الكتاب كله : ( الاسلام دين الصدق )

آحمد صبحي منصور Ýí 2017-11-24


    هذا الكتاب : ( الاسلام دين الصدق )

1 ـ جاءنى سؤال عن لماذا أقول ( ودائما : صدق الله العظيم ) ، ورددت بمقال جعلته ضمن باب ( القاموس القرآنى ) عن مصطلح ( صدق ) ومشتقاته فى القرآن الكريم . ثم إتسع البحث فى مادة ( صدق ) لتصبح مقالات متعددة ، رأيت أن أجمعها فى هذا الكتاب ( الاسلام دين الصدق ) .

2 ـ منهج هذا الكتاب هو نفس المنهج فى باب ( القاموس القرآنى ) الذى لا يتوقف مع كل آية بالتحليل والتدبر ولكن استعراض معنى المصطلح خلال القرآن كله ، وبهذا يكون ( القاموس القرآنى ) مجرد بداية وتمهيد لأبحاث لا حقة وتيسير على الباحثين القرآنيينوتحويل هذه المقالات الى كتاب لا يستلزم التغيير فى المنهج ، لأن معظم ما جاء فى هذه المقالات سبقت الاشارة اليه فى ابحاث لنا سابقة . الجديد هنا هو العنوان ( الاسلام دين الصدق ) .

3 ـ سبقت لنا أبحاث عن الاسلام دين السلام ودين العدل والشورى ( الديمقراطية ) ، وغيرها .. هذا الكتاب يضيف اليها : ( الاسلام دين الصدق ) . والمقالات هنا تتناول الموضوع من زوايا مختلفة تبعا لمشتقات مصطلح ( صدق ) والتناقضات بين الاسلام ( القرآن ) القائم على الصدق والأديان الأرضية الشيطانية المؤسسة على الكذب والتكذيب . والتناقضات بين المؤمن الحقيقى الملتزم بالصدق فى التعامل مع الناس وبتصديق الكتب الالهية وبين الكافر المدمن للكذب وتكذيب الحق ، حتى يوم القيامة .

4 ـ على أن هناك قضية أخرى تحتاج الى توضيح فى هذه المقدمة ، جاءن عنها إشارة فى إحدى المقالات ، ولكن تحتاج الى تفصيل : القرآن هو الصدق ، وهو إحتكار للحق فيما يخص دين الله جل وعلا . فهل الذى يدعو بالقرآن الكريم وحده له الحق فى أن يحتكر الحق والحقيقة طالما هو يستشهد فيما يقول بآيات القرآن الكريم ؟

5 ـ نقول : لا . لماذا ؟

5 / 1 : لأن الداعية القرآنى يقول رأيه ويكتب إسمه على ما يكتب وعلى ما ينشر ، فما يقوله هو منسوب اليه ، وهو رأيه الشخصى ، وقد يترجع عنه ، لأنه بشر قد يخطىء وقد يصيب . ومثلا فإن كتابى : ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ) يستشهد فى كل فقرة بآية قرآنية ، ولكن فى نهاية الأمر هو بحث مكتوب عليه إسم المؤلف ، وهو من تدبره وإجتهاده ، ومطلوب من القارىء  أن يستوثق مما يقرأ . أى إن الكاتب يستشهد بالقرآن وهو ( صدق مطلق ) ولكن إستشهاده قد يكون خاطئا ، أى إن الكاتب ليس له أن يحتكر (الصدق القرآنى ) أو ( الحق القرآنى ) لأن كتابه الذى قام بتأليفه ليس القرآن بل هو تدبر فى القرآن ، وهذا التدبر قد يخطىء وقد يصيب .

5 / 2 : لأن النبى محمدا عليه السلام لم يكن سوى مُبلّغ للصدق القرآنى أو الحق القرآنى . وبلّغه كما هو . ولم يكن له أن يتقول شيئا ليس فى القرآن ، ولو تقوّل شيئا ليس فى القرآن لعوقب أمام الجميع ، قال جل وعلا : (تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)  الحاقة  ). بل كان مستحيلا على النبى أن يضمر فى قلبه مساسا بالقرآن المكتوب فى قلبه منذ أن إلتقى الروح جبريل ( النجم 1 : 12 ، البقرة 97 ) ، قال جل وعلا (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَأْ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) الشورى ) وهذا من ملامح حفظ الله جل وعلا للقرآن الكريم ، وهو الحق المطلق أو الصدق المطلق . عليه السلام لم يكن عليه سوى البلاغ وما يعنيه البلاغ من تبشير وإنذار وشهادة ونور وتعليم ، وكان يفعل كل ذلك بالقرآن بلا زيادة ولا نقصان . حتى حين كانوا يسألونه ، لم يكن يجيب من عنده بل كان ينتظر أن تنزل الاجابة قرآنا ، ( يسألونك عن ) كذا ( قل ) كذا . ومنشور لنا هنا كتاب عن كلمة (قُل ) فى القرآن تؤكد أن كل أقوال الرسول هى فى القرآن الكريم وليست خارج القرآن الكريم . أى إن للاسلام مصدرا وحيدا هو القرآن ، وهو وحده الصدق الذى يجب أن ( نُصدّق ) به وأن نؤمن به . وليس للنبى محمد كلام فى الاسلام . كلامه مع الناس ليس دينا ، وكلامه فيه الخطأ وفيه الصواب ، وقد تعرض الى العتاب واللوم بسبب بعض كلامه ، وتعرض للمدح أيضا بسبب بعضها . أى إنه كشخص لا يحتكر الحق . ولكنه كرسول يتكلم مبلغا الرسالة فهذه الرسالة التى يبلغها هى الحق كله والصدق كله .

5 / 3 ـ ثم إن زعم واحد من البشر إحتكار الحق والحقيقة يتنافى مع الحرية المطلقة فى الاسلام . النبى محمد نفسه أمره ربه جل وعلا أن يقول للكافرين من قومه : ( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135) الانعام ) (اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) هود ) ( ِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر )، أى عليه أن يحترم حريتهم فيما يشاءون من عقيدة ومن عبادة ، وأن ينتظر حكم الله جل وعلا عليه وعليهم يوم القيامة . إذا كان هذا بالنسبة للنبى محمد عليه السلام فكيف بنا نحن ؟!!

6 ـ على أن هذا لا يتنافى مع التكفير ، فالداعية للحق القرآنى عليه أن يحكم بكفر الفعل والقول ، أى يقوم بتنزيل الحكم القرآن بالكفر على من يقول نفس كلام الكافرين ويفعل نفس فعلهم . ليس هذا إحتكارا للحقيقة أو الصدق ، وليس هذا ماسّا بالحرية الدينية المطلقة لسببين :

6 / 1 : إن للخصم نفس الحق فى التكفير . والتكفير ملمح أساس فى الأديان الأرضية كلها ، وملمح أساس فى الدين الالهى (الاسلام ) ، وأكثر الكلمات القرآنية شيوعا هى الكفر والشرك وما يقارنها من أجرام وظلم واسراف وفسوق ..الخ .

6 / 2 : التكفير فى معظم الأديان الأرضية يقع على الشخص وقد يعنى الحكم بقتله ، أما التكفير فى الاسلام فهو للوعظ ، وهو ينصب على ما يقوله الشخص وما يفعله ، وليس عليه هو لأن المقصود أن يتوب هذا الشخص وأن ينجو من الخلود فى النار . وهذا الشخص إذا تاب وأناب سقط عنه وصف الكفر . أى إن الشخص ليس محل التكفير بل ما يفعله وما يقوله .

7 ـ وهكذا ، فالقرآن الكريم هو وحده ( الصدق ) وكذلك الكتب التى أنزلها الله جل وعلا على من سبق من الأنبياء . ولأنها الصدق كله فمطلوب ( التصديق بها ) أو ( الايمان بها ) . وهذا ما كان عليه خاتم النبيين ، قال جل وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)  البقرة ) 0 () يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ) (وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى ).

8 ـ إذن ، لا إيمان بكلام البشر ، لأن الايمان هو بالصدق المطلق أو الحق المطلق الذى قاله رب العالمين جل وعلا .

9 ـ ولذا نقول : ( ودائما ..صدق الله العظيم ).!

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ): (1 ) : بمعنى الايمان والتصديق

  

القاموس القرآنى ( صدق ):  (1 ) : بمعنى الايمان والتصديق

مقدمة :

1 ـ المحمديون إتخذوا القرآن مهجورا ، وينطبق عليهم ما جاء فى القرآن الكريم من عقاب دنيوى ، ونراه يحتل الأخبار فى العالم كله . وهناك باب بحثى بمقالات عن  القرآن وكيف يتحقق واقعا فى التاريخ ، ومنهجنا الاصلاحى أن نحتكم الى القرآن الكريم فى أحوال المحمديين فى الماضى وفى الحاضر . لهذا أقول أحيانا فى ختام المقالات (ودائما : صدق الله العظيم .! ). إن لم يكن أهل القرآن هم الذين يقولون (  ودائما : صدق الله العظيم .!   ) فمن غيرنا يقولها ؟!!

2 ـ  جاءنى سؤال يقول:( بعد تلاوة القرآن الکريم،يقول السنّي: صدق الله العظيم. والشيعى يقول: صدق الله العلي العظيم. وانتم تقولون:ودائما صدق الله العظيم. ما حکمه ؟ أليست هذه التعبيرات بدعة ؟ و أيّها افضل؟)  

3 ـ  يمكن الاكتفاء بالرد فى فتوى تقول إن الأمر بالقول ( صدق الله ) جاءت فى قوله جل وعلا : ( قُلْ صَدَقَ اللَّهُ )(95) آل عمران ) ، ويكفى قوله جل وعلا : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً (87) النساء) ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء)، ولأننا  ( دائما ) نستشهد بالقرآن الكريم فى إصلاح ( المحمديين ) فالأفضل أن نقول (ودائما : صدق الله العظيم .! ).

4 ـ ولكنها فرصة للتوقف مع مصطلح ( صدق ) ومشتقاته فى القرآن الحكيم .

ونبدأ بما يخص الايمان والتصديق

أولا : وصف القرآن الكريم بالصدق :

1 ـ يقول جل وعلا عن تمام القرآن الكريم وأنه لا مبدل لكلماته : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الانعام  ). نلاحظ أن هذه الآية القرآنية الكريمة نزلت فى مكة ، وكان الكتاب لا يزال يتنزل . وقلنا فى بحث عن ( ليلة القدر هى ليلة الاسراء ) إن الكتاب نزل مرة واحدة على قلب النبى فى ليلة القدر التى هى ليلة الاسراء ، ثم كان يتنزل متفرقا قرآنا مقروءا الى أن تم نزولا ومات بعدها النبى محمد عليه السلام . فقوله جل وعلا :( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ )  تشير الى تمام نزوله مرة واحدة كتابا على قلب النبى حين رأى جبريل . ومن ذلك قوله جل وعلا فى سورة مكية (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً ) الكهف ).

وهذا النزول للكتاب موصوف بأنه صدق وعدل وأنه لا مبدل لكلماته فى القرآن الكريم . ونظير ذلك قوله جل وعلا فى نفس سورة الكهف : (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27 ) . المحمديون يكذبون رب العزة هنا إذ يزعمون أن كتاب الله جل وعلا ليس تاما بل هو ناقص وأن كتبهم التى يقدسونها هى التى تكمله وتبدل أحكامه ، وإخترعوا اسطورة النسخ بمعنى الإلغاء لأحكام القرآن الكريم وزعموا أن أحاديثهم تنسخ أى تلغى أحكام القرآن الكريم . جدير بالذكر أن آية (115 )  من سورة الانعام جاءت فى سياق يؤكد أن أحاديث المحمديين وغيرهم من خرافات الأديان الشيطانية ليست سوى وحى شيطانى . يقول جل وعلا : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116 ) الانعام ). وبالتالى فإن أولئك الأئمة هم أعداء النبى محمد عليه السلام  ، وهم أظلم البشر .

2 ـ وفى هذا يقول جل وعلا : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر ) . وهنا نى وصف رب العزة جل وعلا للقرآن بأنه ( صدق ) وأن الرسول جاء بهذا الصدق .

ثانيا : القرآن الكريم ( مصدق ) لما سبقه من الكتب السماوية

1 ـ تكرر كثيرا صف القرآن الكريم بأنه ( مصدق ) لما سبقه من كتب سماوية سابقة ، من ذلك قوله جل وعلا :(وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)يونس:37 )، ( مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)يوسف:111 ) (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) الأنعام:92 )(وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً )الأحقاف:12 ) (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ َ)آل عمران:3 )(وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ  )المائدة:48 )(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ )فاطر:31 ). وقال جل وعلا عن خاتم النبيين : (بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ)الصافات:37 )

2 ـ وتكرر نفس المعنى فى قوله جل وعلا عن الوحى لكل الأنبياء: ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ) وفى قوله جل وعلا عن أُسُس التشريع الواحدة  لكل الأنبياء: ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ )(13) الشورى ) وفى قوله جل وعلا عما يُقال لنبى وما كان يقال للأنبياء من قبله ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) (43) فصلت) وعن الأساس الايمانى ب ( لا إله إلا الله ) فى كل الوحى الالهى : (  وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الانبياء ) وفى التحذير من الشرك لكل الأنبياء (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65)الزمر ) .

3 ـ وقت نزول القرآن الكريم كان مع أهل الكتاب فى الجزيرة العربية التوراة الحقيقية والانجيل الحقيقى ، لذا نزلت الآيات تدعوهم الى الايمان بالقرآن الذى يصدّق ما معهم من التوراة والانجيل . قال لهم رب العزة جل وعلا : (وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ) البقرة:41 ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ  ) النساء:47 ).

4 ـ ولكن كثيرين منهم كفروا بما نزل مصدقا لما معهم . وهذا يخالف المنطق ، فإذا كانوا يؤمنون بالتوراة والانجيل فلا بد أن يؤمنوا بنفس الحقائق التى جاء بها القرآن الكريم . قال جل وعلا عنهم : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ)البقرة:89 ) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ ) البقرة:91 )، (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)البقرة: 101 ). بل أعلنوا عدءهم لجبريل الذى بالكتاب على قلب النبى فقال جل وعلا : (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)البقرة:97 )

 5 ـ وقبل خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام ـ كان كل نبى يأتى مصدقا لمن سبقه من أنبياء وبما نزل عليه من كتاب،وبهذا أخذ الله جل وعلا العهد والميثاق على أنفسهم قبل وجودهم الحسى ، قال جل وعلا : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) آل عمران:81 ). وعيسى عليه السلام كان مصدقا لما سبقه من التوراة وكانت رسالة الانجيل مصدقة للتوراة ، قال جل وعلا عنه : ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)المائدة:  46 ). وهذا ما أعلنه عيسى عليه السلام لقومه ، قال لهم : (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ ) آل عمران:50 )، و قال جل وعلا : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف: 6 )

ثالثا : التصديق ( من الصدق فى الايمان ):

  ( صدّق ) بمعنى ( آمن ) .

  1 : منه الايمان بالخالق جل وعلا :  (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (57) الواقعة ) تصدقون أى تؤمنون . بعدها يقول جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)  )الواقعة:57 ).

  2 :وعن الايمان بيوم الدين جاء مصطلح التصديق فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) المعارج:26 ). وهذا ما سيعترف به البشر عند البعث، قال جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ(51)قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) يس:52 )

  3 : ويتبع الايمان باليوم الآخر أو التصديق باليوم الآخر التصديق بالحسنى أى الجنة والعمل الصالحات للفوز بها ، والناس هنا نوعان ، قال جل وعلا : ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ( 10) الليل ). قوله جل وعلا : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى)الليل:6 ) يعنى آمن بالجنة ، فالجنة هى الحسنى وهى جزاء المحسنين ، قال جل وعلا : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) النجم ). فالحسنى اسم من أسماء الجنة ، قال جل وعلا : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) يونس).

  4 :وقال جل وعلا عن مريم : (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ)التحريم:12 ). وفى وصف موجز  للخاسر يوم القيامة قال جل وعلا : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) القيامة:31 )، أى لا آمن ، ولا صلى يعنى لم تكن له صلة بربه جل وعلا .  

  5 : التصديق بما قاله جل وعلا ، وهذا ما لم يفعله بعض الصحابة ، قال جل وعلا : (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)محمد:21 ). وابراهيم عليه السلام إختبره جل وعلا برؤيا منامية ، فصدقها وكاد أن يذبح ابنه ، ونجح فى الاختبار ، قال له جل وعلا : (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)الصافات:105 )

  6 :  ومنه مدخل الصدق ومخرج الصدق بمعنى الايمان فى : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً ) الإسراء:80 ) ولسان الصدق : (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً ) مريم:50 ) (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)الشعراء:84 ).

  7 : ومنه التأييد الايمانى والتعضيد : ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)القصص:34 )

 رابعا  : المؤمنون الصادقون فى إيمانهم

1 ـ يقول جل وعلا عن المتقين اصحاب الجنة:(وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33)الزمر ). الذى جاء بالصدق ( الكتاب الالهى ) هم الأنبياء ، والذين صدّقوا به هم المؤمنون الصادقون .

2 ـ من السهل أن يزعم أحدهم الايمان دون عمل الصالحات . قال جل وعلا عن المؤمنين الصادقين : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)الحجرات:15 )، فالمؤمن الصادق هو الذى تصدق أعماله تبعا لصدق إسمانه . وهنا لا تنفع الصلاة المظهرية بل الاخلاص فى الايمان وإعطاء الصدقة والوفاء بالعهد والصبر الايجابى فى كل الأحوال . هذا هو الصدق فى القلب وفى السلوك . قال جل وعلا فى توصيف المؤمنين الصادقين : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)البقرة:177 ) .

3 ـ  هذا الصدق يتجلى فى المواقف الصعبة ، أو كما قال جل وعلا : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ)البقرة:177 ) .وهناك مثل لذلك للمؤمنين الصادقين فى محنة الأحزاب التى إنفضح فيها كثيرون من منافقين وضعاف الايمان ، بينما تجلى فيها صدق المؤمنين الحقيقيين ، قال جل وعلا عنهم : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً  ) الأحزاب 23 ) ، ومنهم المهاجرون الذين تركوا أموالهم وديارهم ووطنهم وهاجروا ، هؤلاء هم الصادقون من بين الصحابة المهاجرين ، كانوا أغنياء فضحُّوا بديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من ربهم جل وعلا ورضوانا . قال جل وعلا عنهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)الحشر:8 ).

4 ـ هناك صحابة مستضعفون فقراء وجدوا فى الهجرة الى المدينة تحسينا لأوضاعهم وخلاصا لهم من جبروت قريش . هم مسلمون بالسلوك السلمى ولكن كانوا متمسكين بعبادة الأنصاب حتى النهاية ( المائدة  90 : 92 )، وقد وجدوا فى الاسلام حرية الدين والأمن والسلام . قد يزعمون فى الدنيا أنهم صادقو الايمان ، ولكن يوم القيامة سيسأل الله جل وعلا الصادقين عن مدى صدقهم ، ومن كان منهم كافرا بقلبه فمصيره العذاب الأليم . قال جل وعلا : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)الأحزاب:8 ). يدخل فى ذلك المنافقون . إذ تتضح الأمور ويظهر الصادقون فعلا وينكشف المنافقون ، قال رب العزة جل وعلا : ( لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً)الأحزاب: 23 : 24 ) . وبهذا يظهر المؤمنون الصادقون ، وينفعهم صدقهم فى إخلاص الايمان وعمل الصالحات ، قال جل وعلا : (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)المائدة:119 )

5 ـ وجميع الأنبياء والمؤمنين الصادقين هم أّمّة واحدة . تختلف أزمنتهم وأمكنتهم فى هذه الدنيا ، ولكنهم سيكونون جميعا معا رفقاء فى الجنة. عن هذه الأمة الواحدة يقول جل وعلا : (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) النساء:69 ) . فى هذه الأمة الواحدة لا فارق بين ذكر وأنثى ولا فارق فى الزمان والمكان طالما إتصفوا بنفس الصفات العالية ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)الأحزاب:35 ) (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)آل عمران:17 ).

6 ـ ولذا يقول رب العزة يعظ المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)التوبة:119 )، وإذا ماتوا متقين فسيكونون يوم القيامة مع الصادقين أصحاب الجنة . ومن خرافات الشيعة أنهم يحرفون معنى هذه الآية يجعلون ( وكونوا مع الصادقين ) أى مع ( على بن أبى طالب وذريته ) .!!

7 ـ وأصحاب الجنة منهم السابقون المقربون ومنهم أصحاب اليمين . وبهذا يكون هناك ( صادق ) من أهل اليمين ، ويكون هناك ( صدّيق ) أى ملازم للصدق فى حياته ويكون يوم القيامة الأعلى منزلة ، أى من السابقين المقربين من رب العالمين .

8 ـ والله جل وعلا وصف ابراهيم عليه السلام بأنه:( كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) مريم:41 ). والسنيون يكذبون بهذا ويؤمنون بما إفتراه البخارى من الزعم أن ابراهيم كذب ثلاث كذبات . والله جل وعلا وصف إدريس عليه السلام بنفس الوصف ،فقال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) مريم:56 ). وقال جل وعلا عن أم المسيح : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ  ) المائدة:75 ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 2 ) صدقُ أى تحقُّقُ الوعد الالهى  

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 2 )  صدقُ أى تحقُّقُ الوعد الالهى :

مقدمة

1 ـ الله جل وعلا لا يخلف وعده ولا يخلف الميعاد. قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) الرعد) ((9) آل عمران ) (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) الزمر ) (وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ) (6) الروم ) ( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ ) (111) التوبة ) ( وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء ) . وهناك وعود فى الدنيا تحققت وهناك وعود خاصة باليوم الآخر ستتحقّق . وقد جاء فى سياق تلك الوعود الدنيوية والأخروي أن الله جل وعلا ( صدق وعده ) أى تحقق هذا الوعد أو سيتحقق هذا الوعد .

2 ـ الوعد الالهى قد يأتى مشروطا . مثلا : وعده جل وعلا للمؤمنين من سكان المدينة فى بداية دولتهم ، وكانوا أقلية مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس ، كان الوعد بشرط الاخلاص فى عبادة الرحمن وحده،قال جل وعلا لهم: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور)، وتحقق هذا بعد الانتصار فى موقعة (بدر)،قال جل وعلا:(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الانفال )

وأحيانا يأتى الوعد بلا شروط ، مثل وعده جل وعلا لأم موسى: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14)القصص).لم يقل جل وعلا لأم موسى:(فإذا خفت عليه فإحتضنيه ) ولكن (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ  )، وكان الوعد غير مشروط وهو (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ). وتحقق الوعد الالهى (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

3 ـ ونستعرض الوعود التى جاء فى سياقها ( صدق الوعد الالهى ) صريحا أو ضمنيا :

أولا : الوعد الالهى فى الدنيا :

1 ـ إشتكى قوم موسى لموسى ما نزل بهم من بلاء : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الاعراف ) بعدها كان غرق فرعون وورث بنو اسرائيل مُلكه ، قال جل وعلا : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). عن وراثتهم ملك فرعون وإستخلافهم فى الأرض قال جل وعلا:(وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ) يونس:93) هذا الرزق من الطيبات مذكور فى قوله جل وعلا : (فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) الشعراء ).

2 ـ الحواريون من قوم عيسى لم تكفهم الآيات ( المعجزات ) الحسية التى جاء بها . طلبوا منه معجزة إضافية ، هى مائدة تنزل عليهم من السماء .! . وطلبوها بطريقة لا تليق : (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ ). سألوا عن إستطاعة الرحمن وهذا لا يليق ، وقالوا ( ربك ) ولم يقولوا ( ربنا ) . لذا وعظهم عيسى : ( قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) المائدة ) ، صمموا على الطلب :( قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ (113)). فدعا عيسى ربه جل وعلا : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114). واستجاب الرحمن مع شرط بأن يعذب من يكفر منهم بعدها عذابا لا مثيل له : ( قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (115) المائدة ) . كانت هذه آخر آية حسية جاء بها نبى . بعدها كانت آية القرآن العقلية المستمرة الى آخر الزمان . ما يعنينا هنا أن الحواريين قالوا فى تعليل طلبهم (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ ) . نزل الوحى على عيسى بالاستجابة ، أى تصديق دعاء دعا به عيسى عليه السلام .

3 ـ قبيل الصدام فى موقعة بدر كانت البُشرى وعدا :إما القافلة أو النصر ، وكان المؤمنون يودون القافلة بلا حرب خوفا من مواجهة قريش ، قال جل وعلا : (وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(8)الانفال). وتحقق الوعد لأنهم حاربوا إبتغاء وجه الله جل وعلا .

4 ـ إختلف الأمر فى موقعة (أُحُد ) كانهم معهم وعد من الرحمن بالنصر فإعتمدوا عليه وحاربوا وإقتربوا من النصر ، ولكن طمعوا فى الغنائم ، وكان منهم من يريد الدنيا ، فإنهزموا. فالله جل وعلا صدقهم وعده ، ولكنهم أرادوا الدنيا وليس وجه الله جل وعلا ، قال جل وعلا يخاطبهم: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)آل عمران:152 ).

5 ـ تكرر الوعد لهم حين حاصرتهم جيوش الأحزاب . تندر المنافقون على الوعد الالهى : (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) الاحزاب )، بينما إزداد المؤمنون إيمانا : (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) الاحزاب 22 ) . وصدق الله جل وعلا وعده ، فإنهزم الأحزاب بلا قتال .

6 ـ رأى النبى محمد عليه السلام فى المنام أنه يحج،وكانت قريش تصُدُّه والمؤمنين عن البيت الحرام . وكانت هذه الرؤيا وعدا إلاهيا تحقق ، قال جل وعلا : (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح:27 ).

7 ـ قوله جل وعلا فى الآية السابقة (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ) الفتح:27 ) كانت وعدا ضمنيا مسبقا بالنصر أتى بدون كلمة ( الوعد ) ، وقد تحقق هذا الوعد حين رأى النبى محمد عليه السلام الناس تدخل فى دين الله أفواجا ، قال له ربه جل وعلا : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) النصر ). هنا أيضا  إشارة ضمنية لصدق الوعد .  

8 ـ عن الأمم السابقة التى كذبت الرسل قال جل وعلا : ( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمْ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) الأنبياء:9 ). وعد الله جل وعلا رسله والمؤمنين معهم بإهلاك القوم الكافرين وإنقاذ النبى والمؤمنين ، وحقق الله جل وعلا وعده . قال جل وعلا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) الروم )

9 ـ وهناك وعود إلاهية تسرى فى هذه الدنيا فوق الزمان والمكان ، وتتحقق إذا تحققت شروطها قياسا على قوله جل وعلا :(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (55) النور) . من هذه الوعود الالهية المشروطة :

9 / 1 :الوعد المشرط للمؤمنين المسالمين بالانتصار على المعتدين إذا نصروا الله جل وعلا بجهادهم فى سبيله ، فى قوله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ) وجاء هذا بالتأكيد الثقيل فى قوله جل وعلا (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الحج) ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر  ).

9 / 2 : الوعد لمن هاجر بدينه بعد معاناة وصبر وتوكل على الله جل وعلا بالحسنة فى الدنيا والجنة فى الآخرة : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل ) .

9 / 3:الوعد لمن يتقى ربه جل وعلا بالرزق وأن يجعل الله جل وعلا له مخرجا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)الطلاق ). هنا إشارات ضمنية بصدق الوعد ، من رب العزة الذى لا يخلف الميعاد ، وهو القائل جل وعلا باسلوب القصر والحصر : (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ) الذاريات:5 ).

ثانيا : الوعد الإلهى فى الآخرة

1 ـ جاء كثيرا الوعد بالجنة للمؤمنين والوعد بالنار للكافرين.ومنه قوله جل وعلا: ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68))( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)التوبة)،( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)المائدة ).

2 ـ وفى بعضها جاء مصطلح ( صدق الوعد ) ، ومنه قوله جل وعلا  عن وعده للمؤمنين الذين عملوا الصالحات:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً ) النساء:122)(أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)الأحقاف:16 ). هذا تعبير بالمضارع . وجاء التعبير بالماضى الذى يؤكد تحقق الوقوع فى قول أهل الجنة :  (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)الزمر:74 )

3 ـ الرائع هنا وصف الجنة ب ( قدم الصدق ) فى قوله جل وعلا :(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) يونس:2 )، ووصفها بمقعد الصدق فى قوله جل وعلا  عن المتقين :  (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)القمر:55 )

اخيرا : وعد الشيطان لأوليائه

1 ـ ابليس توعد أبناء آدم فقال : (وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ)(119)النساء).لقد وعد بأن يضل بنى آدم وأن يمنيهم بالشفاعات ليستمروا فى الضلال بلا هداية . قال جل وعلا بعدها : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) النساء ). وقد تحقق وعد ابليس فى الأمم السابقة ، قال جل وعلا عن بعضهم:(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) سبأ:20 ).

2 ـ والأحاديث الشيطانية هى التى تؤسس أديان الممديين الأرضية ، وكلهم يؤمن بالشفاعات ويتحول دينه الى أمانىّ . هذا مع إن الله جل وعلا حذّر فى القرآن الكريم من وعود الشيطان الخادعة الغرورة مؤكدا أن وعده جل وعلا هو الحق . قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) لقمان ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) فاطر).ولكن الحمديين إتخذوا القرآن مهجورا وتمسكوا بوعود الشيطان . ثم وهم فى النار سيتبرأ منهم الشيطان معترفا أنه أخلف معهم موعده ، وأنه لم يجبرهم على طاعته وتصديق أحاديثه فى البخارى وغيره . قال جل وعلا عن الشيطان واتباعه وهم فى النار:( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 3 ) فى التعامل

  

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 3)  فى التعامل

مقدمة : هنا يأتى الكذب مقابل الصدق ، سواء كان صدقا فى القول أو صدقا فى الاعتقاد والايمان . ونعطى بعض التفصيلات

أولا : تعامل الله جل وعلا مع الناس: هنا الصدق مقابل الكذب أى الكفر .

1 ـ عن الاختبار فى هذه الحياة الدنيا له أنواع منها إختبار من يؤمن ، هل يصمد إيمانه عند إختبار أو إبتلاء المنحة والمحنة أو النعمة والنقمة أم لا ؟ هل يصبر ويشكر أم يخسر ويكفر . هنا يتبين الصادقون من الكاذبين ، يقول جل وعلا : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)العنكبوت:3 ). 

2 ـ ويوم الحساب سيسأل الله جل وعلا الصادقين عن مدى صدقهم وقد أعدّ للكافرين ( الكاذبين ) عذابا أليما ، قال جل وعلا :  (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً)الأحزاب:8 ). 

ثانيا : فى حكم الناس على الناس فى موضوع الصدق والكذب :

1 ـ الصدق أو الكذب فى موضوع الرسالة ، مثل قول مؤمن آل فرعون مدافعا عن موسى معارضا لقتله : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ) غافر:28 ). هذا الأمير المؤمن من آل فرعون يتكلم بدهاء ؛ قائلا عن موسى إن كان كاذبا فسيحيق به كذبه ، وإن كان صادقا فسيحل بكم ما أنذركم به .

2 ـ كان المنافقون يعتذرون بأعذار شتى مشفوعة بالحلف كذبا حتى لا يخرجوا للقتال دفاعا عن المدينة . وكان النبى يصدقهم دون أن يستوثق إن كانوا صادقين أو كاذبين ، لذا عاتبه ربه جل وعلا فقال : (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ )التوبة:43 ).

3 ـ فى قصة يوسف الغنية بمواقفها والمؤامرات فيها نجد متنوعات من الكذب والصدق :

3 / 1 : أخوة يوسف تآمروا عليه وألقوه فى الجُبّ حيّا ورجعوا لأبيهم يقولون له كذبا : (قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) يوسف:17). زعموا الصدق وهم كاذبون . وهذا فى بداية القصة . فى نهايتها حين إحتجز يوسف أخاه بتهمة السرقة تداول أخوة يوسف الأمر ، فقال كبيرهم : (قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81) وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) يوسف:82 ).هنا قال (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وصد ق فعلا .

3 / 2 :إحتال يوسف فى إحتجاز أخيه . واضح أنه كان الأخ الشقيق ليوسف ، لأنهم كانوا يسيئون معاملته ولأنهم كانوا يصفونه بأخ يوسف (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ )(77) يوسف ). حين جاء أخوة يوسف من أبيه ومعهم شقيقه بادر يوسف بأن إختلى بشقيقه وعرّفه بنفسه وقام بمواساته: ( وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)) ثم قام بتلفيق تهمة السرقة لشقيقه ـ وهذا بعلم الشقيق ـ حتى يحتجزه .وطبقا للشرع السائد فى مصر فإن السارق يعاقب بالاسترقاق ، وبهذا إحتجز أخاه : ( فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ (79) يوسف ). يلفت النظر هنا أن يوسف قال لهم (مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ) ولم يقل ( نأخذ من سرق ) لأن أخاه لم يسرق . والرجل التابع ليوسف  اتهمهم بالسرقة قائلا (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، لم يكن إتهاما مؤكدا بل هو زعم قد يخطىء وقد يصيب لذا قال : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ).

3 / 3 : كذبت إمرة العزيز حين اتهمت يوسف بأنه راودها عن نفسها فى قولها لزوجها : (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) يوسف ) وصدق يوسف حين قال : ( هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ) .وأقيمت محكمة للفصل فى الموضوع كان القاضى فيها رجل من أهل الزوجة : (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ  (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ)يوسف 26:27 ) واتضحت الحقيقة : صدق يوسف وكذبها: (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29) يوسف) . وتندرت نساء المجتمع المخملى المترف فى مصر على إمرأة العزيز كيف يصل بها الحال الى التحرش بعبد من عبيدها ، فإستدعتهن الى حفل ، وأدخلت يوسف عليهن فانبهرن بوسامته الى درجة أنهن لم يشعرن بالسكين تُدمى ايديهن  : (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) يوسف ) عندها إعترفت أمامهن بأنها فعلا راودته عن نفسه وخيرته بين إغتصابه أو السجن فإختار السجن :(قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يوسف ). فيما بعد قرر الملك إطلاق سراح يوسف من السجن فأصرّ يوسف أن تظهر براءته أولا . وحقّق الملك بنفسه فى الموضوع ، وسأل النسوة : (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)يوسف:51 ). هنا إعترفت إمرأة العزيز بالحق وبصدق يوسف .

4 ـ وبمناسبة ما نسميه ب ( الخيانة  الزوجية ) فلو ضبط زوج زوجته فى وضع الزنا ولم يتيسر له شهود ، وصمم على إتهامها بالزنا أى تطبيق عقوبة الزنا عليها بالجلد فهنا تكون ( الملاعنة ). قال جل وعلا : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)النور:6 ) ، (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ)النور:9 ). المستفاد أن كلاهما يزعم نفسه صادقا ويتهم غيره بالكذب .

5 ـ ونتذكر قول سليمان عليه السلام للهدهد بعد أن أخبره عن ملكة سبأ : (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ) النمل:27 ). فى كل ما سبق تداول بين الصدق والكذب.

ثالثا : الصدق فى القول وفى الوعد

1 ـ على عكس المحمديين المشهورين بالكذب وعدم الوفاء بالعهود ففى الاسلام نرى المؤمن الصادق هو الذى يصدق فى وعده وعهده فى التعامل مع الناس ، فمن صفات المؤمنين المفلحين: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)المؤمنون) ومن الوصايا العشر: (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) الانعام ) وتكررت الأوامر بهذا فى قوله جل وعلا :(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) النحل)(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (1)المائدة) (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً (34) الاسراء ).

2 ـ ولم يذكر رب العزة جل وعلا قصص كل الأنبياء ( النساء 164 ، غافر 78) وفى القصص المذكور عنهم لم تأت كل التفصيلات. ومما جاء فى مدح اسماعيل عليه السلام قوله جل وعلا عنه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) مريم :54 ). ويوسف وهو فى السجن إنبهر رفاقه بصدقه فأطلقوا عليه لقب ( صديق ) أى الملازم للصدق ، وبهذا خوطب فقيل له : (يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا ) يوسف:46 )

رابعا : الصديق من الأصحاب

1 ـ والصديق هو الصاحب الصادق فى محبته ، وبهذا يكون التعامل معه كأحد الأقارب  يجوز الأكل عنده ، قال جل وعلا : (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ) النور:61 ) .

2 ـ وهناك صاحب فقط ، أى يصحبك فى نفس الزمان والمكان ، وقد لا يكون عدوا ولا صديقا ، مجرد أن تتواجدا معا فى مكان واحد وفى زمان واحد ، كأن تلتقى بشخص فى غرفة أو فى مصعد ، أو فى (غار ) مثل صاحب النبى ، وقد وصفه رب العزة جل وعلا بالصاحب ولم يصفه بالصديق تناقضا مما قاله المحمديون عن ( أبى بكر الصّدّيق )، وهو خلال تاريخه المعروف أول من ارتكب الخطيئة الكبرى وهى الفتوحات . قال جل وعلا عن النبى وهو قد إختفى فى الغار من الذين كانوا يطاردونه:(إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) لم يقل جل وعلا ( إذ يقول لصديقه ) لأنه لم يكن صديقه ، كان مجرد صاحب . القائل هو الله جل وعلا الذى يعلم السرائر وما تخفى الصدور ، لو كان هذا الصاحب يحب النبى فعلا وصادقا فى محبته لقال ( إذ يقول لصديقه ) . ولأنه لم يكن صديقه صادقا معه وصادقا فى محبّته فإن الله جل وعلا تكلم عن النبى فقط  دون صاحبه فقال :( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) (40) التوبة ). لم يقل (عليهما ) ( وأيدهما ).

3 ـ وهناك أصحاب ـ فى نفس الزمان والمكان وهم خصوم فى الدين ، فقد كان النبى محمد عليه السلام صاحبا لخصومه الكفار من قريش ، وقد صحبوه قبل ان ينزل عليه القرآن فلمسوا صدقه وأمانته ، فلما نزل عليه القرآن إتهموه بالجنون ، فقال جل وعلا يخاطبهم مدافعا عن رسوله مذكّرا لهم بصحبتهم له وبصحبته لهم : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ) (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى(2)النجم)( وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) التكوير)

4 ـ وقد تجتمع الصحبة مع الصداقة فيكون الصاحب صديقا وقرينا وخليلا . والويل لو إستغل أحدهما هذا فى إضلال الآخر،سيكون ندمه هائلا يوم القيامة،قال جل وعلا:( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً (29)الفرقان )

5 ـ وكانت أمام النبى محمد أن يكون خليلا للكافرين من قومه ، وقد كانوا يداهنونه خداعا ، وحذره ربه جل وعلا فقال:(فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) القلم) . وبهذه المداهنة وذلك المكر كادوا أن يفتنوه بأن يفترى حديثا غير القرآن الكريم ، ولو كان له حديث خارج القرآن لاتخذوه خليلا . قال جل وعلا :(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)الاسراء). فالخليل فى التعامل بين البشر هو الحبيب الصديق ، أو هو ( الصديق الحميم ) . 

6 ـ والأخلّاء الكافرون المشركون فى الدنيا سيكونون أعداء لبعضهم يوم القيامة. الاخلاء المؤمنون فى الدنيا سيكونون أخلاء أيضا يوم القيامة.قال جل وعلا : (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف). الكافرون قلبيا وسلوكيا سيتحولون الى أعداء يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض . كانوا فى الدنيا اصدقاء تجمعهم المودة فى الموالد والأعياد الدينية ثم ينقلب حالهم فى الآخرة . هذا ما قاله ابراهيم عليه السلام لقومه : (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) العنكبوت ). هذا بينما يختلف الوضع مع المتقين ، قد تكون بينهم عداوة فى الدنيا ، ولكن تنقلب الى محبة وهم فى الجنة ، قال جل وعلا (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) الحجر). هذا بينما يصرخ أهل النار : (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) الشعراء:101 ) . لذا ينذرنا ربنا جل وعلا من هذا اليوم : ( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) غافر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

 

القاموس القرآنى : ( صدق ) ( الصدقة ) من الصدق (4  

  

القاموس القرآنى : ( صدق ) ( الصدقة ) من الصدق (4 )

مقدمة :

1 ـ هناك من يتبرع بالملايين فى أوجه الخير ، وقد لايكون الغرض من تبرعه وجه الله جل وعلا ، وهناك من يتبرع بالشىء اليسير إبتغاء مرضاة الله جل وعلا . تبرعه يكوون تعبيرا ( صادقا ) عن إيمانه الصادق بربه جل وعلا . ومن هنا يأتى التبرع أو الانفاق الخيرى بمفهوم ( الصدقة ) ، أى التى تعبر عن صدق الايمان . ف ( الصدقة ) مرتبطة بالصدق فى السياق القرآنى .

2 ـ من جمال اللسان العربى أن معنى الكلمة كامن فى بنائها اللغوي ، فالصديق من الصدق والصاحب من الصحبة ، ونزل القرآن الكريم باللسان العربى فزاده جمالا واستحدث مصطلحات دينية جرت على نفس القاعدة فالزكاة فى المال ـ أي إعطاء المال ـ من التزكية والسمو والتطهير ، وكذلك الصدقة من الصدق في إعطاء المال لله تعالى .. ولذلك فإن الصدقة التي تخلو من تلك المشاعر السامية لا عبرة بها ، يقول تعالى " قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى " ." يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى .. البقرة 263 "

ونعطى بعض التفاصيل :

أولا : الأمر بالصدقة والترغيب فيها :

1 ـ: يأمر رب العزة بالانفاق فى سبيله قبل أن يأتى الموت ويندم المؤمن حيث لا ينفع الندم ، قال جل وعلا : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ)المنافقون:10 ).

2 ـ  الله جل وعلا حثّ على الصدقة ورغّب فيها ، فقال فى سورة البقرة : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)البقرة ) ،( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)) ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (274) البقرة )، أى هم من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . وعن أجر المتصدقين قال جل وعلا : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)الحديد:18 )

ثانيا : تشريعات الصدقة

1 ـ ممنوع الرياء فى الصدقة (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى  )البقرة:263 ، 263).

2 ـ ولكن قد يقوم المتصدق بإظهار صدقته ـ ليس للرياء ـ ولكن لكى يشجع آخرين على العطاء لنفس الفقير ، أو لغرض آخر من الأغراض السامية ، وهنا لا بأس من أظهار الصدقة ، كما أيضا يجوز إخفاؤها حرصا على مشاعر المحتاج  . ومدار الأمر في الاخلاص لرب العزة جل وعلا  ومراعاة الظروف ، يقول تعالى " (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) البقرة 271 )، فالمهم في الصدقة هو صدق المشاعر السامية عند إخراج المال وتلك عظمة التشريع الالهى فى القرآن الكريم

3 ـ وأوجب جل وعلا أن تكون الصدقة من مال طيب : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) البقرة )

4 ـ مستحقو الصدقات

4 / 1 : فى الصدقات الرسمية ، قال جل وعلا : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة:60 )

4 / 2 ـ وهناك صدقة فردية يقدمها الشخص فيما يزيد عن حاجته أو ( العفو ) : (  وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ ) (219) البقرة ) على إعتبار أنه لا يسرف ولا يبخل (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67) الفرقان  )، وللصدقة الفردية مستحقون : ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) البقرة )

4 / 3 ـ وهناك مستحقون للصدقة الفردية لهم خصوصية ، وهم المهاجرون فى سبيل الله الذين إنقطعت بهم السبل ، قال جل وعلا : ( لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)  البقرة )

4 / 5 ـ ولا يشترط فى المستحق للصدقة أن يكون شخصا صالحا ، أى لا شأن بموضوع الهداية فى مستحقى الصدقة ، يكفى أن يكون محتاجين ، فليس علينا هداهم بل علينا الاحسان اليهم بغض النظر عن كونهم صالحيين أو فاسقين ، قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام وللمؤمنين : ( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (272) البقرة )

5 ـ بين الصدقة والربا :

5 / 1  ـ كان بعض الصحابة بعطون قروضا للفقراء بالريا ، بدلا من أن يعطوهم صدقة ، أو حتى قرضا بلا ربا . قال عنهم رب العزة جل وعلا  يتوعدهم بالخلود فى الجحيم إن لم يتوبوا : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)البقرة )

5 / 2 : وقال جل وعلا يقارن بين الصدقة للفقير وإعطائه قرضا بربا : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة ) أى وصف هذه النوعية من المرابين بالكفر الأثيم .

5 / 3 :ووعظ اولئك الصحابة ( المؤمنين ) بوقف إعطاء قروض للفقراء بالريا ، وإن لم يفعلوا فهى حرب من الله ورسوله يعلنها عليهم . وإنتابوا فلهم أن يأخذوا الديون بلا فائدة ربوية ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) ، وإن كان المدين معسرا فعليهم أن يمهلوه الى أن تتيسر أموره ، والأفضل لهم أن يتصدقوا عليه بالتنازل عن ديونه ، قال جل وعلا :( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )

6 ـ الصدقة فى مجالات أخرى :

6 / 1 : وتأتى الصدقة فدية فى الحج على من يحلق رأسه ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ )(196) البقرة )

6 / 2 : وفى طلب غفران الذنوب ينبغى تقديم صدقة ، قال جل وعلا :( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) (280) التوبة )

6 / 3 وفى التصدق بالدية فى الجروح ، قال جل وعلا : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45) المائدة )

6 / 4 : وفى التصدق بدية المقتول خطأ ، قال جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا )  (92) النساء )

6 / 5 : وفى المهر فإسمه ( الصداق ) من الصدق ، قال جل وعلا : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء )

ثانيا : المنافقون والصدقة فى عصر النبى محمد عليه السلام :

1 ـ موقف المنافقين من الصدقات :

1 / 1ـ الطمع فى الصدقات مع أنهم غير مستحقين ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ)التوبة:58

1 / 2ـ بعضهم كان ينذر بإعطاء صدقة نذرا مشروطا ، ثم ينكث بعهده ونذره ، قال جل وعلا : (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ)التوبة:75 )

1 / 3 ـ السخرية من المتطوعين بالصدقات فى المجهود الحربى : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ  ) التوبة:79 )، وهذا يعنى أن التبرع للمجهود الحربى أو الجهاد بالمال هو أيضا من الصدقات .

2 ـ النجوى والصدقة فى فريضة الشورى الاسلامية  :

2 / 1 : فى المدينة إبتدع المنافقون عادة التناجى لتعطيل فريضة الشورى الاسلامية ، وهى الديمقراطية المباشرة بمفهوم عصرنا . إستنكف المنافقون منها ، وكانوا من قبل الملأ ، فكرهوا الديقراطية المباشرة ، ونشروا الاشاعات خلال التناجى ، ونزلت آيات تنهى عن هذا فى سورة المجادلة: ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (10)  ) .

2 / 2 : وجاء فى سورة النساء أن تكون المجادلة فى الخيرات ومنها الصدقة ، قال جل وعلا  (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء:114 )، وأوجب على من يريد مناجاة النبى فى أمر خاص أن يقدم صدقة ، فغن لم يجد فعايه بإقامة الصلاة وتطهير نفسه وتزكيتها ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 12) ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ(13) ) المجادلة:12 ، 13 ) .

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 

 

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 5 ) : التداخل بين الصدق والحق

  

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 5 ) : التداخل بين الصدق والحق

مقدمة :

فى كلامنا العادى نقول ( فلان شهد بالحق ) أى قال ( شهد بالصدق ) . أى إن مصطلح ( الحق قد يعنى الصدق . على أن ( الحق ) أعم وأشمل من مفهوم ( الصدق ) .

ونعطى بعض التفصيل :

أولا:   من معانى ( الحق )
ـ يأتي " الحق " وصفا لله تعالي  : (ذلك بأن الله هو الحق ": الحج "6")( فذلكم الله ربكم الحق ": يونس "32". )
ـ ويأتي وصفا للإسلام بأنه الدين الحق: " (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق  )" التوبة "32".

ـ ويأتي " الحق " بمعني القرآن فالقرآن نزل بالحق  :"( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل )" الإسراء "105" والقرآن هو الحق : "( وكذب به قومك وهو الحق  )" الإنعام "66" ومحتويات القرآن حق " ( والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق )" فاطر "31

4ـ ويأتي " الحق " بمعني العدل، وذلك في موضوعات الأحكام والقضاء بين الناس.. فالله تعالي يقول لداود "( فاحكم بين الناس بالحق )" ص "26" وقال الخصمان لداود " ( فاحكم بيننا بالحق )" ص "22" والله تعالي يقضي بين الناس بالحق يوم القيامة أي بالعدل " (وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ) " الزمر "69" والمهتدون يحكمون بالحق أي بالعدل "( وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون") الأعراف "181" أي يعدلون بالحق
وكلمة " غير الحق " تفيد الظلم وانعدام العدالة، ومنها قوله تعالي " ( الذين اخرجوا من ديارهم بغير الحق ") الحج "40". 
وفي تشريعات الإسلام يقول تعالي " ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق )" الأنعام "151" " ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق ) " الأعراف "33". 
ـ ويأتي " الحق " بمعني الحقوق الواجبة للبشر، وذلك في التشريعات الاجتماعية والاقتصادية ففي ديون الأفراد يقول تعالي "( فليكتب وليملل الذي عليه الحق ") البقرة " 282" وفي الصدقة والزكاة " وآتوا حقه يوم حصاده " " ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ  ) الاسراء 26 ) ( فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) الروم 38 ) ( وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ) الذاريات 19 )( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ) المعارج 24 )

 

ثانيا : الحق بمعنى ( الصدق )

  1 ـ ويأتي " الحق" بمعني الصدق وذلك في معرض المقابلة بالباطل، كأن يقول تعالي " ( كذلك يضرب الله الحق والباطل )" الرعد "17" وفي مواضع أخري كقول قوم موسي له في قصة البقرة "( الآن جئت بالحق )" البقرة "71" وكقول امرأة العزيز في تبرئة يوسف" ( الآن حصحص الحق )" يوسف "51" وفي قصة تبشير الملائكة لإبراهيم بولادة اسحق " ( قالوا بشرناك بالحق ) " الحجر "55" وفي جميعها يأتي الحق بمعني الصدق. 
وبمعنى الصدق أيضا فى قوله جل وعلا : ( وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ۖ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ ۖ )  يونس 53 )، ( إِنَّ ذَٰلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) ص 64 )أى صدق .  ( أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (الأنفال – الآية 4 ) (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ) الأنفال 74 )أى صدقا . ويأتى التأكيد على انه حق وصدق فى قوله جل وعلا : ( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ ) الحاقة 51 )( إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) الواقعة 95 )( فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ) الذاريات 23 )

ثالثا : بمعنى الوعد الحق ( أى الصدق )

1 ـ عموما فى الدنيا والآخرة : (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) يونس 55 ) ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ ) الروم 60 )

 ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) غافر 55 ، 77 )

2 ـ فى الدنيا : فى قصة أهل الكهف ( وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) الكهف 21 ) ، وفى سد يأجوج ومأجوج كإحدى علامات الساعة :(قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) الكهف 98 )، وفى وعد أم موسى   (فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) القصص 13 ) (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) الروم 47 )

3 ـ وفى الوعد الأخروى  : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ) النساء 122 )    (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ) يونس 4 ) ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 111 )( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) فاطر 5 ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ) لقمان 33 ) ( خَالِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ۚ) لقمان 9 ) ( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ۙ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ۚ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ) النحل 38 ) َ

رابعا : التحقق : تحقق الوعد ، تحققه صدقا :

1 ـ يأتى بمصطلح ( حقّ ) بتشديد القاف .

1 / 1 : فى الدنيا : ، مثل : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ) يونس 96 ) ( كَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يونس 33 ) ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ ) النحل 36 ) ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) الاسراء 16 ) ( وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ) ق 14 )

1 / 2 : فى الآخرة مثل : (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) السجدة 13 ) ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) الزمر 71 ) ( وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) غافر 6 )  ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) فصلت 25 )( أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) الاحقاف 18 )( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يس 7 ) ( فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا ۖ إِنَّا لَذَائِقُونَ ) الصافات 31 )( إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ) ص 14 ) ( قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ۖ تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ ۖ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ) القصص 63 ) ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ ) الحج 18 )

2 ـ وبتعبيرات أخرى

2 / 1 : التحقق فى الدنيا ، مثل :  (  ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) يونس 103 ) ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ ) يوسف 100 ) ( وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) الانفال 7 )

2 / 2 : التحقق فى الآخرة مثل : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ۖ قَالُوا نَعَمْ ۚ  ) الاعراف 44 )

أخيرا :

1 ـ القرآن الكريم هو الحق المطلق . ولذا كان الرسول مبلغا فقط ، ليس له أن يزيد حرفا . ولهذا أيضا فلا إيمان بحديث إلا حديث القرآن الكريم .

2 ــ الاسلام دين الصدق والرسول مبلغ فقط للصدق وليس له أن يقول رأيه. 

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 6 ) بين الصدق والكذب فى الدين

  

القاموس القرآنى ( صدق ): ( 6 )  بين الصدق والكذب فى الدين   

أولا : بين صدق الدين الالهى وكذب الدين الشيطانى

1 ـ دين الله جل وعلا هو الصدق . دين الشيطان هو الكذب . الدين الالهى ينزل به وحى صادق من لدن الله جل وعلا . الدين الشيطانى تتنزل به الشياطين على أوليائهم من الإنس والجن ( شياطين الانس والجن ) بوحى منسوب لله جل وعلا أو لرسله . أى لدينا فى الدين نوعان متناقضان من الوحى : وحى صادق ووحى مفترى . قال جل وعلا عن القرآن الكريم كلمته الخاتمة للبشر : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ) وقال جل وعلا عنه : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212)  الشعراء )، بينما قال عن وحى الشياطين : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء )

2 ـ وكما أن الأنبياء هم رسل الله الصادقون فإن أعداءهم وخصومهم هم أولئك المفترون الذين ينسبون الأقاويل من وحى الشيطان لهم الى رب العزة والى الرسول كذبا وبهتانا . قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الانعام).نلاحظ هنا أن التعبير فى المضارع عن إستمرارية الوحى الشيطانى لأوليائه ، فالوحى الشيطانى مستمر (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ يوحى بعضهم الى بعض ) والاصغاء اليه أيضا مستمر (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ ولتصغى اليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالأخرة ) والرضى  به مستمر ( وَلِيَرْضَوْهُ ) وإقتراف الجرائم تطبيقا له أيضا مستمر (وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ).

3 ـ وعن إستمرارية هذا الوحى الشيطانى فإننا نشهده من قيام أتباع الشياطين بجدالنا فى آيات الله القرآنية صدا عن سبيله جل وعلا ، وحذرنا ربنا جل وعلا من الجدال معهم ، قال جل وعلا : (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) الانعام ).

4 ـ وأوضح جل وعلا أن الفيصل هو القرآن الكريم الكتاب المفصّل الذى تمت كلمته صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ، وأنه لا عبرة بالكثرة الكاثرة من أصحاب الباطل الضالين المُضلين :( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) الانعام ) .

5 ـ هناك من يكذب على البشر فى أمور دنيوية ، ويظلم بها غيره . هو بهذا ظالم . ولكن الأظلم هو من يظلم رب العزة جل وعلا ، يفترى على الله كذبا يزعم أن إفتراءاته وحيا إلاهيا وهى وحى شيطانى ، وفى سبيلها يكذّب بالصدق أى الوحى الالهى الذى نزل به القرآن الكريم وما سبقه من كتب . وقد تكرر كثيرا هذا المعنى فى القرآن الكريم ، ومنه فى سورة الأنعام وحدها  قوله جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) الانعام ) ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) الانعام ).

6 ـ بهذا الوحى الشيطانى تتأسس الأديان الأرضية يصبح فيها أئمة يتمتعون بتقديس اللاحقين ، ويتكون بهم كهنوت دينى يتحالف مع الحكم القائم ، ويستشرى الظلم ، يظلمون رب العالمين ويظلمون الناس . وما يحدث الآن فى بلاد المحمديين أصدق دليل ، فالكهنوت الشيعى والسنى والصوفى يمتطيه المستبد ، وهذا الكهنوت يمتطى الناس ، ويحترف المستبد وكهنوته الكذب على الناس وعلى رب الناس . وهو يصمم على أن ما يقوله هو الصدق بعينه ، فإذا ووجه بالحق قام بالتكذيب ووصف دعاة الحق بالكذب . أى يقترن عندهم ( الافتراء على الله كذبا ) و ( تكذيب آياته ) . وبين الكذب والتكذيب سار تاريخهم ولا يزال .

ثانيا : الكافرون يتهمون الرسل بالكذب

يقول جل وعلا : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر ) . هنا مقارنة رائعة بين أظلم الناس وهم الذين يكذبون على الله ويكذبون بالصدق أى القرآن الكريم وبين الذين جاءوا بالصدق (الأنبياء) ومن صدقوا به . الكافرون تمسكا منهم بإفتراءاتهم وأكاذيبهم كانوا يتهمون أنبياء الله بالكذب :

1 ـ  نوح عليه السلام قال له الملأ الكافر من قومه :( مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) هود )

2 ـ نفس القول قاله قوم عاد للنبى هود عليه السلام: ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (66) الاعراف )

3 ـ قوم ثمود وصفوا نبيهم صالح عليه السلام بأنه ( كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) ) وكان الرد عليهم : ( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنْ الْكَذَّابُ الأَشِرُ (26) القمر )

4 ـ قوم شعيب عليه السلام قالوا له:(وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ (186)الشعراء)،وردّ عليهم:(سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ)93)هود )

5 ـ تفوق عليهم جميعا فرعون موسى الذى بلغ فى الفساد مبلغا هائلا ، ومع هذا كان يتهم موسى بالفساد ويريد أن يقتله : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر ) وبكل ما فيه من فساد كان يرى نفسه الداعية الى سبيل الرشاد : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر). وبالتالى كان سهلا عليه أن يتهم موسى عليه السلام بالكذب : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر ) ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِفَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ (37) غافر )( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ) .

6 ـ خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام ـ اتهموه أيضا بالكذب، قال جل وعلا عنهم :( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4) ص )، وأنه إفترى القرآن على الله كذبا، ونزل الرد الالهى عليهم :( أَافْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (8) سبأ ) ، ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنْ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنْ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8) الاحقاف ) . هذا قلب للحقائق .!

ثالثا : قلب الحقائق :

 

1 ـ فى الحوار يقرر رب العزة الصدق ، يقول جل وعلا : ( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) الأنعام:146 )، وقالت الملائكة المتجسدة بشرا للنبى لوط حين تشكك فيهم : (وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) ( 64 ) الحجر). أى جملة (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) قيلت فى موضع الحق والصدق . ومع ذلك قالها الكافرون الكاذبون فى معرض التآمر والتلفيق والكذب ، فهناك مجموعة متآمرة من قوم ثمود تآمروا على قتل النبى صالح ، تعاهدوا و ( تقاسموا ) على قتله وأهله ثم فى الصباح يشهدون ( كذبا ) أمام عائلته إنهم ما كانوا حاضرين مقتله ، قال جل وعلا : (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) النمل:49 ). هؤلاء المفسدون قالوا (وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ). المقصد من هذا أن الصادق فى الدعوة يقول فى الحوار يقول إنه صادق مؤكدا على هذا ، وايضا الكافر المشرك المعتدى الظالم يزعم أنه صادق ويؤكد على هذا.

2 ـ لذا فإن الله جل وعلا يصفهم بالكذب وإستحالة هدايتهم

2 / 1  ـ قال جل وعلا عن كفار العرب: ( بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) المؤمنون ) ، وجعله رب العزة حكما عاما فقال : ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَاذِبُونَ (105) النحل ). ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) النحل ) .

2 / 2 ـ وحكم رب العزة جل وعلا بأن الذى يتخصص فى الإضلال بالكذب والكفر لا يمكن أن يهتدى ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر ) ، وكان النبى محمد عليه السلام يحرص على هدايتهم فقال له ربه جل وعلا : ( إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) النحل )  

رابعا :  الله جل وعلا يشهد علي منافقى الصحابة بالكذب

وتميز منافقو المدينة بسجل غاية فى السوء فى مجال الكذب :

  1 : كانوا البادئين بالكذب على النبى فى حياته . يأتون اليه يقدمون له فروض الطاعة ثم يخرجون من عنده يتقولون عليه .  أخبره جل وعلا بمكرهم هذا ، وأمره بالاعراض عنهم والتوكل على الله : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء )

  2 : وصفهم رب العزة جل وعلا بأنهم إتخذوا (أيمانهم جُنّة ) أى أدمنوا الحلف كذبا وقاية لأنفسهم ليحتفظوا بمكانتهم وليصدوا عن سبيل الله ، قال جل وعلا : ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) المنافقون ) ( اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) المجادلة )

3 : شهد الله جل وعلا عليهم بالكذب ، قال جل وعلا عنهم يخبر مقدما أنهم سيحلفون كذبا : ( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة )( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) التوبة ) ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون ) .

4 ـ هؤلاء الذين شهد الله جل وعلا بأنهم كاذبون هم ( صحابة )، والدين السُّنّى يجعل كل الصحابة ( عدولا ) أى صادقين معصومين من الخطأ . وبالتالى فهذه الدين مؤسس على الكذب ، وكذلك بقية الأديان الأرضية القائمة على وحى شيطانى .

خامسا : يعيشون بالكذب ويموتون به ، ويكذبون حتى فى يوم القيامة

 1 : قال جل وعلا عن المنافقين : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ (18) المجادلة )

2 ـ وقال جل وعلا عموما عن كذب الكافرين يوم القيامة :( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) الانعام ) هذا سؤال عند الحشر ، وهم قد كذبوا على أنفسهم ، بل يقسمون برب العزة جل وعلا إنهم ما كانوا مشركين .

3 ـ ويظلون مدمنين على الكذب حتى عند ندمهم قبيل إلقائهم فى النار ، فيتمنون لو عادوا الى الدنيا فسيؤمون ولا يكذبون بآيات الله . والله جل وعلا يؤكد أنهم كاذبون حتى فى هذه الأمنية، لأنهم حتى لو عادوا للدنيا سيكذبون وسيعودون سيرتهم الأولى . قال جل وعلا : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) الانعام )

4 ـ ليس هذا عجبا . العجب أن أغلبية البشر تصدق أئمة الكذب وتؤلههم ، لا فارق بين البخارى ومالك والشافعى والكلينى والغزالى وابن تيمية وابن عبد الوهاب فى الماضى وأئمة الأديان الأرضية فى الحاضر . كلهم أفّاكون أفّاقون . ومن يصدقهم ويؤمن بهم فهو معهم . 

 

 

القاموس القرآنى ( صدق ):(7 ):(إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )،( إن كنت من الصادقين

  

القاموس القرآنى ( صدق ):(7 ):(إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ )،( إن كنت من الصادقين )

مقدمة :

1 ـ  من حق رب العزة جل وعلا ـ وهو الذى أنزل الصدق فى كتبه ـ أن يقول للبشر ما معناه : إفعلوا كذا إن كنتم صادقين أو إن كنتم مؤمنين . ذلك أنه من السهل على الانسان أن يزعم الايمان أو أن يزعم الصدق ، ولكن المحك هو إثبات صدقه وإثبات إيمانه . على أن الكافرين فى تكذيبهم للرسل كانوا فى تكذيبهم للرسل يطلبون منهم أشياء ويقولون لهم إفعلوها إن كنتم صادقين . وبالتالى فعبارة (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) قالها جل وعلا فى حواره مع البشر . وقالها أيضا الكافرون فى عنادهم وتكذيبهم للرسل .

2 ـ ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : الصدق بمعنى الايمان :( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ) قد تعنى:( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )

1 ـ ضمن حُجج الكافرين من أهل الكتاب فى رفض القرآن الكريم أنهم يؤمنون بما أنزل عليهم ولا يؤمنون بما نزل فيما بعد . وكانت الحجة عليهم أنه إذا كان الأمر كذلك فلماذا قتل أسلافكم الأنبياء ، قال جل وعلا : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) البقرة ) . قال هنا جل وعلا (إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ) .

وفى موضع أخر جاء  فى نفس الرد عليهم قال :( الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) آل عمران ). قال هنا جل وعلا : (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ  ). فالايمان هنا يعنى الصدق ، والصدق يعنى الايمان .

ثانيا : ملاحظات حول (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) فى حواره جل وعلا مع البشر

1 ـ المستبد الشقى الشرقى ـ حتى الآن ـ يستنكف من الحوار مع ( الرعية ) لاعتقاده أنه يملكهم فلا يستحقون شرف الحوار معه.هذا مع أنه مثلهم مخلوق من ( ماء مهين ). الخالق جل وعلا يجرى فى القرآن الكريم حوارا مع البشر ، من مؤمنين وكافرين . هذا الحوار ليس فقط دليلا على حرية البشر المطلقة فى الدين ومشيئة الهداية أو الضلالة ، ولكنه أيضا دليل على مسئوليتهم ، فإذا كان العزيز الجبار يحاورك ليهديك الى الصراط المستقيم فإن رفضت وإستكبرتك فأنت مستحق للخلود فى الجحيم .

2ـ وحوارات رب العزة للبشر جزء هام من التنزيل القرآنى ، منه ما جاء مسبوقا بكلمة ( قل ) ومنه ما جاء بدونها . ومنها ما جاء تحديا لهم أو ردا على زعم منهم ، وهنا قد تأتى عبارة (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ).

3 ـ وطالما أنه ( حوار ) فالمفهوم أنه كان حوارا وقت نزول القرآن ، أى كان معاصرا للناس ، يرد عليهم ويتجاوب معهم . أى لاشأن له بالأمم السابقة . ولكنه أيضا صالح لعصرنا ، حيث يكرر المحمديون معظم ما قاله الكافرون من قريش وغيرهم . وبالتالى فهذا الحوار لنا أن نستشهد به فى وعظ قومنا .  

ثالثا : حوار رب العزة جل وعلا ب (إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)

مع مشركى العرب : عن آية القرآن الكريم :

1 ـ رفضوا (آية ) القرآن أو ( معجزة القرآن ) وزعموا أن ( محمدا إفتراه ) ولأن ( محمدا ) رجل منهم فقد جاء التحدى لهم بأن يأتوا بمثل القرآن إن كانوا صادقين : قال جل وعلا :  (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) الطور:34 ).

2 ـ  وإستمروا فى تكرار نفس الاتهام مع عجزهم عن الاتيان بمثله ، فنزل التحدى بأن يأتوا بعشر سور مثله مع من يستطيعون إحضاره من الشهداء ( إن كانوا صادقين ) ، قال جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)هود:13 ).

3 ـ وعجزوا مع إستمرارهم فى نفس الزعم أن محمدا إختلق القرآن ، فنزل التحدى لهم بأن يأتوا بسورة واحدة من شخص مثل ( محمد ) ( من مثله ) ، قال جل وعلا : (وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)البقرة:23 )، أو بسورة مثيلة لسور القرآن ( بسورة مثله ) قال جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يونس:38 ). وفى كل مرة يكون التحدى بقووله جل وعلا لهم (إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ).

مع المنافقين :

1 ـ فى موقعة أحُد قُتل فيها كثيرون ،فانتهزها القاعدون من المنافقين فرصة ليقولوا أن المقتولين لو أطاعوهم ما قُتلوا ، ونزل الرد عليهم بأنهم لا يستطيعون الفرار من الموت إن كانوا صادقين . (الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)آل عمران:168 )، وقبله جاء رد آخر بأن موعد الموت ومكانه مقرر سلفا لا محيص عنه ، قال جل وعلا : (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) آل عمران  )

2 ـ بعضهم كان يمُنُّ باسلامه على النبى . يعنى بإسلامه الظاهرى بمعنى السلام ، وهذا لا يعنى إيمانهم القلبى بالله جل وعلا وحده إلاها لا شريك له.وجاء الرد عليهم فى قوله جل وعلا :( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)الحجرات:17 ). يعنى إن كانوا صادقين فى إيمانهم فلن يمنوا عليك إسلامهم .

مع أهل الكتاب

1 ـ كانوا يزعمون أنهم شعب الله المختار ، وأنهم وحدهم أولياء الله ، فقال جل وعلا يتحداهم :  (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)الجمعة:6 )، وكانوا يزعمون أنهم وحدهم أصحاب الجنة فنزل قوله جل وعلا يتحداهم بتمنى الموت : (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)البقرة:92 ). وعلى نفس الطريق يسير المحمديون ـ خصوصا الصوفية ـ يزعمون أنهم وحدهم أولياء الله .!

2 ـ وتنازع اليهود والنصارى كل منهم يحتكر الجنة لنفسه ، ونزل الرد بأنها أمانى ، وكان التحدى بأن يأتوا بالبرهان إن كانوا صادقين : (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)البقرة:111 ). ونفس الحال مع المحمديين ، يزعمون إحتكارهم للجنة بالشفاعات التى إخترعوها .

3 ـ فى موضوع الطعام حرّم أهل الكتاب ما أحلّه الله جل وعلا ونسبوا هذا التحريم فى أحاديث الى اسرائيل ( يعقوب عليه السلام ) فتحداهم رب العزة أن يقرأوا التوراة إن كانوا صادقين ، قال جل وعلا : (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)آل عمران:93 )

 مع كفار العرب

1 ـ حقيقة تاريخية كشف عنها القرآن الكريم أن بنى اسرائيل فى فترة التيه تجولوا فى الجزيرة العربية ودخلوا مكة ، ودعا موسى وهارون أهلها الى ( لا إله إلا الله ) ورأوا الآيات معهما فكفروا واتهموهما بالسحر . ثم بعدها كانوا يتمنون أن يرسل الله جل وعلا لهم رسولا كما أرسل الرسل الى أهل الكتاب ، وقد نسوا ما فعلوا بدعوة موسى وهارون ، قال جل وعلا : ( وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمْ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48)) وتحداهم رب العزة جل وعلا الإتيان بكتاب من عند الله أهدى من التوراة إن كانوا صادقين،هذا مع كفرهم بالقرآن الكريم الذى جاء مصدقا للتوراة،قال جل وعلا: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)القصص:49 ).

2 ـ وفى زعمهم أن الملائكة بنات الله نزل الرد العقلى من رب العزة،ومنه:( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156) الصافات ) ، ومنه الاتيان ببرهان إن كانوا صادقين : ( فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (157)الصافات: 157 )

3 ـ ونفس طلب البرهان جاء فى قوله جل وعلا لهم فى تخريفهم فى تحريم الطعام : ( ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)الأنعام:143 )

4 ـ وفى طلبهم العذاب تحدّاهم رب العزة بأنه إذا حل بهم العذاب فلن يستغيثوا إلا بالله جل وعلا وحده :( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) الانعام )

 مع الكفار عموما:

هنا حوار ينطبق على من يقدس البشر والحجر والقبور المقدسة فى كل زمان ومكان بعد نزول القرآن الكريم ، لا فارق بين المحمديين والبوذيين والمسيحيين والاسرائيليين والهندوس ..الخ .

1 ـ كلهم يعبدون الموتى الذين أصبحوا ترابا ، لذا فالتحدى لهم : هل يستجيب لهم التراب ، قال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)الأعراف:194 )

2 ـ ثم هل يستطيعون إستحضار هذه الآلهة الموتى ؟ هل يستطيع الشيعة إستحضار الحسين أو أبيه أو أمه أو ذريته ؟ هل يستطيع السنيون إستحضار البخارى أو غيره من أئمتهم ؟ هل يستطيع المحمديون الذين يحجون الى الرجس الذى ينسبونه ظلما وإفتراء لخاتم النبيين أن يستحضروا إلاههم المصنوع الذى أسموه محمدا . يقول جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ)القلم:41 )

3 ـ ثم هم لا يعبدون الله جل وعلا وحده ، لا بد أن يعبدوا مع الله جل وعلا إلاها آخر ، لا بد أن يجعلوا آلهة أو إلاها مع الله ، لذا يتحداهم رب العزة بالاتيان ببرهان إن كانوا صادقين ، قال جل وعلا : (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)النمل:64 ). ويتحداهم بالاتيان ببرهان على ملكية هذه الآلهة المزعومة لما خلق الله جل وعلا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)الأحقاف:4 ).

4 ـ ثم هل يستطيع أحد إرجاع النفس إذا بلغت الحلقوم ، يقول جل وعلا لمن يكذّب بحديثه جل وعلا فى القرآن مؤمنا بحديث آخر معه : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) الواقعة )َ. عند الموت سيعرف المحمديون الذين اتخذوا القرآن مهجورا كيف أضاعوا أنفسهم ، لذا نعظهم بالايمان بحديث القرآن وحده قبل أن يأتيهم الأجل ، ونذكرهم بقول رب العزة جل وعلا : (أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الاعراف ).

رابعا : ( إن كنتم صادقين ) فى حوار الكفار مع النبى المرسل اليهم

فى طلب آية :

1 ـ طلب قوم ثمود من النبى صالح آية معجزة ، قالوا له :(مَا أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الشعراء:154 ). وقال فرعون لموسى : ( إِنْ كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الأعراف:106 ).قالوا ( إن كنت من الصادقين )

2 ـ وطلبت قريش والعرب من النبى محمد آيات متعددة وكثيرة ، وأحيانا كانوا يقرنون هذا بقولهم للنبى ( إن كنتم صادقين )، منها الإتيان بآبائهم : ( فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)الدخان:36 )(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)الجاثية:25 ). وبعضهم طلب الاتيان بالملائكة وقالوا :  (لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الحجر:7 ).

طلب العذاب  :

وأيضا كانوا يطلبون العذاب تحديا للنبى قائلين له ( إن كنت من الصادقين ):

1 ـ قالها قوم نوح : (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)هود:32 )، وقالها قوم عاد للنبى هود (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الأعراف:70 ) (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الأحقاف:22 ) ، وقالتها مدين للنبى شعيب (فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنْ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)الشعراء:187 )، وقالها قوم لوط : ( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ)العنكبوت:29 )

2 ـ وقالتها ـ كثيرا ـ قريش لخاتم النبيين:( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) يونس:48 ) (الأنبياء:38 ) (النمل:71 ) (سبأ:29 ) (يس:48 ) (الملك:25 ) (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)السجدة:28 ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

الخاتمة : الاسلام دين الصدق ، فماذا عن  المنتسبين للإسلام ؟

1 ـ يعيش معظم المحمديين فى دول يسيطر عليها الاستبداد معززا بالكهنوت . الكهنوت مؤسس على الكذب ، وهو ينشره دينا فى المساجد والتعليم واجهزة الاعلام ، ويحظى هذا الكذب بالتقديس ، لأنهم يصدرونه بقولهم ( قال رسول الله ) . ولو تصدى أحد لهم قائلا : ( رسول الله لم يقل هذا )، فمصيره الاضطهاد . المستبد لا يكذب أبدا إلا عندما يتكلم . وإذا تكلم أسهب فى الكذب . والسنى والشيعى والصوفى إذا تدين ( ملتزما ) بدينه الأرضى أصبح معتادا على الكذب فى حياته العادية ، لا يتحرج فى قول الكذب وفى الحلف بالكذب . بل إنه يكذب فى وعده ويعلق وعده على مشيئة رب العزة جل وعلا ، يقول ( إن شاء الله ) . وحين يقولها يعنى إنه لن يفعل . وكما يقتل الارهابى عشوائيا وهو يهتف ( الله أكبر ) فإن رفيقه الآخر يقول ( إن شاء الله ) يعد الناس بالباطل مستخدما إسم الله العظيم .

2 ـ هم يستسهلون الكذب ، ويستسهلون الحلف كذبا وبإسم الله جل وعلا ، وهكذا كان يفعل المنافقون ، قال جل وعلا : (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة  ) . هم بالحلف كذبا باسم الله العظيم يهلكون أنفسهم ، وهم لا يشعرون . فكما يكذبون وهم لا يشعرون فهم أيضا يهلكون أنفسهم  وما يشعرون .

3 ـ يتحول إدمان الكذب الى دنيا السياسة ، فترى بعضهم يزعم أنه المختار من الله جل وعلا ليحكم الناس يإسمه ، ويحتكر لنفسه الاسلام ، ويرى نفسه بهذا الزعم متميزا عن بقية رفاقه السياسيين ، بل يرى من يعارضه أو يناقشه خارجا عن الاسلام . هنا يتحول الكذب الى كذب على الله جل وعلا ، فالله جل وعلا لم يعينه وكيلا عنه يركب فوق رءوس الناس متكلما باسمه جل وعلا . ومن اسف أن هذه عادة سيئة وعريقة ، قالها الأمويون والعباسيون يبررون ويشرعون إستبدادهم وجرائمهم ، وهو نفس ما قاله أباطرة وملوك أوربا ، الذين زعموا إن أفعالهم تصدر بقضاء الله جل وعلا وقدره ومشيئته . وبالتالى فمن يعترض عليهم يكون معترضا على رب العزة كافرا به مستحقا للقتل عندهم .

4 ـ تحررت أوربا من سيطرة الكنيسة وأوهامها وخرافاتها وتحكمها فى الحياة السياسية والاجتماعية ، وبهذا إنحسر الكذب هناك ، واصبح رذيلة بعد أن كان دينا . وقد إكتشفوا أنه لا بد من الصدق فى القول والصدق فى الوعد لتكون الحياة أفضل ، فبالصدق فى القول وفى الوعد تزدهر التجارة وتنتشر الثقة بين الناس ، وبالتالى ينتشر الأمن . والأمن والأمان من الايمان أو هو الايمان السلوكى أى يأمنك الناس . ولكى يأمنك الناس ولكى يثقوا بك لا بد أن تكون صادقا فى كلامك وفى وعدك .

5 ـ بتحرر الغرب من تحكم أديانه الأرضية أصبح الصدق قاعدة التعامل ، كما أصبح الكذب عارا ، وربما جريمة قانونية . وأصبح مما يُزرى بمكانة الفرد أن يكون كاذبا . وقد يمكن التسامح مع الشخص العادى إذا كذب ، ولكن السياسى إذا كذب يكون حسابه عسيرا ، لأنه مسئول ، وعليه أن يكون صادقا . وهى معضلة حقيقية فى الغرب ، حيث تكون الرقابة شديدة على السياسيين والمسئولين ، وهم لهم أخطاء ولا بد من إخفائها ، ولا بد لهم من تصريحات يتحببون فيها للناس وهم فى كل ما يقولون يتعرضون للكذب ، وإذا ضبطوا يكون موقفهم صعبا تسلقهم أجهزة الاعلام بألسنة حداد ، وربما يفقدون مناصبهم . وحدث هذا كثيرا .

6 ـ المستبد الشرقى فى وضع مختلف . هو يكذب حتى يصدق نفسه ، وجهاز إعلامه يكذب حتى يصدقه الشعب ، والكهنوت الذى يعمل بين يديه يكذب فى الدين وفى الدنيا . دنياهم متخمة بالكذب ، بحيث لو قيل الصدق ما وجد من يسمعه أو يصدقه .

7 ـ ويأتى الشرقى السنى أو الشيعى أو الصوفى الى الغرب يحمل دينه الكاذب فى داخله ، فيفاجأ بتلقائية الناس وقولهم الصدق عفويا ، وأن الناس تتكلم حتى عن خصوصياتها بلا تكلف وبلا كذب . يقع هو فى الكذب ، فيسامحونه أولا ، فإذا كذب ثانيا إنفضوا عنه . ويدرك أنه لا بد أن يكون صادقا لكى يعيش فى هذا المجتمع الصادق المختلف عن المجتمع الذى أتى منه . هذا إذا أراد الاصلاح . إن لم يرد إصلاح نفسه فسيذهب الى مسجد سُنى أو شيعى أو صوفى ، حيث مستودع الكذب ، فيسمع منكرا من القول وزورا ، ويخرج من المسجد يقول منكرا من القول وزورا ايضا .

8 ـ لا تنتظر من الناس أن يكونوا صادقين بينما يتحكم فيهم دين أرضى مؤسس على الكذب .

9 ـ أى إصلاح لا بد أن يبدأ بتدمير تحكم الكهنوت فى الناس . 

اجمالي القراءات 7671

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,881,411
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي