آحمد صبحي منصور Ýí 2016-11-15
( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا )
مقدمة :
جاءنى هذا السؤال : ( ما معنى يأتيهم الله في ظلل من الغمام ؟؟ فى آية : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ )(201) )البقرة )
وأقول مستعينا بالرحمن جل وعلا : إن الآية الكريمة تثير قضيتىن ن متداخلتين هما : ( مجىء الله جل وعلا ) و ( اسلوب المجاز فى القرآن الكريم ). ونبدأ بالتوقف مع معانى ألفاظ الآية :
أولا : ( ظلل ):و ( ظلال ) . المفرد ( ظل ) و ( ظلة )
1 ـ وتأنى فى الدنيا بالمعنى الحقيقى ، الظل لشىء ، أو ( المظلة ) ، كقوله جل وعلا فى رفع جبل الطور فوق سبعين رجلا من بنى إسرائيل حين أخذ عليهم العهد : (وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ) 171 ) الاعراف ). ولكل شىء مخلوق ظل ، وهذا الظل إشارة للطاعة للخالق جل وعلا ، يقول جل وعلا : ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ) 15 ) الرعد )، و يقول جل وعلا :( أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ) 48 ) النحل ). هو سجود طاعة للخالق لأنه جل وعلا هو الذى شاء حركة لهذا الشىء ينتج عنه ظل له . فكل مخلوق له ظل خاص به ، ومنه ما هو مسخر لنا ، يقول جل وعلا : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) 81 ) النحل ). والظل نراه يتحرك ويمتد طبقا لحركة الأصل ، ومنه ظل الشمس الناتج عن دوران الأرض حول الشمس ، يقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ) 45 : 46 ) الفرقان ). وموسى عليه السلام عانى من أشعة الشمس بعد أن سقى للاختين ، فآوى الى الظل ، يقول جل وعلا : ( فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) 24 ) القصص ). والناس تحب الظل ولا تحب حرّ الشمس ، ولا يستوى هذا وذاك ، يقول جل وعلا : ( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ ) 19 : ــ ) فاطر )
2 ـ لا نستطيع تخيل الظل والظلال فى اليوم الآخر . الظل والظلال من نعيم الجنة ، والظل والظلال من وسائل العذاب فى النار .
2 / 1 : فى الجنة ، يقول جل وعلا عن ظلها الظليل : (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً ) 57 النساء )، وهو ظل دائم ، يقول جل وعلا : ( مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ ) 35 ) الرعد ). وهو ظل ليس فيه شمس تُرى ولا برد يُحسُّ ، وهم يجلسون على الارائك وفى متناولهم الثمار ، يقول جل وعلا عن نعيم أهل الجنة : ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا ) 13 : 14 ) الانسان )، هى إذن ظلال وعيون ماء .
هذا كله تصوير مجازى ، لأنه لا يمكن لأى خيال بشرى أن يتصور نعيم الجنة ، ، يقول جل وعلا ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) 17 ) السجدة )
2 / 2 : فى النار : تتحول الظلال الوارفة الى ظلال مهلكة ، إذ تكون ظلالا نارية تحيط باهل النار ، يقول جل وعلا : ( لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ) 16 ) الزمر ) ،
3 ـ وتأتى أحيانا مقارنات ضمنية بين ظلال النعيم فى الجنة وظلال العذاب فى النار . فى سورة الواقعة يقول جل وعلا عن الظل الوارف الممدود لأصحاب اليمين فى الجنة :( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ) 27 : 30 ) الواقعة )،وعن الظلال النارية لأصحاب النار فى نفس السورة يقول جل وعلا : ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لّا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) 41 : 44 ) الواقعة ).
وفى سورة المرسلات ظلال وعيون وفواكه لأهل الجنة ، يقول جل وعلا :( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 41 : 43 ) المرسلات ). وهذا مقابل ظلال تُلقى بشرر نارية ضخمة تتلقف أصحاب النار ، يقول جل وعلا فى نفس السورة :( انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) 30 : 34 ) المرسلات ). فى هذه الدنيا لا يمكننا تخيل آلام العذاب فى الجحيم كما لايمكننا تخيل نعيم الجنة . لذا فالاسلوب هنا مجازى للتقريب الى الأفهام .
4 ـ وباسلوب المجاز يقول جل وعلا : (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ ). لا يمكن أن نتخيل هذه الظُّلل ، هى فقط تحجب عنا يوم القيامة رؤية الله جل وعلا لأنه جل وعلا لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وهو جل وعلا اللطيف الخبير . : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) 103 ) الانعام )
ثانيا : الغمام :
1 ـ ( الغمام ) هو ما يغشى ويغطى النظر والعين ، مثل الفعل (غشى ) أى غطى النظر . ونتعرف على ( غشى ):
2 / 1 : ـ يأتى ( غشى ) على حقيقته مثل قوله جل وعلا عن غرق فرعون : (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ) 78 طه ).ومثله عن الموج الذى يغطى ما تحته : ( وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) 32 ) لقمان ) ( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ) 40 ) النور )
2 / 2 : ويأتى تعبير ( غشى ) بالمجاز فيما لا يستطيع العقل إدراكه ، كقوله جل وعلا عن رؤية الرسول محمد عليه السلام لجبريل ـ : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ) 13 : 18 ) النجم ) أى رآه بفؤاده أى قلبه أى نفسه ـ رآه فى مستوى برزخى لا يمكن رؤيته بالعين المادية الحسية . ( غشى ) يماثل معنى (غمّ ) من الغمام
3 / 1 ـ الفعل (غمّ ) والمشتق منه ( الغمام ) يأتى على حقيقته فى الدنيا مثل قوله جل وعلا لبنى اسرائيل : (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) 57 ) البقرة )
3 / 2 : الفعل (غمّ ) والمشتق منه ( الغمام ) يأتى فى الآخرة بالمجاز ، فى موضوع مجىء الرحمن جل وعلا يوم القيامة وفى ظلال من الغمام إذ لا يُرى ، فهو جل وعلا لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وهو جل وعلا اللطيف الخبير: ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) 103 ) الانعام ). هنا نأتى للقضية الأساسية فى الآية الكريمة :
ثالثا : ( مجىء الله جل وعلا ) يوم القيامة
1 ـ فى سياق طلب رؤية الله جل وعلا ومجيئه يقول جل وعلا : (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ ). أى طلبوا آية فقال جل وعلا لرسوله الكريم : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) 110 : 111 ) البقرة ). وقديما طلب بنو اسرائيل آية من موسى عوقبوا بشأنها ، هى رؤية الله جل وعلا جهرة ، وذكّرهم بهذا رب العزة فقال : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) البقرة 55 ) . وسألوا خاتم النبيين آية فقال جل وعلا : (يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ) 153 ) النساء ). هذا كله فى المدينة . وقبلها فى مكة إعتادت قريش أن تطلب آيات حسية مختلفة ، ومنها : ( وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً ) 90 : 93 ) الاسراء ).أى طلبوا من النبى أن يأتى بالله جل وعلا وباللائكة قبيلا . هذا كله جهل مطبق .
2 ـ عن مجىء الله جل وعلا يوم القيامة يقول رب العزة عن ذاته : ( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ) . المفهوم السطحى أن رب العزة جل وعلا سيأتى يوم القيامة ومعه الملائكة ، حيث تندك الأرض دكا دكا : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ) 21 : 23 ) الفجر )، وحيث تتشقق السماء بالغمام ( لا ندرى كيف ) مصحوبة بنزول الملائكة ، يقول جل وعلا :( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلا الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ) 25 : 26 ) الفرقان ) . ومع ذلك فإنه بالتدبر القرآنى نفهم أن : ( مجىء الله ) يعنى مجيئنا نحن الى الله :
3 ــ إن مجىء الله جل وعلا يختلف فى معناه عن معنى المجىء للبشر . إن صفات الرحمن جل وعلا تتناقض مع صفات البشر . ونعطى أمثلة :
3 / 1 البشر أحياء ويموتون ، ولكن الله جل وعلا هو الحى الذى لا يموت .
3 / 2 : كلمة ( هو ) فى البشر تفيد الغياب ، ولكنها فى حق الله جل وعلا تفيد الحضور (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) 4 الحديد ) ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) 7 ) المجادلة ).
3 / 3 : ضمير الملكية مع البشر يفيد ملكية البشر للشىء ، تقول ( كتابى ) ، ولكن ضمير الملكية يفيد أن الله جل وعلا هو الذى يملكك ، تقول ( ربى ) فالله هنا هو الذى يملكك وليس العكس .
3 / 4 : فعل الأمر يفيد الأمر فى خطاب البشر للبشر ، أما فى خطاب البشر للخالق جل وعلا فهو يفيد الرجاء والدعاء .
4 ـ وعليه فإن مجىء الله جل وعلا يوم القيامة يعنى العكس ، وهو مجىء البشر لرب العزة جل وعلا . فقد تكرر فى القرآن الكريم أن :
4 / 1 :مصيرنا الى الله جل وعلا : ( وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) 28 ) آل عمران) .
4 / 2 : وتكرر مرجعنا اليه رغم أنوفنا يوم القيامة : ( هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) 56 ) يونس )
4 / 3 : ويكفى أننا اليه جل وعلا ( مُحضرون ) أى يؤتى بنا رغم أنوفنا ، يقول جل وعلا : ( وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) 32 ) يس )، بعد صيحة البعث أو الانفجار الثانى يكون إحضارنا اليه جل وعلا : ( إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ) 53 ) يس )،
4 / 4 : إنه يوم القيامة أو يوم الجمع (وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ) 7 ) الشورى ) الذى يتم فيه تجميع الناس : ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ )103 هود ) والذى لا يفلت منه أحد : (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا ) 47 ) الكهف ) ثم يتم عرضنا عليه جل وعلا صفا : (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) 48 ) الكهف ). أى الحقيقة اننا نحن الذين سيُجاء بنا الى ربنا يوم القيامة : ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) 6 )المطففين ) وأول من (يُجاء بهم ) للحساب هم أفضل الناس ؛ النبيون والأشهاد على قومهم :( وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 69 ) الزمر )، وسيكون يوما على الكافرين عسيرا حيث يعانون الصعقة الثانية ـ صعقة البعث ـ فى زمن لا نتخيله ولا ندركه ، حينئذ ـ ورغم أنوفهم يبرزون لربهم جميعا : ( وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا ) 21 ) ابراهيم ) . ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) 48 : 50 ) ابراهيم ).
5 ــ عند الاحتضار يفقد الفرد قدرته على الاختيار ،ويصبح أسيرا بين يدى الرحمن جل وعلا ، يموت ويظل فاقدا حريته شأن غيره بعد موته ، فى البعث وفى الحشر وفى الحساب . إذا دخل الجنة تمتع بحريته فيها . إذا كان من أصحاب النار فقد حريته أبد الآبدين . تخيل العُصاة والطُّغاة يسيئون إستخدام حريتهم فى العُمر المتاح لهم فى هذه الحياة الدنيا ـ وهو قصير.!ـ فيدفعون الثمن باهظا ، وهو فقدان هذه الحرية بالموت وما بعده الى الأبد ، ليس فقط فقدان الحرية بل الخلود فى الجحيم أبد الآبدين .
6 ـ وعليه فإن التعبير عما سيحدث فى الآخرة يأتى فى الأغلب بصيغة الماضى وبالمبنى للمجهول . وهذا معنى مجىء الله جل وعلا ، أو معنى أن يؤتى بالبشر الى الله جل وعلا للحساب وقد فقدوا حريتهم وإختيارهم ومشيئتهم . تأمل قوله جل وعلا : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ ) 13 : 18 ) الحاقة ) . التعبير بالمبنى للمجهول فى ( نُفِخَ ) ، وَ( حُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا ) و( تُعْرَضُونَ ) . عرش الرحمن هو تعبير مجازى عن سلطانه وتحكمه ، ولأنالناس وقتها سيفقدون حريتهم التى كانت لهم من قبل فى الدنيا فإن السيطرة ستكون كاملة للرحمن أو بالتعبير المجازى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ )، سيكون هذا التحكم فوقهم وهم له خاضعون .
7 ـ ماذا أعددنا لهذا اليوم الذى لا مهرب منه ؟!! يقول جل وعلا : ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ ) 47 ) الشورى )
أحسن الحديث :
(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَوَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَوَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَوَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ) 67 : 70 ( الزمر )
ودائما : صدق الله العظيم .!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5118 |
اجمالي القراءات | : | 56,904,042 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
تدبر آيات 32 : 34 من سورة الشورى
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
التواتر فى الصلاة: الدكت ور احمد يقول ان الصلا ة والحج...
حلال العمل فيها: هل العمل في البنو ك حرام ام حلال...
ميراث 28 مليون دولار: أعيش فى أمريك ا من ثلاثي ن سنة ، وأنا على...
نصيبك من الدنيا : أنا عاوز أبقي غني جدا ومعاي ا فلوس كتير أوي...
نزول القرآن : لى استفس ار بخصوص نزول القرا ن ، اذا كان...
more
دكتور أحمد صبحي منصور شكرا على التوضيح والتفسير
جازاك الله خيرا