(الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ) الكتاب كاملا

آحمد صبحي منصور Ýí 2017-07-05


(الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ) الكتاب كاملا

هذا الكتاب :

فى البداية كانت مقالات من سنوات عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، ثم خلال اسابيع تبعتها مقالات أخرى عن الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم . وبإضافة ملاحق من مقالات متصلة بالموضوع يظهر هذا الكتاب بهذا العنوان .

المزيد مثل هذا المقال :

فهرس كتاب ( الغرب والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم )

هذا الكتاب :  

مقدمة  

الفصل الأول :

لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالتقدمالعلمى:

 المقال الأول : سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية

 المقال الثانى : إنكار الغيب القرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى

 المقال الثالث : ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )

المقال الرابع :   ( خلق وتدمير السماوات والأرض )

المقال الخامس : ما بين السماوات والأرض :   

المقال السادس : الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر  

المقال السابع : البرزخ والأكوان الموازية   

 المقال الثامن : التسخير  

  المقال التاسع :   (الزمن )

 المقال العاشر : علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث

 الفصل الثانى :

 الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم

الحلقة الاولى : المنهج القرآني للفكر الاسلامى :  الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن.

الحلقة الثانية: جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم

الحلقة الثالثة: منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي

الحلقة الرابعة: الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

الحلقة الخامسة: هو الذى يسيركم في البر والبحر

 الملاحق :

1 ـ علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر

 2 ــ الفزع الأكبر وقيام الساعة

3 ــ    يأجوج ومأجوج

خاتمة الكتاب

هذا الكتاب :  

 

المقدمة

فى القرآن الكريم إشارات علمية ، والذى يكتب عنها ليست كتاباته معصومة من الخطأ . وتاريخ العلم يسير وحتى الآن فى إطار المحاولات غير المعصومة من الخطأ ، وبعضها ينجح وبعضها يفشل . والفشل يدفع لمحاولات النجاح . وبالمحاولة والخطأ يتقدم العلم بإصرار العلماء على المتابعة

هذا الكتاب لا يكتفى بربط الاشارات العلمية القرآنية بما يكتشفه العلم من نظريات وحقائق ، بل يهدف الى التنبيه على عوالم البرزخ التى بدأ العلم يطرق بابها ، وعلى أنه ليس كل شىء مادي لا يُعترف به ، فالنفس المتحكمة فى الجسد تنتمى الى البرزخ . و( المخ ) ليس سوى حجرة التحكم التى تقود بها النفس هذا الجسد . وأن حياة الجسد ولأى حيوان تختلف عن الحياة بالنفس المسئولة صاحبة الاختيار والاختباروإذا كان تاريخ العلم يحفل بقفزات فكرية غيرت مجراه فإن هذا الكتاب يهدف الى تنبيه العلماء المتخصصين الى إشارات القرآن العلمية خصوصا فى المجالات التى لا يعترف بها العلم الغربى ويعتبرها غيبيات دينية لا مجال لبحثها . العلم حاليا بإختراعاته وصل الى ما كان يعتبره البشر من قرن واحد فقط ــ من الخيالات والخرافات . تضاءلت الفوارق بين ما هو (خيال علمى ) وما هو ( إنجاز علمى ) ، فلماذا لا يلتفت العلماء المختصون الى ما أورده القرآن الكريم عن عوالم البرزخ للسماوات والأرض .

الكاتب ليس متخصصا فى العلوم ، هو مجرد باحث قرآنى يتدبر قرآنيا بعض الاشارات القرآنية العلمية . ولا شك أن المتخصصين علميا هم الأقدر على فهمها . وهذا يثبت أن عظمة القرآن تجعل إشاراته العلمية فى متناول من ليس متخصصا ، وهى فى نفس الوقت تعطى فرصة للمتخصصين فى التعمق ، وهذا ما نأمله . ويكفى أنه مرت قرون طويلة إبتعد فيها الغرب عن إشارات علمية قرآنية ، ثم إكتشفوها بعد قرون من القرآن . ولا تزال هناك إشارات علمية أخرى لم يصل اليها العلم ، ونأمل أن تحظى بإهتمام العلماء .

يبقى أن أقول أن ما أكتبه هنا هو محاولة تقبل التصحيح وترجوه .  

أحمد صبحى منصور

سبرنج فيلد ،فيرجينيا . الولايات المتحدة الأمريكية

5 يولية 2017

 

الفصل الأول : لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالتقدمالعلمى:

 المقال الأول : سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية

 المقال الثانى : إنكار الغيبالقرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى

 المقال الثالث : ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )

المقال الرابع :   ( خلق وتدمير السماوات والأرض )

المقال الخامس : ما بين السماوات والأرض :   

المقال السادس : الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر  

المقال السابع : البرزخ والأكوان الموازية   

 المقال الثامن : التسخير  

  المقال التاسع :   (الزمن )

 المقال العاشر : علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث

 الفصل الثانى :

 الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم

الحلقة الاولى : المنهج القرآني للفكر الاسلامى :  الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن.

الحلقة الثانية: جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم

الحلقة الثالثة: منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي

الحلقة الرابعة: الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

الحلقة الخامسة: هو الذى يسيركم في البر والبحر

 الملاحق :

1 ـ علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر

 2 ــ الفزع الأكبر وقيام الساعة

3 ــ    يأجوج ومأجوج

خاتمة كتاب (  لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى )

 

مقدمة

فى القرآن الكريم إشارات علمية ، والذى يكتب عنها ليست كتاباته معصومة من الخطأ . وتاريخ العلم يسير وحتى الآن فى إطار المحاولات غير المعصومة من الخطأ ، وبعضها ينجح وبعضها يفشل . والفشل يدفع لمحاولات النجاح . وبالمحاوولة والخطأ يتقدم العلم بإصرار العلماء على المتابعة

هذا الكتاب لا يكتفى بربط الاشارات العلمية القرآنية بما يكتشفه العلم من نظريات وحقائق ، بل يهدف الى التنبيه على عوالم البرزخ التى بدأ العلم يطرق بابها ، وعلى أنه ليس كل شىء مادي لا يُعترف به ، فالنفس المتحكمة فى الجسد تنتمى الى البرزخ . و( المخ ) ليس سوى حجرة التحكم التى تقود بها النفس هذا الجسد . وأن حياة الجسد وأى حيوان تختلف عن الحياة بالنفس المسئولة صاحبة الاختيار والاختباروإذا كان تاريخ العلم يحفل بقفزات فكرية غيرت مجراه فإن هذا الكتاب يهدف الى تنبيه العلماء المتخصصين الى إشارات القرآن العلمية خصوصا فى المجالات التى لا يعترف بها العلم الغربى ويعتبرها غيبيات دينية لا مجال لبحثها . العلم حاليا بإختراعاته وصل الى ما كان يعتبره البشر من قرن واحد فقط ــ من الخيالات والخرافات . تضاءلت الفوارق بين ما هو (خيال علمى ) وما هو ( إنجاز علمى ) . لماذا لا يلتفت العلماء المختصون الى ما أورده القرآن الكريم عن عوالم البرزخ للسماوات والأرض . لست متخصصا فى العلوم ، أنا مجرد باحث قرآنى أتدبر قرآنيا بعض الاشارات القرآنية العلمية . ولا شك أن المتخصصين علميا هم أقدر على فهمها أفضل منى . وهذا يثبت أن عظمة القرآن تجعل إشاراته العلمية المتخصصة فى متناول من ليس متخصصا ، وهى فى نفس الوقت تعطى فرصة للمتخصصين فى التعمق ، وهذا ما نأمله . ويكفى أنه مرت قرون طويلة إبتعد فيها الغرب عن إشارات علمية قرآنية ، ثم إكتشفوها بعد قرون من القرآن . ولا تزال هناك إشارات علمية أخرى لم يصل اليها العلم ، ونأمل أن تحظى بإهتمام العلماء .

يبقى أن أقول أن ما أكتبه هنا هو محاولة تقبل التصحيح وترجوه .  

أحمد صبحى منصور

سبرنج فيلد ،فيرجينيا . الولايات المتحدة الأمريكية

5 يولية 2017

 

الفصل الأول : لوتدبّرالغربالقرآنلتغيرتاريخالعالمفىالتقدمالعلمى:

 

(المقال الأول):

سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية

مقدمة

1 ــوصلالغرببالتعقلالىالنجاحفىالدنيا،فدخلبالعالممعهالىمخترعاتتتوالىوتقتربمنالخيال،جعلتالحياةأكثرسهولة. وصلالغرببهذابفطرتهدونأنيعرفالقرآن،بلدونأنيعترفبالقرآن،لأنمعرفتهبالقرآنهىمنخلالالترجمات،وهذهالترجماتتعكستحريفالمحمديينللقرآنالكريم. أىعرفالغربالاسلاموالقرآنمنخلالفسادالمحمديين،ومنخلالجرائمالمحمديينالوهابيينالذينيُعرفونبالاسلاميين، وهم ( محمديون ) يعبدون محمدا وقد إتخذوا القرآن مهجورا ، فهم الذين خسروا الدنيا والآخرة ، بينما نجحالغربفىالدنياولكنهيخسرالآخرة. ونحننتكلمعنالأغلبيةوليسعلىالعمومونتكلمبالتحديدعنآياتأوإعجازاتالقرآنالعلمية،ماذالوعرفهاالغربمنذالنهضةالأوربية؟أكيدسيختلفتاريخالعالمالىالأفضل.

2 ـدونأىإحساسبالخجلأوالعاريهللفقهاءالمحمديينلبعضالمكتشفاتالغربيةوالتىتبدولهاإشاراتفىالقرآنالكريم،فترتفععقيرتهمبأنالقرآنالكريمسبقالحضارةالحديثة. لميتعقلأحدهمويتساءل: إذاكانهذاموجودافىالقرآن،وهومعهممن14 قرنافلماذالميكونواأولمنيكتشفهذاالإعجازالعلمىفىالقرآنالكريم؟!وبالتالىفالمسئوليةهىعلىأئمةالسنيينبالذاتالذينإتخذواالقرآنمهجورا،وخصوصاأئمةالسنيينالحنابلةالذينأجهضواالحركةالعلميةالمسلمةالتىتزعمهاابنسيناوالفارابىوالبيرونىوالرازىوالخوارزمىوجابربنحيان..وغيرهم. وقدأوضحناهذافىمقالاتمنشورةهناعنأثرالحنبلية( أمالوهابية) فىتدميرالعراقفىالعصرالعباسىالثانىوهذا يذكرنا بقوله جل وعلا يخاطب العرب فى إنزاله القرآن باللسان العربى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)  يوسف ) (  إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)  الزخرف ) . وهم لم يتعقلوه ، بل فرضوا عليه خرافاتهم فيما يسمى بالتفسير والحديث ، وقاموا بتلاعب بمفاهيمه بالتأويل وبإلغاء أحكامه بما يسمى بالنسخ . وإنشغلوا بخرافات أديانهم الأرضية بينما إستيقظ الغرب وتحرر من سكزة دينه الأرضى فانطلق يسير فى الأرض ويكتشف آلاء الله جل وعلا فى الخلق ، فدخل بالبشرية فى مرحلة الاختراعات والتطور التكنولوجى الذى يتزايد كل يوم ، وتتضخم به معلوماتنا عن هذا الكوكب الأرضى والفضاء الخارجى ، بل وأصبح يطرق ما أسموه بالعالم الموازى ـ او البرزخ .

3 ـ ونقولهناإنهلوعرفعلماءالنهضةالأوربيةوروّادالاختراعفيهاالقرآنالكريملوفرواقروناعلىالبشريةولتنتعمتالبشريةبهذاالتقدمالعلمىمنقرونمضت. ومعهذاـوحتىالآنـفلاتزالالفرصةباقيةللغربلكىيختصرالكثيرويخترعالكثيرويفسرالكثيرمنالمعمياتالمعاصرةلوإتّجهالىالقرآن( العربىوليسترجماتهالبائسة. ولكنهمعنالقرآنالكريمغافلون. إناللهجلوعلايقولعن( علم) أولئكالغافلين: (يَعْلَمُونَظَاهِراًمِنْالْحَيَاةِالدُّنْيَاوَهُمْعَنْالآخِرَةِهُمْغَافِلُونَ(7) الروم.)وقدسبقلنانشربعضحلقاتهناعنالإعجازالعلمىفىالقرآن،ونرجوأنيتوفرالوقتوالجهدلاستكمالها،ولكننقررهناسريعامايلى:

أولا :

سبقالقرآنالكريمالغرب فىالمنهجيةالعلميةفىالعلومالطبيعية:

  تخلفتالبشريةطيلةالعصورالوسطىلأنهاإتبعتالمنهجاليونانىفىبحثالعلومالطبيعيةوهويقومعلىإهمالالتجربةالعلمية،ولكنسبقالقرآنالكريمبالاشارةالىالمنهجالعلمىالتجريبىفىبحثالعلومالطبيعية: وهو منهج يقوم على :

   منع البحث فى الغيبيات .

1 ـ فهناك عالم الشهادة ، وهو ما نراه ونشهده ، وتصل اليه حواسنا وأجهزتنا . وهناك عالم الغيب  الذى هو محجوب عنا . الله جل وعلا وحده هو عالم الغيب والشهادة : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) الحشر ) . وهو يخبر بعض الغيب لبعض الرسل : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً (26) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (27) الجن   ).

2 ـ وقد ذكر رب العزة جل وعلا بعض الغيوب عن الأمم السابقة وعن مستقبل فى هذه الدنيا وعن علامات الساعة واليوم الآخر ، كما ذكر مخلوقات غيبية عنا من الجن والملائكة . وهذا الغيب المذكور فى القرآن الكريم يجب الايمان به ضمن الايمان بكل ما جاء فى القرآن الكريم ، وهذا معنى الايمان بالغيب كصفة من صفات المتقين المؤمنين بالقرآن الذى لا ريب فيه : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) البقرة ). الايمان يعنى التسليم بغيب لا ندركه ولا يمكن أن نلمسه أو أن نصل اليه بحواسنا . بالتالى فإن التقول فيه خارج القرآن هو كفر بالقرآن ــ اى الكلام فى غيبيات لم ترد فى القرآن هو كفر بالقرآن لأن النبى محمدا نفسه لم يكن يعلم الغيب ( الأنعام 50 ، الأعراف 187  188 الأحقاف 9 ) .

3 ــ الكلام فى الغيب خارج القرآن الكريم هو أيضا سقوط فى الخرافة لأنه حديث بغير علم . ولهذا فإن الأديان الأرضية مبنية على خرافات غيبية تزعم الوحى الالهى ، وتفرض الايمان بها على المتبعين لها ، وتحرّم مناقشتها . وتعاقب من يخرج عنها بالقتل تحت مسمى الهرطقة أو حد الردة . ولو سيطر دين أرضى على مجتمع وألزمه بهذه الخرافات وعاقب من ينتقدها فإنه يدخل بهذا المجتمع فى دائرة الجهل . وهذا ما حدث للمحمديين حين سيطرت عليهم الحنبلية ثم التصوف ، وهو نفس ما حدث لأوربا حين سيطرت عليها الكنيسة الكاثولوكية .

4 ــ من هنا تأتى أهمية التحديد فى موضوع الغيب ( الايمان بما ذكره الله جل وعلا فى القرآن فقط ومنع الخوض فيه ، ومنع التقول فى الغيب عموما ) وبالتالى يكون التفرغ للبحث فى عالم الشهادة المتاح لنا النظر فيه وبحثه ولكن يالمنهج العلمى التجريبى .

 المنهج التجريبى فى عالم الشهادة :

1 ــ هنا يأتى الأمرفىالسيرفىالأرضللنظرالعلمىالبحثىالتجريبىفىآثارالسابقين،وبحثبدءالخلق: (  أَوَلَمْيَرَوْاكَيْفَيُبْدِئُاللَّهُالْخَلْقَثُمَّيُعِيدُهُإِنَّذَلِكَعَلَىاللَّهِيَسِيرٌ(19) قُلْسِيرُوافِيالأَرْضِفَانْظُرُواكَيْفَبَدَأَالْخَلْقَثُمَّاللَّهُيُنشِئُالنَّشْأَةَالآخِرَةَإِنَّاللَّهَعَلَىكُلِّشَيْءٍقَدِيرٌ(20) العنكبوت ) .

2 ــ ويأتى الأمر بالنظر فى السماوات والأرض نظرا بحثيا ، يكون مقترنا بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أحسن كل شىء خلقه ، يقول جل وعلا : (قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ) 101)  يونس ) (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)  الانعام  ) () أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)  الاعراف  ) (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق   ). أى إنمنهجيةالبحثالتجريبىفىالقرآنالكريمةمرتبطةبهدفأسمى سبقت الاشارة اليه فى ربط النظر العلمى التجريبى بالايمان بالخالق جل وعلا الذى أبدع هذا الكون . ونضيف المزيد من الآيات :  ( أَوَلَمْيَرَوْاأَنَّانَسُوقُالْمَاءَإِلَىالأَرْضِالْجُرُزِفَنُخْرِجُبِهِزَرْعاًتَأْكُلُمِنْهُأَنْعَامُهُمْوَأَنفُسُهُمْأَفَلايُبْصِرُونَ(27) السجدة) (أَوَلَمْيَرَوْاإِلَىالطَّيْرِفَوْقَهُمْصَافَّاتٍوَيَقْبِضْنَمَايُمْسِكُهُنَّإِلاَّالرَّحْمَنُإِنَّهُبِكُلِّشَيْءٍبَصِيرٌ(19) الملك) (الَّذِيخَلَقَسَبْعَسَمَاوَاتٍطِبَاقاًمَاتَرَىفِيخَلْقِالرَّحْمَنِمِنْتَفَاوُتٍفَارْجِعْالْبَصَرَهَلْتَرَىمِنْفُطُورٍ(3) ثُمَّارْجِعْالْبَصَرَكَرَّتَيْنِيَنقَلِبْإِلَيْكَالْبَصَرُخَاسِئاًوَهُوَحَسِيرٌ(4) الملك.)(وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات  ) .

3 ــ وأحياناتأتى إشارات الى  حقائقعلميةمعدعوةللتعقل، ربطا للبحث التجريبى بالعقل ـ وليس الهوى .كقولهجلوعلا :(  اللَّهُالَّذِيرَفَعَالسَّمَوَاتِبِغَيْرِعَمَدٍتَرَوْنَهَاثُمَّاسْتَوَىعَلَىالْعَرْشِوَسَخَّرَالشَّمْسَوَالْقَمَرَكُلٌّيَجْرِيلأَجَلٍمُسَمًّىيُدَبِّرُالأَمْرَيُفَصِّلُالآيَاتِلَعَلَّكُمْبِلِقَاءِرَبِّكُمْتُوقِنُونَ(2) وَهُوَالَّذِيمَدَّالأَرْضَوَجَعَلَفِيهَارَوَاسِيَوَأَنْهَاراًوَمِنْكُلِّالثَّمَرَاتِجَعَلَفِيهَازَوْجَيْنِاثْنَيْنِيُغْشِياللَّيْلَالنَّهَارَإِنَّفِيذَلِكَلآيَاتٍلِقَوْمٍيَتَفَكَّرُونَ(3) وَفِيالأَرْضِقِطَعٌمُتَجَاوِرَاتٌوَجَنَّاتٌمِنْأَعْنَابٍوَزَرْعٌوَنَخِيلٌصِنْوَانٌوَغَيْرُصِنْوَانٍيُسْقَىبِمَاءٍوَاحِدٍوَنُفَضِّلُبَعْضَهَاعَلَىبَعْضٍفِيالأُكُلِإِنَّفِيذَلِكَلآيَاتٍلِقَوْمٍيَعْقِلُونَ(4) الرعد).

4 ـ وأحيانا تأتى بعض الاشارات العلمية فى سياق الدعوة للبحث التجريبى ومقترنة بالدعوة الى الايمان بالخالق جل وعلا وكتابه واليوم الآخر ، كقوله جل وعلا : (  أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)  الواقعة )( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81)   )  (فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)  الحاقة  )

5 ـ والايمانالحقبالخالقجلوعلايعنىالتقوى،والتقوىتعنىتقديساللهجلوعلاوحدهوعبادتهوحده،كماتعنىحُسنالخُلُقمعالناس،وبالتالىإخضاعالعلمومنجزاتهللخيروالتعمير،وليسللحربوالتدمير.

 6 ــ  لواتبعالبشرالمنهجالعلمىالقرآنىبديلاعنالمنهجاليونانىلحدثهذاالتقدمالعلمىالحالىمنأكثرمنعشرةقرون. الذىحدثأنبعضعلماءالمسلمينفىعصرالمأمونوالواثقأتبعواالمنهجالتجريبى،وتفرّدالرازىـاعظمأطباءالعصورالوسطىـبهذاالمنهج،ولكنكماسبقمالبثالحنابلةأنأسقطواهذهالحركةالعلمية،ثمسادبعدهمالتصوففقضىنهائياعلىالعلمالحقيقى،فىالوقتالذىبدأتفيهالنهضةالأوربيةمعتمدةعلىجهدعلماءالمسلمينفىعصرهمالذهبى،وبالغربدخلالعالمفىعصرالتقدمالعلمىومخترعاتهوتطبيقاتهالتكنولوجيةالتىننعمبهاالآن،والتىتتطوروتتقدمبمايعجزالخيالعنتصورهفىالمستقبل.

7 ــ هنانرىللقرآنمنهجاعلميافىالبحثالتجريبى،وغايةمنهذاأنيكونهدفالبحثالعلمىهوالخيروتقوىاللهجلوعلا،وبذلكفلامجاللاستخدامالبحثالعلمىفىعصيانالخالق،كماحدثويحدثفىالحضارةالغربية. ولوإتبعتالحضارةالبشريةالمقصدالأعلىمنالبحثالعلمىلكانهذاالتقدمفىالخيروالسلامبدلامنالتدميروصناعةالسلاحوتلوثالبيئة.

المقال الثانى :

 إنكار الغيب القرآنى خطأ فى المنهج الغربى البحثى
مقدمة:
1
ــ هذه الثقافة الغربية العلمانية كانت ـ ولا تزال ـ رد فعل متطرف لخرافات الكنيسة الكاثولوكية وتطرفها فى التحكم فى العقل الأوربية والحياة الأوربية فى القرون الوسطى . الكنيسة الكاثولوكية فرضت الايمان بخرافاتها الغيبية على الناس ، وعاقبت من ينتقدها بالاحراق . ووقع المحمديون فى نفس المهلكة حين فرضوا أحاديثهم وخرافاتهم الغيبية على الناس على أنها السُّنّة والتصوف والتشيع . لا يزال المحمديون أسرى لهذا التخلف ، بينما تحرر منه الغرب. ولكنه تطرف فأنكر الغيب مطلقا ، وتأسّس العلم الأوربى والغربى على إنكار كل ما يخرج عن التجربة المادية ، وكل ما لا يمكن إخضاعه للتجربة المادية. بدأ بعض التطور الايجابى عندما تم إكتشاف ظواهر( غيبية ) يمكن الاستفادة بها علميا دون فهم كنهها وحقيقتها ، كالكهرباء ، وكشفت نظرية النسبية وما بعدها عن ظواهر كونية لم يتم بعدُ فهمها ، مع إمكانية الاستفادة منها.

 

2 ـ فى بدايتها أنكرت أورباالغيب تماما فى منهجها العلمى، وبالتالى أنكرت تداخل الغيب بالزمن ، وقد ظل عامل الزمن منكورا ربما حتى إكتشاف اينشتاين نظرية النسبية . ( الزمن ) هو أكبر غيب بالنسبة لنا ، مع أننا وكل العالم المادى نعيش فى إطار هذا الزمن الخاص بنا . وبعد إكتشاف نظرية النسبية فى ان الزمن هو البُعد الرابع للمادة أصبح الزمن معضلة تستوجب الكثير من الفهم . وربما لو إلتفتوا الى القرآن الكريم لفتح لهم ابوابا من التفكير ، وقصّر عليهم الكثير من العناء بإعطائهم مجالات جديدة غائبة عنهم ، ففى القرآن الكريم لمحات عن ( الزمن ) ، لم تلتفت اليه حضارة الغرب والشرق . وينبغى الاهتمام بها علميا من جانب المختصين . وهذه محاولة ( عرجاء ) من باحث قرآنى قليل البضاعة فى العلوم الطبيعية ، ولكن التدبر القرآنى يساعده فى الفهم . وبالتالى لو تدبر القرآن علماء متخصصون لاختلف الأمر.
ارتباط الغيب ( النسبى ) بالزمن والسرعة
1ـ إرتباط الغيب بالزمن والسرعة يتجلى فى ( زمننا ) الحاضر ، و ( زمننا ) الماضى . فى الماضى كان الحادثة تقع فى القاهرة ، ثم تعلم بها الاسكندرية بقدر سرعة توصيلها من القاهرة الى الاسكندرية . إذا حملتها خيول البريد ستصل فى يوم ، إذا حملها الحمام الزاجل ستصل أسرع . أى يتوقف الأمر على السرعة . الآن بإستعمال وسائط غير مادية أمكن أن نعلم بالخبر وقت حدوثه . أى بالوسائط غير المادية ( الغيبية ) أمكن تحييد الزمن فى مجال الاتصالات .وهذه الوسائط غير المادية الغيبية ( كالكهرباء ) طاقة لا نراها ، وإن كنا نستعملها ، وإن كانت هذه الطاقة أيضا صورة من المادة ، فالطاقة تتكثف الى مادة والمادة تتحول الى طاقة.
2 ـ هنا نحن أمام غيب نسبى يمكن العلم به بالتقدم العلمى . أخوك فى أوربا وأنت فى مصر ، من مائة عام كنت لا تستطيع أن تسمع صوته . ومن ثلاثين عاما كنت لا تستطيع أن تراه ، أنت الآن تراه بالتليفون وتكلمه . تقلص الغيب هنا . هذا هو الغيب النسبى فيما يخص الحاضر.
هل ينطبق هذا على غيوب الماضى ؟ ( غيب البرزخ)
1 ـ أى هل نستطيع أن نستحضر أصوات السابقين وأعمالهم ؟ إن الله جل وعلا حكم بأن الأمة التى تنتهى موتا وهلاكا لا يمكن أن تعود الى هذه الحياة الدنيا : (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95) الانبياء).
2 ـ ونعلم من القرآن أن كل ما يصدر عن الانسان من قول وعمل يتم تسجيله بالملائكة : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) لذا فإن ( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ) (15) الاسراء ). يهمنا هنا التعبير القرآنى ( طائره ) أى ما يطير عنه يحمل ( ال دى إن إيه ) الخاصة بذاته ، نفسه وجسده ، يطير حاملا كلامه وأفعاله وخطرات قلبه ، كل هذا يطير عنه ، ويتم حفظه و ( أرشفته ) ليكون هذا العمل هو كتاب أعماله بالصوت والصورة ، وليكون الجسد الذى يغلّف النفس يوم القيامة . وبهذا تمت ( ارشفة ) من مات قبلنا ، وسينطبق علينا نحن فى الحاضر وعلى اللاحقين ، يفنى الجسد وتعود النفس الى برزخها وقد وفّّت عملها فى كتاب عملها ووفّتّ المقدر لها من عُمر ورزق فى هذه الحياة الدنيا ، ثم يوم الحساب تأتى التوفية الأخيرة ، توفية مصيرها إما الى جنة أو نار.
3 ـ السؤال الان : هل يمكن أن إسترجاع كلام والدك المتوفى من زمن طال أو قصر ؟ هل يمكن أن تسترجع صورته كفيلم سينمائى تسجيلى ؟ الواضح أن المادة لا تفنى ، وبالتالى فإن ما صدر من اصوات لا تفنى ، هى هناك محفوظة . ولكن أين هذا ال( هناك )؟. إنه فى البرزخ . هنا يطل علينا غيب البرزخ.
هل ينطبق هذا على غيوب المستقبل ؟ ( الرؤيا الصادقة)
1 ـ يمكن بالرؤية الصادقة معرفة بعض الغيب المستقبلى . النبى محمد عليه السلام رأى فى المنام انه يحج البيت الحرام ، وكان يتمنى هذا ، وقد تحققت رؤياه صريحة واضحة ، يقول جل وعلا: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) الفتح) .
وقصة يوسف عليه السلام تقوم على رؤى صادقة ، وقد تعرضنا لتحليل سورة يوسف فى مقالات فى باب ( القصص القرآنى ) فى موقعنا . هنا رؤية صادقة رآها ملك كافر وصاحبا السجن ( وكانا كافرين ) ورآها يوسف عليه السلام . جاءت الرؤى ليست بإخبار واضح ، بل بإشارات وألغاز إحتاجت الى تعبير أو تفسير من نبى . المستفاد ان الرؤية الصادقة قد يراها أى إنسان بغض النظر عن إيمانه أو كفره . وموضوع المنامات أسرف فيه أئمة المحمديين السنيون والصوفية والشيعة وجعلوها وحيا مخصوصا لأوليائهم وأئمتهم.

وللزمن درجات ، ليس فقط فيما نعرف ، من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . الروح يتنزل بأقدار كل سنة ، ولكن بزمنه ، وهو ينتمى الى الملأ الأعلى أى يرزخ السماء السابعة ، يهبط منها بسرعات لا نهائية الى البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين . فهناك فارق زمنى ، بين زمن هذا البرزخ الأدنى للأرض ( الأرض الثانية ) من سبع أرضين وبين زمن الملأ الأعلى ، كما أن هناك فارقا بين زمن هذا البرزخ الأدنى وزمننا نحن . وشاء الله جل وعلا فى موضوع يوسف ان أن ترى نفس الملك حدثا سيستمر 15 عاما بزمننا ، نزل به جبريل والملائكة وفق زمنهم

وما حدث ليوسف هو تدبير إلاهى من الله جل وعلا الذى يدبر ألأمر من مستواه العلوى فيتخلل السماوات السبع والأرضين السبع ، : ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) ) وسورة يوسف هى السورة التى ورد فيها لفظ أن الله جل وعلا غالب على أمره ، جاء هذا فى بداية نشأة يوسف فى بيت الذى اشتراه من مصر ، والذى سيكون فيما بعد عزيز مصر قال جل وعلا: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)يوسف ) . 
إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله  جل وعلا: (  أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ) فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته.

2 ـ كيف نفهم الرؤيا الصادقة من خلال القرآن:
فى ليلة القدر ينزل الروح جبريل والملائكة بالأقدار الحتمية للبشر للعام التالى ، من مواليد ووفيات ومصائب وأرزاق . يحملها ضمن تدبير الرحمن جل وعلا الذى ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) السجدة ). تنتقل الملائكة والروح جبريل من الملأ الأعلى البرزخى الى برزخ الأرض بسرعات لا يمكننا تصورها ، يعبر عنها رب العزة جل وعلا بالأجنحة ، قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ) ينتقل الروح والملائكة من الملأ الأعلى البرزخى الى المستوى البرزخى حيث يضع الأقدار فى ليلة القدر . هذا خلال يوم إلاهى مقداره ألف سنة بتعدادنا ، ولهذا فإن ليلة القدر قال عنها رب العزة جل وعلا : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) والتفاصيل فى كتابنا المنشور هنا عن أن ليلة القدر هى ليلة الاسراء.
3 ـ تصور هذا عقليا كالآتى : نفترض أن صديقا لك فى الاسكندرية مقدر موته فى الساعة الواحدة صباح الأحد يوم كذا فى شهر يناير سنة كذا . لو كنت تعيش فى العصر العثمانى سيصلك الخبر بالحمام الزاجل بعدها بيوم .لو كنت تعيش عصرنا سيصلك الخبر فى وقتها . لأن الخبر يصل اليك قريبا من سرعة الضوء لأن الخبر هنا هو صوت أو صورة . هذا عن وسائل الاتصالات . أما عن وسائل المواصلات ، فلو سافرت اليه بجسدك بالخيول ستصله بعد يوم ، لو ركبت الطائرة ستصل بعد نصف ساعة. لو ركبت صاروخا ستصل بعد دقائق . مستحيل أن تركب وسيلة مادية تتجاوز بها سرعة الضوء ( 300 الف كيلو فى الثانية ) . لابد أن تتخلص من جسدك المادى لتنطلق بسرعة الضوء وتكون بنفسك الى جانب صديقك . لو توفرت لك وسيلة مواصلات تتجاوز سرعة الضوء ( أى الأوتار الفائقة ) ستصل الى صديقك ليس فى المستقبل بل فى الماضى ، أى سينعكس بك الزمن . لو مات صديقك ولك وسيلة مواصلات بالأوتار الفائقة التى تتجاوز سرعة الضوء فإنك ستصله قبل موعد موته ، وستعلم بموته قبل أن يموت . نظرية الأوتار الفائقة تعرف عليها العلم الغربى حديثا ، وهى من معضلات الزمن.
4 ــ عودا الى موضوع الرؤية الصادقة التى ترى بعض أحداث المستقبل مشوشة ،  نقول إن النفس ـ ذلك الكائن البرزخى الذى يسيطر على الجسد ويوجهه ـ تستريح من سجن الجسد مؤقتا بالنوم كل ليلة حيث تعود الى البرزخ. تعود اليه وقد تخلصت من أسر الجسد المادى ، وتتجول فى عالمها البرزخى . وأحيانا تصطدم ببعض الحتميات التى وضعها جبريل والملائكة فى ليلة القدر ( ولم تحدث بعد ) تراها بصورة مشوشة لأنه مجرد خبر بلا تحقيق وبلا تجسد . يستيقظ الانسان ويستذكر أحلاما كثيرة ، وينسى الأكثر ، ومعظمها أضغاث أحلام . ولكن يتذكر حُلما بصورة غامضة ، ثم لا يلبث أن يراه قد تحقق.
5 ــ هنا النفس قد إنطلقت الى برزخها بسرعات مجهولة لا نتصورها ، تنطلق وتعود الى جسدها طيلة نومه . ولا تستطيع النفس الاستغناء عن النوم ، فالنوم واليقظة وتسجيل الأعمال والموت والبعث من مظاهر قهر الواحد القهار للإنسان ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (61) الانعام).
الغيب المطلق ودرجات الغيب المطلق:
1 ـ كل هذا يقع ضمن الغيب النسبى الذى يمكن علمه بالتقدم العلمى الذى يخترع وسائط للسرعة فى الاتصال وفى المواصلات . أما الغيب المطلق فلا مجال لمعرفته على الاطلاق فى حياتنا الدنيا.
2 ــ الدرجة العليا من الغيب الكلى المطلق لرب العزة الله جل وعلا . هو جل وعلا غيب لا يمكن رؤيته فى الدنيا أو الآخرة ، ولنا مقال عن المحكم والمتشابه فى رؤية الله جل وعلا منشور هنا . لا يمكن رؤيته لأنه جل وعلا ليس خاضعا للزمن، بل هو خالق الزمن، فهو الأول والآخر . لدى البشر والملائكة والجن والشياطين عوالم الغيب والشهادة ، أما رب العزة فيستوى عنده العلم بالغيب والشهادة ، ولهذا فكلمة ( هو ) بالنسبة له جل وعلا لا تفيد الغياب ، بل الحضور ، ولنتدبر قوله جل وعلا : (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ). إنها القيومية الالهية على كل شىء ، وشرحتها آية الكرسى ( البقرة 255)
هو جل وعلا فوق الخلود الذى سيكون فيه اليوم الآخر بجنته وناره . فالخلود فى نهاية الأمر هو زمن ، وهو جل وعلا فوق الزمن ، هو الأول بلا إبتداء والآخر بلا إنتهاء . ولا نستطيع التفكير أبعد من هذا حتى لا تنفجر (فيوزات عقلنا البائس.!)
3 ـ ثم هناك غيب مطلق لا نراه فى الدنيا بأعيينا ولا بأجهزتنا ، ولكن سنراه فى الآخرة ، هذا يشمل الجن والملائكة والشياطين . قال جل وعلا لنا عن الشيطان : (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ )(27 ) الاعراف). يوم القيامة سيرى الفرد الضال الشيطان الذى إقترن وسيطر عليه فى حياته الدنيا ، وسيتبرأ منه حيث لا ينفع الندم ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف) . وفى الجحيم سيكون الشيطان وذريته مع أتباعه من البشر ، وسيتبرأ منهم : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم) .
أخيرا : إنكار الغرب وتجاهله للغيب الذى فى القرآن الكريم أعاقهم وأخّر المسيرة العلمية . ونتمنى إعادة النظر .. لعلّ وعسى.!! 

 

 المقال الثالث :

ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( معنى السماء والسماوات )

 مقدمة :

1 ـ  الغرب يعلم ظاهرا من علم السماوات والأرض ، والاشارات القرآنية فى هذا المجال سبقت الغرب ، وما لاشك فيه أن الغرب لو تدبر القرآن لانفتحت أمامه مغاليق كثيرة .

2 ـ  نبدأ بتحديد مصطلح السماء والسماوت قرآنيا .  ( السماء ) من ( السمو ) أى ( العلو ) ، ومنه قولهم ( صاحب السمو ) . بالتالى فإن السماء هى ما يعلو .

3  ـ وبهذا المعنى جاء مصطلح ( السماء ) بالمعانى الآتية :

أولا : السماء : بمعنى الغلاف الجوى بدرجاته المختلفة من حيث العلُوّ:

1 ـ ومنه إنزال المطر من السماء ، أى من الغلاف الجوى ، يقول رب العزة جل وعلا : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )( البقرة 22 )، أى أنزل من الغلاف الجوى ماءا.

 ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ  ) ( البقرة 164 ). السماء فى الآية الكريمة جاءت مرتين ، عن انزال الماء ، ودور السحاب فى الغلاف الجوى الذى هو بين السماء والأرض . وهنا إشارة الى أن الغلاف الجوى جزء منه هو الذى ينزل منه الماء ، أو المطر .

ونحو ذلك يقول رب العزة جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ)(ابراهيم 32 )، ويقول رب العزة جل وعلا :(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ ) ( النمل 60 )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ) ( لقمان 10 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ  ) ( الأنعام 99 ).

وفى تعبير خاص يقول رب العزة جل وعلا  عن السماء بدون إستعمال إنزال الماء :(وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا   ) ( الأنعام 6 ).

و( المطر ) هو نعمة وبركة تنزل من السماء أى الغلاف الجوى ، ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ  ) ( الأعراف 96 )

2 ـ وسبق القرآن فى الاشارة الى دور الرياح فى حمل السحب المثقلة بالماء لكى تنهمر ( مطرا ) . يقول رب العزة جل وعلا : (  وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الاعراف ) .

وفى دور الرياح فى التلقيح ، تحمل البذور مع الماء ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر )، ويتكرر نفس المعنى فى إشارة الى البعث والنشور، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9) فاطر ).

وفى إعجاز علمى سابق عن إنزال المطر ، يقول رب العزة جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) الروم)،و يقول رب العزة جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ (43) النور).

إنزال العذاب من السماء :  

1 ــ يقول رب العزة جل وعلا  عن اهلاك القرية التى ارسل اليها ثلاثة من الرسل : (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)( يس 28 )

2 ــ  ، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ  ) ( البقرة 59 )، هنا إشارة الى المرض الذى نزل على بنى اسرائيل فى عهد موسى .وواضح أن هذا الرجز وباء جلدى من جراثيم أو بكتيربا فى طبقات الجو.

3 ـ يقول رب العزة جل وعلا عن طلب مشركى قريش إنزال العذاب عليهم من ( السماء ) حجارة تسقط عليهم : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  ) ( الأنفال 32 )، وطلبوا عذابا أو آية حسية (عروجه عليه السلام الى السماء ) : ( أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً )( الاسراء 92 : 93 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : وعن رفض طلبهم بإنزال آية حسية ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ) ( الحجر 14 : 15 )، أى لو أرسلهم فى ( مركبة فضائية ) يسبحون فى طبقات الجو عليها لقالوا إنه سحر .

4 ـ وهنا مثل تصويرى لخسران المشرك ، يقول رب العزة جل وعلا : (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )( الحج 31 )، ومثله  ، يقول رب العزة جل وعلا  يصف ضيق صدر المشرك كأنه يسبح فى طبقات الجو العليا بلا أوكسجين كاف : (فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء  ) ( الأنعام 125 )

 5 ـ وعن الطيور ، يقول رب العزة جل وعلا : (أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ   ) (النحل 79   )

6 ـ و، يقول رب العزة جل وعلا  فى تشبيه للكلمة الطيبة : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء  ) ( ابراهيم 24)

7 ــ و يقول رب العزة جل وعلا : (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء   ) ( البقرة 144 )

واضح فيما سبق الاختلاف فى مدى إرتفاع طبقات الجو ، أو ( السماء ) أى ما يعلونا .

ثانيا : السماء بمعنى السماء الدنيا

قالت الجن  : (  وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ) ( الجن 8 : ـ ). الجن فى برازخ الأرض ، ولا يستطيع الولوج الى برزخ السماء الدنيا ، فكانوا يقتربون من تخوم السماء الدنيا يتنصتون على ما يجرى ، فتتسلط عليهم الشُّهُب . بالنسبة لهم السماء الدنيا هى التى تعلوهم . والتعبير عنها ب ( السماء )

ثالثا : السماء بمعنى السماوات 

بالتالى فإن السماوات السبع كلها هى التى تعلونا . ويأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على ( السماوات ) فى خلقها وبنائها ورفعها ، وسيطرة رب العزة عليها ، وفى تدميرها عند قيام الساعة .

1 ـ عن خلق ( السماء ) بمعنى ( السماوات )  يقول رب العزة جل وعلا : (  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ  ) ( الأنبياء 16 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ( البقرة 29 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا :( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ) ( الحجر 16 : 18 ). ويقول رب العزة جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا   ) ( الفرقان 61 ) ، ويقول رب العزة جل وعلا : (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ  ) ( الغاشية 17 : 20 ) ، يقول رب العزة جل وعلا :( أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ) (وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ )( ق 6 ، 7 )  ويقول رب العزة جل وعلا :( تَنزِيلا مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ) ( طه 4 )

 2 ـ وعن علمه بما فى السماء (أى السماوات ) والأرض يقول رب العزة جل وعلا :( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( النمل 75 )

3 ـ وعن تدمير هذا العالم وقيام الساعة يأتى مصطلح ( السماء ) ليدل على (السماوات )  يقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) ( الرحمن 37 )، ويقول رب العزة جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً  فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ  ) ( الحاقة 13 : 18 ) . السماء هنا بمعنى السماوات .

 

المقال الرابع :

ما لم يعرفه الغرب عن السماء والسماوات : ( خلق وتدمير السماوات والأرض )

 أولا : الآيات القرآنية الحاكمة فى خلق السماوات والأرض  :

1 ـ ما يعرف ألان بالانفجار الكبير ، والغرب يفهمه على الأرض والنجوم والمجرات . ولكن رب العزة يجعله يشمل السماوات والأرض . يقال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا )(30) الانبياء) ( الرتق ) هو الشىء الذى بلا مسام . ( الفتق ) هو الانفجار والانبثاق . المفهوم أن السماوات والأرض إنبثقتا من نقطة واحدة . نتصور أن الله جل وعلا أخذ قطعة من الزمن وفجرها فإنبثقت عنها السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما من مجرات .

2 ـ حين إنبثقت السماوات والأرض تحولتا الى زوجين ، لأنه ما عدا الخالق جل وعلا ـ  كل المخلوقات زوجين ، سالب وموجب ، ذكر وأنثى . سواء فى البشر والحيوانات والنباتات ..أو المادة غير الحية والطاقة هى موجب وسالب . هنا نقرأ الآيات القرآنية الحاكمة. يقول جل وعلا : ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات )( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا ) (12) الزخرف) ( سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) يس ).

3 ـ السماوات والأرض السالبة والموجبة تنطلق كل منهما فى إتجاه بعيدا عن بعضهما ، وهو المشار اليه بالتوسع ، توسع الكون ، والتعبير القرآنى قوله جل وعلا : ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) الذاريات ).

4 ـ ولكن هذا الانطلاق لكل منهما يأخذ الشكل القوسى ، أى إنهما فى النهاية يلتقيان . والتصوير القرآنى كالكتاب الذى تطويه فيلتقى طرفاه ، ويعود الى ما كان عليه ، يقول جل وعلا :  ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) (104) الانبياء )، أى يعود الكون الى نقطة الصفر . وكما بدأ بإنفجار ، ينتهى تدميرا بإنفجار آخر .

5 ـ التعبير القرآنى ( النفخ فى الصور ) يأتى عن هذا الانفجار الذى تتدمر به السماوات والأرض وبرازخهما وما بينهما ، يقول جل وعلا : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) الحاقة ) .

وهناك إنفجار آخر يتم به خلق السماوات والأرض البديلتين الخالدتين ، فى ( اليوم الآخر ) حيث القيامة والحساب والجنة والنار ، وحيث يتجلى الله جل وعلا ، يوم ( لقاء الرحمن ) . يقول جل وعلا :( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) عن الانفجارالأول يقول جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99)  الكهف ) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) يس ) (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) ) النمل ).

وعن الانفجارين ( إنفجار الساعة وتدمير هذا العالم ، وإنفجار يوم القامة والبعث والحشر ) يقول جل وعلا : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر  )

ثانيا : الآيات الحاكمة فيما يسمى بالجاذبية ، والتى تشمل السماوات والأرض :

بين الانفجار الأول وإنفجار الساعة يكون إنتظام الكون وله تعبيرات قرآنية ، منها

1 ـ (الميزان ): (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ 7) الرحمن ). الميزان هو ثبات النظام الكون بتقدير الاهى .

2 ـ ( إمساك السموات والأرض ) ، يقول جل وعلا : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )(65) الحج) ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) فاطر)

3 ـ المدارات المستقرة للأفلاك السماوية ، قال جل وعلا (  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) الانبياءِ )( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) يس ). ملاحظة ( كل فى فلك ) يمكن قراءتها من أولها ومن آخرها ( ك ل ف ى ف ل ك ). وبالتالى تدور حول نفسها ، أى هى تفسير لكلمة ( يسبحون ).!

4 ـ حفظ القشرة الأرضية بالجبال ، يقول جل وعلا : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) الأنبياء )، مع حفظها بطبقة الأوزون : ( وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) الأنبياء ) ، هذا مع دورانها حول نفسها بما يسبب الليل والنهار وتعاقبهما وإلاج أحدهما فى الآخر فى وقت الفجر الى شروق الشمس ووقت مغرب الشمس الى العشاء ، كل ذلك حتى الأجل المسمى ، وهو قيام الساعة ، يقول جل وعلا : ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ) (الزمر 5)

5 ـ ومفهوم الجاذبية يسرى على السماوات السبع والأرض ببرازخها ، يقول جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى )(2) الرعد ) (خَلَقَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) لقمان ). العلم الحديث يحصر هذا التوازن على الأرض والكون المرئى .

6 ـ عن إستقرار الأرض وبناء السماوات يقول جل وعلا فى آيات تستدعى إنتباه المتخصصين :( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) النازعات ) .

ثالثا : تدمير السماوات والأرض فى وقت واحد ، إذ يختل النظام الكونى لهما ، حين يتلاقى الكون بالكون النقيض :

من الآيات الحاكمة فى الموضوع التى تستلزم بحثا علميا متخصصا :

1 ـ يقول جل وعلا : ( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) التكوير )

2 ـ ( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) ) الانفطار )

3 ـ (  إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)    الانشقاق  )

4 ـ (   فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) الحاقة )

5 ـ (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج  )

6 ـ ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10) الطور )

7 ـ ( إِذَا رُجَّتْ الأَرْضُ رَجّاً (4) وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسّاً (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً (6) الواقعة )

8 ـ ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) المرسلات )

9 ــ ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20) النبأ )

أخيرا : تأخر العلم الحديث عن القرآن الكريم 

1 ـ الانفجار الكبير:
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه ( هل لك فى الكون من نقيض ) ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية.
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن.
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية.. ).
2
ـ امتداد وتوسع الكون ـ 
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل.
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس)، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922
3
ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء

 ننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران  .
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. )
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله

ملاحظة : المعلومات السابقة كانت مما تيسر من عشرين عاما .. ولكن مهما تطور العلم بعدها فلا تزال تلك الفجوة بين القرآن والعلم الحديث الذى لا يعترف بالقرآن الكريم ، ولا بالسماوات السبع .

المقال الخامس :

 ما بين السماوات والأرض : 

  أولا :

1 ـ  كلمة : (ومابينهما) تأتى أحيانا  فىالحديثالقرآنىعنالسماواتوالأرض.

2 ـ ( ومابينهما ) هى الأجرام السماوية فما بين السماوات والأرض من كويكبات وأقمار وكواكب ونجومومجرات . أىمابينالسماواتالسبعوالأرض هومجرد(مابينهما )، معانهذاالذى(مابينهما)يكتظُّبالنجوموالمجراتوالثقوبالسوداءوالبيضاء، والمسافات التى  بينبلايينالمجراتتٌقاسببلايينالسنوات.

ثانيا : مصطلحات الأجرام السماوية

 1 ـ نزل القرآن باللسان العربى وبما يفهمه العرب ، وهم كانوا يستعملون مصطلحات معينة تعبر عن الأجرام السماوية ، ليس منها ما نعرفه اليوم من كلمة ( الفلك ) بفتح الكاف ، والأفلاك . بخلاف الشمس والقمر فإن كل أنواع الأجرام السماوية تبدو نقاطا مضيئة فى الليل منفصلة أو متصلة ، عرفنا فيما بعد أن منها مجرات هائلة تبتعد عنا بلايين السنوات الضوئية ، ومنها نجوم قريبة ، ومنها كواكب المجموعة الشمسية ، وهى الأقرب لنا . وقديما أطلق عليها العرب ألفاظا معينة : الكواكب ، النجوم ، البروج.  

2 ـ عن البروج  إقرأ قوله جل وعلا :  ( وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) البروج ). هذا يشمل كل الأجرام السماوية، وهى التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا، إقرأ قوله جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلاَّ مَنْ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) الحجر ) . وعن الفارق بينها وبين الشمس الملتهبة والقمرالعاكس للضوء ، إقرأ قوله جل وعلا :  ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً (61) الفرقان ).

3 ـ وعن الكواكب ، وهى نفس البروج التى تملآ ما بين الأرض والسماء الدنيا ، إقرأ قوله جل وعلا : ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10) الصافات  ) ، وعن رؤية يوسف إقرأ قوله جل وعلا :( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) يوسف ).وعن رؤية الفتى ابراهيم لجُرم سماوى ظهر ثم إختفى قال جل وعلا : ( فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) الانعام ). وعن تدمير النظام الكونى ، إقرأ قوله جل وعلا :( إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) الانفطار ).

4 ـ وبنفس الصيغة عن النجم والنجوم . الأصل فى كلمة ( نجم ) أنه ما( ينجم ) اى يظهر ، سواء كان نباتا على سطح الأرض ، فهو ( نجم ) أو كان جُرما على صفحة السماء ، ، إقرأ قوله جل وعلا فى الجمع بينهما : ( وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) الرحمن ). والعرب فى صحرائهم والناس فى سواد الليل يهتدون بتلك الأجرام السماية ، أو بما يسمونه النجوم ، حين ينجم أى يظهر نجم فى السماء فيستدلون به على طريقهم أو على توقيت معين . ، إقرأ قوله جل وعلا :  ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) النحل )( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) الانعام ). العرب فى سيرهم فى الصحراء يركبون الجمل سفينة الصحراء كانوا يتعرفون طريقهم بالنجوم. وحاليا تتعرف سُفُن الفضاء على طريقها بالنجوم .

ثالثا :  إستخدامها فى سياق الدعوة الى الهداية :

1 ـ البشر فى تخلفهم العقلى يرفعون بعض البشر ( والبقر ) الى درجة التقديس الذى يجب أن يكون للخالق جل وعلا وحده . وخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس : (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) غافر ) . المحمديون الذين يزعمون الايمان بالقرآن الكريم يرفعون إلاها اسموه ( محمدا ) الى مرتبة الالوهية ، بل ويجعلون مكانته أكبر من مكانة الخالق جل وعلا ، والله جل وعلا يقول ردا مسبقا عليهم وعلى آلهتهم المخلوقة : (  أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ). الذى أبدع خلق السماوت والأرض كيف يكون له ولد ؟ يقول جل وعلا : (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ (117)  البقرة) () بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الانعام  ).

2 ـ لا يستطيع البشر رؤية السماوات ، لكنهم يستطيعون رؤية ما بين السماوات والأرض ، أى الأجرام السماوية . وكلما تقدموا علميا وتكنولوجيا إزداد إنبهارهم بما بين السماوات والأرض من كواكب ونجوم ومجرات ، وبالتالى عليهم أن يخجلوا من أنفسهم حين يساوون بين خالق السماوات والأرض وهذه المخلوقات اتى يقدسونها !.

لذا تأتى كلمة ( وما بينهما ) كثيرا فى معرض الهداية.  بأنه جل وعلا هو (خالق السماوات والأرض وما بينهما )، وأنه جل وعلا هو ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) ، وأنه جل وعلا هو ( مالك السماوات والأرض وما بينهما ). ونعرض لها سريعا :

3 : هو جل وعلا الخالق للسماوات والأرض وما بينهما :

3 / 1 : وبالتالى فاين هذه المعبودات المخلوقة من خلق النجوم ، قال جل وعلا : ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل ). فى موضوع الخلق  ، إقرأ قوله جل وعلا :(وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ  ) (85) الحجر ) . معنى خلقها بالحق أنها لم يخلقها الرحمن عبثا ولا لعبا ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (16) الانبياء ) ، (  وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) الدخان ) . القائلون بعشوائية الكون يرد عليهم رب العزة جل وعلا : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ (27) ص )، هى مخلوقة وسيتم تدميرهما فى الأجل المسمى ، بقيام الساعة ،مهما أعرض الكافرون .  يقول جل وعلا : (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3) الاحقاف ). أى هى دعوة للتفكر ، إقرأ قوله جل وعلا :(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)  الروم ) .

3 / 2 : وردا على أُكذوبة أن الله جل وعلا إستراح فى اليوم السابع   ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) ق ). اللغوب هو التعب .

3 / 3   : وهو جل وعلا لم يخلق السماوات والأرض ثم يتركها ، بل هو المهيمن المسيطر على ما خلق ، أو هو بالتعبير القرآنى هو الذى ( إستوى على العرش ) . والعرش هنا هو ملكوت السماوت والأرض وما بينهما ، ، إقرأ قوله جل وعلا :  (الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً (59) الفرقان ) ، إقرأ قوله جل وعلا : (  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) السجدة )

4 ـ وهو جل وعلا ( رب السماوات والأرض وما بينهما ) : إقرأ قوله جل وعلا : ( رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65) مريم )  (رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) الصافات ) (رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66) ص ).

5 ـ وهو جل وعلا الذى له ملكية السماوات والأرض ما بينهما ، إقرأ قوله جل وعلا : (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه ). الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات هل يليق أن يقال أن فلانا هو إبنه ؟ وهو الذى لو أراد لأهلك هذا الابن وأمه ومن فى الأرض جميعا . ، إقرأ قوله جل وعلا :  (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً  وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) المائدة ) . وهو ما يمكن قوله للمحمديين الذين يزعمون أن الله جل وعلا خلق محمدا من نوره ، تعالى رب العزة عن ذلك علوا كبيرا . وقد زعم بعض أهل الكتاب أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، وهو نفس ما يزعمه الصوفية المحمديون ، وجاء الردُّ عليهم فى قوله جل وعلا :  ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) المائدة  ) . وهذا الذى يملك السماوات والأرض وما بينهما هو وحده الذى عنده علم الساعة ـ وليس البشر ـ وإليه وحده المصير واليه سنرجع يوم القيامة ، إقرأ قوله جل وعلا :  (وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) الزخرف ) .

رابعا : منقول عن بعض الاعجاز العلمى عن ما بين السماوات والأرض ، من الكون المنظور .

( فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ )

علمياً، تعتمد قوة جاذبية أي جسم على كتلته، فكلّما زادت كتلة الجسم، زادت معها قوة الجذب، فعلى سبيل المثال، تبلغ قوة جاذبية القمر 1/6 جاذبية الأرض، فإذا كان وزن شخص ما على الأرض 60 كيلوجراماً، فإن وزنه على سطح القمر يكون 10 كيلوجرامات. وعليه، فإن قدرة الأرض على جذب أي جسم أقوى بـ 6 مرّات من قدرة القمر، بينما يعتبر العلماء كوكب المشتريمكنسة شفط كونيةللدور الكبير الذي يلعبه في جذب المذنبات والكويكبات كما بيّنا في مقالتنا وزينّا السماء الدنبا بمصابيح وحفظا.

عند بداية تشكل نظامنا الشمسي، كانت المناطق المحيطة بمركز تكثّف الدخان (السحابة السديمية) مليئة بالكواكب الجنينية(الكِسَف) أو الكويكبات بينما  احتوت المناطق الأبعد على الماء والهايدروجين والهيليوم،  وقد تكونت الكواكب الصلبة نتيجة تجمّع الكويكبات في أجسام صلبة مثل عطارد والزهرة والأرض والمريخ (داخل الحزام الأبيض) كما هو مبين في الشكل أدناه والتي قامت بدورها بكنس أو تنظيف مداراتها من الكويكبات خلال جريانها، بينما بقيت منطقة حزام الكويكبات على وضعها لعدم وجود كواكب في تلك المنطقة مع العلم أن هناك كوكبين قزمين هما سيريس و فيستا داخل  الحزام إلاّ أنهما لم بكونا قادرين على كنس مداراتهما لصغر حجمهما، ولاحظ أيضاً قدرة كوكب المريخ الضعيفة على الكنس مقارنة بكوكب المشتري القوية خارج حزام الكويكبات.

حزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخ Mars والمشتري Jupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها الاعجاز العلمي في الخنس الجوار الكنسحزام الكويكبات (اللون الأبيض)، ويتكوّن من الكويكبات والتي تتركز بين مداري المريخMars والمشتريJupiter. لاحظ كيف قامت الكواكب من خلال جريانها بكنس مداراتها

بعد جدل طويل وواسع، توصّل الاتحاد الفلكي الدولي عام 2006  إلى تعريف “الكَوكَب” ضمن نظامنا الشمسي على أنه جرم سماوي 1- يجري في مدار حول الشمس (جَوار؟) 2- كبير بما يكفي ليصبح شكله مستديرًا بفعل قوة جاذبيته (خُنّس؟) 3- يستطيع أن يُخلي مداره من الكواكب الجنينية أو الكويكبات  (كُنّس؟). وبناءاً على التعريف السابق، لم يعد كوكب بلوتو يلبي الشروط المذكورة وتم إعادة تصنيفه ليصبح كوكباً قزماً.

هل لاحظت التطابق بين القسم والتعريف؟  هل هذه مصادفة؟ أم أن القسم الذي كان غريباً وعجيباً في بداية المقالة لم يعد كذلك، فالله تعالى وفي ثلاث كلمات {… الخُنَّسِ الجَوَارِ الكُنَّسِ}، صًنَّف الكواكب قبل أن يقوم العلماء بذلك  بـ 1430 سنة! في وقت كان الفارق الوحيد بين الأجرام السماوية هو أن النجوم ثابتة والكواكب سيّارة ولم يعرف الناس حقيقة تكوينها.

https://fussilat.org/2012/09/26/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D8%B3/

 أقسم الله تعالى بمواقع النجوم وقال إن هذا القسم الذي أقسمَ به لقسم، لو تعلمون ما هو، وما قدره، لقسم عظيم. الغاية من القسم أن هذا القرآن لقرآن كريم، في كتاب (الذي في السماء) مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره، لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب والملائكة، وهو تنزبل من رب العالمين.

سورة الواقعة – 75  { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

 الإعجاز العلمي في سورة الواقعة

قلا اقسم بمواقع المجومقلا اقسم بمواقع المجوم

ربط تعالى صدقية الفرآن وحقيقة تنزيله بعظمة مواقع النجومفما العظيم بمواقع النجوم؟ { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } *

كل النجوم التي نراها بالعين المجرّدة تقع ضمن مجرتنا، فنحن نراها بالليل والمسافة بينها ثابتة، ثم نراها تتحرك جميعها مع بعضها خلال ساعات الليل بسبب دوران الأرض حول نفسها وحركة اخرى خلال فصول السنة بسبب دوران الأرض حول الشمس ثم تعود من حيث بدأت. الآيات السابقة تخبرنا بأن الموضوع ليس بهذه البساطة إذ أخبرنا تعالى بأننا لا نملك من العلم ما يكفي “لو تعلمون” لكي نعطي هذا القسم حق قدره.

فلا اقسم بمواقع النجوم }

تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.

 

في عام 1989، أطلقت الوكالة الأوروبية للفضاء European Space Agency – ESA المسبار هيباركوس لتحديد مواقع  نحو مئة ألف نجمة بمجرتنا بدقة عالية في مهمة مدتها ثلاث سنوات. السبب في لجوء العلماء لاطلاق مسبار بدلا من رصدها من الأرض هو أن الغلاف الجوي يعيق عملبة الرصد وقد بُحدث انحرافا في الموقع، كما وأن الأرض تدور حول نفسها بمحور به بعض التأرجح، كما وأن الأرض غير ثابتة إذ تدور حول الشمس مرّة كل سنة، أضف الى ذلك أن موقع الشمس في وسط النظام الشمسي غير ثابت (متأرجح) بسب قوة جذب الكواكب لها، كما وأن الشمس والكواكب التابعة لها غير ثابتة، بل تجري بسرعة تقارب ثمانمائة الف كيلومتر في الساعة في مدار حول مركز المجرّة كما ذكرنا في مقالتناأين تستقر الشمس” . أي أن المكان الذي نحاول أن نرصد منه مواقع النجوم (الأرض) غير ثابت، وبالتالي فاننا بحاجة الى تكنولوجيا متقدمة لأخذ كل هذه المتغيرات بعين الإعتبار “لو تعلمون” لتحديد مواقع النجوم.

صورة التقطتها ناسا لمجرة Island Universe N5033 والتي تشبه مجرتنا بشكل كبير - الاعجاز العلمي في القران الكريمصورة التقطتها ناسا لمجرةIsland Universe N5033 والتي تشبه مجرتنا بشكل كبير

علم مواقع النجوم هو علم قديم وأول من حاول تحديد مواقع النجوم هو العالم اليوناني هيباركوس (190 – 120 ق.م.) وقد كان قادرا على وضع كتالوج يحتوي على مواقع عدد من النجوم المرئية والبالغة حوالي 2000 نجمة بينما تحتوي مجرتنا – درب التبانة – على 200 الى 300 مليار نجمة، وبالتالي فإن ما رصده المسبار هو عبارة عن عينة صغيرة من نجوم مجرتنا وبالقرب من نظامنا الشمسي، ولكن ما أثبته المسبار هيباركوس بشكل قطعي وغيّر كل المفاهيم هو أنه لا يوجد شيء ثابت، فكل النجوم التي تم رصدها متحركة والسبب في أننا لا نرى حركة هذه النجوم هو أن عمرنا وتاريخنا قصيرين مقارنة بأعمار الأجرام السماوية بشكل عام بالإضافة الى ضخامة المسافات بين النجوم، وبالتالي فاننا لا نلحظ حركتها، أمّا بالنسبة للمسبار هيباركوس فقد كان قادراً على تحديد مواقع النجوم واتجاه حركتها وسرعتها وبالتالي رصد النمط العام لحركة مجموعة من النجوم. هذه المعطيات توفّر للعلماء ما يكفي لعمل محاكاة من خلال الكمبيوتر لرصد حركتها عبر الزمن. قال تعالى في سورة الإسراء 44 { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أُخْبِرُكُمْ بِشَيْءٍ أمَرَ بِهِ نُوحٌ ابْنَهُ؟ إنَّ نُوحاً قالَ لاِبْنِهِ يا بُنَـيَّ آمُرُكَ أنْ تَقُولَ سُبْحانَ اللّهِ وبِحَمْدِهِ فإنَّها صَلاةُ الـخَـلْقِ، وَتَسْبِـيحُ الـخَـلْقِ، وبِها تُرْزَقُ الـخَـلْقُ، قالَ اللّهُ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ“.

فلا اقسم بمواقع النجوم }

فهل توصلنا الى ما يكفي من العلم لفهم علم مواقع النجوملَّوْ تَعْلَمُونَ؟ ما زال العلم في بداية الطريق في هذا المجال وحجم المعلومات التي تم جمعها لا يكفي – حسب رأي العلماء – للوصول الى نتائج ذات دلالة، ولهذا ستقوم وكالة الفضاء الأوروبية باطلاق السمبارجايافي ديسمبر من عام 2013 في مهمة طولها 5 سنوات لرصد مواقع مليار نجم من كافّة انحاء المجرّة وبناء نموذج ثلاثي الأبعاد وذلك برصد حركتها واتجاهها، هذا النموذج سوف يوفّر للعلماء صورة واضحة عن نمط حركة النجوم في مجرتنا. لن يستطيع المسبار الذي كلّف 650 ملبون يورو بناء هذا النموذج لوحده، بل يحتاج الى فريق من مئات الأخصائيين والعلماء من كافّة انحاء أوروبا مكوّن من محللي البيانات ومهندسي الكمبيوتر وعلماء الفلك وعلماء الرياضيات وعلى مدى ثمانية سنوات لكي يستطيعوا بناء هذا النموذج الذي سيحتاج الى أجهزة كمبيوتر عملاقة وسعة تخزين هائلة تصل الى مليون جيجا بايت (ألف تيرا بايت) وستكتمل هذه المهمّة عام 2020، اما إذا اراد العلماء تحديد موقع كل نجم في مجرتنا، فلربما سيكونوا بحاجة الى 200 الى 300 ضعف عدد العلماء وقدرة معالجات الكمبيوتر وسعة التخزين… فهل هذا قسم عظيم؟

فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } الواقعة 74

النسجيل التالي يوضح كل ما ذكرناه.

بقلم: حسين أحمد كتّاب

https://fussilat.org/2013/02/28/%D9%81%D9%84%D8%A7-%D8%A7%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%88%D9%85/

والسماء والطارق … النجم الثاقب

فما هو النجم الثاقب؟

أقسم تعالى في سورة الطارق قسماً غليظاً بالسماء وبنجم إسمه الطارق “والسماء والطارق” ليخبرنا أن كل نفس عليها حافظ يكتب اعمالنا وتسلّم الينا يوم الحساب على شكل كتاب إما بيميننا أو من وراء ظهرنا، فقال تعالى { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } ثم يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ }؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }، أراد الله عزّ من قائل: أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة– تفسير الزمخشري 538 هـ.

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، تفسير { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ } * { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ }. 

النجم الثاقب الذي تطرّقت له سورة الطارق له ميزتان، الأولى أنه قادر على الطرق والثانية على أنّه قادر على احداث تُقب بما عُطف عليه، وحيث أن  الطارق عُطِف على السماء، فإن هذا النجم يجب أن يكون قادراً على إحداث ثقب في السماء! ولكن كيف يستطيع النجم أن يثقب السماء؟ فالثَّقْبُ اسم لما نفَذ (لسان العرب)، وهو الخَرْقُ النَّافِذُ(القاموس المحيط)

تصنيف "مورغان-كينان" الطيفي للنجوم. الشمس من تصنيف G ولونها أصفر برتقالي، وتعتبر متوسطة الحجمتصنيف النجوم حسب طيفها وبالتالي كتلتها – الاعجاز العلمي في القرآن الكريم – النجم الثاقب، سورة الطارق

تمت الاشارة الى كافة المراجع المستخدمة في هذه المقالة بروابط تؤدي الى اصل المعلومة مثل موقع تفسير القرآن الكريم، ومواقع وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، وموقع ويكيبيديا، ومواقع اخبارية ومواقع علمية أخرى ذات علاقة، بالإضافة الى موقع باحث اللغوي وذلك لكي يتأكد القارئ من صدق المعلومة.

 

تُقسّم النجوم علمياً إلى أنواع حسب طيفها (لونها) وبالتالي حرارتها وحجمها، وتقع شمسنا ضمن التصنيفG. تدخل النجوم في اطوار مختلفة، حيث تولد من تكثف غاز الهايدروجين أو من مخلفات انفجارات عنيفة لنجوم عملاقة سابقة، والتي بدورها تضيء وتسطع الى فترة معينة (أجل) ثم يحدث انهيار بالنجم يتبعه انفجار هائل يموت فيه النجم وبعنف شديد. تتخذ بقايا النجم شكلاً جديداً يعتمد على حجمه الأصلي، فإنفجار نجم بحجم شمسنا يُحوِّلها إلى عملاق أحمر تضمحل تدريجياً لتصبح قزماً أبيضاً كما بيّنا في مقالتنا” كيف استطاع أن يرى الوردة؟ “، أما عند انفجار النجم من نوعB، فإن النجم يقوم بقذف قشرته الخارجية ومن ثم يتكوّر ويتقلّص حجمه ليصبح قطره ما يقارب 24 كيلومتر بينما تبلغ كتلته كتلة الشمس أو ضعفها، أي بحجم مدينة ويسمى بالنجم النيوتروني Neutron Star لأنه يتكون كلياً من النيوترونات وتبلغ كتلة ملعقة صغيرة منه كتلة إهرامات الجيزة 900 ضعف. يُحدث النجم النيوتروني Pulsar أمواج  كهرومغناطيسيية تلتقطها محطات أستقبال الموجات الراديوية على شكل طرقات متتالية تستمر لعدة ملايين من السنين ثم تتلاشى عظمة هذا النجم ويصبح صامتاً. النجم النيوروني لا يستطيع احداث ثقب في السماء.

ثقب أسود يمر بين المشاهد ومجرة تقع خلفه، الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقثقب أسود يمر بين المشاهد ومجرة تقع خلفه، ويرى تشوه ضوء المجرة القادم إلينا (محاكاة تشبيهية)

أما نهاية النوعO من النجوم، فإنه يَحدث انهيار في النجم ويصبح حجمه قريب من الصفر مما يعني أن كثافته تقارب اللانهاية، ثم يُصدر النجم حزمة من أشعة جاما من أقطابه تستمر لعدة ثوان تُسمع كأنها طرقة واحدة. وهنا يتشكل الثقب الأسود ذا قوة الجذب الهائلة بحيث إذا دخل الضوء نقطة “الـ لا عوده”، فإنه لا يخرج منها، بصيغة أخرى، فإن الثقب الأسود لا تمكن رؤيته بشكل مباشر لأنه يمتص الضوء ويبدو للناظر وكأنه  أحدث تقباً في السماء، وله أثر جانبي يعمل عمل العدسة لأن قوة جاذبيته تستطيع كسر الضوء المار بقربه كما هو مبين في هذه المحاكاة التشبيهية.

والسماء والطارق … النجم الثاقب

يبين التصوير الزمني بين عام 1992 و 2002 حركة النجوم حول الثقب الأسود الغير مرئي وعليه إشارة + في مركز مجرتنا حيث تدور احدى النجومS2 حول الثقب مرّة كل 17 سنة بينما تدور شمسنا حوله مرّة كل 250 مليون سنة بسبب بعدها عنه.

حركة النجوم حول الثقب الأسود في مركز المجرّة الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقحركة النجوم حول الثقب الأسود في مركز المجرّة بين 1992 و 2002 حيث يقع في منتصف الصورة وعليه اشارة+

عظمة النجم الثاقب “الثقوب السوداء” لا تقتصر على هذا فقط، فهو يتواجد في مراكز المجرات ويعتبر المُكوِّن الرئيسي في بنائها ويُحدث شكل الدوّامة التي تقوم تدريجياً بإبتلاع الغاز والدخان في المجرة وحتى النجوم، فعلى سبيل المثال، يتمركز في وسط مجرتنا نجم ثاقب “تقب أسود” هائل الكتلة تبلغ كتلته 4.1 – 4.6 مليون ضعف كتلة شمسنا. وهو إعجاز علمي آخر بينّاه في مقالتناأين تستقرّ الشمسمِما يضيف الى عظمة القسم.

تأثير التقب الأسود على السماء والزمن - الاعجاز العلمي في القرآن الكريم - النجم الثاقب، سورة الطارقتأثير النجم الثاقب أو التقب الأسود على السماء – الزمن، إنه يثقبها

ويصل تأثير النجم الثاقب “التقب الأسود” على أبعاد السماء المسافة والزمن ليُحدث انحناء في السماء كما هو مبيّن في الصورة، قكلما اقتربنا من الثقب الأسود، زاد الانحناء في المساقة وتباطىء الزمن الى أن يتوقف، إذ إنه يثقبها! أليس هذا بقسم عظيم؟ أليس بهذا النجم عجيب القدرة ولطيف الحكمة؟ إقتُرِن الإيمان بالعمل الصالح في القرآن الكريم ما يقارب الـ 58 مرّة على شكل “آمنوا وعملوا الصالحات” والفوز بالجنة يتطلّب كلاهما، هذه معجزة قرآنية ذُكرت في القرآن قبل 1400 سنة وتجلّى تفسِّيرها لنا في زمننا هذا، فتذكّر دائماً قبل قيامك بأي عمل بأن هناك حفظة تكتب أعمالك { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } والتي ستسلّم لك يوم الحساب.

التسجيل التالي يوضح ما ذكرناه عن الثقوب السوداء حيث تم اكتشاف الطرقة التي يُحدثها بالصدفة خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي.

مرجع: اقتراب سحابة دخانية من الثقب الاسود وسط المجرّة على يوتيوب

بقلم: حسين أحمد كتّاب

https://fussilat.org/2012/07/18/%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%82%D8%A8/

 

المقال السادس :

الماء بين السماوات والأرض وفى هذه الدنيا وفى اليوم الآخر  

 مقدمة : تكررت الآيات القرآنية التى تتحدث عن نزول الماء من السماء ( وليس من السماوات ) أى من الغلاف الجوى . وتعرضنا لهذا من قبل . قد سبق القرآن الكيم الغرب فى كيفية انزال المطر . مكتوب مجلدات عن ( الماء ) فى العلم الحديث ، ومع ذلك ففى حديث القرآن الكريم ( الماء ) حقائق كبرى لم يدركها العلم الانسانى حتى الآن وحقائق أخرى سبقت العلم الحديث . 

أولا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء لم يصل اليها العلم البشرى حتى الآن :

  الماء أصل الخلق والملكوت :

1 ـ عرش الرحمن هو ملكوته ، هو مخلوقاته من الأحياء والجمادات ، هو السماوات والأرض وما بينهما من كواكب ونجوم ومجرات . هو ما نعرفه وما نعرفه من المخلوقات والدواب ( التى تتحرك ) سواء من الأميبا أو من الملائكة .

(الماء ) هو أصل عرش الرحمن . قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)هود 7). علم البشر محصور فيما تدركه أجهزة البشر وحواس البشر . وهم وصلوا الى أن الماء عنصر ضرورى للحياة فيما يرونه وفيما يعرفونه ، ولكن الله جل وعلا يخبرنا أن الأمر أعظم من ذلك ، فالسماوات والأرض أصلها الماء . بالتالى ، فهناك أنواع لا نعرفها من الماء فى العوالم الأخرى التى خلقها ( رب العالمين ) .

2 ـ وليس هذا مستغربا فهناك أنواع من الماء غير الماء الذى نعرفه . فنحن نعرف الآن : ( الماء الثقيل (ويسمى أيضًا أكسيد الديوتريوم أو D2O). ) ، وهو ماء يحتوي على نظير ثقيل من الهيدروجين يسمى ديوتريوم رمزه الكيميائيD بدلاً من الهيدروجين العادي. وتبلغ كتلة ذرة الديوتريوم حوالي ضعف كتلة ذرة  الهيدروجين العادي.وقديما إكتشف جابر بن حيان ( ماء النار) ، وهو  مصطلح كان يستخدم للإشارة إلى حمض النيتريك HNO3.  ، وله قدرة على إذابة المعادن المختلفة بما فيها الفضة . ثم هناك ( الماء الملكى ) ، وهو مزيج من حمض النيتريك وحمض الهيدروكلوريك ، يذيب البلاتين والذهب . إذا كان هذا فى عالمنا المادى ، فيجب التسليم بأنواع من الماء فى العوالم الأخرى ، التى تعيش فى برازخ أخرى ، أو فيما اصبح معرفا بالأكوان الموازية . السبب بسيط ، هو أن الماء أصل الحياة .

الماء أصل الحياة

1 ـ قال جل وعلا  : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ ) الانبياء 30 ). حقيقة أن الله جل وعلا ( جعل من الماء كل شىء حى ) أتت مباشرة بعد الانفجار الذى إنبثق منه خلق السماوات والأرض ،  وإذا كان الماء هو أصل الحياة فى الأرض فهو أيضا أصل الحياة فى السماوات مع إختلاف نوعيات الماء تبعا لاختلاف أرضنا المادية عن برازخها الست وعن برازخ السماوية السبع . لا يضير هنا عجزنا عن رؤية مخلوقات السماوات من ملائكة الملأ الأعلى ، ورؤية الجن والملائكة والشياطين فى برازخ الأرض الستة . وكلها مخلوقة من ماء، أى نوعيات من الماء تناسب الكون الذى تعيش فيه . الانسان مخلوق من ( مادة ) طين مع ماء مناسب للطين ، والجن مخلوق من ( طاقة ) : نار ، وماء خلقه من نار ، قال جل وعلا : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) الحجر )( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)  الرحمن  ) . وابليس مخلوق من طاقة ( نار ) ولذا إستكبر أن يسجد لآدم المخلوق من ( طين ) مادى ، أقل شأنا فى تصوره من النار ، فقال فى تعليل رفضه السجود لآدم : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الاعراف ) (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76) ص )

2 ـ وقال جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ) . مصطلح ( دابة ) تعرضنا له فى باب القاموس القرآنى ، وهم يدل على الكائن الحى الذى ( يدبُّ ) أو يتحرك بإرادة مقصودة. وبالتالى فهذا وصف ينطبق على الأحياء فى العوالم الأخرى . ونقرأ بعدها: ( فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ  ) هذا وصف لما نعرف من حيوانات البر والبحر والبشر والبرمائيات . ولكن هناك أحياء لا ندرك كيفية ومدى حركتها ، لأن هذا يخرج عن أفهامنا ، لذا يقول جل وعلا فى ختام الآية الكريمة :( يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) النور 45 )

الماء القادم فى البعث : إحياء الموتى :

1 ـ قال جل وعلا  :  ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن  كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ ) هنا إشارة عن دور الرياح فى المطر بالسحاب المعبأ ببخار الماء ، فإذا ثقلت حولته نزل ماؤه مطرا . يقول جل وعلا بعدها : ( كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )الاعراف 57 )، أى بنفس الطريقة سيتم البعث ولكن بماء آخر .

2 ـ ويتكرر هذا فى قوله جل وعلا : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ) الزخرف 11 ). ( أنشرنا ) أى أحيينا . (بلدة ميتا )، أى أرضا عطشى بلا زرع. ( كذلك تخرجون ) أى تبعثون . 

3 ـ وقال جل وعلا :(وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) ق ) . كذلك الخروج ، اى كذلك يكون الخروج من المقابر ( البرزخية ) .!

الماء فى الآخرة

1 ـ الماء سبب فى حياتنا الدنيا ، ثم يكون سببا فى البعث يوم القيامة . وسيكون ايضا سببا فى الخلود فى الجنة أو النار . ستمتد به الحياة فى خلود النعيم فى الجنة لأصحاب الجنة . وستمتد به الحياة فى خلود العذاب لأصحاب الجحيم . وكما للماء دورة فى هذا الكوكب الأرضى الفانى يستمر بلا نقصان ، فكذلك ستكون له دورة أبدية خالدة لا تنقطع ، فى نعيم الجنة الخالد أو عذاب جهنم الأبدى . ماء خالد للنعيم وماء خالد لعذاب الجحيم .!

2 ـ يصف الله جل وعلا ماء النار بالحميم ،قال جل وعلا  : ( لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70) الانعام  ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس ) .

 ووصف رب العزة جل وعلا آلية تعذيبهم : فماء الحميم يتم صبه فوق رءوسهم فتصهرها وتنزل الى بطونهم وجلودهم فتصهرها أيضا : ( يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) الحج ) . وماء الحميم مادة حارقة وتساعد أيضا على الاشتعال ، فيؤخذون الى منبع الحميم ، فتنصب عليهم حميمها ، ثم يلقى بهم فى قعر النار ليتم سجرهم وصهرهم فيها ، يقول جل وعلا : ( إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) غافر ) ويظلون فى هذه الدائرة الجهنمية بين ماء النار والنار ، يطوفون بينهما ، قال جل وعلا : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) الرحمن )

ويتفاعل هذا مع اكلهم طعام الزقوم الذى يغلى فى بطونهم ، يأكلون منه ثم يشربون عليه الحميم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) الدخان  ) ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) الواقعة )

أى هم فى أنواع متنوعة من النار ، وإذا استغاثوا يأتيهم الغوث بماء آخر ملتهب ، أو نار سائلة تشوى وجوههم ، وهم فى كذلك لا يخرجون منها ، قال جل وعلا : ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوابِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ) الكهف 29 )

وهم فى هذا العذاب كلما نضجت جلودهم يتم إبدالها بجلود أخرى ليذوقوا العذاب ، قال جل وعلا: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56)  النساء ). يبدو أن هذا الاستبدال يتم بأنهم يبتلعون الصديد الذى يخرج منهم ـ يبتلعونه رغما عنهم ، فتنبت به أجسادهم ، وبهذا يأتيهم الموت ولا يموتون ، قال جل وعلا :( وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ  يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) ابراهيم 16  : 17)

3 ـ وعن شراب أهل الجنة قال جل وعلا  : (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ  وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ ) ثم تأتى المقارنة بأهل النار : ( كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ) محمد 15 ). لذا ينادى أصحاب النار أصحاب الجنة يرجون ماءهم : (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِين ) الاعراف 50 )

ثانيا : حقائق قرآنية كبرى عن الماء سبقت العلم البشرى

 عن خلق الانسان

عنه جاءت آيات قرآنية سبقت العلم الغربى . قال جل وعلا :( ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ )السجدة 8 )، وقال جل وعلا:(أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ) المرسلات 20 )( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) الفرقان 54 )،

 مصدر الماء :

عن دوره فى إحياء الأرض : قال جل وعلا  : ( وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ  ) النحل 65 ). وللماء مصدران :

1 ـ الغلاف الجوى ( السماء ) قال جل وعلا  : ، (وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا ) النبأ 14 ) ( المعصرات ) السحب التى تعصر الماء . ( ثجاجا ) أى ماء مصبوب بتتابع , وقال جل وعلا  : ، (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68 ) أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (70)) الواقعة  ) المزن اى السحاب الممطر . قال جل وعلا  : ، (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ  ) الزخرف 11 )

2 ـ باطن الأرض . وعنها قال جل وعلا :(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) النازعات )، وعن الحجارة قال جل وعلا  : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ) البقرة 74  ) . ومن الممكن أن يغور الماء فى باطن الأرض فلا يصل اليه البشر،قال جل وعلا : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ ) الملك 30 )، وقال الرجل المؤمن لصاحبه المغرور بجنته : (فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا ) الكهف 40 : 41 )

3 ـ فى طوفان نوح إلتقى ماء السماء بماء الأرض، قال جل وعلا :( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ) القمر 11 : 12 ) ، وبعده عاد كل شىء الى أصله ، قال جل وعلا:( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) هود 43 : 44 ).

وصف الماء.

العرب عندما رأوا مدن مصر إستعملوا كلمة ( مصر ) بمعنى البلد ، ورأوا نهر الفرات ، أول نهر يرونه فوصفوا الماء العذب بالفرات، ونزل القرآن بلسان العرب،قال جل وعلا :  ( وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا  ) المرسلات 27 ). ووصف رب العزة ماء المطر بأنه طهور .قال جل وعلا  : (  وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) الفرقان 48 )، وبأنه مبارك ، قال جل وعلا : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ) ق 9 )

ماء البحار والأنهار

1 ـ مخازن الماء الظاهرة فى الكرة الأرضية تتمثل فى البحار والأنهار ، وقد سخرهما رب العزة للإنسان يبحر فيهما بسفنه ، ويأكل من أحيائهما لحما طريا ويستخرج منهما الدرر، قال جل وعلا : (  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي  الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ  )ابراهيم 32 ) (  وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)النحل:14 )

2 ـ وعن إختلاف نوعية الماء بين البحر والنهر قال جل وعلا :(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فاطر:12 )

3 ـ ولا يمكن أن يمتزج ماء النهر بماء البحر ، قال جل وعلا :( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن )( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان  )

الميزان والتقدير

1 ـ رب العزة الخالق جل وعلا خلق كل شىء بتقدير دقيق ونظام بديع ، قال جل وعلا : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر)(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان )

2 ـ يسرى هذا على الأرض وكرويتها والنباتات الموزونة فيها ، وما ينزل الى الأرض بمقدار معلوم ، قال جل وعلا ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) الحجر ).

3 ـ الماء الذى ينزل من الغلاف الجوى هو بميزان وتقدير ، وبميزان دقيق  يتبخر بعضه ، ويهبط البعض الى الأرض ، قال جل وعلا : (  وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) ) المؤمنون )(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11) ) الزخرف ).

4 ـ وفى النهاية فكل إنسان مقدر له ما يستهلكه فى حياته من طعام وشراب ، وما يخرج منه من بول وغائط وتنفس . ثم يموت ، فتعود جثته لتتحلل فى الأرض ، وما يخرج من جثته من عناصر طبيعية وبخار ماء محسوب أيضا . وكل ذلك فى كتاب إلاهى حفيظ . قال رب العزة جل وعلا : (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ).

أخيرا :

نؤكد دائما أن القرآن الكريم ليس كتابا فى العلم أو فى القصص ، بل هو كتاب فى الهداية ، وتأتى فيه إشارات علمية فى سياق الدعوة للهداية ، لتكون آيات لقوم يعقلون . إقرأ قوله جل وعلا : : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) البقرة: 164 ) .

ودائما : صدق الله العظيم . 

المقال السابع :

 البرزخ والأكوان الموازية 

 القرآن الكريم سبق العلم الحديث فى موضوع السماوات والأرض
لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى الرقى الحضارى والتقدم العلمى

أولا :

معنى البرزخ فى القرآن الكريم

هو الحاجز الفاصل بين شيئين . وقد جاء ثلاث مرات فى القرىن الكريم . مرتين عن الفاصل أو الحاجز بين ماء البحر المالح وماء النهر العذب إذا إلتقيا ، وهما يلتقيان عندما يصب النهر فى البحر ، يقول جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20) الرحمن ). ومرة عن البرزخ الفاصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى يوم البعث . يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون )

البرزخ والحجر المحجور

1 ـ  هذا البرزخ لا يمكن إقتحامه ، أو بالتعبير القرآنى ( حجرا محجورا ) . وقد جاء هذا التعبير عن البرزخ الذى يفصل بين ماء البحر وماء النهر : ( وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53) الفرقان ) فالبرزخ هنا موصوف بالحجر المحجور ، مع أنه ( مرج البحرين يلتقيان ) ، مع المرج والالتقاء فلا مجال للمزج . وهذا شىء عجيب ، ونشهده حاليا فى الفصل بين الماء العذب والماء المالح فى مصب الأنهار فى البحار .

2 ـ الذى لا نشهده ونحن أحياء هو دخولنا البرزخ عند الموت . النفس قبل أن تدخل فى جنينها كانت ميتة فى البرزخ ، ثم فى موعدها يتم نفخها فى جسد جنينها ، فيكون إنسانا بعد أن كان ( مشروع إنسان ) أو كتلة من اللحم الحى بلا نفس . ثم يولد هذا الانسان ، ويأخذ الفترة المكتوبة له فى حياته الأرضية ، وعند ( الأجل ) أو موعد موته المحدد أزلا ، يأتيه الموت ، أو تأتيه ملائكة الموت . عندما يراهم لا يمكن أن يعود الى الحياة الدنيا ، فقد دخل البرزخ ، وستبقى فيه نفسه بلا إحساس بالزمن كشأنها قبل أن تلبس جسدها ، ثم تستيقظ عند البعث ، تتصور أنها لبثت يوما أو بعض يوم . المؤمنون عند البعث يعلمون هذا ، أما المجرمون فيقسمون انهم ما لبثوا ساعة ، يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)  الروم  ) . نفس الموقف عند الاحتصار ، فالمجرم يصرخ طالبا فرصة أخرى قائلا لملائكة الموت :( أرجعون ) : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ) . إذا رأى الملائكة الموت فلا مجال للخروج منه إلا يوم البعث للجميع . ولهذا فعندما طلب الكافرون أن يروا رب العزة أو الملائكة جاء الرد :بأنهم يوم يرون الملائكة فلا بشرى لهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22) الفرقان). هنا يقال : ( حجرا محجورا ) . أى فاصل حاجز منيع .

ثانيا :

عن عوالم أو برازخ السماوات والأرض وما بينهما

1 ـ  لقد خلق أو ( فطر ) الله جل وعلا السماوات والأرض معا بأنفجار هائل . عن الانفجار الكونى يقول جل وعلا:(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا)( الأنبياء 30 ) ، الجزء المادى الثقيل الأسفل يتكون منه الأرض المادية التى نعيش فيها ، والكون المادى الذى تسبح فيه الأرض والذى يتكون من كواكب ونجوم ومجرات . والأرض المادية التى نحيا عليها تتخللها ستة أرضين أو ستة برازخ . تتخللها السماوات السبع ، أو برازخ سبع . 

2 ـ ، الفارق بين المستوى المادى للأرض التى نعيش عليها ( ومحيطها من النجوم والمجرات ) وبين الأرضين الست والسماوات السبع هو سرعة الاهتزازات . إهتزازات المستوى المادى لعالمنا الثقيل الأسفل بطيئة،  بينما تتدرج سرعة الاهتزازات فى البرازخ الأرضية الست أو الأرضين الست ، وتعلوها فى السرعة إهتزازات السماوات السبع ، وبالترتيب . الأرض الثانية ذبذباتها أو إهتزاز ذراتها أسرع من أرضنا المادية ومحيطها من النجوم والمجرات ، والأرض الثالثة ( البرزخ ) الثانى أعلى من الأرض الثانية، والأرض الرابعة ببرزخها الثالث أعلى ممن دونه ، وما فوقه أعلى منه ، وهكذا الى الأرض السابعة ببرزخها السادس ، وفوقها تكون السماء الدنيا ببرزخها الأول ثم السماء الثانية ، وهكذا الى السابعة . وبعده لا نعلم .

3 ـ   وقلنا فى(  كتاب الموت ) وهو منشور هنا ، وسبق نشره فى مصر عام 1990 : ( الثابت علمياً أن ذرات المادة الأرضية تدور بسرعة تتراوح بين 400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة ، أما ذرات العالم العلوي الأثيري فإنها أسرع دوراناً وبهذا تخرج عن المستوى الاهتزازي لعالمنا المادي ولا نستطيع أن نراها ، ومن العالم غير المرئي لنا الجن والشياطين والملائكة والنفس البشرية بعد الموت وفى حالة النوم . وقد دل علم الميكانيكية الموجية على أن الأساس في تداخل الأجساد أو عدم تداخلها راجع إلى اختلاف المستوى الاهتزازي لهذه الأجساد أو تطابقه . فإذا كان المستوى الاهتزازي واحداً لإنتمائهما إلى نفس العالم فإن تداخلها يكون مستحيلاً ، فالإنسان بجسده الأرضي لا يستطيع أن يخترق الجدران لأن مجال المستوى الاهتزازي بينها واحد . أما إذا أختلف المجالان فإن التداخل يكون طبيعياً ، وعلى ذلك فإن وجود جسمين " أحدهما أرضى والآخر سماوي  "  متداخلين وشاغلين مكاناً واحداً في آن واحد يعتبر ظاهرة طبيعية يؤيدها العلم . وجهاز الراديو أبرز مثال لذلك ، فالكون ممتلىء بموجات لاسلكية تخترق الجدران وهى في نفس الوقت متداخلة لا يحس بعضها ببعض ولا يؤثر بعضها على بعض ، وكلها يتخلل جهاز الراديو ، فإذا استقر مفتاح الراديو على موجة معينة ألتقطها دون أن يعوقه وجود موجة أخرى في نفس المكان ذات اهتزاز أو ذبذبة مخالفة . )

ونحن نرى مروحة الطائرة إذا كانت لا تتحرك ، فإذا بدأت فى الدوران حول نفسها بدأت تغيب عن ناظرينا شيئا فشيئا الى أن تغيب عن ناظرينا. هى موجودة لا تزال فى مكانها ولكن لأن سرعة إهتزازها زاد عن سرعة الأشياء المادية لم تعد مرئية لنا .

وهناك فى إطار العالم المادى موجات ضوئية ، ولكنها تهتز بأسرع من إهتزاز ذراتنا ، فنحن إهتزازاتنا فى الأسفل ، أى 400 ألف مليون هزة او دورة فى الثانية الواحدة. فإذا زادت دورة مروحة الطائرة عن ذلك لا نستطيع رؤيتها . ولكن كوننا المادى تتراوح السرعة الاهتزازية فيه من 400 ألف مليون لتصل 750 ألف مليون دورة فى الثانية الواحدة . هنا تقع الموجات غير المرئية لنا بما فيه الضوء وهو ينتمى أيضا الى عالمنا المادى .

 بعد 750 ألف مليون هزة أو دورة فى الثانية تبدأ العوالم البرزخية بترتيب سرعاتها ، وفيها تعيش عوالم الجن والشياطين والملائكة ، والأعلى فى سرعة الدوران يتخلل ما هو أقل منها . وبهذا نفهم تكوين الأرض من سبع أرضين ، اضعفها المستوى السفلى المادى الذى نعيش فيه ، وهناك ست مستويات متوالية من الأرض التى قال عنها رب العزة أنها تتكون من سبع طرائق كالسماوات السبع ، ويتنزل الأمر الالهى بين طبقات السماوات والأرض : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12)  ) الطلاق ).

 وفى أحد المستويات البرزخية للأرض يعيش الجن ، يقول أحدهم : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن ) . أى هم يعيشون فى مستوى برزخى للأرض . لا يستطيعون الخروج منه الى المستوى الأعلى الذى تقع فيه السماء الدنيا . وفى مستويات مختلفة من الأرضين الست التى تعلو مستوى الأرض المادية تعيش الملائكة المكلفة بتسجيل أعمالنا ، هى تتداخل مع جسدنا المادى وتسجل ما نفعل ، يقول جل وعلا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار  ) ، ولكل فرد منا إثنان من الملائكة مختصون بتسجيل عمله : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق ).

والنفس البشرية تنتمى الى هذا العالم البرزخى ، هى موجودة فيه قبل خلق صاحبها ، أى إن نفسى كانت موجودة من آلاف السنين فى البرزخ قبل ميلادى ، ثم عندما جاء الوقت المحدد لها لبست الجنين الخاص بها فى رحم والدتى ، ونزلت إنسانا فى موعد مولدى ، ودخلت فى تجربة هذه الحياة الدنيا ، وخلالها تعود نفسى الى نفس البرزخ فى النوم لتستريح من هذا العالم المادى الثقيل ، فالنفس البشرية تقضى حوالى ثلث عمرها الأرضى المادى فى نوم تعود به الى منبعها البرزخى . ثم فى النهاية تعود نهائيا الى هذا البرزخ بالموت ، الى أن يحين موعد البعث ، بعد أن تأخذ كل نفس فرصتها وإختبارها فى هذه الحياة الدنيا . أى فى هذا البرزخ توجد الأنفس التى لم تدخل أختبار الحياة ، كأنفس أحفادى وأحفادى ، كما توجد فى نفس البرزخ أنفس أجدادى الموتى . والى جانب النفس توجد الشياطين التى ( تقترن ) بالنفس ، وهو القرين ، وهو الذى يختص بغواية من شاء الضلال ، فيظل هذا القرين الشيطانى يزين للنفس التى إختارت الضلال أنها على الحق ، ويظل الضال متصورا أنه على الهدى والحق الى أن يرى ذلك القرين فى الاخرة ويعرف أنه خسر كل شىء ، يقول جل وعلا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) الزخرف  ) .

فى عوالم البرزخ توجد أيضا عذاب البرزخ لفرعون وقومه ، وهم فيه أحياء تحت العذاب الى أن تقوم الساعة ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)غافر ) وكذلك قوم نوح ( مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً (25) نوح ). كما توجد جنة الذين يٌتلون فى سبيل الله ، وهم فيها أحياء لا يموتون ، ولا يجوز أن نقول أنهم موتى ، يقول جل وعلا : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ) هم أحياء يتمتعون برزق الله جل وعلا حيث يشعرون بنا ولا نشعر بهم ، يقول جل وعلا ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران ).

ثالثا :

سبق القرآن للعلم البشرى :

1 ـ  تركزعلىالحجمالمادىلكوكبالأرض،وهومجردحبةرملفىصحراءهذاالكونالملىءبالنجوموالمجراتوالأبعادبينهاتُقاسبملايينالسنواتالضوئية،وتطلعتأحلامالعلماءالىحضاراتفىالكواكبوالنجوم،تستبعدأنيكونهذاالكونالفسيحيخلومنحضارت.    

2 ـ حتى الآن لم تصل حضارة الانسان الى ما أخبر به رب العزة جل وعلا فى القرآن الكريم . غاية ما هنالك أن الانسان  وصل الى الطرق على أول أبواب البرزخ أو ما يسميه بالعالم الموازى ، وعرف ( الأوتار الفائقة ) التى تتخطى المعروف من نظرية النسبية . وبدأت نظريات مؤسسة على نظرية الأوتار الفائقة تتحدث عن أكوان موازية ( أو برازخ ).

3 ـ كما إن إكتشاف الفمتوثانية فتح بابا جديدا يمكن به الدق على أبواب البرزخ الأدنى لنا وهو الأرض الثانية . العالم المصرى أحمد زويل إكتشف الفمتوثانية ، وهى جزء من مليون مليار جزء من الثانية.والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة.وإنفتح الباب لوحدات زمنية أقصر ، هى ( أتوثانية هي وحدة زمنية تخضع لنظام الوحدات الدولي وتعادل 10−18 من الثانية، (واحد كوينتليون من الثانية ،ولسياق الموضوع فإن أتوثانية إلى الثانية يعادل ثانية إلى 31.71 مليار سنة أو ضعف عمر الكون ، تتشكل لفظة "أتوثانية" من البادئة آتو والوحدة ثانية.  وتساوي أتوثانية 1000 زبتوثانية أو 1/1000 من فمتوثانية. لأن الوحدة الزمنية التالية الأعلى هي الفمتوثانية (10−15 ثانية)، وتحدد عادة الفترة من 10−17 ث و10−16 ث بالعشرات أو المئات من أتوثانية.)  . الذى يهمنا هنا أن العلم بأجهزته المادية وصل الى ما يعتبره أقل وحدة قياس للزمن ، وهذا فى إطار عالمنا المادى الذى نستطيع إخضاعه بالتجربة وبأجهزتنا العلمية ، أى فى إطار سرعة الاهتزاز التى نعيش فى محيطها (400 ألف مليون دورة إلى 750 ألف مليون دورة في الثانية الواحدة )، فماذا عن العوالم الأخرى الزمنية فيما بعد الأوتوثانية والزبتو ثانية وأخواتها ؟ هنا الاقتراب من باب البرزخ .

4 ـ المعضلة الكبرى التى تواجهها النظريات الحديثة فى تفسير الكون والأكوان الموازية ليس فقط فى الربط بين نظرية النسبية وما تلاها من نظريات ، أو محاولة الوصول الى نظرية شاملة كاملة ، ولكنها فى تقديرى هى الجمع بين حقييتين : إنفجار خلق الكون والذى أنشا الكون والكون النقيض ، والذى تعرضنا له من قبل ، والحقيقة الأخرى هى البرازخ للأرضين الست والسماوات السبع .

أخيرا :

1 ـ  يقول جل وعلا : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ). لو أرجع الانسان بصره ومناظيره التيليسكوبية فى الكون المرئى رجع بصره حسيرا . هذا فى العالم المادى فقط من نجوم ومجرات . هناك قرابة 170 مليار مجرة فى الكون المنظور لنا حتى الان . وتقدر المسافة  من كوكب الأرض إلى حافة الكون المرصود بحوالي   46 مليار سنة ضوئية. تتراوح أحجام المجرات وكميّة النجوم فيها ما بين بضعة الآف النجوم للمجرات القزمة, وحتى تلك العملاقة التى تضم مائة تريليون نجم . وهى ذات أشكال مختلفة : إهليلجى ، حلزونى ، وغير منتظم .والكثير منها يحتوى على ثقوب سوداء . أبعد مجرة عن الأرض : حتى مايو 1915 كانت المجرة جى اس زد 8 ـ 1 . وبينها وبيننا مسافة حوالى 13. 1 مليار سنة ضوئية . وكتلتها حوالى 15 % من كتلة مجرتنا درب التبانة . يبلغ قطر درب التبانة 100 الف سنة ضوئية، وفيها ما يربو على مئتي مليار نجم[55]، ومتوسط المسافة بين كل نجم وآخر خمس سنوات ضوئية، وتستغرق الشمس التي تبعد حوالي 30 الف سنة ضوئية عن المركز قرابة 250 مليون سنة مما نعُد لكي تكمل دورة واحدة حولها.

2 ـ ماذا عن عوالم البرازخ للارضين الست السماوات السبع ؟

3 ـ ثم .. ألا يخجل المحمديون حين يقرآون القرآن والكريم وآياته فى إبداع خلق السماوات والأرض ثم يصممون على وضع إسم محمد الى جانب إسم الخالق جل وعلا ؟ . صحيح أنهم ما قدروا الله جل وعلا حق قدره .!!

 المقال الثامن :

التسخير    

مقدمة :

1 ـ سئلت أكثر من مرة عن قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍ( الرحمن: 33). الإجابة تستلزم التعرض لموضوع التسخير فى القرآن الكريم .

2 ـ ( التسخير ) يعنى إن الله جل وعلا أودع فى الشىء الذى خلقه إمكانية توظيفه لمصلحة الانسان . وبالتالى يمكن للعلم البشرى التعرف على إمكانيات ما سخره رب العزة جل وعلا لهم للإستفادة به ، سواء كان هذا الشىء المسخر فى مجال رؤيتهم البصرية وحواسهم الماية أم كان خارج نطاقها . والانسان الآن يستعل ما سخره الله جل وعلا له مما يسميه بالكهرباء والأشعة غير المرئية , ولو تعرف الغرب على القرآن لرأوا ان مجال التسخير يشمل ما فى السماوات والأرض ، وهذا يوفر لهم وقتا وجهدا وتضاربا فى النظريات . إن من المستحيل على البشر الولوج فى السماوات ، ولكن ما فى السماوات من طاقات يمكن تسخيره للإنسان . وهذه حقيقة قرآنية يجب أن ينتبه لها علماء الغرب.

3 ـ نتوقف مع التسخير مدخلا لإمكانية البشر النفاذ الى أقطار السماوات والأرض ، أو برازخ السماوات والأرض .

أولا : التسخير  :

  يأتى ( عموم التسخير  ) بيانا وتفسيرا لما خلقه الله جل وعلا  فى سياق الدعوة الى الهداية . قال جل وعلا : ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِبِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (2 ) الرعد ) وقال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29)  لقمان )، وقال جل وعلا : ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79) النحل  )

وعن (  التسخير لنا )

1 ـ الله جل وعلا لم يسخّر الانسان لعبادته ، بل جعله حُرّا فى الاايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية خلال فترة حياته فى هذا العالم ، وهذا هو الابتلاء أو الاختبار الذى وضعنا فيه رب العزة جل وعلا .  بل إنه جل وعلا خلق هذا العالم بسماواته وأرضه ليختبرنا . قال جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  )(7) هود ). وبعد أن تدخل كل نفس جسدها وتموت وينتهى إختبار البشر تقوم الساعة ويتدمر هذا العالم بسماواته وأرضه وبرازخه ، يخلق رب العزة جل وعلا سماوات بديلة وأرضا بديلة خالدة دائمة أبدية يتجلى فيها للناس . قال جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ).

2 ـ من حقيقة  خلق الكون المنظور وغير المنظور لاختبارنا ، تأتى حقيقة التسخير ، أى إن هذا الكون المنظور والكون غير المنظور قد سخّره الله جل وعلا لنا . قال الله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ )(20) لقمان )، ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية ).

3 ـ هو نفس التسخير المألوف لدينا فيما تقع عليه أيدينا . على سبيل المثال ، سخّر الله جل وعلا لنا الأنعام ، نستغلها فى الركوب وفى الألبان وفى الطعام ، حتى الروث . وجعل ذبحها فى الحج من الشعائر، قال جل وعلا: ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ (37 ) الحج ). بعض هذه الأنعام أقوى من الانسان ، ولكنها خاضعة له . تأمل طفلا صغيرا يقود جملا ، والجمل يسير خلفه طائعا مستكينا ، كما لو كان مخدّرا . هو فى الحقيقة واقع تحت تخدير أو تسخير . بدليل أن الحيوان الوحشى المفترس يلتهم الانسان . ويجد الانسان صعوبة فى تذليله وترويضه وتسخيره . من هنا كان وصف الحيوانات الأليفة بالأنعام ، من النعمة . قال جل وعلا : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ (66) النحل ) (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (80) النحل )

4 ـ ومن التسخير المألوف لنا الماء يحمل الفُلك ، ونستخرج منه الحُلىّ ، ونأكل منه اللحم الطرى ، قال جل وعلا :( وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32) ابراهيم )( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ )(14) النحل )( اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمْ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ) (12) الجاثية ) . وعن الماء والحيوان وسائل للمواصلات قال جل وعلا : ( وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) الزخرف )

5 ـ هذا يبعث على التساؤل عن تلك المقدرة التى أودعها الله جل وعلا فى الماء . ونتذكر وصف الله جل وعلا للماء بأنه ( طهور ) ، قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49) الفرقان ). الماء يحيى الأرض الميتة ، وهو طهور ، أى لديه قدرة على إذابة الوسخ والتخلص منه . والماء موصوف بالبركة ( مبارك ) : (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) ق  ) . وفيه فوائد طبية أشار اليها رب العزة ، إذ إبتلى النبى أيوب بالمرض ، وكان الشفاء بالاغتسال بماء ، قال جل وعلا : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) ص ). الإجابة على هذه التساؤلات تكون بالبحث العلمى التجريبى ، وقد غفل عنه المحمديون حين إنشغلوا بأحاديث يفترونها ويصنعون لها أسانيد ويخنلفون فيها ، وقد إتخذوا القرآن مهجورا . الأولى بالغرب بمنهجه العلمى أن يقرأ القرآن قراءة علمية بمفاهيمه ليكتشف ما لا يزال مجهولا ، فيما سخره رب العزة للإنسان .

6 ـ قد يكون هناك تسخير إستثنائى لمصلحة بعض البشر ، فقد سخّر الله جل وعلا لداود الجبال يسمع تسبيحها والطير ،قال جل وعلا :( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ) َ (79) الانبياء )( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) ص)، وعن سليمان قال جل وعلا : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) ص ).

7 ـ وقد يجعل الله جل وعلا التسخير إهلاكا لبعض البشر الكافرين ، قال جل وعلا : ( وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة ).

 ثانيا : إمكانية النفوذ فى برازخ السماوات والأرض :

1 ـ كلما تطورت التليسكوبات عرف البشر المزيد عن المجرات ، وحاليا يقال إنه يقدّر وجود حوالي 200 مليار مجرة في الكون المرئي (observable Universe)؛ لكننا غير قادرين على رؤيتها لأن تلسكوباتنا ليست حساسة بالدرجة الكافية لرصدها.  وهذه المجرات هى مجرد مابين السماوات والأرض . هى تنتمى الى نفس المستوى المادى للأرض التى نحيا عليها . هذا عما بين السماوات والأرض ، فكيف ببرازخ السماوات والأرض ؟

2 ـ حُلم البشرية بالعروج فى الفضاء وإستعمار بعض الكواكب فى المجموعة الشمسية ، سبقه القرآن الكريم بما هو أكثر وأعمق ، وهو إمكانية النفاذ ليس فقط خلال المجرات التى لازلنا بها منبهرين ـ بل أيضا النفاذ من خلال برازخ الأرض ، أو أقطارها الست غير المرئية لنا . هذا هو المفهوم من قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍفَبِأَيِّآلاَءِرَبِّكُمَاتُكَذِّبَانِيُرْسَلُعَلَيْكُمَاشُوَاظٌمِّننَّارٍوَنُحَاسٌفَلاتَنتَصِرَانِ( الرحمن: 33 / 35 ).

3 ـ وبتدبر الآيات الكريمة نفهم الآتى :

3 /1 :هنا كلام عن ( أقطار السماوات والأرض ) أى السماوات السبع ، والأرضين السبع . فللأرض أقطار وللسماوات أيضا أقطار ، وهى البرازخ

3 / 2 :  الخطاب جاء للإنس والجن معا . الانس محصورون فى العالم المادى الذى يشمل هذا الكوكب الأرضى والمجموعة الشمسية والكون الفسيح بنجومه ومجراته ، والتى يتيه العقل البشرى فى تأملها . ولكن الجن له إمكانات أكبر هى أن يتجول فى برازخ الأرضين الست .

الجن تعيش فى أرضها البرزخية مع تخللها للأرض المادية التى نعيش نحن فيها ، وقد قالوا عن أرضنا : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (10) الجن ) هذه ( الأرض ) الأولى هى أرضنا  . ثم قالوا : ( وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (12) الجن  ). ، هذه الأرض الأخرى التى يتكلمون عنها فهى ( أرضهم ) البرزخية . يتجولون فى أرضنا والأرضين الست البرزخية التى تتخلل أرضنا ، ولكن ممنوع عليهم هم والشياطين الولوج الى المستوى البرزخى الأول للسماء الدنيا ، إلا بسلطان وتصريح إلاهى ، وهذا معنى قوله جل وعلا : ( يَامَعْشَرَالْجِنِّوَالإِنسِإِنِاسْتَطَعْتُمْأَنتَنفُذُوامِنْأَقْطَارِالسَّمَاوَاتِوَالأَرْضِفَانفُذُوالاتَنفُذُونَإِلاَّبِسُلْطَانٍفَبِأَيِّآلاَءِرَبِّكُمَاتُكَذِّبَانِيُرْسَلُعَلَيْكُمَاشُوَاظٌمِّننَّارٍوَنُحَاسٌفَلاتَنتَصِرَانِ  ) ( الرحمن33 : 35 )).

وسبق فى تقرير منعهم من النفاذ الى برزخ السماء الدنيا آيات أخرى ، قال جل وعلا : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) الصافات ) ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)الملك) . وقالوا انهم كانوا يسترقون السمع مقتربين من تخوم المستوى الاهتزازى لبرزخ السماء الدنيا فانطلقت عليهم الشُّهُب : (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً (9) الجن ).

3 / 3 : بهذا يكون مفهوما لنا أن البرازخ الأرضية  متاحة للجن والشياطين . ولكن الذى يسترعى الانتباه هنا أن يتوجه الخطاب لنا نحن ( الإنس ) وبالتساوى مع ( الجن ) ، بما يعنى أنه إذا كان متاحا للجن النفوذ فى أقطار الأرض فهو متاح لنا أيضا ، وأنه إذا كان غير متاح للجن النفوذ الى برازخ السماوات إلا بسلطان ــ أى تصريح الاهى ـ فهو نفس الأمر بالنسبة لنا .

4 ـ يبقى السؤال الهام ، وهو كيف ؟. النفاذ المُشار اليه يقع ضمن التسخير المشار اليه أيضا . وهذا التسخير يستلوم بحثا ، وهذا البحث فى إطار الممكن وليس المستحيل . نحن تتخللنا عوالم البرازخ الأرضية التى لا نراها ، بمثل ما تتخللنا موجات الأشعات الأرضية ،ونستفيد منها ، وبالتالى يمكن أن نستفيد من الطاقات التى تتخللنا من عوالم البرزخ ، ونطوى بها الزمن . مستحيل أن ننفذ الى برازخ السماوات العليا ، ولكنه متاح لنا أن ننفذ فى برازخ الأرض ، نستفيد منها وهى مسخرة لنا ، وليس مهما أننا لا نرها ، فكم من قوى نستخدمها ولا نراها . 

 

 المقال التاسع :

 ما لم يعرفه الغرب عن : (الزمن )

 أولا : الزمن وخلق السماوات والأرض :  

1 ـ لم نشهد خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسنا . قال جل وعلا : ( مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51 ) الكهف )، ولكن نعلم أن الله جل وعلا خلق هذا العالم (السماوات والأرض وما بينهما ) من لاشىء . وهذا معنى ( فاطر السماوات والأرض ) قال جل وعلا :( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر) .

2 ـ ونتصور أن الله جل وعلا خلق الزمن من لاشىء ، جعل منه نوعين :

2 / 1 : الزمن المتحرك ، وبه حدث ( الانفجار الكبير ) ( Big ban)، وتكون منه السماوات والأرض وما بينهما تجرى خلال زمن متحرك الى أن تصل الى النهاية او القيامة أو الساعة ، أى تنتهى بأجل محدد مسمى أو تمت تسميته من قبل . عن هذا الأجل المسمى يقول جل وعلا : ( مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى (8) الروم ) (مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى )  (3) الاحقاف ).

2 / 2 : الزمن الخالد ، (اليوم الآخر) .حيث لا يوجد ماضى ولا حاضر ولا مستقبل .

ثانيا : الزمن المتحرك فى هذه الدنيا

1 ـ أبرز مثال على زمننا المتحرك أن تسأل نفسك : أين ذهب الأمس ؟ أين ذهبت الساعة الماضية ؟ قال جل وعلا  :( وهو الذى جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) ( الفرقان 62 ). أنت تسير فى قطار زمن لا يتوقف ، تركبه فى محطة الولادة وتغادره فى لحظة الموت ، ومثلك كل نفس بشرية ، تولد وهى تحمل زمنها المقدر لها ، وبإنتهائه تعود الى البرزخ الذى أتت منه . تتعاقب علينا الأيام والليالى نمرُّ بها لتصبح خلفة ، أو ماضيا ، وبسرعة لا نتخيلها يتحول الحاضر الى ماضى والمستقبل الى حاضر فماضى ، وقد إكتشف العالم عوالم ما بعد الفمتوثانية فى هذا العالم المادى ، وما وراءه من عوالم البرزخ ( أو أكوان السماوات والأرض ) أعظم . .

2 ـ هذا الزمن المتحرك هو أزمان مختلفة ، ليس فقط فيما نعرف من اختلافات الزمن بين كواكب المجموعة الشمسية ، أو بين نجم الشمس وكواكبه والنجوم الأخرى فى مجرة درب التبانة ، أو بين مجرة درب التبانة ببلايين نجومها وبلايين المجرات الأخرى فى الكون ، ولكن أيضا بين هذا الكون المادى والبرازخ الست للأرض وما يتخللها وما يعلوها من برازخ السماوات السبع . إختلاف الزمن بين البرازخ وبين زمننا الأرضى يظهر فى قوله  جل وعلا( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل )فالأمر الالهى بقيام الساعة صدر فى زمن برزخى ، ولكن الدورات الزمنية الأرضية والسماوية لم تصل بعد الى وقت حدوث هذا الأمر . لهذا قال ( لا تستعجلوه ) وحين نصل اليه سيتم تدمير الأرض المادية وكونها المادى وبرازخها وبرازخ السماوات السبع ، وأزمانها المختلفة المتحركة المختلفة ويأتى زمن آخر فى ( اليوم ) الآخر ، زمن خالد ليس فيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل . زمن لا ندرى طبيعته.

3 ـ ( اليوم ) كوحدة زمنية تختلف من مستوى الى آخر . نحن نعرف ( اليوم ) فى أرضنا بليله ونهاره ،ومذكور فى القرآن الكريم اليوم الأرضى ، وفى تشريع الحج يقول جل وعلا : (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ  ) ( البقرة 203 )، ومذكور فى القرآن الشهور والأعوام بالحساب الأرضى . 

ولكن هناك أيام ستة تم فيها خلق السماوات والأرض : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) ( الحديد 4 )، وفى مستوى آخر منها تنوعت الأيام حسب المستويات ، قال جل وعلا : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( فصلت 9 : 12 )

 4 ـ فيما يخص تدبير الله جل وعلا للملكوت وتصريفه فينا فهناك إختلاف الزمن بين ( يوم )  عند الله جل وعلا وزمننا الذى نعرفه ، قال جل وعلا : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ) ( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ).
وفى مقال للدكتور منصور حسب النبي في الأهرام ( 11/5/1995 ) قام بتفسير علمي لقوله تعالى " يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : السجدة : 5" , " وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ : الحج : 47 " فقال إن العبارة القرآنية " مما تعدون " أي بالحساب البشرى , أي بالزمن الأرضي.

وعليه فإن المسافة التي يقطعها الأمر الكوني في زمن يوم أرضي تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن ألف سنة قمرية بحساب أهل الأرض . وبحل هذه المعادلة القرآنية ينتج لنا أن سرعة هذا الأمر بالحساب الأرضي يساوى بالضبط سرعة الضوء فى الفراغ أي186 ألف ميل في الثانية أو 299792.5كم /الثانية وفي نفس المقال يقول د. منصور حسب النبي أن معادلات اينشتاين تنبأت قبل نظرية الأوتار الفائقة باحتمال تجاوز سرعة الضوء لجسيمات افتراضية غيبية ذات كتلة تخيلية تسمى التاكيون . كما تنبأت نظرية الأوتار الفائقة بوجود كون آخر سداسي الأبعاد متداخل مع كوننا الرباعي الأبعاد والسرعة فيه تفوق سرعة الضوء ولكنها لا تخضع لقياسنا .  

5 ـ وبعد إكتشاف ( نظرية الأوتار الفائقة ) بدأ الحديث عن الأكوان المتوازية ، وهى ما نسميها البرزخ .وحين ننام تنتقل النفس الى البرزخ مؤقتا ، وحين نموت تنتقل النفس الى البرزخ ، وتظل فيه حتى البعث للجميع .  وقد اشار رب العزة الى إختلاف زمن البرزخ  عن زمننا . فأهل الكهف ناموا وظلوا فى نومهم ثلثمائة سنين وإزدادوا تسعا ، وحين إستيقظوا ظنوا أنهم ناموا يوما أو بعض يوما . ( الكهف : 19 ، 25 ) . وهناك شخص أماته الله جل وعلا أو ( أنامه ) مائة عام ثم بعثه أو أيقظه ، فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم : (  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ  ) (259) البقرة) . وحين نموت وتعود النفس الى برزخها ، ثم عند البعث نستيقظ ونظن أنه مرّ علينا يوم أو بعض يوم . ( النازعات  46) .

6 ـ  هناك اليوم ( الآخر ) بزمنه الخالد ، والمختلف عن ( يوم ) هذا العالم . مدة (هذا اليوم ) الذى تستمر فيه هذه الحياة الدنيا بأرضها وسماواتها وبرازخها ـ هى خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى . وهذا ما جاء فى سورة المعارج ، وفيها مقارنة بين يوم الدنيا ( الذى نعيشه ) واليوم الآخر ، الذى سننتهى اليه . مقدار يوم الدنيا خمسون ألف سنة بالتقدير الالهى. يقول جل وعلا : ( تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) المعارج ).

خلال هذه الخمسين ألف عام تحركت السماوات والأرض وما بينهما من ساعة الانفجار الكبير نحو النهاية . وكل مخلوق له زمنه ، من البشر والملائكة والنجوم والمجرات ، وفيها تعرج الملائكة بهذا الكون من سماوات وأرض وبرازخهما الى رب العزة ، وحين ينتهى هذا اليوم لهذا العالم ذى الخمسين ألف سنة بالتقدير الالهى ، تقوم الساعة ، ويتدمر العالم ، بأسرع من سرعة الضوء ، يقول جل وعلا بأسلوب التشبيه : (  وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50) القمر ) (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (77) النحل ) .

ثالثا : اليوم الآخر ذو الزمن الخالد

1 ـ تأتى أرض جديدة وسماوات جديدة بزمن خالد ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ) ، وتكرر الكلام عن الخلود في اليوم الآخر، مثل قول رب العزة جل وعلا : (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ)آل عمران:88 ) (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)آل عمران:107 ) .

2 ـ الغريب أن مفردات الحديث عن ( اليوم الآخر ) كلها مفردات زمنية . مثل ( اليوم الآخر ) ( يوم القيامة ) ( يوم البعث ) ( يوم النشور) (يوم الحساب) ( الساعة )..الخ. ونكتفى بمثال ، يقول جل وعلا : (  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) الروم ) . هنا إستعمالان لكلمة ( الساعة ) . الساعة بمعنى وقت تدمير العالم وما يعقبه من بعث ، و ( الساعة ) التى نعرفها ، وهو بعض اليوم . 

3 ـ لهذا نتصور أن الله جل وعلا فطر ( الزمن ) من لاشىء ، ومن قطعة منه خلق هذا العالم بزمن متحرك ، مدته خمسون ألف عام بالتقدير الالهى . بعده تأتى الساعة باسرع من الضوء ، فيتدمر هذا العالم ويحل محله اليوم الآخر بزمن خالد ، وعذاب خالد أو جنة خالدة .

4 ـ وما أضيع من يعيش حياته الدنيوية المتحركة فى عصيان ، ثم يأتى فى اليوم الآخر الخالد ليعيش فيه فى عذاب لا تخفيف فيه ولا خروج منه . 

المقال العاشر :

 علم الذرة بين القرآن والعلم الحديث

  لو تدبّر الغرب القرآن لتغير تاريخ العالم فى التقدم العلمى

مقدمة :

1 ـ ظل الغرب مؤمنا بما قاله فلاسفة إغريق من القرن الخامس قبل الميلادبعدم إنقسام الذرة ، وظل هذا الاعتقاد ساريا حتى أواخر القرن التاسع عشر ، هذا مع أن رب العزة أخبر من أكثر من 1400 عام بإنقسام الذرة ومعلوات أخرى عنها لا يزال يجهلها الغرب والشرق . بمعرفة الغرب بانقسام الذرة إنفتحت للبشرية مجالات عن عوالم ما تحت الذرة ، إقتربت بهم الى طرق أبواب البرزخ ، وعوالم الطاقة التى كان إستخدام الذرة دليلا على أن هذا العالم المجهول هو عالم باهر القوة، وأن طاقتها تتجاوز عالمنا المادى الضعيف الثقيل .

2 ـ ونعطى بعض التفصيلات :

أولا : علم الذرة فى الغرب ولمحة عن تطوره :

1 ـ  أصل كلمة ذرة بالانجليزية  : Atom)  ترجع الى الكلمة الاغريقية التى تعنى عدم الانقسام . إذ كان يعتقد أنه ليس ثمة ما هو أصغر من الذرة. قام كل ديموقرطيس وليسيوس عام 430 ق م ، بإفتراض  ان الذرة غير قابلة للانقسام وليس هناك ما هو اصغر منها .

2 ـ  في عام 1896م أجرى جوزيف جون طومسون أبحاثاً حول خواص أشعة الكاثود. وفي 30 أبريل 1897م، أدهش الأوساط العلمية بإعلانه عن أن الجسيمات المكونة لأشعة الكاثود هي أصغر حجماً بكثير من الذرات، وقد سمى هذه الجسيمات بالإلكترونات.وأظهر إكتشاف الإلكترون للعالم "طومسون" أن المفهوم القديم عن الذرة منذ ألفى عام، والذي ينطوى على أنها جسيم غير قابل للإنقسام كان مفهوماً خاطئاً، كما أظهر أيضاً أن للذرة - في الواقع- ترتيبا معقدا .

3 ـ كما ساهمت اكتشافات راذرفورد في إثبات وجود النواة وأنها تحمل شحنة موجبة. وكل الدراسات الحديثة للذرة تأخذ في الاعتبار أن الذرة تتكون من جسيمات تحت ذرية.وأنه تتكون الذرة من سحابة من الشحنات السالبة(الإلكترونات)التي تدور حول نواة موجبة الشحنة صغيرة جدًا في المركز، وتتكون النواة من بروتونات موجبة  الشحنة ، ونيوترونات  متعادلة.  وتعتبر الذرة هي أصغر جزء من العنصر يمكن أن يتميز به عن بقية العناصر؛ ولكن كلما غصنا أكثر في مادة الذرة تتلاشى الاختلافات بين عنصر وآخر

4 ـ اصبح معروفا الآن أن نواة الذرة أصغر مائة الف مرة من الذرة نفسها ، أى مثل حجم كرة الجزلف فى مطار هيثرو فى لندن . أى إن الفراغ يحتل معظم مساحة الذرة .بالاضافة الى معرفة مكونات الذرة من الإلكترون ، والبروتون والنيوترون، وأن الإلكترون هو أقل كتلة من البروتون والنيوترون بكثيرـ فقد عرفنا  أن النونيوترونات  تتكون بدورها من الكواركات التي تعد أصغر جزء من المادة.  باستغلال الطاقة داخل الذرة أو الانشطار النووى توصل الغرب الى الأسلحة الذرية وتطوراتها الى اندماجية  وتجميعية .

5 ـ إستحوذ هذا العالم الهائل داخل الذرة على إهتمام العلماء ، فتتابعت نظرياتهم ووصلت الى نظرية الأوتار الفائقة وتفرعاتها . نشأت نظرية الأوتار الفائقة  لنفس عوالم ما وراء أصغر جزء من النواة ، وتنبأت بوجود جسيمات عديمة الكتلة ( طاقة ) تستطيع أن تنطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء ، آى تحتاج لعشر أبعاد بدلاً من الأبعاد الأربعة (ثلاث أبعاد للمكان وبعد زمني) المعروفة للمادة طبقا لنظرية النسبية . وتوصلت ابحاث أخرى فى نظرية الأوتار الفائقة الى كشف قوى جديدة إلى جانب الجاذبية، وهي القوة الكهرطيسية والقوى النووية القوية (المسؤولة عن تماسك النواة في الذرة) والضعيفة (المسؤولة عن النشاط الإشعاعي الذري). لذا أطلقوا على نظرية الأوتار الفائقة ( نظرية الكل )، فقد استطاعت توحيد قوى وجسيمات الطبيعة بشكل واحد ،  فالبروتونات والنيوترونات والالكترونات التي تتكون منها الذرات تتكون من أجزاء أصغر هي الكواركات، تلك الكواركات التي كان يعتقد أنها مادة ، هي وبحسب نظرية الأوتار عبارة عن أوتار أو خيوط صغيرة جداً من الطاقة تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة، وكل اهتزاز معين لتلك الأوتار يعطي الجسيم خصائص مختلفة.. فقد يشكل الاهتزاز جزيئا مكونا لذرات المادة أو الطاقة أو الجاذبية...أي أن كل ما في هذا الكون من مادة أو طاقة أو شحنات هي في الواقع أوتار لكنها مهتزة بطرق مختلفة. والفرق الوحيد بين الجسيمات التي تكون مادة الخشب والجسيمات التي تظهر كطاقة الجاذبية هي طريقة اهتزاز تلك الأوتار فقط.   

6 ـ وتنوعت النظريات داخل نظرية الأوتار الفائقة ، وهى :  نظرية الأوتار البوزونية ، وهي أول نظرية أوتار عُرفت، وتتضمن أنساقاً اهتزازية جميعها بوزونات. وهناك 5 نظريات أخرى تتضمنها نظرية الأوتار كالتالي:نظرية الأوتار من النوع I، وهي نظرية تتضمن أوتاراً مفتوحة وأخرى مغلقة.نظرية الأوتار من النوع IIA، هي نظرية تتضمن الأوتار المغلقة والتي لها أنساق اهتزاز تناظر يمين – ويسار.نظرية الأوتار من النوع IIB، تتضمن النظرية الأوتار المغلقة التي لها أنساق اهتزاز لعدم التناظر يمين – يسار.،  نظرية الأوتار (هيتيروتيك– O)، هي نظرية تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليسرى الاهتزازات الموجودة في الأوتار البوزونية.نظرية الأوتار (هيتيروتيك – E)، تتضمن أوتاراً مغلقة حركتها الاهتزازية اليمنى تشبه اهتزاز الأوتارII، أما الحركة الاهتزازية اليسرى فهي تشبه اهتزاز الأوتار البوزونية.النظرية– Mهي نظرية توحد النظريات الخمس السابقة في إطار واحد شامل، وتشتمل على 11 بُعداً (زمكانياً– Space-time Dimensions)..

7 ــ ووصلت نظرية الأوتار الفائقة الى إكتشاف أبعاد جديدة فى الكون . هناك أبعاد اربعة نعرفها ، وهى  (الطول، العرض، الارتفاع)، بالإضافة إلى البُعد الرابع (الزمن). أما نظرية الأوتار؛ فهى تنص على أن الكون مُكوّن من «11 بُعداً»، وهو شيءٌ لا يُمكن تخيله. وتنحصر هذه الأبعاد في الأبعاد الثلاثة الرئيسية، والبُعد الرابع (الزمن)؛ وزِدْ على ذلك 7 أبعاد كونية أخرى افتراضية مُثبتة رياضياً، لتتمكن النظرية من تكوين هندسة مُوحدة للكون بأكمله.

8 ـ هذا ـ حسب علمنا ـ منهى ما وصل اليه علم الغرب . أما ما جاء فى القرآن الكريم فقد سبق الغرب بمعلومات ، لو إلتفتوا إليها من قرون لوفروا جهدا ووقتا .

ثانيا : حقائق علم الذرة فى القرآن الكريم :

1 ـ السماوات والأرض فى هذه الدنيا تتكون من ذرات ، والذرة تنقسم . قال جل وعلا :  ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61) يونس) أصغر من الذرة يعنى أجزاء منها ، وهذه الذرات هى أساس تكوين الأرض والسماوات . وكلها تدخل فى إطار علم الله جل وعلا . وقال جل وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3) سبأ ).

وقنا إن للارض ستة مستويات برزخية تعلو أرضنا المادية ، وتعلو برازخ الارض مستويات السماوات السبع بالترتيب ، وكلها تتداخل فى أرضنا وفينا وفى بقية عالمنا المادى من النجوم والمجرات . نظرية الأوتار الفائقة غاصت فيما وراء أقل جزء من الذرة وهو الكوارك ، ومع أنها نظريا جزء من المادة إلا إنها طاقة من خيوط صغيرة جداً تهتز بعدة اتجاهات وطرق. كل وتر من هذه الأوتار حجمه صغير جدا مقارنة بالذرة . أى إن جزءا من الذرة ( أصغر جزء معروف لنا ) هو طاقة . ماذا بعد الكوارك ؟ لا بد لهذا الكوارك من إجزاء وإنقسام ، وأقسام لأقسامه ، وبالتالى ندخل فى عوالم البرزخ التى تتخللنا ، وبالتالى ايضا فالقرآن الكريم سبق الغرب ليس فى إنقسام الذرة فحسب بل فى عمومية هذه الانقسام فى الكون المنظور ( المادى ) والكون غير المنظور ( برازخ الأرض والسماوات ) .

2 ـ يقول جل وعلا : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ) . نحن أجساد مادية ، تتحرك ، وفى داخل الجسد نفس برزخية تحتل الجسد وتتحكم فيه وتوجهه ، وهى تحب وتكره وتؤمن وتكفر ، وتخطط للخير وللشّر . ما يصدر عن النفس من أحاسيس ، وما يصدر عن الجسد من حركة يتم تسجيله ، أو بالتعبير القرآنى ( ما يطير ) عن الجسد والنفس من عمل وقول وأحاسيس وأفكار لا يضيع بل يتم تسجيله مكتوبا ، يحمله الانسان فى عنقه ويأتى به يوم القيامة ، وبه يتنعم خالدا فى الجنة أو يتعذب خالدا فى النار ، لذا فإن من إهتدى فلنفسه ومن أساء فعلى نفسه ، وهذا ما جاء فى الآية التالية : (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ) . وبالتالى فليس من مهمة الدولة فى الاسلام هداية الناس وإدخالهم الجنة ، ولا وجود فى الاسلام لأكذوبة حد الردة ، أو الإكراه فى الدين .

3 ـ الذى يهمنا هنا أن تسجيل كتاب أعمالنا يتم بالوزن الذرى أو ( المثقال الذرى ) ، وسنرى هذا يوم البعث حين نرى أعمالنا مدونة بالذرة ، قال جل وعلا :  ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ).

وفى يوم الحساب لا مجال للظلم ولو بمقدار ذرة ، يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء) . وعن وزن الأعمال بالميزان الالهى يوم الحساب يقول جل وعلا : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)الانبياء  ).

4 ـ كلمة ( المثقال ) تعنى الوزن ، وتكررت فى الآيات الكريمة السابقة ، ونضيف قول لقمان لابنه وهو يعظه : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِأَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) لقمان ) ومنها نستفيد وجود صخور فى برازخ السماوات ، تتكون من اوزان ضئيلة جدا .

ونضيف قوله جل وعلا عن ملكيته لكل هذا العالم المنظور وغير المنظور بكل ذراته:( قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) سبأ ).

أخيرا

 بالمناسبة : نسأل ( أمة محمد ) : ماذا يملك محمد فى ملكوت الرحمن جل وعلا .؟ أم هو مجموعة ذرات مما خلق الله جل وعلا ؟!!

 

الفصل الثانى : (الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم )

 

 

الحلقة الاولى  

 

المنهج القرآني للفكر الاسلامى

 الليل و النهار فى الاعجاز العلمي للقرآن

 

بسم الله الرحمن الرحيم

د . أحمد صبحى منصور

أول رمضان عام 1428 الموافق 13 سبتمبر 2007.

 

الليل والنهار فى الاعجاز العلمى للقرآن

 

مقدمة

 

فى موقعنا ( أهل القرآن) http://www.ahl-alquran.com/arabic/main.php

طرح الاستاذ ابراهيم دادى فى مقال له دعوة للمناقشة حول قوله تعالى ( ثم أتموا الصيام الى الليل ) متسائلا حول تحديد قرآنى لموعد بدء الافطار فى رمضان ، أو موعد الليل المقصود فى الآية الكريمة. وكنت على وشك التعليق على مقاله لاثبات أن موعد الافطار فى رمضان هو مع بداية الليل أى مع غروب الشمس ، ولكن حين بدأت الكتابة دخلت فى تحليل (يولج الليل فى النهار ) فتشعب الموضوع الى بعض وجوه الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم ثم تفرع الى مناقشة تخلف المسلمين عما جاء به القرآن الكريم من إعجاز علمى والسبب فى ذلك تاريخيا ، وفى النهاية أصبح لزاما أن يتحول الموضوع الى عدة حلقات تحت عنوان (الليل و النهار فى الاعجاز العلمى للقرآن ).

وهذه هى الحلقة الأولى :

المنهج القرآنى للفكر الإسلامى:

نقطة البداية لأى فكر إنسانى تتمثل فى المنهج الذى يقوم عليه ذلك الفكر، فالمنهج هو الأساس الذى يقرر منذ البداية مدى صلاح ذلك الفكر ومدى استمراريته. وغالباً ما ينبثق المنهج الفكرى لأى حضارة من عقيدة دينية، فالإنسان حيوان متدين بغض النظر عن نوعية الدين الذى يدين به، حقاً كان أم باطلاً توحيداً أو شركاً.

والمنهج الفكرى للحضارة الإسلامية أتى به القرآن الكريم الذى جاء تبياناً لكل شىء وما فرط الله فيه من شىء، والمنهج الفكرى القرآنى للحضارة الإسلامية انبثق من عقيدة التوحيد الإسلامية التى تقصر الألوهية والتقديس على الله تعالى وحده فلا مجال لتقديس بشر أو حجر أو كوكب أو شجر، فالله وحده هو الإله القيوم على كل شىء وما من شىء إلا هو آخذ بناصيته مسيطر عليه، و﴿ليس كمثله شىء﴾ من مخلوقاته ﴿وهو السميع البصير﴾ و﴿لاّ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ أما باقى الخلق فهم عبيد قدرته وتحكمه كائناً من كانوا، ملائكة أم رسلاً أم بشراً أم حيوانات أم جمادات.

فالانفصال قائم بين وحدة الخالق المهيمن المسيطر الذى ليس كمثله شىء وبين وحدة المخلوقات التى صنعها الخالق ولا يمكن أن تشبه الخالق بأى حال من الأحوال وللخالق عليها حق العبودية والخضوع والاستسلام طوعاً أو كرها ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ (آل عمران 83) فكل ما خلق الله أسلم وخضع له وسجد لعظمته، سبح بحمده كل المخلوقات، كل الأشياء من أحياء وجمادات لا خالق لها إلا الله ولا يستحق التقديس والعبادة إلا هو تعالى ولا واسطة بين الخالق والمخلوق. ومن هذه العقيدة التوحيدية انبثق المنهج القرآنى للفكر والعلم والتربية، وقد صاغ ذلك المنهج رب العزة تعالى وهو الأعلم بخلقه ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.

ويعتمد ذلك المنهج القرآنى للفكر الإسلامى على أساس من الحكمة فى خلق الإنسان والكون. فالله تعالى خلق الإنسان ليكون خليفة فى الأرض يطبق فيها منهج الله القائم على الحق والخير وعدم الفساد. ولأن الإنسان مخلوق ليكون خليفة فى الأرض فإن الله تعالى سخر له كل ما فى الأرض وما فى السماوات ﴿وَسَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ﴾ (الجاثية 13) وسخر بمعنى ذلل وأخضع، أى أن كل ما فى السماوات والأرض من جماد وحيوان ونبات وأشعة وطاقة سخره الله للإنسان كى ينتفع بها كيفما يشاء ﴿هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النّشُورُ﴾ (الملك 15). ومن هنا فإن البحث فى الأشياء المادية التى يمكن أن تقع عليها حواس الإنسان رهين بسعى الإنسان وكفاحه كى يتمكن من الاستفادة مما سخره الله له على أتم وجه.

من هنا أيضاً أمر الله تعالى الإنسان أن يسير فى الأرض ويبحث فيها ليرى عظمة الخالق فى خلقه ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ اللّهُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمّ اللّهُ يُنشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (العنكبوت 19: 20).

فالبحث العلمى فى مخلوقات الله التى سخرها للإنسان فريضة إسلامية لها وسائل ولها أهداف. فوسائلها السعى والسير والنظر بالعقل والعين واللمس والتحقق والتفكر، ويستخدم الإنسان فى سعيه كل حواسه من يد وعين وأذن وقدم وعقل ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنّذُرُ عَن قَوْمٍ لاّ يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس 101) ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ﴾ (فصلت 53) ﴿وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ لّلْمُوقِنِينَ. وَفِيَ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ (الذاريات 20: 21) ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوَاْ إِلَى السّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ. وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ. تَبْصِرَةً وَذِكْرَىَ لِكُلّ عَبْدٍ مّنِيبٍ﴾ (ق 6: 8).

والآيات السابقة التى دعت للبحث العلمى فى الكون تحوى إعجازاً علمياً أثبته العصر الحديث بعد أن اتبع المنهج العلمى القرآنى فى البحث والتجربة والسعى والسير..

ويكفى أن الله تعالى جعل من صفات المتقين أولى الألباب والعقول أنهم يذكرون الله ويتفكرون فى خلقه (آل عمران 190: 191) بينما جعل من صفات المشركين الإعراض عن آيات الله فى الكون ﴿وَكَأَيّن مّن آيَةٍ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ (يوسف 105).

باختصار فالإسلام يدعو المسلمين إلى البحث العلمى التجريبى فى الكون المادى الذى سخره الله تعالى للإنسان، وغاية ذلك البحث التجريبى أن يصل الإنسان إلى عظمة الخالق تعالى وإبداعه، وأنه يستحيل على من خلق وأبدع أن يكون له شريك أو معه ولى أو معين، وحينئذ يزداد العالم خشية لله تعالى وخضوعاً له.

ويعزز ذلك أن القرآن الكريم دعا للعلم واستعمال العقل والنظر، وتكررت فيه عبارات ﴿أفلا تعقلون﴾ ﴿أفلا تبصرون﴾ بل وارتبط فيه لفظ العلم بالتقوى والخشية ﴿أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَآبّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر 27: 28) أى أن التفكر والبحث العلمى فى بديع الخلق من إنزال المطر واختلاف الشجر والبشر والحجر من صفات العالم الحقيقى المؤمن الذى يدعو له الإسلام، يقول تعالى ﴿أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الاَخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُو الألْبَابِ﴾ (الزمر 9).

ويلاحظ أن الحضارة الغربية الحديثة اتفقت مع الإسلام فى وسائل البحث العلمى التجريبى، فهى تسعى فى الكون وتسير فى الأرض فتمكنت من اكتشاف آلاء الله فى الكون، وكان المسلمون أحق بهذا الاكتشاف لو اتبعوا منهج القرآن الكريم، ولكنهم هجروا القرآن الكريم وانشغلوا بصناعة أحاديث نسبوها زورا وبهتانا لخاتم النبياء عليهم السلام ، وتشاجروا فى إسنادها و الحكم على رواتها ، بل وجعلوا من تلك الأحاديث وعاء يمتلىء بخرافاتهم وجهلهم فأصبح الجهل والخرافة جزءا من تلك الأديان الأرضية لا يصح الاعتراض عليه أو نقده فقد تحصنت ضد النقد باسنادها ونسبتها الى النبى محمد عليه السلام .

وظل انشغال المسلمين ـ عن القرآن الكريم ـ بأديانهم الأرضية و أحاديثهم الى أن نهض الغرب و اكتشف الكون متبعا طريقة المنهج العلمى التجريبى التى سبق لها القرآن . وفوجىء المسلمون فى عصرنا بأن بعض ما يكتشفه الغرب قد جاءت إشارات له فى القرآن فهللوا وتفاخروا دون أن يحسوا بالخجل ودون أن يتساءلوا اين كان أسلافهم واين كانوا هم حين هجروا القرآن وهو معهم يتكلم بلغتهم يدعوهم الى تدبره ويحذرهم من اتخاذه مهجورا. ومن أسف أن أولئك ( المسلمين ) لا يزالون فى غيهم يعمهون ، ولا يزالون بتلك الخرافات العباسية و المملوكية يتمسكون ، وهم على نسبة تلك الأحاديث الكاذبة لخاتم النبيين عليه السلام يدافعون .وتلك قضية أخرى سنعرض لها فى مقالات قادمة بعونه جل وعلا.

المهم أن الحضارة الغربية اتبعت المنهج العلمى التجريبى ووسائله ولكن اختلف الهدف، فالهدف من البحث التجريبى فى الإسلام هو الوصول إلى عظمة الله وقدرته ليزداد الإنسان خشية لله وعبادة له وينشر الخير ويكون لله خليفة فى الأرض بما وهبه الله تعالى من عقل وفطرة سليمة. أما الهدف من البحث التجريبى فى الحضارة الغربية فكان فى بعض الأحيان استخدام العلم فى خدمة الشيطان باختراع أسلحة الموت والدمار وتوجيه التقدم العلمى لتدمير الحضارة الإنسانية وإشاعة القلق والخوف والفقر والحروب والدماء والآلام..

قلنا أن القرآن دعا المسلم إلى البحث فيما سخره الله له، أى أن الله تعالى جعل تلك الأشياء المادية مسخرة خاضعة لحواس من تلك الإنسان وعقله وفى إمكان طاقته، ويستطيع بالعقل الذى وهبه الله له أن يخترع من تلك الأشياء المسخرة ما يمكن أن يفيده أو يضره، ويتوقف ذلك على الهدف، فإن كان الهدف طاعة الله كانت المخترعات فى صالح الإنسان وسعادته، أما إن كانت الأخرى فهو التدمير والبؤس والفقر.

وتبقى قضية أخرى.

أن الله تعالى سخر الكون للإنسان، ومن هنا كان من حق الإنسان بل من واجبه أن يبحث فيما سخره الله له، ولكن خلق الله تعالى الإنسان لعبادة ربه فيستحيل أن يتمكن الإنسان المخلوق لعبادة الله من أن يتخذ الله تعالى مادة لبحثه..

فالله تعالى هو الذى خلق الإنسان ويستحيل على المخلوق أن يتعرف على كنه الخالق، والله تعالى هو الذى خلق عقل الإنسان وصممه على أساس أن يبحث فقط فى الأشياء التى سخرها الله له، وليس بإمكان ذلك العقل كما خلقه الله أن يسمو للبحث فى ذات الخالق جل وعلا.

ويستحيل على الإنسان أن يبحث فى ذات الله تعالى والله تعالى وصف ذاته بأن ﴿ليس كمثله شىء﴾ ومعنى ذلك أن أى شىء من المخلوقات لا يمكن أن يشبه الله تعالى، وكلمة (شىء) مفعول مطلق من كلمة (شاء) فالله تعالى أراد أو شاء شيئاً فكانت كل المخلوقات أشياء وكل المخلوقات أو الأشياء لا تشبه الله تعالى بأى حال من الأحوال، فلا يستطيع الإنسان أن يتخيل كنه الله تعالى، فعقل الإنسان لا يفهم إلا فى الأشياء المخلوقة مثله، والله تعالى أكبر من كل شىء.. وحواس الإنسان لا تدرك إلا ما سمح به الله تعالى، والله تعالى جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، بل أن مشيئة الله قضت أن يحجب عن أعين الناس بعض مخلوقاته، والإنسان الحديث آمن بأنه لا يرى كل شىء من الأشعة والموجات وإن أمكنه أن يستغلها فى الراديو والتليفزيون واللاسلكى، والله تعالى يقول للبشر ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ. وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴾ (الحاقة 38: 39) والله تعالى أخبر بأن الجن يرون البشر ولا يمكن البشر أن يروهم ﴿إِنّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾ (الأعراف 27).

وإذا كانت بعض الأشياء المخلوقة محجوبة عن عين الإنسان لا يمكن أن يراها فى هذا العالم المادى فكيف يطمح الإنسان إلى رؤية خالق الأشياء ومبدعها سبحانه وتعالى؟ وإذا كان ممنوعاً من الرؤية فكيف يبحث فيما لا يستطيع رؤيته؟

على ذلك فإن العالم له شقان بالنسبة للإنسان، عالم الشهادة، أو المحسوسات المشاهدة من الكون والطبيعة وقد عرفنا منهج الإسلام فيها من حيث الوسائل والهدف، أما عالم الغيب أو السمعيات فهى خارج نطاق المحسوسات، وتخرج عن نطاق بحث الإنسان، ومطلوب من الإنسان ألا يبحث فيها ولكن يؤمن بها، فالإيمان بالغيب من أولى صفات المتقين ﴿الَمَ. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتّقِينَ. الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ (البقرة 1: 3).

على أن يكون معروفاً أن ذلك الغيب الذى نؤمن به هو غيب الله تعالى الذى أخبر به فى كتابه الكريم خاصاً بالله تعالى والملأ الأعلى من الملائكة والجنة والنار والآخرة والحساب والحشر ثم الجن والشياطين. وكلها أمور غيبية غير مشاهدة أخبر بها الله تعالى ومطلوب أن نؤمن بها.

على أن الإيمان الإسلامى لا يقبل القسمة على اثنين، فالمؤمن بالله وحده يؤمن بغيب الله وحده ولا مجال لديه للإيمان بخرافات الأولياء وأكاذيب العامة والدهماء. هذا هو الإيمان المطلوب، إيمان بالله وحده وكفر بما عداه ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا﴾ (البقرة 256).

ووضح ما سبق أن القرآن حدد المنهج التجريبى العلمى للبحث فى عالم المشاهدة والكون والمادة المسخر للإنسان، ودعا للإيمان والتسليم والتصديق بعالم الغيب الذى يذكره الله تعالى فى كتابه فقط وما عداه من كلام فى الغيب إنما هو خرافة، حيث أن النبى محمداً نفسه لا يعلم الغيب، ومن هنا تضيق فجوة الإيمان بالغيب على قدر ما جاء فى القرآن فقط، ويتسع المجال أمام العقل كى يخترع ويبتكر فى عالم الشهادة.

ذلك ما ينبغى أن يكون، وذلك ما كان يجدر بالمسلمين اتباعه، ولكن المفروض شىء والواقع شىء آخر، فالذى حدث أن الحضارة (الإسلامية) لم ترتبط بالمنهج القرآنى وإنما سارت على أساس منهج آخر مخالف، هو المنهج اليونانى فكانت الحضارة (الإسلامية) ترديداً فى معظمها للحضارة اليونانية أو ترجمة لها بالعربية.

لقد أثمر الفتح العربى تكوين دولة (إسلامية) مترامية الأطراف شملت أجناساً متباينة من فرس وأنباط ومصريين وبربر، واعتبرهم العرب الفاتحون (موالى ) أى مواطنين من الدرجة الثانية . وأولئك الموالى كانت لهم إسهاماتهم فى الحضارة الإسلامية بل هم الذين سيطروا عليها، وكان من الطبيعى أن يسيروا بالمنهج الفكرى الذى تعودوه قبل الإسلام وهو المنهج اليونانى.

المنهج الفكرى للحضارة اليونانية:

تشابهت عقائد الشرق الهندية والغرب اليونانية ، وأدى غزو الإسكندر الأكبر لامتزاج الحضارتين الشرقية والغربية فيما يعرف بالثقافة الهلينية، ومن الطبيعى حينئذ أن تتطابق عقائد الشرق والغرب. ووحدة الوجود التى هى أساس عقائدهم الوثنية لا ترى فارقاً أساسياً بين الخالق والكون، والحضارة اليونانية كانت تعلى من شأن العقل بقدر ما تحتقر العمل اليدوى، من هنا كان العقل المجرد أساساً للبحث اليونانى فى فترته الأولى.

فالعقل اليونانى كان الأساس فى بحث الطبيعة وما فيها من مواد وأجسام، كما كان نفس العقل أساساً للبحث فيما وراء الطبيعة من سمعيات كالألوهية والقضاء والقدر ومشكلة الشر ونشأة العالم..

ومن الطبيعى أن يفشل العقل فى بحث الأمور الطبيعية التى لابد لها من المنهج التجريبى القائم على السير فى الأرض والنظر والتفكر وإجراء التجارب كما أشار لذلك القرآن الكريم.

ومن الطبيعى أيضاً أن يفلس العقل فى بحث ما هو فوق طاقته من ذات الله تعالى وصفاته وقضائه وقدره وجنته وناره. وأدى إفلاس المنهج العقلى إلى البحث عن منهج آخر، وكان البديل منبثقاً عن نفس عقيدة وحدة الوجود، وتم ذلك الانقلاب الجديد على يد أفلوطين السكندرى الذى نشر مذهب الأفلاطونية الحديثة وقد استوحاها من نظرية الفيض الإلهى التى قال بها أفلاطون.

فأفلاطون قال بإمكانية صعود النفس للعقل الإلهى حيث تخلص إلى عالم البقاء وذلك إذا تخلصت النفس من عجز الجسد والمادة، وقد استوحى أفلوطين السكندرى من تلك المقالة نظريته الجديدة فى المنهج الفكرى فطالما أن بإمكان النفس أن تتحد بالعقل الإلهى فيمكنها حينئذ أن تشرق فيها المعرفة الإلهية وتأخذ العلم من لدن الله.

من هنا بدأت مقولة العلم اللدنى فى الوسط المسيحى وأدت إلى تعزيز سيطرة رجال الكهنوت المسيحى الذين اتخذهم الناس أرباباً من دون الله فأصبح من حقهم وحدهم بالرياضات الروحية والأذكار والطقوس أن يصلوا إلى العلم الإلهى حيث لا مجال للاعتراض أو المناقشة أو الحوار مع علم يزعمون أنه من لدن الله تعالى.

ومن الطبيعى حينئذ أن تتوقف الحياة العلمية العقلية التى أظهرتها مناقشات المنهج العقلى الذى ساد قبلاً، فالعلم اللدنى ينظر أصحابه إلى العلم الآخر (العلم الظاهر) نظرى احتقار لأنه علم بشرى مكتسب، ويشترطون فيما يتصدى للحصول على العلم الإلهى اللدنى أن يكون قلبه فارغاً من العلم البشرى وصالحاً لتقلى العلم الإلهى وذلك بوسائل أبعد ما تكون عن تحصيل العلم (الظاهر) والسعى إليه، ثم إذا وصل صاحبنا بزعمه إلى العلم الإلهى فلا اجتهاد مع وجود نص، ولا مجال لمناقشته أو الاعتراض عليه بل يجب أن يؤمن الناس بما يقوله وأن يسمعوا ويطيعوا.

وهكذا كانت مقولة العلم اللدنى هى القاضية على الحياة العلمية، وحين بدأت الفتوحات العربية (الإسلامية) كانت المدارس اليونانية فى الشام والعراق وآسيا الصغرى تعانى من تسلط الكهنوت المسيحى صاحب العلم اللدنى وخرافاته ومزاعمه.

وبهذا انتهى المنهج اليونانى، إلى لا شىء. وكان لابد أن ينتهى إلى نفس النتيجة كل من يتأسى بالمنهج اليونانى، وذلك ما حدث مع الحضارة العربية (الإسلامية).

 

المنهج الفكرى للمسلمين:

لم يرتبطوا بمنهج القرآن الذى أوضحناه فى بداية المبحث وإنما التزموا منهج اليونان الذى عايشوه قبل الفتح الإسلامى بقرون.

أثر الموالى:

ويرجع ذلك إلى أن الموالى- أبناء البلاد المفتوحة- هم الذين سيطروا على الحياة العلمية حيث انشغل العرب بالسياسة والحكم والحرب والفتن، والعرب أساساً ليسوا أصحاب حضارة ومنهج فكرى، أما الموالى فهم أصحاب حضارة قديمة ولديهم الفراغ حيث لا انقطاع للسياسة أو الحكم، ولديهم أيضاً الدافع للتفوق والامتياز على العرب فى مجال العلم الذى يجيدونه ويتفوقون فيه، ثم لديهم دافع آخر هو توجيه الحضارة الإسلامية إلى ما ألفوه فى سابق حياتهم، ولدى بعضهم حقد على الإسلام وحرص على حربه، ووسيلته للانتقام هى تحريف عقيدة الإسلام بعقائد الشرك تحت ستار الأحاديث و السنن والتشيع والتصوف والحب والوجد، وليس مستغرباً أن يكون رواد الحديث والتشيع والتصوف من الأعاجم ، بل من أصحاب الحرف أحط طبقات المجتمع وقتها.

نظرتهم للقرآن:

والموالى قادة الحضارة الإسلامية سواء كانوا حسنى النية أو سيئى النية نظروا للقرآن الكريم نظرة قاصرة، اعتبروه معجزاً للعرب فى الفصاحة فقط، فحولوه إلى نص فصيح يستشهدون به فى أمور البلاغة والبيان والإعراب، ولا تزال تلك النظرة الخاطئة سارية حتى الآن، وكانت النتيجة أنهم حرموا أنفسهم والعالم والمسلمين من الاستفادة بالقرآن الكريم فى منهجه وحقائقه التشريعية والعلمية التى كانت فى متناول المسلمين منذ أكثر من عشرة قرون دون أن يستفيدوا منها، لأنهم استغرقوا فى إعراب آيات القرآن الكريم وتبين أوجه البلاغة فيها دون فهم حقيقى لمضمونها ومقصودها.

ثم كانت المصيبة الأخرى التى فرض بها الموالى آراءهم على القرآن الكريم وتسللوا بها لتحريف معانيه وتشريعاته وهى اختراع علم (التفسير) ومعلوم أن لفظ (التفسير) لا يناسب أن يرتبط بالقرآن الكريم، فالقرآن الكريم ليس بحاجة لتفسير، فالتفسير إنما يكون للكلام الغامض المستغلق على الفهم، أما القرآن فهو ﴿كتاب مبين﴾ يسره الله تعالى للذكر ﴿وَلَقَدْ يَسّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ﴾ (القمر 17) ﴿فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ﴾ (مريم 97) ﴿فَإِنّمَا يَسّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ﴾ (الدخان 58).

وحقيقى فإن من إعجاز القرآن هو سهولته واقترابه من مدارك الشخص العادى إذا تدبر وتعقل معناه مع كونه فى أعلى درجات الفصاحة المعجزة، ويكفى أنه أعجز العرب الجاهلين فى فصاحته ولا يزال بيننا ميسراً للذكر، هذا مع أننا لو قرأنا شعراً جاهلياً رقيقاً فى الغزل لعجزنا عن فهمه لجزالة لفظة وغرابة معناه، فاللغة كائن حى يتطور حسب ظروف كل مجتمع، ولكن القرآن الكريم فهمه العرب الجاهليون كما فهمه أبناء القرن العشرين. والقرآن الكريم لا يحتاج إلى تفسير لأنه يفسر بعضها بعضاً، فهو كتاب مثانى يجنح للتكرار المعجز، يقول تعالى ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ (الفرقان 33) فآيات القرآن هى أحسن تفسيراً لآيات القرآن، والباحث فى القرآن لا يفسره وإنما يتدبر الآيات فى الموضوع المبحوث بمنهج عقلى غير منحاز، وكذلك يجمع الآيات ويستعين ببعضها على البعض ليتوصل إلى حقائق جديدة وليس ذلك بالتفسير، وإنما هو التعقل والتدبر، وتدبر القرآن فريضة إسلامية.

وإذا جاز التسامح فى إطلاق لفظ التفسير على البحث فى كتاب الله تعالى فإنه لا يمكن التسامح مع استخدام ذلك التفسير لفرض آراء البشر على كلام الله تعالى، فهنا يتحول التفسير إلى تحريف، وذلك مع الأسف هو ما ارتبط بعلم التفسير حيث تسللت الإسرائيليات إليه وأفسدت عقائد المسلمين وأفكارهم، ولازلنا حتى اليوم لا نعترف بالآية القرآنية إلا إذا كانت أقوال المفسرين شفيعاً لها، وذلك منتهى الظلم لله تعالى ولكتابه الكريم، وإلى الموالى يرجع ذلك التردى الذى لا زلنا نعيشه فى نظرتنا للقرآن الكريم وتعاملنا معه.

والموالى قادة الحضارة الإسلامية طالما نظروا للقرآن الكريم هذه النظرة فلا يمكن أن يخضعوا له فى منهجهم العلمى ولابد أن تحدث الفجوة بين منهج القرآن والمنهج الذى سارت عليه الحضارة الإسلامية بفعل قادتها من الموالى.

ومن الموالى جاء أئمة الفقه و الحديث و التفسير وما يعرف بعلم الكلام أو العقائد والفلسفات ..

وقاد الموالى الحركة العلمية فى العصرين الأموى و العباسى ، أى عصر البداية وعصر الازدهار، ثم سار على أثرهم اللاحقون فى عصر التقليد والجمود .

وجاءت الوهابية فأعادت للمسلمين ـ فى العصر الحديث والمعاصر ـ أكثر المذاهب تخلفا وتشددا ، ونجحت فى نشره بقوة البترول ، وبأكذوبة أنه ( سنة نبوية )..

ويكفى ان بعض المسلمين فى عصر ثورة المعلومات والاتصالات لا يزالون يتبعون فى تحديد أول رمضان تلك الأكذوبة القائلة ( صوموا لرؤيته..)ويتطلع بعض الشيوخ العميان الى الفضاء لاستطلاع هلال رمضان ، أو يعتمدون شهادة إعرابى يزعم أنه رأى الهلال بين ساقى ناقته، ويريدون فرض (رؤيتهم ) على كل المسلمين ليصوموا تبعا لهم .

هذا مع أن القرآن العظيم أشار الى الحساب الفلكى وسبق به العلم الحديث..

والتفاصيل ستاتى في الحلقات القادمة عما يخص الاعجاز القرآنى فى ( الليل و النهار ).

والله جل وعلا هو المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الحلقة الثانية:

جدلية الإعجاز العلمى في القرآن الكريم

 

أولا :

1 ـــ فى الستينيات – عصر الصحوة القومية العربية – بدأ الدكتور جمال الفندى يكتب من واقع تخصصه العلمى فى الفلك عن الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وتبعه الدكتور عبدالرزاق نوفل الذى تشعب وأشار إلى الإعجاز العددى والحسابى فى القرآن الكريم ، وتبعهم أخرون .

كان جهدا فرديا يقوم به متخصصون فى العلوم الطبيعية ، ليس لهم خلفية فى التراث السنى أو الفقهى ، بل كانوا يدخلون على القرآن الكريم بعقليتهم العلمية المحايدة يحاولون فهم الآيات فى ضوء التشابه أو التطابق بينها وبين حقائق العلم الحديث ، وقد أفلحوا ليس فقط فى ريادة هذا الموضوع ، ولكن أيضا فى تأكيد حقيقة الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم .

2 ـــ سقطت الدعوة للقومية العربية فى حرب يونيو 1976 ، وقد تم دفنها بالكامل فى حرب الخليج الثانية باحتلال صدام للكويت ، واحتل مكان القومية الإنتماء السلفى الوهابى السنى الذى سيطر بفعل قطار النفط السريع على التعليم والأعلام والثقافة فظهرت " أسلمة العلوم " و " أسلمة البنوك " بعد أسلمة الأعلام وأسلمة الثياب بالجلباب والحجاب والنقاب .

وتأثرت قضية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم بهذا المناخ الجديد ، فاتسعت وأصبحت حرفة دخلها الأدعياء والمرتزقة ، وتطورت من ناحية الكم لتشمل ما عرف بـــ " الطب النبوى " ، وأصبح يطلق عليها " الأعجاز العلمى فى القرآن والسنة " ،ولم يبق إلا أن يقال عنها " الأعجاز العلمى فى القرآن والسنة و السلفية والوهابية والسعودية " وتعمقت نوعيا لترتبط بالإسلام الذى إحتكر السلفيون لأنفسهم الحديث عنه .

3 ـــ أحدث هذا التطور النوعى والكمى خصومة كاملة مع المنهج العلمى والمنهج القرآنى ؛فالمحترفون الجدد من المؤلفين فى الأعجاز العلمى فى " القرآن والسنة " دخلوا على فهم القرآن الكريم من خلال المصطلحات التراثية ، فالملاحظ فيما كتبه " زغلول النجار" مثلا كثرة إستشهاده بالتراث فى فهم معانى الآيات القرآنية ، ثم يقرؤها فى ضوء الحقائق العلمية كى ينسب إعجازا علميا إلى تلك الأحاديث أو ما يعرف بالسنة النبوية.

الخطأ يتجلى هنا فى أن فهم القرآن الكريم من خلال التراث يوقع فى الأختلاف والإنتقاء ، ويصبح القرآن الكريم متهما بأنه " حمال أوجه" أى تختلف معانى الآية وتتحمل التفسيرات المتناقضة ، وبالتالى لا يكون كما قال تعالى " كتاب مبين " ، " كتاب أحكمت آياته " .

فالمنهج العلمى فى فهم القرآن الكريم لا يكون إلا بفهم مصطلحات القرآن الكريم نفسه وليس من خلال ثقافات لاحقة ومصطلحات تم تداولها بعد نزول القرآن الكريم بقرون.

ثم إن الدخول على القرآن الكريم وفهمه من خلال ما قاله أئمة التراث ينسف قضية الأعجاز العلمى فى القرآن من أساسها، فأولئك الأئمة التراثيون غفلوا عن الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وتعاملوا مع الآيات القرآنية ذات المحتوى العلمى بإخضاعها لثقافتهم ومذاهبهم ، وأكثر من هذا صاغوا لها تأويلات وصنعوا لها أحاديث مفتراه نسبوها ظلما وزورا للنبى محمد عليه السلام بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان،فكيف يتم بناء الإعجاز العلمى على ما قاله هؤلاء الأئمة ؟

إنهم لو كانوا قد فهموا الأيات العلمية فى القرآن الكريم – وهى واضحة ومباشرة – لاختلف تاريخ البشرية ، ولتوصل العرب والمسلمون فى العصر العباسى إلى ما اكتشفه الغرب بعدهم بعدة قرون.!..

كان من الممكن إختصار ألف عام من التخلف والقرون المظلمة مرّت بها البشرية لو أنهم :

*ـ ألتفتوا إلى منهج القرآن الكريم فى البحث العلمى التجريبى وطبقوه..

*ـ قصروا الايمان بالغيب على ما جاء فى القرآن الكريم فقط دون غيره.

*ـ استفادوا بما أورده القرآن الكريم من حقائق علمية تسبق عصرها.

*ـ أطاعوا القرآن الكريم فى التعقل و التبصر والابتعاد عن الخرافات والأساطير.

لم يفعلوا ذلك فأصابوا الاسلام فى الصميم ، وتحولوا الى أنصاف آلهة فى قلوب أتباعهم .. ولا يزالون ، بدليل تلك الاتهامات التى لا تزال تلاحق الاسلام بسبب ما فعلته به الوهابية و السلفية. وحتى عندما التفت بعض المسلمين المتخصصين فى العلوم الطبيعية الى الاعجاز العلمى للقرآن الكريم ما لبث أن تدخل فيها السلفيون بما يحملونه على ظهورهم من أسفار و تراث فأفسدوا القضية بأكملها، وهم ـ فى الواقع ـ ما دخلوا فى شىء إلا أفسدوه .. وكذلك يفعلون..!! ..

4 ـــ على أن هذه الخصومة مع العلم والعقل والقرآن لم تعطل مسيرة السنيين والوهابيين والسلفيين فى تدعيم قضية " الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة " بل تحولت بنفوذهم وبترولهم إلى تجارة رائجة تنشأ من أجلها الجمعيات وتنعقد بسببها المؤتمرات وتتسع لها الفضائيات والصحف والدوريات ومواقع الإنترنت . وكان من الطبيعى أن يمتد الإرتزاق إلى الدجل ، وأن يمتد الدجل ليس فقط فيما يكتبون وما يقولون ولكن أيضا فى الربط بين الإعجاز العلمى وبين الطب .

5 ـ فقد انتشر ما يعرف بالطب النبوى ، وذاع ـ مثلا ـ أساطير عن الحبة السوداء " ،وتم إفتتاح عشرات العيادات التى تداوى بالقرآن الكريم . وتوثقت العلاقة بينها وبين حلقات الزار والتداوى من المس الشيطانى والربط الجنسى وكتابات المحبة و التأليف بين القلوب.

وبهذا أعيد لنا فى العصر الحالى ما ساد من خرافات فى العصرين المملوكى والعثمانى مما كان يعرف بالطب الروحانى والتداوى بلمسة من الشيخ المقدس أو تراب ضريحه أوفضلات المجاذيب ومخلفات الأولياء الصالحين .

صحيح أن الغرب عرف " الطب البديل " و" التداوى بالأعشاب " والتحرز من إستعمال المركبات الكيماوية فى الطعام والدواء، ولكنه يمارس ذلك فى ظل منهجية علمية بحثية صاومة .

صحيح أن لكل شعب تجاربه الطبية وخصوصا أصحاب الحضارات القديمة التى لا تزال حية ومستعملة فى ثقافة أبنائها مثل الحضارة الصينية وهى التى قدمت تراثها الطبى وانتفع به العالم ، ومنه ما اصطلح على تسميته بـ " الأبر الصينية " ، ولكن الصحيح أيضا أن تلك الموروثات يتم التعامل معها بمنهجية علمية علمانية ، بمعنى أنهم لا ينسبونها للدين ولا يلصقونها بالأنبياء والوحى .

ولكن أساس التخلف ـ الذى نسعد به دائما ـ أننا نغطى ثقافتنا الإجتماعية والطبية بعباءة الدين ، فيصبح تراثنا القديم فى التداوى " طبا نبويا " ثم نتجرعه بالتسليم، ونموت به لندخل الجحيم.!!

قد يوجد الصحيح والفاسد فى أى تراث طبى،ولا عيب فى هذا، العيب هو أن ينسب ذلك للإسلام ولرسول الأسلام عليه السلام .

ثانيا :

1ـ النفوذ الكبير للفكر السلفى الوهابى قوبل بمعارضة علمانية مفتونة بمنجزات الغرب الحضارية، فحدث إستقطاب بين التيارين السلفى الرجعى التقليدى والعلمانى الحداثى ، وامتد هذا الأستقطاب من ميادين السياسة والحكم والأدب إلى قضية الأعجاز العلمى فى القرآن .

التطرف السلفى فى إسناد إعجاز علمى متوهم للسنة والأحاديث والطب النبوى قوبل بتطرف علمانى يستنكر أو يسخر من وجود إعجاز علمى حتى فى القرآن نفسه . أى أن الخطأ السلفى ووجه بخطأ أخر، وكلاهما يخاصم العلم وينكر حقائق ثابتة ملموسة .

2 ـــ ليس كل الذين يهاجمون الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ممن يكرهون القرآن الكريم وينطبق عليهم قوله تعالى "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ: محمد 9 " ، ولكنهم كلهم ليست لهم علاقة وثيقة بالقرآن ومصطلحاته ومناهجه تمكنهم من فهم إعجازاته العلمية،وهذا ما سنتعرض له فى الحلقات القادمة .

وهم مع إنتسابهم للعلم إلا أنهم سطحيون فى رؤيتهم العلمية للعلم نفسه،ولكنهم بما يعلمون مغرورون، وليس هذا إتهاما ولكنه توصيف مستمد من القرآن الكريم نفسه .

3 ـ يقول تعالى عن سطحيتهم هم وامثالهم من أكثرية البشر" وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : الروم 7:6 " .أى يعلمون مجرد القشور والظواهر من الحياة الدنيا ، أما الأخرة فهم عنها غافلون .

أولئك السطحيون مبهورون بالتقدم العلمى متناسين أننا نستخدم ما نكتشفه دون أن نعلم حقيقته وماهيته شأن كل ما سخره الله تعالى لنا.

وللتدليل على ذلك لنبدأ مع الانسان الأول حين إكتشف النار واستخدمها ولا يزال يستخدمها حتى الأن ، ولكنه حتى الآن لا يفهم كنه النار وطبيعتها وماهيتها، ولا يعرف مستقرها أو مستودعها، ومن أين أتت والى أين تعود ، ثم استخدم الماء فى النقل البحرى وحتى الأن لا يفهم ماهية الماء.

وخلال مسيرة البشرية فى تقدمها العلمى أكتشفت الكهرباء والجاذبية والمغناطيس ، واستخدم الانسان كل هذا القوى الطبيعية ولكنه لم يصل إلى حقيقة وكنه وماهية الكهرباء والمغناطيس والجاذبية، بل حتى لا يستطيع رؤية أحداها . أى أنهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ...

4 ـ أكثر من ذلك .

أقرب شىء إلى الأنسان نفسه التى تسيطر على جسده وتسيره ... أين هى فى الجسد ؟ وما هى ؟ ومن أين أتت وإلى أين تمضى عند النوم ، وكيف تعود؟

بل الحياة ذاتها ـ فينا وحولنا ـ تستعصى على التحليل؛ فلا يستطيع أحد تحليل الخلية الحية إلا بعد موتها ، أما ( الحياة )ذلك الجزء الغامض فيها الذى به تتحرك وتتكاثر وتتغذى لا يمكن رؤيته . ينطبق ذلك على أدنى درجات الحياة ، وهى تفاعل المركبات الكيماوية فى الجمادات إلى الحياة المتوسطة فى الفيروسات التى تكون بلورات ثم تتحول بالماء إلى حياة ، إلى البكتيريا والجراثيم والفطريات إلى الحشرات وبقية المخلوقات ؛كل هذه الحيوات التى تحيط بنا وتتخللنا لا نعرفها ، وإن كنا نتعامل معها ونستخدمها ونحاربها وتحاربنا ...

الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بها "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ : الملك 14 " .

فإذا ذكر الخالق جل وعلا بعض الحقائق عما خلق فإن أكثر الذين لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا يسارعون بالإستهزاء والسخرية ...

والناس دائما أعداء ما جهلوا ..

5 ـ وهنا ندخل على سمة أخرى من سماتهم وهى الغرور المقترن بالإستهزاء.

الأمم السابقة كان لهم أيضا علم وحضارات ـ ولا تزل لها آثار باقية ، وقد أصيبت بغرور العلم وقال تعالى عنهم "فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون :غافر 83". هو نفس ما نشهده الأن من كتابات بعض السطحيين الذين ينظرون للقرآن الكريم بنصف عين ، وبعضهم يصل به الغرور إلى درجة الإستهزاء المشار إليه فى الأية الكريمة السابقة ، فيتساءل ساخرا عن كلام الهدهد لسليمان وكلام سليمان مع النمل وعن يأجوج ومأجوج وعرش ملكة سبأ..وكل هذا سنتعرض له فى حلقات قادمة بعونه جل وعلا..

ولكن هذا يدخل بنا على قضية مفصلية فى الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ، وهى التدرج العلمى فى المستوى العلمى للبشر خلال مسيرتهم التاريخية على هذا الكوكب .

وهو موضوعنا القادم .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحلقة الثالثة:

منكرو الأعجاز العلمى للقرآن وقضية التدرج العلمي

 

 

 أولا

المجال الظاهرى للعلم

1 ـــ قلنا فى الحلقة السابقة أن منكرى الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم ينطبق عليهم قوله تعالى "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ : الروم 7" ، وقوله تعالى "فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُون : غافر 83 " .أى أنهم بما لديهم من علم سطحى أصابهم الغرور فنظروا بإستخفاف وإستهزاء إلى قضية الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم.

2 ـ واقترب من موقفهم هذا بعض المؤمنين الذين أزعجهم الاحتراف السلفى فى قضية الاعجاز العلمى فى القرآن ( والسنة )،وبعضهم يقلق أن ينجلى الأمر عن إكتشاف أخطاء فى القرآن الكريم حين عرضة على حقائق العلم ، ونسوا أنه إذا حدث خطأ فهو من الباحث نفسه وليس من القرآن الكريم، ولقد تحمل القرآن الكريم أوزار أئمة ما يعرف بالتفسير وخرافاتهم وأكاذيبهم ، والأنصاف يقتضى تبرئة القرآن من أخطاء " المفسرين " وتبرئته أيضا من أخطاء من يتعرض للتدبر فى القرآن الكريم وتحليل قضايانا العلمية والشرعية والخلافية فى رؤية قرآنية. وكل منا يخطىء ، وما أكتبه بالطبع يحتمل الخطأ قبل الصواب ، وإن أخطأت فهى مسئوليتى ولا شأن للقرآن العظيم بخطئى وخطاياى.

 

3 ـــ وقلنا فيما سبق أن الأنسان يستخدم الماء والكهرباء والقوى المغناطيسية والجاذبية دون أن يفهم ماهيتها ، ونضيف إى ذلك الإنترنت وما سيأتى من مخترعات فى وسائل الإتصالات والمواصلات ، وقلنا أن الأنسان حتى لا يدرى ماهية النفس- أى ذاته وأقرب الأشياء إليه ولا يدرى حقيقة الحياة من أبسط درجاتها " التفاعل الكيماوى فى الجمادات " إلى أعقدها فى الثدييات والأنسان .

ونضيف هنا أن الله تعالى قد حدد للأنسان المجال الخاص به للسمع والرؤية فلا يستطيع أن يرى أقرب الأشياء إليه ، كما لا يستطيع أن يرى كل ما يحيط من أشعة منظورة وغير منظورة وموجات معروفة وغير معروفة والله تعالى يقول "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ :الحاقة 39:38 " أى ما تستطيعون رؤيته فى المجال البصرى المتاح لكم ، وما لا تستطيعون رؤيته فى المجال البصرى المتاح وخارج نطاقة. أى يقسم الله تعالى بكل المخلوقات و يقسمها الى نوعين بالنسبة للرؤية البشرية ، ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته حتى لو كان فى مجال القدرة البصرية.

ويحاول الانسان بعقله وبمنهجية علمية تجريبية ـ سبق أن دعا اليها القرآن الكريم ـ أن يستفيد مما سخره الله تعالى له بالاختراع كى يعوض النقص فى حواسه ،وليصل برؤيته وسمعه الى أدق وأقصى ما يستطيع الوصول اليه ، من خلال الميكروسكوب و المناظير الفضائية. ومع ذلك يظل هناك ما يستحيل عليه رؤيته ، وقد تكون أقرب المخلوقات اليه كالملائكة التى تسجل عمله ، والقرين الذى يزين له سوء عمله.

ولا يستطيع الانسان أن يسمع كل الأصوات بدءا من احتكاك الذرات والتفاعل الكيماوى بين العناصروالمواد الى زحزحة القارات وانفجارات النجوم وتحولها الى ثقوب سوداء تبتلع وتلتهم داخلها فى جوفها الأسود بلايين النجوم و الكواكب.

وبعض الحشرات و الحيوانات يتسع مجالها البصرى والسمعى ويتفوق على الانسان ، ومن هنا تتعرف على مقدمات الزلازل وتحس به قبل الانسان ، وبدأ الانسان يستفيد من تفوقها عليه ويتعلم منها.

كل هذا اكتشفه الانسان حديثا ، وأدرك أن هناك عوالم هائله غير مرئية تؤثر فى حياته و تغلف جسده ، ويمكن أن يتجنب شرها و يستفيد منها. وبهذا دخل الانسان فى طفرة التكنولوجيا ، وتلك كانت مرحلة هامة بعد المرحلة الأولى من اتباعه المنهج التجريبى ـ فى القرن التاسع عشرـ التى تطرف فيها العلماء فى انكار كل ما لا يمكن لهم أن تصل اليه ايديهم وحواسهم واخضاعه ماديا للتجربة الطبيعية.

ومع التقدم العلمى الحالى فان نتائجه وتوقعاته المستقبلية قلصت الفوارق بين الحقيقة والخيال، وبعد الانترنت والتليفون المتنقل بالصوتوالصورة والانترنت لم يبق للانسان إلا ان ينتقل بجسده متجاوزا الجاذبية الأرضية وسرعة الضوء، أو أن يتحقق بالعلم ذلك الموروث الشعبى الخيالى ( طاقية الاخفاء ) التى يلبسها الانسان فلا يراه احد.

قد يبدو هذا مضحكا ولكن يتخذه العلماء بجدية ساعين الى تحقيقه ، ولو تحقق فلن يكون مجالا للسخرية.

لو قيل لأجدادنا منذ قرنين من الزمان أنه يمكن نقل الصوت والصورة كما يحدث الان فى الانترنت والفاكس والتليفون والقنوات الفضائية لأتهموا القائل بالجنون وأصبح مثار السخرية.. ولكن أصبح هذا الان شيئا عاديا .. ونتطلع للمزيد.

إذن فلماذا يسخر بعضهم من حديث القرآن الكريم عن حقائق علمية لم نكتشفها بعد ؟

ومنها مثلا المعجزة التى حدثت أمام سليمان عليه السلام ، حين قام الذى عنده علم من الكتاب بنقل عرش ملكة سبأ من اليمن الى فلسطين فى أقل من طرفة عين ، أى بأسرع من الضوء ؟

ثانيا

التدرج العلمى فى تاريخ البشرية

1 ـ ومنهج القرآن الكريم فى إيراد الحقائق العلمية سنتعرض له بالتفصيل فى حلقة قادمة ولكن نضطر للتوقف مع أحدى خصائصها وهى قضية التدرج العلمى فى السياق القرآنى نظرا لأنه أساس فى الأعجاز العلمى فى القرآن الكريم.

التدرج العلمى فى التاريخ البشرى ليس خطا مستمرا يجمع البشرية فى صف واحد يتقدم باضطراد فى مضمار العلم والحضارة ، ولكن هذا التدرج عانى فى التاريخ القديم من انعزال المجموعات البشرية وتقطع الاتصال بينها ، فتقدمت حضارات وسادت ثم بادت بينما ظلت مجموعات اخرة رهينة التخلف ، ثم تقدمت أو تمسكت بتخلفها، الى ان دخل العالم كله فى الاتصال والتعرف على بعضه البعض فأخذ التدرج الحضارى ـ حاليا ـ ينحو بالبشرية الى الامام ، بعد ما كان يعتريه فى الماضى البعيد من انحسار و انكسار .

2 ـ هناك حضارات سابقة بائدة تحدث عنها القرآن الكريم منها الحضارة الفرعونية التى لا تزال آثارها تتحدى الزمن. ، وأدى إهلاك هذه الحضارات الى عدم استفادة اللاحقين بمنجزاتهم العلمية والتكنولوجية . بعض تلك الحضارات نشأ وتطور فى شبه الجزيرة العربية مثل قوم عاد وقوم ثمود ، ولا تزال آثارهم تحت رمال الصحراء ، يستطيع التقدم العلمى المعاصر ان يكشف عنها ، يقول تعالى عن جبروت قوم عاد (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) (فصلت 15 ) ولقد كان النبى هود عليه السلام يقول لقومه عاد (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) ( الشعراء 128 ـ ) وهذه الايات وما بعدها تشير الى تقدم هائل فى العمران و الزراعة و الصناعة والقوة الحربية ، ويقاربه ما قاله النبى صالح عليه السلام لقومه ثمود (أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ) ( الشعراء 146) ويقول تعالى عن قوم عاد وثمود غيرهم من الأمم البائدة(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ) ( الفجر 6 ـ )

وبعد قرون طويلة من اهلاكهم ظلت آثارهم ظاهرة مرئية ـ حتى عصر نزول القرآن فى القرن السابع الميلادى ـ تدل على ما كانوا عليه من تقدم ، ولذلك كان الله تعالى يدعو قريشا الى السير فى الأرض لرؤية تلك الآثار للاتعاظ بما حاق باهلها الذين كانوا أكثر قوة و حضارة من قريش برغم أنهم عاشوا قبل قريش بقرون كثيرة ، يقول تعالى (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ ) (غافر 21) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(الروم 9)

وفى ضوء الانعزال البشرى وانقطاع التواصل بين الأمم فى التاريخ البشرى القديم فلم يوجد اتصال حضارى مستمر ومستقر يسمح للبشرية بانتاج حضارة عالمية تأخذ فى التطور كما يحدث الان ، بل لم يعرف البشر أبعاد الكرة الأرضية ووجود العالم الجديد فى استراليا و الامريكيتين إلا بحركة الكشوف الجغرافية و ما نتج عنها من استعمار و اكتشاف البخار والدخول فى عصر المخترعات التى اسهمت فى تدعيم وسائل الاتصال بين البشر، الى أن وصلنا الى القرية الكونية الواحدة.

3 ـ إن نزول القرآن ـ كمعجزة أو آية للبشر جميعا ـ هو الذى أعلن بداية تلك المرحلة العالمية كآخر مرحلة فى الوجود البشرى على هذا الكوكب قبل قيام الساعة ، ليس فقط فى انه رسالة الله جل وعلا الأخيرة للعالم كله يخاطب فيها الانسان من عصر محمد عليه السلام الى قيام الساعة ، ولكن أيضا لأن القرآن الكريم يحوى إعجازا علميا يلاحق كل عصر الى قيام الساعة.

وبالتالى يظل فى القرآن بعض الإعجاز العلمي الذى لم يصل اليه عصرنا لأنه موجه للمستقبل ،فلا يصح أن يتندر الغافلون السطحيون عن إشارات علمية لم يأت أوان الكشف عنها بعد لأن تدرج البشر المعرفى و الحضارى فى عصرنا لم يصل الى تلك المرحلة.

4 ـ ولأن القرآن الكريم هو كلمة الله جل وعلا النهائية للبشر الى قيام الساعة فقد أورد قصص السابقين ـ وهو غيب ماض لم نكن لنعلمه لولا أنه جاء فى القرآن الكريم ـ وقص أيضا بعض أحوال المستقبل ، ومنه ما سيحدث من علامات للساعة و قبيل قيامها و مظاهر حدوثها عندما ينفجر العالم و يتم تدميره لتأتى سموات أخرى وأرض أخرى.

ومن حديث القرآن الكريم عن ملمح من ملامح البشرية قبيل قيام الساعة نعرف الآن أن تقدم البشرية سيتطور علميا الى درجة يظنون فيها أنهم متحكمون فى الأرض ممسكون بزمامها ، او بتعبير رب العزة ( قادرون عليها ) ، يقول تعالى عن إحدى علامات الساعة (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( يونس 24).

ولم نصل لهذه المرحلة بعد فلازلنا نغرق فى تسونامى ولا زلنا نصرخ من ثقب الأوزون ولا زلنا عاجزين عن عقد الصلح بين التقدم العلمى و سلامةالبيئة وتوازنها .

إن مرحلة " ان نظن أننا" ( قادرون عليها ) تستلزم الشعور بالثقة فى السيطرة على جموح الطبيعة من الزلازل و البراكين والأعاصير والأوبئة والمجاعات والاستبداد و الفساد، ولن يتحقق هذا إلا قبيل قيام الساعة ، حين ( يظن ) الانسان أنه قادر على التنبؤ بالزلازل فيفاجأ بالزلزال الأكبر الذى يدمر الأرض و العالم (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) ( الزلزلة 1: 4 ).

وحتى الوصول الى هذه المرحلة يستلزم وفقا للآية الكريمة أن يكون وصولا بالبشر جميعا ـ وعلى قدم المساواة ـ الى هذه الدرجة من التقدم العلمى ـ اى بدون فوارق حضارية ومعرفية بين سكان غابات أفريقيا والقاطنين فى غابات كندا ، أو بتعبير القرآن الكريم (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ)، أى أهل الأرض جميعا. أى عندها سيتقدم العرب الى مستوى الشعوب الغربية..

أى أنه حين يتقدم العربان ستقوم الساعة..!! يا للهول..!!

5 ـ إذن كان هناك انقطاع فى التطور المعرفى و الحضارى للبشر فى العصور البائدة ، ثم دخلت البشرية فى مجتمع بشرى واحد يتبنى حركة علمية حضارية واحدة أخذت فى التقدم تدريجيا ، وهى فى حركتها الموحدة فى التقدم تكتشف وتخترع المزيد الى ان تأتى الساعة والأرض قد أخذت زخرفها وازينت وظنت البشرية أنها قادرة على التحكم فى الأرض بما فيها من رياح و محيطات و جليد وصحارى و غلاف جوى ..

وطالما لم يصل عصرنا ـ بعد ـ الى تلك المرحلة فستظل هناك إعجازات فى ضمير الغيب ـ و سيظل ما جاء عنها من حقائق أو إشارات علمية فى القرآن موجها الى أحفادنا فى المستقبل ، ومن الخطأ أن ننظر الى تلك الآيات القرآنية باستهزاء لمجرد اننا لا نعرف ولا نعلم.

6 ـ إن الله جل وعلا يقول عن ذاته (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ) ( البقرة 255) أى إنه جل وعلا يعلم كل ما يحيط بنا ، وكل ما سبقنا وكل ما سيأتى بعدنا فى نفس الوقت الذى لا نعلم شيئا من علمه إلا بالقدر الذى يريده رب العزة ، وطبقا لمشيئته. وعليه فإن الله تعالى يعلم تدرج البشر فى المعرفة ـ وما يتعرض له هذا التدرج من توقف أو نكسات وتأخر و تخلف ـ وفى نفس الوقت فإنه جل وعلا قد حدد المتاح و المقدر للبشر علمه خلال هذا التدرج . وجاء القرآن الكريم باشارات علمية تؤكد هذا التدرج فى ماضى البشر وفى مستقبلهم لأن الذى أنزل الكتاب يعلم الماضى و الحاضر و المستقبل ، وهو الشاهد على من سبق ومن سيأتى ، وهو جل وعلا على كل شىء شهيد.

فإذا أنزل الله جل وعلا إشارات علمية أو حقائق علمية فى كتابه فهى مكرمة الاهية لنا تحفزنا الى العمل ، أولا من أجل تدبرها ، وثانيا لكى نستفيد منها علميا وتكنولوجيا ، فنصبح لائقين لأن نحيط بشىء من علم الله تعالى الذى أنزل بعضه فى القرآن وصاغ على أساسه هذا الكون.

ثالثا

الغيب والتدرج العلمى للبشر

1 ـ نعود إلى قوله تعالى فى تقسيم المخلوقات إلى قسمين : ما نبصره وما لا نبصره "فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ : الحاقة 38- " وهو أقرب للتقسيم القرآنى القائل بعالم الغيب وعالم الشهادة، والله تعالى وحده هو عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ( الرعد :9) .أما بالنسة لنا فالقضية أكثر تعقيدا، فهناك ما لا نبصره ويكون غيبا لكننا نستخدمه لأنه مسخر لنا مثل الكهرباء والمغناطيسية والموجات المختلفة.

2 ـ وهذا يدخل بنا على تحديد ماهية الغيب، وطبقا للقرآن الكريم فهناك نوعان من الغيب :الغيب الجزئى والغيب الكلى .

الغيب الكلى نوعان:

*نوع يستحيل رؤيته مطلقا وهو ما يتعلق بالله عز وجل الذى يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار " لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ : الأنعام 103" *ونوع تستحيل رؤيته فى هذا العالم الدنيوى فقط مثل الجن والملائكة والشياطين " إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ: الأعراف 27 " لا نستطيع رؤيتهم فى الدنيا ولكن نرى الملائكة عند الموت وفى اليوم الأخر "إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ : ق 18:17 ، وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ : 22:21" ، "(أيضا : الزخرف 38:36 و الأنعام 128) .

الغيب الأخر الجزئى هو المتاح رؤيته فى هذا العالم . فأنت مثلا فى القاهرة وأخوك فى روسيا . ما يفعله أخوك غيب بالنسبة لك ، وما تفعله فى القاهرة غيب بالنسبة له . هذا الغيب الجزئى يتقلص مع التقدم العلمى البشرى فى وسائل الإتصالات والمواصلات . فى القرون الوسطى كان ما يحدث فى مكة يعرف فى طنجة فى خلال عدة أشهر يظل خلالها معرفة ذلك الحدث فى إطار الغيب الجزئى المتاح . الآن تلاشى الزمن وأصبح الخبر ينقل بالصوت والصورة فى نفس الدقيقة . ونتحدث هنا عن نقل الخبر عن الحدث وليس الحدث نفسه . لأن نقل الحدث ذاته ماديا وعضويا يستلزم تحييد الجاذبية الأرضية وتلك مرحلة متاحة ولكن لم نصل إليها بعد ، وإن كان القرآن الكريم قد أشار إليها فى قصة عرش سبأ وسليمان .

هذا الغيب الجزئى هومسرح التدرج العلمى للبشر،ولقد تقلص هذاالغيب الجزئى بالإكتشافات العلمية وتطبيقاتها التكنولوجية من إستعمال الدواب إلى السفن الشراعية إلى قوة البخار إلى الكهرباء والموجات فوق الصوتيه وإستخدام الطاقة الشمسية .

(عالم الغيب والشهادة) جل وعلا هو وحده الذى يعلم الماضى والحاضر والمستقبل ، ويعلم مقدما مسيرة الحضارة البشرية . ومدى ما يحققه كل جيل من تقدم أو تأخر . وقد أخبر أن نهاية هذا العالم ستأتى يوم تصل الحضارة البشريه إلى نهاية زخرفها وتقدمها ، ( يونس 24).

ونحن الأن نسير لهذا المصير حيث بدأ الاحساس بالقرية الكونية الواحدة والمجتمع العالمى والحلم فى حكومة عالمية موحدة وتدعم الاهتمام الجماعى بكوكب الأرض ، وعقد مؤتمرات قمة لبحث سلامة الكرة الأرضية. وبدأت الأرض تتزين وتتزخرف، وزحف التقدم على جزء كبير من المعمورة ، وأصبح الأنسان يحلم بالوصول الى مرحلة يظن فيها أنه قادر ومتحكم فى هذا الكوكب..

لم نصل لنهاية المطاف ، ومعناه أن هناك من عناصر التقدم والقوة والمكتشفات العلمية ما لم نصل إليه، وان كنا نحاول ذلك بدليل البحث عن موارد طاقة متجددة من الشمس والماء تكون اكثر سهولة وأكثر صداقة للبيئة .. وأحلام أخرى كثيرة ستمكننا من الوصول الى مرحلة (وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ)، والذى أخبر عن نهاية المطاف فى الأية الكريمة السابقة هو جل وعلا الذى أشار فى القرآن إلى حقائق علمية لم نكتشفها ولا تزال مدخرة لتكون إعجازا للأجيال التالية ، بالضبط كما اصبحت آيات القرآن الكريم عن خلق العالم وغيرها إعجازا لعصرنا بعد أن عرفناها.

رابعا

التدرج العلمى و معجزات الأنبياء

 

1 ـ بعض الأعجاز العلمى أورده القرآن الكريم فى سياق قصص الأنبياء فى الإعجاز الخاص بهم . ومصطلح الإعجاز بمفهومه المستعمل الأن ليس من مصطلحات القرآن فالمصطلح القرآنى هو كلمة " آية " .

والآيات التى وردت فى قصص الأنبياء تنقسم إلى نوعين :نوع للتحدى مثل القرآن الكريم والآيات المعطاة لموسى ، ونوع للإكرام أو الإنقاذ مثل إنقاذ إبراهيم من النار ، والإسراء بمحمد من المسجد الحرام للمسجد الأقصى ، ومثل الآيات التى أعطاها الله تعالى لداود وسليمان – عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام .

2 ـ بعض هذا الإعجاز أو الأيات الواردة فى قصص الأنبياء يدخل ضمن الغيب الممكن ، أو الحدث الممكن ، أو الشىء الممكن عمله لولا أنه جاء سابقا لزمانه ووقته .

وعلى سبيل المثال لو افترضنا أنك سافرت خلال الزمن إلى الماضى ورجعت إلى عصر النبى إبراهيم عليه السلام ومعك جهاز كومبيوتر أوالتلفاز أو نزلت إليهم من طائرة أو حتى دراجه ... لأصبحت ذلك آية لك ، مع أن تلك الآيات هى منجزات بشرية إلا أنها سبقت عصرها .

نفس الحال مع – بعض – الآيات والمعجزات التى جاءت فى قصص بعض الأنبياء .

فالأسراء أو السفر ليلا أو خلال ليلة واحدة كان آية فى عصر النبى محمد عليه السلام ، لكنه ليس آية فى عصرنا . حيث أن بمقدورنا أن نسير نفس المسافة ونعود فى نفس الليلة .

فى عصرنا الحالى ليس مستبعدا أن يوضع أنسان فى نار تتأجج دون أن تمسه النار ، وأن يخرج منها سليما معافى كما خرج إبراهيم علي السلام "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ : الأنبياء 69".

فى عصرنا الحالى أصبح من الممكن جدا شفاء الأبرص الذى كان شفاؤه معجزة لعيسى عليه السلام "وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ : آل عمران 49 " .

شفاء الأكمه – أى المولود أعمى- قد لا يكون مستحيلا فى عصرنا ، ولكن أن يخبرهم عيسى بما يأكلونه وما يدخرونه فى بيوتهم فهذا يدخل ضمن الغيب الجزئى وهو ممكن فى عصرنا بإستخدام أجهزة التصنت . واسألوا أجهزة أمن الدولة فى كل دول العالم .

3 ـ المستحيل فى عصرنا وفى كل عصر هو خلق الطير من الطين وإحياء الموتى، فتلك المعجزة أو الآية أعطاها الله تعالى للمسيح عليه السلام لا يمكن لأى تقدم علمى أن يأتى بها أو حتى الإقتراب منها ، مثلها فى ذلك مثل آية موسى فى تحويل الحبال والعصى إلى ثعابين حقيقية وليست سحرية .

4 ـ لنترك جانبا ما يستحيل على البشر تحقيقة فى إنجازاتهم العلمية ومسيرتهم على هذا الكوكب ونتوقف مع ما يمكنهم تحقيقه منها ..

وطبقا للنسق القرآنى فيما يخص معجزات أو آيات الأنبياء نجد تلك الممكنات نوعين: منها ما أنجزه البشر فعلا فى تقدمهم العلمى مثل الأسراء وشفاء الأبرص وتحييد النار، ومنها ما لم ينجزه البشر بعد وهو متروك لهم لتحقيقه فى المستقبل.

ومن النوع الأخير بعض آيات ومعجزات داوود وسليمان .

وننتظركم فى الحلقة القادمة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الحلقة الرابعة:

الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

 

الإعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام

 

طبيعة الرسالة

 

أقام النبى داود دولة بنى إسرائيل وحكمها بعده أبنه سليمان ، وكلاهما من أنبياء الله تعالى ، وقد كان إبتلاؤهما بالنعمة وليس بالشدائد . وقد تركزت عقيدة " لا إله إلا الله " فى بنى إسرائيل فى هذا العهد بتوالى الرسل والكتب السماوية من هارون وموسى عليهما السلام إلى إقامة دولة بنى إسرائيل ، ولذلك فإن الكتاب السماوى الذى نزل على داود عليه السلام لم يركز على الدعوة إلى " لا إلى إلا الله " بقدر تركيزه على النواحى العلمية التى تجلت فى الأعجازات التى أعطاها الله تعالى لداود وورثها أبنه سليمان عليهما السلام ضمن الكتاب السماوى " الزبور" الذى ورثه سليمان عن أبيه.

 

الزبور

يقول تعالى "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : النساء 163" ، أى هنا تميز فى مجال الوحى والكتاب المنزل ، يتجلى فى أن الله تعالى ذكر داود وحده فى نهاية الآية، حيث ذكر أنه أوتى الزبور . وتكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا : الإسراء 55" . أى أن الله تعالى قد ميز وفضًل داود عليه السلام بإعطائه الزبور.

 

مصطلح الزبور فى القرآن الكريم

 

وكلمة الزبور فى اللغة العربية يعنى الكتاب ، وفى الجمع يقال " الزبر " أى الكتب .

وفى مصطلحات القرآن يطلق الزبور على :

1 ـــ وصف للكتب السماوية على العموم "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ : آل عمران 184 " ، " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ : النحل44:43 " . أى أرسلناهم بالكتب البينات والزبر اى الكتب .

ويقول تعالى عن القرآن الكريم : "وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ : الشعراء 196 " "أى أن ما جاء فى القرآن الكريم جاء سابقا فى الكتب السماوية السابقة ، كما قال تعالى " مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ": فصلت 43"

2 ـ الكتب المزيفة فى الدين والتى تقوم على أساسها الأديان الأرضية ، وبها يختلف أتباع الدين الإلهى الواحد إلى فرق وأحزاب، ولكل حزب كتاب مقدس أو عدة كتب مقدسة ، يقول الله تعالى عن الرسل السابقين والأمم السابقة فى وحدة الكتاب ووحدة الدين " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ : المؤمنون 52:51" هنا كلام عام عن الأصل النقى لكل الرسالات السماوية ، ولكن يحدث دائما أن يختلف الأتباع وينحرفون عن المنهاج القويم ويفترقون إلى جماعات وأحزاب . لكل منهم كتاب مقدس ، لذا يقول تعالى فى الآية التالية:" فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ : المؤمنون 53 ". وهنا تكرار موجز لتاريخ كل الرسالات السماية فى مرحلة الدين الحق ، ومرحلة التفرق و تكوين الأديان الأرضية لكل دين أرضى كتابه المقدس أو كتبه المقدسة أو الزبزر أو الزبر الخاصة به . وقد تكرر نفس المعنى فى قوله تعالى " إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ : الأنبياء 93:92".

وهذا بالضبط ما حدث للمسلمين حين أقاموا لهم أديانا أرضية ولكل منها كتاب مقدس . ليس أولها " البخارى " وليس آخرها " كشف الشبهات ".

3 ـــ ويأتى بمعنى كتاب الأعمال التى تسجلها الملائكة تسجيلا جماعيا لكل قوم وتسجيلا فرديا لكل شخص " وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ : القمر 52".

4 ـــ ووردت أشارة إلى الزبور فى قصة يأجوج ومأجوج وذى القرنين الذى حصرهم داخل جوف الأرض مستعملا ما أعطاه الله جل وعلا من إمكانات علمية وتقنية متقدمة لم نصل اليها فى عصرنا، كان منها " زبر الحديد " أى كتاب الحديد ، يقول تعالى " آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا : الكهف 96". وسنتوقف مع موضوع يأجوج ومأجوج ضمن الإعجاز العلمى المدخر للمستقبل فى القرآن الكريم .

5 ـ وأيضا يطلق الزبور على الكتاب العلمى الذى أعطى لداود وسليمان ، وهو كتاب لم يخل من آيات التوحيد والإخبار عن المستقبل ، وقد أورد القرآن الكريم بعض آياته فقال تعالى " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ : الأنبياء 106:105 "

الزبور ومعجزات داود وسليمان :

 

تحدث رب العزة عن آيات ومعجزات داود وسليمان فى أربعة مواضع :-

1 ـ يقول تعالى " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ : الأنبياء 82:79 "

2 ـ ويقول تعالى " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ـ " : النمل 15 ـ"

3 ـ ويقول أيضا جل وعلا " وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ :سبأ 13:10 "

4 ـ وأخيرا يقول تعالى " اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ : ص 20:17"

أى أن داود قد أعطاه الله تعالى معجزات إدراك تسبيح الطير والجبال وصناعة الحديد . أما أبنه سليمان فقد أعطاه الله تعالى تسخير الريح وتسخير الشياطين والجن ومعرفة منطق الطير أو لغة الطيور وإسالة أو إذابة عين القطر (النحاس ).

وواضح أن هناك من تلك المعجزات ما يقع خارج إمكانات البشر مثل تسخير الشياطين والجن ومعرفة تسبيح الطير والجبال،وإن منها ما يقع فى إمكانات البشر مثل صناعة الحديد وإذابة النحاس ، والزبور أو ذلك الكتاب العلمى الإلهى هو الذى مكن داود من ذلك التسخير وتلك المعرفة .

وعندما ورث أبنه سليمان ذلك الكتاب توسع فى الأستفادة به ، بل كان هناك من المحيطين به من يستطيع إستعمال نفس الكتاب " الزبور" وقد استطاع به أن يحضر عرش ملكة سبأ فى أقل من لمح البصر ، أى كانت له قدرة الإفلات من قبضة الجاذبية الأرضية وإستحضار الأشياء بأسرع من سرعة الضوء. وتلك مرحلة يتمنى البشرالوصول إليها فى المستقبل القريب.

نقل عرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين :

يقول الله تعال فى قصة سليمان وملكة سبأ " قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ : النمل 40:38".

أى أن الذى عنده علم من الكتاب " أى المتخصص فى الزبور"أستطاع أن ينقل عرش الملكة قبل أن يرتد طرف سليمان إليه ، أى بأسرع من الضوء، وتلك كانت ولا تزال معجزة حتى عصرنا ، وإن كانت تقع فى إطار الممكن علميا وتكنولوجيا حين يصل البشر إلى معرفة كيفية تحييد الجاذبية الأرضية .

لست متخصصا فى العلوم الطبيعية ، وعملى هنا هو فى تحليل النصوص القرآنية التى تحوى إعجازا علميا تاركا المجال للمتخصصين فى العلوم الطبيعية ليبحثوا محتواها العلمى ،وقد أذكر بعض المعلومات العلمية ، وهى تحتاج من المتخصصين للتصحيح و الشرح ، فهم الذين يستطيعون ـ فيما يخص موضوعنا الآن ـ توضيح تحكم الجاذبية وقوة الطرد المركزية فى دوران الأرض فى مدارها الثابت حول الشمس وحول نفسها، وفى إمكانية إنتقال الإنسان والدواب فوق سطح الأرض وفق سرعات تتفاوت ولكن لا يمكن أن تصل الى سرعة الضوء ، لأنها الحد الأقصى للسرعات المكتشفة حتى الان ـ ولا يمكن أن تصل اليها المادة إلا إذا تحولت الى طاقة ضوء.

هذا مبلغ علمى ، وبقدر ما أعلم فانه إذا تم تحييد الجاذبية الأرضية ، أوالخروج عن سيطرتها أمكن للمواد والأنسان أن ينتقل من مكان لأخر بأسرع من سرعة الضوء.

وهذا ما حققه "الذى عنده علم من الكتاب ".

الزبور و السلطان

المعنى المفهوم أن هذا الكتاب " الزبور " هو ( السلطان) الذى به يمكن الإفلات من قبضة الزمن والجاذبية ، أى بهذا السلطان يستطيع الانسان ـ والجن ـ الخروج من أقطار السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى "يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ : الرحمن 33" . وبدون هذا السلطان يتعرض البشر للإحتراق والمحو فى طبقات الفضاء ، يقول تعالى ِ :" يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ "."الرحمن 35".

لو كان هذا مستحيلا على البشر لما جاء رب العزة بالإستثناء ( إلا بسلطان ) أى أنه فى نطاق الممكن وفى إطار مشيئة الرحمن يمكن للبشر الوصول الى الاحاطة ببعض علم الله تعالى فى هذا الكون ، يقول تعالى " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ": البقرة 255 ".

وربما يستطيع البشر تحقيق ذلك قبيل قيام الساعة حين تأخذ الأرض زخرفها وتتزين ويظن أهلها أنهم قادرون عليها " حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ : يونس 24 " .

وفى كل الأحوال فهو إعجاز علمى مدخر للمستقبل ، وهو إعجاز علمى يشجع البشر على الطموح إلى تحقيق هذا الممكن المشار إليه فى القرآن الكريم ...

 

وقدر فى السرد

 

إذا كان نقل عرش بلقيس بأسرع من الصوت يفوق أمكانياتنا الحالية ، فهو بالتالى كان آية فى عصر سليمان منذ أكثر من 25 قرنا من الزمان .

المعجزة الكبرى فى كتاب الزبور أنه لم يخبر فقط عن معلومات أو حقائق علمية سابقة لعصرها كما يحدث فى القرآن الكريم ، وإنما كان يتبعها تطبيق تلك الحقائق على أرض الواقع ؛ فالمكتوب فى " الزبور " عن تسخير الجاذبية والأفلات منها تم تطبيقه فى نقل عرش ملكة سبأ ،والمذكورعن الحديد وعن النحاس تم تطبيقة عمليا فى الصناعة، وهكذا فى تسخير الجن والشياطين والكلام مع الطيور والنمل .

ويقول تعالى عن أحدى التطبيقات التى تدخل فى إطار الممكن لنا "وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ : سبأ 12" ، والحديث هنا عن معجزة سليمان فى إذابة أو إسالة ليس النحاس ولكن " عين النحاس " أى التحكم فى خصائصة الذرية بالإذابة .

ويقول تعالى عن إستعمال داود عليه السلام لعنصر الحديد " وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ : سبأ 10 " ليس إذابة الحديد وتسييله ، ولكن إلانته وتطويعه بطريقة باردة يمكن بها تحويل الحديد إلى ثياب لدنة لينة مريحة يرتديها البشر ، يقول تعالى :" وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ":سبأ 10 :11"أى أن إعمل من الحديد دروعا حديدية تغطى الجسد كله يرتديها الإنسان فلا تعوق حركته ولا تبطئها، أى هو حديد لين كالقماش الخفيف .

وهذا كله فى إطار الممكن لنا وسنصل إليه فى المستقبل المحدد لنا سلفا ليكون تطبيقا لإشارة علمية جاءت فى القرآن الكريم .

وهذا التطبيق التكنولوجى للحقائق العلمية التى جاء بها الزبور كان سابقا لعصره وعصرنا.

وحتى نفهم طبيعة التدرج العلمى فى التاريخ فلنتدبر قوله تعالى لداود " وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ".

التقدير هو الحساب أو عمل خطة يتم على أساسها تطبيق حقيقة علمية . أنها أشبه لما نعرفه الأن بدراسة الجدوى التى لابد منها لأقامة مشروع ما . هذا التقدير يتعامل مع الواقع البشرى والواقع المادى بكل تعقيداته وظروفه لأنه يؤسس واقعا على الأرض بين الناس . هذا عن التقدير ..

فماذا عن السرد ؟

السرد هو التتابع الزمنى فى الأحداث سواء كانت فى قصة أو حادثة تاريخية أو حركة بشرية على الأرض . والمفهوم هنا أن الله تعالى أمر داود عليه السلام وهو يقوم بتطبيق الآيات السابقة لزمنها أن يراعى ويقدر الزمن الذى يعيش فيه الناس لأن ثقافة الناس وظروفهم لا تستوعب هذا التقدم التكنولوجى الهائل والذى من المقرر أن تصل إليه البشرية بعد عشرات من القرون . وحين تصل البشرية إلى هذه التكنولوجيا ستمارسها وتعتاد عليها لأنها – أى البشرية – أصبحت مؤهلة لهذا التقدم العلمى وآثاره الجانبية .

وهكذا كان على داود ـ وهو يصنع الدروع الحديدية ثيابا لينة طرية للناس ـ أن يعلمهم كيفية الإستعمال حتى يرتفع بهم إلى مستوى التكنولوجية التى جىء بها قبل الأوان .

وهو درس – لو تعلمون – عظيم . لأننا نحن العرب والمسلمين لسنا ـ مع الأسف ـ مؤهلين للتكنولوجيا واستعمالها الآمن بدليل أن نعمة الأنترنت أظهرت فينا أمراضا تتمثل فى صعاليك الأنترنت الذين يكتبون ولا يقرأون وعلى العلماء يتطاولون .

 

أضحك مع المفسراتية

 

ولمداعبة صعاليك الأنترنت وعبيد التراث ولكى نتعرف على الفارق بين علم القرآن وجهل المفسراتية ننقل (بعض) إجتهادات القرطبى فى قصص داود وسليمان .

يقول فى معنى قوله تعالى (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ‏ ) :

قال مقاتل في الآية‏:‏ كان سليمان جالسا ذات يوم إذ مر به طائر يطوف، فقال لجلسائه‏:‏ أتدرون ما يقول هذا الطائر‏؟‏ إنها قالت لي‏:‏ السلام عليك أيها الملك المسلط والنبي لبني إسرائيل‏!‏ أعطاك الله الكرامة، وأظهرك على عدوك، إني منطلق إلى أفراخي ثم أمر بك الثانية؛ وإنه سيرجع إلينا الثانية ثم رجع؛ فقال إنه يقول‏:‏ السلام عليك أيها الملك المسلط، إن شئت أن تأذن لي كيما أكتسب على أفراخي حتى يشبوا ثم آتيك فافعل بي ما شئت‏.‏ فأخبرهم سليمان بما قال؛ وأذن له فانطلق‏.‏ وقال فرقد السبخي‏:‏ مر سليمان على بلبل فوق شجرة يحرك رأسه ويميل ذنبه، فقال لأصحابه‏:‏ أتدرون ما يقول هذا البلبل‏؟‏ قالوا لا يا نبي الله‏.‏ قال إنه يقول‏:‏ أكلت نصف ثمرة فعلى الدنيا العفاء‏.‏ ومر بهدهد فوق شجرة وقد نصب له صبي فخا فقال له سليمان‏:‏ احذر يا هدهد‏!‏ فقال‏:‏ يا نبي الله‏!‏ هذا صبي لا عقل له فأنا أسخر به‏.‏ ثم رجع سليمان فوجده قد وقع في حبالة الصبي وهو في يده، فقال‏:‏ هدهد ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ ما رأيتها حتى وقعت فيها يا نبي الله‏.‏ قال‏:‏ ويحك‏!‏ فأنت ترى الماء تحت الأرض أما ترى الفخ‏!‏ قال‏:‏ يا نبي الله إذا نزل القضاء عمي البصر‏.‏ وقال كعب‏.‏ صاح ورشان عند سليمان بن داود فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ لدوا للموت وابنوا للخراب‏.‏ وصاحت فاختة، فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ ليت هذا الخلق لم يخلقوا وليتهم إذ خلقوا علموا لماذا خلقوا‏.‏ وصاح عنده طاوس، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ كما تدين تدان‏.‏ وصاح عنده هدهد فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فإنه يقول‏:‏ من لا يرحم لا يرحم‏.‏ وصاح صرد عنده، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏:‏ استغفروا الله يا مذنبين؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله‏.‏ وقيل‏:‏ إن الصرد هو الذي دل آدم على مكان البيت‏.‏ وهو أول من صام؛ ولذلك يقال للصرد الصوام؛ روي عن أبي هريرة‏.‏ وصاحت عنده طيطوى فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ كل حي ميت وكل جديد بال‏.‏ وصاحت خطافة عنده، فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ قدموا خيرا تجدوه؛ فمن ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها‏.‏ وقيل‏:‏ إن آدم خرج من الجنة فاشتكى إلى الله الوحشة، فآنسه الله تعالى بالخطاف وألزمها البيوت، فهي لا تفارق بني آدم أنسا لهم‏.‏ ..‏ وهدرت حمامة عند سليمان فقال‏:‏ أتدرون ما تقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنها تقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى عدد ما في سماواته وأرضه‏.‏ وصاح قمري عند سليمان، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال إنه يقول‏:‏ سبحان ربي العظيم المهيمن‏.‏ وقال كعب‏:‏ وحدثهم سليمان، فقال‏:‏ الغراب يقول‏:‏ اللهم العن العشار؛ والحدأة تقول ‏:( ‏كل شيء هالك إلا وجهه‏) ‏.‏ والقطاة تقول‏:‏ من سكت سلم‏.‏ والببغاء تقول‏:‏ ويل لمن الدنيا همه‏.‏ والضفدع يقول‏:‏ سبحان ربي القدوس‏.‏ والبازي يقول‏:‏ سبحان ربي وبحمده‏.‏ والسرطان يقول‏:‏ سبحان المذكور بكل لسان في كل مكان‏.‏

وقال مكحول‏:‏ صاح دراج عند سليمان، فقال‏:‏ أتدرون ما يقول‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ إنه يقول‏: (‏الرحمن على العرش استوى ) ، وقال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الديك إذا صاح قال اذكروا الله يا غافلين ) ‏‏.‏ وقال الحسن بن علي بن أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏النسر إذا صاح قال يا ابن آدم عش ما شئت فآخرك الموت وإذا صاح العقاب قال في البعد من الناس الراحة وإذا صاح القنبر قال إلهي العن مبغضي آل محمد وإذا صاح الخطاف قرأ ‏(‏الحمد لله رب العالمين‏) ‏ إلى آخرها فيقول‏ (‏ولا الضالين )‏ ويمد بها صوته كما يمد القارئ‏.‏

ويقول القرطبى فى معنى قوله تعالى :

‏{‏ حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين ‏}‏

قوله ‏{‏قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم‏}‏قال الشعبي‏:‏ كان للنملة جناحان فصارت من الطير، فلذلك علم منطقها ولولا ذلك لما علمه‏.‏..‏ قال كعب‏:‏ مر سليمان عليه السلام بوادي السدير من أودية الطائف، فأتى على وادي النمل، فقامت نملة تمشي وهي عرجاء تتكاوس مثل الذئب في العظم؛ فنادت‏: (‏يا أيها النمل‏}‏الآية‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال، وكانت تمشي وهي عرجاء تتكاوس؛ وقيل‏:‏ كان اسمها طاخية‏.‏ وقال السهيلي‏:‏ ذكروا اسم النملة المكلمة لسليمان عليه السلام، وقالوا اسمها حرميا..

وقال وهب‏:‏ أمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد بشيء إلا طرحته في سمع سليمان؛ بسبب أن الشياطين أرادت كيده‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن هذا الوادي كان ببلاد اليمن وأنها كانت نملة صغيرة مثل النمل المعتاد قاله الكلبي‏.‏ وقال نوف الشامي وشقيق بن سلمة‏:‏ كان نمل ذلك الوادي كهيئة الذئاب في العظم‏.‏ وقال بريدة الأسلمي‏:‏ كهيئة النعاج‏.‏ ‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وقوله ‏{‏لا يحطمنكم‏}‏يدل على صحة قول الكلبي؛ إذ لو كانت كهيئة الذئاب والنعاج لما حطمت بالوطء؛ والله أعلم‏.‏ وقال ‏{‏ادخلوا مساكنكم‏}‏فجاء على خطاب الآدميين لأن النمل ههنا أجري مجرى الآدميين حين نطق كما ينطق الآدميون‏.‏ قال أبو إسحاق الثعلبي‏:‏ ورأيت في بعض الكتب أن سليمان قال لها لم حذرت النمل‏؟‏ أخفت ظلمي ‏؟‏ أما علمت أني نبي عدل‏؟‏ فلم قلت‏}‏يحطمنكم سليمان وجنوده‏}‏فقالت النملة‏:‏ أما سمعت قولي‏}‏وهم لا يشعرون‏}‏مع أني لم أرد حطم النفوس، وإنما أردت حطم القلوب خشية أن يتمنين مثل ما أعطيت، أو يفتتن بالدنيا، ويشغلن بالنظر إلى ملكك عن التسبيح والذكر‏.‏ فقال لها سليمان‏:‏ عظيني‏.‏ فقالت النملة‏:‏ أما علمت لم سمي أبوك داود‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ لأنه داوى جراحة فؤاده؛ هل علمت لم سميت سليمان‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ لأنك سليم الناحية على ما أوتيته بسلامة صدرك، وإن لك أن تلحق بأبيك‏.‏ ثم قالت‏:‏ أتدري لم سخر الله لك الريح‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ قالت‏:‏ أخبرك أن الدنيا كلها ريح‏.‏ ‏{‏فتبسم ضاحكا من قولها‏}‏متعجبا ثم مضت مسرعة إلى قومها، فقالت‏:‏ هل عندكم من شيء نهديه إلى نبي الله‏؟‏ قالوا‏:‏ وما قدر ما نهدي له‏!‏ والله ما عندنا إلا نبقة واحدة‏.‏ قالت‏:‏ حسنة؛ ايتوني بها‏.‏ فأتوها بها فحملتها بفيها فانطلقت تجرها، فأمر الله الريح فحملتها، وأقبلت تشق الإنس والجن والعلماء والأنبياء على البساط، حتى وقعت بين يديه، ثم وضعت تلك النبقة من فيها في كفه، وأنشأت تقول‏:‏

ألم ترنا نهدي إلى الله ماله وإن كان عنه ذا غني فهو قابله

ولو كان يهدي للجليل بقدره لقصر عنه البحر يوما وساحله

ولكننا نهدي إلى من نحبه فيرضى به عنا ويشكر فاعله

وما ذاك إلا من كريم فعاله وإلا فما في ملكنا ما يشاكله

فقال لها‏:‏ بارك الله فيكم؛ فهم بتلك الدعوة أشكر خلق الله وأكثر خلق الله‏.‏

‏"‏روى مسلم من حديث أبي هريرة‏"‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله تعالى إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح‏)‏ وفي طريق آخر فهلا نملة واحدة ‏.‏

ونستمر مع أساطير القرطبى :‏

قوله ‏{‏قال عفريت من الجن) ....‏ وقال وهب بن منبه‏:‏ اسم هذا العفريت كودن؛ ذكره النحاس‏.‏ وقيل‏:‏ ذكوان؛ ذكره السهيلي‏.‏ وقال شعيب الجبائي‏:‏ اسمه دعوان‏.‏ وروي عن ابن عباس أنه صخر الجني

وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن عفريتا من الجن جعل يفتك علي البارحة ليقطع علي الصلاة وإن الله أمكنني منه فدعته‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وذكر الحديث‏.‏‏"‏ وفي البخاري‏"‏ ‏(‏تفلت على البارحة‏)‏ مكان ‏(‏جعل يفتك‏)‏‏.‏‏"‏ وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد‏"‏ أنه قال‏:‏ أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه؛ فقال جبريل‏:‏ أفلا أعلمك كلمات تقولهن إذا قلتهن طفئت شعلته وخر لفيه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بلى‏)‏ فقال‏:‏ ‏(‏أعوذ بالله الكريم وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها وشر ما ذرأ في الأرض، وشر ما يخرج منها ومن فتن الليل والنهار ومن طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن )..‏

قوله ‏{‏أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك‏}‏يعني في مجلسه الذي يحكم فيه‏.‏ ‏{‏وإني عليه لقوي أمين‏}‏أي قوي على حمله‏.‏ ‏{‏أمين‏}‏على ما فيه‏.‏ ابن عباس‏:‏ أمين على فرج المرأة؛ ذكره المهدوي‏.‏ فقال سليمان أريد أسرع من ذلك؛ فـ ‏{‏قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك‏}‏أكثر المفسرين على أن الذي عنده علم من الكتاب آصف بن برخيا وهو من بني إسرائيل، وكان صديقا يحفظ اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب‏.‏ وقالت عائشة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اسم الله الأعظم الذي دعا به آصف بن برخيا يا حي يا قيوم‏)‏ قيل‏:‏ وهو بلسانهم، أهيا شراهيا؛ وقال الزهري‏:‏ دعاء الذي عنده اسم الله الأعظم؛ يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ايتني بعرشها؛ فمثل بين يديه‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ دعا فقال‏:‏ يا إلهنا وإله كل شيء يا ذا الجلال والإكرام‏.‏ قال السهيلي‏:‏ الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا ابن خالة سليمان، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى‏.‏

‏{‏ قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون، فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين، وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين ‏}‏

قوله ‏{‏قال نكروا لها عرشها‏}‏أي غيروه‏.‏ قيل‏:‏ جعل أعلاه أسفله، وأسفله أعلاه‏.‏ وقيل‏:‏ غيّر بزيادة أو نقصان‏.‏ قال الفراء وغيره‏:‏ إنما أمر بتنكيره لأن الشياطين قالوا له‏:‏ إن في عقلها شيئا فأراد أن يمتحنها‏.‏ وقيل‏:‏ خافت الجن أن يتزوج بها سليمان فيولد له منها ولد فيبقون مسخرين لآل سليمان أبدا، فقالوا لسليمان‏:‏ إنها ضعيفة العقل، ورجلها كرجل الحمار؛ فقال ‏{‏نكروا لها عرشها‏}‏لنعرف عقلها‏.‏ وكان لسليمان ناصح من الجن، فقال كيف لي أن أرى قدميها من غير أن أسألها كشفها‏؟‏ فقال‏:‏ أنا أجعل في هذا القصر ماء، وأجعل فوق الماء زجاجا، تظن أنه ماء فترفع ثوبها فترى قدميها؛ فهذا هو الصرح الذي أخبر الله تعالى عنه‏.‏

‏{‏ قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ‏}‏

قوله ‏{‏قيل لها ادخلي الصرح‏}‏

وقيل‏:‏ الصرح الصحن؛ كما يقال‏:‏ هذه صرحة الدار وقاعتها؛ بمعنى‏.‏ وحكى أبو عبيدة في الغريب المصنف أن الصرح كل بناء عال مرتفع من الأرض .. ‏.‏ وقيل‏:‏ عمله ليختبر قول الجن فيها إن أمها من الجن، ورجلها رجل حمار؛ قاله وهب بن منبه‏.‏ فلما رأت اللجة فزعت وظنت أنه قصد بها الغرق‏:‏ وتعجبت من كون كرسيه على الماء، ورأت ما هالها، ولم يكن لها بد من امتثال الأمر‏.‏ ‏{‏وكشفت عن ساقيها‏}‏فإذا هي أحسن الناس ساقا؛ سليمة مما قالت الجن، غير أنها كانت كثيرة الشعر..‏ ولما رأى سليمان عليه السلام قدميها قال لناصحه من الشياطين‏:‏ كيف لي أن أقلع هذا الشعر من غير مضرة بالجسد‏؟‏ فدله على عمل النورة، فكانت النورة والحمامات من يومئذ‏.‏ في روى أن سليمان تزوجها عند ذلك وأسكنها الشام؛ قاله الضحاك‏.‏ وقال سعيد بن عبدالعزيز في كتاب النقاش‏:‏ تزوجها وردها إلى ملكها‏:‏ باليمن، وكان يأتيها على الريح كل شهر مرة؛ فولدت له غلاما سماه داود مات في زمانه‏.‏ وفي بعض الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كانت بلقيس من أحسن نساء العالمين ساقين وهي من أزواج سليمان عليه السلام في الجنة‏)‏ فقالت عائشة‏:‏ هي أحسن ساقين مني‏؟‏ فقال عليه السلام‏:‏ ‏(‏أنت أحسن ساقين منها في الجنة‏)‏ ذكره القشيري‏.‏ وذكر الثعلبي عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏أول من اتخذ الحمامات سليمان بن داود فلما ألصق ظهره إلى الجدار فمسه حرها قال أواه من عذاب الله‏)‏‏.‏ ثم أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها باليمن، وأمر الجن فبنوا لها ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا‏:‏ سلحون وبينون وعمدان، ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام‏.‏

وقال محمد بن إسحاق ووهب بن منبه‏:‏ لم يتزوجها سليمان، وإنما قال لها‏:‏ اختاري زوجا؛ فقالت‏:‏ مثلي لا ينكح وقد كان لي من الملك ما كان‏.‏ فقال‏:‏ لا بد في الإسلام من ذلك‏.‏ فاختارت ذا تبع ملك همدان، فزوجه إياها وردها إلى اليمن، وأمر زوبعة أمير جن اليمن أن يطيعه، فبنى له المصانع، ولم يزل أميرا حتى مات سليمان‏.‏ وقال قوم‏:‏ لم يرد فيه خبر صحيح لا في أنه تزوجها ولا في أنه زوجها‏.‏ وهي بلقيس بنت السرح بن الهداهد بن شراحيل بن أدد بن حدر بن السرح بن الحرس بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح‏.‏ وكان جدها الهداهد ملكا عظيم الشأن قد ولد له أربعون ولدا كلهم ملوك، وكان ملك أرض اليمن كلها، وكان أبوها السرح يقول لملوك الأطراف‏:‏ ليس أحد منكم كفؤا لي، وأبى أن يتزوج منهم، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن، فولدت له بلقمة وهي بلقيس، ولم يكن له ولد غيرها‏.‏ وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كان أحد أبوي بلقيس جنيا‏)‏ فمات أبوها، واختلف عليها قومها فرقتين، وملكوا أمرهم رجلا فساءت سيرته، حتى فجر بنساء رعيته، فأدركت بلقيس الغيرة، فعرضت عليه نفسها فتزوجها، فسقته الخمر حتى حزت رأسه، ونصبته على باب دارها فملكوها‏.‏ واخيرا

الفارق هائل بين روعة القرآن الكريم وخرافات المفسراتية..

ونلمح الى الخلفية التاريخية لهذه الخرافات .

أنها ترجع الى عصر الرواية الشفهية حيث تصدر مجالس العلم من كانوا يعرفون بالقصّاص ، وهى وظيفة رسمية ابتدعتها الدولة الأموية لغرض سياسى هو الدعاية لها ضد خصومها خصوصا من العلويين والشيعة . وكان القاص يجلس بعد الصلاة فى المسجد يقص ويحكى للناس خرافات يخترعها بنفسه أو ينقلها عن غيره وينسبها الى النبى محمد عليه السلام وبعض الصحابة و التابعين، ثم يمدح الخليفة ويطعن فى خصوم الخلافة . وحتى يستحوذ على اهتمام الناس كانن لا بد أن يبرع فى الحكاوى و الأقاصيص خصوصا ما يتعلق منها بقصص الأنبياء و تاريخ الأقدمين ، فيأخذ القاص يروى كأنه كان حاضرا مع آدم و سليمان ونوح وداود و موسى و ..الخ . ويصدقه المستمعون لأنه كان حريصا على ان ينسب ما يقول ويسنده الى أنه سمع ذلك من فلان الذى سمعه من فلان ثم من علان الى الصحابة والنبى محمد عليه السلام.

وفى العصرالعباسى الأول تكاثرالقصاصون وتقربوا للخلافة العباسية باسناد خرافاتهم الى عبد الله بن عباس جد الخلفاء العباسيين . ثم جاء عصر التدوين فدونوا كل هذه الخرافات على انها سنة و أحاديث نبوية و فقه وعقائد وعلوم .

وبهذا نشأ الدين الأرضى السنى..

ومهما شرحنا سيظل معظم الناس أسرى للخرافات السنية وغير السنية .

ولا عزاء للمغفلين و المغفلات ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الاعجاز العلمي فى القرآن الكريم

 

الحلقة الخامسة:

 هو الذى يسيركم في البر والبحر

 

 

مقدمة

 

هذه هى الحلقة الخامسة من مسلسل (الاعجاز العلمي فى القرآن الكريم )

سبق نشر أربع حلقات : وهى :

( المنهج القرآنى للفكر الاسلامى: الليل والنهار فى الاعجاز العلمى) (جدلية الاعجاز العلمى للقرآن الكريم) ( منكرو الاعجاز العلمى وقضية التدرج العلمى) ثم (الاعجاز العلمى ومعجزات داود وسليمان عليهما السلام)

ونقدم هنا الحلقة الخامسة .. ويجري تجهيز بقية الحلقات بعونه جل وعلا..

 

أولا

 

1 ـــ فى فترة الشباب كنت أجرى فى أحد شوارع القاهرة فالتوت قدمى وأحسست بألم هائل وعجزت عن جر ساقى ، وقضيت عدة أيام لا أتحرك إلا بساق واحدة . وأنظر إلى ساقى التى كانت تحملنى فأصبحت أحملها وأقارن بينها وبين الساق السليمة فلا أرى فارقا ظاهرا بينهما . واتأمل حالى قبل إلتواء قدمى حين كنت أجرى وأقفز بنفس هاتين الساقين ، وأتعجب من كل هذا الألم وكل هذا العجز الذى تسبب فيه إلتواء عصب لا أعرفه فى القدم .... فكرت فى النعمة التى كنت أنعم بها وأنا أمشى بساقين سليمتين . وتذكرت أن هناك بشرا مثلى مصابين بالشلل وفقدان البصر والسمع ... وأحسست بكفران النعمة . وأننا نعجز عن إحصاء نعم الله تعالى "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ : إبراهيم 34 / النحل 18 " وأننا نرفل فى نعم الخالق عز وجل ولكن لا نحس بها إلا إذا فقدناها ... كانت محنة إلتواء القدم تلك فرصة للتفكير أنتهيت إلى أننا فى الحقيقة حين نقفز ونلعب ونسير ، فإننا لا نسير بأنفسنا ولكن بمقدرة أودعها فينا الخالق عز وجل . وهوالقادر على أن يسلبنا هذه المقدرة مؤقتا أو دائما . وفهمت جانبا من قوله تعالى "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ: يونس 22".

2 ـــ وسألت نفسى عن حكمة التساوى بين تسيير الرحمن لنا فى البر وفى البحر!! فنحن لا نحتاج إلى وسائط فى المشى والسير فى البر، اللهم إلا إذا كنا نريد مضاعفة السرعة ، فاستعملنا الدواب ثم الدراجة ثم السيارة ...الخ . ولكن البر لا يمكن السير فيه إلا بوسائط نقل . إذن لماذا ساوى الله تعالى بين التسيير فى البر والتسيير فى البحر.

القضية هنا لا تتوقف على عوامل داخلية فى جسد الأنسان من إلتواء قدم أو أصابتها بالشلل .. وإنما تتوقف على النظام البديع فى الكون القائم على حسابات الجاذبية وعلاقة الزمان بالمكان بالحركة .. وأستسمح القارىء عذرا فى أن أضرب له هذا المثل .

تخيل أن حضرتك تسير داخل قطار وأن هناك قملة تسير على رأس حضرتك ... القملة هنا تتحرك بسرعة مناسبة لها فى مكان محدد لها هو ما بين القفا إلى الرأس مثلا ، ولكنها – أى القملة – لا تدرى أن المكان الذى يحملها هو الأخر يتحرك فى مجال أوسع هو القطار ، أى أن القملة تتحرك فى مجالين هما حضرتك والقطار الذى يسير بسرعة ما من محطة ما إلى أخرى .

ولكن هل انتهت القصة إلى هذا الحد ؟!.

كلا لأن القطار نفسه يتحرك بك وبغيرك مع حركتين . الأولى داخل الأرض وهى تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة ، والثانية مع الأرض وهى تدور حول الشمس مع كواكب المجموعة الشمسية مرك كل 365 يوما تقريبا .

والشمس نفسها بما يدور حولها من كواكب ومنها الأرض – التى تحمل القطار الذى به حضرتك – هذه الشمس بكل توابعها من كواكب وأقمار وكويكبات تنطلق إلى مدار هائل فسيح هو مدارها حول مجرة درب التبانه. التى تحوى بلايين النجوم . ثم أن مجرة درب التبانه بكل ما تحويه من نجوم تنطلق بسرعة لا نعرفها ولا نتخيلها لتدور حول مركز الكون . ثم عرفنا أن هناك كونا آخر غير كوننا يسير عكس الأتجاه ويتناقض فى كل تركيباته مع كوننا ، أى أننا فى كل دقيقة ننتقل من مكان إلى مكان فى المجموعة الشمسية ، وفى نفس الوقت ننتقل من مكان إلى مكان حول مركز المجرات . والكون الهائل الذى لا نعرف عنه إلا مجرد إشارات ..

أى أننا فى كل دقيقة وثانية وأقل من الثانية نتعرض لموجات ونتداخل مع عوالم غير مرئية فى إنتقالنا عبر هذه الأمكنة وتلك المسافات وتلك السرعات . أى أن القضية أننا لم نعد نسير فى البر أو فى البحر .. القضية أن الله تعالى هو الذى يسيرنا بقوانينه التى تتحكم فى الجسد الإنسانى وفى الهواء المحيط بالأرض والجاذبية التى تحفظ نظام الكون برغم تداخل وتعقد المكان والزمان والسرعات .

 

ثانيا

 

1 ـــ لست متخصصا فى علم الفلك وبالتالى يستطيع المتخصصون إعادة ما كتبته أو تصحيحه والإتيان بحقائق علمية يزداد بها المؤمن إيمانا ويستطيع المتخصصون شرح العلاقة بين الحياة على الأرض وموقعها المحدد حول الشمس . فلو اقتربت من الشمس أو ابتعدت عنها تاركة مجالها المحدد لما كانت هناك حياة على الأرض ولما استطاع الأنسان أن يسير بقدميه وبوسائط أخرى فى البر والبحر ..

2 ـــ ولكن العادة أن ينسى الأنسان النعمة التى يرفل فيها ، سواء كانت نعمة الصحة وسلامة الأعضاء والحواس والعقل ، أو نعمة ذلك الكون الذى سخره الله جل وعلا له. ولنا وقفة قادمة مع التسخير فى النسق القرآنى وصلته بالأعجاز العلمى فى القرآن الكريم .

ولكن كما قلنا فإن الإعجاز العلمى يتراءى بين آيات القرآن الكريم فى معرض الهداية ... والله تعالى حين يذكرنا بأنه جل وعلا هو الذى يسيرنا فى البر والبحر لا يكتفى بما فى ذلك من إشارات علمية مركزه – عرضنا لبعضها بمعلوماتنا الهزيلة – وإنما يجعل رب العزة من تلك الأشارات العلمية مقدمة للوعظ والتنبية .

فالعادة أن ذلك الأنسان المغرور بالنعمة التى يتقافز بها فى البر والبحر – ومؤخرا فى الجو- تراه أيضا غافلا عن المنعم جل وعلا ، أى يمارس كفران النعمة بالعصيان فى حركته وبالجحود فى عقيدته ...

ولكنه عندما يفقد النعمة أو حين تتحول تلك النعمة إلى نقمة ينتبه ويصرخ ويعود إلى فطرته التى نسيها ويتضرع إلى الله تعالى يطلب النجاة ..

ولنتخيل معا السفينة العملاقة تيتانك التى غرقت فى المحيط الأطلنطى فى بدايات القرن الماضى . وكيف أنها كانت تمثل – قوتها - أروع ما ابتكره البشر فى السفن العابرة للمحيطات ووصل غرورهم إلى أن درجة تأمينها فى إبحارها يجعلها تستغنى عن قوارب النجاه ونتخيل ما كان عليه المسافرون من غرور وحبور وفرح ومجون .... ثم اصطدمت بجبل ثلجى فتحول صراخ المجون إلى صراخ جنون وتحول الغرق فى النعيم إلى غرق فى الجحيم .

ولا شك أن إستغاثتهم كانت تعلو بالدعاء لله تعالى , ولكن من نجا منهم عاد إلى سيرته الأولى ونسى ما يدعو إليه ...

هى حالة إنسانية عامة أن يرجع الأنسان إلى فطرته ويصرخ داعيا الله تعالى طالبا النجاة إذا أصابه مرض "وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ : الزمر 8 "، " فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ :الزمر 49 " ، " وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ : يونس 12 "

ونفس الحال مع الانسان إذا تعرض للغرق .

ومن هنا بدأت الأية الكريمة بجملة مركزة من الإعجاز العلمى تقول " هو الذى يسيركم فى البر والبحر " ثم جاءت تكملة الأية لتعطى مشهدا سينمائيا موحيا بالصوت والصورة والحركة والإنفعالات ، يقول تعالى "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ : يونس 23،22 " ونتوقف سريعا مع تلك الصور بالتحليل .

المشهد الأول : يتكون من لقطات متتابعة خارجية وداخلية ، فى الخارجية ريح طيبة تحمل السفينة تجرى بها فوق صفحة بحر هادىء ، واللقطة الداخله لمسافرين يمارسون شتى مظاهر الفرح ...

ثم فجأة يأتى المشهد الثانى من لقطات خارجية حيث أنقلبت الريح الوديعة إلى ريح عاصف فتحول الموج الهادىء لموج هادر ثائر يلطم السفينة ويقتحم منافذها وهنا تأتى اللقطات الداخلية للمسافرين تصورهم فى حالتين : الأولى إحساسهم أنهم " أحيط بهم " أى حاصرتهم المياه وهددهم الغرق ، وعجزت وسائلهم عن بلوغ شاطىء النجاة ثم تأتى الحالة الثانية بعد إدراك العجز وهى اللجوء للخالق عز وجل والرجوع للفطرة والدعاء بإخلاص وتفرغ ودموع ورجاء قائلين جميعا "لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِين " أى تضرع مرتبط بعهد وميثاق إن حدثت النجاة وعاشوا ستتغير حياتهم من كفران النعمة إلى شكر للمولى عز وجل يتجلى فى تصحيح الإيمان وتصحيح السلوك ....

ويأتى المشهد الثالث عن الناجين وقد نسوا المحنة وعادوا إلى نكران النعمة ، واحترفوا البغى وهم لا يعلمون أن بغيهم على أنفسهم لأنهم مآخذون يوم القيامة بكل ما كسبت أيديهم ، وما ظلمهم الله تعالى ولكن كانوا أنفسهم يظلمون وهذا هو المشهد الأخير الذى يأتى بالنهاية ...

وهكذا فى آيتين جاء إعجاز علمى وجاء تصوير سنمائى وكلاهما يهدف إلى الهداية ،وكما قلنا فالقرآن الكريم ليس كتابا فى العلوم الطبيعية –بالرغم من دلائل الإعجاز العلمى التى نراها - وليس كتابا فى الدراما – بالرغم من القصص والأمثلة التى يضربها لنا الله عز وجل فى كتابه الكريم - وليس كتابا فى التاريخ – بالرغم من ذكره لوقائع تاريخية حدثت فى الماضى - أو حتى فى التشريع – بالرغم من التشريعات التى تنظم المجتمع الإسلامى - وإنما يستخدم القرآن الكريم كل هذه النواحى فى إطار دعوته للهداية وإلى عبادة الله وحده التى هى الغرض الأساسى الذى من أجله بعثت الرسل .

ولكن .. هل استوعبنا كل دلالات قوله تعالى " هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ "؟

لقد توقفنا بمعلومات هزيلة عن بعض الملامح المادية للتيسير ويبقى الجانب المعنوى للتفسير.

وللتوضيح فلنفترض أن حضرتك تسير فى الطريق وفى نفس الشارع يسير شخص أخر .... وكلاهما ـ وكل المخلوقات والدواب ـ يسيرها الله عز وجل ـ هذا من الناحية المادية الفسيولوجية ـ ولكن الهدف من سيرك وسير الشخص الأخر هو الجانب المعنوى أو النفسى ، وهذا يرجع إلى كلا منكما . فلنفترض أنك تسير ذاهبا إلى المسجد لتصلى بينما يسير رفيقك إلى المرقص ليلهو ويلعب ، وربما تسيران معا الى بنك ما ، أنت لتودع بعض المال وهو ليسرق ما تطوله يده ، أى أن الهدف من السير يرجع للأنسان نفسه هو الذى يقرر أن يتحرك نحو الخير أو فى إتجاه الشر ، والله سبحانه وتعالى تركه حرا فى أن يستخدم جسده وما سخره الله تعالى له فى حركته نحو الخير أو الشر .

بل أكثر من ذلك لنفترض أن رفيقك الذى يسير بجانبك قد أرغمك على السير بجانبه لكى تقوما بسرقة البنك وإن لم تفعل سيقتلك أو يقتل أعوانه أهل بيتك . هنا ـ وفقا لشرع الله تعالى ـ فلا عقوبة عليك إن سرقت طالما كنت مجبرا ، لأن المسئولية لا تتحقق إلا بالحرية والله تعالى يقول " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا : الأحزاب 5 " .

ومن أجل هدايتك أنزل الله سبحانه وتعالى ذلك الكتاب الحكيم القرآن الكريم وقد نثر فيه من الحقائق العلمية مع التشريعات والقصص والحوار، ومنها أنه تعالى قام بتجميع وتلخيص آلاف الحقائق العلمية فى عبارة واحدة تقول " هو الذى يسيركم فى البر والبحر"ثم أعقبها بتصوير درامى مذهل عن حالة إنسانية تتكرر لبشر حين يتعرضون لخطر الغرق فيتذكرون الله تعالى ، ثم إذا أنجاهم عادوا لغيهم وبغيهم .... ويحذرهم الله تعالى من سوء المصير يوم القيامة .

أنت حر الإرادة ولست مجبورا بل أنت " مُخًير" وعليك إن أردت الفلاح فى الدنيا والأخرة أن تحسن قيادة السيارة التى تركبها نفسك ، وهى جسدك لتحصر حركته فى الخير...

وفى النهاية بعد قراءة هذا المقال أنت حر فى أن تؤمن بإعجاز القرآن العلمى أم لا .

والله جل وعلا المستعان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

الملاحق :

الملحق الأول :

علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر

آحمد صبحي منصور في الأحد 04 يناير 2009

  مقدمة
1
ـ فى المقال السابق عرضنا لمصطلحات الخوف فى القرآن الكريم ، والفوارق بينها فى معرض الحديث عن الفزع الذى أصاب أهل الكاتب الاسلامى رضا عبد الرحمن ، حين هجم عليهم جيش مبارك ليعتقل ( رضا ) ، وتركهم فى رعب وفزع
2
ـ ومهما كان فزع البشر فى الدنيا فهو لا شيء بالمقارنة بالفزع الأكبر يوم القيامة . والفزع يوم القيامة هو رد فعل للقيامة ، وللقيامة علامات لا تخلو من فزع يصاحبها ، أما الفزع الأكبر فهو الذى يصاحب أحداث قيام الساعة عندما تقوم ، ويصاحبها فى أهوال أيامها يوم البعث والحشر و العرض والحساب الى أن يستمر الفزع مصاحبا لأصحاب الجحيم أبد الآبدين. وفى كل أحوال القيامة فالفزع الأكبر يصيب الظالمين فقط ،أما الفائزون فهم من فزع يومئذ آمنون.

3 ـ والكلام على علامات الساعة وعن أحداثيات الساعة واليوم الآخر يستحق مقالات نرجو من الله تعالى العون فيها. ولكن سنعرض لعلامات الساعة فى مقال واحد ولأحداث الساعة فى مقال واحد فى إطار موضوع الفزع فقط
4
ـ وللايجاز والتخفيف أضع الحقائق القرآنية تحت عناوين راجيا من الأحبة تدبر الايات معى
أولا : (إقتربت الساعة
1
ـ حين كلم الله تعالى موسى عليه السلام قال له (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ) ( طه 15 )، بعدها بحوالى ألف عام نزل القرآنالكريم وفيه يقول تعالى عن الساعة: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) ( محمد 18) أى جاءت أشراط الساعة مع نزول القرآن الكريم من 14 قرنا
2
ـ وقت نزول القرآن الكريم كان هناك قلق من قرب قيام الساعة يعبر عنه التكرار المستمر لسؤال النبى محمد عن موعد قيام الساعة ، ولم يمنع هذا التكرار من التأكيد المتكرر بأن النبى محمدا لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث عن موعد قيام الساعة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأعراف 187 ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا) (النازعات 42 ـ). 
إن الله جل وعلا وحده هو من لديه ( علم الساعة ):(إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ )( لقمان 34 ) وقد أبان جل وعلا فى القرآن الكريم (شيئا) من (علم الساعة ) بقدر ما نفهمه ، فمثلا يقول جل وعلا عن مدة قيام الساعة:(لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً)(الأعراف 187)و(البغتة) هى أقل مدة زمنية نتصورها. ويأتى شرح هذه (البغتة) بأنها مثل لمح البصر:(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ) (النحل 77 ) أى بتعبير عصرنا أسرع من الضوء. .أو يقول جل وعلا : (وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر 50 ) . ولا يقال إن هناك تناقضا بين الآيتين لأن الله جل وعلا يستعمل ( كاف ) التشبيه (كَلَمْحِ ) أى يتحدث عن سرعات لا نعرفها ولا ندركها
3
ـ تدور الحقائق القرآنية عن الساعة فى محورين أساسين هما : علاماتها التى إقتربت ، وأحداثها عندما تقوم . وهذا المقال يعطى لمحة عن علامات الساعة وما قد يصاحب بعضها من فزع
4
ـ التعبير القرآنى عن اقتراب الساعة يستعمل صيغة الفعل الماضى ، وهو اسلوب بلاغى يؤكد على تحقق الوقوع ، كقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) فانشقاق القمر سيحدث فقط عند قيام الساعة وتدمير الكون ، وهذا من ملامح أحداث الساعة وفقا لتفاصيلها القرآنية،إذ يتم تدمير النظام الكونى كله القائم على التوزان بين الجاذبية وقوة الطرد المركزى ، ليكون من ملامحه انشقاق السماء وما فيها من قمر. ولكن التعبير عنه هنا جاء بالماضى (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) لتحقق وقوعه فى المستقبل . وأشارت الآية التالية الى معجزة القرآن الكريم أو الآية الخاتمة للبشر والتى أعرض عنها المشركون ورموها بالسحر :(وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ )( القمر 1 : 2 ).أى إن آيات القرآن الكريم دليل على إقتراب الساعة
ونفس الحال فى مفتتح سورة النحل :(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ) والتعبير هائل فى إعجازه، لأنه تحدث بالماضى عن قيام الساعة فقال (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) أى صدرالقرار الالهى بقيام الساعة ، ولكن تنفيذه سيكون طبقا للزمن الأرضى الآتى فى المستقبل ، لذا قال جل وعلا للبشر:(فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ). الحديث هنا عن زمنين ، الزمن الالهى الذى صدر فيه الأمر بقيام الساعة ، والزمن الأرضى الذى سيشهد تحقيق هذا الأمر عندما يدور الزمن الأرضى دورته . وجاءت أيضا الاية التالية تتحدث عن نزول القرآن الكريم كإحدى علامات قرب قيام الساعة : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ). 
ونفس الحال فى مفتتح سورة الأنبياء ، فالآية الأولى تتحدث ليس فقط عن اقتراب قيام الساعة بل يوم الحساب نفسه وغفلة الناس ـ منذ 14 قرنا عنه (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ) وتأتى أيضا الآية التالية تتحدث عن الرسالة الأخيرة والخاتمة من الله تعالى للبشر وهى القرآن الكريم قبل قيام الساعة وموقفهم منه:(مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). 
المستفاد هنا شيئان : (ا)إن نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات إقتراب الساعة . فكيف بنا الآن ؟ (ب ) إن إحتواء القرآن الكريم على أهوال قيام الساعة وأهوال العذاب يوم القيامة يأتى تحذيرا مقدما لنا قبل وقوعها،وفى نفس الوقت هو التحذير الأخير للبشرية قبيل القيامة.. 
ثانيا : علامات الساعة
1
ـ نزول القرآن الكريم منذ 14 قرنا هو أول علامات اقتراب الساعة ، فماهى العلامات الأخرى؟ خلافا للخرافات السلفية فى أحاديث علامات الساعة فان فى القرآن الكريم إشارات ثلاث أخرى لعلامات الساعة حسب الترتيب الزمنى للتعداد التنازلى لاقتراب نهاية العالم وقيام الساعة
2
ـ أولها هى ما نعيشه الآن وما نحس به ونحن فى عصر القرية الكونية و انعدام المسافات بينها بثورة الاتصالات والمواصلات والانفجار العلمى ، والتفنن فى سبل التقدم أفقيا ورأسيا ، مع هذا الاحساس ( الكاذب ) بأن الانسان قد امتلك القدرة على الأرض بل يتطلع الى السيطرة على الكواكب القريبة . هذا الحال الذى وصلنا اليه والذى يتطور فى كل دقيقة الى المزيد جاء وصفه فى قوله تعالى (حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ( يونس 24 ) هذا التفصيل لقوم يتفكرون يستدعى المزيد من الربط بين التقدم العلمى المتصاعد باضطراد سريع وبين الاقتراب السريع من ساعة الصفر الالهية حين يحل العدم بالعالم وتقوم الساعة
هنا لا نتحدث عن قرون، ولكن عن اقتراب شديد من قيام الساعة ، مع التأكيد بأنه لا يعلم تحديد وقتها سوى رب العزة
وهنا نرد على الذى يشيع الان على المستوى العلمى والتقنى فى أمريكا وتتحدث عنه البرامج التليفزيونية وتتحدث عنه بجدية شديدة تؤكد أن عام 2012 هو نهاية العالم طبقا لحسابات مختلفة منها ما تم بالكومبيوتر. هذا نرفضه ، ولكن نسجل وجود قلق إنسانى من اقتراب قيام الساعة ، وأن هذا القلق يصدر الآن ليس من علماء دين أو منجمين ولكن من هيئات علمية تتحدث فى أمور مادية ، وتعلن ما تتوصل اليه على الناس
2
ـ ثانى علامات الساعة ، لم نره بعد ، ولذا فقد يكون محل سخرية لمن لا يؤمن بالقرآن الكريم ، ولكن سيأتى الوقت الذى يشهده الناس دليلا على إعجاز القرآن فى آخر الزمان ، إنه خروج دابة من الأرض تكلم الناس وتعظهم : (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ ) ( النمل 82 ) أى دابة ستخرج من باطن الأرض لتقول للناس إنهم لا يوقنون بآيات الله جل وعلا . والآية بعدها تتحدث عن الحشر (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ) أى إن خروج هذه الدابة سيكون قبيل قيام الساعة
ومصطلح (دابة ) يعنى فى القرآن الكريم كائن حى متحرك بارادته ، يسرى هذا على البشر الى الكائنات ذات الخلية الواحدة مما نعرفه وما لا نعرفه . والدابة هنا تتكلم بلغة يفهمها البشر مع اختلاف ألسنتهم ،اى تتكلم بلغة موحدة يفهما الجميع ، ربما تكون لغة الأرقام فهى اللغة العالمية الحاسمة التى لا خلاف حولها ، والتى يفهمها الجميع فى عصرنا حيث الثورة العلمية الرقمية بدءا من (الديجيتال ) فى التصوير الى علوم الفلك والذرة
وهناك ارهاصات لآية خروج الدابة من الأرض نجدها فى البرامج العلمية التليفزيونية المصورة عن حيوانات تشبه الانسان تعيش فى الغابات والجليد ، تم تصويرها ولكن لم يتم العثور إلا على آثار أقدامها، وتنشط بعثات علمية للعثور عليها ، وبعضها تم العثور على عينات من دمه ، وقالوا إن جيناته الوراثية قريبة من البشر ، ولكنه ليس من البشر. والكلام عن هذه المخلوقات (شبه البشرية ) سبق قوله فى التراث السابق ، ولا يزال فى اقاصيص القبائل التى تعيش فى الغابات حتى عصرنا الحالى. وهى تتسمى فى كل مكان بلقب خاص ، ومثلا فإن القزوينى فى كتابه (آثار البلاد واخبار العباد ) تحدث عن ( إنسان الصين ) وهو بين القردة و الانسان ، ووصفه بنفس الوصف الذى تتحدث عنه البعثات العلمية المعاصرة ، ومن الغريب عجز كل الأدوات العلمية عن الامساك بواحد من تلك الدواب ، يراه البعض رؤية عارضة ثم يختفى المخلوق ، ولكن أمكن تسجيلها مصادفة بالكاميرا
ظهور تلك المخلوقات فجأة وإختفاؤها فجأة قد يوحى بأنها تخرج من باطن الأرض
قد لا تكون هناك علاقة بين ما ذكره رب العزة من خروج الدابة وتلك المخلوقات الغريبة التى تظهر فجأة و تختفى فجاة دون أن يمسكها أحد حتى فى عصرنا المتقدم، ولكنه رد العلم الحديث المعاصر على من ينكر مقدما كلام الله جل وعلا عن دابة غريبة ستخرج من الأرض تكلم الناس
3
ـ آخرعلامات قيام الساعة ، وهو فى الدقائق القليلة قبل (ساعة الصفر )هو خروج يأجوج ومأجوج . ولنا فيه بحث علمى انشغلنا به منذ الثمانينيات ، نجمع له المادة العلمية من الصحف و الكتب وترجمات قمت بها بنفسى لبعض تلك الكتب العلمية ، وفى العام الماضى بعثت مع عمرو ثروت بمسودة لهذا الكتاب عن ( يأجوج ومأجوج : بين القرآن والعلم الحديث ) فقبضوا عليه وصادروا جهدا علميا استغرق عدة سنين..!!. 
الحديث عن يأجوج ومأجوج جاء مباشرا فى قوله جل وعلا : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّور فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) ( ـ الكهف ـ 93 : 99 ) (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ )( الأنبياء 95 : 97). 
والحديث القرآنى غير المباشر عن يأجوج ومأجوج جاء فى معرض خلق آدم وكونه خليفة فى الأرض يخلف قوما كانوا فيها مفسدين فى الأرض ويسفكون الدماء : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ( البقرة 30 ). وفى حديث جل وعلا عن (الاستخلاف ) وعن إمكانية ( التبديل) بالاتيان بخلق آخر ليحل محل الانسان
والمستفاد من القرآن الكريم أن يأجوج ومأجوج كانوا هم المتحكمين فى هذه الأرض قبل نزول آدم وتكاثر ذريته فيها ، وبمجىء آدم وذريته فان المنتظر أن يبيدهم يأجوج ومأجوج باعتبار أنه كانت لهم السيطرة ، وحتى تتحق خلافة آدم وأبناء آدم على الأرض وينالوا حظهم من التطور ، وحتى لا يبيدهم يأجوج ومأجوج فقد أرسل الله تعالى (ذا القرنين ) ألذى أدخل يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وبنى عليهم سدا أو ردما ، فأصبحوا داخل جوف الأرض وتأقلموا على ذلك ، وأتيحت الفرصة لبنى آدم ليحققوا خلافتهم على سطح الأرض وليتطوروا نفس التطور الذى عاشه يأجوج ومأجوج من قبل ، ثم قبيل زلزال الأرض الأعظم الذى يخرج من الأرض أثقالها ( سورة الزلزلة ) يحس به يأجوج ومأجوج فيدمرون السد ويخرجون الى سطح الأرض يختلطون بالبشر يموج بعضهمم ببعض لحظة الفزع الرهيب عند قيام الساعة وتدمير العالم . أى إن يأجوج ومأجوج كانوا على سطح الأرض قبل الجنس البشرى ثم انتقلوا الى باطن الأرض ولا يزالون موجودين فيها ، وسيظلون هكذا الى أن يخرجوا الى من باطن الأرض الى سطحها قبيل تدمير العالم وحلول ساعة الصفر
قد يكون هذا أيضا فرصة لمن يريد السخرية بالقرآن الكريم ، ولكنه التفسير الوحيد لألغاز ثلاث لا تزال تحتار فيها البشرية فى أوج تقدمها العلمى . وهنا يقع الجانب العلمى من كتابى ( المأسوف عليه ) : ( يأجوج ومأجوج بين حقائق القرآن والعلم الحديث ) الذى يربط يأجوج وماجوج بظواهر علمية ثلاث تعتبر ألغازا ولا تزال ، وهى لغز الحضارات المنقرضة التى سبقت وجود الجنس البشرى والتى وصلت الى تقدم علمى وتقنى لم يصل اليه الجنس البشرى حتى الان ، ولغز الأطباق الطائرة بسرعات خيالية ، ولغز الاختفاءات الغامضة للسفن والطائرات الحربية والمدنية فى أماكن محددة بحيث يستحيل إنقاذها أو العثور على حطامها . هذه الظواهر الثلاث هى دليل على وجود حضارة يأجوج ومأجوج قبل وجود البشر ، ودليل على وجودهم حتى الآن فى باطن الأرض يراقبون البشر على سطحها، بينما لا يزال البشر فى أوج تقدمهم العلمى حائرين فى تفسير الظاهر الثلاث ، والأغلب منهم ينسبها لحضارات فى الكواكب الأخرى ، ولا يعرفون أنها فى باطن الأرض
أول من فجّر هذه الألغاز ، كان العالم الألمانى ايريخ فون دنكة فى كتابه ( مركبات الآلهة ) والذى نشر معلوماته الكاتب أنيس منصور فى كتاب عن الذين هبطوا من السماء ، وللمؤلف دنكة كتبه اللاحقة مثل ( ذهب الآلهة ) و(معجزات الآلهة ) وهو يتحدث عن تقدم علمى هائل فى حضارات قديمة منقرضة قبل وجود الانسان ، ويعززها بالصور . وعلى منواله كتب لاحقون. وثانى هذه الألغاز : الأطباق الطائرة التى تهبط من السماء أو تصعد من جوف البحار ، وثالث الألغاز هى مسلسل إختفاء السفن و الطائرات فى أماكن محددة برية وبحرية وعلى مسافات محددة فى الكرة الأرضية ، وأشهر تلك الأماكن مثلث برمودة على الساحل الشرقى الأمريكى ، و نظيره بالقرب من اليابان
والمؤلف الأمريكى تشارلز بيرلتز هو صاحب اشهر كتاب عن مثلث برمودة ، ولكن الكتابة عن هذا المثلث لم تنقطع .ويمكن على الانترنت قراءة المزيد ،بالاضافة الى ما تعرضه القنوات التليفزيونية والتاريخية مثل ديسكفرى و قناة العلم وهيستورى و الجغرافية الوطنية .. وكلها قنوات متخصصة جادة . والآراء تختلف فى تفسير هذه الألغاز ، وأشهرها الاعتقاد بوجود كائنات فضائية ، وأقلها شهرة هى وجود حضارة متقدمة داخل باطن الأرض ، وأصحابها قلقون على كوكب الأرض فيقومون بمتابعة ما يفعله البشر بسطحها . أى هم يأجوج ومأجوج
وفى الاسبوع الماضى استضاف المعلق الأمريكى لارى كنج فى برنامجه على السى إن إن مجموعة من الخبراء يتكلمون عن الأطباق الطائرة ودورها فى اسقاط الصاروخ الأمريكى ، وتركز الخلاف ليس عن وجودها ولكن حول تحديد مصدرها. وربما تكون الجمعيات الخاصة بمتابعة الأطباق الطائرة هى أكثر الجمعيات انتشارا وتنوعا فى أمريكا ، وهو حديث شرحه يطول
لا أعرف أن كنت سأعيش لأعيد كتابة هذاالبحث عن يأجوج ومأجوج بعد أن أتلف جيش مبارك الشهم الشجاع مادة علمية ظللت أجمعها على مدار السنين من عام 1980 . ولكن أرجو أن نتعاون معا ( أهل القرآن ) فى أعداد هذا الكتاب مزودا بكل المكتشفات المتاحة على الانترنت ، لنقدم للبشرية خدمة التذكير بقيام الساعة قبيل (ساعة الصفر) . 
أخيرا : هذه الأرض 
العلم الحديث ـ كما تعكسه القنوات الفضائة العلمية الأمريكية ـ يعترف بعجزه عن إدراك أسرار الكوكب الأرضى ، ولا يزال يحاول كشف أسرار أعماق المحيطات ، ويأتى بالجديد والمذهل من حيوات فى الأعماق البحرية المظلمة ، من أصغر المخلوقات الى أعظمها حجما من أنواع الحبار و الأخطبوط . وكلما أوغل فى البحث اكتشف المزيد من تيارات بحرية غامضة وأنهار عذبة داخل المحيطات وفى جوف الأرض وفى القطبين الشمالى والجنوبى، مما يجعل إكتشاف الكوكب الأرضى أكثر تعقيدا من إكتشاف الكواكب والمجرات البعيدة . ويدور الحديث عن مستويات مختلفة للوجود الحى داخل الأرض( Dimensions ) كلها فى نفس المكان مع اختلاف المستوى ، وربما يقربنا هذا من فهم حديث رب العزة عن وجود مستويات سبعة للأرض توازى المستويات السبع للسماوات( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) ( الطلاق 12) . 
يعرف البشر الفزع فى الكوارث الطبيعية كالأعاصير والزلازل والبراكين ، وكان آخرها تسونامى ، ومعروف ان القشرة الأرضية هى التى تغطى باطن الأرض الذى يحتدم بالصخور الملتهبة السائلة تحت ضغط هائل ، ومع أن الجبال هى (الرواسى) التى تقوم بتثبيت القشرة الأرضية بعد أن تم تجمدها وتصلبها.والتى لولاها لانخسفت القشرة الأرضية بما عليها ومن عليها : (وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ) ( الأنبياء 31 ) وهى (الأوتاد) التى تثبت القشرة الأرضية فوق الباطن الملتهب (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا )( النبأ 7 ). إلا أن التغيير والتعديل ينجم عنه الزلازل و تسرب الماجما او اللافا الى خارج القشرة الأرضية فى البراكين ، وقد تكون هائلة فتسبب أعاصير كما حدث فى تسونامى
فكيف هذا بزلزال القيامة الأخير التى تعبر عنه سورة الزلزلة: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) ؟. عندها تتحول المحيطات الى متفجرات ، فالماء (الذى يتكون من ايدرجين يساعد على الاشتعال وايدروجين الغاز المشتعل) سيحول البحار والأنهار الى حميم يصعب تخيله ، يسميه رب العزة بالبحر المسجور أى الذى تحول الى لهب مستعر ،أى تتدمر القشرة الأرضية من أسفل ومن أعلى ، ويصل الدمار الى حزام الأوزون وهو السقف الذى يحفظ الحياة على الأرض ، يقول تعالى عن بعض ملامح القيامة (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِن دَافِعٍ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ( الطور 1 : 11 ). السقف المرفوع هو حزام الأوزون ،وقد قال جل وعلا عن وظيفته فى الدنيا (وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) (الأنبياء 32 ) وقد سبق رب العزة فى الاشارة الى حفظ الحياة الأرضية بتغليفها بسقف محفوظ . ونحن الآن نشهد تغيرا مزعجا فى المناخ وارتفاع الحرارة و زيادة نسبة ثانى أكسيد الكربون و ذوبان عمامة الثلج التى تغطى قطبى الأرض ، مما يهدد بارتفاع مستوى البحر و غرق مناطق ساحلية كثيرة فى العالم
وبدأ ( الفزع ) العالمى يتجلى فى عقد مؤتمرات عن (الأرض ) ويناقش مستقبلها القاتم فى ظل انتشار التلوث الصناعى والنفايات الذرية و سوء التعامل مع الطبيعة والتوازن الذى يحكمها
ويعرف البشر الفزع حين يتخيلون الثقب الأسود فى الفضاء الناجم عن تفجر نجم وتحوله الى ما يشبه ( عفريت نجم ميت ) ، ويبتلع هذا الثقب ملايين النجوم فى داخله فيما يشبه بروفة مصغرة لأحداث القيامة ، وفى سلسلة من البرامج التليفزيونية تحت عنوان ( نهاية العالم ) يتحدثون عن احتمالات تدمير الكرة الأرضية بارتفاع الحرارة التدريجى بسبب ثقوب فى غلاف الأوزون الذى يحمى الحياة الأرضية، كما يتحدثون عن ثقوب فضائية كثيرة تقترب من المجموعة الشمسية ، بالاضافة الى أخطار أخرى محتملة تهدد بابادة الحياة على الأرض ، منها الأوبئة من الجراثيم المصنّعة ، والشهب والنيازك والمذنبات .. ما يعكس فزعا مقدما لسيناريوهات يرونها قادمة
هذه الأرض يجعلها الله جل وعلا فى معيار الخلق مساويا للسماوات السبع ، فيتكرر فى القرآن الكريم الحديث عن خلق السماوات والأرض ، مع أن الأرض لا تصل الى ذرة بالمقارنة الى الكون المادى بمجراته ، وذلك الكون بمجراته ونجومه هو مجرد مصابيح فى السماء الدنيا ، فكيف بما بعدها. أى إن للأرض مع ضآلة حجمها وزنا أكبر من الكون الذى نراه ،لأنها المهيأة للحياة فوقها ، ومنها حياة البشر وقبلهم يأجوج ومأجوج ، ثم تأتى القيامة بتدمير هذه الأرض والسماوات السبع وما بينهما من كون نراه لا نهائيا بنجومه ومجراته فيصبح يوم القيامة صفرا ، ويأتى اليوم الآخر بأرض جديدة خالدة وسماوات جديدة خالدة أيضا ،ويكون عندئذ الفزع الأكبر للمجرمين الظالمين الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره .يقول جل وعلا : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ... ) ( الزمر 67 : 73

والله جل وعلا هو المستعان..

 

الملحق الثانى :

 الفزع الأكبر وقيام الساعة

آحمد صبحي منصور في الجمعة 16 يناير 2009


  

مقدمة
فى المقال السابق عن الفزع الأكبر وعلامات الساعة تسارعت التعليقات ، وقد أجبت على بعضها ، وأشير بسرعة الى بعض النقاط ، وقد كررت الحديث عن بعضها من قبل
1
ـ هناك فارق بين علامات اقتراب الساعة ، وأحداث قيامها أو مظاهر قيامها، والمقال السابق تكلم عن علامات إقتراب الساعة ، وهذا المقال سيشير الى أحداثها . ومن الفارق بينهما أن الإشارة لأشراط الساعة جاء فى الوحى لموسى وجاءت تفصيلات فى علامات اقتراب الساعة فى الوحى القرآنى لمحمد عليهما السلام ، أما وقوع الساعة نفسها فسيكون بغتة كلمح البصر أى بأسرع من الضوء. وتعبير (علامات الساعة ) هو الشائع ، ولقد حرصت على تصحيحه بالقول (بعلامات اقتراب الساعة ) مهتديا بكلامه جل وعلا عن اقتراب الساعة فى مطلع سورة القمر، واقتراب يوم الحساب فى مطلع سورة الأنبياء.

المزيد مثل هذا  2 ـ الآية 61 من سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) تتحدث عن القرآن الكريم باعتباره (علم للساعة) ، وجاءت الاية الكريمة فى سياق الرد على جدال المشركين مع كتاب الله وطلبهم معجزة حسية مثل التى كانت لعيسى عليه السلام :( الزخرف 57 : 62
3
ـ ألآية 10 من سورة الدخان : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ ) لا علاقة لها بالساعة ولكنها خطاب للنبى محمد عليه السلام ولقومه ، وهذا ما يؤكد السياق قبل الاية وبعدها ( الدخان 9: 17 ) ويشرحه ما جاء فى سورة (المؤمنون 72 : 77) . 
4
ـ كررنا كثيرا أن الغيب لله جل وعلا وحده ، وأنه ليس لبشر أن يتحدث فى الغيبيات خارج القرآن الكريم ، ومن يفعل فقددخل فى الخرافة طالما أن خاتم النبيين نفسه لم يكن يعلم الغيب. وبالتالى فهناك غيبيات مذكورة فى القرآن ، منها ما حدث فى الماضى ، ومنها ما سيحدث فى المستقبل ، ومنها ما اسماه الله جل وعلا (علم الساعة )، وكلها لم نرها ولكن نقرأ عنها فى القرآن الكريم ، ويسميها علماء التراث ( السمعيات). 
والله جل وعلا ذكرها ضمن آيات الاعجاز القرآنى لنتدبر فيها ونتعظ ، والتدبر فيها يكون بفهمها من داخل القرآن ، وبالتطبيق على أحدث ما يصل اليه العلم البشرى . ونحن فيما نفعل قد نخطىء وقد نصيب . وفى كل ما نفعل ليس ترفا فكريا بعيدا عن واقع المسلمين وحاجتهم الى الاصلاح ،بل هو أساس فى الاصلاح ، إنه الانذار والوعظ لمن أعمته الدنيا بأن نؤكد له بالقرآن الكريم على أنه آن الأوان ليراجع نفسه ، فالموت آت ، والساعة تقترب ، وقد أكد الله جل وعلا على اقترابها منذ أكثر من 1430 ، وأن الفزع الذى يلحقه المجرمون والطغاة بالمؤمنين الصابرين والمستضعفين فى الأرض سيلقون فزعا أشد منه وأقسى، هوالفزع الأكبر الذى يدوم ولا يزول
5
ـ فى الحديث عن (الفزع الأكبر ) لا بد من الاشارة المقتضبة الى مصدره ، وهو قيام الساعة وأحوال القيامة، وهو موضوع كتاب لم يكتمل ، بعنوان :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، بدأته فى الثمانينيات تأثرا بكتاب للدكتور عبد المحسن صالح يرحمه الله بعنوان ( هل لك فى الكون من نقيض ) يتحدث فيه عن خلق الكون وانقسامه الى كون وكون نقيض من لحظة الانفجار العظيم ،وامتدادهما بيضاويا ، واحتمال انفجارهما حين يلتقى الكون والكون النقيض. قرأت هذا الكتاب فوجدته يتطابق مع آيات قرآنية ، فلبثت أشهرا أجمع المادة العلمية لبحث :( حقائق يوم القيامة بين القرآن والعلم الحديث )، ومنها أستقى هذا المقال
الاشارة المقتضبة لأحداث الساعة وقيام القيامة يعنى أن الموضوع الأصلى هنا هو الفزع الأكبر ، وأنه سيكون بحجم الهول يوم القيامة، ولكى نتخيله فلا بد من الاشارة الى أحداث الساعة وقيام القيامة. وهذا الاختصار يعنى ايضا أن التفصيلات الخاصة بالساعة ليس مكانها هنا ، حتى نوفر مقدما عبء التساؤل عن التفصيلات ونؤجلها الى حين نشر الكتاب المشار اليه بعون الله جل وعلا
بقى أن نقول إن نهاية هذا العالم ووصوله الى نقطة الصفر مرتبط ببداية خلق هذا العالم من نقطة الصفر ، أى أن قيام الساعة وتدمير هذا الكون والسماوات والأرض ومابينهما مرتبط بخلق هذا الكون والسماوات والأرض وما بينهما
أولا :ـ 
موجز بعض ما جاء فى كتاب الاستاذ الدكتور عبد المحسن صالح وغيره ، وتأييده بما جاء فى القرآن الكريم
1
ـ الانفجار الكبير
يقول د. عبد المحسن صالح فى كتابه المذكور ص 123 : عن الانفجار الكونى الهائل الذى نتج عنه خلق الكون : ( إن الكون فى بدايته كان مجتمعا على هيئة مادة مكدسة الى أبعد الحدود ، ولما زاد الضغط فيها الى مستويات لا يمكن تصورها انفجرت على هيئة أجزاء متناثرة أخذت تبتعد وتتمدد الى يومنا هذا ). عندما قرأت هذا لأول مرة تذكرت قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ) ( الأنبياء 30 ). الرتق هو ما ليس فيه مسام أوثقوب ، والفتق هو الانفجار ، والمعنى أن السماوات السبع والأرض كانتا نقطة واحدة مركزة فانفتقت أو انفجرت ، وتكون منها السماوات السبع (التى لا ندركها ) والأرض التى نعيش فيها ، ومابينهما من مجرات ونجوم وكواكب تلمع فى الفضاء ، ويفصل بينها مسافات تعد بحساب السنين الضوئية
عن هذا الانفجار يقول بعضهم إنه قد حدث من 18 ألف مليون سنة ، وقد اكتشف العلماء عام 1965 صدى لموجات كهرومغناطيسية ضعيفة بواسطة الراديو تيليسكوبات ، فسرها العلماء بأنها صدى ذلك الانفجار الهائل الذى شكّل الكون ، والذى لا يزال يتردد حتى الآن
وقد نشرت صحيفة الأخبار المصرية فى 14 نوفمبر عام 1989 أن وكالة ناسا الأمريكية بدأت فى ذلك الشهر تنفيذ برنامج علمى يتكلف 400 مليون دولار يستخدم قمرا صناعيا لدراسة الاشعاعات المتخلفة عن الانفجار الأكبر الذى وقع من 15 بليون عام ، وتمخض عنه قيام الكون بما فيه من كواكب ومجرات . وفى 11 أبريل عام 1990 نشرت نفس الصحيفة تحت عنوان ( ديسكفرى فى مهمة تاريخية بالفضاء لكشف أخطر أسرار الكون ) : ( يعلق العلماء الكثير من الآمال على مهمة التليسكوب العملاق (هابل ) الذى يطلقه المكوك ديسكفرى اليوم الى مدار كونى ييسر له متابعة حركة المجرات والنجوم والشهب ورصد أدق الظواهر بدقة متناهية تعادل عشرة أضعاف ما تم التوصل اليه حتى الان . وتشمل المهمة التى تستغرق 15 عاما : تحديد تاريخ نشأة الكون على وجه اليقين ، حيث تشير النظريات السائدة الى إنه يرجع لانفجار كبير وقع منذ فترة تتراوح بين عشرة الى عشرين مليار سنة ضوئية.. ). 
2
ـ امتداد وتوسع الكون ـ 
بمجرد الانفجار أخذ الكون فى التمدد والتوسع ، مصداقا لقوله جل وعلا : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) ( الذاريات 47 ) أى أن الله جل وعلا سيجعل توسع السماء عملية قائمة ثابتة مستمرة ، والتعبير جاء بالجملة الاسمية (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) التى تفيد الاستمرار والثبات على نفس الفعل
وفى الصفحة العلمية لجريدة الوفد المصرية (29 يولية 1987 ) وتحت عنوان ( الكون فى حالة تمدد بسرعة هائلة وفى جميع الاتجاهات ) إشارة الى نظرية (الميل الأحمر ) والتى على أساسها قدر العلماء عمر الكون الذى بدأ بانفجار هائل ، ومن وقتها بدأ الكون يتسع ، وزيادة الميل الأحمر يدل على أن الكون آخذ فى الاتساع و التمدد، ويقول العالم الابريطانى فرايد إنه كلما اتسع الكون ظهرت فيه تكوينات جديدة من النجوم لملء الفراغ. ومما أكد للعلماء تمدد الكون حركة النجوم المستمرة وعدم ثبات المسافة بينها. وبعد أبحاث استمرت عشرين عاما قال العالم الأمريكى الين سانديج ان سرعة تمدد الكون هى 235 مليون ميل فى الدقيقة ، وأن هذا التمدد بدأ من 18 بليون سنة ، وأن الكون يتمدد بسرعة منتظمة فى جميع الاتجاهات .. وفى عام 1974 أعلن أربعة علماء فى الفلك برئاسة د. ريتشارد جوت من جامعة تكساس أن الكون فى حالة تمدد غير محدد المدى ولا نهائى ، ويقولون أنه طبقا لنظرية اينشتاين فى النسبية فإن الكون (مقوس ) يأخذ الشكل الدائرى بالتقاء الأقواس ،أو إنه اتخذ الشكل الدائرى فعلا من بلايين السنين
والمهم لنا هنا أن ما أكده المقال من أن نظرية النسبية لاينشتاين عام 1916 تؤكد بالمعادلات الرياضية أن الكون فى حالة تمدد مستمر ،وأنه (مقوس )، وأكد نفس الحقيقة العالم الروسى فريدمان عام 1922
والسؤال هنا : ماهى الصلة بين الانفجار الأكبر الذى نتج عنه خلق الكون ، ثم تمدد الكون الى ما يقوله رب العزة عن قيام الساعة وتدمير ذلك الكون ؟ تتاتى الصلة من عاملين : الأول : سبقت الاشارة اليه وهو أن تمدد الكون يأخذ شكل القوس الدائرى ، والثانى هو موضوع كتاب الدكتور عبد المحسن صالح عن الزوجية فى الكون أوالمادة النقيضة
3
ـ الزوجية وتدمير الكون عند الالتقاء
قبل أن نوجز ما قاله د. عبد المحس صالح فى كتابه نستشهد بقوله جل وعلا عن تمدد الكون : (وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( الذاريات 47 : 49 )،أى أن الله جل وعلا ذكر تمدد الكون وألحق به أن كل المخلوقات تتألف من زوجين (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )، أى سالب وموجب ،او المادة التى نعرفها والمادة النقيضة لها. أى أن هذا الامتداد تفرع الى اتجاهين نقيضين ،أحدهما هذا الكون والآخر هو الكون النقيض
أى إن الانفجار الكبير ( البج بان ) قد نتج عنه خلق كونين نقيضين ، وكلاهما يتمدد مبتعدا عن نقيضه، ولكن التمدد يأخذ الشكل البيضاوى الدائرى ، مما يجعلهما يلتقيان فى النهاية، وعندما يلتقيان ينفجران ويتبددان ، ويعود الحال الى نقطة الصفر الأولى، وهذه هى القيامة التى تمثل نهاية الدورة فى الخلق . وأوجزها الله تعالى فى هذه الصورة المجازية الرائعةعن قيام الساعة : (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ)(الأنبياء 104 ). أى فهذا الكون ( من السماوات والأرض وما بينهما من نجوم ومجرات ) مثل كتاب انفتح فانقسم الى جزئين ذهب كل منهما فى اتجاه مناقض للآخر ، ثم يعودان الى الالتقاء ليحل العدم
وننقل بعض ما قاله د. عبد المحسن عن الكون والكون النقيض ، يقول ص 120 : ( المادة والمادة النقيضة لا بد أن تتساويا تماما ، بمعنى أن نصف الأجرام السماوية من المادة ونصفها الآخر من المادة النقيضة ، وهنا نستطيع القول بألأن مبدا الازدواجية قد اكتمل على مستواه الكونى ) . ويقول ص 52 : 53: ( فى عام 1977 توصا العلماء الى تخليق نواة نقيضة لذرة الايدروجين عندما نجحوا فى السيطرة على تجميع بروتون نقيض فى نواة ، ولكن النواة النقيضة ما لبث أن ماتت فى لحظة خاطفة لتتحول الى موجات كهرومغناطيسية . وأصبح بالامكان تخليق الايدروجين النقيض والكربون النقيض والاوكسجين النقيض والنتروجين النقيض . والذرة النقيضة لا تختلف عن الذرة العادية فى صفاتها الطبيعية أو الكيمائية ،فلا تستطيع أن تفرق بين الذهب والذهب النقيض،أو الماء والماء النقيض ، ولكن ليس هناك مكان واحد على كوكبنا نستطيع أن نحتفظ فيه بقطرة ماء نقيض ، اللهم إلا إذا أوجدنا لها فراغا مطلقا على أرضنا لتقف معلقة فيه بحيث لا تقربها ذرات عالمنا . والانسان مهما بلغت وسائله العلمية لا يستطيع ان يتوصل الى خلق فراغ مطلق ، ولهذا لا يمكن ان تعيش أى ذرة نقيضة فى عالمنا إلا لحظة وجيزة ، وبعدها تفنجر بمجرد ملامستها لأى ذرة أرضية، وتختفى على هيئة موجات إشعاعية تنطلق فى الكون بسرعة الضوء. إن الفارق بين الذرة فى عالمنا والذرة نقيضها هو أن الذرة النقيضة معكوسة الشحنات والمجالات والأقطاب المغناطيسية وحركة الدوران) . 
وتحت عنوان (المادة و المادة المضادة فى الفضاء الخارجى ) قالت الصفحة العلمية فى جريدة الوفد بتاريخ 2 سبتمبر 1987 : ( تعتبر الأجسام المضادة فى الفضاء الخارجى اكثر فروع العلم تعقيدا ، حيث أن كل ما نشر عنها مجموعة أبحاث غامضة . ويقول العالم الذرى الفرنسى جان دوبليس رئيس معهد التطبيقات النووية فى ساكلاى :إن اكتشاف الاجسام المضادة يفتح بابا واسعا لاحتمالات الخطر الذى يمكن أن يتعرض له رواد الفضاء فى رحلاتهم حول الأرض أو الى القمر أو فى رحلات أطول فى المستقبل ،إذ أنه عند إلتقاء الجسم مع مادة مضادة فى الفضاء الخارجى يتلاشى الاثنان ، وتنطلق طاقة هائلة. ) 
ونعود الى د. عبد المحسن ليشرح لنا ماذا يحدث عن التقاء المادة بالمادة النقيضة أو المضادة : يقول ص 20 :( إذا تقابل اليكترون بضده فلا بد أن يفنى أحدهما الاخرفناءا تاما ، وتتحول مادتهما الى حالة موجبة أو الى ومضتين حارقتين تجريان فى الكون بسرعة الضوء. ومعناه أن الاليكترون ونقيضه يولدان معا فى نفس اللحظة وفى نفس المكان،ويموتان معا لو تقابلا فى أى زمان ومكان). ويقول ص 55 : ( كل ما حولك وما فيك قد إتخذ صورة المادة ، ولكنها مادة مجسدة من طاقات جبارة أو إشعاعات مدمرة . لنفترض أنك تمسك بيدك زجاجة بها لتر من لبن ، وانك خلطته ـ مجرد فرض ـ مع لتر آخر من لبن نقيض ، عندئذ يختفى كل اللبن ويختفى كل ما حولك حتى لو كان مدينة كبيرة بها ملايين البشر، فقد تحول اللبن ونقيضه من حالتهما المادية الى طاقات جبارة تهلك الناس والحجارة . ونظرية النسبية تقول : الطاقة = الكتلة بالجرامات مضروبة فى مربع سرعة الضوء بالسنتيمتر فى الثانية. أى 2 لتر من اللبن = 2000 جرام ، وسرعة الضوء فى الثانية = 30 ألف مليون سم ،إذن فالطاقة = 2000 مضروبة فى 30 ألف مليون مضروبة فى 30 ألف مليون أرج . والأرج هو وحدة الطاقة . اى يساوى 18 وامامها 23 صفرا . وبالتفجير العملى = 44 مليون طن من مادة ت.ن .ت شديدة الانفجار ،أو 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ) كل ذلك من افتراض التقاء لترى لبن نقيضين . ويتساءل فى ص 142 : ( ماذا يحدث لو التقى نجم مع نجم نقيضه ؟ لالتهم احدهما الاخربعنف لا يمكن تصوره ، وكأنها القيامة )..!!ونكتفى بهذا لنتخيل التقاء هذا الكون كله ( السماوات والأرض وما بينهما ) بنقيضه . هنا تقوم القيامة ، ويتم تدمير العالم كله
4
ـ ونحن نعرف قيام هذه الحياة على الزوجين الذكر والأنثى فى الحيوان والانسان والنبات ، ثم وصل العلم الى سريان قانون الزوجية الى الاليكترون والاليكترون النقيض ، والمادة و المادة النقيضة ، والكون والكون النقيض . وسبق القرآن الكريم فى الاشارة الى تعميم قانون الزوجية ليشمل كل الخلق ، فالله جل وعلا وحده هو (الأحد ) وما عداه من الخلق يقوم على الزوجية ، سواء كان كائنا حيا من البشر والملائكة والجن والشياطين والحيوانات والنبات ،أم مادة جامدة من ذرات وكواكب ونجوم ومجرات وسماوات، يقول تعالى :(وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )( الذاريات 47 : 49 ) ويقول :( وَالَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا )( الزخرف 12 ). ومهما وصل بنا العلم فلن نعرف كل الخلق ، حتى ما كان منه فى عالمنا ، فكيف بنقيضه وهو ما لا نعلمه ، يقول جل وعلا : (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ ) ( يس 36 ). والسماوات السبع تخرج حتى الآن عن نطاق علمنا ، فكيف بنقيضها ؟ 
وحتى نتخيل الفزع الأكبر لمن سيشهد من البشرالانفجار الأكبر القادم والذى سيدمر العالم، دعنا نتذكرالحسابات التى أجراها د. عبد المحسن صالح عن الانفجار الذى يحدث عند التقاء لتر واحد من اللبن بنقيضه ، وهو يساوى 2200 قنبلة ذرية من نوع هيروشيما ، فكيف عندما ينتج الانفجار عن التقاء السماوات والأرض وما بينهما من مجرات بنقيض ذلك كله ؟ وعلى قدر هذا الانفجار سيكون الفزع الأكبر للبشر حينها
ثانيا : تدمير العالم لن يكون بسبب داخلى بل بسب إلتقاء الكون والكون النقيض
1
ـ وبعض العلماء فى عصرنا يتوقعون نهاية العالم باصطدام (نيزك ) بالأرض ، أو اصطدام نجم مع الشمس أو بوقوع الشمس فى نطاق ثقب أسود ، أو وصول الشمس الى درجة الهرم وانفجارها من الداخل لتتحول الى ثقب أسود ، ويضعون تقديرات لهذا تصل الى بلايين السنين . ولكن نفهم من القرآن الكريم أن تدمير العالم لن يأتى من الداخل بل سيأتى عندما يلتقى الكونان النقيضان فيعود العالم الى نقطة الصفر والعدم
2
ـ والله جل وعلا يستعمل فى القرآن الكريم المجاز فى اللسان العربى ليقرب لأفهام الناس الغيب الماضى وغيب المستقبل ، وما يستحيل عليهم إدراكه بعقولهم البشرية المرتبطة بأحوال الدنيا والعالم المرئى،أو (عالم الشهادة). 
ومن المعروف ان التساوى بين قوتى الجاذبية الأرضية وقوة الطرد المركزى هى التى تحفظ وضعية مسار كل الكواكب والنجوم ، وقد جاء التعبير القرآنى عنه بأن الله جل وعلا يمسك السماوات والأرض ، أى إن قوانين الجاذبية و الطرد المركزى تسرى على ما لا ندركه من السماوات السبع فى هذا العالم ، يقول جل وعلا :(إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) ( فاطر 41 )،أى فالتحكم فى السماوات والأرض بالبقاء أو الفناء بيد الله جل وعلا وحده ،وعليه فعندما يأذن الله فسيتم تدمير هذا العالم كله ، بأن ينهار نظام التحكم فيه ، يقول جل وعلا : (وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)(الحج 65). 
3
ـ والحسابات الرياضية هى التى وصل بها اينشتاين فى مكتبه الى نظرية النسبية ، والحسابات الرياضية هى الى تمكن العلماء فى فهم ألغاز الفلك وهم فى معاملهم دون أن يتكلفوا الصعود الي الفضاء الخارجى ، لأن حساباتهم الفلكية تحملهم إلى أبعد ما يتصورون . ومن حساب حركة الشمس وحركة القمر اتخذ الانسان تقاويمه الشمسية و القمرية: يقول تعالى :(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) أى أن هذا النظام الكونى يخضع لحسابات دقيقة ،أو ميزان دقيق ، يفسره قوله تعالى (وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ )(الرحمن 5 ، 7).والميزان هو ما نسميه بالتوازن فى (الطبيعة ). وعندما يأذن الله جل وعلا فسينهار هذا الميزان فيتدمر كل شىء موجود الآن
4
ـ وبعض الايات التى تشير الى إعجاز علمى فى القرآن تؤكد هذا النظام الدقيق لحركة الكون ، يقول تعالى عن قانون الزوجية :(سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) وبعده يشير الى آية تتابع الليل و النهار نتيجة دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس ، ويعتبرها آية لمن يعتبر ويتعظ : (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) ثم يقول عن الشمس : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فستظل الشمس تجرى فى فضاء المجرة الى ان تصل الى النقطة المحددة لها ،أو المستقر المحدد لها حيث ينتهى كل شىء بالدمار. ويقول تعالى عن القمر:(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ) وهنا الحديث عن أوجه القمر من البدر الى الهلال ، ثم يشير جل وعلا الى أن لكل من الشمس والقمر مداره فى الفضاء ، ولكل منها حركته المحسوبة التى ينتج عنها الليل و النهار : ( لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )( يس 36 : 40) . 
5
ـ وعن الجاذبية الأرضية وقوة الدفع المركزى التى تحفظ لكل جرم سماوى مداره يقول تعالى : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) وحقيقى فلن نستطيع رؤية الجاذبية و نقيضها ، وإن كنا نعيش فى إطارهما ، ثم يقول تعالى يصور تمام تحكمه فى الكون : (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) ويقول عن الشمس والقمر، وجريان كل منهما فى مداره لأجل محدد ومسمى من عند الله جل وعلا: ( وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) ( الرعد 2
6
ـ وعن الانفجار الذى أنتج هذا العالم بالكونين المتناقضين يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) ثم يؤكد على حقيقة علمية هى أن الماء أساس الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) ثم يذكر دور الجبال فى حفظ القشرة الأرضية حتى لا تسقط بيابسها وبحارها فى أتون اللهب المستعر فى باطن الأرض : ( وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ) ويقول عن الممرات الجبلية:(وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) ويقول عن حفظ الغلاف الجوى للأرض (حزام الأوزون ):(وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) ثم يقول عن النظام المحكم فى الفضاء : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( الأنبياء 30 : 33 ). وبالانفجار القادم سينهار كل هذا النظام المستقر
7
ـ والرعب ينتاب البشر من الصواعق التى تسقط على الأرض ، وقد يراها البعض عشوائية ، ولكن لا شىء يجرى عشوائيا فى ملك الخالق جل وعلا ، يقول ربى سبحانه وتعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء ) ( الرعد 13 ) فالصواعق محسوب مقدما منشأها ووقتها وموقع سقوطها ومن ستقع عليه وماذا ستقع عليه ، وكيف ستنتهى مادتها ، كل ذلك يدخل ضمن التقدير الالهى فى الخلق ، فكل شىء فى الخلق محسوب ومقدر من دون الفامتو ثانية الى ما هو أسرع من السنة الضوئية ، يقول جل وعلا : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) ( الفرقان2 ) ومن ضمن التقدير الالهى ان ينتهى كل الخلق باسرع من سرعة الضوء (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( القمر 49 : 50
ثالثا : استعمال القرآن للمجاز فى وصف الإنفجار القادم الذى سيدمر العالم
ولأن اللغة العربية لا تكفى للتعبير عن هذا الانفجار القادم ـ قريبا ـ فإن رب العزة يستعمل المجاز اللغوى ليقرب الى الناس تخيل الانفجار القادم وما يصاحبه من صوت وصعق. إن الأذن البشرية ليست مؤهلة لسماع كل شىء فى هذا العالم ، وكذلك العين البشرية . ولقد جرّب البشر أصوات انفجارات فى الأرض فى الزلازل والبراكين والقنابل الذرية ، والصواعق والرعد والبرق ، ولكن الانفجار القادم يوم تقوم الساعة مختلف ولم تعرفه البشرية بعد ،ومن هنا يأتى عجز اللغة البشرية عن التعبير عنه إلا بالمجاز مع إضافة بعض الملامح التى يتميز بها هذا الانفجار عما نعرفه من انفجارات. ونضطر هنا الى إشارات مقتضبة
1
ـ إن الأغلب فى التعبير عن الانفجار القادم هو ( النفخ فى الصور) تعبيرا عن تمام تحكمه جل وعلا يوم الدين : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) ( الأنعام 73 ). الخبرة البشرية وقت نزول القرآن الكريم أن النفخ فى الصور هو أعلى صوت يصنعه الانسان ، وهو دليل صوتى على تحكم الملك أو السلطان فى الاحتفالات والمناسبات الملكية والأميرية
ومن هنا جاء استعماله مجازا فى التعبير عن الانفجار الهائل القادم الذى يدل على مجىء مالك يوم الدين جل وعلا. ويلاحظ أن أحداث الساعة و القيامة يأتى التعبير عنها بالماضى المجهول ، فالله جل وعلا ترك للبشر فى هذا العالم حرية الايمان وحرية الكفر وحرية الطاعة وحرية المعصية وحرية الحركة و التنقل و التصرف ، ولكن النفخ فى الصور يعنى مجىء المليك الأعظم وانتهاء حرية الانسان واحضاره معتقلا ليلقى مصيره ،أو بالتعبير القرآنى : (وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ) ( يس 32 )،أى حين ينفخ فى الصور لا يستطيع أحد الهرب ، بل تأتى كل نفس معها سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ )( ق 20 : 21). هذه هى النفخة الأولى أو الانفجار الأول لقيام الساعة وتدمير هذا العالم ، وفى النفخة الثانية أو الانفجار الثانى بعث البشر واستحضارهم جميعا مقبوضا عليهم ، يقول جل وعلا : (إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) ( يس 53 ). ويلاحظ ان التعبير هنا لم يات بالنفخ فى الصور ولكن ب(الصيحة الواحدة )، وهو نفس استعمال المجاز اللغوى لتقريب ما لم ندركه بعد
وفى كل الأحوال فالكلام عن الساعة واليوم الاخر يأتى عادة بالمبنى المجهول دليلا على ان عهد الحرية قد انتهى بالنسبة للبشر من لحظة الموت ، ويستمر أصحاب النار فى اعتقالهم الأبدى بينما يتحرر أصحاب الجنة بدخولها
2
ـ بالاضافة الى نفخ الصور ياتى التعبير القرآنى أيضا يصف الانفجار القادم بالصيحة:(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ )( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)(يس 48 ، 53) ، والتجربة البشرية تستبعد أن تتسبب صيحة مهما كانت قوتها فى تدمير العالم ، وأن تتسبب صيحة أخرى فى بعث الموتى وحشرهم
أى أننا هنا أمام نوع لا نعرفه من الانفجار ، قد يعبر الله تعالى عنه مجازا بأنه ( نقر فى الناقور ) : (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِير ) ( المدثر 8: 10 ) أو أنه صوت يخرق الأذن ،أو (الصاخة ) : (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) ( عبس 33 : 37 ) أو هو (القارعة ) التى تقرع السمع : (الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) ( القارعة 1 ـ ). ولكنه أنفجار صاعق ، وبنوعية لا نعرفها من الصعق ، إذ يصعق الكون بنقيضيه فيصير لا شىء ، ويصعق من شاء الله جل وعلا لهم الصعق ،ويحدث البعث والنشور و الحشر(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ( الزمر 68 )، (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) ( الطور 45 ) فكيف يكون إثنان فى مكان واحد يصعق أحدهما دون الآخر حسب العمل والايمان ؟ 
3
ـ وكما جاء تصوير الانفجار بالصوت والصعق فقد جاءت إشارة أخرى الى وصف حركته ،فى قوله جل وعلا : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ )( النازعات 6 : 7 )وهنا إيجاز رائع للانفجار الأول ووصفه بالرجفة ، ثم مجىء الانفجار الاخر مرادفا ، وتتركنا الاية الكريمة نتخيل الرجفة الأولى والرجفة الأخرى المرادفة لها
رابعا : الانفجار القادم انفجاران و ليس إنفجارا واحدا
1
ـ إذن هناك أنفجاران ، الأول إنفجار تدمير العالم الحالى ( الساعة )، والتالى هو انفجار(القيامة) بخلق الأرض البديلة والسماوات البديلة الخالدة والبعث والحشر والحساب والجنة والنار
2
ـ وفى هذا يقول جل وعلا عن البشر الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره، وسيفاجأون مفاجأة قاسية يوم القيامة : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ( الزمر 67 ـ). 
قوله تعالى (وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) تعبير مجازى عن تمام تحكمه يوم القيامة بحيث تنعدم حرية البشر ويؤتى بهم للحساب بما فيهم الأنبياء. ( وهنا إشارة ضمنية لمن يرفعون اسم النبى محمد الى جوار اسم الله جل وعلا ، فهم لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره ) والشاهد هنا أن ( نفخ الصور ) أو الانفجار سيأتى مرتين ، فى الانفجار الأول يتم صعق جميع المخلوقات فى السماوات والأرض سوى من سيثتثنيهم الله جل وعلا ، وفى هذه الصعقة سيتم تدمير العالم : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ) ،وفى النفخة الأخرى سيكون البعث:(ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) . 
وفى هذه النفخة او ذلك الانفجار الآخر سيتم خلق عالم جديد يكون بديلا ومناقضا للعالم الذى تم تدميره ، فاذا كان العالم الذى تم تدميره لا يتحمل مجىء الله جل وعلا فان العالم القادم واليوم الاخر سيتحمل مجىء الرحمن والملائكة صفا صفا : (كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر 21 : 22) ، وستشرق الأرض الجديدة بنور ربها(وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا ).وإذا كان العالم الذى تم تدميره ممكنا تدميره وله بداية ونهاية فان السماوات الجديدة والأرض الجديدة ،أو العالم الجديد له بداية ولكن يظل خالدا مخلدا ، بنعيم أبدى أو بجحيم أبدى . يقول جل وعلا عن العالم القادم بعد الانفجار الآخر:(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ )( ابراهيم 48 ). التبديل هنا تناقض كامل بين الأرض الحالية والأرض القادمة ، وبين السماوات الحالية والسماوات القادمة ، وبين حال أبناء آدم الآن وحالهم المؤبد فى الجنة أوالنار
3
ـ ويقول جل وعلا : (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(يس 48 : 54). التعبير هنا بالصيحة مكان نفخ الصور. وفى الصيحة الأولى يكون الموت لآخر جيل فى الأرض بحيث لا يستطيع من فى بيته النطق بالوصية ، ولا يستطيع الغائب عن أهله الرجوع . وفى الصيحة الأخرى يتم بعثهم وحشرهم وإحضارهم الى لقاء الرحمن
4
ـ وبالسياق القرآنى يمكن التعرف على الانفجار الأول ، فمثلا يقول تعالى عن يأجوج ومأجوج وخروجهم لسطح الأرض واختلاطهم بالبشر قبيل قيام الساعة ونهاية العالم : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا)(الكهف 99 ). ويقول جل وعلا عن تدمير العالم بعد الانفجار الأول : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ) (الحاقة 13 : 16
5
ـ وبالسياق القرآنى أيضا نميّز الانفجار الآخر ، يقول جل وعلا : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ )( يس 51) فهذا هو الانفجار الخاص بالبعث ، ومثله قوله تعالى عن الحشر: (يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ) (طه 102 ) ويقول جل وعلا عن الصيحة أو صوت الانفجار الذى سينتج عنه البعث والحشر : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) ( ق 42 : 44 ) . ويقول أيضا عن البعث ويوم الفصل والحساب : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا)(النبأ 17 ـ
5
ـ والزمن القادم سيكون مختلفا ، ليس زمنا متحركا مثل زمننا ، بل هو زمن خالد حالّ واقف ليس فيه ماض ولا مضارع ولا مستقبل ، وبكيفية لا نستطيع تصورها ، ولذا يأتى فى السياق القرآنى أحيانا بالنفخ فى الصور والانفجار بصورة واحدة تنطبق على الانفجار الأول والآخرمعا ، وذلك فى معرض الايجاز ، كقوله تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)( المؤمنون 99 ـ ) فهنا كلام عن الموت والبرزخ ثم نفخ الصور أو الانفجار والبعث فى سياق واحد ، وهذا الايجاز استلزم الاشارة الى نفخ الصور مرة واحدة
ويقول جل وعلا يربط البداية بالنهاية فى ايجاز واعجاز :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ( ق 16 ـ
خامسا : قيام الساعة والانفجار الأول وتدمير النظام الكونى القائم
1
ـ بأسرع من سرعة الضوء يحدث الانفجار فينسف النظام الكونى ويدمر السماوات السبع والأرض وما بينهما من أجرام سماوية . ولقد تردد فى القرآن العظيم ملامح هذا الانفجار الأول فى تدمير العالم فى سور كثيرة منها :( الحاقة 13 ـ 16 )( المزمل 14 ) التكوير 1 : 7 )( طه 105 : 107 )(الأنفطار 1 : 4 )( الزلزلة 1 ـ )( القارعة 1 ـ ) ( الانشقاق 1 : 5 ) ( المعارج 8 :9 ) (الواقعة 1 : 6 ) ( المرسلات 7: 10 ) ( الطور 7 : 11 ) ( النازعات 6 : 7 ) ( النبأ 19 : 20). 
2
ـ ومنها نعطى بعض الملامح القرآنية فى تدمير هذا العالم
الأرض والجبال : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ
الأرض :( إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ) (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) (وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ
الجبال : (وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ) (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ ) (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا ) ( وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ) (وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ)( وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا
البحار (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ
السماء : (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ) (وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) (إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ) ( وَفُتِحَتِ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) (وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ) (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْرًا
القمر : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ
الشمس : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ
النجوم : (وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ) ( فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ
الكواكب : ( وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ
الأحياء : (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ). 
والتوقف مع تحليل تلك الملامح يخرج عن موضوعنا لأن موضوعنا الأساس هو الفزع الأكبر الناجم عنها
سادسا : ملامح الفزع فى الانفجار الأول
يقول جل وعلا يحذر مقدما من زلزال الساعة :( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )( الحج 1 :2 ). الملاحظ هنا أن هذا الوقت الذى سيشهد فيه آخر جيل بشرى قيام الساعة هو أقل وقت يمكن تصوره ،لأن الساعة ستأتى بغتة وبأسرع من الضوء ، ولكن الفزع الذى سينتج من هذا الوقت سيكون عميقا كما لوكان خالدا ، ففى هذا الوقت الذى هو أسرع من سرعة الضوء ستتكثف مشاعر الرعب والفزع بحيث تذهل المرضعة من البشر و الحيوان عن رضيعها ، وتسقط كل انثى حامل ،أى إجهاض قهرى لكل الحوامل من الأحياء ، أما البشر أصحاب الادراك فسيضيع منهم الادراك ، سيكون حالهم غير مسبوق ، فى حالة سكر بدون سكر ، كيف تكون سكرانا وأنت لست بسكران ؟ كيف تسكر بدون أن تشرب أى شىء مسكر؟ حالة فريدة غير مسبوقة ، ولكن ستحدث لمن سيعيش وقت قيام الساعة . هنا يصف الله جل وعلا ملامح الفزع دون أن يذكر إسم الفزع ، ويأتى بمشاهد وأحاسيس غير مسبوقة ليؤكد أن الفزع سيكون غير مسبوق
سابعا : ملامح الفزع فى الانفجار الآخر
1
ـ يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) ( النمل 87 ). الفزع هنا يقتصر على البعض دون الكل مع أنه يشمل الخلق فى السماوات والأرض ، ومع أن الجميع سيأتون لله تعالى خاضعين
2
ـ المؤمنون الصالحون هم فقط الناجون من هذا الفزع. يقول جل وعلا : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) ( الأنبياء 103 ) يؤكد هذا قوله تعالى ( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( النمل 89 : 90
3
ـ فى فزعهم الأكبر يحاول أصحاب السيئات الفرار ، ولكن دون جدوى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ) ( سبأ 51
4
ـ فى مقابل الفزع الأكبر للمجرمين لن يكون هناك خوف على المؤمنين الصالحين ، ولن يشعروا بحزن . ومن وقت نزول آدم الى الأرض جعلها رب العزة قاعدة سارية المفعول ، فكل من اتبع الهدى من أولاد آدم لا خوف عليه ولا حزن ، قال جل وعلا (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( البقرة 38 ). وتأكدت وتكررت هذه القاعدة فى القرآن الكريم لتشمل المؤمنين الصالحين فى كل زمان ومكان بغض النظر عن الملل و النحل والانتماءات المذهبية : ( البقرة 62 ، 112 ، 262 ، 274 ، 277 ، )( آل عمران 170 )( المائدة 69 )( الأنعام 48 )( الأعراف 35 ، 49 )( يونس 62 ) ( الزخرف 68 )( الأحقاف 13).
أخيرا
1
ـ هذه لمحة عن غيب قادم أنبأ به رب العزة فى القرآن الكريم . هناك من يصدق به قلبا ويستعد له بالعمل الصالح ، وهناك من يصدق به ظاهريا دون أن يصحح سلوكه ، وهناك من ينكره ويتندر به . والأكثرية عنه غافلة . وللجميع حرية التصديق وحرية التكذيب وحرية السلوك ، ولكن أمد هذه الحرية قليل ويتضاءل كلما اقترب الانسان من الموت ، ويفقد الانسان تلك الحرية عند لحظة الاحتضار.
عندها يعجز الأهل والطب عن إنقاذه من الموت ، وعندها يرى عالما لا يعرفه و ملائكة أتت لتقبض نفسه ، وهنا يختلف موقفه وموقعه ،إن كان ناجحا فستطمئنه الملائكة وتجنبه الخوف والفزع وتؤكد له أنه لا خوف عليه ولا حزن : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) ( فصلت 30 :31 ) أما إن مات ظالما كافرا فسيكون له مع ملائكة الموت شأن آخر :( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ) ( محمد 27 )( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ( الأنفال 50 : 51). 
2
ـ ولقد قال جل وعلا : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ) ( الأنبياء 1 : 3 )، أى قال الله جل وعلا منذ أكثر من 1400 عام باقتراب يوم الحساب ، ومع ذلك فلا يزال الناس عنه فى غفلة معرضون لاهية قلوبهم . بل إن أغلب المسلمين قد استعد لهذا اليوم بتكذيب آيات الله تعالى فى القرآن وبالايمان بأكاذيب الأحاديث وبتشويه اسم الاسلام بالارهاب و التعصب والتطرف بينما تخصص طغاة المسلمين فى ارهاب المؤمنين المصلحين المستضعفين فى الأرض
3
ـ والى المؤمنين المجاهدين الصابرين المستضعفين فى الأرض نقول لهم صبرا.. ونقرأ معهم قوله جل وعلا : ( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ وَلا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى وَجَمَعَ فَأَوْعَى) ( المعارج 5 : 18
4
ـ ودائما ـ صدق الله العظيم

 

الملحق الثالث :

يأجوج ومأجوج
مقدمة : 
1 ـ فى الاعدادى الأزهرى لم يقنعنى التفسير الاسطورى لموضوع يأجوج ومأجوج لأن سطح الأرض أصبح مرئيا لا وجود فيه للسد بالطريقة الى قالتها أساطير التراث . وأرهق عقلى أن الله جل وعلا يؤكد وجودهم تحت الأرض حتى قبيل قيام الساعة ، فأين هم الآن ؟ . 
2 ـ حملت هذه المشكلة فى عقلى ، أنا أومن بما قاله رب العزة بوجودهم الى قبيل قيام الساعة ليكون خروجهم من باطن الأرض آخر علامات الساعة . والسؤال الموجع :ما هو الدليل على وجودهم . 
3 ـ ثم نشرت جريدة الأحرار على صفحة كاملة فى الثمانينيات عرضا لكتاب غربى يؤكد أن باطن الأرض مسكون بحضارة متقدمة ، بعدها نشرت روزاليوسف عرضا لكتاب آخر مفصل عن وجود هذه الحضارة المتقدمة فى باطن الأرض . 
4 ـ كنت فى أمريكا عام 1988 وجمعت كتبا متصلة بالموضوع وهى هذه الكتب:
Hidden Worlds
Fresh Clues to the Past
By M.H.J.Van der Veer and P. Moerman
The Stairway to Heaven
By Zecharia Sitchin
The Cave Of The Ancients
By Lobsang Rampa 
The Cosmic Connection
By Carl Sagan
The Outer Space Connection
By Alan and Sally Landsburg
Chariots of The Gods?
By Erich Von Daniken’s
Colony : Earth 
By Richard E. Mooney
Understanding MU
By James Churchward
The Sacred Symbols of MU
By James Churchward
The Dragons Of Eden
By Carl Sagan
Miracles Of the Gods
By Erich Von Daniken 
Forgotten Worlds
By Robert Charroux
The Bermuda Triangle
By Charles Berlitz
Lmbo Of the Lost
By John Wallace Spencer
The Devil’s Triangle
By Richard Winer 
In Search of Ancient Gods
By Von Daniken
The Golds of The Gods 
By Erich Von Daniken
5 ـ وعدت بها مع أوراقى الى مصر ، حيث قضيت ليلتين فى سجن أمن الدولة الى ان قاموا بفحص كل اوراقى كتبى ، ثم أفرجوا عنى . إنشغلت بعدها فى بحث عن وجود يأجوج ومأجوج إعتمادا على هذه الكتب ، ثم بمتابعة ما تنشره الصحف المصرية خلال التسعينيات ـ خصوصا جريدة الوفد فى صفحتها العلمية . 
6 ـ فى عام 2007 أتممت صياغة أولية لكتاب ( يأجوج ومأجوج ) بالعربية ، وبعثت به مع عمرو الباز ليقوم أخى عبد اللطيف بكتابته مع أبحاث أخرى كانت معدة للنشر فى موقع أهل القرآن . وقتها تم القبض على عبد اللطيف وأصحابه ، وهوجمت شقتى فى القاهرة وصودر ما فيها، وإعتقلوا عمرو الباز ، وأصبح فى نفس السجن مع عبد اللطيف . وصودرت أبحاثى التى بعثت بها مع عمرو الباز . وكان منها كتاب ( يأجوج ومأجوج ). 
7 ـ لا زلت أتابع الموضوع ، ليس فقط فى الكتب ولكن فيما يظهر على الانترنت ، وهو موضوع ضخم ، ويؤكد إعجاز القرآن فى موضوع ينتظره البشر ، وهو من آخر علامة من علامات الساعة . أرجو أن يُتاح لى الوقت والجهد لاستكمال هذا الكتاب عن أولا : 
فكرة عامة عن ياجوج ومأجوج : 
1 ـــ آدم أبو البشر كان خليفة ، ليس خليفة الله فى الأرض وإنما خليفة فى الأرض لخلق هائل كان يسيطر على الأرض ونشر فيها الفساد وسفك الدماء فحرمه الله جل وعلا من خلافة الأرض ،وشاء الله تعالى أن يأذن يتغييب هذا الخلق فى جوف الأرض واستخلاف آدم وذريته مكانهم ، وسيظل الأمر كذلك إلى قبيل قيام الساعة ، وعندها يخرج أولئك القوم من باطن الأرض ويختلطون بالبشر وعندها يتم تدمير العالم .
2 ـــ قبل آدم وذريته كان يأجوج ومأجوج متحكمين فى الأرض ، يفسدون فيها ويسفكون دماءهم بينهم. قال جل وعلا للملائكة:(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، أى خليفة سيخلف يأجوج ومأجوج ، فردت الملائكة من واقع خبرتها بما تراه من سلوك يأجوج ومأجوج:( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30) البقرة )، وأهبطه الله جل وعلا آدم ليكون خليفة فى الأرض . 
3 ـــ وفى أحدى ثنايا الكرة الأرضية توالد أبناء آدم ، وكان يعوق انتشارهم وسيطرتهم على الأرض وجود يأجوج ومأجوج فى تمام سيطرتهم وقوتهم وطغيانهم ، ولكى يتاح لأبناء آدم فرصة للبقاء والتمكين والإستخلاف فى الأرض كان لابد من تدخل إلهى يترتب عليه حجز يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وترك سطح الأرض خاليا لأبناء آدم . وهذا ما جاء فى ثنايا قصة ذى القرنين.
ثانيا :
فى سورة الكهف : تمكين مؤقت لذى القرنين ليفصل بين بنوآدم ويأجوج ومأجوج
1 ـــ واضح أنه كان هناك تساؤل عن ذى القرنين ، وسئل النبى محمد عليه السلام عن ذى القرنين ، وانتظرالنبى ـ كالعادة ـ الى أن نزلت الاجابة فى قول رب العزة:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (83) الكهف ) ، أى فى القرآن الكريم مجرد لمحات عن ذى القرنين ، وبينها فراغات كثيرة غير مذكورة ، ولأنها غيب فلا يصح لأحد أن يتكلم فيها ، وإلا كان الكلام خرافة ، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله جل وعلا . ونتدبر فى الآيات بعيدا عن الخرافات : 
2 ـ لقد أعطى الله تعالى ذا القرنين هيمنة على الأرض تفوق هيمنة يأجوج ومأجوج، يقول تعالى عنه: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) الكهف 84-85). واستخدم كل تلك القوة فى حجز يأجوج ومأجوج داخل جوف الأرض وإقامة سد أو ردم يحجز بينهم وبين سطح الأرض من حيث يوجد أبناء آدم .
3 ــ ونتوقف مع قوله تعالى عن حوار جرى بين أبناء آدم وذى القرنين : ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) الكهف 94 – 95). وفى قولهم يأجوج ومأجوج أنهم مفسدون فى الأرض يذكرنا بقول الملائكة لرب العزة جل وعلا حين قال لهم:(إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)، حيث قالوا له:(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) البقرة 30 ). ونتأمل رد ذى القرنين: ( ما مكنى ربى فيه خيرا )، فهذا تمكين إلهى لذى القرنين تمكن به من إقامة الردم أو السد الحاجز الذى سيظل مانعا لإختلاط يأجوج ومأجوج بالبشر إلى أن تقوم الساعة ، ونقرأ قوله تعالى عن يأجوج ومأجوج وذلك الردم أو السد " فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا) الكهف 97-99 " .
ثالثا : 
يأجوج ومأجوج فى سورة الأنبياء 
1 ـ جاء ذكر يأجوج ومأجوج فى سورة الأنبياء ونعطى لمحة سريعة عنها : 
القسم الأول من سورة الأنبياء هو وعظ الناس : بتبصيرهم وتذكيرهم بإقتراب يوم الحساب وغفلتهم عنه " أية 1-5 " وإهلاك الأمم السابقة " 6-15" ودعوة البشر للإيمان بالله تعالى وحده " 16- 50" .
القسم الثانى : هو قصص الأنبياء " من أية 51-91" وينتهى بنتائج تقرر وحدة الدين الإلهى الحق مقابل الدين البشرى الباطل الكافر " 92-93" وعدم كفران حق الصالحين فى النعيم " 94 " واستحالة رجوع أمة من الأمم السابقة للحياة فى هذه الدنيا بعد أن أخذت دورها واختبارها فى هذه الحياة الدنيا " 95 " .
القسم الثالث : عودة لأقتراب يوم الحساب بالحديث عن خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها " 96-97" ثم أحوال قيام الساعة " 98-105" وتختم السورة بالوعظ الذى أبتدأت به " 106 – 112 " 
2:ـــ قبل الحديث عن خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض يقول جل وعلا عن إستحالة عودة الأمم السابقة التى أهلكها الله " وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95)) ثم يأتى الإستثناء برجوع خلق أخر من غير أبناء أدم ، وهم يأجوج ومأجوج ، يقول جل وعلا: ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )الأنبياء 96-97 ).
رابعا : 
المفهوم من سورتى الكهف والأنبياء أنّ : 
1 ـ يأجوج ومأجوج كانوا متحكمين فى الأرض ثم أدخلهم الله تعالى باطن الأرض ليعطى فرصة لأبناء آدم ، وبعد أن يأخذ أبناء أدم فرصة الأختيار والأختبار جيلا بعد جيل ، يأتى وقت القيامة ، وتدمير الكون. 
2 ــ وقبيل تدمير الأرض بالزلزال " إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) الزلزلة 1 ) يحس يأجوج ومأجوج – بتقدمهم العلمى وهم فى باطن الأرض – بما سيحدث ، وعندها يخرجون هاربين إلى سطح الأرض ليختلطوا ببنى أدم وعندها تقوم الساعة . كانوا قد تعودوا وتأقلموا فى الحياة فى باطن الأرض جيلا بعد جيل ،ولكن خطر تدمير الأرض سيدفعهم الى الهروب من باطنها ، وبتقدمهم العلمى ستكون لهم ملاذات فى كواكب أخرى يهربون اليها ، ولكن قيام الساعة يعنى تدمير الكون كله وليس مجرد الأرض . 
3 ـ ويأتى وصف القرآن الكريم رائعا وموحيا لكيفية خرج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها ، فالتصوير هنا كأن سطح الأرض فد انفتح فجأة تغرات فى كل مكان ،وظهرت جموع يأجوج ومأجوج من كل مكان يأتون . أو بتعبير آخر كأن الأرض كانت حبلى بأولئك الخلق يأجوج ومأجوج ، ثم نثرتهم فجأة على سطحها ، كأنهم يتوالدون ويتناسلون من داخلها . ولو تخيلنا رائد فضاء خارج الغلاف الجوى وينظر إلى الكرة الأرضية فيجدها مثل ثمرة بطيخ ضخمة معلقة ، وقد إمتلأت ثقوبا ، ومن هذه الثقوب يتوافد إلى سطح الأرض مخلوقات جديدة تختلط بالبشر. أو كما يقول الله سبحانه وتعالى عن البشر ويأجوج ومأجوج فى سورة الكهف : ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) الكهف 99 )، وفى سورة الأنبياء : ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )الأنبياء 96 – 97 ). 
خامسا : 
ظهور يأجوج ومأجوج آخر علامات الساعة : 
1ــ بعضهم يطعن فى القرآن الكريم ساخرا من قصة يأجوج ومأجوج وذى القرنين ، على أن المؤمن بالقرآن الكريم لابد له من التسليم بأن الأعجاز القرآن مستمر بإستمرارالبشر متفوقا على البشر إلى قيام الساعة ، وإن منه ما يدخره الله تعالى إلى قبيل الساعة كإحدى علامات الساعة ، 
2 ـ وبينما كان النبى لا يعلم موعد الساعة وليس له أن يتكلم فيها ، فإن علاماتها وردت فى القرآن الكريم ، بداية من الحديث عن إقترابها فى كلام رب العزة مع موسى عليه السلام (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) طه )، ثم كان نزول القرآن الكريم الرسالة الخاتمة للبشرية أول علامة من علامات الساعة ، أو بالتعبير القرآنى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) محمد ) ونزل في القرآن الكريم التأكيد على إقتراب نهاية العالم ، فى قوله جل وعلا ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر) وقوله جل وعلا فى مطلع سورة الأنبياء التى تكلمت عن يأجوج ومأجوج : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) الأنبياء ) وردا على إستعجال الساعة قال جل وعلا : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) ) أى إن الأمر الالهى قد صدر ، ويبقى تنفيذه بالزمن البشرى . 
3 ـ وذكر رب العزة ( أشراط ) أو علامات الساعة ، ومنها ما نراه الان فى عصرنا ، يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس )، ونحن نرى الانسان الآن قد دخل فى تقدم علمى مضطرد جعله يعتقد أنه قادر على الأرض ، وبالتالى فقد إقترب الأمر الالهى بتدمير الأرض والكون . 
4 ـ ومن علامات الساعة التى ستظهر قبيل قيامها خروج دابة من الأرض تكلم البشر ، يقول جل وعلا :( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ )النمل 82 ) ، ثم يكون خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض آخر علامات الساعة وعنده تكون نهاية العالم وتدميره .
سادسا :
يأجوج ومأجوج إعجاز قرآنى سيظهر للبشر قبيل قيام الساعة :
1 ـ نعيد التأكيد على أن الأجيال التى عاصرت نزول القرآن كانت تروى حكايات ذى القرنين فى روايات شفهية أو كان لدى أهل الكتاب أخبار عنه ، وقد سألوا النبى محمدا عليه السلام ، وكالعادة كان النبى محمد عليه السلام ينتظر الإجابة من الوحى القرآنى ، فتأتى الإجابة بما يلائم عقول البشر ، أى لم تأت الإجابة كاملة شاملة فوق إمكانات البشر فى الفهم والإدراك ، قال تعالى " قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا " أى قدرا يكفى للذكر والعلم والعبرة . 
2 ـــ وكالشأن دائما فى إعجازات القرآن العلمية وأياته التى تسبق العلم الحديث ، فإن بعض مكتشفات العلم الحديث تأتى بمعضلات يستحيل فهمها , ومنها وجود خلق متحضر متقدم على البشر بألآف السنين سبق أن استعمر هذا الكوكب ولا تزال آثاره باقيه على سطح الأرض ، كما لا تزال له علاقة غامضة بسطح الأرض ، وعلاقة غامضة بأهل الأرض . هذا الخلق الغائب الحاضر هو يأجوج ومأجوج الذى يعيش فى باطن الأرض حتى الأن يفصله عن البشر سد أو ردم، وسيزول هذا السد أو الردم قبيل قيام الساعة كما أخبرنا الله تعالى جل وعلا .
سابعا : 
الظواهر الغريبة التى يحتار العلم الحديث فى تفسيرها :-
1 ـ الأثار الهائلة لحضارات كانت متألقة قبل وجود البشر ، وما فى هذه الحضارات من تقدم هائل لم يصل إليه البشر حتى الأن .وأول من كتب فى هذه الناحية الباحث الألمانى إيريك دانكن فى كتابه ( مركبات الآلهة ) وأحدث صدى هائلا فيما ذكره عن سبق الحضارات القديمة البائدة للحضارة الراهنة ، وكان تفسيره أنها كائنات من الفضاء الخارجى ، أتت وأقامت تلك الحضارات فى سفن فضائية . ونقل هذه المعلومات الكاتب الصحفى أنيس منصور فى كتابه ( الذين هبطوا من السماء ) . أظهر ايريك دانكن أشياء مذهلة فى الآثار الموجودة فى دولة (بيرو ) والهند والأهرامات فى مصر والمكسيك وتحت سطح الماء فى منطقة مثلث برمودة ، وتلك الآثار الغريبة فى انجلترة ، ومن مكتشفاته ما يسمى لصورة ملتقطة من الفضاء الخارجى لدلتا النيل ، وخريطة عثر عليها فى مكتبة استانبول وفيها الساحل الشرقى لأمريكا قبل إكتشاف أمريكا، وخريطة أخرى للقطب الجنوبى وقارة أنتاركتيكا قبل أن يغمرها الجليد . 
الأثر الهائل لكتاب ( مركبات الآلهة ) جعل المؤلف الألمانى يواصل بحثه ويصدر ثلاثة كتب مزودة بالصور الملونة دليلا على ما يقول وهى ( معجزات الآلهة ) و( البحث عن الآلهة القديمة ) و ( ذهب الآلهة ) . 
2 ــ ظاهرة الأطباق الطائرة ، وقد أورد دانكن سجلا تاريخيا يتحدث عن الأطباق الطائرة فى التراث الفرعونى والتراث الاسرائيلى وفى التاريخ الأوربى وكل ذلك معزز بالتصوير . والآن أصبحت الأطباق الطائرة ظاهرة معروفة ، ويتم تسجيلها ونشر صورها على الانترنت . 
3 ـ مناطق الاختفاءات فى العالم واشهرها مثلث برمودة المواجه للساحل الشرقى الأمريكى ، وقد تم توثيق ظاهرة الأختفاءات للطائرات والسفن والأشخاص التى تقع فى مثلث برمودة وهو أشهرها نظرا لأنه يقع فى منطقة مأهولة بالطيران والسفن ، وتحت أعين العالم التى ترصد ما يحدث فيه . وهناك غير مثلث برمودة منطقة بحر الشيطان بجوار اليابان. وقد إتضح وجود أماكن الاختفاءات برا وبحراعلى خطوط طول متساوية الأبعاد عن بعضها . ومن أبرز من كتب فى هذا المجال الأمريكى تشارلز بيرليتز فى ( مثلث برمودة ) وريتشارد ونير ، فى ( مثلث الشيطان ) . ومن يتحدث عن مثلث برمودة يذكر أيضا ظهور الأطباق الطائرة فيه وإختفاءها فى مياهه .
4 ـ والآن ، تخصصت قنوات فضائية ومجموعات بحثية فى نشر المزيد عن الأطباق الطائرة وتصويرها وتصوير الآثار القديمة التى تتفوق على مستوانا الحضارى ومنها مدارج هائلة لهبوط سفن فضائية ، والعثور على كائنات فضائية ميتة ، هى وسط بين الروبوت والمادة الحية. وتوالت إعترافات بأن السلطات الأمريكية تخفى أسرارا عن ( الفضائيين )، وإكتشافات عن علاقة هتلر والنازى بهذا ، وأن جزءا كبيرا من الطفرة العلمية الراهنة مصدرها الحصول على تكنولوجيا تلك الكائنات . اصبح متاحا الآن مشاهدة كل هذا على الانترنت من الأطباق الطائرة بسرعاتها الغريبة الى التكنولوجيا المذهلة فى الآثار القديمة الى الحُفر العميقة فى سيبيريا ، والهياكل العظمية المكتشفة لعمالقة ولمخلوقات ذات رءوس مستطيلة . 
5 ــ ولكن الذى يهمنا أنه تم تجاوز التفسير الذى قاله الألمانى ايريك دانكن ، من أن الفاعل هو كائنات فضائية أكثر تحضرا من البشر . الرأى السائد الآن هو وجود هذا الجنس المتفوق فى باطن الأرض، وأنه يرسل مركباته وسفنه الفضائية أو أطباقه الطائرة تجوب القمر والمريخ ، وتقتنص بعض السفن والطائرات بل وبعض البشر لتجرى عليهم تجارب ثم تعيدهم فى حالة تشوش ,
6 ــ ومفهوم أن هذا هو للإطمئنان على حالة الكوكب الأرضى الذى تعودوا على الحياة في باطنه، ويتلاعب على سطحه البشر المتخلفون. جدير بالذكر وجود هذا الاهتمام من هذه المخلوقات عندما يحدث أمر جلل على سطح الأرض يزعج الساكنين فى باطنها ، سواء كان فيما شاهده كولومبس فى رحلته الى الساحل الشرقى للعالم الجديد ، وقد سجل ظهور ما يعرف الآن بالأطباق الطائرة ، الى تحليق تلك الأطباق فوق القواعد العسكرية وفى التفجيرات الكبرى والحروب الكبرى. والمستقبل يحمل فى جعبته المزيد . وكل يوم يأتى بجديد . 
أخيرا 
كم نتمنى أن يتاح لنا الوقت والجهد لأن نُظهر للعالم التفسير القرآنى لتلك الظواهر المعترف بوجودها والمختلف فى تفسيرها ، وأنها هى ( يأجوج ومأجوج ) الذين أخبر عنهم رب العزة فى كتابه الكريم من 14 قرنا وأكد دوام وجودهم فى باطن الأرض وخروجهم منه قبيل قيام الساعة . 
ولقد إقتربت الساعة .. وسبحان من يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون .

 

 
 

 

 

خاتمة الكتاب

 

أولا : القفزات فى تاريخ العلم بدأت بفكرة طارئة :

1 ـ ولد أرشميدس في جزيرة صقلية حوالي عام 287 قبل الميلاد. ودرس العلوم الفيزيائية والرياضيات في مدرسة كان قد أنشأها اقليدس من قبله ، وكان له العديد من الإنجازات والاختراعات التي يذكرها التاريخ منهاقاعدة أرشميدس والتي بني على أساسها نظرية الطفو. كان ملك سرقوسة قد كلف صائغه بأن يصوغ له تاجاً من الذهب الخالص. وشرع الصائغ يصنع التاج و انتهى منه و سلمه للملك. شك الملك في أمر الصائغ ظنا منه أنه قد غشّه، فأسند إلى أرشميدس أمر الكشف عن صحة التاج . وجد أرشميدس صعوبة في التحقق من الأمر إذ لم يكن من المعروف أيامه  التحليل الكيميائي، كان في حوض الاستحمام العمومي و إذ به يلاحظ أن الماء يرفع رجله إلي أعلى كلما دفع رجليه إلى الأسفل و أن هناك قدرا من الماء يُزاح نتيجة لذلك.وجد الحل ، انطلق أرشميدس مسرعاً  قائلا ( وجدتها .. وجدتها).  وضع  التاج  في الماء بعد أن وزنه قبل ذلك، ووضع في نفس الإناء كتلة من الذهب الخالص لها نفس وزن الجسم الأول ; فلاحظ أرخميدس أن كتلة الماء المزاح في حالة الذهب تختلف عن كتلة الماء المزاح الناتج عن وزن الذهب الخالص، بسبب اختلاف دفع الماء على كتلة كل من الجسمين.هذه نظرية الطفو ، جاءت فكرة فى البدية .

2 ـ اسحاق نيوتن ( ت 1727 ) لفت نظرة تفاحة تسقط من شجرتها ـ هذا شىء عادى ، ولكن المفكر والعالم ينشغل بما يراه الآخرون عاديا . فكّر نيوتن فى الموضوع فإهتدى الى قانون الجاذبية .

3 ـ البرت اينشتاين : إنجاز أينشتاين الفكري اتى من فكرة خطرت له عام 1907، وصفها بأنها “أسعد فكرة في حياته”.  كان يجلس في مكتبه ورأى من نافذته عمالا يعملون على سطح المبنى المقابل، خطرت له فكرة أن الأجسام خلال سقوطها تكون في حالة انعدام الوزن. أي أن انعدام الوزن مكافئ للسقوط الحر، كما هي الحال عند رواد الفضاء، فهم يتحركون تحت تأثير الجاذبية عند دورانهم حول الأرض. تمخّض عن هذه الفكرة أحد المبدأين الأساسيين في نظريته والمعروف بـ”مبدأ التكافؤ”-− المبدأ الآخر في نظريته هو مبدأ النسبية الذي استعمله أيضا في وضعه للنظرية النسبية الخاصة.

ثانيا  ـ ماذا لو قرأ علماء النهضة الأوربية القرآن الكريم ، وتمعنوا فى آياته العلمية .

1 ـ إنتقلت معرف المسلمين الى اوربا عن طريق الاندلس وصقلية والولايات الايطالية التى كانت معبر التجارة العربية الى اوربا ، لذا كانت ايطاليا منشأ ما يعرف بالنهضة الأوربية ، تلك النهضة التى كانت فاصلا بين أوربا العصور الوسطى وأوربا الحديثة . هذا بالاضافة الى الحروب الصليبية والامارات الصليبية فى الشام وآسيا الصغرى .  وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، رحل العديد من الأوربيين إلى الشرق الأوسط لطلب العلم، أمثال دافنشى وقسطنطين الافريقى ، وصاروا روادا للنهضة الأوربية .

2 ـ فى العصر العباسى الأول ،عصر الازدهار العلمى ـ وقبل سيطرة الحنابلة السنيين ـ إزدهر نقل التراث اليونانى وغيره وترجمته للعربية ، وتأسست حركة علمية أعلامها الكندى والفارابى والفرغانى وابن سينا والرازى الطبيب والخوارزمى والبيرونى وجابر بن حيان وابن الهيثم والزهراوى والخازنى وابن معاذ الجيانى  وجابر بن افلح و..وانتهت بابن رشد . بعد إنحسار تلك الحركة العلمية أصبح أولئك أعلاما فى أوربا بعد ترجمة أعمالهم من العربية الى اللاتينية وبقية اللغات الاوربية .

3 ـ أولئك الأعلام العرب لم يهتموا بالقرآن الكريم وما فيه من إشارات علمية ، إذا غلب عليهم فكرة أن القرآن معجز فى فصاحته فقط ، وولوا وجوههم الى التراث اليونانى ، ينقلونه ويطورونه ، وقد إتخذوا القرآن مهجورا . لذا لا نلوم علماء النهضة الأوربية وهم ينسجون على منوال علماء العرب ( بالمناسبة لم يكن معظمهم عربا ـ نقول عربا حسب اللسان وليس العنصر ) .

4 ـ من هنا ظلت إشارات القرآن العلمية حتى إنتبه لها حاليا بعض العلماء العرب ، حين إكتشفوا أن بعض منجزات الغرب العلمية سبقت إشارات لها فى القرآن الكريم . صارت ( موضة ) أن يكتب بعضهم فى ( الإعجاز العلمى فى القرآن ) وبعضهم فى ( الاعجاز العلمى فى القرآن والسّنّة ) . وهم جميعا لا يقرأون القرآن بمصطلحاته وبمفاهيمه ، علاوة على تأثرهم بالدين السنى ورجوعهم اليه فى فهم مصطلحات القرآن ، بل بعضهم يضع عقله فى قدميه حين ينقل روايات السنة يحاول ربطها بالاعجاز العلمى . ونحن فى منهجنا نخالف ذلك ، نفهم القرآن الكريم من داخله وبمصطلحاته ، ونحاول إكتشاف آياته العلمية ، نُنبّه اليها مؤكدين أن المتخصصين فى العلم الحديث هم الأقدر على إدراك الإعجاز القرآنى العلمى ، سواء ما أدركه الغرب أو الذى لم يدركه بعد .

5 ــ قراءتنا للقرآن بمصطلحاته تؤدى الى إكتشاف إشارات علمية لم يصل اليها الغرب ، وحل لمشاكل علمية لا يزال علماء الغرب يختلفون فيها ، مثل وجود حيوات غيرنا فى هذا الكون .

6 ـ الله جل وعلا وهو الأعلم بما خلق أخبر بوجود حيوات ـ ليس فى الكواكب والنجوم والمجرات المادية ـ ولكن فى عوالم البرزخ . وهو جل وعلا رب العالمين . الله جل وعلا ذكر عوالم البرزخ ، ومنها الملائكة التى تسبح بحمد ربها ، قال جل وعلا : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) النحل ) .ومن بعض الآيات نعرف أنه فى البرزخ يوجد ليل ونهار، يقول جل وعلا : ( وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) الانبياء )،  ( فَإِنْ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) فصلت ). وفى برزخ آخر يتعذب فيه فرعون وآله يوجد الليل والنهار أو الغدو والعشى ، يقول جل وعلا عنهم : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) غافر) .

أخيرا : أحلام يقظة مشروعة ومأمولة

1 ـ نعود الى ما بدأنا به هذا المقال عن القفزات فى تاريخ العلم من أرشميدس الى إينشتاين ، ونحن بحاجة الى قفزة هائلة يتغير بها مسار العلم وتتفتح به آفاق مجهولة ، وسبق الوعد بها فى القرآن الكريم عن الفضاء الخارجى بالنسبة لنا أو الفضاء الداخلى فى أنفسنا ، قال جل وعلا : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت) .

2 ـ نفترض أن أحد علماء الغرب قرأ القرآن الكريم بمفاهيمه مثلنا ، وأدرك عبثية وجود حيوات فى هذا الكون المادى من كواكب ونجوم ومجرات ، وأن الأرض تأتى تالية للسماوات ، وأنه لهما برازخ ،وأن العلم بدأ يطرق باب البرزخ الأرضى الأول بما بعد الأوتار الفائقة ، وبالتالى فإن الأجدى ليس تضييع الوقت فى البحث عن حيوات فى الكواكب والنجوم والمجرات ، أو فى الوصول اليها ، بل الأجدى هو الوصول الى البرزخ عبر القوى المشتركة للبرازخ والتى تتخللنا . صحيح أن هذه العوالم التى تتخللنا لا نراها بأعيينا محدودة الرؤية ، ولأن هذه المخلوقات بسرعات تنقّلها الرهيبة والتى تتعدى ما نعرف من سرعات لا يمكن أن تكون فى مجالنا البصرى ، ولكن هذا لا يمنع من إستغلال موجات وقوى البرزخ فى النفاذ داخل البرازخ الأرضية . إذ أنه ممنوع علينا وعلى الجن النفاذ فى برازخ السماوات ، ممنوع أن تنفتح أمامنا أقطار السماوات والأرض بلا حدود .

3 ـ بإكتشاف الكهرباء وغيرها من طاقات كوكبنا الأرضى ، نستمر فى أحلام اليقظة ونتذكر الطاقات التى سخرها الله جل وعلا فى السماوات والأرض فى قوله جل وعلا :( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) الجاثية  )، ونتصور أننا بإكتشاف هذه الطاقات نستطيع طى الزمان وطى المكان ، وتنفتح امامنا عوالم مجهولة نبحر فيها ، فى إطار المسموح والمُتاح لنا .

3 ـ هذا هو الهدف من هذا الكتاب .

والله جل وعلا هو المستعان .

أحمد صبحى منصور

فيرجينيا 3 يولية 2017 .

 

 

 

 

 

   

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 12584

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,058,170
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي