مَن أنت؟ يجيبه بالاسم الذي يختار من بضعة حروف. :
من أنت... ايها الإنسان

محمد صادق Ýí 2019-04-08


من أنت... ايها الإنسان

مقدمة:

قديمًا كان الحكماء يجعلون شعارهم في نصيحة الإنسان نصيحة قد ترادف سؤالهم: مَن أنت؟ يجيبه بالاسم الذي يختار من بضعة حروف. قد يسمعه عشرون في الحجرة  وهو على أية حال سؤال واحد ويجيبون عليه عشرين جوابًا متفرقات.

تتأسس مكانة الإنسان في القرءآن على مبادئ كثيرة، تشكل جوهر ما يمكن اعتباره نزعة إنسانية قرءآنية؛ فإلى جانب كون القرءآن تناول الإنسان في أبعاده المتعددة، يؤكد في نفس الوقت أنه الكائن الوحيد الذي خصه الله بهذه المنزلة الرفيعة. خاصيتا التكريم والتفضيل التي ميز بهما الله الإنسان.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)الإسراء 70

حسب المفاهيم القرءآنيّة فإنّ خلقة الإنسان تختلف عن سائر المخلوقات، فكلّ نوعٍ من المخلوقات ما عدا الإنسان، قد خُلق بنسقٍ واحدٍ وله بعدٌ واحدٌ, إلا أنّ خلقة الإنسان تتمتّع ببعدين متعاكسين تماماً، فهو إمّا أن يكون رمزاً للشرّ أو رمزاً للخير.

كما قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)الشمس 7-10

{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (سورة الإِنْسان 3)

ولقد ذُكِرَ الإنسان في القرءآن بغاية الحمد وغاية الذم في الآيات المتعددة، وفي الآية الواحدة، فلا يعني ذلك أنه يُحمد ويُذم في آنٍ واحدٍ، وإنما معناه أنه أهل للكمال والنقص بما فُطر عليه من استعداد لكل منهما؛ فهو أهل للخير والشر؛ لأنه أهل للتكاليف والإنسان مسئول عن عمله — فردًا وجماعة — لا يؤخذ واحد بوزر واحد، ولا أمُّة بوزر أمُّة:

كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ  (سورة الطور 21)

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سورة البقرة 134

بعد هذه المقدمة، نعود إلى السؤال الأزلى الذى هو عنوان المقال:  

من أنت ؟ هل وقفت مرة أمام المرآة ونظرت إلى صورتك وسألت الصورة... من أنت؟ هل نسيت أصل خليقتك؟ إقرأ قول الله تعالى: { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (سورة السجدة 7)

 هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) (سورة الأَنعام 2)

ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ:

إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50) (سورة الدخان 43 - 50

خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ....هذا هو أصلى وأصلك... فلماذا تمتر وتجادل وتشك... أيها الإنسان؟ هل نسيت أصلك؟

لماذا تتكبر وتتعالى علىى عباد الله وتنظر إليهم نظرة دونية... الم تقرأ قول الله تعالى:

هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } (سورة الإِنْسان 1) فمن أنت...؟

 تدبر قول الله رب العباد:وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا } (النساء 4:28)

لماذا تحاول أن تقنع غيرك بأنك تعلم كل الحقيقة وغيرك لا يعلم؟ نسيت قول الله تعالى:

وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (سورة النحل 78)

ويقول أيضا: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } (الإسراء 36

هل قرأت وتدبرت ماذا قال قارون وماذا حدث له:

قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }....78

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} (سورة القصص 81

ولنقرأ سويا هذا المقطع من القرءآن الكريم:

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) (الفجر 15 –16)

هذا الإنسان لم يتذكر قول الله سبحانه عن الإنسان بصفة العموم:

{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) (سورة العاديات 100:6)

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) (سورة فصلت 49)

( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } (سورة الإسراء 11

{ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} (سورة الإسراء 17:83

والآن اسال نفسى وإياكم : { يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) (سورة الِانْفطار 6

لماذا هذا الغرور...أليس هو:

(الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) (سورة الِانْفطار 7 - 8

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38  (سورة الإسراء 37 - 38

الخلاصة:

الإنسان في عقيدة القرءآن هو الخليقة المسئول بين جميع ما خلق الله، يدين بعقله فيما رأى وسمع، ويدين بوجدانه فيما طواه الغيب فلا تدركه الأبصار والأسماع ، أسرة واحدة لها نسب واحد وإله واحد، أفضلها من عمل حسنًا واتَّقى سيئًا، وصدَق النية فيما أحسنه واتقاه.

{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ  (سورة الأنبياء 92)

سرّ اختلاف بني آدم في الإنسانية:

يا تُرى هل أنّ الله تعالى خلق العالم وسخّر ما فيه لهذا الإنسان الكفور الجحود الضعيف العجول الظالم الشرّير، وفي الوقت نفسه جعله خليفته في الأرض؟!

القرءآن يجاوب: سورة العصر هى الإجابة التى تجمع شتات مقاصد القرءآن فى أوجز بيان:

وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) (سورة العصر 1 - 3)

العقل رشد يميز بين الهداية والضلال، العقل رَوِية وتدبير، العقل بصيرة تنفذ وراء الأبصار والعقل ذكرى تأخذ من الماضي للحاضر، وتجمع العبرة مما كان لما يكون، وتحفظ وتَعِي وتُبدئ وتُعيد والعقل بكل هذه المعاني موصول بكل حجة من حجج التكليف، وكل أمر بمعروف، وكل نهي عن محظور أفلا يعقلون؟ أفلا يتفكرون؟ أفلا يبصرون؟ أفلا يتدبرون؟ أليس منكم رجل رشيد؟ أفلا تتذكرون؟

وفى الختام : قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) (سورة الزمر 11 - 15

صدق الله العظيم.

 

 

اجمالي القراءات 7182

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (2)
1   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الأربعاء ١٠ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90735]

وفى أنفسكم افلا تُبصرون .


اكرمك الله  استاذ محمد صادق . مقال جميل ورائع  وتذكرة مُفيدة للإنسان ( سواء كان مؤمنا أم مُختالا بنفسه ) بأن يتوقف مع نفسه كُل فترة ويُحاسبها  ويقول لها (أين انا  من طاعة الله )؟وليتذكر  أنه فى حاجة ماسة ودائمة إلى رحمة الله  به فى الدُنيا والآخرة ، وليتدبر ويتفكر فى قول الله  ( وفى أنفُسكم أفلا تُبصرون ) فيتعرف على قُدرة الله فى خلقه ، وعلى حاجته إلى عفو الله ولُطفه به فى تسيير وظائف هذا الجسد وهذه النفس دون خلل أو عطب يلم به حتى يأتى أمر الله ، أو كما سماه القرآن حتى يأتيه يقين الموت والوفاة ....



2   تعليق بواسطة   محمد صادق     في   السبت ١٣ - أبريل - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90753]

أخى الحبيب د. عثمان على


أخى الكريم د. عثمان على ، شكرا على مداخلتك وكلماتك الطيبة التى زادت فى معانى المقصود من المقال فجزاك الله خيرا. آىسف على التأخير فى الرد على سيادتكم.



كل التقدير والإحترام.



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-10-30
مقالات منشورة : 451
اجمالي القراءات : 7,332,907
تعليقات له : 702
تعليقات عليه : 1,407
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Canada