ف 5 : نتائج لتفاعل المرأة بعد الهجرة وقت نزول القرآن الكريم
ف 5 : نتائج لتفاعل المرأة بعد الهجرة وقت نزول القرآن الكريم
ب 2 : تفاعل المرأة فى المجتمع . كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 5 : نتائج لتفاعل بعد الهجرة وقت نزول القرآن الكريم
مقدمة
من الطبيعي أن التي اختارت الهجرة (أو اختارت الدين الجديد من نساء المدينة) ان تكون عنصراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية في الدولة الجديدة ، وبهنّ أصبحت حياة المدينة وقتها مفعمة بالحيوية ، الإيجابى منها والسلبى ، وأن تنتج عنه مواقف وتشريعات . ولسنا هنا فى مجال الاستعراض لهذا كله ، ولكن نكتفى بالتوقف مع سور: ( النور ) من أوائل ما نزل فى المدينة ، وسورة ( الأحزاب ) فى المنتصف ، ثم سورة (التوبة ) من أواخر ما نزل . وسبق التعرض لسورة الممتحنة وهى ـ حسب تدبر آياتها ـ أول سورة مدنية بعد الهجرة من مكة .
أولا : سورة النور :
1 ـ الهجرة أوجدت وضعا غير مألوف فى المدينة ، إذ إزدحمت بالمهاجرين والمهاجرات ، وإختلفت ردود الأفعال ، هناك من رحّب بهم الى درجة أن يؤثرهم على نفسه حتى لو كان به فقر وخصاصة ( الحشر 9 )، ومنهم من تبرّم بهم وهم المنافقون ، وهناك بسطاء مؤمنون ومؤمنات تأرجح بهم الوضع الجديد الذى لم تكن له سابقة فى تاريخ العرب . المنافقون الرجال المتبرمون بالوضع الجديد ساءهم أن رجالا من المدينة يقدمون العون لنساء مهاجرات وأن رجالا مهاجرين لهم علاقات بمؤمنات من المدينة ، والمنافقات لم يعجبهن أن مهاجرات يزاحمهن على إهتمام الرجال. وفى وضع كهذا لا بد أن تثور الاشاعات عن فلان الذى يزور فلانة ، وأن لفلانة علاقة محرمة بفلان . وقد يحدث فعلا أن يضبط أحدهم رجلا مع زوجته دون أن يكون معه شهود . هذا هو ما إنفردت به سورة ( النور ) تحت عنوان ( حديث الإفك ) ، والذى حوّله السنيون بالافتراء والجهل الى قضية خاصة بعائشة . هذا مع أن سياق السورة بأكملها يؤكد أسبقيتها فى النزول فى المدينة ، وأن آيات ( حديث الإفك ) تتحدث عن عموم المؤمنين والمؤمنات ، ولو كان الأمر خاصا بواحدة من أزواج النبى لنزل ذلك صراحة ، وقد جاء فيما بعد تنزيل خاص بنساء النبى فى سورتى الأحزاب والتحريم . لكن الخطاب فى سورة النور جاء لعموم المؤمنين والمؤمنات فى قوله جل وعلا : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)). وجاءت الإشارة الى المنافقين فى قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) ، ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (19) ).
2 ـ هذه الأزمة إستلزمت تشريعات تضبط الحياة الاجتماعية للمؤمنين فى أول تجمع لهم فى دولة واحدة ، وهى :
2 / 1 : عقوبة 100 جلدة لجريمة الزنا المثبتة ، وعقوبة القذف للمحصنات، وإشتراط شهود أربعة ، واللعان فى موضوع الزوجين ( النور 1 : 9 ). ورفع العقاب على المملوكة المُكرهة على الزنا ( النور 33 ) ، وهذا مع إسقاط العقوبة بالتوبة المعلنة .
2 / 2 : تشريع بعدم دخول البيوت بلا إستئذان ( النور 27 : 29 ) ، وإستئذان ملك اليمين وأيضا الأطفال على ذويهم ، ثم إذا بلغوا الحُلُم إستأذنوا كالكبار ( النور 58 : 59 )، وحضور المآدب وآدابها (النور 61 )
2 / 3 : تشريعات العفّة الخُلقية وزى المرأة وزينتها ( النور 30 : 31 ، 60 ) .
2 / 4 : الحض على العفّة والحث على الزواج للأيامى اللواتى بلا زوج ، والفقراء والموالى : ( النور 32 : 33 ).
3 ـ وجاءت إشارات عن المنافقين ومعارضتهم ( النور 47 : 54 ) ، مع الوعد الالهى للمؤمنين فى بداية عهدهم بأن يستخلفهم فى الأرض وأن يبدلهم بعد خوفهم أمنا ، وهو وعد مشروط :( النور 55 : 56 ) . والحض على حضور مجالس الشورى فريضة إسلامية ( النور 62 : 64 ).
ثانيا : سورة الأحزاب
1 ـ تحريم التبنى الذى كان شائعا ، ووجوب النسب للأب إذا كان معروفا ، فان لم يكن فهو أخ فى الدين ، وفرض هذا التشريع على النبى محمد عليه السلام ، إذ ألزمه أن يتزوج من طلقها إبنه بالتبنى تأكيدا على أن التبنى ممنوع ولا يجعل للمتبنى حقوق الابن للصُّلب ( الأحزاب 4 : 5 ، 36 : 40 ).
2 ـ رصد موقف المنافقين المُخزى أثناء حصار الأحزاب للمدينة والتعليق عليه ، مع إشارة الى موقف المؤمنين الصادقين ( 9 : 24 ) وهزيمة من عاون الأحزاب من أهل الكتاب ( الأحزاب 26: 27) وتهديد المنافقين إذا فكروا فى الاعتداء بالسلاح والحرب ( الأحزاب 60 : 62 ).
3 ـ تفاعل نساء النبى بما إستوجب ضبطه بالترغيب والترهيب مع الوعظ (الأحزاب 28 : 34 )، مع ضبط الزى منعا للتحرّش الجنسى ( الأحزاب 59 )
4 ـ إمتداد التفاعل الى إقتحام بيوت النبى بغير إذن والأكل فيها واستخدامها مكانا للدردشة ، والجرأة فى خطاب نساء النبى ، ونزلت آيات فى ضبط هذا الوضع ( الأحزاب 35 : 55 ) .
5 ـ كان تطفل المؤمنين على بيوت النبى إيذاءا له عليه السلام ، وتردد فى نفس السورة إيذاءات أخرى منهم له وللمؤمنين الأبرياء بما إستوجب النُصح والتهديد ( الأحزاب 57 : 58 ، 69 )
6 ـ ويبقى أن الله جل وعلا ذكر صفات عظيمة للمؤمنين والمؤمنات دليلا على تفاعل لم يكن من قبل ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (35) ) . وكان المنافقون والمنافقات على الجانب المخالف ، فقال جل وعلا عن الرجال والنساء من الجانبين : ( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73)).
ثالثا : سورة التوبة :
1 ـ نزلت بعد فتح مكة حسب المفهوم من سياق آياتها . و فى صورة عامة نلاحظ فى السورة زيادة فى التفاعل الجمعى على مستوى صراع الكافرين المعتدين مع المؤمنين، والمؤمنين ( حسب درجاتهم من الايمان والتقوى ، من السابقين والتائبين )، ومن يوالى منهم العدو ومن يتثاقل عن الخروج للقتال الدفاعى ، والمنافقين الصرحاء وأنواعهم وأقوالهم ومواقفهم والرد عليهم ، والذين أدمنوا النفاق وكتموه ، ومن الأعراب مؤمنهم ومنافقهم ، وأهل الكتاب . وتوالى إيذاء النبى وهذا مع إستغفاره لهم . وفى هذا كله نرى المرأة عنصرا مشاركا .
2 ـ ويكفى فى بيان ذلك قوله جل وعلا :
2 / 1 : عن المنافقين والمنافقات ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة ) . أى كان المنافقون والمنافقات يتحركون فى الشارع يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويمنعون التبرع للمجهود الحربى . ولم تقم السلطات بالقبض عليهم بتهمة التجمهر وإثارة الشعب ومحاولة قلب نظام الحكم وتعكير السلم الاجتماعى ..الخ ، فهذا تطبيق للحرية المطلقة فى المعارضة السياسية التى لا تحمل سلاحا ، وهى موازية للحرية المطلقة فى الدين لمن شاء أن يؤمن أو شاء أن يكفر ( الكهف 29 : 31 ).
2 / 2 : عن المؤمنين والمؤمنات : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)) . الرّدُّ كان مساويا وموازيا ومعبرا عن التفاعل الذى أشعل وأشغل الجميع ؛ أن تقوم مظاهرات مماثلة من المؤمنين والمؤمنات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعلن طاعة الله جل وعلا ورسوله .!
2 / 3 : ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) . أسّسوا مسجدا للتآمر كان وكرا للعملاء والجواسيس ، وخدعوا النبى محمدا حتى كان يصلى معهم فيه وهو لا يدرى، وظل هكذا الى أنزل الله جل وعلا هذه الآيات تفضحهم وتنهى النبى عن الصلاة فيه. لم يأت الأمر باعتقالهم بتهمة الخيانة العظمى أو بهدم المسجد على رءوسهم ، بل ظل المسجد قائما. قال جل وعلا عنه : (لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)).
المستفاد مما سبق
1 ـ إن دولة الاسلام فى ( يثرب ) التى أصبحت المدينة وعاصمة للاسلام ودولته ( المدنية ) أعطت المواطنين فيها الحرية الدينية والسياسية دون حد أقصى ، المهم أن يكون مسالما . ولا فارق فى هذا بين مؤمنين وضعاف للايمان ومنافقين من كل شكل ونوع . والذى يهمنا وجود المرأة عنصرا فاعلا فى كل هذا بمستوياته وطوائفه ومواقفه .
2 ـ يبدو هذا غريبا عن ماضى المحمديين وحاضرهم ، هذا مع أننا ننقل عن القرآن الكريم الذى يزعمون الايمان به . وهذا يثبت أنهم أتّخذوا القرآن مهجورا .
3 ـ آه لو لم يكن القرآن الكريم محفوظا من لدن الله جل وعلا ..
اجمالي القراءات
2660