الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )

آحمد صبحي منصور Ýí 2024-12-04


الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )

 الفصل الثانى : عقائد التصوف فى ( الإحياء )

الغزالى فى الإحياء يقرر أفظع الكفر ( وحدة الوجود ) ( 2 )

الحلقة الثانية :

المزيد مثل هذا المقال :

مقدمة :

1 ـ أفظع الكفر أن تنكر وجود الله الذى ليس مثله شىء ، وتجعله هو الكون ، فالكون المخلوق هو الله ، والله هو الكون المخلوق ، بما يشمل كل المواد حتى القاذورات . ربما لم يخطر هذا الكفر على ذهن إبليس نفسه .

عندهم ( وحدة الوجود ) ببساطة تعنى أنه ( لا موجود إلا الله ) ، وأن الفارق بين الله والموجودات هى كالفارق بين البحر وأمواجه ، وأن الكون بما فيه ومن فيه هو ( فيض إلاهى ) جاء منه وهو هو ولا فارق أبدا . وهذا لا يراه إلا العارفون المكشوف عنهم الحجاب .

2 ـ هذا الكفر الحقير بدأ على إستحياء فى مقالات متفرقة قالها ( الجنيد ) ( 215 : 298  ) وهو عندهم ( سيّد الطائفة ) ، وأعلنها الحلّاج فكانت نهايته عام 309 . وجاء الغزالى ( 450 – 505) فنثرها فى كتابه ( إحياء علوم الدين ) الذى وضع فيه أركان دين التصوف السنى ، ثم أفرد لهذا الكفر الحقير كتابه ( مشكاة الأنوار ). وبعد أن قرّره الغزالى تجرأ بعده قبيل العصر المملوكى  ( محيى الدين إبن عربى ) ( 558 : 638 ) فكتب فيه بالتفصيل كتابه ( فصوص الحكم ) ونشره شعرا ( عمر الفارض ) ( 576 :  632) فى تائيته التى كانت أنشودة دينية فى عبادات وطقوس الصوفية .

أولا :

استخدم الغزالي مهارته في الفلسفة والمنطق في شرح عقيدة وحدة الوجود ، ولم يتورع عن المغالطة .

  • فهو أحيانا يجعل المخلوقات أفعالا لله ويخلط بين الأفعال والصفات الإلهية ثم يخلط بينها وبين الله ،وذلك كله كي يحقق وحدة الوجود بين الخالق والمخلوقات : يقول : ( فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره .. المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى ، أو ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله ، فمن عرف الأفعال من حيث أنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله ، فمن عرفها من حيث صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة سواه )[1] 

أي أنه قصر الوجود على الله تعالى وأفعاله واعتبر العالم الوجود الفعلى والحقيقى والوحيد ، ولا وجود له خارج هذا العالم ، إذ تتجلى فيه ذات الله باعتبار أن الفعل صفة لله. وتناسى أن صفات الله قائمة بذاته لا تنفصل عنه . لذا قال الله سبحانه وتعالى ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .الإخلاص1) أي في ذاته وصفاته ولم يقل ( كل هو الله واحد ) لأن ( أحد ) تمنع النظير في الذات والصفات معاً .

 والغزالى أحياناً يخلط بين المخلوقات المخلوقة بقدرة الله تعالى والقدرة كصفة إلهية ، ثم يخلط بين الصفة وذات الله تعالى يقول ،( وجميع موجودات الدنيا أثر من أثارة قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته ، بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود ، ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذات الله تعالى [2]

أي أن الموجودات هي قدرة الله ، وقدرة الله هي ذات الله فوجود الأشياء كلها من أنوار ذات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . ثم يخلط بين أفعال البشر وأفعال الله التي يجعلها صفات إلهية . ويرى ، أنها – أي الصفات – هي الأصل الذي تصدر عنه أفعال البشر المصلحين يقول ( والحداد يصلح آلات الحراثة والنجار يصلح آلات الحداد ، وكذا جميع أرباب الصناعات المصلحين لآلات الأطعمة ، والسلطان يصلح الصناع . والأنبياء يصلحون العلماء الذين هم ورثتهم ، والعلماء يصلحون السلاطين ، والملائكة يصلحون الأنبياء إلى أن ينتهي إلى حضرة الربوبية التي هي ينبوع كل نظام ومطلع كل حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف )[3] .

فهنا تدرج يبدأ بالحداد والنجار وينتهي بالله – وليس ثمة فارق في النوع عنده وإنما الفارق في الترتيب ، إذ كل الموجودات صدرت عن الله وأفعالها ترجع في النهاية إليه حسب عقيدة وحدة الوجود التي تجعل الجمال الإلهي يشمل كل الكائنات ويبدو فيها وتعبر عنه ، يقول ( وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والإبصار بظهوره )[4] .

  أي لأن الناس من غير الصوفية لا يقولون بهذا الرأي ولا يرون في مخلوقاته الظاهرة فقد خفي عنهم بشدة ظهوره في الموجودات ، وهم لا يرونه لأنهم محجوبون ، واستشهد الغزالي على ذلك بقول الشاعر الصوفي ) [5] .

   لقد ظهرت فما تخفي على أحد          

إلا على أكمه  لا يعرف  القمرا

   لكن بطنت بما أظهرت محتجباً

فكيف يعرف من بالعرف قد سترا

أما الصوفية فلا يرون في الوجود المادي والمعنوي، إلا الله ولا يرون الله إلا في هذا الوجود أو بتعبيره ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه، إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم ).[6]

  • ولأن عقيدة وحدة الوجود لا ترى فارقا نوعيا بين الله والمخلوقات فقد مثّل الغزالي لنظريته وبرهن عليها بما في مظاهر الكون من كثرة وتعدد في الشيء الواحد ليطبق ذلك على الله باعتباره مع الكون المخلوق وجوداً واحداً ..

ويقول عن الإنسان ( الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار ، وهذا كما أن الإنسان كثيراً إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه ، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول أنه إنسان واحد ، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً لا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روّحه وجسده وأعضائه ، والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق ، وكأنه في عين الجميع والملتفت إلى الكثرة في تفرقة ، فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة ، فهو باعتبار واحد ، وباعتبارات أخرى سواه كثير ).[7]

فهنا مقارنة بين الله والإنسان ، فكما أن الإنسان واحد لمن ينظر نظرة سطحية إلا أنه أيضا متعدد بأعضائه وجوارحه وخلاياه .. وكذلك يكون الله واحدا باعتبار وكثيراً باعتبار آخر .. هكذا يبرهن الغزالي على وحدة الوجود متناسياً أن الله سبحانه وتعالى قال له (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  .. الشورى 11).

ويقارن الغزالي بين أفعال الله وصفاته والشمس والماء ويقول: ( كما أن قوام نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ، ومهما انكشفت بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ، ويمكن النظر إليها ليكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها ، فكذلك الأفعال واسطة تشاهد فيها صفات الفاعل ، ولا ننبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنه بواسطة الأفعال )[8]

3 – ثم يتهرب الغزالي من الاستدلال على عقيدته بما جاء في كتاب الله ويعلن أن أسرار هذه العقيدة الدينية محظور أن تسجل في كتاب ، وأن من فعل ذلك فقد كفر ، ثم أنها لا تتعلق بالفقه وأحكامه الدنيوية : ( فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً ؟ فأعلم أن هذه غاية علوم المكاشفة ، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب ، فقد قال العارفون : إفشاء سر الربوبية كفر ، ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة [9] ) أي الفقه  .

أخيرا

بفضل الغزالى تمتعت عقيدة وحدة الوجود بمشروعية دينية فى العصر المملوكى وقد ساد فيه دين التصوف السنى الذى أرسى الغزالى دعائمه بكتاب الاحياء .

كان هناك انكار فى العصر المملوكى على ابن عربى وابن الفارض ، ولكن لم يصل الانكار مطلقا الى الغزالى فظل محتفظا بالتقديس وانه كما يزعمون حُجة الاسلام .

وابن تيمية الفقيه الحنبلى وأشهر الفقهاء فى العصر المملوكى هاجم أبرز  القائلين بوحدة الوجود وهو عفيف الدين التلمسانى ( ت 690 ) تلميذ ابن عربى . وفى عفيف الدين التلمسانى قال المؤرخ ابن كثير وهو من اتباع ابن تيمية : (نسبت إليه عظائم في الأقوال والأفعال والاعتقاد في الحلول والاتحاد والزندقة والكفر المحض ، هذا مع أنه عمل أربعين خلوة كل خلوة أربعين يوماً متتالية) [10] . وأنه ( لا يحرم فرجاً وإن عنده ما ثم ( أي ليس هناك ) غير ولا سوى ( أي لا يوجد غير الله ولا سواه فالله هو كل شئ ) بوجه من الوجوه ، وإن العبد إنما يشهد السوي ( أي غير الله من العالم ) إذا كان محجوباً ، فإذا انكشف حجابه ورأى أن ما ثم غيره ( أي غير الله ) تبين له الأمر ، ولهذا كان يقول " نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد " وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا : حرام علينا فقلنا حرام عليكم ") [11]

وقال عنه ابن تيمية ( هو من حُذّاق القائلين بالاتحاد علماً ومعرفة ، وكان يظهر المذهب بالفعل فيشرب الخمر ويأتي المحرمات ،وحدثني الثقة أنه قرئ عليه فصوص الحكم لابن عربي وكان يظنه من كلام أولياء الله العارفين فلما رآه يخالف القرآن قال : فقلت له : هذا الكلام يخالف القرآن فقال : القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلامنا ، وكان يقول : ثبت عندنا في الكشف ما يخالف صريح المعقول ، وحدثني عن من كان معه ومع آخر نظير له فمر على كلب أجرب ميت بالطريق عند دار الطعم فقال له رفيقه : هذا أيضاً هو ذات الله ؟ فقال : وهل ثم ( هناك ) شئ خارج عنها ؟ نعم الجميع في ذاته ) [12] ..فالتلمساني حلقة وصل ضرورية بين ابن عربي والصوفية .

ولم يعدم العصر المملوكي من وجود تلامذة للتلمساني ( قال أحدهم لرفيقه – وكان يمشي في الإسكندرية – إن الله تعالى هو عين كل شئ ، فمر بهما حمار فقال : وهذا الحمار ؟ فقال : وهذا الحمار !! فروّث الحمار من دبره فقال له : وهذا الروث ؟ فقال : وهذا الروث !! ) . وهذه قصة حقيقية وقعت في القرن التاسع [13] ..

 

 

 

 



[1]
 إحياء جـ 2 / 247 : 248 .

[2] إحياء جـ 4 / 370 .

[3] إحياء جـ4 / 104 .

[4] إحياء جـ 4 / 276 .

[5]  إحياء جـ 4 / 277 .

[6] إحياء جـ 2 / 236 .

[7] إحياء جـ 2/ 212 : 213.

[8] إحياء جـ 4 / 370 .

[9]  إحياء جـ 4 212 : 213 .

[10] تاريخ ابن كثير جـ 12 / 326 .

[11] شذرات الذهب جـ 5 / 412 .

[12] مجموعة الرسائل والمسائل جـ 1 / 145 .

[13] تاريخ البقاعي مخطوط : 123 .

اجمالي القراءات 251

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5124
اجمالي القراءات : 57,086,264
تعليقات له : 5,453
تعليقات عليه : 14,830
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي