرهم بأنهم يؤتون الزكاة أى يطيعون المطهر لهم من الذنوب وهو الحق وفسرهم بأنهم راكعون أى مطيعون لحكم الله والخطاب حتى ورسوله للمؤمنين وما بعده خطاب للنبى(ص)ولا صلة بينهما فهما جزءان من آيتين حذف من كل منهما بعضا .
"ومن يتول الله ورسوله والذين أمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" المعنى ومن يناصر الله ونبيه(ص)والذين صدقوا حكم الله فإن جند الله هم المنصورون ،يبين الله لنا أن من يتول أى يؤيد الله بطاعة حكمه والرسول(ص)بطاعة حكمه والذين أمنوا بالتعاون معهم على البر والتقوى فالنتيجة هى أن حزب الله وهم جنده مصداق لقوله بسورة الصافات"وإن جندنا لهم الغالبون"هم الغالبون أى المنصورون مصداق لقوله بنفس السورة"إنهم لهم المنصورون "وهذا يعنى انتصار المسلمين على عدوهم والخطاب للناس
"يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين" المعنى يا أيها الذين صدقوا بحكم الله لا تجعلوا الذين جعلوا إسلامكم سخرية أى لهوا من الذين أعطوا الوحى ممن سبقكم والمكذبين بحكم الله أنصار وأطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين بحكمه،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله ناهيا إياهم عن اتخاذ الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى قبل نزول القرآن وفيهم قال بنفس السورة"لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" والكفار وهم المشركين أولياء أى أنصار لهم وفيهم قال بسورة آل عمران"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء"والسبب هنا هو أنهم اتخذوا دين المؤمنين وهو آيات الله هزوا أى لعبا مصداق لقوله تعالى بسورة الكهف"واتخذوا آياتى وما أنذروا هزوا"والمراد أنهم جعلوا إسلام المؤمنين مجال لسخريتهم أى لعبثهم أى للهوهم ،ويقول لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ويفسره قوله بسورة الأنفال"وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"فاتقوا تعنى أطيعوا والمعنى أطيعوا حكم الله إن كنتم مصدقين به .
"وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون"المعنى وإذا دعيتم إلى طاعة الدين جعلوها عبثا أى سخرية والسبب أنهم ناس لا يفقهون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا نادوا للصلاة والمراد إذا دعوا إلى اتباع حكم الله اتخذ الكفار الصلاة وهى آيات الله هزوا أى لعبا أى سخرية وفى هذا قال بسورة الجاثية"وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا"والسبب هو أنهم قوم لا يعقلون أى لا يفقهون مصداق لقوله بسورة الأنفال"بأنهم قوم لا يفقهون"والمراد أنهم ناس يكذبون بدين الله والخطاب وما قبله للمؤمنين.
"قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن أمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وإن أكثركم فاسقون"قل يا محمد يا أصحاب الوحى السابق هل تغضبون علينا بسبب أننا صدقنا بوحى الله أى الذى أوحى الله لنا والذى أوحى من قبل وإن معظمكم كافرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق هل تنقمون منا إلا والمراد هل تكرهوننا إلا بسبب أن أمنا أى صدقنا بالله والمراد بوحى الله وفسر هذا بأنه ما أنزل لنا والمراد الذى أوحى لنا وما أنزل من قبل والمراد والذى أوحى للرسل(ص)من قبل ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن سبب كراهيتهم للمسلمين هو إيمانهم بالوحى كله ويقول وإن أكثركم فاسقون ويفسر قوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون "فالفاسقون هم الكافرون والمراد أن معظم أهل الكتاب مكذبون بحكم الله والخطاب وما بعده للنبى (ص) وهو موجه لأهل الكتاب.
"قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل"المعنى هل أخبركم بأسوأ من ذلك جزاء لدى الله من عاقبه الله أى عذبه وخلق منهم القردة والخنازير أجساما ومتبع الشيطان أولئك أسوأ مقاما أى أبعد عن رحمة الجنة ؟يطلب الله من النبى(ص)أن يقول لأهل الكتاب:هل أنبئكم أى أعلمكم بشر من ذلك مثوبة والمراد بأسوأ من المؤمنين جزاء عند أى لدى الله ؟والغرض من السؤال هو أن يخبرهم بأصحاب الجزاء السيىء وهم كما قال مجيبا:من لعنه الله وفسره الله بأنه من غضب عليه أى عاقبه أى عذبه وجعل منهم القردة والخنازير والمراد وخلق منهم من له أجسام القردة والخنازير وفسرهم بأنهم عبد الطاغوت أى ومتبع الشيطان والمراد ومطيع حكم الكفر وهؤلاء هم شر مكانا أى أسوأ مقاما أى هم فى النار وهم أضل عن سواء السبيل والمراد أبعد عن متاع الجنة وهذا يعنى أنهم لا يدخلون الجنة ويدخلون النار.
"وإذا جاءوكم قالوا أمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون"المعنى وإذا لقوكم قالوا صدقنا الوحى وقد أخفوا التكذيب وهم قد استمروا فيه والله أعرف بالذى كانوا يسرون ،يبين الله للمؤمنين أن المنافقين إذا جاءوهم أى لقوهم مصداق لقوله بسورة البقرة"وإذا لقوا الذين أمنوا قالوا أمنا"والمعنى قالوا صدقنا وحى الله وهم قد دخلوا بالكفر والمراد وهم قد أسروا التكذيب بحكم الله وهم قد خرجوا به والمراد وقد استمروا فى تكذيبهم لحكم الله بعد تركهم للمؤمنين ويبين لهم أنه أعلم بما كانوا يكتمون أى يسرون مصداق لقوله بسورة البقرة"إن الله يعلم ما يسرون"فالله أعرف بالذى كانوا يسرون وهو التكذيب وحى الله والخطاب للمؤمنين.
"وترى كثيرا منهم يسارعون فى الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون"المعنى وتعلم كثيرا منهم يتسابقون لعمل الكفر أى الظلم أى فعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يفعلون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى والمراد يعرف أن كثير من المنافقين يسارعون فى الإثم وفسره بأنه العدوان أى يتسابقون فى عمل الظلم وفسر هذا بأكلهم السحت أى فعلهم للباطل ويبين له أن بئس ما كانوا يعملون أى قبح الذى كانوا يصنعون من الأعمال الفاسدة مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يصنعون".
"لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون"المعنى لولا يزجرهم أهل الله أى العلماء عن قولهم الباطل وفعلهم الباطل فقبح الذى كانوا يعملون،يبين الله لنبيه(ص)أن كل من هو ربانى أى من أهل الرب وهو دين الله وفسرهم بأنهم الأحبار وهم العلماء بدين الله ينهى أى يزجر القوم عن قولهم الإثم وهو حديثهم الباطل وأكلهم السحت والمراد وعملهم الباطل ويبين له أنهم بئس ما كانوا يصنعون أى يعملون مصداق لقوله بسورة المائدة"لبئس ما كانوا يعملون"وهذا يعنى أن أفعالهم كلها سيئة قبيحة والخطاب وما قبله للنبى(ص).
"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين"المعنى وقال اليهود عطاء الله ممنوع عجزت أنفسهم وعوقبوا بما زعموا بل قدرته مطلقة يصرف كيف يريد وليحرفن كثيرا منهم ما أوحى لك من إلهك وزرعنا بينهم المقت أى الكراهية إلى يوم البعث كلما أشعلوا وقودا للقتال أذهبه الله ويسيرون فى البلاد ظلما والله لا يرحم الكافرين،يبين الله لنبيه(ص)أن اليهود قالوا:يد الله مغلولة أى قدرة الله على الإنفاق عاجزة وهذا يعنى عدم قدرته على إعطاء الرزق للخلق وهو قوله فى سورة آل عمران"إن الله فقير ونحن أغنياء"ويرد الله قائلا:غلت أيديهم والمراد هلكت أنفسهم وفسر هذا بأنه لعنهم بما قالوا أى عاقبهم على الذى قالوا بالهلاك وهو العذاب،ويرد قائلا:بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء والمراد إن عطاؤه سليم يعطى كيف يريد ويفسر هذا قوله بسورة الإسراء"وما كان عطاء ربك محظورا"فعطاء الله مستمر وليس محظور أى ممنوع لأنه لو كان كذلك لكان معناه أن هناك من هو أقوى من الله وهو يتحكم فيه ،ويبين له أنهم يزيد كثير منهم ما أنزل من الله طغيانا أى كفرا والمراد أنهم يضع كثير منهم فى الذى أوحى الله باطلا أى كذبا أى يحرفون الوحى مصداق لقوله بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"فيزيدون تعنى يحرفون والكلم هو ما أنزل الله،ويبين له أنه ألقى بينهم العداوة وهى البغضاء إلى يوم القيامة والمراد أغرى أى زرع بينهم بذرة الكراهية أى المقت إلى يوم البعث مصداق لقوله بسورة المائدة"وأغرينا بينهم العداوة والبغضاء"،ويبين له أن اليهود كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله والمراد كلما وضعوا وقود الخلاف بين الناس لكى يحدث القتال بينهم أذهب الله الخلاف فلا تقع الحرب وهم يسعون فى الأرض فسادا ويفسر هذا قوله بسورة الشورى"ويبغون فى الأرض بغير الحق"فالفساد هو غير الحق ويسعون تعنى يبغون والمراد أنهم يحكمون فى البلاد بالظلم والله لا يحب المفسدين أى الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين "والمراد أن الله لا يرحم الحاكمين بغير الحق والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"ولو أن أهل الكتاب أمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم "المعنى ولو أن أصحاب الوحى السابق صدقوا وأطاعوا الوحى لمحونا لهم ذنوبهم أى لأسكناهم حدائق المتاع ،يبين الله لنبيه(ص)أن أهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق لو أمنوا أى صدقوا بحكم الله واتقوا أى أطاعوا حكم الله لكفرنا عنهم سيئاتهم والمراد لتركنا عقابهم على جرائمهم وفسر هذا بأنه يدخلهم جنات النعيم والمراد يسكنهم حدائق المتاع الباقى
"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون"المعنى ولو أنهم أطاعوا التوراة والإنجيل والذى أوحى لهم من إلههم لرزقوا من أعلاهم ومن أسفل أقدامهم منهم جماعة مسلمة ومعظمهم قبح الذى يفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن أهل الكتاب لو أقاموا أى اتبعوا حكم الله فى التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم وهو ما أوحى لهم من إلههم وهو القرآن لحدث التالى أكلوا من فوقهم والمراد رزقوا من أعلاهم وهو السماء ومن تحت أرجلهم أى ومن أسفل أقدامهم وهو الأرض فالله يعطيهم البركات من السماء والأرض مصداق لقوله بسورة الأعراف"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض"،ويبين له أن من أهل الكتاب أمة مقتصدة أى قائمة مصداق لقوله بسورة آل عمران"من أهل الكتاب أمة قائمة"والمراد منهم جماعة مسلمة مطيعة لحكم الله وكثير منهم ساء ما يعملون أى قبح ما يحكمون أى حرم الذى يصنعون وهذا يعنى أن كثير منهم كافرون .
"يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدى القوم الكافرين"المعنى يا أيها النبى أوصل الذى أوحى لك من إلهك وإن لم تبلغ فما وصلت حكمه والله يحميك من الخلق إن الله لا يرحم الناس المكذبين ،يخاطب الله رسوله(ص)طالبا منهم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه والمراد أن يوصل الذى أوحى له من إلهه وهو القرآن ويبين له أنه إن لم يفعل أى إن لم يبلغ القرآن للناس فما بلغ رسالته والمراد ما وصل حكم الله للناس ويبين له أنه يعصمه من الناس أى يحميه من أذى الناس حتى يبلغ الرسالة والمراد يكف عنه أذى المكذبين مصداق لقوله بسورة الحجر"إنا كفيناك المستهزئين" ويبين له أنه لا يهدى أى لا يحب القوم الكافرين وهم الظالمين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الظالمين"والمراد أنه لا يرحم الناس المكذبين بحكم الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)
"قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل من ربك طغيانا وكفرا فلا تأسى على القوم الكافرين"المعنى قل يا أصحاب الوحى السابق لستم على دين الله حتى تطيعوا التوراة والإنجيل والذى أوحى لكم من إلهكم وليضيفن كثيرا منهم للذى أوحى من إلهك باطلا أى كذبا فلا تحزن على الناس المكذبين بحكم الله.
"قل يا أهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأسى على القوم الكافرين"المعنى قل يا محمد (ص)يا أصحاب الوحى السابق لستم على دين الله حتى تتبعوا حكم التوراة والإنجيل والذى أوحى إليكم من إلهكم وليضيفن كثيرا منهم فى الذى أوحى إليك من إلهك باطلا أى كذبا فلا تحزن على الناس المكذبين لحكم الله،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول لأهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق :لستم على شىء والمراد لستم على دين الله حتى تقيموا أى تطيعوا أى تحكموا التوراة والإنجيل وما أنزل أى والذى أوحى لكم من ربكم وهو إلهكم والمراد القرآن فهو يريد منهم تحكيم المنزل من عند الله تطبيقا لقوله بنفس السورة "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"،ويبين الله له أن كثير منهم سوف يزيدون ما أنزل إليه من ربه طغيانا أى كفرا والمراد سوف يحرفون الكلم عن مواضعه وفى هذا قال بسورة المائدة"يحرفون الكلم من بعد مواضعه"وهذا معناه أنهم سوف يضيفون لوحى الله الباطل وهو الكذب حتى يرتد الناس عنه ويطلب منه ألا يأسى على القوم الكافرين والمراد ألا يحزن على الناس الفاسقين الذين يكذبون وحى الله مصداق لقوله بسورة المائدة"لا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر"وقوله "فلا تأسى على القوم الفاسقين" والخطاب للنبى (ص)حتى وليزيدن ومنه موجها لأهل الكتاب وما بعده ليس موجها لهم وهذا يعنى أنهما آيتين حذف بعض منهما .
"إن الذين أمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من أمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"المعنى إن الذين صدقوا واليهود والطائعون والنصارى منهم من صدق بحكم الله ويوم القيامة وصنع حسنا فلا عقاب عليهم أى ليسوا يعاقبون،يبين الله لنبيه(ص) أن الذين أمنوا أى صدقوا برسالة محمد(ص)واليهود والصابئون وهم المتبعون للرسل(ص)الأخرين والنصارى منهم من أمن بالله والمراد صدق بوحى الله واليوم الأخر وهو يوم البعث وعمل صالحا أى وفعل حسنا أى صنع الحسنات ومن ثم لا خوف عليهم أى لا يمسهم السوء وهو العذاب مصداق لقوله بسورة الزمر"لا يمسهم السوء"وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعاقبون فى الأخرة وإنما يدخلون الجنة حيث النعيم والخطاب وما بعده موجه للنبى(ص).
"لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون"المعنى لقد فرضنا عهد أولاد يعقوب(ص)وبعثنا لهم أنبياء كلما أتاهم نبى بالذى لا تحب شهواتهم جماعة كفروا بهم وجماعة يذبحون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أخذ ميثاق والمراد فرض العهد على بنى إسرائيل وهو عبادة الله وحده وأرسل لهم رسلا والمراد وبعث لهم مبعوثين يبلغون رسالات الله فكانت النتيجة أنهم كلما جاءهم أى أتاهم رسول بما لا تهوى أنفسهم والمراد كلما أتاهم مبعوث بالذى تكره شهواتهم وهو الحق فريقا كذبوا أى جماعة من الرسل(ص)اكتفوا بالكفر بهم وجماعة يقتلون أى يذبحون بعد كفرهم بهم .
"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار"المعنى لقد كذب الذين زعموا أن الله هو المسيح ابن مريم(ص)وقال المسيح(ص)يا أولاد يعقوب أطيعوا الله إلهى وإلهكم إنه من يكفر بالله فقد منع الله عليه دخول الحديقة ومقامه جهنم وما للكافرين من أولياء ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم(ص)أى زعموا أن الإله هو المسيح(ص)قد كفروا أى كذبوا دين الله وقد قال المسيح(ص)يا بنى إسرائيل اعبدوا الله أى أطيعوا الله مصداق لقوله بسورة التغابن"أطيعوا الله"والمراد اتبعوا حكم الله ربى أى إلهى وربكم أى وإلهكم أنه من يشرك بالله أى أنه من يكفر بحكم الله فقد حرم الله عليه الجنة والمراد فقد منع الله عليه سكن الحديقة فى الأخرة ومأواه النار أى "ومأواه جهنم"مصداق لقوله بسورة الأنفال والمراد أن مكان وجوده فى الأخرة هو جهنم وما للظالمين من أنصار والمراد ليس للكافرين أولياء ينصرونهم أى ينقذونهم من عذاب الله مصداق لقوله بسورة الشورى"وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من الله"والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم" المعنى لقد كذب الذين قالوا إن الله هو الإله الثالث وما من رب إلا رب واحد وإن لم يمتنعوا عما يفترون ليصيبن الذين كذبوا منهم عقاب شديد أفلا ينيبون إلى الله أى يستعفونه والله عفو نافع ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين قالوا:إن الله ثالث ثلاثة والمراد أن الله هو أحد الآلهة الثلاثة الله وعيسى(ص)والروح القدس وفى قول مريم(ص) بدلا من الروح القدس قد كفروا أى كذبوا فى قولهم ويبين له أن ما من إله إلا إله واحد والمراد لا يوجد سوى رب واحد هو الله ويبين له أن النصارى إن لم ينتهوا أى يمتنعوا عما أى عن الذى يقولون أى يفترون على الله فسوف يمس الذين كفروا منهم عذاب أليم ويفسره قوله بسورة الأنعام"والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب "فكفروا تعنى كذبوا بآياتنا والمراد أنهم سوف يصيبهم العقاب الشديد ويسأل الله أفلا يتوبون إلى الله ويفسره قوله بسورة الصافات"أفلا تعقلون"والمراد أفلا يعقلون فيعودون إلى دين الله وفسره بأنهم يستغفرونه أى يطلبون العفو عن ذنوبهم بالرجوع إلى دين الله ويبين لهم أنه غفور أى عفو رحيم أى نافع لمن يتوب لله .
"ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الأيات ثم انظر كيف يؤفكون"المعنى ما المسيح ولد مريم(ص)إلا مبعوث قد مضت من قبله المبعوثين ووالدته مؤمنة كانا يتناولان الأكل فكر كيف نفصل لهم الأحكام ثم فكر كيف يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أن المسيح ابن أى ولد مريم(ص)ليس سوى رسول أى مبعوث من الله قد خلت من قبله الرسل والمراد قد مضت من قبله المبعوثين أى ماتوا وهو مات مثلهم فكيف يكون إلها إذا كان ميتا؟ويبين له أن المسيح(ص)وأمه وهى والدته(ص)الصديقة أى المؤمنة بحكم الله كانا يأكلان الطعام والمراد كانا يتناولان الأكل فهل من يأكل يكون إلها ؟ بالقطع لا ،ويطلب منه أن ينظر كيف يبين لهم الآيات والمراد أن يفكر كيف يوضح لهم الأحكام حتى يفهموا ويطلب منه أن ينظر كيف يؤفكون أى كيف يكفرون بها والغرض من الطلبات إخبار النبى(ص)أن القوم لن يؤمنوا لأن الأحكام واضحة مفهومة أمامهم ومع هذا لا يؤمنون بها ومن ثم لا داعى لتكرار دعوتهم والخطاب للنبى(ص).
"قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم"المعنى قل أتطيعون من غير الله الذى لا يقدر لكم على أذى أو فائدة ؟والله هو الخبير المحيط،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للنصارى:أتعبدون أى هل تتبعون من دون أى سوى الله الذى لا يملك أى لا يستطيع لكم إيذاء أو إفادة ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن المسيح(ص)ميت لا يقدر على إيذائهم ولا على رزقهم ومن ثم فهو ليس إلها حتى يعبدوه،ويبين لهم أن الله هو السميع العليم أى الخبير المحيط بكل شىء ويحاسب عليه والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للنصارى.
"قل يا أهل الكتاب لا تغلوا فى دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل"المعنى قل يا أصحاب الوحى السابق لا تقولوا فى حكمكم سوى العدل ولا تطيعوا أحكام ناس قد كفروا من قبل وأبعدوا عديدا غيرهم عن رحمة الله،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لأهل الكتاب وهم أصحاب الوحى السابق :لا تغلوا فى دينكم غير الحق والمراد لا تقولوا فى حكمكم سوى العدل وهذا يعنى ألا ينسبوا إلى الله الذى لم يقله فى الوحى ويقول:ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا والمراد ولا تطيعوا سبل الناس الذين قد انحرفوا عن الحق مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولا تتبعوا السبل"وهذا يعنى ألا يطيعوا أحكام أديان الناس الذين بعدوا عن الحق فى قولهم بوجود آلهة غير الله وهم قد أضلوا كثيرا أى صدوا الكثير عن دين الله مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف"وإنهم ليصدونهم عن السبيل" وهذا يعنى أن القوم قد أبعدوا العديد من الخلق عن دين الله بكذبهم على الله وهم قد ضلوا عن سواء السبيل والمراد قد بعدوا عن رحمة الله وهى جنته لإبتعادهم عن دين الله.
"لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون"المعنى ذم الذين كذبوا من أولاد يعقوب(ص)بكلام داود (ص)وعيسى ولد مريم(ص)ذلك بالذى خالفوا أى كانوا يكفرون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا من بنى إسرائيل لعنوا أى ذموا والمراد طلب لهم من الله العقاب على لسان أى بدعاء كل من داود(ص) وعيسى ابن مريم(ص) والسبب فى الدعاء هو ما عصوا أى ما كانوا يعتدون والمراد بسبب ما خالفوا دين الله أى كانوا يظلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف "بما كانوا يظلمون" والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).
"كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون"المعنى كانوا لا يتزاجرون عن شر صنعوه فقبح الذى كانوا يصنعون،يبين الله لنبيه(ص)أن كفار بنى إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه والمراد كانوا لا يزجرون بعضهم البعض عن السوء الذى عملوه وهذا يعنى أنهم لا ينصحون بعضهم بالبعد عن عمل السيئات فبئس ما كانوا يفعلون أى فقبح الذى كانوا يصنعون مصداق قوله بنفس السورة"لبئس ما كانوا يصنعون".
"ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفى العذاب هم خالدون"المعنى تعلم بعديد منهم يناصرون الذين كذبوا حكم الله فقبح ما عملت أيديهم أن غضب الله عليهم أى فى العقاب هم مقيمون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه يرى كثير من بنى إسرائيل يتولون الذين كفروا والمراد أنه يعرف أن العديد منهم يناصرون الذين كذبوا وحى الله على المسلمين ،وعملهم هو بئس ما قدمت لهم أنفسهم والمراد قبح الذى صنعت لهم أيديهم و هذا يعنى أن عملهم سيىء جلب عليهم سخط الله وهو عقابه أى غضبه مصداق لقوله بسورة الفتح"وغضب الله عليهم" وفسر هذا بأنهم فى العذاب وهو النار خالدون أى ماكثون أى مقيمون فيه مصداق لقوله بسورة الكهف"ماكثين فيه أبدا".
"ولو كانوا يؤمنون بالله والنبى وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون"المعنى ولو كانوا يصدقون بحكم الله ونبيه(ص)أى الذى أوحى له ما جعلوا الكفار أنصار لهم ولكن عديدا منهم كافرون،يبين الله لنا أن بنى إسرائيل لو كانوا يؤمنون بالله ورسوله والمراد لو كانوا يصدقون بحكم الله وهم حكم نبيه(ص)وفسره بأنه ما أنزل لنبيه والمراد الذى أوحى لمحمد(ص) ما اتخذوهم أولياء والمراد لو كانوا يصدقون القرآن ما جعلوا الكفار أنصار لهم من دون المؤمنين وهذا معناه أن الكثير وهو العديد منهم فاسقون أى كافرون أى مسرفون مصداق لقوله بسورة المائدة"ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون" والخطاب للمؤمنين.
"لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون "المعنى لتلقين أعظم الخلق كراهية للذين صدقوا اليهود والذين كفروا ولتلقين أفعلهم حبا للذين صدقوا الذين قالوا إنا نصارى بسبب أن منهم علماء أى فقهاء أى أنهم لا يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه يجد أشد الناس عدواة للذين أمنوا والمراد أنه يعلم أعظم الخلق كراهية للذين أسلموا هم اليهود والذين أشركوا أى كفروا بحكم الله ويجد أى يعلم أن أقربهم مودة للذين أمنوا والمراد أن أفعلهم حبا أى أن أعملهم لفائدة الذين صدقوا هم الذين قالوا إنا نصارى أى أنصار الله والسبب هو أن منهم قسيسين أى رهبان والمراد علماء بدين الله يؤمنون بما نزل عليك وفسر هذا بأنهم لا يستكبرون أى لا يستنكفون طاعة حكم الله المنزل عليه ومن ثم فالنصارى المحبين للمسلمين هم الذين أمنوا منهم وهم العلماء والخطاب للنبى(ص).
"وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا أمنا فاكتبنا مع الشاهدين"المعنى وإذا علموا الذى أوحى للنبى (ص)تشهد أعينهم تنزل من الدموع من الذى علموا من العدل يقولون صدقنا فأدخلنا فى المصدقين،يبين الله لنا أن الرهبان وهم القسس أى العلماء إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول والمراد إذا علموا بالذى أوحى إلى محمد(ص)ترى أعينهم تفيض من الدمع والمراد تشاهد عيونهم تذرف الدموع والسبب ما عرفوا من الحق والمراد الذى علموا به من وحى الله وهم يقولون أمنا أى صدقنا بوحى محمد(ص)فاكتبنا مع الشاهدين أى فأدخلنا الجنة مع المقرين به ،وهذا يعنى أن النصارى المحبين للمسلمين هم الذين يعلنون إيمانهم بما نزل على محمد(ص) والخطاب حتى الرسول جزء من آية أخرى لا صلة بينه وبين ما قبله وما بعده وهو للمؤمنين وما بعده بقية خطاب النبى(ص)فى القول السابق .
"وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين فأثابهم الله بما قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين"المعنى وما لنا لا نصدق بالله أى بالذى أتانا من العدل ونريد أن يسكنا إلهنا مع الناس المحسنين فجزاهم الله بالذى قالوا حدائق تسير فى أرضها العيون باقين فيها وذلك ثواب الصالحين،يبين الله لنا أن علماء النصارى قالوا:وما لنا لا نؤمن بالله والمراد وليس لنا إلا نصدق بالله وفسر التصديق بالله بأنه التصديق بما جاءنا من الحق والمراد بالذى أتانا من العدل من الله فالإيمان بالله هو الإيمان بوحيه ونطمع أن يدخلنا مع القوم الصالحين أى ونحب أن يتوفانا الله مع الأبرار وفى هذا قال بسورة آل عمران"وتوفنا مع الأبرار "فالصالحين هم الأبرار ومكان الدخول بعد الوفاة هو الجنة ولذا قال :فأثابهم بما قالوا والمراد وجزاهم على الذى قالوا جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها والمراد حدائق تسير فى أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة وهم خالدين أى ماكثين فيها أى باقين مقيمين بها وفى هذا قال بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"والجنات هى جزاء المحسنين أى المتزكين مصداق لقوله بسورة طه"وذلك جزاء من تزكى"والمراد ثواب الصالحين والخطاب وما بعده للنبى(ص) .
"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك هم أصحاب الجحيم"المعنى والذين عصوا أى خالفوا أحكامنا أولئك هم أهل النار،يبين الله لنا أن الذين كفروا وفسرهم بأنهم الذين كذبوا بآياتنا أى خالفوا أحكام الله أى سعوا فيها معاجزين مصداق لقوله بسورة الحج"والذين سعوا فى أياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم"والجحيم هو النار مصداق لقوله بسورة الأعراف"أولئك أصحاب النار".
"يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون "المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله لا تمنعوا النافعات التى أباح الله لكم أى لا تخالفوا الحق إن الله لا يرحم المخالفين واعملوا من الذى أعطاكم حسنا صالحا أى أطيعوا حكم الله الذى أنتم به مصدقون،يخاطب الله الذين أمنوا وهم الذين صدقوا وحى الله ناهيا إياهم عن تحريم الطيبات التى أحل لهم والمراد ناهيا إياهم عن إصدار أحكام تمنع الذى أباحه من الأعمال الصالحة وفسر هذا بألا يعتدوا أى ألا يخالفوا أحكام الله لأن الله لا يحب المعتدين أى "لا يحب الظالمين"كما قال بسورة آل عمران والمراد لا يرحم المخالفين لأحكامه ويطلب منهم قائلا:كلوا مما رزقكم حلالا طيبا والمراد اعملوا من الذى أوحى لكم عملا صالحا وفسر هذا بقوله:اتقوا الله أى "أطيعوا الله "كما بسورة التغابن والمراد أطيعوا حكم الله الذى أنتم به مؤمنون أى مصدقون والخطاب للمؤمنين.
"لا يؤاخذكم الله باللغو فى أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته عشرة مساكين من أوسط مما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم أياته لعلكم تشكرون"المعنى لا يحاسبكم الله على الباطل فى حلفاناتكم ولكن يحاسبكم بالذى تعمدتم الحلفانات فغفرانه تأكيل عشرة محتاجين من أعدل ما تؤكلون أصحابكم أو إلباسهم أو عتق عبد فمن لم يلق شيئا فصيام ثلاثة أيام ذلك غفران حلفاناتكم إذا أقسمتم واحموا حلفاناتكم كذلك يوضح الله لكم أحكامه لعلكم تطيعون ،يبين الله للمؤمنين أنه لا يؤاخذهم على اللغو فى أيمانهم والمراد لا يعاقبهم على الباطل غير المتعمد فى حلفاناتهم ويؤاخذهم على ما عقدوا الأيمان وهو ما كسبت قلوبهم مصداق لقوله بسورة البقرة"ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" والمراد يعاقبهم على ما تعمدت نفوسهم عند القسم وكفارة أى عقوبة القسم المتعمد هى إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم والمراد إحضار أكل لعشرة محتاجين للمال من الأكل العادل الذى يحضرونه لأسرهم أو كسوتهم والمراد شراء ملابس للعشرة مساكين أو تحرير رقبة أى عتق عبد أو أمة فمن لم يجد أى لم يلق مالا لفعل إحدى هذه العقوبات فالواجب عليه صيام ثلاثة أيام والمراد الإمتناع عن الأكل والشرب والجماع ثلاثة نهارات فهذه هى كفارة أيمانهم إذا حلفوا والمراد هى عقوبة أقسامهم إذا أقسموا متعمدين ويطلب الله منهم حفظ أيمانهم أى حمايتها من التعمد حتى لا يعاقبوا وبهذه الطريقة يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون والمراد يوضح لكم أحكامه لعلكم تعقلون مصداق لقوله بسورة البقرة"كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون"وهذا يعنى أن الله يوضح الأحكام لكى يطيعها المؤمنون والخطاب للمؤمنين وما بعده وما بعده وما بعده.
"يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"يا أيها الذين صدقوا حكم الله إنما المسكر والقمار والأصنام والتقسيمات شر من صنع الكافر فابتعدوا عنه لعلكم تفوزون،يبين الله للذين أمنوا أى صدقوا بوحى الله أن الأشياء التالية رجس من عمل الشيطان أى شر من عمل الكافر ولذا هى محرمة عليهم:
-الخمر وهى المغيبات التى تجعل الإنسان لا يدرى ما يقول أو يفعل .
-الميسر وهو المال الناتج من طريق اللعب بأى شىء فيكون هناك كاسب وخاسر.
-الأنصاب وهى الأصنام.
-الأزلام وهى التقسيمات المعتمدة على الحظ فيكون فيها كاسب وخاسر.
ومن ثم يطلب منهم أن يجتنبوها أى أن ينتهوا عنها والمراد ألا يعملوها والسبب حتى يفلحوا أى يفوزوا برحمة الله.
"إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"المعنى إنما تحب الشهوة أن تضع بينكم الكراهية أى المقت فى المخدر والقمار ويبعدكم عن طاعة حكم الله أى عن الدين فهل أنتم مبتعدون؟،يبين الله للمؤمنين أن الشيطان وهو الشهوة فى نفس الإنسان أى الكافر تريد أن توقع العداوة أى البغضاء بينهم والمراد تحب أن تصنع بينهم الكراهية وهى المقت فى الخمر والميسر والمراد تضع الخلاف بينهم بسبب المخدر المغيب للعقل والقمار وأيضا تصدهم عن ذكر الله والمراد وتبعدهم عن طاعة آيات الله مصداق لقوله بسورة القصص"ولا يصدنك عن آيات الله" وفسر الله الذكر بأنه الصلاة وهى الدين فشارب الخمر أو لاعب الميسر منشغلين عن الطاعة أولهما لأن عقله ليس موجودا والثانى منشغل بما كسبه أو خسره ومن ثم لا يطيعان الأحكام الواجبة عليهما ،ويسألهم الله فهل أنتم منتهون أى فهل أنتم مبتعدون عنهم ؟والغرض من السؤال إخبارنا بوجوب تجنب شرب الخمر ولعب الميسر.
"وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين"المعنى واتبعوا حكم الله أى اتبعوا الوحى المنزل على النبى(ص)أى خافوا عذاب الله فاتبعوا حكمه فإن عصيتم فاعرفوا أنما على نبينا الإعلام الواضح،يطلب الله من المؤمنين أن يطيعوا الله أى "اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم" والمراد أن يتبعوا الوحى المنزل من الله وفسر هذا بأن يطيعوا الرسول (ص)والمراد أن يتبعوا الوحى المنزل عليه وفسر هذا بأن يحذروا أى يخافوا عقاب الله فيطيعوا وحى الله ويبين لهم أنهم إن تولوا أى أعرضوا مصداق لقوله بسورة الشورى"فإن أعرضوا "والمراد إن عصيتم الوحى فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين والمراد فاعرفوا أن الذى على مبعوثنا الإعلام السليم وهذا يعنى أن واجب الرسول(ص)هو تحديث الناس بنعمة أى وحى الله مصداق لقوله بسورة الضحى"وأما بنعمة ربك فحدث " .
"ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وأمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين"المعنى ليس على الذين صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات عقاب فى الذى أكلوا إذا ما أطاعوا أى صدقوا حكم الله وفعلوا الحسنات أى اتبعوا وصدقوا حكم الله أى أطاعوا أى اتبعوا والله يرحم الطائعين،يبين الله للنبى(ص) أن الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات ليس عليهم جناح والمراد ليس عليهم عقاب فيما طعموا والمراد فى الذى أكلوا من أصناف الأكل إذا ما اتقوا أى أطاعوا حكم الله فى الأطعمة المحرمة وفسرهم بأنهم أمنوا أى صدقوا الوحى وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات وفسرهم بأنهم اتقوا وأمنوا أى أطاعوا الوحى وصدقوا الوحى وفسرهم بأنهم اتقوا أى أطاعوا الوحى وفسرهم بأنهم أحسنوا أى اتبعوا الوحى والله يحب المحسنين أى يرحم التوابين مصداق لقوله بسورة البقرة"إن الله يحب التوابين"والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا ليبلونكم الله بشىء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله ليختبركم الله ببعض من الصيد تصيبه أنفسكم وسلاحكم ليعرف الله من يخشاه بالخفاء فمن أذنب بعد ذلك منكم فله عقاب شديد،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله مبينا لهم أنه سوف يبلوهم أى يمتحنهم أى يختبرهم بالتالى:شىء من الصيد والمراد بعض من الحيوانات التى تصطاد تناله أيديكم ورماحكم والمراد يصيدونه بأنفسهم أو عن طريق سلاحهم وذلك فى أيام الحج والسبب أن يعلم الله من يخافه بالغيب والمراد أن يعرف الله من يخشى عذابه وهو مخفى عنه من الذى لا يخاف عذابه عن طريق عصيان النهى عن الصيد فى الحج ،ويبين له أن من اعتدى أى من خالف النهى عن الصيد بعد معرفته بحرمته أى من تولى مصداق لقوله بسورة آل عمران"فمن تولى بعد ذلك" له عذاب أليم أى عقاب مهين مصداق لقوله بسورة لقمان"أولئك لهم عذاب مهين" والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغا الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام"المعنى يا أيها الذين صدقوا وحى الله لا تذبحوا حيوانات الصيد وأنتم حجاج أو عمار للبيت الحرام ومن ذبحه منكم قاصدا فعقابه قدر ما ذبح من الأنعام يقضى به صاحبا قسط منكم عطاء واصلا الكعبة أو عقوبة تأكيل محتاجين أو قدر عددهم أيام صيام ليعرف عقاب مخالفته ،غفر الله ما مضى ومن رجع للصيد فيعذبه الله والله قوى صاحب عذاب،يبين الله للذين أمنوا أى صدقوا الوحى أن الصيد وهو قتل حيوانات البر حرام عليهم وهم حرم أى زوار للبيت الحرام حجاج أو عمار ويبين لهم أن من قتله منهم متعمدا والمراد أن من اصطاد الحيوانات منهم فى وقت الزيارة قاصدا الصيد فجزاءه مثل ما قتل من النعم والمراد فعقابه هو عدد ما اصطاد من الحيوانات من الأنعام يحكم به ذوا عدل والمراد يقضى به صاحبا قسط منكم وتكون الأنعام هديا بالغا الكعبة أى عطاء موصل للكعبة ليفرق على القانع والمحتاجين عددهم نفس عدد الحيوانات المصطادة أو تكون العقوبة وهى الكفارة تأكيل عدد من المساكين عددهم نفس عدد الحيوانات المصطادة أو تكون العقوبة عدل ذلك صيام والمراد قدر عدد الحيوانات المصطادة عدد أيام إمتناع عن الطعام والشراب والجماع والسبب فى هذه العقوبات أن يذوق وبال أمره والمراد أن يعرف عذاب مخالفته حتى لا يفعلها مرة أخرى ويبين لهم أنه عفا عما سلف أى ترك عقاب من اصطاد قبل نزول أمر تحريم الصيد فى وقت الزيارة وأما من عاد أى رجع لذنب الصيد فينتقم الله منه والمراد فيعاقبه الله على فعله والله عزيز أى قوى ذو انتقام أى صاحب عقاب لمن يخالفه.
"أحل لكم صيد البحر وطعامه وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذى إليه تحشرون"المعنى أبيح لكم حيوان الماء وأكله ومنع عليكم حيوان اليابس ما ظللتم زائرين للكعبة وأطيعوا حكم الله الذى إليه ترجعون،يبين الله للمؤمنين أنه أحل لهم صيد البحر وطعامه والمراد أباح لهم قتل حيوان الماء وطعامه أى وأكل ما فى الماء من الأصناف الأخرى وحرم عليهم صيد البر ما دمتم حرما والمراد ومنع عليكم قتل حيوان اليابس ما ظللتم زائرين للكعبة ،ويطلب منهم أن يتقوا الله أى يطيعوا حكم الله مصداق لقوله تعالى بسورة التغابن"وأطيعوا الله"والله هو الذى إليه يحشرون أى الذى إلى جزائه يرجعون مصداق لقوله تعالى بسورة البقرة"ثم إليه ترجعون"والخطاب للمؤمنين وما بعده
"جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدى والقلائد ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض وأن الله بكل شىء عليم واعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم "المعنى حدد الله الكعبة المسجد العتيق نفعا للخلق والشهر الممنوع والأنعام والصيد ذلك لتعرفوا أن الله يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض وأن الله بكل أمر خبير واعرفوا أن الله عظيم العذاب وأن الله نافع مفيد،يبين الله لنا أنه جعل أى حدد كل من:
الكعبة وهى البيت الحرام ،والشهر الحرام وهو الأربعة أشهر الممنوع فيها القتال التى تزار فيها الكعبة،والهدى وهى الأنعام المهداة للكعبة ،والقلائد وهى الأنعام التى هى عقاب للصائدين من زوار الكعبة قياما للناس والمراد نفع للبشر حيث لا قتال وطعام للمحتاجين وفرصة لحيوانات البر للتكاثر وكل هذا ينفع الناس ويبين الله أن ذلك وهو تلك التشريعات لنعلم أى لنعرف أن الله يعلم ما فى السموات وما فى الأرض والمراد يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض وفسر هذا بأن الله بكل شىء عليم والمراد أنه بكل أمر محيط مصداق لقوله بسورة النساء"وكان الله بكل شىء محيطا"ويطلب منا أن نعلم أنه شديد العقاب أى عظيم العذاب مصداق لقوله بسورة البقرة"وأن الله شديد العذاب"وأن الله غفور رحيم أى نافع مفيد لمن يطيع أحكامه.
"ما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون"المعنى ما على المبعوث إلى توصيل الوحى للناس والله يعرف الذى تعلنون والذى تسرون،يبين الله لنا أن الرسول(ص)وهو المبعوث واجبه البلاغ أى توصيل الوحى للناس ،ويبين أنه يعلم ما تبدون وما تكتمون أى "يعلم ما يسرون وما يعلنون"كما قال بسورة البقرة فتبدون تعنى يعلنون وتكتمون تعنى يسرون،وهذا معناه معرفته بكل شىء عن الناس ومن ثم سيجازيهم عليه والخطاب للمؤمنين.
"قل لا يستوى الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون"المعنى قل يا محمد(ص)لا يتشابه الكافر والمسلم فى الجزاء ولو استحسنت كثرة الكفار فأطيعوا حكم الله يا أهل العقول لعلكم ترحمون ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس لا يستوى الخبيث والطيب أى كما قال بسورة الحشر"لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة"فالخبيث وهو الكافر أى صاحب النار لا يتشابه فى الأجر مع الطيب وهو المسلم صاحب الجنة ،ويبين له أنهم لا يتساوون حتى لو أعجبته أى استحسنت نفسه كثرة الخبيث والمراد كثرة عدد الكفار لأن العدد لا يدل على الفريق الفائز ويقول"فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون"أى كما قال بسورة آل عمران "وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون"فاتقوا تعنى أطيعوا حكم الله وتفلحون تعنى ترحمون والمراد فاتبعوا حكم الله يا أصحاب العقول لعلكم ترحمون والخطاب للنبى (ص).
"يا أيها الذين أمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور رحيم"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله لا تستفهموا عن أمور إن تظهر لكم تغمكم وإن تستفهموا عنها حين يلقى الوحى تظهر لكم صفح الله عنها والله عفو نافع،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله ناهيا إياهم عن السؤال عن أشياء إن تبد لهم تسؤهم والمراد ينهاهم عن الإستفهام عن أمور إن تحدث لهم تغمهم وهى الآيات المعجزات التى كفرت بها الأقوام السابقة وفى هذا قال بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالأيات إلا أن كذب بها الأولون" ويبين لهم أنهم إن يسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لهم والمراد أنهم إن يستفهموا عنها وقت يوحى الوحى بها يتضح حكمها لهم ،ويبين لهم أنه عفا عن ذنوبهم أى غفر لهم سيئاتهم الممثلة فى أسئلتهم المسيئة ويبين لهم أنه غفور رحيم أى عفو عن المسيىء إذا تاب نافع له برحمته والخطاب وما بعده وما بعده للمؤمنين.
"قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين"المعنى قد استفهم عنها ناس ممن سبقكم ثم أصبحوا بها مكذبين،يبين الله للمؤمنين أن الأسئلة التى سألوها وهى طلب المعجزات قد سألها قوم من قبلهم والمراد قد طلبها ناس ممن سبقهم فلما أعطاهم الله إياها أصبحوا بها كافرين أى مكذبين مصداق لقوله بسورة الإسراء"وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون".
"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون"المعنى ما فرض الله لكم مشقوقة أذن ولا متروكة دون عمل ولا واصلة ولادة إناث ولا متروك دون عمل ولكن الذين كذبوا بحكم الله ينسبون إلى الله الباطل وأغلبهم لا يفهمون،يبين الله للمؤمنين أنه لم يجعل أى لم يفرض الأحكام التالية:
البحيرة وهى البهيمة المشقوقة الأذن ،السائبة وهى البهيمة التى تترك دون عمل أو انتفاع بها ،والوصيلة وهى البهيمة التى تصل بين ولادتها للإناث بعدد معين وولادتها لذكر وتترك دون انتفاع بها،والحام وهو ذكر البهيمة الذى ينجب قدر محدد فيترك دون انتفاع به والمراد بكلمة البهيمة هنا هو ذكر أو أنثى الأنعام وهذه التعريفات حسبما وصلنا من كتب التاريخ والحديث التى معظمها كذب ويبين الله لنا أن الذين كفروا أى كذبوا حكم الله يفترون على الله الكذب أى كما قال بسورة آل عمران"ويقولون على الله الكذب"والمراد أنهم ينسبون إلى حكم الله التشريعات الباطلة التى شرعوها من عند أنفسهم وأكثرهم لا يعقلون أى كما قال بسورة الأنبياء"بل أكثرهم لا يعلمون الحق"ويعقلون تعنى يعلمون الحق والمراد أن أغلب الكفار لا يؤمنون بحكم الله.
"وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه أباءنا أو لو كان أباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون"المعنى وإذا قيل لهم هلموا لطاعة الذى أوحى الله أى إلى طاعة النبى(ص)قالوا كافينا الذى لقينا عليه أباءنا أو لو كان أباؤهم لا يعقلون وحيا أى لا يعلمون ،يبين الله للمؤمنين أنهم إذا قالوا للكفار :تعالوا إلى ما أنزل الله أى اتبعوا الذى أنزل الله كما قال بسورة لقمان"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله"والمراد أطيعوا الذى أوحى الله وفسره بأنهم يأتون للرسول أى إلى طاعة الوحى المنزل على النبى(ص)قالوا حسبنا ما وجدنا عليه أباءنا أى "بل نتبع ما وجدنا عليه أباءنا"والمراد كافينا الذى لقينا عليه أباءنا من الدين ويسأل الله أو لو كان أباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون أى كما قال بسورة البقرة"ولو كان أباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"فيعلمون تعنى يعقلون والمراد هل يتبعون دين الأباء حتى ولو كانوا لا يفهمون حكم الله أى لا يطيعونه ؟والغرض من السؤال إخبار القوم أن أبائهم كانوا مجانين بإرادتهم حيث تركوا اتباع دين الله والخطاب للنبى(ص).
"يا أيها الذين أمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون"المعنى يا أيها الذين صدقوا حكم الله عليكم إنقاذ أنفسكم لا يؤذيكم من كفر إذا أسلمتم إلى جزاء الله عودتكم فيخبركم بالذى كنتم تفعلون،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا وحى الله مبينا لهم أن عليهم أنفسهم والمراد عليهم إنقاذ ذواتهم من النار بطاعة حكم الله ويبين لهم أن من ضل لا يضرهم إذا اهتدوا والمراد أن من كفر بحكم الله لا يؤذيهم عند الحساب بشىء إذا أسلموا أى ليس على المتقين شىء من حسابهم مصداق لقوله تعالى بسورة الأنعام"وما على الذين يتقون من حسابهم من شىء "،ويبين لهم أن مرجعهم إلى الله والمراد أن عودتهم إلى جزاء الله فينبئهم بما كانوا يعملون والمراد فيخبرهم بالذى كانوا يفعلون عن طريق تسليمهم الكتب المنشرة والخطاب للمؤمنين.
"يا أيها الذين أمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو أخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونها من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين"يا أيها الذين صدقوا حكم الله حكم عليكم إذا جاءت أحدكم الوفاة وقت الهبة الوفاة اثنان صاحبا قسط منكم أو أخران من سواكم إن أنتم سعيتم فى البلاد فمستكم مسة الوفاة تمسكونهما من بعد الصلاة فيحلفان بالله إن شككتم لا نأخذ به متاعا ولو كان صاحب قرابة ولا نخفى حكم الله إنا إذا لمن الكافرين ،يخاطب الله الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله طالبا منهم شهادة بينهم أى تنفيذ حكم الله عليهم إذا حضر أحدهم الموت والمراد إذا جاءت أحدهم الوفاة حين الوصية والمراد وقت الوصية وهى فرض مال لبعض الناس بعد الوفاة حضور اثنان ذوا عدل والمراد رجلان صاحبا قسط أى إسلام أى من المسلمين أو أخران من غيرهم والمراد رجلان من غير المسلمين وهذا فى حالة ضربهم فى الأرض أى سفرهم فى البلاد فإذا أصابتهم مصيبة الموت والمراد فإذا حدثت للموصى الوفاة فالواجب هو حبس الشهود بعد الصلاة والمراد استبقاء الشهود بعد صلاتهم إحدى الصلوات وبعد هذا يقسمان بالله والمراد يحلفان بالله فيقولان والله إن إرتبتم أى إن شككتم فى قولنا لا نشترى به ثمنا والمراد لا نأخذ بقولنا متاعا فانيا ولو كان ذا قربى أى صاحب قرابة لنا ولا نكتم شهادة الله والمراد ولا نخفى حكم الله الذى قاله الموصى إنا إذا من المجرمين،والمفهوم من هذا هو أن الشهادة لابد فيها من الطهارة والصلاة حتى يتذكر الشاهد عقاب الله فيقول الحق والخطاب وما بعده للمؤمنين.
"فإن عثر على أنهما استحقا إثما فأخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأولان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدى القوم الفاسقين"المعنى فإن استدل على أنهما ارتكبا جرما فأخران يشهدان مكانهما من الذين شهد عليهم الأولان فيحلفان بالله لقولنا أصدق من قولهما وما كذبنا إنا إذا لمن الكافرين ذلك أفضل أن يجيئوا بالقول على أصله أو يخشوا أن تأتى أقسام بعد أقسامهم وأطيعوا حكم الله أى اتبعوا والله لا يرحم الناس الكافرين ،يبين الله للمؤمنين أن إذا عثر أى لقى البعض براهين والمراد شهود أخرين يشهدون على أن الشاهدين استحقا إثما أى ارتكبا جريمة الشهادة الزور فالواجب هو أخران مقامهما أى شاهدان مكان المزورين ويشترط فى الشاهدان كونهما من الذين استحق عليهم الأولان والمراد من الذين كذب عليهما الشاهدان السابقان أى أثبتا تزوير الشاهدين الأولين وهم يقسمان أى يحلفان بالله فيقولان :والله لشهادتنا أحق من شهادتهما والمراد لقولنا أعدل من قولهما وما اعتدينا أى وما زورنا إنا إذا لمن الظالمين أى الكافرين أى الأثمين مصداق لقوله بنفس السورة "إنا إذا لمن الأثمين"وهذا يعنى أن شهادة الزور كفر،ويبين الله لنا أن ذلك وهو مجىء شهود بعد الشهود فى حالة العثور على أدلة تثبت كذب الأوائل منهم أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها والمراد سبب فى أن يجيئوا بالوصية على حقيقتها أى أحسن أن يقولوا القول على أصله ويخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم والمراد ويخشوا أن تجىء حلفانات بعد حلفاناتهم تكذب شهادتهم ،ويطلب الله منهم أن يتقوا الله وفسره بأن يسمعوا والمراد أن يطيعوا حكم الله مصداق لقوله بسورة التغابن"وأطيعوا الله"ويبين لهم أنه لا يهدى القوم الفاسقين أى لا يحب الناس الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"والله لا يحب الكافرين "والمراد أن الله لا يرحم الناس المكذبين بدينه.
"يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك علام الغيوب"المعنى يوم يبعث الله المبعوثين فيقول بماذا رد عليكم قالوا لا معرفة لنا إلا ما عرفتنا به إنك أنت عارف المجهولات ،يبين الله لنا أن يوم القيامة يجمع الله الرسل والمراد يبعث الله الأنبياء(ص)فيقول لهم أى يسألهم :ماذا أجبتم ؟والمراد بماذا رد الناس على دعوتكم؟فيردون :لا علم لنا أى لا معرفة لنا إلا ما كنا شهداء عليهم فيه مصداق لقوله بنفس السورة"وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم"إنك أنت علام الغيوب والمراد إنك أنت عارف المجهولات وهذا يعنى أنهم ينفون علمهم بما حدث بعدهم والخطاب وما بعده للمؤمنين حتى نهاية قصة عيسى(ص) .
"إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس فى المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذنى وإذ تخرج الموتى بإذنى وإذ كففت بنى إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين"المعنى وقد قال الله يا عيسى ولد مريم(ص)اعلم رحمتى بك وبأمك حين نصرتك بالروح الأمين تحدث الخلق فى الرضاع وكبيرا وحين عرفتك الوحى أى الحكم أى التوراة والإنجيل وحين تصنع من المعجون الترابى كشكل الطيور فتنفث فيه فيصبح طيورا بأمرى وحين تحيى الهالكين بأمرى وحين منعت أولاد يعقوب من ضرك حين أتيتهم بالأيات فقال الذين كذبوا منهم إن هذا إلا خداع عظيم ،يبين الله لنا أن الله قال لعيسى:يا عيسى ابن أى ولد مريم(ص)اذكر نعمتى عليك والمراد اعرف رحمتى بك وعلى والدتك أى ورحمتى لأمك إذ أيدتك بروح القدس والمراد حين نصرتك بجبريل(ص) فأقدرك على أن تكلم الناس فى المهد وكهلا والمراد أن تتحدث مع الخلق فى الرضاع وكبيرا وإذ علمتك الكتاب أى الحكمة والمراد الوحى وهو حكم الله المنزل فى التوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير والمراد وحين تصنع من مزج التراب بالماء كشكل الطيور فتنفخ فيه فيكون طيرا بإذنى أى فتنفث فيه بريح فمك فيصبح طيورا بأمر الله وإذ تخرج الموتى بإذنى والمراد وحين تحيى الهالكين بأمرى وإذ كففت عنك بنى إسرائيل إذ جئتهم بالبينات والمراد وحين منعت عنك أذى أولاد يعقوب لما أتيتهم بالأيات وهى الوحى والمعجزات فقال الذين كفروا أى كذبوا منهم :إن هذا إلا سحر مبين أى خداع كبير.
"وإذ أوحيت إلى الحواريين أن أمنوا بى وبرسولى قالوا أمنا واشهد بأنا مسلمون "المعنى وحين ألقيت إلى الأنصار أن صدقوا بحكمى أى حكم مبعوثى قالوا صدقنا واعترف بأنا مطيعون،يبين الله لنا أن من رحمته بعيسى(ص)أنه أوحى إلى الحواريين والمراد أنه ألقى فى نفوس أنصار عيسى(ص):أن أمنوا بى والمراد أن صدقوا بحكمى أى برسولى أى بحكم مبعوثى فكان ردهم:أمنا أى صدقنا واشهد بأنا مسلمون والمراد وأقر بأنا مطيعون لحكم الله.
"إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين"المعنى حين قال الأنصار يا عيسى ابن مريم(ص) هل يقدر إلهك أن يأتى لنا بمائدة من السحاب قال خافوا عذاب الله إن كنتم صادقين ،يبين الله لنا أن من رحمته بعيسى(ص)أن الحواريين وهم أنصار الله قالوا له:يا عيسى ابن أى ولد مريم(ص)هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء والمراد هل يقدر إلهك أن يعطينا خوان عليه طعام من السحاب ؟فرد عليهم قائلا :اتقوا الله أى خافوا عذاب الله إن كنتم مؤمنين أى مصدقين لحكمه،وهذا يعنى أنه يقول لهم أن الإيمان بحكم الله لا يحتاج لمعجزات.
"قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين "المعنى قالوا نحب أن نطعم منها وتسكن نفوسنا أى نعرف أن قد قلت لنا الحق ونصبح عليها من المقرين،يبين الله لنا أن الحواريين قالوا للمسيح(ص)نريد أن نأكل منها والمراد نحب أن نتناول منها الطعام وتطمئن قلوبنا والمراد وتمنع نفوسنا الشك فى رسالتك أى نعلم أن قد صدقتنا أى نعرف أن قد قلت لنا الصدق ونكون عليها من الشاهدين والمراد ونصبح لها من المقرين بها أى المعترفين بوجودها أى المؤمنين بها مصداق لقوله بسورة القصص"ونكون من المؤمنين".
"قال عيسى ابن مريم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وأخرنا وأية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين "المعنى قال عيسى ولد مريم(ص)إلهنا أعطنا خوان عليه طعام من السحاب يصبح لنا فرحا لسابقنا ومتأخرنا ومعجزة منك وارحمنا وأنت أحسن الواهبين،يبين الله لنا أن عيسى ابن أى ولد مريم(ص)قال أى دعا الله :ربنا أى إلهنا أنزل علينا مائدة من السماء والمراد أعطنا منضدة عليها طعام تحضر من السحاب تكون لنا عيدا والمراد تصبح لنا يوم فرح متكرر لأولنا وأخرنا والمراد لسابقنا وهو المسيح (ص)وأتباعه وأخرنا وهم المسلمون بعده وهو عيد الفطر وآية أى رحمة أى معجزة منك تدل على قدرتك وارزقنا وأنت خير الرازقين أى كما قال بسورة آل عمران"وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب "فارزقنا تعنى هب لنا أى أعطنا الرحمة وخير الرازقين هو الوهاب أى أحسن من يعطى الرحمة.
"قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين"المعنى قال الله إنى معطيها لكم فمن يعتدى بعد نزولها منكم فإنى أعاقبه عقابا لا أعاقبه أحدا من الناس،يبين الله لنا أنه أوحى لعيسى(ص)وحيا قال فيه:إنى منزلها عليكم والمراد إنى معطى المائدة لكم فمن يكفر بعد منكم أى "يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته"فيكفر تعنى يبدل إيمانه كفرا والمعنى فمن يكذب دين الله بعد نزول المائدة منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين والمراد أعاقبه عقابا لا أعقابه إنسانا من الناس وهذا يعنى أنهم سيكونون فى أسفل درجات النار
"وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك إنك أنت علام الغيوب"المعنى وقد أوحى الله لعيسى(ص):يا عيسى ابن أى ولد مريم(ص)هل أنت قلت للخلق :اعبدونى ووالدتى ربين من سوى الله قال طاعتك ما ينبغى لى أن أطلب الذى ليس لى بواجب إن كنت قلته فقد عرفته تعرف الذى فى قلبى ولا أعرف الذى فى ذاتك إنك أنت عارف المجهولات ،يبين الله لنا أنه قال أى سأل عيسى ابن مريم(ص):أأنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهين من دون الله والمراد هل أنت دعوت الخلق :اعبدونى ووالدتى ربين من غير الله ؟والغرض من السؤال هو أن يبين الله للنصارى أن المسيح(ص)لم يطالب الناس بعبادته هو وأمه أبدا فكانت الإجابة :سبحانك أى العبادة لك والمراد الطاعة لحكمك أنت وحدك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق والمراد لا ينبغى لى أن أطلب الذى ليس لى بعدل وهذا يعنى أنه ينفى أن الألوهية واجب على الخلق له وقال إن كنت قلته أى طالبت به الناس فقد علمته أى عرفته من قبل وهذا يعنى أنه لم يطلب هذا أبدا فى حياته وقال تعلم ما فى نفسى أى تعرف الذى فى قلبى وهذا يعنى أن الله يعرف نية القلوب مصداق لقوله بسورة ق"ونعلم ما توسوس به نفسه"ولا أعلم ما فى نفسك والمراد ولا أعرف الذى فى ذاتك وهذا يعنى أن لا أحد يعرف شىء عن ذات الله إنك أنت علام الغيوب أى إنك أنت عارف المجهولات وهذا يعنى أن الله يعرف الخفايا كلها.
"ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتنى كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شىء شهيد"المعنى ما طالبتهم إلا بالذى أوحيت لى أن أطيعوا حكم الله وكنت شاهدا عليهم ما ظللت معهم فلما أمتنى كنت أنت الشهيد عليهم وأنت على كل أمر مطلع،يبين الله لنا أن عيسى (ص)قال له:ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به والمراد ما تحدثت معهم إلا طالبا الذى أوحيت لى به وهو أن اعبدوا الله ربى وربكم والمراد اتبعوا حكم الرب إلهى وإلهكم وكنت عليهم شهيدا أى وكنت بأعمالهم عارفا ما دمت فيهم أى الوقت الذى عشت معهم فلما توفيتنى أى أمتنى كنت أنت الشهيد أى العارف لأعمالهم من بعدى وأنت على كل شهيد والمراد وأنت بكل أمر عارف من قبلى ومن بعدى.
"إن تعذبهم فهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" المعنى إن تعاقبهم فهم عبيدك وإن ترحمهم فإنك أنت القوى القاضى ،يبين الله لنا أن عيسى(ص)قال لله:إن تعذبهم فهم عبادك والمراد إن تعاقبهم على الكفر فهم خلقك وإن تغفر لهم أى وإن ترحم المؤمنين فإنك أنت القوى القاضى،وهذا يعنى إقراره أن الله يعاقب الكفار ويرحم المؤمنين لكونه عزيزا حكيما أى قاضيا يقضى بالحق،وهذا الحوار حدث بعد وفاة عيسى(ص).
"قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم"المعنى أوحى الله هذا يوم يفيد المؤمنين عملهم لهم حدائق تسير فى أرضها العيون مقيمين فيها دوما قبل الله عملهم وقبلوا رحمته ذلك النصر الكبير،يبين الله لنا أن الله قال لعيسى(ص)فى يوم القيامة:هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم والمراد هذا يوم يرحم المؤمنين عملهم الصالح فى الدنيا ،لهم أى ثوابهم جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير فى أرضها العيون ذات الأشربة اللذيذة خالدين فيها أبدا أى "ماكثين فيها أبدا"كما بسورة الكهف والمراد أنهم مقيمين فى الجنة دائما حيث لا إخراج منها وقد رضا الله عنهم والمراد وقد قبل الله منهم عملهم وهو دينهم أى إسلامهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"وهم رضوا عنه أى وهم قبلوا رحمة الله وهى جنته وذلك هو الفوز العظيم أى النصر الكبير مصداق لقوله بسورة البروج"ذلك الفوز الكبير"والمراد الرحمة الكبرى.
"لله ملك السموات والأرض وما فيهن وهو على كل شىء قدير "المعنى له حكم الذى فى السموات والأرض والذى فيهن وهو لكل أمر يريده فاعل،يبين الله لنا أن له ملك أى ميراث أى حكم السموات والأرض وما فيهن والمراد والمخلوقات التى تعيش فيهن مصداق لقوله بسورة آل عمران "له ميراث السموات والأرض"وهو على كل شىء قدير والمراد وهو لكل أمر يريده فاعل مصداق لقوله بسورة البروج"فعال لما يريد".
قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
دعوة للتبرع
المظلوم الظالم : هل ممكن أن يكون المظل وم ظالم ؟ ...
عجب الذنب والبعث: يقولو ن:إذا مات الإنس ان يفنى جميع جسده سوى...
سؤالان : السؤا ل الأول : النا س تدعو بالخي ر ...
الغمام: ما معنى ( الغما م ) فى القرآ ن الكري م ؟...
النسيان والغفران: أعاني من مشكله رهيبه وهي عدم قدرتي علي أن...
more