العلاقة التبادلية:
صناعة الطاغية والشعب

محمد عبد المجيد Ýí 2017-03-31


 
أشفق كثيرًا على المصريين الطيبين الساذجين الذين يُقَدّمون مشروعات وأفكارًا وكنوزًا من  المعرفة والآراء والنصائح والارشادات على كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من أجل نهضة مصر.
لكن لا فائدة، فالرئيس السيسي يتعامل مع الأفكار العبقرية على أنها روث بهائم، ففي خلال ثلاث سنوات فصَل نفسه عن الواقع المصري وعاش يرتوي من المديح والثناء والاطراء والتفخيم والنفخ.
 
الرئيس عبد الفتاح السيسي في المرحلة الأولى من صناعة الطاغية الذي يبدأ مستبدًا، ثم ديكتاتورًا، لينتهي الأمر إلى "ما أريكم إلا ما أرىَ!".
انظر إلى حيوات كل طغاة التاريخ تجد أنك لا تستطيع التفرقة بين الذكي وبين المتخلف عقليا، وبينهما الأبله والفاشل والفاشي وحاد الذكاء لأن النهاية واحدة، وتصفية الجماهير تجمعهم عندما تتجمع السلطات في أيديهم.
 
في الأيام الأخيرة لنفخ الطاغية تجد تشابها عظيما بينهم، فمبارك وطنطاوي ومرسي والسيسي والقذافي وصدام حسين وموجابي وهيلاسلاسي وتشاوشيسكو وسوموزا وسالازار ومنجستو هيلامريم وباتستدا وفرانسوا ديفالييه وبينوشيه وفرانكو وهتلر وستالين وماوتسي تونج وأنور خوجة وموسوليني وغيرهم تجمعهم السلطة المطلقة القادرة على إعادة صناعة الشعب المطيع.
المرحلة الأخيرة لابد أن يتملك اليأسُ أفراد الشعب ويدرك كل فرد فيه أن التغيير مستحيل، وأن لا بديل للزعيم، وأن رجاله قادرون على التسلل لأحلام الجماهير.
 
انتظروا السيسي في المرحلة الثانية أي الديكتاتور وهذه تبدأ فور تجديد عقد العبودية، ثم المرحلة الثالثة أي الطاغية وتلك لا نهاية لها، فلا يرى الرجل مخرجا إلا مزيدا من جنون العظمة.
ثم يحيط نفسه أو يُحاط بإعلاميين جوبلزيين وبقضاة ومستشارين وضباط جيش وشرطة وقردة مجالس النواب ورجال الدين .. مزيفي تعاليم السماء.
هنا لا يُصدق الطاغية أن الله أكبر منه، كما قال موسوليني: كم دبابة يملكها بابا الفاتيكان؟
راقبوا الرئيس عبد الفتاح السيسي جيدًا وستعرفون أن صناعته جاءت من أفشل المواد الخام، لغة وتعبيرا وأسلوبا وأفكارًا وغطرسة فارغة.
 
عندما لا يكون هناك في النفس الإنسانية مكان للغضب؛ تتحرك قوى دعم الطاغية بسهولة شريطة وجود العصا والجزرة، فالطاغية يتوعد ويُعطي بسخاء.
العبيد لا يلجأون للأخلاق لاكتشاف مواطن الضعف في طاغيتهم، إنما للتعرف على طرق سماوية لقبول المذلة والمسكنة، فالدين وعي وتغييب، شجاعة وجُبن، فروسية وخمول، نُبل وخسة، وكل إنسان يبحث عما في نفسه أولا ثم يزعم أنه وجد صفاته في الكتب المقدسة.
مدرسة تعليم الطغاة تعمل بطريقة آلية وبطيئة لكنها مضمونة النتائح حتى لو كان مخ الطاغية أقرب إلى الأميبيا من أي شيء آخر، فهم يصبرون عليه صبر الشعب على حماقاته، وقد لا يستطيع في المرحلة الأولى تجميع جملتين سليمتين، أو فكرة واحدة متكاملة ، فتسخر الجماهير شهورًا عدة حتى تصل إلى مرحلة العثور على عبقرية فيما كانت تسخر منه.
 
ليست هناك لدى الجماهير مواصفات محددة في زعيمها أو طاغيتها أو مستبدها أو سيدها، فهي قد تقبل القسوة الشديدة كأهم صفة لديه، مثلما حدث مع ستالين حيث كان الكثيرون يخشون التوقف عن التصفيق خلال إلقائه خطبة خوفا من أن يراهم أحد رجاله. 
وهي قل تكون الايحاء بأن كل مواطن مراقــَـب حتى في أحلامه، فأهالي أديس أبابا كانوا يظنون أن الامبراطور هيلاسلاسي يعرف أحاديثهم الجانبية في شوارع العاصمة بعد منتصف الليل. وأنور خوجا كان يجبر سكان تيرانا الألبان أن يُقدم كل منهم تقريرا عن جيرانه، فإن لم يفعل فليذهب إلى قسم الشرطة السرية ويُسلمهم تقريرا مفصلا عن حياته الشخصية.
 
وهي قد تكون إيعازات داخلية قادرة على تبرير البلاهة والسطحية والتفاهة بدعم من وسائل الإعلام، فالمجلس العسكري المصري اختار الرئيس السيسي على هذا الأساس، وترك للناس حوارات المقاهي والفضائيات وغُرز المخدرات والحواري لتبرير أي كلمة يتفوه بها لسانه.
وقد تكون السجون والمعتقلات والاختفاء وراء الشمس حالات معروفة لكسر روح التمرد لدى الشعب حتى قبل أن يتنفس حرية، فسجون الحسن الثاني وصدام حسين وحافظ الأسد ومنجستو هيلامريم وبينوشيه لا يستطيع طاغية محاكاتها، وهنا أتذكر شابا مغربيا رفض أن أعيره كاست لخطبة سياسية خشية أن تصل إلى مسامع الملك الحسن الثاني رغم أن المواطن سيسمعها في سيارته المغلقة والتي تنهب الأرض في النرويج، فقال لي بأنه واثق أن الملك المغربي سيعرف بأمر الكاسيت.
 
صناعة الطاغية تعادل أحيانا صناعة الشعب، فيتبادل الأسياد والعبيد السادية والمازوخية بحيث يرضى الجميع على الوضع التبادلي الطبيعي، السيد يصرخ ليرهب، والعبد يصرخ من الآلام.
تبقى في تلك العلاقة المريضة عبقرية التبرير التي تظهر في ( إحنا آسفين يا ريّس) وكذلك قنوات وكتب ومطبوعات ويوتيوبيات كلها تذرف الدمع على السوط الذي ولّىَ، فالعبودية بأثر رجعي سُقم ليس من السهل الشفاء منه.
 
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 30 مارس 2017
اجمالي القراءات 8154

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الجمعة ٣١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85524]

بورك فيك يا طائر الحرية .... وحشتنا .!!


ونشكرك على هذا المقال الرائع .

أرى فيك كواكبى هذا العصر ، ولقد ضاع صوت الكواكبى فى فضاء الاستبداد . وأتمنى ألا يضيع صوتك ولا صوتنا . نحن معا نناضل سلميا من أجل الحرية وكرامة الانسان . وموقعنا يشرف بك وبقلمك الرائع . ولكنك تغيب عنا طويلا . أرجو أن نأنس بك دائما .

أسعدك الله جل وعلا بأولادك وبأحفادك . 

2   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   الجمعة ٣١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85525]

جدّ سلمىَ في إطراء جميل


شكرًا جزيلا، جدّ سلمىَ، رعاك الله على كلماتك الرقيقة. أنا فعلا ابتعدت قليلا؛ لكنني مازلت القريبَ منكم ومن موقعكم الغالي والمستنير والمثمر.



أما وصفك إياي بــ"كواكبي" هذا العصر فهو ثناء لا أتحمل جمالــَـه رغم أنني فعلا مشغول لأم رأسي منذ أربعين عاما بقضية الاستبداد والطغيان والعبودية وصناعة الرقيق الأحرار والعلاقة المتشابكة والمعقدة بين الكفّ والقفا!



أتابعك، وأحترم قلمــَـك، وأحب لغتــَـك، وتدهشني تعبيراتك الثرية، وأصفق لفروسيتك رغم أن أكثر خصومك يسقطون قبل بدء السباق. تروق لي شجاعتك في نشر مقالات متضاربة من قارئيك فأنت ترىَ الزبدَ يذهب جفاء ويبقى في الأرض ما ينفع الناس.  سأحاول ما وسعني الجهد أن أنشر أكثر في نور موقعك رغم أن لديك كاتبين ومثقفين يروون ظمأ أي متعطش للمعرفة.   



رعاك الله وأطال عُمرَك، أستاذنا الكبيرالدكتور أحمد صبحي منصور



وتقبل دفءَ مودتي



3   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الجمعة ٣١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85531]

مقال رائع ، وتحية لكم من سلمى .


مقال رائع وقوى وفى الصميم  كالعادة استاذ محمد عبدالمجيد . ويا ريت المصريين يعرفوا  كده ، ويوقنوا انهم بنفاقهم للرئيس يحولونه إلى ديكتاتور ،ثم إلى فرعون ...وإن كان لنا عتاب على اهلنا فى مصر فعتابنا على إخواننا اقباط مصر فى الداخل والخارج  أكثر ،لأنهم رغم انهم أكثر من يتعرضون للإضطهاد ،والتمييز السلبى ، والخطف ،وحرق منازلهم وكنائسهم ،وإتحاد (النظام ، والأزهر والسلفيين والإخوان  )  عليهم إلا انهم اكثر من يُنافق ،ويُطبل ويرقص للنظام . ويُنفذ اوامر النظام للبابا ، ومن ثم لهم بعمل حفلات إستقبال وهتاف وطبل  وزمر ورقص للديكتاتور فى زياراته الخارجية وخاصة فى امريكا وأوروبا . ولتنظر ما فعلوه قبل ذلك فى نيويورك وبرلين و ما سيفعلونه له بعد غد فى واشنطون وامام البيت الأبيض .فإستعدادات الهتيفة والطبالين قائمة على قدم وساق ، منهم من سيسافر معه من مصر ، ومنهم من سيذهب  بإتوبيسات مدفوعة الأجر ،ووجبات جاهزة من كل المدن الكبرى فى امريكا وكندا .!!!!!!!!!!!!!!



===



تحية لك من سلمى عثمان ، ولجدها الحبيب  الدكتور -منصور ....وتتمنى لك الشفاء العاجل إن شاء الله .



4   تعليق بواسطة   محمد عبد المجيد     في   السبت ٠١ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85538]

أبو سلمىَ ومطارحات الاستنارة


أتفق تماما معك، الأخ والصديق عثمان محمد علي، وأنت صاحب رؤىَ ومطارحات في الاستنارة والفكر المستقيم، رعاك الله.


بالفعل لقد أخطأ أقباطنا إذ ظنوا التقربَ من الحاكم سيمنحهم حقوقهم، لكن هذا للأسف يزيده تعنتا ورفضا وغطرسة.


أرجو أن ترسل لي على البريد الالكتروني  Taeralshmal@gmail.com عنوان المراسلات الخاصة حتى أرسل لسلمىَ فيديو لحفل غنائي خاص بفرقة ابني مجدي، وأظنه سيروق لها رغم أن الأغاني باللغة النرويجية فقط.


تقبل خالص مودتي، مع محبتي لسلمىَ وجدّها أستاذنا الدكتور أحمد صبحي منصور.


محمد عبد المجيد


طائر الشمال


أوسلو في الأول من ابريل 2017


5   تعليق بواسطة   مكتب حاسوب     في   السبت ٠١ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[85539]





أتصور أنه كان لابد من ذكر جمال عبد الناصر كأهم طاغية فرخه النظام السياسي العربي اليساري، خصوصا أنه كان الأب الروحي و الملهم الأهم لطغاة عرب اخرين مثل بومدين في الجزائر، القذافي في ليبيا، صدام في العراق، الأسد في سوريا و صالح في اليمن

حتى الطاغية المصري الحالي يستلهم دكتاتوريته بعبد الناصر

عموما الديمقراطية الشعبية "اليسارية" لم تنتج إلا طغاة في القرن العشرين حتى يحار المرئ هل اللوم يقع على اليساريين كأشخاص أم على الإيديولوجية و الفكر

أما الحكم على الشعوب التي تحيا ضمن منظومة إستبدادية فهو كالحكم على ضحية واقعة في مصيدة



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 6,246,485
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway