أصحاب الكهف (تدبر ورؤية)
أصحاب الكهف (تفكّر ورؤية)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت.
كثيرا ما يتبادر إلى ذهنى هذا السؤال :
لماذا نحن المسلمين لم نسبق العلم بالتدبر فى القرآن الكريم ولو مرّة واحدة ؟ لماذا كلما واكبنا قفزة علمية نرجع إلى كتاب الله فنقول إننا وجدنا ما يشير إلى هذا الاكتشاف العلمى فى القرآن الكريم ؟
السبب في هذا هو وجود شعارات مقدسة عمرها مئات السنين ممنوع الاقتراب منها مثل (قد كفيتم) و (الإسلام دين اتباع) و (معلوم من الدين بالضرورة) و (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار). وغيرها كثير عندهم. رغم إنهم لا يتوقفون عن الحديث عن الاجتهاد وان الاجتهاد فرض بأمر الله ورسوله ولكن بشرط ألا تحاول أن تختلف مع ما اتفق عليه الفقهاء وما نسب إلى السلف الصالح. فالاجتهاد المحمود هو أن تقر بما هو موجود. ويتناسون قوله عز وجل أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها.
قصة أصحاب الكهف هى إحدى آيات الله ودلائل قدرته ولكن أسلوب ذكرها فى القرآن العظيم بكافة التفاصيل المرتبطة بالحدث والمؤثرة فيه الشىء الذى لم يتكرر فى سرد الآيات الكريمة الأخرى المماثلة مثل قوله جل وعلا فى الرجل الصالح الذى تعجب من البعث رغم ايمانه به (فاماته الله مائة عام ثم بعثه) سرد مختلف. وهذا الاختلاف فى السرد يجعل لآية أصحاب الكهف دلالات ومعانٍ خاصة دون غيرها من الآيات.
بدأت السورة الكريمة بحمد الله على نعمة القرآن.
ذكر الله الكهف (معرفاً) :" إذ أوى الفتية إلى الكهف". و"فأووا إلى الكهف" وذلك لأنه كهف محدد اختاره لهم رب العزة وساقهم إليه وهيأه لهم على أسس علمية وجعل له مواصفات هى فى حد ذاتها آية متفردة فقد قال العليم الخبير (وَتَرَى ٱلشَّمۡسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَٰوَرُ عَن كَهۡفِهِمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقۡرِضُهُمۡ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمۡ فِي فَجۡوَةٖ مِّنۡهُۚ ذَٰلِكَ مِنۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِۗ مَن يَهۡدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلۡمُهۡتَدِۖ وَمَن يُضۡلِلۡ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ وَلِيّٗا مُّرۡشِدٗا (17). أى أن أشعة الشمس تكون بعيدة عن مدخل الكهف ولا تدخله إلا بقدر بسيط وفقط عند الغروب حيث تكون حرارتها أقل ما يمكن. ثم انظر إلى قوله تعالى وهم فى فجوة منه أى أنهم فى كهف من داخل الكهف ليؤكد بعدهم عن تأثير الشمس لأن الفجوة (وهى المكان الفسيح) تكون الأكثر برودة.
وإذا تأملت قوله عز وجل (وترى الشمس) معناها أن من يقف خارج الكهف معطيا ظهره للباب يرصد أشعة الشمس سيشاهد المذكور فى الآية الكريمة إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. و معناها أنه فى الصباح والضحى تمر أشعة الشمس بميل مبتعدة عن مدخل الكهف متجهة إلى يمين المراقب وهذا يدل على أن مدخل الكهف يواجه الشمال الغربى.
هنا يجب أن نراجع سويا بعضا من حقائق علم الجغرافيا وهى أن الشمس تتعامد فقط على المدارات الثلاثة وما بينها وهم مدار السرطان شمالا ومدار الجدى جنوبا وخط الاستواء فى المنتصف. ولو تخيلنا أن هذا الكهف ذو الباب الشمالى الغربى فى اى مكان من المناطق المدارية فإنه بمجرد انتقال الشمس بعد الزوال من النصف الشرقى من السماء إلى النصف الغربى فإن أشعة الشمس ستبدا فى الدخول إلى الكهف وتزداد تدريجيا كلما تحركت الشمس إلى الغرب. أما إذا ابتعدنا عن المناطق المدارية شمالا أو جنوبا فإن الشمس لن تتعامد فى اى وقت من السنة وتكون اشعتها مائلة. وكلما اتجهنا شمالاً كلما زاد ميل أشعة الشمس وانخفضت درجات الحرارة. يقول رب العزة واذا غربت تقرضهم ذات الشمال. نستنتج من هذا أن الكهف يقع فى منطقة شمالية من الكرة الارضية وهى مناطق شديدة البرودة.
زمان ومكان أحداث القصة :
للاجابه على هذا التساؤل يجب أن تتدبر الحقائق الآتية:
أولا القصة لم تذكر فى التوراة ولا فى الأناجيل ومن هذا نستنتج ان هؤلاء الفتية كانوا مسيحيين آمنوا برسالة عيسى بن مريم عليه السلام وذلك لأنه لا توجد رسائل ولا يوجد انبياء ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام.
الحقيقة الثانية هى ان الإمبراطورية الرومانية الغربية لم تعتنق الديانة المسيحية إلا فى العام ٣١٣ من الميلاد وقد ذكر القرآن الكريم أن أصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ٣٠٩ سنة.
نستنتج من الحقائق السالف ذكرها أن الفتية أصحاب الكهف كانوا مسيحيين عاشوا فى الإمبراطورية الرومانية الغربية فى مطلع القرن الميلادى الأول وتعرضوا الإضطهاد فهربوا بحياتهم ودينهم إلى هذا الكهف الشديد البرودة الذى لابد انه يقع فى مكان مرتفع جدا فى الجانب الشمال الغربى لجبال الألب. وعندما عادوا إلى الحياة بعد هذه السنين كانت الإمبراطورية الرومانية الغربية قد اعتنقت المسيحيه بعد أن آمن بها الامبراطور قسطنطين وليسينيوس وجعلها الديانة الرسمية للامبراطورية وبالتالى تم تكريم هؤلاء الشباب.
هنا أكاد ألمح على إحساس القارئ الإجابة على سؤال ماذا حدث لهم فى خلال التلاثمائة وتسع سنين ؟؟ نعم يا سيدى لقد جُمِدوا ...تثلجوا.... لم يموتوا أكيداً لأن رب العزة جل وعلا لم يذكر هذا كما ذكر فى قصة العبد الذى تعجب من البعث فأماته الله مائة عام ثم بعثه.
التبريد والتجميد
السؤال التالى : هل يوجد فى القرآن الكريم ما يشير إلى أنهم تجمدوا خلال هذه السنين ؟
هيا نتدبر آيات الله جل وعلا فى بداية السورة الكريمةإِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةٗ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗا (7) وَإِنَّا لَجَٰعِلُونَ مَا عَلَيۡهَا صَعِيدٗا جُرُزًا (8) أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا (9)
الصعيد هو المرتفع من الأرض وجرزا أى أن الأرض ستصبح قاحلة مستوية خالية من معالم الحياة.
لكى يحدث هذا للأرض يلزم أن يتوفر أحد شيئين. أما كمية كبيرة جدا من والرمال وهذا غير متاح على الكوكب أو كمية كبيرة من الثلج.
لاعجب فقد بلغ سمك طبقة الجليد التى غطت الأرض (٥٠٠) متر فوق مستوى سطح البحر ، وبلغ سُمك جليدية الألب نحو (١٥٠٠) متر (منقول). وانظر إلى قوله جل وعلا (أم حسبت) مباشرة بعد قوله (صعيدا جرزا).. المعنى إن الله عز وجل يقول لنبيه أم هل تعتقد أن ما حدث لأصحاب الكهف كان له علاقة بهذه الحقيقة.
تأمل قوله جل وعلا (وتحسبهم ايقاظا وهم رقود ) معناها أنهم كانوا كتماثيل الثلج. ولا بد أن أجسامهم قد اتخذت اوضاعا لا تتيسر إلا للمتيقظ كأن تكون له ذراعا أو ساقا مرفوعة تشير إلى شىء ما أو أن تكون رأس أحدهم مرفوعة غير مستقرة على الأرض لأن هذه هى الحالة التى كانوا عليها وقت ان تجمدوا اى تثلجوا.
والمعروف أن الكلب ينام وذراعاه منثنيان عند الأكتاف والمرافق ووجود كلبهم باسط ذراعيه بمدخل الكهف يجعل من يراه يحسبه يقظا من هيئته حيث أنه تجمد أيضا.
وحين فسروا قوله تعالى (لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا) قالوا إن شعورهم ولحاهم قد طالت ونال منها الشيب وهذا يتنافى تماما مع التنزيل المحكم فى قوله عز وجل (وَكَذَٰلِكَ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِيَتَسَآءَلُواْ بَيۡنَهُمۡۚ قَالَ قَآئِلٞ مِّنۡهُمۡ كَمۡ لَبِثۡتُمۡۖ قَالُواْ لَبِثۡنَا يَوۡمًا أَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٖۚ). كذلك فإن اعتقادهم أن أحدهم يستطيع أن يتسلل إلى القرية ويبتاع الطعام دون أن يلفت إليه الانظار يؤكد أنه لم يحدث تغيير ملحوظ فى هيئتهم. اذن فما السبب فى الرعب والفرار منهم؟؟؟
الاطلاع يختلف عن الرؤية... فالاطلاع يكون بالنظر و اللمس والفحص المدقق. فماذا سيجد من يطلع عليهم ؟؟ سيجد أنهم فى ظاهرهم بشر أسوياء بكل الصفات البشرية ولكنه سيفاجأ بأنهم فى حالة صلبه قاسية باردة كالتماثيل الثلجية وهو ما يبعث على الرعب ويملأ القلوب بالفزع وبالتالى فإنه يلوذ بالفرار لأن الإنسان يخاف مما يجهله.
حفظ الحياة بالتبريد والتجميد معروف في مجالات كثيرة أما حفظ الأعضاء حية بحيث يمكن أن تستعيد نشاطها الحيوى من جديد فهو محدود الامكانية حتى الآن. حيث يمكن للكلى أن تظل صالحة للزراعة فى جسم المتلقى 36 ساعة بعد وفاة صاحبها الأصلى بينما يعيش الكبد من 4 إلى 16 ساعة فيما يبقى القلب صالحا للزراعة لفترة من 3 إلى 5 ساعات إذا حفظت فى مبردات بمواصفات خاصة بعد استئصالها من حديث الوفاة.
وقد نجحت محاولات تجميد الخلايا لسنوات فى درجات تصل إلى 80 درجه مئوية تحت الصفر ويوجد الآن بنوك لحفظ الحيوانات المنوية والبويضات والنطف الملقحة وخلايا الدم.
وما زال الطريق إلى تجميد الإنسان طويلا وهو ما يحلم به علماء الفضاء وعلماء الطب لتطبيقات خيالية حتى الأن. وهذه التصورات لن تخرج عن حيز الخيال العلمى وقد يبين لنا العليم القدير من خلال قصة أصحاب الكهف أن تجميد الإنسان والحيوان بحيث يمكن اعادته للحياة ممكن. قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الأنعام
معنى كلمة الرقيم : المكتوب فى كتب التفسير كثير وغير مقنع ولا يطمئن إليه القلب. قد يكون الرقيم صيغة مبالغة ويمكن أن يكون لها علاقة بالرقمنة (Digitalization )
غنىّ عن التعريف إن ذكر الكلب فى أحداث القصة هو تكريم له ورد على كذب أبو هريرة الذى اسهب فى الإساءة لهذا الحيوان الرائع من خلال الأحاديث الكاذبة لا لسبب إلا أنه يحب القطط فكان من المنطقى عنده أن يكره الكلاب.
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس
سيأتى وقت يظن الإنسان أنه قادر على أن يحل كل مشكلاته ويتغلب على جميع المستحيلات التى تنغص حياته من ظواهر طبيعية وأمراض مستعصية وانه لا يحتاج إلى الخلاق العليم الرزاق الحكيم فى شىء... وهنا ستكون النهاية
اجمالي القراءات
3547
ما أروع أن يوجّه المؤمن عقله وقلبه للقرآن الكريم متدبرا .. سيكتشف من روائعه ويستفيد ويفيد .
مقال رائع أشكرك عليه أخى د رضا عامر ، وأدعو الله جل وعلا أن يثيبك عليه خير الجزاء .