نقد كتاب الرد العلمي على منكري التصنيف
نقد كتاب الرد العلمي على منكري التصنيف
المؤلف عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم والكتاب يدور حول نسبة الناس إلى جماعات سنى وشيعى وإباضى ومعتزلى وقدرى ومرجىء وهو يعتبر أن كل من لم ينتسب إلى السنة فهو بدعى وهو ما نسميه فى عصرنا التكفير وفى هذا قال ابن برجس:
"التصنيف :
هل هو حق أم باطل وهل يصح التصنيف بالظن أم لا يصح ؟
وجواب هذه المسألة أن يقال إن التصنيف الذي هو نسبة الشخص الذي تلبس ببدعة إلى بدعته ونحو ذلك كنسبة الكذاب إلى كذبه وهكذا كل ما يتعلق بمسائل الجرح والتعديل.
نقول إن هذا التصنيف حق ودين يدان به، ولهذا أجمع أهل السنة على صحة نسبة من عرف ببدعة إلى بدعته، فمن عرف بالقدر قيل هو قدري، ومن عرف ببدعة الخوارج قيل خارجي، ومن عرف بالإرجاء قيل هو مرجئ، ومن عرف بالرفض قيل رافضي، ومن عرف بالتمشعر قيل أشعري، وهكذا معتزلي وصوفي وهلما جرا، وأصل هذا أن النبي (ص)أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثة وسبعين فرقة ، واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، ففيه دلالة على وجود الفرق ولا يتصور وجود الفرق إلا بوجود من يقوم بمعتقداتها من الناس، وإذا كان الأمر كذلك فكل من دان بمعتقد أحد هذه الفرق نسب إليه لا محالة.
وقد ذكر النبي (ص)مثالا لهذه الفرق وهم القدرية في قوله (ص): القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم .
والقدرية واحدهم قدري، فالنبي (ص)نسب أشخاصا من أمته سيأتون من بعده إلى القدر فصنفهم بالبدعة التي وقعوا فيها وهي إنكار القدر، مثالا آخر لتلك الفرق جاء على لسان رسول الله (ص)الخوارج واحدهم خارجي ، وقد أشار إليهم النبي (ص)في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر وهو (ص) لم يسميهم بالخوارج ولكن الصحابة ورد عنهم تسميتهم بذلك وتنزيل الأحاديث التي جاءت في الخوارج على الخوارج الذين وجدوا بعد النبي (ص)والأحاديث كثيرة منها ما جاء في المسند والسنن أن النبي (ص)قال: "سيكون في أمتي اختلافا وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرأوون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" قالوا: يا رسول الله ما سيماهم، قال: "التحليق". حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد واللالكائي وغيرهم وهو في السنن أيضا.
وقد أخرج مسلم وغيره عن بسر بن عمرو قال سألت سهل بن حنيف هل سمعت رسول الله (ص)يذكر الخوارج، فقال: سمعته وأشار بيده نحو المشرق قوم يقرأوون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، والحديث كما أنه في مسلم أيضا هو في البخاري وفي مسند الإمام أحمد.
وامتدادا لهذا المأثور جاءت أقوال السلف وأفعالهم في هذا الباب واضحة، فهم يثبتون هذه الفرق وينسبونها إلى بدعتها التي خرجت بها عن موجب الكتاب والسنة، ومن عرف بها من آحاد الناس نسبوه إليها وكل هذا منقول عنهم ومثبت في دواوين السنة لا يخفى على أهل العلم ولو كتب المرء في ذلك مجلدا كبيرا لما أحاط ببعض ذلك، وكتب السير والتراجم والمؤلفات الموصوفة بالسنة فيها شىء كثير من هذا الباب، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما جاء في صحيح مسلم عن يحيى بن يعمر قال: (كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني وفيه أنه لقي ابن عمر فقال له إنه قد ظهر أناس من قبلنا يقرأوون القرآن ويتعلمون العلم ، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، فقال ابن عمر: (إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني برئ منهم وأنهم براء مني)، وأولئك إشارة إلى الأشخاص الذين دانوا بالقدر أي دانوا بإنكار القدر فنسبوا إلى القدرية، وقد جاء عن أبي أمامة أنه تأول قول الله سبحانه وتعالى: " إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" تأولها في الخوارج، وكذلك جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد روي في ذلك أحاديث مرفوعة الى النبي (ص)وإن كان لا يثبت منها شيء، وقد جاء أيضا عن أبي أمامة في تأويل قول الله سبحانه وتعالى: " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " أنها في الخوارج.
وفوق هذا أن السلف ينسبون من تلبس بهذه البدعة ونحوها إليها، فنافع ابن الأزرق أحد رؤوس الخوارج كما هو معلوم وقد نسبه السلف إلي هذه البدعة ، بل قد كان اسمه في زمن من الأزمان عندهم علم أو علما على الخوارج ، فقد كانت طائفة من الخوارج تدعى بالأزارقة ، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد أن عبد الله بن أبي أوفى قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة ، حدثنا رسول الله (ص)أنهم كلاب النار، فقال الراوي عنه قلت له: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها، قال: بلى الخوارج كلها.
والأزارقة قد قتلوا في زمن عبد الله بن الزبير ورؤوس الخوارج وأمراؤهم الذين قاتلهم علي بن أبي طالب معروفون عند السلف ينسبون بأعيانهم إلى هذه البدعة ، كعبد الله بن وهب، وحرقوص بن زهير، وشريح بن أبي أوفى، وعبد الله بن صخبرة السلمي وغيرهم، ومثل هؤلاء أيضا السلسلة المشينة الجهم بن صفوان عن الجعد بن درهم عن أبان بن سمعان عن طالوت ابن الأعصم اليهودي فقد عرف أهل السنة خبث هذه السلسلة وحذروا منها ونسبوا كل من عرف بهذه الملة إلى مشيعها ومفشيها الجهم بن صفوان فقالوا جهمي وهكذا الحال في معبد الجهني وغيلان الدمشقي القائلين بالقدر وفي واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد أهل الأعتزال فكل هؤلاء وغيرهم كثير صنفهم السلف رضي الله عنهم وذكروا أسمائهم منسوبة إلى بدعهم دون نكير بينهم .
وأنت إذا أخذت جانبا آخر من هذا الباب وجدت كتب الجرح والتعديل مليئة بنسبة من دون أولئك إليهم ما داموا مشتركين معهم في نحلتهم ووجهتم وبصرف النظر عن ثبوت ذلك في حق من نسب إليه هذا الأمر أو عدم ثبوت ذلك ."
وكب هذا الكلام يعتمد على رواية كاذبة لم يقلها الرسول(ص) لأنها تنسب إليه العلم بالغيب الممثل فى انقسام الناس إلى بضع وسبعين فرقة وفى وجود الخوارج والقدرية والمرجئة وغيرهم وهو ما يتناقض أنه لا يعلم شىء من الغيب كما قال تعالى على لسانه:
" ولا أعلم الغيب "
كما أن الأمة لا تنقسم ولا يقال عليها أمتى لأنها أمة المسلمين كما قال تعالى :"
"وأن هذه أمتكم أمة واحدة"
والغريب فى كلام القوم هو :
ان التصنيف الذى اخترعوه ليس له وجود فى كتاب الله فلا يوجد فى كتاب الله ولا حتى فى الروايات السنية ما يسمى بأهل السنة والجماعة ولا حتى تسمية الشيعة
ومن ثم فهذا التقسيم والتسمية إذا اعتبرنا كتاب الله بدعة هى الأخرى لأنها تقوم على غير أساس حتى من الروايات السنية ومن ثم يكون من يسمى نفسه سنى مبتدع لأن التسمية لم ترد فى أى نص عن الرسول(ص) أو عن الصحابة
الله قسم الناس لمؤمنين وكفار أى مسلمين ومجرمين فقال مثلا :
" "فمنكم كافر ومنكم مؤمن"
وقال :
"أفنجعل المسلمين كالمجرمين"
إذا كل كلام ابن برجس خارج عن دين الله سواء عند من يقرون بالقرآن وحده أو حتى عند دراسى الحديث
فلا وجود لذلك التصنيف
وقال :
"المقصد أن أهل السنة فعلوا ذلك فإن ثبت فقد حصل المقصود وإن لم يثبت برء من نسب إليه ذلك.
أقول هذا لأن بعض من نسبوا إلى ذلك الأمر قد لا يثبت عنهم نسبتهم إلى تلك البدع وهذا كما قيل في الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب فقد قال عنه ابن حبان كان حريزي المذهب يعني أنه يرى رأي حريز بن عثمان الذي رمي بالنصب وقال ابن عيينة في إسماعيل بن سميع كان بيهسيا، وقال فيه ابن القطان كان صفريا وبهيتيا نسبة إلى أحد رؤوس الخوارج ينسب إليه طائفة منهم والبهيتية طائفة من الصفرية اتباع زياد بن الأصفر من الخوارج وهكذا يقول أحمد في سيف بن سليمان قدري وهلما جرا، تجد من هذا الكلام شيئا كثيرا في كتب السلف.
فثبت بجميع ما ذكر أن التصنيف حق أجمعت عليه الأمة فلا ينكره عاقل وكما أن أهل البدع ينسبون إلى بدعهم ليعرفوا فيحذروا فهكذا أهل الحق ينسبون إليه لا إلى غيره فليس لهم ألقاب تنم عن الخروج عن مقتضى الكتاب والسنة وما عليه سلف هذه الأمة، وهذا معنى قول الإمام مالك : (أهل السنة ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي) ذكره عنه ابن عبد البر في الانتقاء وسئل عن السنة فقال: (هي ما لا اسم له غير السنة وتلا قول الله سبحانه وتعالى: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" ."
وكلام الرجل على اجماع الأمة هو من ضمن مخالفة القرآن فالأمة قد تجمع على الضلالة وهو الخطأ كما أجمع الرسول(ص) والمؤمنين عبى براءة احدهم واتهام كافر بجريمة حتى نزل الوحى بتبرئة الكافر ناهيا النبى(ص) والمؤمنين عن الدفاع وهو الجدال عن المجرم فى قوله تعالى :
"ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
وقد أجمع اخوة يوسف(ص) على ضلالة وهى التخلص من يوسف(ص) وفى اجماعهم الضال قال تعالى :
"فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"
ومن ثم اجماع الناس لا يفيد حكما فى كتاب الله لأن الحكم لله وليس للناس كما قال تعالى :
" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
ولو كان الأمر كما يدعى ابن برجس وأمثاله أنه من قال أنى سنى سيدخل الجنة لوجب أن يدخل الجنة من قال أنى مسلم فليس الإسلام وهو الفرقة الناجية بقول يقوله أى واحد ومن ثم وعظ الله من يقولون ذلك القول فقال :
"ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا"
ثم ذكر ابن برجس قول ابن القيم فقال :
"يقول ابن القيم عندما ساق هذه الجملة عن الإمام مالك في كتابه مدارج السالكين : (يعني أن أهل السنة ليس لهم اسما ينسبون إليه سواها)، ويقول الثقة الثبت مالك بن مغول : (إذا تسمى الرجل بغير الإسلام والسنة فألحقه بأي دين شئت)، ويقول أيضا ميمون بن مهران : (إياكم وكل اسم يسمى بغير الإسلام)، ذكر هذين الأثرين ابن بطه في الإبانة الصغرى.
وكل هذه الآثار مأخوذة من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة ، الله تعالى في كتابه سمانا مسلمين ولذا جاء في حديث الحارث الأشعري في مسند الإمام أحمد "فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل"، وقد جاءت لهم تسميات في الشرع المطهر هي مرادفة لتسميتهم بالمسلمين كأهل السنة الذي دل عليه المقابلة بين البدعة والسنة في قول صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة"، ولذا يقول الإمام البربهاري : (اعلم أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام ولا يقوم أحدهما إلى بالآخر).
وكذلك يسمون بأهل السنة والجماعة لقول النبي (ص)عن الفرقة الناجية : "وهي الجماعة" أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث معاوية رضي الله تبارك وتعالى عنه ، ويسمون الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وكل هذه الأسماء قد قام الدليل عليها.
خلاصة القول أن التسمية إن كانت مطابقة للمسمى فذلك المراد، وإن لم تكن فإنها لا تفيد شيئا، فما قيمة التسمية بأهل السنة والجماعة بطائفة الأشاعرة ، لا شيء، وهكذا غير الأشاعرة إذا تسموا باسم أهل السنة والجماعة ولم يلتزموا عقائد وأصول أهل السنة والجماعة فهم ليسوا أهل سنة وجماعة ، وإن تسموا بهذا الاسم وإن تزينوا به .
والضابط في أهل السنة كما يقول عبد الرحمن السعدي : هو أن أهل السنة المحضة هم السالمون من البدع الذين تمسكوا بما كان عليه النبي (ص)وبما عليه أصحابه في الأصول كلها أصول التوحيد والرسالة والقدر ومسائل الإيمان، وغيرها
وغيرهم من خوارج ومعتزلة وجهمية وقدرية ورافضة ومرجئة ومن تفرع عنهم كلهم من أهل البدع الاعتقادية ( ذكر هذا الضابط في فتاويه ).
وقبله قرر هذا الأمر الإمام البربهاري بكلام أدق حيث يقول في شرح السنة يقول : (ولا يحل لرجل مسلم أن يقول فلان صاحب سنة حتى يعلم منه أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها).
فمن أثبت في القدر اعتقاد أهل السنة والجماعة ولم يثبته في الأسماء والصفات، أو أثبت الأسماء والصفات ولم يكن على عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الإيمان ومرتكب الكبيرة ونحو ذلك فكيف يسمى من أهل السنة والجماعة ؟؟؟.
إذن فمن كان على الصفات التي ذكرها عبد الرحمن السعدي والبربهاري نسبناه إلى أهل السنة وصنفناه مع أهلها وهكذا كان عمل السلف الصالح
فظهر بهذا الموجز واستبان مشروعية نسبة الناس إلى عقائدهم، فمن كان من أهل السنة فهو سني ومن كان من أهل البدع والأهواء فهو منهم . أشعريا كان أو معتزليا أو مرجئيا أو خارجيا أو رافضيا وهكذا .
إذا تبين هذا، فإن هذا الباب باب قد طرقه أهل العلم عمليا ونظريا في قديم الزمان وفي حديثه، ولعلنا قد قدمنا من العملي ما يتضح به المقصود ."
وكل هذا الكلام من ابن برجس وأمثاله فى القديم والحديث ليس مستند إلى كتاب الله ولا حتى إلى الروايات فكما سبق القول لا توجد تسمية أهل السنة لا فى القرآن ولا فى الروايات ومن ثم فكل من قال أنه من أهل السنة والجماعة مبتدع مثله مثل أى مبتدع أخر
فالتسمية فى كتاب الله هى المؤمنين والمسلمين ومنها المتقين والصابرين والشاكرين وغيرها ومن ثم لا توجد تسمية واحدة
ومن ثم لا يوجد سنة ولا شيعة ولا إباضية ولا قدرية ولا غيرهم فى الوحى وإنما التسمية مسلمين أو كفار
وأما حكاية وصف أهل الجرح والتعديل للرجال بأوصاف قدرى ومعتزلى وغيره فى قول ابن برجس التالى :
"أما النظري فأهل الاختصاص ، أهل الجرح والتعديل قد اعتنوا به وأوسعوه بحثا فبينوا حكمه في الشرع وذكروا قواعده ، فتصنيف الناس ونسبتهم إلى عقائدهم ونحلهم وصفاتهم من حيث الحكم ومن حيث القواعد، ليس علما مخترعا وليس علما جديدا بل هو علم الجرح والتعديل الذي لا ينقطع من هذه الأمة ما بقي الليل والنهار .
فمن رام أن يطفئ نور هذا الفن ، لخاطر حزبه أو خوفا على محبوبيه المجروحين فقد ضل وأضل وشقي وأشقى "
فالرد عليه إذا إبراهيم (ص) كافر لأنه قال " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله"
فالرجل معتزلى
وحتى الرسل والمؤمنون مرجئة لأنهم يرجون الله كما قال تعالى :
" أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته"
وحتى
ومن ثم لا يجب أن نأخذ كلام أيا كان حتى أنا بالتصديق طالما لا يوجد عليه دليل من القرآن
ومن ثم تصنيف الناس يكون حسب كلام الله مؤمن وكافر أو مسلم وكافر وليس معتزلى وقدرى ومرجىء وسنى وشيعى وما شاكل ذلك
وتحدث عن كون التصنيف حماية لدين الله فقال :
"فتصنيف الناس بحق وبصيرة حراسة لدين الله سبحانه وتعالى، وهو جند من جنود الله سبحانه وتعالى ينفي عن دين الله جل وعلا تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وزيغ المبتدعين ومكر الخوارج المارقين وسائر الفرق المنشقة عن صفوف أمة الصادق الأمين (ص).
فالتصنيف رقابة تترصد ومنظار يتطلع إلى كل محدث فيرجمه بشهاب ثاقب لا تقوم له قائمة بعده، حيث يتضح أمره ويظهر عوره ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) ، وما ظننا يوما من الأيام أن معاول أهل الأهواء المتثلمة وعصيهم المتشققة ستصل إلى هذا المبلغ البعيد الشأو فيضربوا بها حرس الدين وجنده ويعتدوا على باب من أعظم أبواب العلم وهو باب الجرح والتعديل باب التصنيف؛ ليزيلوه من هذه الأمة خوفا على ،أسيادهم ،وبنائهم "
وبالقطع التصنيف لا يحمى الدين لأن الدين محمى بواسطة الله كما قال تعالى:
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وتحدث الرجل عن التصنيف وهو جاهل بما فى كتب من ينسبهم إلى السنة فقال :
"[فالتصنيف ]من معاول أهل السنة والجماعة التي بحمد الله جل وعلا لم تفتر ولن تفتر في إخماد بدع أهل البدع والأهواء وفي كشف شبههم وبيان بدعهم حتى يحذروا وحتى تعرفهم الأمة فتكون يدا واحدة على ضربهم ونبذهم والقضاء عليهم .
والعجب أن يخرج أناس ينتسبون إلى السنة ، [يجعلون] التصنيف لهم جائز على كل الوجوه وعلى ما يشاءون ويختارون، أما غيرهم فهو في حقهم من الموبقات السبع !!!، فهم يصنفون من شاؤوا بهواهم ولا يرضون تصنيف آخرين من أهل البدع لمجرد هواهم أيضا .
أما إذا صنف أهل الحق أحد أسيادهم ومتبوعيهم بحق وبرهان غضبوا غضبا وسكروا أبواب التصنيف وأبواب الجرح والتعديل في وجوههم !!!!.
فخذ على ذلك مثالا يضحك ويبكي ، الكل منا يعرف الصابوني وأنه أشعري المعتقد ولما أخرج تفسيره الصفوة وانتشر في الأقطار تصدى له كثير من أهل العلم وفقهم الله تعالى وبينوا عواره وكشفوا مخبآته وحذروا الناس من اقتناء هذا التفسير ومن التعويل عليه لما هو منطوي عليه من تأويل أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته .
فلما جاء السيد قطب وسلطت أضواء أهل الحق على تفسيره فأخرجوا ما عنده من تأويل لأسماء الله تعالى وصفاته، ومن تخبيط في أبواب المعتقد كلها، وذكروا ما تفوه به في حق بعض الصحابة ، وذكروا أيضا ما تلفظ به لسانه وكتبه قلمه من سوء الأدب مع بعض أنبياء الله جل وعلا ، لما ذكروا ذلك ثار ثائرت بعض القوم فشنعوا وجدعوا وقالوا إن كتبه نافعه طيبة ويجب قراءتها .
فقلي بربك أيها المنصف فما الفرق بينه وبين الصابوني الذي فعل به ذلك الرجل ما فعل( !!)
ما هو الفرق عند أهل العلم والإيمان ، أنا أقول إن الصابوني أحسن حالا بمئات المرات من مثل سيد قطب ، فالصابوني يتكلم بطريقة أهل العلم الذين سبقوا ، كالصاوي والنسفي والجلالين ونحوهم .
أما هذا فهو قد جاء بأسلوب مخترع مبتدع في تفسير كتاب الله جل وعلا لم تكن عليه الأمة من قبل، وأسلوبه وطريقته مشوبة بالأفكار الضالة التي كان يعتنقها والتي كانت بعيدة عن الإسلام بعدا كاملا .
ولكن الكلام لم يفرق بين هذا وذاك ، وما هو السر ؟ !!
إلا لأجل أن هذا هو قائد الطريقة وهو شيخ الطريقة ؛ فلذا حرمته حرمة تفوق كل حرمة، فينسب كل الناس إلى البدع والتمشعر والاعتزال والجهمية ونحو ذلك، أما هذا فقفوا قد حرم الكلام عليه، وقد سيج بسياج من حديد فلا يخلص أحد إليه .
وهذا تناقض مشين ولعب بقواعد الدين، فالواجب الإنصاف والتخلي عن الأغراض والأهواء والمطامع والنزعات الحزبية العرقية في مثل هذا الباب العظيم، فالمسلم الصادق العالم المحق هو الذي يمشي على وتيرة واحدة ولا يتلون في دين الله سبحانه وتعالى .
إذن فهذا العلم علم الجرح والتعديل يجب الرجوع فيه إلى أهله ، السالمين من الهوى المتجردين في أحكامهم، أهل الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى، لا يرجع فيه إلى أصحاب الحظوظ النفسية والتقلبات والتلون في دين الله سبحانه وتعالى.
ولأجل استيفاء حق هذا الموضوع أو استيفاء بعض حقوقه فأنا اختصر على إيراد كلام للعلامة السخاوي ذكره في كتابه فتح المغيث وهذا الكلام يتناول أربعة عناصر .
العنصر الأول: أهمية علم الجرح والتعديل، ومعرفة الثقات من الضعفاء .
والثاني: التحذير من إعمال الهوى وحظوظ النفس في هذا الباب الخطير .
والثالث: كون الأمة بحاجة ماسة إلى هذا العلم، وبيان الأدلة من الكتاب و السنة عليه.
الرابع: رد الشبه ، أو رد بعض الشبه التي ترد على هذا الباب .
مثل قول بعضهم إن الأمة في هذه الأزمنة المتأخرة لا تحتاج إلى تصنيف الناس وتعديلهم وتجريحهم؛ لأن هذا إنما يحتاج إليه في علم رواية الحديث والآن لا حاجة إلى ذلك إذ لا رواة يوجدون في هذه الأيام!!! ، ولو وجدوا أيضا قبل هذه الأيام لم يكن هناك فائدة من الكلام عليهم؛ لأن الدواوين قد دونت وقد تكلم في رجالها بما فيه الكفاية. فمثل هذه الشبه سوف يكشفها في كتابه الآنف الذكر فتح المغيث، وهو قد أيضا توسع في ذلك في كتابه ( الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ) فمن شاء فليرجع إليه ونحن الآن نقرأ إن شاء الله ما تيسر من كلامه أو مقتطفات من كلامه .
يقول وهو يشرح ألفية العراقي يقول : ( واحذر أيها المتصدي لذلك الجرح والتعديل المقتفي فيه أثر من تقدم من غرض أو هوى يحملك كلا منهما على التحامل والانحراف وترك الإنصاف أو الإطراء والافتراء؛ فذلك شر الأمور التي تدخل على القائم بذلك الآفة منها والمتقدمون سالمون منه غالبا منزهون عنه لوفور ديانتهم، بخلاف المتأخرين فإنه ربما يقع ذلك في تواريخهم وهو مجانب لأهل الدين وطرائقهم ، فالجرح والتعديل خطر لأنك إن عدلت بغير تثبت كنت كالمثبت حكما ليس بثابت فيخشى عليك أن تدخل في زمرة من روى حديثا وهو يظن أنه كذب، وإن جرحت بغير تحرز أقدمت على الطعن في مسلم برىء من ذلك ووسمته بميسم سوء يبقى عليه عاره أبدا) .
يقول: ومع كون الجرح والتعديل خطرا فلا بد منه ـ هذا أيضا مبحث آخر مهم وهو تعين هذا الفن على جماعة من الأمة ـ ومع كون الجرح والتعديل خطرا فلا بد منه نصح في الدين لله ورسوله ولكتابه وللمؤمنين حق واجب يثاب متعاطية إذا قصد به ذلك سواء كانت النصيحة خاصة أو عامة وهذا منه لقول الإمام أحمد وهذا منه –يعني من العراقي يعني هذا التقرير ـ وهذا منه لقول الإمام أحمد لأبي تراب النخشبي حين عذله عن ذلك بقوله لا تغتب الناس قال أحمد: (ويحك هذه نصيحة وليست غيبة)، وقد قال الله تعالى : ( وقل الحق من ربكم) ، وأوجب الله الكشف والتبيين عن خبر الفاسق بقوله: ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) .
وقال النبي (ص)في الجرح: "بئس أخو العشيرة"، وفي التعديل "إن عبد الله رجل صالح" إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة في الطرفين، ولذا استثنوا هذا من الغيبة المحرمة وأجمع المسلمون على جوازه بل عد من الواجبات للحاجة إليه وممن صرح بذلك النووي والعز بن عبد السلام ولفظه في قواعده القدح في الرواة واجب لما فيه من إثبات الشرع ولما على الناس في ترك ذلك من الضرر في التحريم والتحليل وغيرهما من الأحكام ، وكذلك كل خبر يجوز الشرع الاعتماد عليه والرجوع إليه وجرح الشهود واجب عند الحكام عند المصلحة لحفظ الحقوق من الدماء والأموال والأعراض والأبضاع و الإنساب وسائر الحقوق، وتكلم في الرجال كما قال الذهبي جماعة من الصحابة ثم من التابعين ...
إلى أن قال بعد أن سرد أسماء المتكلمين في الرجال ـ قال: (ولقد أحسن الإمام يحيى بن سعيد القطان في جوابه لأبي بكر بن خلاد حين قال له: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصمائك عند الله يوم القيامة، قال: لأن يكونوا -أي: المتروكون - خصماء لي أحب إلي من كون خصمي المصطفى (ص)إذ لم أذب -أي: أمنع الكذب عن حديثه وشريعته ـ
ثم قال السخاوي: فإن قيل ـ وهذه شبهة لا بد من الإنتباه لها ـ فإن قيل قد شغف جماعة من المتأخرين القائمين بالتأريخ وما أشبه كالذهبي ثم شيخنا ـ يعني ابن حجر ـ بذكر المعايب ولو لم يكن المعاب من أهل الرواية وذلك غيبة محضة ولذا تعقب ابن دقيق العيد ابن السمعاني في ذكره بعض الشعراء وقدح فيه بقوله:
إذا لم يضطر إلى القدح فيه لرواية لم يجز، ونحوه قول ابن المرابط قد دونت الأخبار وما بقي للتجريح فائدة بل انقطعت من رأس الأربعمائة، ودندن هو وغيره ممن لم يتدبر مقاله لعيب المحدثين بذلك .
قلت: ـ هذا الآن الرد على هذه الشبهة وعلى من قالها ـ قلت: الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة ولا انحصار لها في الرواية ـ العلة في ذلك كونها نصيحة والحكم يدور مع علته ـ قلت: الملحوظ في تسويغ ذلك كونه نصيحة ولا انحصار لها في الرواية فقد ذكروا من الأماكن التي يجوز فيها ذكر المرء بما يكره ولا يعد ذلك غيبة بل هو نصيحة واجبة، أن تكون للمذكور ولاية لا يقوم بها على وجهها إما بأن لا يكون صالحا لها، وإما بأن يكون فاسقا أو مغفلا أو نحو ذلك، فيذكر ليزال بغيره ممن يصلح، أو يكون مبتدعا أو فاسقا ـ يعني المذكور في الطعن أو يكون المذكور بما يسميه أولئك غيبة ـ أو يكون مبتدعا أو فاسقا ويرى من يتردد إليه للعلم ويخاف عليه عود الضرر من قبله ببيان حاله، ويلتحق بذلك المتساهل بالفتوى، أو التصنيف أو الأحكام أو الشهادات أو النقل أو المتساهل في ذكر العلماء أو في الرشاء والإرتشاء إما بتعاطيه له، أو بإقراره عليه مع قدرته على منعه، وأكل أموال الناس بالحيل والافتراء أو الغاصب لكتب العلم من أربابها أو … بحيث تصير ملكا أو غير ذلك من المحرمات، فكل ذلك جائز أو واجب ذكره ليحذر ضرره، وكذا يجب ذكر المتجاهل بشىء مما ذكر ونحوه من باب أولى.
قال شيخنا -يعني ابن حجر-: ويتأكد الذكر لكل هذا في حق المحدث هذا بيان لمن يقوم بهذا الأمر فليس كل أحد يتصدى لهذا الباب ويقوم به وإنما هو للمحدثين لأهل العلم بألفاظ الجرح والتعديل وبالقواعد التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله تعالى وثنوها في هذا الباب ونحو ذلك ، فهو لا يجوز إلا لمن توفرت فيه الشروط التي نص عليها أهل العلم في القائمين بالجرح والتعديل ، ويتأكد الذكر لكل هذا في حق المحدث لأن أصل وضع فنه بيان الجرح والتعديل فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق أو المتصف بشيء مما ذكر ـ يعني ببدعة أو نحو ذلك ـ مما ذكر فهو ـ انتبه هنا أحد ثلاثة رجال يكون ـ يقول : الحافظ فمن عابه بذكره لعيب المجاهر بالفسق أو المتصف بشيء مما ذكر فهو جاهل أو ملبس أو مشارك له في صفته فيخشى أن يسري إليه الوصف .
انتهى ما أردنا نقله في هذا المقام ولعل به يكتفى عن الإطالة والتوسع في ذكر من يحق له الجرح والتعديل وما شابه ذلك من المباحث التي قد تطول في مثل هذه الخلاصة."
وكل هذا الحديث يدل على أن الرجل يجهل أن كل واحد من كبار علماء السنة متهم بالخروج على السنة من خلال مسألة أو أكثر فابن تيمية واحد من أكابر أهل السنة متهم بأنه قال فى الذات الإلهية ما يخالف مذهب أهل السنة فهل هو الأخر مبتدع
وحتى ابن حجر قيل أنه أشعرى مع أن للأشعرية ينتسبون للسنة ولكن بعض السنة ينفون عن الأشعرية النسبة وقد ألفوا كتاب البدور السافرة فى نفى انتساب ابن حجر إلى الأشاعرة ؟
وما كتب رد أهل السنة على بعضهم البعض فى بعض المسائل إلا دليل على أنه لا يوجد اتفاق على السنة على كل المذهب
وأهل السنة أيا كانوا ومثلهم الشيعة وغيرهم كل فريق داخله اختلافات بين العلماء الكبار وحتى الصغار فيه ومن ثم لا يوجد مذهب متفق عليه تماما بين الجميع
والغريب أن ابن برجس يقول بالتصنيف على الظن فى قوله :
"الشق الثاني من السؤال : وهو هل يصنف بالظن ؟ .
فنقول : إن الظن الذي هو الشك في اللغة ليس كله مذموما كما أنه ليس ممدوحا كله، فمنه ما هو مذموم ومنه ما هو ممدوح، يقول الله سبحانه وتعالى: ( إن بعض الظن إثم ) وقد سمى الله سبحانه وتعالى الظن علما في مواضع من كتابه كما في قوله سبحانه وتعالى: ( فإن علمتموهن مؤمنات) ، وكما في قوله جل وعلا ( وما شهدنا إلا بما علمنا) ، أما قول الله جل وعلا: ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا) فإن المراد هنا الظن الذي يعارض العلم وهو ظن المشركين أن شركهم صحيح بدليل قوله ( لا يغني من الحق شيئا ) وهذا يدل على أنه ظن غير الحق ، فخرج بذلك أنه حيث يذم الظن فيراد به الشك المساوي دون الغالب الراجح.
وليعلم أن أكثر أحكام الشريعة العملية مبنية على الظن الغالب الراجح ، يعرف ذلك أهل العلم وطلابه، بل أكثر قواعد الشرع مبينة على ذلك كما في قاعدة المصالح والمفاسد فإنها مبنية على الظنون ، وقد عرف أهل العلم أن الظن المعتبر ثلاث مراتب ظن في أدنى المراتب وظن في أعلاها وظن متوسط ، كما قرر ذلك العز بن عبد السلام ، وفائدة هذا التقسيم هو الرجوع عند الاختلاف إلى أعلى الظنون دون متوسطاتها وأدناها وإذا تعارض المتوسط مع الأدنى قدم المتوسط وهكذا .
إذا تبين هذا فإننا نقول ماذا يراد بالتصنيف بالظن ؟؟
إن كان الشك المساوي فلا يصح ذلك وعليه ينزه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث".
وإن كان الظن المعتبر في الشرع وهو الغالب الراجح فهذا يصنف به ولا ريب عند أهل العلم رحمهم الله تعالى، ولذلك لو تأملت طريقة السلف في باب الجرح والتعديل والكلام في أهل البدع تراهم يعتبرون الظن .
فمثلا بعضهم يقول : من أخفى علينا أو عنا بدعته لم تخفى علينا ألفته ، يعني أننا نعرفه من خلال من يجالس وإن لم يظهر البدعة في أقواله وأفعاله .
وقد قال يحيى بن سعيد القطان : لما قدم سفيان الثوري البصرة وكان الربيع بن صبيح له قدر عند الناس وله حظوة ومنزلة فجعل الثوري يسأل عن أمره ويستفسر عن حاله فقال: " ما مذهبه؟ " قالوا : " مذهبه السنة " قال : " من بطانته ؟ " قالوا : "أهل القدر" قال : " هو قدري " وقد علق ابن بطة على هذا الأثر بقوله : رحمة الله على سفيان الثوري : " لقد نطق بالحكمة فصدق، وقال بعلم فوافق الكتاب والسنة، وما توجبه الحكمة ويدركه العيان ويعرفه أهل البصيرة والبيان قال الله جل وعلا: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم " ."
ومع هذا الكلام عن أن الظن لا يعمل به طبقا للقرآن والروايات إلا أن ابن برجس يعترف أن أقوال العلماء فى التصنيف مبنية على الظن كلها فى قوله:
"وليعلم طالب العلم أن أكثر تصنيف أهل العلم في قديم الزمن وحديثه إنما هو بالظن المعتبر، أما التصنيف باليقين فهو نادر جدا في الأمة .
والتصنيف بالظن كالتصنيف بالشهادة فإذا شهد عدلان على رجل بأنه من أهل الأهواء والبدع حكم عليه بذلك ، والتصنيف بالقرائن ونحو ذلك من الأمور التي هي مبناها على الظن كما هو في أكثر أحكام الشريعة الإسلامية"
هذا الاعتراف هو اتهام صريح لعلماء السنة وغيرهم بأنهم كلهم مكذبون لكلام الله فهم يحكمون بالظن ولا أدرى كيف يقوم سنى باتهام أهله بأنهم كلهم مكذبون للقرآن والروايات فى العمل بالظن رغم النهى عنه ؟
اجمالي القراءات
2017