خطبة الإيمان والغيب
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ (1) وَالْيَوْمِ الْآخِر (2)ِ وَالْمَلَائِكَةِ (3) وَالْكِتَابِ (4) وَالنَّبِيِّين (5)َ البقرة 177)،
تعريف الإيمان باللّغة: هو القبول والاعتقاد والإقرار، ولا إقرار إلا بتصديق.
أمّا الإيمان بالشرع: فهو الخضوع والإقرار والاستسلام، ومحلُّه القلب، ويُصدّقه العمل، وهو التصديق الجازم بالله -تعالى-، ووحدانيته، والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
أركان الإيمان: إنّ للإيمان خمسة أركان: الإيمان بالله -تعالى-، ثم بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر.
الإيمان بالله: وهو الإقرار بوجود الله -تعالى- واستحقاقه للعبادة وحده، وقد فُطر الإنسان على التوحيد كما فى الروم 30:30 (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّا لَا يَعْلَمُونَ)
الإيمان بالكتب:
هو التصديق الجازم بجميع الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رُسله، والإقرار بوجودها، قال (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) البقرة 285.
والكتب السماوية خمسة وهي: التوراة، والإنجيل، والزبور، وصُحف إبراهيم وموسى، والقرآن الكريم.
الإيمان بالرسل: الإيمان بالرسل هو التصديق الجازم بأن الله -تعالى- أرسل لكلّ أمةٍ رسولاً يُبلّغ رسالة الوحدانية ويُخرج الناس من الظُلمات الى النور.
الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر يتضمّن الإيمان بما يسبقه وما يحدث خلاله من الوقائع والأحداث، ومنها: البرزخ، والبعث والنشور، والعرض، والميزان، والحساب، والفوز بالجنة، أو دخول النار، ويجب التصديق بجميع هذه المواقف الغيبيّة والإيمان بها اعتقاداً جازماً: كقوله سبحانه: (ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).الطلاق 2
الإسلام والاحسان والإيمان بالغيب:
الإسلام: الاستسلام والانقياد لأمر الله تعالى طوعاً وَكَرْهًا ، لقوله تعالى:
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) آل عمران 83
الإحسان: وهو مُراقبة العبد لخالقه في جميع أحواله، سواءً أكان في السر أو العلن، والمُبادرة إلى فعل الخير؛ مع قصد الله -تعالى- في كلِّ امره، ويكون الإحسان بإخلاص الأعمال لله -تعالى-، وفعل ما يُحبه، وأداؤه على الوجه الأكمل، لقوله تعالى:
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) النساء 125
الإيمان بالغيب: إن الإيمان بالغيب يعني التصديق بالأمور الغيبية التي لا تُدرك بالحواس، وإنما نعلمها بخبر الوحي المرسل للأنبياء، وتفصيل ذلك فيما يلي:
الغيب لغةً : مصدر الفعل غَابَ، والجمع منه غيوب وغياب، ويضاده الحاضر، والمُشاهد، فيُطلق الغيب على كلّ أمرٍ غُيّب عن الإنسان، سواءً تحقّق في القلب أم لا، فيقال: الأمر في عالم الغيب؛ أي أنّ رؤيته غير ممكنةٍ.
الغيب اصطلاحًا : ورد لفظ الغيب في القرآن الكريم ، وقد دلّ وروده في القرآن على كلّ ما غاب عن الحواسّ؛ فالغيب كلّ أمرٍ لا يعلمه إلّا الله، وتمّ ذكره في ستةٍ وخمسين موضعاً للدلالة على عدّة معانٍ، وللدلالة على عدم التناقض بينهم، وللإشارة إلى أنّ الإيمان بالغيب لا بدّ أن يكون متحقّقاً بالقلب، وصولاً به إلى درجة العلم.
ملخّص ما سبق أنّ الغيب ينقسم إلى قسمين:
أولهما: الغيب المطلق: وهو ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وثانيهما: الغيب النسبي: وهو الذي يعلمه بعض الخلق دون الآخر، وله عدّة أقسام، والغيب الذي جاء عليه دليل شرعي أصبح معلوماً للناس، أما ما لم يأتِ عليه أدلّة فهو مما يختصّ الله -عز وجل- بعلمه.
بيان بعض المواضع التي ذُكر فيها الغيب في القرآن: على سبيل الميثال لا الحصر
قال تعالى: (أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)2:33، الله وحده عالم الغيب.
قال تعالى: (ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ) 3:44؛ أي الأخبار والأحداث والقصص الماضية التي غابت عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: (يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ) الملك 12، فقد ذُكر الغيب كصفةٍ للمؤمنين الذين يخشون الله.
قال الله تعالى على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام: (وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَما مَسَّنِيَ السّوءُ إِن أَنا إِلّا نَذيرٌ وَبَشيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنون) الأعراف 188، دلالةً على نفي علم الرسول للغيب.
قال تعالى: (وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ) الأنعام 59، إشارةً إلى أنّ للغيب مفاتح لا يعلمها إلّا الله،
مَفاتِيحُ الغَيْبِ خمسة: لا يَعْلَمُها إلَّا اللَّهُ:
إِنَّ اللَّهَ :عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ(1) وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ (2) وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ (3)وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا(4) وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ(5) إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" لقمان 34
يتلخّص مما سبق فالغيب هو ما لا يُمكن للإنسان معرفته إلا بالوحي من الله إلى رسوله.
آثار الإيمان بالغيب: قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) الملك 12
معنى الإيمان لغةً: أنَّ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
إنَّ الإيمان في اللغة: الإقرار، ولا إقرار إلا بتصديق.
فإذا تتبعنا موارد لفظ الإيمان، وجدناه قد أتى على نوعين:
1- لفظ الإيمان مطلقًا؛ مثل: "لا يؤمنون، لا يؤمن، إنما المؤمنون، حبَّب إليكم الإيمان، أفلح المؤمنون .
2- لفظ الإيمان مقيدًا؛ مثل قوله تعالى: ﴿ ... وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾التوبة: 61، وكما قال إخوة يوسف لأبيهم: ﴿ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ يوسف 17، ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ ﴾ يونس83
صدق الله العظيم.
اجمالي القراءات
3278