( مصر ) على حافة الهاوية
( مصر ) على حافة الهاوية
أولا :
1 ـ ( مُسعد باشا ) ميليونير فقير لم تكسر أمواله حاجز البليون دولار بعدُ . يقال إنه على وشك الوصول للبليون لو تحسنت الأحوال . ثروته حوالى 980 مليون دولار .. فقط . يعنى مستحق للصدقة وفق مستوى الدخل فى طبقة المترفين .
( شهيرة ) بنت ( مسعد باشا ) طفلة فى مدرسة اللغات الابتدائية . طلبت المعلمة من ( شهيرة ) أن تكتب ـ بالانجليزية طبعا ـ مقالا تصف فيه حالة طفلة مصرية فقيرة . ( شهيرة ) كتبت الآتى ـ بالانجليزية طبعا ـ ( دى بنت فقيرة جدا . الدادى بتاعها فقير جدا ، ومامى بتاعتها فقيرة جدا ، والدادة بتاعتها فقيرة جدا ، السفرجى بتاعها فقير جدا ، والشوفير بتاعها فقير جدا ، والخدامة بتاعتها فقيرة جدا ، والجانينى بتاعها فقير جدا ، والشماشرجى بتاعها فقير جدا ، والكوافير بتاعها فقير جدا ، ومن فقرهم جدا مش حيصيّفوا فى أوربا السنة دى ). فازت ( شهيرة ) بالمركز الأول بهذا المقال ( الفقير جدا ).
2 ـ ( عبد الوارث بيه ) محامى يعمل مديرا فى شركة مقاولات يملكها ( مسعد باشا ). مرتبه بضع عشرات من الألوف من ( الجنيهات المصرية ) . دخل عليه فى مكتبه ( مُسعد باشا ) وأمره باعداد قائمة بثلاثين موظفا سيتم طردهم بسبب المصاعب المالية للشركة ، وأمره أيضا بتخفيض مرتبات الموظفين والعمال بنسبة 30 % . السبب ان الشركة تعمل من الباطن تبعا للجيش فى العاصمة الادارية ، ووفق العقد علي الشركة تسليم مهمتها خلال شهر . وفى نفس الوقت لم تتسلم الشركة مستحقاتها من الجيش من بضعة أشهر ، ولا بد من جمع بضعة ملايين من الدولارات من السوق السوداء لاستيراد مستلزمات لاستكمال التنفيذ . لا يمكنهم الاعتراض . لا بد من التنفيذ ، إنه ( الجيش ) يا عبد الوارث بيه .! عبد الوارث بيه لا يمكنه أيضا الاعتراض ، إنه ( مُسعد باشا ).
( مُشيرة ) بنت ( عبد الوارث بيه ) فى مدرسة لغات إبتدائية فى أحد الأحياء الراقية . طلبت منها المعلمة أن تصف فى مقال ـ بالانجليزية طبعا ـ أحوال بنت فقيرة . كتبت ( مشيرة ) ـ بالانجليزية طبعا : ( دى بنت فقيرة خالص . باباها فقير خالص ، ومامتها فقيرة خالص ، والشقة بتاعتهم فقيرة خالص ، والحى اللى بيسكنوا فيه فى المعادى فقير خالص ، وشقتهم فى الساحل الشمالى فقيرة خالص ، والعربية بتاعتهم فقيرة خالص ) . ( مشيرة ) فازت بالمركز الأول ، وصفق لها الجميع ( خالص ).!
3 ـ حين دخل ( مسعد باشا ) مكتب ( عبد الوارث بيه ) كان هناك شخص آخر، هو ( عبد الغنى ) الساعى . هو أفقر مخلوق فى الشركة ، مع إنه أكثر من يخدم السادة . عبد الغنى الساعى له شعار يتمسك به ويردده مستعينا به على أحوال الزمن ، هو ( كيف أخشى الفقر وأنا عبد الغنى ) مع هذا فإن ( عبد الغنى ) يصاحب الفقر ويلازمه ليله ونهاره ، من حجرته فى أحد الأحياء العشوائية الى مقر عمله فى شركة ( مُسعد باشا ). ( عبد الغنى ) وهو يصب فنجان القهوة ل ( عبد الوارث باشا ) سمع بالتكليف الذى يأمر بتسريح 30 من العاملين ، وتخفيض المرتبات بنسبة 30 % . إنشغل عقل ( عبد الغنى ) بما سيكون عليه مرتبه الهزيل بعد التخفيض ، سيكون حوالى ألفين من الجنيهات ، المرتب أصلا لا يكفى سوى اسبوعين ، والباقى يتم التعامل معه وفق شعار ( كيف أخشى الفقر وأنا عبد الغنى ). بينه وبين نفسه سرق إبتسامة ، إذ قرر أن يبحث عن أكثر من مطعم ينتظر خلفه يترقب إلقاء زبالة الأكل ، ويدخل نفس المعركة اليومية مع القطط والكلاب التى تنافسه . ( عبد الغنى ) له خمسة من الأطفال تزدحم به الحجرة ، وتسعهم بطريقة غير مفهومة وغير مألوفة .
( منصانة ) بنت ( عبد الغنى ) مفترض أنها فى المدرسة الابتدائية ، ومفترض أن تحضر كل يوم ، ولكن هذا حسب الظروف . إذا كان فى البيت ( أى الحجرة ) طعام للافطار ذهبت للمدرسة . وإلّا فلا . تصادف أن ذهبت ( منصانة عبد الغنى ) للمدرسة . وتصادف أيضا أن المدرسة طلبت منها أن تصف حال بنت غنية من بنات الأسياد . كتبت ( منصانة عبد الغنى ) : ( دى بنت غنية جدا ، بتاكل لحمة وفاكهة وحلويات تلات مرات فى اليوم ، وساكنة فى شقة تلات أوض وصالة ، وعندهم مطبخ وتلاجة وغسالة وبلكونة . وعندها سرير بتاعها ، وما بتنامش على الأرض ، وبتتغطى ببطانيتين ، وأبوها بيديها مصروف خمسة جنيه كل يوم . وعمر أبوها ما ضرب أمها ولا تخانقوا عشان مصاريف البيت ) . المعلمة رفضت ما كتبته ( منصانة عبد الغنى ) وقالت إنه كلام خيالى غير واقعى يدخل فى احلام اليقظة غير المسموح بها أصلا . ( إنتى بتحلمى يا منصانة ؟ هل فيه ناس عايشة بالشكل ده ؟ ) . هكذا قالت الاستاذة عطيات المدرسة العانس ذات الخمسين ربيعا . !
4 ـ بعد خناقة كبرى خرج ( عبد الغنى ) غاضبا ، ولم يأخذ معه فى قلبه شعار ( كيف أخشى الفقر وأنا عبد الغنى ). ذهب خلف مطعم شهير ينتظر رزقه من الزبالة ، ويتأهب لمعركة حتمية مع القطط والكلاب . لمحه عامل فى المطعم فطرده لأنه يعطى سُمعة سيئة للمطعم ورواده من الأسياد . رفض ( عبد الغنى ) وهجم غاضبا على العامل ، وأفرغ فيه مخزون غضب وقهر عمره سبعون قرنا من الزمان . خرج على صُراخ العامل بعض السادة الباشوات . رأوا هياج ( عبد الغنى ) فارتعبوا واتصلوا بالشرطة . جاءت سيارت الأمن المركزى وأحاطت بالمطعم . كان ( عبد الغنى ) قد تسلل الى مطبخ المطعم . هرب منه الطباخون ، رأى أكوام الطعام فانهال عليه يأكل ويحشو جيوبه ، دخل عليه قائد قوات الأمن المركزى ومعه جنوده البواسل ، فتحوا عليه النيران وألقوا عليه قنابل الدخان ، إشتعلت النيران فى الأفران وانفجر المطعم بما فيه ومن فيه ، بعبد الغنى والأسياد . إنتقلت النيران الى الشارع ، جاءت المطافى متأخرة فوجدت الحرائق قد دمرت كل شىء .
5 ـ السادة فى الخارج الذين بأيديهم مقاليد الحكم فى مصر وغيرها رأوا أن الوقت قد حان لتغيير سلمى على البارد فى مصر . الفرعون فيها إنتهى عمره الافتراضى ، وقام بالمطلوب منه ، وأصبح عبئا عليهم . لديهم البديل ، أقاموا البديل ، وأصبح الفرعون السابق يسير فى شوارع واشنطن خائفا يترقب . ذهب الى البنك الذى أودع فيه ما يقرب من مائة بليون دولار . أراد إستردادها . قالوا له : مع أنها باسمك إلا انها ملك للحكومة المصرية . أجرى إتصالات بالفرعون الجديد ، واتفقا على أن تقوم الحكومة المصرية بسحب المبلغ مقابل إقتسامه بينهما . ذهب وفد من الحكومة المصرية للبنك لسحب الأموال فرفضوا لأن الأموال باسم الرئيس السابق . عرف الفرعون السابق واللاحق إنه لا بد من الصمت وإلا فالقتل . إكتشف الفرعون السابق والفرعون الحالى أنها نفس اللعبة ، راح ضحيتها من قبل شاه إيران والسادات وصدام ومبارك والقذافى ..ونجا منها ( عبد الغنى ) الذى إستراح من هذا العالم وشروره .
أخيرا
إذا تحكم المترفون فى بلد تدمّر هذا البلد .
1 ـ المترفون ظالمون يرفضون الاصلاح ويحاربون من ينهى عن الفساد، قال جل وعلا :( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) هود )
2 ـ المترفون يأمرهم الله جل وعلا بالقسط فيردون بالفسق ، لذا يحل بهم التدمير ، وهى قاعدة سارية من عصر نوح ، وستستمر الى نهاية العالم ، قال جل وعلا:
2 / 1 :( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17)الاسراء ) ( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58) الاسراء ).
3 ـ المترفون فى كل زمان ومكان يرفضون الدين الالهى ، بسبب غرورهم بأموالهم وأتباعهم وأولادهم وإقتاعهم أنهم لن يدخلوا النار يوم القيامة ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) سبأ )
4 ـ المترفون سلفيون ، يعبدون ما وجدوا عليه آباءهم ، لأنه بدين الأسلاف تكونت ثرواتهم وتعززت مكانتهم ، وهم يركبون رجال الدين المتوارث الذين يركبون الشعب المُستضعف ، قال جل وعلا: ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف )
5 ـ عن حالهم عند الاهلاك فى الدنيا قال جل وعلا : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) الانبياء )
6 ـ عن حالهم فى الآخرة قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) المؤمنون ) .
ودائما : صدق الله العظيم .!!
اجمالي القراءات
2743
ليسمح لى أستاذنا الدكتور أحمد صبحى أن يشفق علينا من زيادة الحسره على بلدنا الحبيبه مصر. فبقدر روعة المقال وقوته بقدر الألم والمراره التى يحملها هذا المقال بسبب حالة مصر المزريه مقارنة بأى دوله أخرى. فهؤلاء الفراعنه يحكمون شعبها بالحديد والنار ويسرقونها وينهبونها وللأسف تعود الشعب على هذا وكأنه أصبح قانونا غبر مكتوب بين الناس وجسد هذا المثل المصرى الذى يقول اللى تعرفه أحسن من اللى ماتعرفوش.! وصدق الله العظيم فى قوله عن الفرعون " فاستخف قومه فأطاعوه"