قراءة فى حكاية ليس لدي الكولونيل من يكاتبه
قراءة فى حكاية ليس لدي الكولونيل من يكاتبه
الكتاب من تأليف جبريل جارسيا ماركيز وقد ترجمها عن الأسبانية صالح علماني ودققها سعيد حورانية
الحكاية عن شاب شارك فى الثورة ضد الملكية للحفاظ على الجمهورية ومن شاركوا فى الثورة كانوا حزبين وكما هى العادة فى كل الثورات تأكل الثورة أولادها كما يقال بمعنى ان أحد الفصائل يقام بالقضاء على الفصائل الأخرى ليكون هو الحاكم
العقيد أو الكولونيل فى حكايتنا شارك فى الثورة وحافظ على أموال المحاربين التى سلمها للقادة سليمة دون أن ينقص منها أى شىء وظل طوال حياته ينتظر أن يعطوه معاشا مقابل ما فعله من أجل الجمهورية ولكنهم نسوه تماما وظل طوال عمره يعيش على مدخراته بعد خروجه من الخدمة الذى كان مبكرا حيث خرج وهو فى العشرينات من عمره برتبة العقيد وبعد أن انتهت مدخراته بدأ يبيع أثاث البيت وما فيه وظل أمله معلقا أيضا على ديك رباه ابنه الذى قتل وهو ديك مصارعة وهذا الديك كان سبب فى أن يظل هو وزوجته على قيد الحياة مرة بسبب الشباب الذين يريدون الرهان على فوزه ومن ثم كان يحضرون الطعام له بكثرة جعلت الرجل وزوجته يعيشان على أكل الديك وفى إحدى مرات اليأس باعه لصديقه فى الكفاح والذى اغتنى بعد ترك حزبه ليكون فى ركاب الحزب الذى يحكم
هذا ملخص الحكاية والكاتب فيما يبدو يريد أن يوصلنا نفس رسالة مسرحية فى انتظار غودو وهى:
لا يوجد مخلص أى مهدى إلا الشخص ذاته وجارسيا يعلنها صراحة على لسان الطبيب:
"فقال له الطبيب:
ـ لا تكن ساذجا أيها الكولونيل فقد أصبحنا كبارا على انتظار المسيح المخلص"
العقيد ظل طوال عمره ينتظر المركب التى تأتى برسائل البريد كل أسبوع على أمل أن تصله رسالة تقول له تعال اقبض معاشك ومكافأتك وفى هذا قال جارسيا:
"وخاصة لرجل مثله عاش أصباحا كثيرة مثل هذا الصباح فطوال ست وخمسين سنة منذ انتهت الحرب الأهلية الأخيرة لم يفعل الكولونيل خلالها شيئا سوي الانتظار، وكان مجيء أكتوبر أحد الأمور القليلة التي تمر في حياته "
وفى انتظار الرسالة قال جارسيا:
"قال الموظف الذي لم يرفع رأسه:
ـ لاشيء للكولونيل
فأحس الكولونيل بالخجل، وقال كاذبا:
ـ لم أكن أنتظر شيئا والتفت نحو الطبيب بنظرة طفولية تماما، وتابع:
ـ ليس لي من يكاتبني"
ويكرر جارسيا انتظار الرجل جمعة بعد جمعة للرسالة وصبره الطويل فى قوله:
"يوم الجمعة التالي ذهب إلى حيث المراكب ومثل كل جمعة رجع إلى البيت دون الرسالة المنتظرة قالت له زوجته هذه الليلة: 'لقد انتظرنا ما فيه الكفاية يجب أن يكون للمرء صبر الجواميس مثلك لينتظر رسالة طوال خمس عشرة سنة' فقال الكولونيل وهو يدس نفسه في السرير ليقرأ الصحف
ـ يجب أن ننتظر دورنا أن رقمنا هو ألف وثمانمائة وثلاثة وعشرون
ردت المرأة:
ـ لقد كسب هذا الرقم مرتين في اليانصيب منذ بدأنا الانتظار
قرأ الكولونيل الصحف كالعادة، من الصفحة الأولي حتى الأخيرة، بما في ذلك الإعلانات ولكنه لم يركز انتباهه هذه المرة إذ كان يفكر خلال القراءة بمعاشه التقاعدي: قبل تسع عشرة سنة، عندما أصدر الكونجرس القانون، بدأت عملية مماطلة استمرت ثماني سنوات، وبعد ذلك احتاج لست سنوات أخرى حتى تمكن من ضم اسمه إلى قائمة قدماء المحاربين وكانت تلك آخر رسالة يتلقاها الكولونيل
انتهي من القراءة بعد سماعه إشارة منع التجول وعندما مضي ليطفىء المصباح تأكد اعتقاده بان زوجته مازالت مستيقظة"
ويكرر الرجل انتظاره ولكن نفسه تحس ان موظف البريد متثاقل فى عمله وهو هنا يحول غيظه من الحكومة على الموظف فيقول:
"وزوده الكولونيل بمعلومات مفصلة عن حالتها دون أن يتوقف عن مراقبة حركات موظف البريد الذي كان يفرز الرسائل مصنفا إياها كلا في كوة خاصة وقد أغاظت الكولونيل طريقته المتثاقلة في العمل"
ويكرر جارسيا نفس الانتظار ولكن بتحرك الرجل لتغيير المحامى الذى وكله لتخليص أوراق المعاش فيقول:
"فرد الكولونيل:
ـ إني أسمع هذا الكلام ذاته منذ خمسة عشر عاما لقد أصبح هذا الكلام مثل حكاية الديك المخصي
قدم المحامي شرحا بيانيا مسهبا للصعوبات الإدارية التي تعترضه كان الكرسي ضيقا جدا بالنسبة لاليتيه الخريفتين
قال 'منذ خمس عشرة سنة كان الأمر أكثر سهولة، ففي ذلك الوقت كانت عناصر الجمعية البلدية لقدماء المحاربين مؤلفة من كلا الحزبين' ملأ رئتيه بهواء حارق، ثم تلفظ بعبارة حكيمة وكأنه انتهي من اختراعها لتوه:
ـ الاتحاد يصنع القوة "
وقال أيضا:
"فتح المحامي ذراعيه وقال:
ـ نعم الأمر هكذا أيها الكولونيل ولكن الجحود البشري لا حدود له وهذه لقصة يعرفها أيضا الكولونيل فقد بدأ يسمعها منذ اليوم التالي لاتفاقية 'نيرلانديا' عندما وعدت الحكومة بتقديم بدل سفر وتعويض لمائتين من ضباط الثورة وعسكرت حول شجرة الثييبا العملاقة في نيرلانديا فرقة ثورية مؤلفة في غالبيتها من شبان يافعين هاربين من مدارسهم، وانتظرت الفرقة طوال شهور ثلاثة رجع أفرادها بعد ذلك إلى بيوتهم على نفقتهم الخاصة وهناك تابعوا الانتظار وبعد مرور ستين سنة تقريبا مازال الكولونيل ينتظر "
كان لا يفعل أى شىء فى حياته والمراد لا يعمل فى أى وظيفة تجلب له المال وتخلصه من تآكل مدخراته والفقر الذى وصل له أراد بيع الساعة واللوحة ولكنه فشل وارادت زوجته بيع خاتمى الزواج ولكن كاهن الكنيسة نهرها عن بيع الأغراض المقدسة ومن النثوث التى كتبها فى ذلك:
" فقال الكولونيل:
ـ لست أدري ولكن لو إننا سنموت من الجوع لكنا قد متنا منذ زمن
كان الديك يقف الآن بكامل حيويته أمام العلبة الفارغة وعندما رأي الكولونيل أطلق صوتا حلقيا، شبه إنساني، وقذف رأسه إلى الوراء فبادله الكولونيل ابتسامة شريك في الجريمة، وقال:
ـ إن الحياة قاسية أيها الرفيق"
وقال:
"وقالت:
ـ لقد ذهبت إلى الأب أنجل ذهبت لأطلب منه قرضا مقابل خاتمي الزواج
ـ وماذا قال لك؟
قال: إن المتاجرة بالأغراض المقدسة، خطيئة "
وبين أن الحال وصل بالمرأة لغلى الحجارة فى القدر فقال:
"فقالت المرأة:
ـ لقد تعبت فأنتم معشر الرجال لا تنتبهون إلى مشاكل البيت لقد وضعت عدة مرات حجارة في القدر وغليتها كي لا يعرف الجيران بأنه ليس لدينا ما نملأ به القدر
شعر الكولونيل بالاستفزاز، فقال:
ـ أن هذا الذي فعلته هو المسكنة الحقيقية "
وحتى عندما أحس باليأس من قبض المعاش حول أمله إلى الديك ولكن زوجته نبهته إلى أن الديك بعد أن باعه وقبض جزء من ثمنه قد يحدث له أى شىء يضيع بقية ثمنه
وفى هذا قال جارسيا:
"فقالت المرأة:
ـ لست أدري ما الذي رأوه في هذا الديك القبيح انه يبدو لي كظاهرة غريبة، فرأسه صغير جدا بالنسبة لقائمتيه
أجابها الكولونيل:
ـ أنهم يقولون بأنه أفضل ديك في المنطقة ويساوي حوالي خمسين بيزو
كان متيقنا انه بهذه الوسيلة سيبرر قراره بالاحتفاظ بالديك، الموروث عن ابنه الذي مات مطعونا قبل تسعة شهور في حلبة مصارعة الديكة قال الكولونيل:
ـ ليست المرة الأولي التي يحدث هذا فهكذا كانوا يفعلون في القرى مع الكولونيل أوربليانو بوينديا إذا كانوا يحضرون له الصبايا ليضاجعهن
أعجبت هي بالمقارنة الطريفة وأصدر الديك صوتا من حلقه وصل إلى الممر كصوت إنساني مكتوم ـ 'أحس أحيانا وكأن هذا الحيوان سينطلق متكلما' قالت المرأة وعاد الكولونيل لينظر إليه، وقال:
ـ انه ديك حاك وصائح
ثم أجري بذهنه عمليات حسابية بينما كان يتناول ملعقة من العصيدة، وقال:
ـ انه يكفي لإطعامنا ثلاث سنوات
ـ الأحلام لا تؤكل قالت المرأة
ـ لا تؤكل، ولكنها تغذي رد الكولونيل، ثم تابع: أنها شبيهة بعض الشيء
ابتسم الكولونيل وقال:
ـ أن هذا يصيبك لأنك لا تكبحين لسانك لقد قلت لك دائما أن الرب عضو في حزبنا
ولكنه في الواقع كان يشعر بالمرارة بعد لحظات أطفأ المصباح وغرق في التفكير وسط ظلام يشقه البرق تذكر ماكوندو، لقد انتظر الكولونيل عشر سنوات حتى تتحقق مواثيق ميرلانديا وفي غيبوبة قيظ الظهيرة
في ملعب مصارعة الديكة وفي اللحظة التي سيفلت بها الديك تماما، ولكنه أحس بأنه مراقب من زوجته
قالت بعد هنيهة:
ـ 'أنها نفس القصة دائما نحصل على الجوع ليأكل الآخرون أنها نفس القصة تتكرر منذ أربعين سنة'
احتفظ الكولونيل بصمته إلى أن توقفت زوجته عن الحديث لتسأله ما إذا كان لا يزال مستيقظا وأجابها بنعم
فتابعت المرأة حديثها بوتيرة متدفقة، لا تهدأ
ـ الجميع سيكسبون من الديك، ألا نحن فنحن الوحيدون الذين لا نملك سنتا واحدا لنراهن به
ـ لصاحب الديك حق يناله هو عشرون بالمئة
ردت المرأة:
ـ وكان لك حق أيضا بالحصول على منصب لائق عندما كانوا يمزقون جلدك في الانتخابات ولك الحق أيضا بالحصول على راتبك التقاعدي كمحارب قديم بعد أن حشرت انفك في الحرب الأهلية ولكن ها هم الآن يعيشون جميعا حياتهم المأمونة بينما أنت وحيد تماما، تموت جوعا
ـ مازال أمامنا خمسة وأربعون يوما لنبدأ التفكير بهذه الأمور
سيطر اليأس على المرأة، فسألته:
ـ 'حتى ذلك الحين، ماذا سنأكل' ثم جذبت الكولونيل من عنق قميصه الداخلي، وهزته بقوة
ـ قل لي، ماذا سنأكل؟
لقد احتاج الكولونيل لخمس وتسعين سنة الخمس وتسعين سنة التي عاشها، دقيقة دقيقة، ليصل إلى هذه اللحظة، فأحس بالنقاء، الوضوح، وبأنه لا يقهر في اللحظة التي رد بها:
ـ هراء"
وهكذا الإنسان يظل يعلق أماله حول أمور قد لا تحدث بدلا من البحث عن المخرج الحقيقى لأزمته وهنا الأزمة كانت اقتصادية وعلاجها الوحيد كان العمل فى أى مهنة او وظيفة
كما بين جارسيا أن الآخرين لن يحلوا مشاكل الدولة المعنية حتى وإن تكلموا عنها فقال عن أوربا :
" قال الكولونيل الذي لم يقرأ العناوين، والذي قام بمجهود ليسيطر على آلام معدته: 'منذ فرضت الرقابة والصحف لا تتحدث إلا عن أوروبا من الأفضل أن يأتي الأوروبيون إلى هنا ونذهب نحن إلى أوروبا وهكذا سيعرف كل منا ما الذي يجري في بلده'
فقال الطبيب ضاحكا، ودون أن يرفع نظره عن الصحف:
ـ أن أمريكا الجنوبية بالنسبة للأوروبيين هي رجل له شارب، يحمل غيتارا ومسدسا إنهم لا يفهمون مشاكلنا"
الحل إذا عند جارسيا داخلى وليس من الخارج سواء كان من خارج الدولة أو الخارج الداخلى وهو الحكومة التى هى الفساد بعينه داخل الدولة
الرسالة الثانية أن الثورات لا تحافظ على أبطالها فمن يقودها بعد الانتصار ليس هم الأبطال فى الحقيقة فهم يحركون الأشخاص لمصلحتهم فقط ومن ثم يتوارى الأبطال الحقيقيون ويظهر المزيفون يتوارون إعلاميا وماليا ويعودون إلى المعاناة التى حاربوا لاصلاحها قبل الثورة ومن ثم يتملكهم اليأس ويموتون بأوجاعهم وبحسرتهم فى الغالب
دون ساباس رفيق الرجل فى الكفاح المسلح أدرك قبل صاحبه أن حزبهم سيموت ومن ثم انضم للفريق الحاكم وفى هذا قال جارسيا:
"وشعر بألم في مفاصله وبعد برهة عرف أنه أصبح في الشارع لأن قطرات المطر الخفيف أصابت رموشه، شده أحدهم من ذراعه وقال له:
ـ تعال أيها الصديق، لقد كنت أنتظرك
كان هذا دون ساباس عراب ابنه الميت، والوحيد بين زعماء حزبه الذي استطاع الإفلات من الاضطهاد السياسي وبقي يعيش في القرية بعد ذلك 'شكرا أيها الصديق'، قال الكولونيل، وسار بجانبه صامتا تحت المظلة"
ومن ثم دون ساباس نال حصته من الكعكعة وازدهرت أعماله الاقتصادية بينما بقى العقيد فقيرا معدما وقد بين جارسيا على لسان الطبيب أن دون ساباس والعمدة هما الفائزين فى البلدة من الحكم فقال :
" قال الطبيب:
ـ إن الحيوان الوحيد الذي يتغذى باللحم البشري هو دون ساباس إني متأكد انه سيبيع الديك بتسعمائة بيزو
ـ أتعتقد ذلك؟
ـ إني متأكد فهذه صفقة تجارية مكشوفة مثلها كمثل صفقة التحالف الوطني مع العمدة
رفض الكولونيل تصديق ذلك، وقال: 'لقد قام صديقي بذلك التحالف مع العمدة لكي ينقذ جلده وهكذا استطاع البقاء في القرية'
فرد الطبيب:
ـ 'وهكذا استطاع أيضا شراء أملاك أعضاء حزبه الذين طردهم العمدة من القرية بنصف ثمنها"
وجارسيا يبين أن أى قيادة لابد أن تقيد حريات الأخرين كى تظل مسيطرة على الحكم وخص بالذكر الإعلام سواء الصحف او السينما فقال :
" ـ ما هي الأخبار سأله الكولونيل
فقدم إليه الطبيب عدة صحف، وقال:
ـ لست أدري فمن الصعب قراءة ما بين السطور التي تسمح الرقابة بنشرها
حاول الكولونيل أن يعيد إليه الصحف، ولكن الطبيب اعترض قائلا:
ـ خذها معك إلى البيت اقرأها هذه الليلة وأعدها لي غدا "
ـ ما هي الأخبار سأله الكولونيل
فقدم إليه الطبيب عدة صحف، وقال:
ـ لست أدري فمن الصعب قراءة ما بين السطور التي تسمح الرقابة بنشرها
حاول الكولونيل أن يعيد إليه الصحف، ولكن الطبيب اعترض قائلا:
ـ خذها معك إلى البيت اقرأها هذه الليلة وأعدها لي غدا "
وفى السينما قال :
"بعد الساعة السادسة بقليل قرعت في برج الكنيسة أجراس الرقابة السينمائية إذ أن الأب أنخل يستخدم هذه الوسيلة ليشير إلى النوعية الأخلاقية للفيلم استنادا إلى قائمة التصنيف التي يتلقاها بالبريد كل شهر عدت زوجة الكولونيل دقات الناقوس، فكانت دقتين
ـ انه فيلم سيء لجميع الأعمار منذ سنة تقريبا وجميع الأفلام سيئة لجميع الأعمار
قرأها جميعا حسب تسلسل تواريخها ومن الصفحة الأولي حتى الأخيرة، بما في ذلك الإعلانات في الحادية عشرة "
كما بين أداة قمعية أخرى وهى حظر التجول فقال:
"تعالى صوت نفير منع التجول وختم الكولونيل القراءة بعد نصف ساعة من ذلك "
كما بين أن القمع أيضا يظهر فى دفن الأموات فى حالة الطوارىء فلا يجوز أن تسير الجنازة امام مركز شرطة أو معسكر جيش فقال :
" فأجاب الكولونيل:
ـ لاشيء، ولكن لا يمكن للجنازة أن تمر من أمام مركز الشرطة
فهتف دون ساباس:
ـ لقد نسيت هذا إنني انسي دائما أننا في حالة طوارىء
قال الكولونيل:
ـ ولكن هذا ليس تمردا أنها جنازة موسيقي ميت مسكين غير الموكب اتجاهه "
وبين جارسيا أن الخوف من السلطة ظهر حتى فى كتابة الدكاكين ممنوع الكلام فى السياسة فقال:
دخل خيرمان إلى الدكان حاملا الساعة كان الفارو يعمل وراء ماكينة الخياطة و في آخر الدكان، تحت غيتار معلق بمسمار، كانت تجلس فتاة تقوم بتثبيت الأزرار وفوق الغيتار لوحة كتب عليها: 'ممنوع التكلم بالسياسة'
وتناول جارسيا عادات وخرافات البلد التى يرى أنها لابد من تغييرها مثل:
-أن الناس يحرمون عزف الموسيقا عند وجود ميت فى البلدة فقال :
"ولكن الأطفال لم يرفعوا أنظارهم عن الديك، وراح أحدهم يعزف على الهارمونيكا أنغام الأغنية الدارجة 'لا تلمسني اليوم'، فقال له الكولونيل: 'هناك ميت في القرية' فدس الطفل الآلة في جيب بنطلونه "
وقال:
" وفي البيت المجاور، ضربت امرأة على الجدار الفاصل، وصرخت:
ـ دعوا هذا الغيتار جانبا، فلم تمض سنة بعد على موت اغوستين
انفجرت قهقهة عالية"
-وجود ملابس للجنازة حيث قال:
"ومضي الكولونيل إلى الغرفة ليرتدي ملابسه ويذهب إلى الجنازة
لم تكن ملابسه البيضاء مكوية بسبب نوبة الربو التي أصابت المرأة وهكذا كان عليه أن يستقر رأيه على ارتداء بدلة الجوخ السوداء التي استخدمها في مناسبات خاصة جدا بعد زواجه "
-أن الأموات يتجادلون فى الأخرة فى أحداث العائشين فى الدنيا بعدهم وهو قوله:
"مستلقية على السرير وشغلت التفكير بالميت وقالت:
ـ لابد وأنه التقي مع أغوستين الآن ويمكن ألا يكون قد حكي له عن الحالة التي وصلنا إليها بعد موته
فقال الكولونيل:
ـ لابد وانهما يتناقشان عن الديوك الآن "
-عزف الموسقى الجنائزية عند السير بالجنازة وفى هذا قال :
بدأت الفرقة الموسيقية تعزف اللحن الجنائزي وأحس الكولونيل بأن ثمة آلة نحاسية ناقصة، وللمرة الأولي تأكد بأن المتوفي قد مات، فدمدم:
ـ يا للمسكين "
- الصراخ من جانب النساء عند وجود ميت وفى هذا قال:
"وعند مروره في الأحياء الواطئة تطلعت إليه النسوة وهن يقضمن أظافرهن بصمت ولكنهن خرجن بعد ذلك إلى منتصف الشارع وأطلقن صرخات الإطراء، والامتنان والوداع، وكأنهن يعتقدن بأن الميت يسمعهن وهو في تابوته "
- تحريم النساء الغناء بسبب موت قريب لهم كما فى القول:
فإن و جودها يملأ البيت 'لو أن سنة مضت على وفاة أغوستين لكنت غنيت' قالت، وهي تحرك القدر الذي يغلي على الموقد والذي يحتوي على جميع أصناف نباتات الأكل التي بامكان أرض الاستواء إنتاجها، مقطعة إلى قطع متشابهة
قال لها الكولونيل:
ـ إذا كنت تشعرين برغبة في الغناء غني فهذا مفيد من أجل الغدة الصفراء "
- الاعتقاد فى الموت أنه حيوان بأظلاف وظهر هذا فى قول الحكاية:
"قالت ثم أغلقت الخزانة والتفتت وكأنها تستشير عيني الكولونيل:
ـ إني اعتقد بأن الموت هو حيوان بأظلاف
فقال لها الكولونيل موافقا:
ـ ربما فأحيانا تحدث أمور غريبة جدا "
-أن الأموات يخطئون بعد موتهم وهو ما رواه فى قوله:
وقد وجدت الشجاعة لأسألها من تكون، فأجابتني قائلة: أنا المرأة التي ماتت في هذه الغرفة منذ اثنتي عشرة سنة'
فقال الكولونيل:
ـ ولكن لم تكد تمضي سنتان بعد على بناء هذا البيت
ـ نعم وهذا يعني أن الأموات يخطئون أيضا
جعل أزيز المروحة الكهربائية البرودة أكثر رسوخا وشعر الكولونيل بفقدان الصبر والاضطراب بسبب النعاس الذي غلبه وبسبب هذه المرأة البدينة التي انتقلت فورا من الحديث عن الأحلام إلى تجسد الموتى وعودتهم ثانية إلى الحياة وكان ينتظر فرصة تتوقف فيها عن الحديث لينصرف عندما دخل ساباس إلى المكتب مع رئيس عماله "
- أن وضع أدوات الطعام متقاطعة فى الطبق يجلب النحس والشؤم وفى هذا قال :
ـ 'انك متكبر، وعنيد، وبلا ضمير' كررت هي ثم وضعت أدوات طعامها متقاطعة في الطبق، ولكنها عادت لتعدل وضع الأدوات وتبعدها عن بعضها لاعتقاداتها الخرافية "
اجمالي القراءات
2729