قالوا لنا بأن القرآن جُمع في عهد عثمان ، فبأي كتاب بشر عمر الاقباط والامازيغ ؟
للأسف ، ليس أمامنا إلا أن ننطلق من أكاذيبهم علينا كي نجعلها حجة عليهم ، ولأن التاريخ يكتبه المنتصرون ، فقد كتب العرب تاريخا أوحد وحيدا أقصوا منه كل ذي هوية أخرى غير هويتهم ! وما دمنا لا نملك حقائق أخرى تسند أقوالنا في هذا المقال بالذات ، فإننا ، سنعتد بأقوالهم ، ليس لصحتها ، بل لأن ادعاءهم صحتها جعل منها حقائق مطلقة ، قد تنطلي أكاذيبها على البسطاء وأصحاب النوايا الطيبة ، لكنها لاتصمد أمام العقل ، ولا المنطق ولا حتى أمام روايات أخرى مطلقة الصحة حسب زعمهم !
ومن حقنا هنا أن نطرح بعض الأسئلة التي لايمكن إلا أن تتداعى أمامها قدسية الدفاع عن الدين سواء فيما سمي حروب الردة ، أو الفتوحات ، ولكي لانشتت دماغ القارئ ، لن نتحدث هنا إلا عن الفتوحات !
لن نناقش الفتوحات تاريخيا ولن ننعى الضحايا في هذا المقال ، بل سنقوم بتحليل نفسية المقاتل العربي الذي ذهب ليقاتل أمما أخرى باسم الدين !
ملحوظة ، حين سنتحدث عن جمع القرآن ، نحن لا نتفق مع ما قا لوه عن ذلك ، ولكننا سنفترض صحة أقوالهم لضحد المزاعم التي من أجلها اضطهدوا البشرية أينما حلوا وارتحلوا !
في حروب" الردة " التي خاضها أبو بكر ، وخصوصا في حرب اليمامة ، توفي أكثر من سبعمئة صحابي من حفظة القرآن ، حينذاك ، خاف أبو بكر على اندثار القرآن وطلب من الصحابة جمع ماتفرق منه بين نساء النبي وأصحابه ، حتى تمكنوا من جمع مصحف في عهد عمر ، مصحف وحيد ( ربما كتب على الرقاع ) وهو نفسه المصحف الذي ورثته عنه ابنته حفصة واعطته لعثمان حين قرر جمع كل ما كتب في مصحف واحد وأحرق ما تبقى من المصاحف والقرائين التي كانت مع الصحابة ماعدا مصحف ابن مسعود الذي لم يظهر له أثر بعد ذلك !
ولكن ، ماعلاقة جمع القرآن ببحثنا ؟
نقول بأن لذلك كل العلاقة ، لأن القرآن كان مايزال في طور التجميع عندما كان عمر يغزو البلاد تلو الاخرى ؟ فهل أخذ عمر شرعية غزواته من القرآن أم من سنة ابتدعها ابتغاء البطش بكل الشعوب ؟ لاحظوا أن عمر منع الصحابة أو بعضهم ، من الذهاب إلى البلاد المفتوحة ! ( مثال ابي ذر الغفاري وغيره ممن ذكرتهم رواياتهم ) !
آو ليس هذا غريبا من طرف شخص يرغب في نشر الإسلام ، أو لم يكن الصحابة المقربون من النبي أولى من الآخرين بتعليم الناس دينهم في البلاد المفتوحة او المرغوب فتحها ؟ ولماذا سجن عمر بن الخطاب بن مسعود واضطهد أباذر ؟ ولماذا لم يهتم عمر بجمع القرآن وبعثه للبلاد المفتوحة ، على الأقل لإضفاء مشروعية قرآنية على غزواته امام تلك الشعوب ، ولقراءة العبر وتعاليم القرآن ان لم يكن لعامتهم ، فعلى الأقل لكبرائهم ليقنعوا شعوبهم بالدين الجديد !
قالوا لنا بأنه منعهم من الخروج من المدينة لأنهم أكثروا من الحديث فخاف من آن يبتدعوا في الدين شيئا ففرض عليهم البقاء في المدينة . ربما ؟( procurons - lui le bénéfice du doute )
ولكن مع ذلك يراودنا الشك في هكذا أقوال ، لأن أحد ولاته لم يكن سوى أبي هريرة ! ( ذلك الذي روى آلاف الأحاديث ) !
مانريد أن نقوله هنا ، هو أن عمر ، وكل الغزاة الذين تلوه قبل جمع القرآن ، كانوا في أمس الحاجة إلى وضع أحاديث مكذوبة لإقناع الجندي المسلم على احتقار غير المسلم وقتله !
لقد غزوا العالم بالأحاديث ولم يغزوه بالقرآن !
شعار الغزوات كان : أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن أبيت فلتدفع لنا الجزية صاغرا ، وإلا فهي حرب بلا هوادة لن تبقي ولن تذر !
غياب الصحابة وحفظة القرآن عن الجيش إذن يفضي إلى نتيجتين مهمتين جدا وهما :
أولا : إفقار الصحابة ( لان نصيب الجندي المحارب ليس هو نصيب القاعدين المتصدق عليهم من بيت المال ) ثم اجبارهم على البقاء تحت يد وعيون الخليفة !
ثانيا : غياب قراء القرآن يجعل حجة الفتوحات ساقطة ، لأن الغرض منها الذي هو نشر الإسلام وإعلاء كلمة الله التي هي القرآن تصبح مجرد ضحك على الذقون ! في غياب كلمة الله التي أريد نشرها ألا وهي القرآن .
في حديثنا هذا سنحاول الكشف عن تأثير الرواية ، المخترعة من طرف أولي الأمر لرفع الهمم ودفع الجنود للقتل بلا هوادة ولا شفقة ولا رحمة لاقتناعهم بان الحق معهم وان الآخر لايستحق الحياة بسب اختلافه / كفره .
لايمكن انكار الانسانية عن جنود المسلمين الذين قتلوا ونهبوا الشعوب الأخرى، فقد كانوا مقتنعين بأن الحق معهم ، إذ لا يمكن اختزال الرغبة في الجهادفي مجرد السلب والنهب ! قد يكون ذلك غرض الكبراء واولي الامر لكن كان لابد من استنهاض الهمم وايجاد احاديث تقنع اصحابها بقدسية مهمتهم !
لهذا ارتأينا قبل أن نورد تلك الروايات أن نضع توطئة لها انطلاقا من علم النفس !
ان دراسة نفسية الشعوب المضطهدة التي عانت من الاستعمار ادت الى تطور علم النفس بشكل يجعلنا نفهم نفسية المضطهٓد والمضطِد على حد سواء ، ففي حين يبخس المضطهـد انسانية الاخر ويحتقره ، فان ضحيته يستعمل اواليات دفاعية قد تبدأ من الدفاع الشرس الى المداهنة والنفاق او محاولة استرضاء الغالب ! ( وهذا ما فعله الامازيغ الذين ارتدوا اثنى عشر مرة عن الاسلام ).
وفي هذا الجزء من المقال ، سنحاول استشفاف مقدار التبخيس والاحتقارالذي بثته احاديث مكذوبة في نفسية جيش العبادلة ! ( العبادلة ، نسبة الى عبد الله ، لكثرة وجود اسماء محاربين اسماءهم عبد الله في جيوش المسلمين .)
التبخيس : ( dépréciation )
( مصطلح استعمله علم النفس للدلالة على سلوك يهدف الى الحط من قيمة شيء او انسان ، تحدث هذه الظاهرة كثيرا في العلاقات الصراعية ، وخصوصا في علاقات الاستغلال والسيطرة . فلابد حتى نتمكن من توجيه عدوانيتنا تجاه كائن آخر من الحط مسبقا من قيمته ، مما يجعل العدوان عليه مشروعا و مبررا. ولابد كي نستغل او نسيطر او نتسلط من تبرير العدوانية التي تتضمنها هذه المواقف بالضرورة من خلال الحط من شأن من نستغلهم .
الافكار المنمطة : ( les stéréotypes )
مجموعة افكارتأخذ اشكال الاحكام المسبقة والقطعية ذات الطابع الاداني او التحقيري التي تلصق بمجموعة سكانية انطلاقا من فروق عرقية او دينية او قومية او سياسية ! يعمم الحكم الاداني على جميع افراد هذه الفئة بدون استثناء . ويؤدي بذلك إلى بروز تحيزات ومواقف عدائية : مثلا: الموقف من الزنوج انطلاقا من احكام منمطة يطلقها عليهم البيض .... الاسود الكسول ، الخامل ،الخرافي او الحيواني ، الشهواني ، المتخلف ذهنيا !
وللافكار المنمطة وظيفة تبريرية ، فمن خلالها يصبح العدوان والاستغلال مشروعين تجاه من ألصقت بهم التهمة المحطة !
نعتذر للقارئ على الاطالة ولكن كان لابد من شرح تلك المصطلحات لربطها بالافكار النمطية والاحاديث المبخسة للاخر الذي يراد غزوه سواء اكان القبط او الامازيغ / البربر في الاحاديث !
ولنبدأ بهذا الحديث :
قال الطبراني: حدثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا وهب الله بن راشد المعافرى ثنا حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو المعافري عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخبث سبعون جزء، للبربر تسعة وستون جزءا وللجن والإنس جزء واحد. {المعجم الكبير( ج17/ ص299 )}.
ثم عن أحمد بن حنبل انه قال : حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بن لهيعة عن القاسم بن عبد الله المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلى عن القاسم بن البرجي عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من أخرج صدقة فلم يجد إلا بربريا فليردها. {مسند أحمد بن حنبل(ج2/ص221 )}
اذن من اهم صفات البربر الخبث لدرجة انهم لايستحقون الصدقة ! تلك الصدقة التي فرضها الله لابن السبيل واليتامى والمساكين دون ان يحدد هويتهم ! ( فهم هنا لم يُعتبروا حتى من المؤلفة قلوبهم ) ! لاحظوا ان عمر قد نهى عن الصدقة للمؤلفة قلوبهم !
ثم ان نعيم بن حماد روى : عن يحيى بن سعيد أخبرني عثمان بن عبد الرحمن عن عنبسة ابن عبد الرحمن عن شبيب بن بشر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي وصيف بربري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قوم هذا أتاهم نبي قبلي فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه و شربوا مرقه. كتاب الفتن (ج1/ ص 266)
+ قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا سريج قال: عن ثنا عبد الله بن نافع قال: حدثني بن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال: جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين أنت، قال: بربري، فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: قم عني، قال بمرفقه كذا، فلما قام عنه، أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن الإيمان لا يجاوز حناجرهم (أو ترياقهم). {مسند أحمد بن حنبل ( ج2 /ص 367 )}
قال بن عساكر بسنده عن يزيد بن سنان: "حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: ولد لنوح ثلاثة، سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم والخير فيهم، وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والسقالبة ولا خير فيهم، وولد حام القبط والبربر ولا خير فيهم. {تاريخ دمشق (ج62/ ص277 )}
اخترنا هذه الاحاديث من بين اخرى وهي كافية لادانة البربر وشرعنة ذبحم واستحياء نسائهم وسبي ذراريهم ، فخلاصة الاحاديث اعلاه ان البربر كفار ، لايجاوز الايمان حناجرهم ، ثم انهم على غرار اليهود قتلوا نبيا بُعث اليهم ، " الأمازيغ قتلوا نبيهم "الأراشي" وذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه وسقوا نساءهم من مرقه فلم يحتسين".
فنساؤهم اذن خير من رجالهم لانهم لم يحتسين مرق النبي لذلك اخترعوا لهم حديثا آخر هو : " تزوجوا في نسائهم ولا تؤاخوا رجالهم"!
الافكار النمطية والتبخيس والتحقير مع الاحتفاظ بالنفيس ( النساء ) ، زيادة على المغانم المادية كان كفيلا بارضاء ضمير الجندي وابعاد نفسه اللوامة فلم يكن إذن أولو الأمربحاجة لقرآن ولا لكلمة إلاهية يعلونها ! فقد تم لهم الامر دون الحاجة لذلك ! فالامازيغي خبيث كافر قاتل للانبياء لا تجوز فيه حتى الصدقة ! فانظر اي حقد سوف تولده الافكار النمطية المتولدة من هذه الاحاديث !
اجمالي القراءات
10375
أعجبنى العنوان .. فهو رائع . إنه فى حد ذاته يقول فكرة كاملة يوقظ بها القارىء .
فى فنية كتابة المقال أن العنوان يجب أن يوجز محتوى المقال فى أقل عدد ممكن من المقالات . أحيانا يكون عنوان المقال غير جذّاب ولكنه يوجز مضمون المقال بأمانة . فى عصر الانترنت وثقافة الوجبات السريعة والقارىء المتعجّل المتجوّل يحتل العنوان أهمية فى جذب القارىء . وهذه هى مشكلة الباحثين الجادين الذين يكتبون فى الأصوليات يرجون الاصلاح . الاصلاح ثقيل الوطأة ــ أو بالتعبير النسائى ( دمُّه تقيل ) ، فكيف إذا كان إصلاحا يناقش الأصوليات فى الفقه والحديث والتاريخ وينقل كلاما وتعبيرات لم تعد صالحة للإستعمال الآدمى ــ أو بتعبير بلدنا ( حاجات مجعلصة ) . الباحث الذى يبغى الاصلاح يريد أن يكون مقروءا . ولأنه ملتزم بفينة كتابة المقال فلا بد للعنوان أن يوجز مضمون المقال . وقد يكون العنوان أمينا فى هذا ولكنه غير مستساغ لقارىء اليوم المُدلّل . من هنا يحتاج الى عنوان صحفى رشيق جذاب رقّاص .
النعمة الكبرى أن يكون العنوان جذابا وأمينا معا. وهذا ما نجحت فيه الاستاذة نهاد حداد .
تحية لك يا نهاد .