الصبر العظيم فى النعمة والصبر العادى فى النقمة

آحمد صبحي منصور Ýí 2019-05-16


الصبر العظيم فى النعمة والصبر العادى فى النقمة

مقدمة :

1 ـ هناك صبر عند المحنة والنقمة ، وهناك صبر عند المنحة والنعمة . وتختلف ردود البشر فى الإبتلاء فيما يحسبونه خيرا أو شرا. قال جل وعلا : (  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴿٣٥﴾ الانبياء )

2 ـ مشهور أن الصبر هو عند المحن والنقم ـ فى أوقات المحن قد يجد الانسان أسهل عليه أن يصبر ، وحتى إذا أدركته محنة الغرق أو المرض أسرع يستغيث بربه جل وعلا ، ولكنه بعد أن ينجيه ينسى ، بل قد يقع فى الكفر . قال جل وعلا : ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ﴿٥٣﴾ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿٥٤﴾ النحل ).

3 ـ الأصعب هو الصبر عند المنحة والنعمة . هناك نعم الثروة الصحة والشباب ، والأغلبية الساحقة تسىء إستعمال هذه النعم . أقلية الأقلية التى تصبر على هذه النعم فتقوم بواجب شكرها بأن يكون الفرد ( صبّارا شكورا ). السلطة والحكم أكبر إختبار للصبر على النعمة . حين يجد الانسان نفسه فى موقع سلطة فمن الصعب أن يصبر عليها ، بل يسارع بإساءة إستعمالها . قلّ أن تجد حاكما يصبر على نعمة النفوذ فيتواضع للناس ويرد بشكر الرحمن جل وعلا مستخدما سلطته فى العدل ورضى ربه جل وعلا . نتذكر أن الله جل وعلا أمر خاتم الأنبياء بالصبر وذكر قصة النبى داود عليه السلام الذى صبر على نعمة المُلك والنعم الأخرى المسخرة له ( ص 17 : 26 ).

3 ـ نعطى هنا تفصيلا عن الصبر عند المحنة والنقمة وعند المنحة والنعمة .

أولا : السحرة المصريون فى قصة موسى عليه السلام : أبرز مثل للصبر الإيجابى عند المحنة والنقمة :

1 ـ السحرة المصريون نموذج الايمان والصبر الايجابى عند المحنة .بمجرد أن رأوا عصا موسى تلتهم ثعابينهم الخرافية سارعوا بالسجود ، أعلنوا إيمانهم فى وجه الفرعون ولم يأبهوا بتهديده لهم بالصلب وتقطيع أطرافهم. هددهم فقال : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿١٢٤﴾الأعراف )

2 ـ تكررت قصتهم فى القرآن الكريم ، وفيها ردودهم الإيمانية القوية على فرعون الطاغية :

2 / 1 : ( قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿١٢٥﴾ وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴿١٢٦﴾ الاعراف ).

2 / 2 : (قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَـٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٧٢﴾ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّـهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴿٧٣﴾ إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ ﴿٧٤﴾ وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ ﴿٧٥﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ ﴿٧٦﴾ طه )

2 / 3 : ( قَالُوا لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿٥٠﴾ إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥١﴾ الشعراء )

3 ـ هنا أروع صبر إيجابى عند المحنة . وهل هناك أفظع من الصلب وتقطيع الأطراف؟!.

ثانيا : ( صبّار شكور ) فى تعظيم قدر من يصبر على النعمة فيكون شكورا لربه جل وعلا .

1 ـ فى اللسان العربى تأتى  ( فاعل ) وصفا لمن يفعل شيئا ما. ثم هناك صفات مبالغة على أوزان :  ( فعّال ، فعيل ، فعول ، فعل: بكسر العين ) . مثلا تقول ( كافر ) لمن يقع فى الكفر، أما المتطرف فى الكفر فيوصف بأنه ( كفّار ) ( كفور ). ويأتى وصف ( آثم ) على وزن فاعل لمن يقع فى الإثم ، أما الذى يدمن الإثم فهو ( أثيم ). وكذلك أوصاف ( كذاب ، أفاك ). وكلها أتت فى القرآن الكريم .

2 ـ على نفس النسق يأتى وصف ( صابر ) لمن يصبر على المحنة والنقمة . ولكن من يصبر على النعمة يأتى وصفه بصفة المبالغة ( صبّار ) على وزن ( فعّال ) ويأتى بعدها وصف المبالغة ( شكور ) على وزن ( فعول ). هنا تعظيم للصبر الايجابى عند النعم ، لأنه يكون ( شكورا ) على نعمة الله.

3 ـ تكرر قوله جل وعلا : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) أربع مرات يقترن فيها وصف ( صبّار ) بوصف ( شكور ) ، وهذا فى ثلاثة موضوعات :

3 / 1 : نعمة تسخير البحر للإنسان . المؤمن الذى يشكر ربه على هذه النعمة ( يصبر عليها ) يكون ( صبارا شكورا ) ويكون هذا آية لكل ( صبار شكور ) . قال جل وعلا :

3 / 1 / 1 : (  أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّـهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿٣١﴾ لقمان )

3 / 1 / 2 : (وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴿٣٢﴾ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿٣٣﴾ الشورى   ) .

3 / 1 / 3 : وفى التأكيد على هذا قال جل وعلا  فى الشكر على نعمة ركوب البحر والأنعام : ( وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ ﴿١٢﴾ لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴿١٣﴾ وَإِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴿١٤﴾ الزخرف )

3 / 2 :   وأمر الله جل وعلا رسوله موسى أن يذكّر قومه ب( أيام الله ) أى نعمائه فهى آيات لكل صبار شكور . قال جل وعلا :( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّـهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿ابراهيم: ٥﴾ .كان هذا مقدمة لكى يذكرهم موسى بنعم الله جل وعليهم ، وأنهم إذا شكروا ربهم زادهم من نعمائه ، وإن كفروا بنعمائه فإن عذابه شديد . قال جل وعلا بعدها : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴿٦﴾وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿٧﴾ ابراهيم ). واضح هنا ان عدم الصبر على النعمة يعنى كفرانها . وهذا الكفرين يؤدى الى عذاب شديد.

3 / 3 : الموضوع الثالث فى ورود ( صبّار شكور ) هو فى قصة أهل سبأ فى اليمن ، وقد وقعوا فى كفران النعمة ، جعلهم الله جل وعلا آية لكل صبار شكور . قال جل وعلا : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿١٥﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿١٦﴾ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴿١٧﴾ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ﴿١٨﴾ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴿سبإ: ١٩﴾ سبأ ) .

ثالثا : بطر النعمة يعنى عدم الصبر عليها   

1 ـ البطر على النعمة هو عدم الصبر على النعمة. قال جل وعلا فى إهلاك بعض الأمم السابقة : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴿٥٨﴾ القصص ) .

2 ـ قوم موسى بعد أنجاهم الله جل وعلا من فرعون ثم ملكوا مصر ، تعودوا على البطر ونكران النعمة ، إذ يؤتى لهم بما يطلبون فيردون بالجحود . كانوا أسوأ مثل على عدم الصبر على النعمة .

2 / 1 : جاءهم الأمر بدخول قرية ليأكلوا منها وأن يحمدوا ربهم ، فغيروا القول فعاقبهم رب العزة بالرجز ( الدمامل ) التى عاقب بها من قبل فرعون وقومه. قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚوَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٨﴾ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴿٥٩﴾ البقرة )

2 / 2  :  طلبوا منه فى الطريق أن يستسقى لهم . قال جل وعلا : (  وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ البقرة )

2 / 3 : ومع مياه الشرب أنعم الله جل وعلا عليهم بطيور تناله أيديهم ( السلوى ) ونبات عسلى الطعم ( المن ) . قال جل وعلا : (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿٥٧﴾ البقرة ). وتبرموا بهذا الطعام ورفضوه ولم ( يصبروا ) عليه كأنه بلوى ، وفضلوا عليه الطعام المصرى ( الكشرى ). قال جل وعلا : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ) وكانت عقوبتهم ، قال جل وعلا : ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّـهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴿٦١﴾ البقرة ).

3 ـ ووقع فى البطر قريش : خرجوا للحرب فى ( بدر ) فخورين مختالين ، قال جل وعلا يحذر المؤمنين من حالهم :  ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ ۚوَاللَّـهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ﴿٤٧﴾ الانفال )

رابعا : عدم الصبر على النعمة يعنى كفرانها وجحدها :

1 ـ عن الكفر بنعم الله جل وعلا والتى لا يمكن إخصاؤها قال جل وعلا : ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا ۗإِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴿٣٤﴾ ابراهيم )

2 ـ فى التشريع الاسلامى ( المهجور ) أن يكون العبد المملوك شريكا لسيده فى التمتع بالرزق ، يأكل من نفس طعامه ويرتدى نفس نوع ثيابه ، ويساكنه . يكونان سواء . بدون هذه المساواة يكون المالك قد جحد نعمة ربه. قال جل وعلا : ( وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ ﴿٧١﴾ النحل )

خامسا : القرآن الكريم أعظم النعم ، والكفر بالقرآن

1 ـ الرسالة الالهية التى تنزل بالهداية هى أعظم النعم. وهذا مفهوم من سورة الفاتحة. وحدث فى الرسالات الإلهية السابقة تحريف وتبديل ، ويحدث الآن تحريف فى معانى القرآن . وتوعد الله جل وعلا بعقاب شديد من يفعل ذلك ، قال جل وعلا : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّـهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿٢١١﴾ البقرة )

2 ـ وجاء وصف القرآن الكريم بالنعمة :

2 / 1 : ردا على اتهامهم النبى محمد عليه السلام بأنه كاهن أو مجنون . قال جل وعلا : ( فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ ﴿٢٩﴾ الطور )( ن  ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿١﴾ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ﴿٢﴾ القلم )

2 / 2 : فى أمر الله جل وعلا له فى نشر الدعوة القرآنية ( نعمة ربه جل وعلا ) : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴿١١﴾ الضحى )

2 / 3 : فى إنكارهم القرآن مع معرفتهم أنه حق ، وأن الرسول ليس سوى البلاغ . قال جل وعلا :( فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿٨٢﴾ يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٣﴾ النحل )

2 / 4 : فى وعظ المؤمنين بتطبيق ما أمر الله جل وعلا به : ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ  ) ﴿٢٣١﴾ البقرة ). نعمة الله هنا هى ما أنزله من الكتاب والحكمة يعظهم به. لم يقل (بهما ) لأن الكتاب هو الحكمة.

2 / 5 : قال جل وعلا عن إيمانهم بالباطل وكفرهم بالقرآن نعمة الرحمن : ( أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ ﴿٧٢﴾ النحل )

3 ـ وجاءت آيات تتحدث عن تمام النعمة ، أى تمام نزول القرآن . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( ليَغْفِرَ لَكَ اللَّـهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿٢﴾ الفتح  )

3 / 2 : ( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿١٥٠﴾ البقرة )

3 / 3 : ( مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٦﴾ المائدة )

3 / 4 : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) ﴿٣﴾ المائدة )

سادسا : نعمة القرآن ونعم أخرى  

1 ـ أنعم الله جل وعلا بالأمن ورغد العيش على قريش ، ثم أنعم عليهم بالقرآن ، فكفروا بنعمة القرآن وبطروا بالنعم الأخرى . قال جل وعلا فيهم :

1 / 1 ـ  ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ۚ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴿٥٨﴾ القصص ). إعترفوا بأن القرآن هدى ، ولكن تصوروا أن إتباعهم هدى القرآن سيثير العرب ضدهم ، فذكّرهم رب العزة بنعمة الحرم وما يوفره لهم من أمن ورخاء كما جاء فى  سورة قريش .

1 / 2  ـ ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚأَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ ﴿٦٧﴾ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴿٦٨﴾ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٦٩﴾ العنكبوت ). عاشوا فى أمن ورخاء بينما تسود الحروب والفوضى حولهم ، فبطروا هذه النعمة وآمنوا بالأحاديث الباطلة وكفروا بالقرآن الكريم نعمة الله ، وكذبوا آياته وإفتروا على الله جل وعلا أحاديث كاذبة .

2 ـ وضرب لهم مثلا تحذيريا فقال : ( وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١١٣﴾ النحل )

أخيرا :

1 ـ ألا تنطبق الآيات الكريمة السابقة على الشرق الأوسط الآن ، حيث نعمة البترول التى بدلوها كفرا ، ونعمة القرآن التى بدلوها بأحاديث شيطانية ؟

2 ـ قال جل وعلا حكما عاما ينطبق على كل زمان ومكان : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ ﴿٢٨﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ﴿٢٩﴾ وَجَعَلُوا لِلَّـهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴿٣٠﴾ ابراهيم ).

اجمالي القراءات 5650

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الجمعة ١٧ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90884]

الصبر و روعته بقلم الصابر الدكتور أحمد نسأل الله جل و علا أن يجعله و يجعلنا من الصبّارين الشكورين .


كالعادة و فوق العادة مقال يغوص في أعماق آيات الكتاب العزيز ليجلب درر هذا الكتاب العظيم .. حفظكم الله جل و علا و أشعر بألم صبرك و تضحيتك و أنت تكتب عن الصبر فالصابر حين يكتب عن الصبر فالنتيجة بلا شك تكون رائعة و رائعة جدا .



قسّم الدكتور أحمد المقال لقسمين : ( الصبر عند النعمة و المنحة و وصفه بالعظيم ) و ( الصبر عند المحنة و النقمة و وصفه بأنه عادي ! ) .. أروع مثال للصبر عند المحنة و النقمة هو سحره فرعون و هو مثال قمة في الصبر على المحنة و النقمة و من أسف أن لا يكون لهؤلاء ( العظماء الصابرين ) أي تخليد في مصر و لا حتى ذكر في الأمثال الشعبية فعند ذكر الصبر يُذكر أيوب عليه السلام و أيوب عليه السلام بلا شك كان صابر على ( المرض ) أما العظماء – سحرة فرعون المصريون – صبروا على الحق و سطعوا به و أمام من ؟ أمام الفرعون . هؤلاء هم الرجال الصابرين الذين يجب أن يُخلّد صبرهم بتماثيل تحكي عن موقفهم ضد الكفر و الاستبداد و الظلم و الإيمان بالله عز و جل و آياته . ( يا حسرة !! ) .



القسم الثاني فصّل في الصبر عند النعمة و المنحة و ما أجمل و أروع الأمثلة التي ربطها حفظه الله جل و علا و دائما القرآن الكريم في قصصه تتعظ و تعتبر بها و تبقى حالات عبر التاريخ حدثت بعد نزول القرآن الكريم و مازالت تحدث و تتكرر لأنها بكل بساطة تصديق للقرآن الكريم و فعلا ما يحدث في ( الشرق الأوسط ) تنطبق تماما فقد بدلوا نعمة الله جل و علا كفرا و نعمة القرآن الكريم بالأحاديث .



الأروع كذلك في المقال هو معنى ( القرآن الكريم بنعمة الله ) .. حفظكم الله جل و علا و دمت باحثا و مفكرا راقيا و بنعمة الله جل و علا تتحدث .    



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ١٧ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90885]

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول :


نعمة الصبر عند الشدائد يتذكرها المؤمن بعدئذ فيشعر بمدى أثرها فى تقويمه وفى تقواه . 

نعمة الصبر على العطاء الالهى ـ بأن يكون المؤمن الصابر شكورا ـ  تعطى راحة نفسية وسعادة غامرة . هناك أثرياء مترفون وبليونيرات لا يصبرون على نعمة الله جل وعلا عليهم ولا يقومون بواجب الشكر والحمد ، لذا تراهم فى بؤس نفسى ، لا يحسون بالمتعة فيما يأكلون ولا ممفى تقلبهم فى البلاد. دائما هم فى هموم وخوف وفى صراع لا يهنأون بلحظة راحة، ويلقى ابناؤهم منهم الاهمال وربما يقعون فى الادمان والضياع. تنقلب النعمة عليهم نقمة. وما ظلمهم الله جل وعلا ولكن أنفسهم يظلمون .

أعظم نعمة هى الهداية ، ويتبعها راحة البال لأنك تتوكل على الرحمن جل وعلا وتسعى فى الدنيا متقيا ربك جل وعلا فيرزقك من حيث لا تحتسب . 

اللهم اجعلنا من الصابرين المتقين.  

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,056,285
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي