آحمد صبحي منصور Ýí 2016-10-25
كتاب ( ملامح من الهجص فى تفسير القرطبى ) الكتاب كاملا
المقدمة
( هجص ) تعبير مصرى ساخر ، يدل على معانى مركبة ، فى الكلام الذى يُقصد به أن يكون محترما وهو فى الحقيقة ( هجص ) أى كلام متخم بالخرافة والافتراء و مستحق للسخرية والاستهزاء . لذا يقول المصريون عن الشخص المشهور بالكلام (الفارغ ) إنه ( هجّاص ) ، يعنى يتكلم فى موضوعات جادة بكلام ساقط لا يُعتدُّ به .
وإذا كانت شريعة الاسلام فى القرآن الكريم قمة الحضارة ومستحقة للتقديس فإن أئمة الأديان الأرضية من ( المسلمين ) أسسوا لهم شريعة أرضية يضاهئون بها شريعة الرحمن ، ومن أجلعا يحكمون على تشريعات الرحمن بالحذف وا لإلغاء والتعطيل بزعم ( النسخ ) مع أن النسخ قرآنيا وعربيا يعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والإبطال والالغاء . ولنا كتاب منشور هنا عن النسخ . من هنا رأينا إطلاق المصطلح المصرى :( الهجص ) على التشريعات السنية وعلى ما أسموه بالتفسير ، وكلاهما ممتلىء بالهجص .
ولأنه من الصعب إستعراض كل الهجص فى كل مؤلفاتهم فى الفقه والتفسير والحديث ، فقد إكتفينا هنا بلمحات مما يسمى بتفسير القرطبى الذى يحتل مكانة هامة لدى السنيين فى بابه ، لذا إقتصرنا عليه فى هجصهم عن الأمثال والقصص .
أحمد صبحى منصور
فيرجينيا : الولايات المتحدة
اكتوبر 2016
فهرس كتاب : ملامح من الهجص فى (تفسير القرطبى )
الباب الأول : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية
الفصل الأول : ( مقدمة ـ أولا : ضرب المثل من أساليب الدعوة فى الماضى وفى الحاضر ــ ثانيا : عناصر الأمثال القرآنية : يشمل ضرب الأمثال أهم الأحياء المرئية : البشر : مثال إفتراضى : البشر فى مثال واقعى : الحيوانات ـ الحشرات : 1 ـ (البعوضة ): 2 ـ ( العنكبوت ) : 3 ــ ( الذباب). النبات ـ ثالثا : المعنوى والمادى فى ضرب المثل . رابعا : المشركون وضربهم الأمثال للنبى يتهمونه بأنه مسحور. خامسا : ضرب الأمثال فى تصوير نعيم الجنة . سادسا : تصوير حبط الأعمال . )
الفصل الثانى : فى الأمثال التشبيهية
( أولا ـ التدبر القرآنى فى قول الله يقول جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الاعراف )، ثانيا : هجص القرطبى الذى قاله فى هذه الايات الكريمة). ثالثا : تحليل هذا الهجص. ) .
الفصل الثالث : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية :فى قصص الانبياء : ( مقدمة : المنهج القرآنى فى القصص . أولا : تدبر فى آيات سورة ( يس ) ثانيا : هجص القرطبى فيها . )
الفصل الرابع : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية فى القصص العادى : ( أولا : مثال ( آيات سورة الحشر ) ثانيا : هجص القرطبى ـ تحليل هجص القرطبى . ) الفصل الخامس : هجص القرطبى فى قصة صاحب الجنتين : ( أولا : نموذج للمثل القرآنى القصصى ـ ثانيا :التدبر القرآنى فى القصة القرآنية السابقة : معنى الصاحب ، الجنة ، معنى الايمان / ومعنى الكفر والشرك ، مصطلح ( الانسان ) ، العظة النهائية . ثالثا : هجص القرطبى . ).
الباب الثانى : هجص القرطبى فى القصص القرآنى : الفصل الأول : هجص القرطبى عن : (أهل الكهف ) : ( مقدمة ـ أولا : غيب القصص القرآنى ينتمى الى الماضى ـ أولا : تدبر للقصص القرآنى عن اصحاب الكهف من حيث المنهج . ثانيا : تدبر فى قصة أهل الكهف من حيث التفصيلات : 1 ـ القصص الحق : 2 ـ ( لا إله إلا الله ) : 3 ـ مشيئة الهداية تبدأ بالفرد : 4 ــ وهداية رب العزة للمجاهدين فى سبيله تعنى أيضا النُّصرة : 5 ـ نوم أو موت أهل الكهف وتغير ملامحهم 6 ـ نوم أو موت أهل الكهف وتوقف الزمن لمن يدخل فى البرزخ : 7 ــ ليس الكلب نجسا كما يقول الهجص السُّنّى . 8 ـ مساجد الضرار. 9 ـ إشارات علمية . أخيرا : يأ اهلا بالهجص . )
الفصل الثانى :هجص القرطبى عن ابراهيم عليه السلام : ( أولا : مدح ابراهيم عليه السلام فى القرآن الكريم ـ ثانيا : ملامح من هجص القرطبى فى سورة الأنبياء عن ابراهيم عليه السلام : هجص فى الغيبيات : يتكلمون كما لو كانوا حاضرين الأحداث شاهدين عليها . إتهام ابراهيم عليه السلام بالكذب. ).
الفصل الثالث : هجص القرطبى عن داود عليه السلام :( اولا : مكانة داود عليه السلام ـ ثانيا :الهجص السنى القرطبى عن داود عليه السلام:ثالثا : مصدر هذا الهجص السنى .)
الفصل الرابع : الهجص السُّنّى عن الاسراء والمعراج : ( أولا : عن الاسراء فى القرآن الكريم : ثانيا : أُكذوبة المعراج : أخيرا :الهجص السنى فى أحاديث الاسراء والمعراج. ) الخاتمة .
|
الباب الأول : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية
الفصل الأول : نبذة عن الأمثال فى القرآن .
مقدمة :
1 ـ رب العزة جل وعلا يستخدم فى الدعوة للهداية أساليب شتى من الحوار العقلى والتساؤلات المُفحمة والقصص القرآنى للعبرة والعظة . ومنها ضرب الأمثال المتنوعة . يقول رب العزة جل وعلا : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) (58) الروم) ، ومع ذلك يظل الكفر سائدا معاندا ، يقول رب العزة جل وعلا:( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (89) الاسراء )، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (54) الكهف ).
2 ـ و قبل التعرض لنماذج من الهجص السنى عن الأمثال فى القرآن الكريم ، نعطى لمحة عن ( الأمثال فى القرآن الكريم )
أولا : ضرب المثل من أساليب الدعوة فى الماضى وفى الحاضر :
1 ـ فى الحاضر وقت نزول القرآن الكريم : ضرب الله جل وعلا مثلا لقريش التى كان يأتيها رزقها رغدا من كل مكان بسبب اليت الحرام والحج اليه . وفى هذا المثل تحذير مسبق لقريش بسبب كفرها بأنعم الله جل وعلا . يقول رب العزة جل وعلا : ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) النحل )
نتذكر هنا قوله جل وعلا عن قريش ورفضها للحق القرآنى : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ) ثم التحذير بعدها فى قول رب العزة جل وعلا : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) القصص )، وقوله جل وعلا : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت )
2 ـ فى الماضى: يقول رب العزة جل وعلا عن ضرب الأمثال للأمم السابقة : ( وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً (37) وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً (38) وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً (39) الفرقان ).
3 ـ ضرب الأمثال للبشر فى كل زمان ومكان : يقول رب العزة جل وعلا : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) الزمر) ، ويقول رب العزة جل وعلا : ( وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر ). الهدف من ضرب الأمثال للناس هو الهداية بالتذكر والتفكر ، وهذا حتى لا يموتوا على ضلال ثم يكون تذكيرهم بتلك الأمثال فى اليوم الآخر وهم فى النار .
4 ـ التذكير بالأمثال فى المستقبل ( الآخرة ) : يقول رب العزة جل وعلا : ( وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) ابراهيم ).
ثانيا : عناصر الأمثال القرآنية : يشمل ضرب الأمثال أهم الأحياء المرئية :
البشر : مثال إفتراضى :
1 / 1 : يقول رب العزة جل وعلا :( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29) الزمر ). الرجل هنا هو عنصر هذا المثل القرآنى ، وهو عن رجل مملوك لرجل واحد ، يتلقى أوامر من مصدر واحد ومن سيّد واحد . الآخر مملوك لمجموعة متشاكسة ، هذا يقول له إفعل وذاك يقول له لا تفعل . هذا يطلب شيئا من مكان والآخر يطلب منه فى نفس الوقت شيئا من مكان آخر . الهدف هنا واضح . المؤمن الذى يُخلص قلبه لربه جل وعلا مستريح لأنه له رب واحد وإله واحد وكتاب واحد وتشريع واحد . أما المشرك فتتعدد آلهته وأئمته وهم فى شقاق ، وهو لا يستطيع التوفيق بين آرائهم وأوامرهم وأحاديثهم وفتاويهم وخرافاتهم .
1 / 2 : يقول رب العزة جل وعلا : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) النحل). هنا أمثلة على التفاوت بين البشر فى العمل بما يستوجب عدم المساواة بينهم فى الأجر . فالذى لا يقدر على شىء لا يمكن أن يتساوى بالذى يفعل الخير ،والفرد العاجز الساكن العالة على غيره الذى لا يفعل خيرا لا يمكن أن يستوى بالفعّال للخير المتمسك بالصراط المستقيم . وهذه الحقيقة القرآنية جاءت بأسلوب الاستفهام الانكارى فى قوله جل وعلا:(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) القلم ) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) ص ) (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)الجاثية ))
البشر فى مثال واقعى :
يقول رب العزة جل وعلا : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ (12) التحريم ). زوجة نبى كانت كافرة ، وزوجة فرعون آمنت . والمعنى ان الهداية مسئولية شخصية ، والكفر أيضا مشيئة شخصية ، ولا أحد يهدى أحدا ولا أحد ينفع يوم القيامة أحدا .
الحيوانات
1 ـ قطيع الأنعام يتبع القائد بلا تفكير ، والقطيع يتبع بالغريزة ما توارثه عن أسلافه دون تغيير ، وهنا يأتى هذا المثل للمشركين ( السلفيين )الذين يعبدون ما وجدوا عليه آباءهم واسلافهم ، يقول رب العزة جل وعلا : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة ).
2 ـ وعن فقهاء وأئمة المشركين المتلاعبين بآيات الله جل وعلا يقول رب العزة يضرب فيهم مثلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) الاعراف ). وهو نفس الحال فيمن تحمل مسئولية التوراة فلم يقم بالمسئولية ، يقول رب العزة جل وعلا : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة )
الحشرات :
1 ـ ( البعوضة ): يقول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) البقرة ). الجاهل يستحقر البعوضة ، وهذه البعوضة تمٌصُّ دمه وقد تهلكه ، والعالم المتخصص فى الاحياء يذهله تركيب البعوضة ، ومع أنها مخلوق هشّ إلا إنها معجزة فى طيرانها وفى سباحتها على الماء وفى مصها الدماء . لاحظ الاعجاز العلمى هنا فى ذكر ( البعوضة ) الأنثى ، وليس الذكر . المرض يأتى من الأنثى وليس من الذكر .
2 ـ ( العنكبوت ) : يقول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت ) فى هذا المثل إعجاز علمى لأن الله جل وعلا يتكلم عن انثى العنكبوت التى تعد فراش الزوجية للذكر وبعد أن ينهى مهمته تقتله وتأكل رأسه ، فهذا ذكر العنكبوت يأتى الى الفراش محملا بأمنيات جميلة فيأتيه مهلكه ، وكذلك الذى يأتى للقبر المقدس يزوره معتقدا الفلاح فيخسر حيث يتوقع الخير . هنا إعجاز علمى فى (تاء التأنيث ) فى قوله جل وعلا ( إتخذت بيتا ) ونقرأ فيما بعد ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ). العالمون جمع ( عالم ) بكسر اللام. .
3 ــ ( الذباب).يقول رب العزة جل وعلا:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) الحج ) لا يستطيع مخلوق أن يخلق ذبابة . والمشركون يعبدون مخلوقات ، من عيسى الى محمد و(على ) و ( الحسين ) والصحابة وآل البيت ..الخ . جميعهم لو إجتمعوا وتعاونوا على خلق ذبابة فلن يستطيعوا . ولو سلبهم الذباب شيئا فلن يستطيعوا إستنقاذه منه . فالذباب يقوم بهضم طعامه قبل أن يبتلعه ، فلو أخذ بلورة من السكر فهو يسارع بتحليلها الى عناصرها الأولى فلا تصبح كما كانت ( سكرا ) . هنا إعجاز علمى فى هذا المثل ، وكون يتكلم عن الذباب ذكرا وأنثى معا .
النبات
1 ـ الشجرة : يقول رب العزة جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) الرعد )، الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، ثوابها يتضاعف عند رب العزة ، والكلمة الخبيئة كالشجرة الخبيثة لا أصل لها ولا خير فيها .
2 ـ يقول رب العزة جل وعلا عن الجزاء المُضاعف للإنفاق جهادا فى سبيل رب العزة جل وعلا وفى الصدقة :( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة )
3 ـ يقول رب العزة جل وعلا عن الصدقة الباطلة والإنفاق المقبول فى سبيل الله جل وعلا وإبتغاء مرضاته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِوَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) البقرة ).
4 ـ النبات يبدأ بذرة فينمو ويزدهر ثم يخبو ويندثر ، وهذا مثل يضربه رب العزة جل وعلا للحياة الدنيا الفانية مهما بدا إزدهارها ، يقول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس )، ويتكرر ضرب هذا المثل فى سورة الكهف ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45)الكهف ) لذا فإن : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46) الكهف )، وفى سورة الحديد ، يقول رب العزة جل وعلا : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) الحديد ) ، لذا فالتسابق يجب أن يكون من أجل الجنة ، وليس من أجل دنيا فانية ، ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد )
ثالثا : المعنوى والمادى فى ضرب المثل
أغلب ضرب الأمثال يندرج تحت ( التشبيه ) ،والتشبيه له أركان أربعة : المشبه والمشبه به ، وأداة التشبيه ، ووجه الشبه . مثلا تقول ( الفتاة كالقمر ) : الفتاة ( مشبه ) ، والقمر ( مشبه به )، و ( الكاف ) هى أداة التشبيه . ووجه الشبه هو الجمال . وهناك تشبيه المادى بالمادى كالمثال السابق ، أو تشبيه المادى بالمعنوى كقولك ( البحر فى سكونه مثل سعادة حانية ، وفى ثورته يشبه غضب الحليم ) ، أو يكون العكس : تشبيه المعنوى بالمادى . وهذا هو الأغلب فى ضرب الأمثال فى القرآن الكريم ، حيث أن ضرب المثل القرآنى هو فى الدعوة للهداية ونبذ الضلال ، والهداية شىء ( معنوى ) وكذلك الضلال لذا يأتى تشبيه المعنوى بالمادى . ونعطى أمثلة :
1 ـ يقول رب العزة جل وعلا : (اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) النور).( نور الله جل وعلا ) كناية عن الهداية ، وهى شىء معنوى ، والله جل وعلا يهدى لنوره من يشاء من البشر الهداية، يقول جل وعلا:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت) . نور الله جل وعلا ( معنوى ) المشبه به ( مادى ) المشكاة والمصباح والزجاجة ..
2 ـ يقول رب العزة جل وعلا : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الانعام ). الحياة هنا هى الهداية ، والضلال هو الموت ، والضّال يكون كالمغمى عليه قد زيّن له الشيطان سوء عمله فرآه حسنا . المشبه معنوى ( الهداية والضلال ) والمشبه به مادى ، نراه فى الأشخاص المهتدين المسالمين والأشخاص المعتدين الضالين . ونحو ذلك فى قول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24) هود )
3 ـ يقول رب العزة جل وعلا : ( أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17) الرعد ). الحق و الباطل كلاهما معنوى ، والمشبه به مادى .
رابعا : المشركون وضربهم الأمثال للنبى يتهمونه بأنه مسحور
1 ــ كان كفار قريش فى مكة يتندرون على النبى :( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان )، وعن إتهامهم للنبى محمد عليه السلام بأنه ( مسحور ) يأتى التعليق بقول رب العزة جل وعلا ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) الفرقان). وتكرر هذا وهم يتناجون سرا يتهمونه عليه السلام بأنه مسحور ، يقول رب العزة جل وعلا الذى يعلم أسرارهم :( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (47)الاسراء)،وعن إتهامهم للنبى محمد عليه السلام بأنه ( مسحور ) يأتى نفس التعليق بقول رب العزة جل وعلا ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (48) الاسراء ) .
2 ـ لم يقل جل وعلا عنهم ( كفار قريش ) أو ( مشركو مكة ) لم يحدد القائلين ، لأن مشركين كفارا سيأتون فيما بعد يكررون مقالة كفار قريش فى إتهام النبى محمد عليه السلام بأنه ( مسحور ). فعل ذلك البخارى الملعون فى حديث زعم فيه أن يهوديا سحر النبى محمدا . وتفاصيل ذلك فى كتابنا ( القرآن وكفى .. ) .
خامسا : ضرب الأمثال فى تصوير نعيم الجنة :
1 ــ لا يمكن للعقل البشرى أن يتخيل أو أن يتصور نعيم الجنة ، فسيكون أصحاب الجنة خلقا آخر ، ليس فيهم ذكر وأنثى ، بل يخلق الله جل وعلا من أعمالهم الحور العين ، ويكون الزمن خالدا ثابتا أبديا لا يمكن لنا تصوره ، لذا يقول جل وعلا عن نعيم الجنة ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة ). ولذا يأتى وصف نعيم الجنة بأسلوب المجاز من التشبيه والاستعارة والكناية ، ولا يمكن أن يأتى بالاسلوب العلمى المجرد لأن مداركنا تعجز عن ذلك. وبهذا يأتى ضرب الأمثال عن نعيم الجنة ليقرّب الصورة الى خيالنا .
2 ـ يقول رب العزة جل وعلا : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35) الرعد ). ما نأكل فى هذه الدنيا لا بد أن يتحول الى براز وبول ورائحة كريهة . ليس هذا فى طعام الجنة . وكذلك ظلال الجنة الدائمة .
3 ــ يقول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) محمد ). أنهار الدنيا يأسن ماؤها ، و لبن الدنيا يتغير طعمه ، وخمر الدنيا كريهة الرائحة والمذاق ، والعسل فى الدنيا لا يخلو من شوائب . ليس هذا فى الجنة .
سادسا : تصوير حبط الأعمال :
لا يخلو الكافر من الأعمال الصالحة ، ولكن يحبطها رب العزة ، أى يضيع ثمرتها فكأنها لم تكن . ويضرب الله جل وعلا الأمثال فى هذا :
1 ـ يقول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) ابراهيم )
سابعا : أمثلة بدون ذكر كلمة ( مثل )
يقول رب العزة جل وعلا عن حبط العمل المشار اليه آنفا : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) النور ) . تشبيه عملهم بالسراب فى الصحراء ، وكظلمات فى قاع البحر . ولم يرد هنا ضرب المثل ، مع أنه ضرب رائع للمثل .
ونتوقف مع : شيطان التفصيلات فى الهجص السنى فى الأمثال القرآنية : (التشبيهية ) و (القصصية العادية ) و ( قصص الانبياء ).
الباب الأول : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية :
الفصل الثانى : فى الأمثال التشبيهية
أولا ـ التدبر القرآنى فى قول الله يقول جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الاعراف ):
1 ـ هذا مثل ضربه رب العزة للعظة والعبرة دون ذكر إسم هذا الرجل الذى آتاه الله جل وعلا الايات فانسلخ منها . لذا فقد جعله رب العزة مثلا عاما لكل من يكذب بآيات الله جل وعلا، عسى أن يتفكر فيه من يهمُّه الأمر ، يقول جل وعلا عنه : ( ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176). ثم يجعلها رب العزة قضية عامة فيقول جل وعلا: ( سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177)).
ولأنها قضية عامة فإن الآيات بعدها ـ فى السياق المحلى ـ تتحدث عن الهداية والاضلال بصورة عامة ، ثم عن مصير الضالين من الجن والانس وهم فى النار ، ووصفهم بأنهم أضل من الأنعام ، وهذا فى قول رب العزة جل وعلا : ( مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف )
وفى السياق الموضوعى العام فى القرآن الكريم ( فيما يخص هذا الموضوع ) يقول جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية )، هذا عن ( العالم بالقرآن ) الذى يتخصص فى إستخدام مهارته العلمية فى الاضلال بدلا من الهداية . هذا تستحيل هدايته ، ولقد قالها رب العزة جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : (إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) النحل ). فالذى يتخصص فى إضلال الناس ، ويتبوأ لديهم مكانة بهذا ، ويتكسب نفوذا وشهرة وأموالا بهذا يستحيل أن يتراجع ويهتدى ويعلن أنه كان كافرا مُضلا . هل تتصور شيخا من شيوخ السلفية الوهابية أو الشيعية فى أواخر عمره يقف ويعلن توبته وأنه كان من قبل ( حمارا ) يحمل اسفارا لا يفقهها ويضل الناس بغير علم ؟ هذا مستحيل ، لم يحدث من قبل ولن يحدث فى الحاضر أو المستقبل . ليس فقط لأنه سيخسر ما أحرزه من شهرة ونفوذ ومال ، وليس فقط فى أن من اضلهم سينقلبون أعداءا له يحكمون بكفره ، ولكن لسبب أكبر هو أن متّبعُّ لهواه . هواه فى هذا الاضلال ، وكما أن الله جل وعلا وصف ذلك العالم المُضل بالكلب وأنه إتّبع هواه فإنه جل وعلا يؤكد نفس المعنى فى قوله جل وعلا : ( أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ). وفيمن إتخذ إلاهه هواه فأضله رب العزة على علم ( الجاثية 23 ) .
ولكن هناك من يبدأ الطريق المعتاد فى الدعوة مثل غيره ، يكتم الحق ، ثم لا يلبث أن يتبين خطأه ، معلنا توبته تائبا لرب العزة جل وعلا معتذرا للناس. تراه يسرع بإعلان الحق بالقرآن الكريم محتكما اليه ، ومعلنا آياته البينات المبينات ، ومُصلحا لما أفسده من أقوله السابقة ، هذا يمكن أن ينجو من اللعنة التى تحيق بالمتخصص فى الاضلال الذى لا يحيد عنه ، يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162) البقرة )
ونرجو من الأحبة التدبر العملى فى هذه الآيات الكريمة بالنظر الى ما ينشره الانترنت من هجص علماء السلفية الوهابية والشيعية والصوفية ، يختلفون فى أنواع الهجص ، ولكنه ( هجص ) .
2 ـ قوله جل وعلا : (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) يؤكد ان مشيئة الهداية أو الضلال تأتى من الفرد . يشاء الضلال فيزيده الله جل وعلا ضلالا ، أو يشاء الهداية فيزيده الله جل وعلا هدى : ( قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم )،(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)البقرة ) (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد ) .
ونتذكر الترتيب فى قول رب العزة جل وعلا: ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )، هو أوتى الآيات ، فسرعان ما إنسلخ منها ، فسرعان ما إتبعه الشيطان فكان من الغاوين . مفهوم بعدها أن الشيطان قد تولى أمره ، ومفهوم أيضا أن رب العزة تركه للشيطان فقد إتبع هواه وأخلد الى الأرض ، وبالتالى لا يمكن أن يهديه الله جل وعلا .
3 ـ ونتدبر قول رب العزة جل وعلا : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ): إن العزة لرب العزة ولرسوله وللمؤمنين الحقيقيين ، يقول جل وعلا : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون )، وهم فى الآخرة فى عليين فى الجنة بالقرب من الرحمن جل وعلا : (كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) المطففين ). الذى يتبع هواه يخلد الى الأرض ، يقدس مواد الأرض ، فآلهته وقبوره المقدسة وأصنامه مصنوعة من تراب الأرض التى نسير عليها بأقدامنا ، ولكن هواه يُلزمه بذلك . ويقول جل وعلا فى مقارنة بين هذا وذاك : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) الملك )
4 ــ ولأنها قضية عامة فإنها لا تنطبق فقط على أئمة السنيين والصوفيين والشيعة فى عصرنا البائس فقط ، بل تنطبق على جميع أئمة الأديان الأرضية من مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى ومسلم والترمذى وو.. ومنهم هذا القرطبى .
ثانيا : هجص القرطبى فى هذه الآيات الكريمة :
( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ (175 ) : ذكر أهل الكتاب قصة عرفوها في التوراة. واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات، فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش. وهو المعني بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا} ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أول من صنف كتابا في أن ليس للعالم صانع. قال مالك ابن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقطعه فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات. روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعو على موسى ، فقام ليدعو ، فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك، لا أقدر على أكثر مما تسمعون، واندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنى، فإن وقعوا فيه هلكوا، ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنى، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا. وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثعلبي وغيره. وروي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين، فاستجيب له وبقي في التيه. فقال موسى: يا رب، بأي ذنب بقينا في التيه. فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه علي فاسمع دعائي عليه. فدعا موسى أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم، فسلخه الله ما كان عليه، وقال أبو حامد في آخر كتاب منهاج العارفين له: وسمعت بعض العارفين يقول إن بعض الأنبياء سأل الله تعالى عن أمر بلعام وطرد بعد تلك الآيات والكرامات، فقال الله تعالى: لم يشكرني يوما من الأيام على ما أعطيته، ولو شكرني على ذلك مرة لما سلبته.وقال عكرمة: كان بلعام نبيا وأوتي كتابا.وقال مجاهد: إنه أوتي النبوة، فرشاه قومه على أن يسكت ففعل وتركهم على ما هم عليه. قال الماوردي: وهذا غير صحيح، لأن الله تعالى لا يصطفي لنبوته إلا من علم أنه لا يخرج عن طاعته إلى معصيته.وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي، وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مرسل رسولا في ذلك الوقت، وتمنى أن يكون هو ذلك الرسول، فلما أرسل الله محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسده وكفر به. وهو الذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «آمن شعره وكفر قلبه . وقال سعيد بن المسيب: نزلت في أبي عامر بن صيفي، وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك أنه دخل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقال: يا محمد، ما هذا الذي جئت به؟ قال: «جئت بالحنيفية دين إبراهيم». قال: فإني عليها. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لست عليها لأنك أدخلت فيها ما ليس منها». فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «نعم أمات الله الكاذب منا كذلك» وإنما قال هذا يعرض برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث خرج من مكة. فخرج أبو عامر إلى الشام ومر إلى قيصر وكتب إلى المنافقين: استعدوا فإني آتيكم من عند قيصر بجند لنخرج محمدا من المدينة، فمات بالشام وحيدا. وفية نزل: {وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} وسيأتي في براءة. وقال ابن عباس في رواية: نزلت في رجل كان له ثلاث دعوات يستجاب له فيها، وكانت له امرأة يقال لها البسوس فكان له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة. فقال: لك واحدة، فما تأمرين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل. فلما علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحه. فذهب فيها دعوتان، فجاء بنوها وقالوا: لا صبر لنا عن هذا، وقد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها كما كانت، فدعا فعادت إلى ما كانت، وذهبت الدعوات فيها. والقول الأول أشهر وعليه الأكثر. قال عبادة بن الصامت: نزلت في قريش، آتاهم الله آياته التي أنزلها الله تعالى على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فانسلخوا منها ولم يقبلوها. قال ابن عباس: كان بلعام من مدينة الجبارين. ) .
ثالثا : تحليل هذا الهجص :
1 ـ شخصنة المثل ، وحصره فى شخصية محددة ، وبالتالى تجاهل المقصد من ضرب المثل ، وعدم الاستفادة منه فى الحاضر والمستقبل . فطالما أنه فلان المحدد بالزمان والمكان فلا شأن لنا به .
2 ـ وكالعادة : الاختلافات فى تحديد هذا الشخص ، من بنى أسرائيل ، أو من قريش .. (هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام ) (كان بلعام قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة، ) (نزلت في أبي عامر بن صيفي، وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )( وقال ابن عباس في رواية: نزلت في رجل كان له ثلاث دعوات يستجاب له فيها..)( نزلت في قريش ).
3 ـ وكالعادة : التهجم على الغيب الالهى بخرافات مُخترعة مصنوعة مفتراة : (واختلف في تعيين الذي أوتي الآيات، فقال ابن مسعود وابن عباس: هو بلعام بن باعوراء، ويقال ناعم، من بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام، وكان بحيث إذا نظر رأى العرش. وهو المعني بقوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا} ولم يقل آية، وكان في مجلسه اثنتا عشرة ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه. ثم صار بحيث أنه كان أول من صنف كتابا في أن ليس للعالم صانع. قال مالك ابن دينار: بعث بلعام بن باعوراء إلى ملك مدين ليدعوه إلى الإيمان، فأعطاه وأقطعه فاتبع دينه وترك دين موسى، ففيه نزلت هذه الآيات. روى المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كان بلعام قد أوتي النبوة، وكان مجاب الدعوة، فلما أقبل موسى في بني إسرائيل يريد قتال الجبارين، سأل الجبارون بلعام بن باعوراء أن يدعو على موسى ، فقام ليدعو ، فتحول لسانه بالدعاء على أصحابه. فقيل له في ذلك، لا أقدر على أكثر مما تسمعون، واندلع لسانه على صدره. فقال: قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والخديعة والحيلة، وسأمكر لكم، فإني أرى أن تخرجوا إليهم فتياتكم فإن الله يبغض الزنى، فإن وقعوا فيه هلكوا، ففعلوا فوقع بنو إسرائيل في الزنى، فأرسل الله عليهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا. وقد ذكر هذا الخبر بكماله الثعلبي وغيره. وروي أن بلعام بن باعوراء دعا ألا يدخل موسى مدينة الجبارين، فاستجيب له وبقي في التيه. فقال موسى: يا رب، بأي ذنب بقينا في التيه. فقال: بدعاء بلعام. قال: فكما سمعت دعاءه علي فاسمع دعائي عليه. فدعا موسى أن ينزع الله عنه الاسم الأعظم، فسلخه الله ما كان عليه .. ).،( نزلت في رجل كان له ثلاث دعوات يستجاب له فيها، وكانت له امرأة يقال لها البسوس فكان له منها ولد، فقالت: اجعل لي منها دعوة واحدة. فقال: لك واحدة، فما تأمرين؟ قالت: ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل. فلما علمت أنه ليس فيهم مثلها رغبت عنه، فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نباحه. فذهب فيها دعوتان، فجاء بنوها وقالوا: لا صبر لنا عن هذا، وقد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها، فادع الله أن يردها كما كانت، فدعا فعادت إلى ما كانت، وذهبت الدعوات فيها )
4 ـ وكالعادة : التقول على النبى محمد عليه السلام : ( نزلت في أبي عامر بن صيفي، وكان يلبس المسوح في الجاهلية، فكفر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذلك أنه دخل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقال: يا محمد، ما هذا الذي جئت به؟ قال: «جئت بالحنيفية دين إبراهيم». قال: فإني عليها. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «لست عليها لأنك أدخلت فيها ما ليس منها». فقال أبو عامر: أمات الله الكاذب منا طريدا وحيدا. فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «نعم أمات الله الكاذب منا كذلك» وإنما قال هذا يعرض برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث خرج من مكة. فخرج أبو عامر إلى الشام ومر إلى قيصر وكتب إلى المنافقين: استعدوا فإني آتيكم من عند قيصر بجند لنخرج محمدا من المدينة، فمات بالشام وحيدا. وفية نزل: {وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} وسيأتي في براءة. )، ( )
5 ـ الافتراء على رب العزة جل وعلا بوحى شيطانى كاذب : ( وسمعت بعض العارفين يقول إن بعض الأنبياء سأل الله تعالى عن أمر بلعام وطرد بعد تلك الآيات والكرامات، فقال الله تعالى: لم يشكرني يوما من الأيام على ما أعطيته، ولو شكرني على ذلك مرة لما سلبته. ). ونطلب من الأحبة المزيد من تحليل هذا الهجص .
وكل عام وأنتم بخير : عيد الفطر أول شوال 1437
الفصل الثالث :هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية :فى قصص الانبياء
مقدمة : المنهج القرآنى فى القصص
قصص الأنبياء يأتى ضمن ضرب الأمثال القرآنية . والمنهج القرآنى واضح فى القصص القرآنى وفى ضرب المثل ، وهو منهج العظة ، وعدم تحديد الزمان والمكان وأسماء الأشخاص . ويتجلى هذا فى قصة أصحاب القرية الذين أرسل الله جل وعلا لها ثلاثة من الرسل .
أولا : تدبر آيات من سورة ( يس ) :
يقول جل وعلا : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) يس )
1 ـ تبدأ القصة القرآنيةهنا بضرب المثل :( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ) . وليس هنا تحديد لإسم القرية ، والقرية فى المصطلح القرآنى تعنى الدولة أو المجتمع . وليس هنا تحديد أسماء الرسل الثلاثة ، ولا إسم زعماء القرية الكفار ، ولا إسم ذلك الرجل المؤمن الذى جاء من أقصى المدينة يسعى . وجدير بالذكر أن هذه القرية ( أو الدولة ) كانت تشمل ( المدينة ) يقول جل وعلا : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ).
2 ـ التركيز هنا على العظة التى تتجلى فى اقوال المشركين والتى لا تختلف عن أقوال مشركى كل عصر ، وهى :
2 / 1 : رفض الرسالة بناءا على الرسل بشر مثلهم ، أى تحويل الموضوع الى شخصنة وإستكبار من أن يتبعوا شخصا بشرا مثلهم ، وفى سورة المؤمنون فقط ، قال قوم نوح : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24)) وقال قوم عاد : (وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (34) ).
2 / 2 : المشركون الكفار دائما يؤمنون بالله جل وعلا ولكن يتخذون معه آلهة أخرى وأولياء آخرين يقدسونه . ويتجلى هذا فى حوارهم مع الرسل . وهنا يقول أهل القرية للرسل فى معرض تكذيبهم للرسل : (وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) يس) وهو نفس ما قاله قوم نوح : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً )المؤمنون 24 ) وقاله فرعون موسى عن موسى : (فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) الزخرف ). وقالها موسى لقوم فرعون : ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ) الدخان 20 ). قالها موسى عالما بأنهم يعرفون الله جل وعلا ربه وربهم . لكن المشكلة أنهم لا يؤمنون بالله جل وعلا وحده إلاها . هى مشكلة البشر قبل وأثناء وبعد نزول القرآن الكريم .
2 / 3 : التشاؤم من الرسل أو ( التطير ) . هنا قالوا : (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ )، وقد قالها قوم ثمود للنبى صالح : (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) النمل )، وقال جل وعلا عن قوم فرعون وموقفهم من موسى عليه السلام : (فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (131) الاعراف ).
2 / 4 : التهديد بالرجم : قالها قوم مدين : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود 91 ) وقالها أهل الكهف خوفا من قومهم :( إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ) ( الكهف 20 ) ، وقالها آزر لابنه ابراهيم : ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) مريم 46 ) ، وقالها موسى خوفا من فرعون وقومه أن يرجموه : ( وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ ) الدخان 20 ). وجعل المشركون بعد نزول القرآن الكريم من ( الرجم ) عقوبة .
3 : وقول أولئك الرسل لمشركى القرية : (وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) يس) يؤكد حقيقة أساس ، وهى أن مسئولية الرسول لا تتعدى تبليغ الرسالة ، وفى سورة المائدة وحدها يقول جل وعلا :(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92)) (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة )، وتكرر هذا كثيرا فى القرآن الكريم ، ومع ذلك فإن المشركين بعد نزول القرآن الكريم أسندوا للنبى محمد عليه السلام خصائص إلاهية مثل الشفاعة .
4 ـ قول الرجل المؤمن لقومه : (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)) يؤكد حقيقة قرآنية أن الرسل لا يسألون أقوامهم أجرا . وهذا ما جاء فى ثنايا قصص الأنبياء ، ومنهم خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . 5 ـ وقد أوجز رب العزة جل وعلا الحوار الذى دار بين الرسل وأقوامهم فى سورة ( ابراهيم ) : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) ابراهيم ). ونلمح شبها بين الحوار هنا وحوار تلك القرية مع الرسل الثلاثة . 6 ـ وجاء فى قصة موسى عليه السلام أنه بعد أن قتل بدون قصد ذلك الرجل المصرى المعتدى جاءه رجل يحذره :( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) القصص ). ونفس الموقف تقريبا فى قصة هذه القرية ، إذ جاء رجل يعظ قومه : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) ) . يلاحظ هنا التشابه بين فردين فى عصرين مختلفين ، وكلاهما تطوع بموقف رجولى ، وكلاهما جاء من أقصى المدينة يسعى ، ولكن إختلفت النصيحة ، فالرجل فى قصة موسى عليه السلام حذّره من تآمر الملأ عليه ، أما هذا الرجل هنا فد جاء يعظ قومه بإتّباع الحق ويعلن إيمانه برب العزة جل وعلا وحده ، وقد دفع الثمن إذ نفهم ان قومه قتلوه ، بينما لا نرى نفس المصر للرجل فى قصة موسى . وهناك فارق فى الصياغة القرآنية ، ففى قصة رجل موسى جاءت كلمة (رجل) فى المقدمة:( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) وتأخرت فى هذه القصة : (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى )، كلاهما جاء من أقصى المدينة ، يعنى من الضواحى والتى غالبا ما تكون فقيرة ـ بينما يكون قلب المدينة هو للملأ . الاختلاف فى تقديم كلمة ( رجل ) بمعنى ( الرجولة ) . هذا التقديم فى قصة موسى له مغزى ، يشير الى أن الاضطهاد الفرعونى أكبر مما كان فى قصة هذه القرية . 7 ـ وانتهى مصير الرجل المؤمن بالقتل ، وأدخله الله جل وعلا برزخ الجنة ،شأن الذين يُقتلون فى سبيل الله جل وعلا ( البقرة 154 آل عمران 169 : 171 ) وقد أخبر جل وعلا بهذا الغيب : (إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27) ). وواضح كلامه عن قومه الذين كانوا أحياءا وقتها . ثانيا : هجص القرطبى فى هذا الموضوع :
يقول القرطبى : |
||
(
. |
||
|
||
|
الفصل الرابع : هجص القرطبى فى الأمثال القرآنية فى القصص العادى :
أولا : مثال ( آيات سورة الحشر ) يقول رب العزة جل وعلا : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) الحشر ) فى تدبر الآيتين الكريمتين نقول : 1 ـ الآيتان مرتبطتان بما قبلهما ، يقول رب العزة جل وعلا ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)الحشر) ، والواضح أن رب العزة يتحدث عن وعد من المنافقين بنُصرة اليهود المعتدين ، وقد نبّأ رب العزة مقدما أن المنافقين لن يفوا بالوعد . ثم يأتى ضرب المثل لهما بحالة مماثلة حدثت قريبا ، يقول جل وعلا : ( كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15).الحشر ). وهنا إشارة لهزيمة قريش فى موقعة بدر ، يقول جل وعلا للمؤمنين يحذرهم ويعظهم بعد إنتصارهم فى ( بدر ) : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) الانفال ) . الشيطان زين لقريش أعمالها ، وحرضهم على القتال والخروج بطرا وفخرا وعُنجهية ، فلما تراءى الفريقان للقتال رأى الشيطان الملائكة التى تؤازر قلوب المؤمنين ، عندها نكص على عقيبه وهرب بعد أن أدى مهمته فى إغواء قريش . ثم ضرب الله جل وعلا مثلا آخر ، يقول فيه رب العزة :( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) الحشر ). وهذا المثل سيأتى تحقيقه يوم القيامة والشيطان مع ( الانسان). ومصطلح ( الانسان ) فى القرآن يعنى البشر الضالين ، والذين سيكون مصيرهم فى النار ، وبعد أن أغواهم الشيطان فى الدنيا سيتبرأ منهم وهو معهم فى النار ، يقول جل وعلا عن هذا الموقف : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم ) 2 ـ هذا هو التدبر القرآنى والتفسير القرآنى لقول رب العزة جل وعلا :( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) الحشر). ثانيا : فماذا عن هجص القرطبى ؟
( قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ} هذا ضرب مثل للمنافقين واليهود في تخاذلهم وعدم الوفاء في نصرتهم. وحذف حرف العطف، ولم يقل: وكمثل الشيطان، لان حذف حرف العطف كثير كما تقول: أنت عاقل أنت كريم أنت عالم. وقد روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الإنسان الذي قال له الشيطان اكفر، راهب تركت عنده امرأة أصابها لمم ليدعو لها، فزين له الشيطان فوطئها فحملت، ثم قتلها خوفا أن يفتضح، فدل الشيطان قومها على موضعها، فجاءوا فاستنزلوا الراهب ليقتلوه، فجاء الشيطان فوعده أنه إن سجد له أنجاه منهم، فسجد له فتبرأ منه فأسلمه. ذكره القاضي إسماعيل وعلي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة الزرقي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وذكر خبره مطولا ابن عباس ووهب بن منبه. ولفظهما مختلف. قال ابن عباس في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطانِ}: كان راهب في الفترة يقال له: برصيصا، قد تعبد في صومعته سبعين سنة، لم يعص الله فيها طرفة عين، حتى أعيا إبليس، فجمع إبليس مردة الشياطين فقال: ألا أجد منكم من يكفيني أمر برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء، وهو الذي قصد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صورة جبريل ليوسوس إليه على وجه الوحي، فجاء جبريل فدخل بينهما، ثم دفعه بيده حتى وقع بأقصى الهند فذلك قوله تعالى: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ} [التكوير: 20] فقال: أنا أكفيكه، فانطلق فتزيا بزي الرهبان، وحلق وسط رأسه حتى أتى صومعة برصيصا فناداه فلم يجبه، وكان لا ينفتل من صلاته إلا في كل عشرة أيام يوما، ولا يفطر إلا في كل عشره أيام، وكان يواصل العشرة الأيام والعشرين والأكثر، فلما رأى الأبيض أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا من صلاته، رأى الأبيض قائما يصلي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان، فندم حين لم يجبه، فقال: ما حاجتك؟ فقال: أن أكون معك، فأتأدب بأدبك، وأقتبس من عملك، ونجتمع على العبادة، فقال: إني في شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض أيضا على الصلاة، فلما رأى برصيصا شدة اجتهاده وعبادته قال له: ما حاجتك؟ فقال: أن تأذن لي فارتفع إليك. فأذن له فأقام الأبيض معه حولا لا يفطر إلا في كل أربعين يوما يوما واحدا، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما، وربما مد إلى الثمانين، فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه. ثم قال الأبيض: عندي دعوات يشفي الله بها السقيم والمبتلي والمجنون، فعلمه إياها. ثم جاء إلى إبليس فقال: قد والله أهلكت الرجل. ثم تعرض لرجل فخنقه، ثم قال لأهله- وقد تصور في صورة الآدميين-: إن بصاحبكم جنونا أفأطبه؟ قالوا نعم. فقال: لا أقوى على جنيته، ولكن اذهبوا به إلى برصيصا، فإن عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، فجاءوه فدعا بتلك الدعوات، فذهب عنه الشيطان. ثم جعل الأبيض يفعل بالناس ذلك ويرشدهم إلى برصيصا فيعافون. فانطلق إلى جارية من بنات الملوك بين ثلاثة إخوة، وكان أبوهم ملكا فمات واستخلف أخاه، وكان عمها ملكا في بني إسرائيل فعذبها وخنقها. ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبب ليعالجها فقال: إن شيطانها مارد لا يطاق، ولكن اذهبوا بها إلى برصيصا فدعوها عنده، فإذا جاء شيطانها دعا لها فبرئت، فقالوا: لا يجيبنا إلى هذا، قال: فابنوا صومعة في جانب صومعته ثم ضعوها فيها، وقولوا: هي أمانة عندك فاحتسب فيها. فسألوه ذلك فأبى، فبنوا صومعة ووضعوا فيها الجارية، فلما انفتل من صلاته عاين الجارية وما بها من الجمال فأسقط في يده، فجاءها الشيطان فخنقها فانفتل من صلاته ودعا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقبل على صلاته فجاءها الشيطان فخنقها. وكان يكشف عنها ويتعرض بها لبرصيصا، ثم جاءه الشيطان فقال: ويحك! واقعها، فما تجد مثلها ثم تتوب بعد ذلك. فلم يزل به حتى واقعها فحملت وظهر حملها. فقال له الشيطان: ويحك! قد افتضحت. فهل لك أن تقتلها ثم تتوب فلا تفتضح، فإن جاءوك وسألوك فقل جاءها شيطانها فذهب بها. فقتلها برصيصا ودفنها ليلا، فأخذ الشيطان طرف ثوبها حتى بقي خارجا من التراب، ورجع برصيصا إلى صلاته. ثم جاء الشيطان إلى إخوتها في المنام فقال: إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا، وقتلها ودفنها في جبل كذا وكذا، فاستعظموا ذلك وقالوا لبرصيصا: ما فعلت أختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانها، فصدقوه وانصرفوا. ثم جاءهم الشيطان في المنام وقال: إنها مدفونة في موضع كذا وكذا، وإن طرف ردائها خارج من التراب، فانطلقوا فوجدوها، فهدموا صومعته وأنزلوه وخنقوه، وحملوه إلى الملك فأقر على نفسه فأمر بقتله. فلما صلب قال الشيطان: أتعرفني؟ قال لا والله قال: أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات، أما اتقيت الله أما استحيت وأنت أعبد بني إسرائيل ثم لم يكفك صنيعك حتى فضحت نفسك، وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس فان مت على هذه الحالة لم يفلح أحد من نظرائك بعدك. فقال: كيف أصنع؟ قال: تطيعني في خصلة واحدة وأنجيك منهم وآخذ بأعينهم. قال: وما ذاك؟ قال تسجد لي سجدة واحدة، فقال: أنا أفعل، فسجد له من دون الله. فقال: يا برصيصا، هذا أردت منك، كان عاقبة أمرك أن كفرت بربك، إني برئ منك، إني أخاف الله رب العالمين. أخيرا: تحليل هجص القرطبى : أترك للأحبة هذا التحليل ليتدربوا على بحث الهجص التراثى فيما يسمونه بالتفسير . وتيسيرا عليهم أُعطى خطوطه العريضة فى هجص القرطبى السابق ، وهو : 1 ـ متاهات االإعراب ( النحوى ) فى الآيات ، 2 ـ اساطير وخرافات يجعلونها دينا بنسبتها للرسول عليه السلام كذبا وزورا . 3 ـ التشكيك فى كتابة القرآن المحفوظ من لدن رب العزة جل وعلا . 4 ـ الاختلافات فيما بينهم فى كل ما سبق .!!. |
الفصل الخامس : هجص القرطبى فى قصة صاحب الجنتين
أولا : نموذج للمثل القرآنى القصصى
1 ـ هناك امثال ضربها رب العزة بصورة قصصية مجردة ، وبالتالى لا ذكر فيها لأسماء الأشخاص أو الزمان أو المكان ، شأن القصص القرآنى الواقعى عن الأنبياء والأمم السابقة . الهدف هو العظة ، خصوصا وأن القصة تعظ بما جاء فى القرآن الكريم من أوامر ونواهى ، والتأكيد على الايمان الخالص بالله جل وعلا لا إله غيره ولا إله سواه ، والايمان باليوم الآخر يوم العدل المطلق الذى لا تغنى فيه نفس عن نفس شيئا ولا تنفعها شفاعة ولا هم يُظلمون .
2 ـ القصة الآتية نموذج للمثل القرآنى القصصى ، وملامحها نراها فى عصرنا ، وهى عظة لكل عصر . يقول جل وعلا : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43) هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) الكهف ).
ثانيا :التدبر القرآنى فى القصة القرآنية السابقة :
القصة بما فيها من حوار تعكس رؤية رجلين ، وهما صاحبان ، ولكنهما مختلفان ، أحدهما مؤمن والآخر كافر. وتدبر القصة يعطينا حقائق قرآنية تكررت فى القرآن الكريم ، وهى :
معنى الصاحب : (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ ) (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ) :
1 ـ كلاهما صاحب للآخر مع إختلافهما فى الايمان والكفر . وهذا هو مفهوم ( الصاحب ) فى القرآن ، أى ( الصُّحبة ) فى الزمان والمكان ، أو أن يوجد شخصان فى زمان واحد ومكان واحد وتكون لهما علاقة ، سواء كانت علاقة خصومة أو علاقة صداقة ، أو مجرد علاقة . وهذا المفهوم القرآنى للصاحب يخالف المفهوم التراثى للصحابة ، والتى تجعل كل أصحاب النبى مؤمنين بل ومعصومين وثقة ومصادر للدين ( الأرضى ) عندهم .
2 ـ وجعلوا ( ابا بكر ) من عناصر الايمان ، ورفيق النبى فى الغار مع إن إسمه لم يأت مطلقا فى القرآن الكريم ، وجعلوه ( الصديق ) من الصدق . وهو على فرض وجوده مع النبى فى الغار فقد كان مجرد ( صاحب ) للنبى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) (40) التوبة ) ، لو قال جل وعلا ( إذ يقول لصديقه ) لعرفنا من هذا وجود صداقة بينهما ، و ( الصداقة ) من الصدق فى المودة والصدقة فى الصُّحبة . قال جل وعلا فقط ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ )، ليحصر العلاقة بينهما على الصحبة فى نفس المكان ونفس الزمان فقط ونفس الظروف، بغض النظر عن حقيقة الايمان فى قلب هذا ( الصاحب ). ولو كان صادقا فى إيمانه و( صديقا ) لقال جل وعلا : ( فأنزل الله سكينته عليهما ، وايدهما بجنود لم تروها ..). هذا لو كان قلبه على نفس المستوى فى صدق الايمان مع النبى ، لو كان قلبه مُصاحبا لقلب النبى عليه السلام . ولكن جاء الوصف بمجرد الصاحب وفقط .
3 ـ وقد تأتى الصحبة مع الاختلاف فى العقيدة إيمان وكفرا ، فقد كان يوسف عليه السلام فى السجن مع صاحبيه فى السجن وكان كافرين ، وكان يعظهما يخاطبهما يقول لهما : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40) التوبة )
4 ـ ومشركو قريش كان ( صاحبهم ) النبى ، أى صحبوه فى نفس المكان والزمان من مولده الى أن هاجر وتركهم ، وكانوا على علم بأخلاقه الرفيعة وصدقه وأمانته ، لذا كان الإستعمال القرآنى لهذه الصحبة حُجة عليهم ، إذا كيف يتهمونه بالسحر والضلال والغواية والجنون بعد أن دعاهم بالقرآن الكريم . هنا يكون إستعما كلمة ( صاحب ) وصفا للنبى ذا مغزى ، نفهمه من قوله جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ )( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3)النجم ) (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) التكوير )( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) الاعراف )
5 ـ وقد تأتى الصحبة مع الاتفاق فى العقيدة ، يقول جل وعلا عن الذى عقر ناقة النبى صالح من قوم ثمود : (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29) القمر ).
6 ـ وقد تأتى الصحبة مع حيوان ، مثل يونس الذى إلتقمه الحوت فكان لقبه ( ذو النون ) و( النون ) هو الحوت ـ يقول جل وعلا عنه (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء ) . ذو النون يعنى ( صاحب الحوت ) وبهذا المعنى قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) القلم )
6 ــ وتأتى ( الصاحبة ) بمعنى الزوجة التى تقضى زما طويلا مع زوجها تصاحبه فى حياته ويعرف واجبه فى الدفاع عنها وفى حمايتها ، لكنه يوم القيامة سيختلف الوضع ، سيفرُّ من أقرب الناس اليه ، ومنهم صاحبته أى زوجته،يقول جل وعلا : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس )، ويود ـ لو كان مجرما ـ لو يفتدى من العذاب بأحب الناس اليه ومنهم صاحبته أى زوجته ، يقول جل وعلا : ( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج ).
والله جل وعلا لم يلد ولم يولد ولم تكن له زوجة أى صاحبة ، يقول جل وعلا : ( بَدِيعُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) الانعام ) (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً (3) الجن ).
7 ــ والصاحب الجار له حق فى الاحسان اليه ، بغض النظر عن كونه يتبع دينك أو مذهبك أو لا ، يقول جل وعلا : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء )
الجنة :
1 ـ جاءت الجنة فى القصة القرآنية هذه بمعنى الحديقة : ( جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ) ( كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ) ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ) ( فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ). وجاء وصفها رائعا من حيث التنظيم والتنسيق ، فهما جنتان يفصل بينهما نهر ، وجاءت الروعة فى وصف الأنواع والثمار والنهر الذى يجرى بينهما : ( جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ).
2 ـ وفى القرآن الكريم ذكر لثلاثة أنواع من الجنات. ونقتصر على الاستشهاد بما جاء فى سورة البقرة فقط :
2 / 1 : هناك جنة البرزخ التى كان فيها آدم وزوجه :( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35) البقرة )، والجنة التى ستذهب اليها أنفس المقتولين فى سبيل الله جل وعلا ستذهب الى هذه الجنة البرزخية ، وقد قال رب العزة جل وعلا عنهم : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) البقرة ).
2 / 2 : جنة الآخرة للمتقين : يقول جل وعلا : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة )
2 / 3 : جنة الدنيا ، بمعنى الحديقة والبستان ، جاء هذا فى قوله جل وعلا : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) البقرة ). والجنتان فى هذه القصة القرآنية تنتميان الى هذا النوع .
معنى الايمان / ومعنى الكفر والشرك :
1 ـ كل السلفيين من اتباع الديانات الأرضية( سنة ، تشيع ، تصوف ،كاثولوكية ، برتستانتية ، أرثوذكسية ..الخ ) يؤمنون بالتراث الدينى فى تقديس البشر والحجر ، ويتخيلون أنه يكفى أن يؤمنوا بالله ضمن إيمانهم بآلهتهم الأخرى ، أو مع آلهتهم الأخرى . ويأتى الرد على هذا كثيرا فى القصص القرآنى عن قصص الأنبياء السابقين ، وفى الحوار الذى أجراه رب العزة جل وعلا معهم ، وايضا فى الأمثلة القرآنية ، ومنها هذا المثل القصصى فى الحوار بين الصاحبين أحدهما مؤمن والآخر كافر .
2 ـ وفيما يقوله هذا الكافر المشرك نراه يؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر ، ولكنه إيمان ناقص ، يقول جل وعلا : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36)). ظنّ أن جنته خالده ، وتشكك فى قيام الساعة ، وقال حتى لو قامت فإن ربه جل وعلا سيعطيه خيرا منها . أى يؤمن بالله جل وعلا : ( وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي ) ، ولكنه كفر باليوم الآخر صراحة ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) وضمنا (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً ). أى بدلا من أن يحمد ربه جل وعلا على ما أنعم عليه به من الجنتين فإنه إغتر وكفر بالنعمة ، لذا رد عليه صاحبه المؤمن يتهمه بالكفر : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39)). هنا دليل على جواز إتهام الشخص الكافر بالكفر فى الحوار معه أملا فى وعظه وإصلاحه .
3 ـ وعندما عوقب بتدمير جنته إعترف بوقوعه فى الشرك : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42 ) الكهف )
4 ـ مصطلح ( الانسان ) فى القرآن يعنى البشر الضال ، يقول جل وعلا عن هذا ( الانسان ) : (فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر )، ويقول جل وعلا يخاطب هذا الانسان : ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (20) الفجر ) . ويوم القيامة سيكون هذا الانسان فى موقف عصيب ، يقول جل وعلا فى نفس السورة : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) الفجر ) . هذا الانسان فى دنياه ينطبق عليه قول رب العزة : (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) المعارج )، وهو يتشكك فى الآخرة ، ولا يؤمن بها إلا إذا كانت له فيها الجنة ، يقول جل وعلا فى أروع وصف للإنسان الضال : ( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّالَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت )
ولهذا الصنف ( الانسانى ) ينتسب هذا الصاحب الضال فى القصة .
العظة النهائية :
وتاتى العظة النهائية فى قوله جل وعلا : (هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44)).
ثالثا : هجص السنيين فيما أورده القرطبى :
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً (33) وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34)} |
{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (35) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (36)} |
{قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38)} |
{وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41)} |
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42)} |
{وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43)} أخيرا : هل فهمتم شيئا من هذا الهجص ؟ |
الباب الثانى :هجص القرطبى فى القصص القرآنى:الفصل الأول: هجص القرطبى عن: (أهل الكهف )
مقدمة :
1 ـ عبارة تفسير القرآن تعنى تكذيبا لرب العزة جل وعلا فى التأكيد على أن القرآن الكريم ( مُيسّر للذكر ) لمن أراد الهداية ، وأنه كتاب مبين وأن آياته بينات مبينات بنفسها ، وأن تفسير القرآن بالقرآن . الله جل وعلا يأمر بتدبر القرآن ، وتدبر القرآن عملية بحثية مُتاحة لمن تتوفر لديهم المقدرة البحثية .
2 ـ على أن تأسيس الدين الأرضى يتم دائما بإغتيال الدين الالهى ، ونفيه وتجاهله بالوحى الشيطانى من أحاديث نبوية وقدسية بزعمهم ، وبالزعم بإلغاء تشريعات القرآن بدعوى النسخ ، وبتحريف معانى القرآن بزعم التأويل ، و.. التفسير .
3 ـ وشيطان التفصيلات فى التفسير يحتاج مجلدات ، ولكن نعطى لمحة سريعة من خلال تفسير القرطبى، فيما يخص القصص القرآنى عن أهل الكهف
أولا : غيب القصص القرآنى ينتمى الى الماضى .
1 ـ ولأن القصص القرآنى ضمن الغيب فإن ما نعلمه هو المذكور فقط فى القرآن الكريم ، وما لم يذكره رب العزة جل وعلا ليس لنا أن نخوض فيه لأنه غيب لنا . والخوض فيه دخول فى الكذب والافتراء وخرافات ، ومن اسف أن هذه الأكاذيب والخرافات قد جعلها أعداء القرآن الكريم دينا ( أرضيا ) بنسبة أحاديثها للنبى محمد عليه زورا وبهتانا ، وقد مات عليه السلام وهو لايعلم شيئا عن هذه الأكاذيب والخرافات التى نسبوها اليه ـ قرونا بعد موته .
2 ـ منهج القصص القرآنى يختلف عن منهج التأريخ ، فالحادثة التاريخية التى يسجلها المؤرخ لا بد أن يذكر فيها اسم المكان وأسماء الأبطال الذين قاموا بالحدث التاريخى ، ويحدد الزمان ، ثم لا إهتمام بعدها بالعبرة . منهج القصص القرآنى يركز فى الأساس على العبرة ، لذا لا يهتم بأسماء الأشخاص ولا بالمكان ولا بالزمان ، وهذا كى يجرد الحادثة من أسر الزمان والمكان والاشخاص ويحولها الى عظة للبشر فى كل زمان ومكان .
6 ـ جاء المفسراتية فربطوا القصة القرآنية بتفصيلات فيها الزمان والمكان وأسماء الأشخاص، ولأنهم لا علم لهم بالغيب فقد إخترع كل منهم هجصا من عنده وصاغه فى حديث ونسبه للنبى عليه السلام ولبعض الصحابة والتابعين ، ولأن هذا الهجص قد تمت كتابته فى العصر العباسى فقد أسندوا الكثير منه الى ابن عباس تقربا للخلفاء العباسيين . ولأنه هجص مفترى يفترونه ، وكل منهم يعبر عن هجصه الشخصى فقد إختلفوا فى هجصهم ، وحاول بعضهم فى العصر المملوكى التوفيق بين أنواع الهجص فلم يفلح ، ولكن ظل الانشغال سائدا وساريا ،فى تفصيلات المختلفة والمتناقضة فى التفسير والحديث والفقه إلى أن صحا المصريون على حملة نابليون تدك مدافعها الأزهر . ولقد إستيقظ الغرب ، وانطلق يسير فى الأرض وفى الفضاء، يخترع ويُبدع ، ولا يزال أرباب الدين السنى يقدسون هذا الهجص .
أولا : تدبر للقصص القرآنى عن اصحاب الكهف من حيث المنهج
1 ـ الله جل وعلا ذكر قصة أهل الكهف للعبرة والعظة ، ولذا فلم يأت فيها تحديد للمكان أو الزمان أو أسماء الأشخاص ، بل حتى دون ذكر لعددهم ، بل قال جل وعلا مسبقا يمنع التساؤل فى هذا : ( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) الكهف ). 2 ـ وقبلها ذكر رب العزة العظة من قصة أهل الكهف فقال : ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا )(21)) .
ثانيا : تدبر فى قصة أهل الكهف من حيث التفصيلات :
التفصيلات القرآنية قد أنزلها الله جل وعلا عن علم ، يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الاعراف )، فالقرآن الكريم قول فصل وما هو بالهزل : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) الطارق ) . الهزل والهجص فى الأديان الأرضية . ومن بعض التفصيلات القرآنية فى قصة أهل الكهف نتعلم الكثير ، ومنه :.
1 ـ القصص الحق :
يقول جل وعلا : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ )، والمعنى أن غير الله جل وعلا لا يمكن أن يقص نبأهم بالحق لأنه غيب ، ولا يعلم الغيب إلا علام الغيوب جل وعلا .
2 ـ ( لا إله إلا الله ) :
قوم أهل الكهف ، كانوا يؤمنون بالله جل وعلا ويعبدونه ولكن يؤمنون ويقدسون مخلوقات معه جل وعلا ، وهذا ما إعتبره الفتية المؤمنون شططا وظلما ، ولذا إعتزلوهم وآلهتهم التى يعبدونها ، ولم يعتزلوا عبادة الله جل وعلا . يقول جل وعلا : (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15) وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ )
3 ـ مشيئة الهداية تبدأ بالفرد :
هؤلاء الفتية بدءوا الهداية ، وأعلنوها علنيا برفضهم لآلهة قومهم ، واتهموا قومهم بالشطط والافتراء على الله جل وعلا كذبا ، يقول جل وعلا : ( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً (14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15)). وطلبوا الهداية من رب العزة جل وعلا ، يقول جل وعلا : ( إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً (10)) لذا زادهم رب العزة هداية على هدايتهم ، فقال جل وعلا : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ ). وهذا هو معنى هداية الله جل وعلا التى تأتى مترتبة على هداية الفرد ، يقول جل وعلا : (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً (17).
4 ــ وهداية رب العزة للمجاهدين فى سبيله تعنى أيضا النُّصرة :
يقول جل وعلا فى نفس المعنى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) العنكبوت). وقد جاهدوا وأعلنوا كفرهم بآلهة قومهم ، ثم خافوا منهم فهربوا الى الكهف ، وحين إستيقظوا بعد ثلاثة قرون كان خوفهم لا يزال فى داخلهم، لذا كان الكهف حاضنا لهم ، يقول جل وعلا عن تصميم الكهف وأنه من آيات الله جل وعلا : ( وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَتَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ).
5 ـ نوم أو موت أهل الكهف وتغير ملامحهم :
لبثوا نياما أو موتى ثلاثة قرون ، فتغيرت ملامحهم بحيث لو رآهم أحد لامتلأ منهم رعبا ، يقول جل وعلا : ( لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) ) . هذا ما فعله بهم الموت أو النوم . وهم قوم مؤمنون ، وصفهم رب العزة فقال : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)). والمعنى أن أجساد البشر تتغير بالموت حتى لو كانوا فى حياتهم صالحين ، عكس ما يعتقده المشركون الكفار عُبّاد القبور .
6 ـ نوم أو موت أهل الكهف وتوقف الزمن لمن يدخل فى البرزخ :
تدخل نفس الانسان برزخها مؤقتا بالنوم ، وتدخله نهائيا بالموت . وفى الحالتين فحين تستيقظ أو حين البعث تتخيل أنها نامت يوما أو بعض يوم مهما كانت مدة النوم أو الموت . هناك رجل أماته الله جل وعلا مائة عام ثم بعثه ، أو أنامه مائة عام ثم أيقظه فظن أنه لبث يوما أو بعض يوم ، يقول جل وعلا : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )(259) البقرة ).
نفس الحال مع أهل الكهف ، قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25)) ، وحين إستيقظوا إستيقظت معهم مخاوفهم من قومهم كأنهم ناموا بالأمس القريب ، فقالوا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20)) والله جل وعلا يصف يقظتهم بالبعث ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ) وقد ظنوا أنهم لبثوا نياما يوما أو بعض يوم ( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ )(19) ) .
وهو نفس الحال يوم البعث ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (52) الاسراء) يظن المجرمون أنهم لبثوا ساعة ، أى يوما أو بعض يوم ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ) وهو نفس التصور يوم الحشر ، يقول جل وعلا: ( وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104) طه ) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ) 45) يونس )، وحين سألوا النبى محمدا عن موعد الساعة ، وهو لا يعرفها ، وليس له أن يتكلم فيها فقال له جل وعلا : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)النازعات ) ثم قال جل وعلا عن حالهم وقتها : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات )
7 ــ ليس الكلب نجسا كما يقول الهجص السُّنّى :
هؤلاء الفتية المؤمنون الذين زادهم الله جل وعلا هدى وربط على قلوبهم إصطحبوا معهم الى الكهف كلبهم . لو كان الكلب نجسا ما فعلوا هذا . ولوكان الكلب نجسا ما ذكره رب العزة ملحقا بهم فى الحديث عن عددهم ، يقول جل وعلا عنهم وعن كلبهم : (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ )(18) )( سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (22))
8 ـ مساجد الضرار :
المشركون أصحاب الغلبة يقيمون مساجد على القبور ، يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21))
9 ـ إشارات علمية :
النوم العميق الذى يقترب من الموت كما فى حالة أهل الكهف يعنى تعطيل وظيفة السمع ، يقول جل وعلا : ( فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (11)) .
وهذا النوم الطويل يستلزم التقلب بحيث تبدو فيهم الحياة وهم نيام ، وبدون هذا التقلب تتقرح جلودهم ، يقول جل وعلا : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ )).
أخيرا : يأ اهلا بالهجص :
نكتفى بهجص القرطبى بما قاله عن الآيتين 9 ، 10 من سورة الكهف .
( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (9)}
مذهب سيبويه أن {أَمْ} إذا جاءت دون أن يتقدمها ألف استفهام أنها بمعنى بل وألف الاستفهام، وهى المنقطعة.
وقيل: {أَمْ} عطف على معنى الاستفهام في {فَلَعَلَّكَ}، أو بمعنى ألف الاستفهام على الإنكار. قال الطبري: وهو تقرير للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على حسابه أن أصحاب الكهف كانوا عجبا، بمعنى إنكار ذلك عليه، أي لا يعظم ذلك بحسب ما عظمه عليك السائلون من الكفرة، فإن سائر آيات الله أعظم من قصتهم وأشيع، هذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن إسحاق. والخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أن المشركين سألوه عن فتية فقدوا، وعن ذى القرنين وعن الروح، وأبطأ الوحى على ما تقدم. فلما نزل قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: أحسبت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا، أي ليسوا بعجب من آياتنا، بل في آياتنا ما هو أعجب من خبرهم. الكلبي: خلق السموات والأرض أعجب من خبرهم. الضحاك: ما أطلعتك عله من الغيب أعجب. الجنيد: شأنك في الاسراء أعجب. الماوردي: معنى الكلام النفي، أي ما حسبت لولا أخبارنا. أبو سهل: استفهام تقرير، أي أحسبت ذلك فإنهم عجب. والكهف: النقب المتسع في الجبل، وما لم يتسع فهو غار. وحكى النقاش عن أنس بن مالك أنه قال: الكهف الجبل، وهذا غير شهير في اللغة. واختلف الناس في الرقيم، فقال ابن عباس: كل شيء في القرآن أعلمه إلا أربعة: غسلين وحنان والأواه والرقيم. وسيل مرة عن الرقيم فقال: زعم كعب أنها قرية خرجوا منها.
وقال مجاهد: الرقيم واد.
وقال السدى: الرقيم الصخرة التي كانت على الكهف.
وقال ابن زيد: الرقيم كتاب غم الله علينا أمره، ولم يشرح لنا قصته. وقالت فرقة: الرقيم كتاب في لوح من نحاس.
وقال ابن عباس: في لوح من رصاص كتب فيه القوم الكفار الذي فر الفتية منهم قصتهم وجعلوها تاريخا لهم، ذكروا وقت فقدهم، وكم كانوا، وبين من كانوا. وكذا قال القراء، قال: الرقيم لوح من رصاص كتب فيه أسماؤهم وأنسابهم ودينهم وممن هربوا. فال ابن عطية: ويظهر من هذه الروايات أنهم كانوا قوما مؤرخين للحوادث، وذلك من نبل المملكة، وهو أمر مفيد. وهذه الأقوال مأخوذة من الرقم، ومنه {كِتابٌ مَرْقُومٌ}. ومنه الأرقم لتخطيطه. ومنه رقمه الوادي، أي مكان جرى الماء وانعطافه. وما روى عن ابن عباس ليس بمتناقض، لان القول الأول إنما سمعه من كعب. والقول الثاني يجوز أن يكون عرف الرقيم بعده.
وروى عنه سعيد بن جبير قال: ذكر ابن عباس أصحاب الكهف فقال: إن الفتية فقدوا فطلبهم أهلوهم فلم يجدوهم فرفع ذلك إلى الملك فقال: ليكونن لهم نبأ، وأحضر لوحا من رصاص فكتب فيه أسماءهم وجعله في خزانته، فذلك اللوح هو الرقيم.
وقيل: إن مؤمنين كانا في بيت الملك فكتبا شأن الفتية وأسماءهم وأنسابهم في لوح من رصاص ثم جعلاه في تابوت من نحاس وجعلاه في البنيان، فالله اعلم. وعن ابن عباس أيضا: الرقيم كتاب مرقوم كان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى عليه السلام.
وقال النقاش عن قتادة: الرقيم دراهمهم.
وقال أنس بن مالك والشعبي: الرقيم كلبهم.
وقال عكرمة: الرقيم الدواة.
وقيل: الرقيم اللوح من الذهب تحت الجدار الذي أقامه الخضر.
وقيل: الرقيم أصحاب الغار الذي انطبق عليهم، فذكر كل واحد منهم أصلح عمله. قلت: وفى هذا خير معروف أخرجه الصحيحان، وإليه نحا البخاري.
وقال قوم: أخبر الله عن أصحاب الكهف، ولم يخبر عن أصحاب الرقيم بشيء.
وقال الضحاك: الرقيم بلدة بالروم فيها غار فيه أحد وعشرون نفسا كأنهم نيام على هيئة أصحاب الكهف، فعلى هذا هم فتية آخرون جرى لهم ما جرى لأصحاب الكهف. والله اعلم.
وقيل: الرقيم واد دون فلسطين فيه الكهف، مأخوذ من رقمه الوادي وهى موضع الماء، يقال: عليك بالرقمة ودع الصفة، ذكره الغزنوي،. قال ابن عطية: وبالشام على ما سمعت به من ناس كثير كهف فيه موتى، يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة. وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد تجرد لحمه وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم أثارة. ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، دخلت إليهم ورائهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة، وعليهم مسجد، وقريب منهم بناء رومي يسمى الرقيم، كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة، وبأعلى غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس، وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها. قلت: ما ذكر من رؤيته لهم بالأندلس فإنما هم غيرهم، لان الله تعالى يقول في حق أصحاب الكهف: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً}. وقد قال ابن عباس لمعاوية لما أراد رؤيتهم: قد منع الله من هو خير منك عن ذلك، وسيأتي في آخر القصة.
وقال مجاهد في قول: {كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً} قال: هم عجب. كذا روى ابن جريج عنه، يذهب إلى أنه بإنكار على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكون عنده أنهم عجب.
وروى ابن نجيح عنه قال: يقول ليس بأعجب آياتنا.
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (10)}
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} روى أنهم قوم من أبناء أشراف مدينة دقيوس الملك الكافر، يقال فيه: دقلوس. ويقال فيه: دقنيوس: وروى أنهم كانوا مطوقين مسورين بالذهب ذوى ذوائب، وهم من الروم واتبعوا دين عيسى.
وقيل: كانوا قبل عيسى، والله اعلم.
وقال ابن عباس: إن ملكا من الملوك يقال له دقيانوس ظهر على مدينة من مدائن الروم يقال لها أفسوس. وقيل هي طرسوس وكان بعد زمن عيسى عليه السلام فأمر بعبادة الأصنام فدعا أهلها إلى عبادة الأصنام، وكان بها سبعة أحداث يعبدون سرا، فرفع خبرهم إلى الملك وخافوه فهربوا ليلا، ومروا براع معه كلب فتبعهم فآووا إلى الكهف فتبعهم الملك إلى فم الغار، فوجد أثر دخولهم ولم يجد أثر خروجهم، فدخلوا فأعمى الله أبصارهم فلم يروا شيئا، فقال الملك: سدوا عليهم باب الغار حتى يموتوا فيه جوعا وعطشا.
وروى مجاهد عن ابن عباس أيضا أن هؤلاء الفتية كانوا في دين ملك يعبد الأصنام ويذبح لها ويكفر بالله، وقد تابعه على ذلك أهل المدينة، فوقع للفتية علم من بعض الحواريين- حسبما ذكر النقاش أو من مؤمنى الأمم قبلهم- فآمنوا بالله ورأوا ببصائرهم قبيح فعل الناس، فأخذوا نفوسهم بالتزام الدين وعبادة الله، فرفع أمرهم إلى الملك وقيل لي: إنهم قد فارقوا دينك واستخفوا آلهتك وكفروا بها، فاستحضرهم الملك إلى مجلسه وأمرهم باتباع دينه والذبح لآلهته، وتوعدهم على فراق ذلك بالقتل، فقالوا له فيما روى: {رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ-} إلى قوله: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ}.
وروى أنهم قالوا نحو هذا الكلام وليس به، فقال لهم الملك: إنكم شبان أغمار لا عقول لكم، وأنا لا أعجل بكم بل استأنى فاذهبوا إلى منازلكم ودبروا رأيكم وارجعوا إلى أمرى، وضرب لهم في ذلك أجلا، ثم إنه خلال الأجل فتشاور الفتية في الهروب بأديانهم، فقال لهم أحدهم: إنى أعرف كهفا في جبل كذا، وكان أبى يدخل فيه غنمه فلنذهب فلنختف فيه حتى يفتح الله لنا، فخرجوا فيما روى يلعبون بالصولجان والكرة، وهم يدحرجونها إلى نحو طريقهم لئلا يشعر الناس بهم.
وروى أنهم كانوا مثقفين فحضر عيد خرجوا إليه فركبوا في جملة الناس، ثم أخذوا باللعب بالصولجان حتى خلصوا بذلك.
وروى وهب بن منبه أن أول أمرهم إنما كان حوارى لعيسى بن مريم جاء إلى مدينة أصحاب الكهف يريد دخولها، فأجر نفسه من صاحب الحمام وكان يعمل فيه، فرأى صاحب الحمام في أعماله بركة. عظيمة، فألقى إليه بكل أمره، وعرف ذلك الرجل فتيان من أهل المدينة فعرفهم الله تعالى فآمنوا به واتبعوه على دينه. واشتهرت خلطتهم به، فأتى يوما إلى ذلك الحمام ولد الملك بامرأة أراد الخلوة بها، فنهاه ذلك الحوارى فانتهى، ثم جاء مرة أخرى فنهاه فشتمه، وأمضى عزمه في دخول الحمام مع البغي، فدخل فماتا فيه جميعا، فاتهم ذلك الحوارى وأصحابه بقتلهما، ففروا جميعا حتى دخلوا الكهف. وقيل في خروجهم غير هذا. وأما الكلب فروى أنه كان كلب صيد لهم، وروى أنهم وجدوا في طريقهم راعيا له كلب فاتبعهم الراعي على رأيهم وذهب الكلب معهم، قال ابن عباس. واسم الكلب حمران وقيل قطمير. وأما أسماء أهل الكهف فأعجمية، والسند في معرفتها واه. والذي ذكره الطبري هي هذه: مكسلمينا وهو أكبرهم والمتكلم عنهم، ومحسيميلنينا ويمليخا، وهو الذي مضى بالورق إلى المدينة عند بعثهم من رقدتهم، ومرطوس وكشوطوش ودينموس ويطونس وبيرونس. قال مقاتل: وكان الكلب لمكسلمينا، وكان أسنهم وصاحب غنم.
الثانية: هذه الآية صريحة في الفرار بالدين وهجرة الأهل والبنين والقرابات والأصدقاء والأوطان والأموال خوف الفتنة وما يلقاه الإنسان من المحنة. وقد خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فارا بدينه، وكذلك أصحابه، وجلس في الغار حسبما تقدم في سورة النحل. وقد نص الله تعالى على ذلك في براءة وقد تقدم. وهجروا أوطانهم وتركوا أرضهم وديارهم وأهاليهم وأولادهم وقراباتهم وإخوانهم، رجاء السلامة بالدين والنجاة من فتنة الكافرين. فسكنى الجبال ودخول الغيران، والعزلة عن الخلق والانفراد بالخالق، وجواز الفرار من الظالم هي سنة الأنبياء صلوات الله عليهم والأولياء. وقد فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العزلة، وفضلها جماعة العلماء لا سيما عند ظهور الفتن وفساد الناس، وقد نص الله تعالى عليها في كتابه فقال: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}.
وقال العلماء الاعتزال عن الناس يكون مرة في الجبال والشعاب، ومرة في السواحل والرباط، ومرة في البيوت، وقد جاء في الخبر: «إذا كانت الفتنة فاخف مكانك وكف لسانك». ولم يخص موضعا من موضع. وقد جعلت طائفة من العلماء العزلة اعتزال الشر واهلة بقلبك وعملك، إن كنت بين أظهرهم.
وقال ابن المبار ك في تفسير العزلة: أن تكون مع القوم فإذا خاضوا في ذكر الله فخض معهم، وإن خاضوا في غير ذلك فاسكت.
وروى البغوي عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال«المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم».
وروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «نعم صوامع المؤمنين بيوتهم» من مراسل الحسن وغيره.
وقال عقبة بن عامر لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما النجاة يا رسول الله؟ فقال: «يا عقبة أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وآبك على خطيئتك».
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن». خرجه البخاري. وذكر علي بن سعد عن الحسن بن واقد قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذا كانت سنة ثمانين ومائة فقد حلت لامتي العزبة والعزلة والترهب في رءوس الجبال». وذكر أيضا علي بن سعد عن عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن يرفعه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «يأتي على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق أو حجر إلى حجر فإذا كان ذلك لم تنل المعيشة إلا بمعصية الله فإذا كان ذلك حلت العزبة». قالوا: يا رسول الله، كيف تحل العزبة وأنت تأمرنا بالتزويج؟ قال: «إذا كان ذلك كان فساد الرجل على يدي أبويه فإن لم يكن له أبوان كان هلاكه على يدي زوجته فإن لم تكن له زوجة كان هلاكه على يدي ولده فإن لم يكن له ولد كان هلاكه على يدي القرابات والجيران». قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «يعيرونه بضيق المعيشة ويكلفونه ما لا يطيق فعند ذلك يورد نفسه الموارد التي يهلك فيها».
قلت: أحوال الناس في هذا الباب تختلف، فرب رجل تكون له قوة على سكنى الكهوف والغيران في الجبال، وهى أرفع الأحوال لأنها الحالة التي اختارها الله لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بداية أمره، ونص عليها في كتابه مخبرا عن الفتية، فقال: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}. ورب رجل تكون العزلة له في بيته أخف عليه وأسهل، وقد اعتزل رجال من أهل بدر فلزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم. ورب رجل متوسط بينهما فيكون له من القوة ما يصبر بها على مخالطة الناس وأذا هم، فهو معهم في الظاهر ومخالف لهم في الباطن.
وذكر ابن المبارك حدثنا وهيب بن الورد قال: جاء رجل إلى وهب بن منبه فقال: إن الناس وقعوا فيما وقعوا وقد حدثت نفسي ألا أخالطهم. فقال: لا تفعل إنه لا بد لك من الناس، ولا بد لهم منك، ولك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعا، أعمى بصيرا، سكوتا نطوقا. وقد قيل: إن كل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معنى الجبال والشعاب، مثل الاعتكاف في المساجد، ولزوم السواحل للرباط والذكر، ولزوم البيوت فرارا عن شرور الناس. وإنما جاءت الأحاديث بذكر الشعاب والجبال واتباع الغنم- والله اعلم- لان ذلك هو الأغلب في المواضع التي يعتزل فيها، فكل موضع يبعد عن الناس فهو داخل في معناه، كما ذكرنا، والله الموفق وبه العصمة.
وروى عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «يعجب ربك من راعى غنم في رأس شظية الجبل يؤذن بالصلاة ويصلى فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدى يؤذن ويقيم الصلاة يخاف منى قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة». خرجه النسائي.
الثالثة: قوله تعالى: {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً} لما فروا ممن يطلبهم اشتغلوا بالدعاء ولجئوا إلى الله تعالى فقالوا: {رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} أي مغفر ورزقا. {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً} توفيقا للرشاد.
وقال ابن عباس: مخرجا من الغار في سلامة. وقيل صوابا. ومن هذا المعنى أنه عليه السلام كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.).!!
الفصل الثانى : هجص القرطبى عن ابراهيم عليه السلام
أولا : مدح ابراهيم عليه السلام فى القرآن الكريم
1 ـ قال جل وعلا فى ابراهيم عليه السلام ما لم يقله فى نبى من الأنبياء . هو النبى الذى أدخله الله جل وعلا فى إبتلاءات فنجح فيها ، لذا جعله الله جل وعلا للناس إماما ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) البقرة ) وقال عنه أنه أوفى بكل إلتزاماته:(وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)النجم)، لذا إتخذه رب العزة خليلا : ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) النساء ) ومدحه جل وعلا فقال عنه : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة ). وهو النبى الوحيد الذى حين عاتبه رب العزة جل وعلا مدحه ، يقول جل وعلا : ( فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) هود ). وهو الوحيد الذى تتالت آيات قرآنية فى مدحه ، يقول جل وعلا عنه : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123) النحل ) . 2 ـ ما يهمنا هنا هو وصف رب العزة جل وعلا لابراهيم عليه السلام : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً (41) مريم ). لم يقل ( نبيا صديقا ) بل وصفه بالصدق قبل أن يكون نبيا ، ولم يقل (صادقا ) بل ( صديقا ) أى مبالغة فى الصدق . هذا فى القرآن كلام رب العالمين . أما شيطان التفصيلات السنية فقد جعل ابراهيم عليه السلام كذابا ، كذب ثلاث مرات . وقد ناقشنا هذا من قبل فى مقالين . ونتوقف هنا مع التفصيلات الهجصية للقرطبى ، فى آيات سورة الأنبياء ( 51 : 70 ) .
ثانيا : ملامح من هجص القرطبى فى سورة الأنبياء عن ابراهيم عليه السلام : هجص فى الغيبيات : يتكلمون كما لو كانوا حاضرين الأحداث شاهدين عليها . 1 ــ فى قوله جل وعلا : ( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58 ) يقول القرطبى : ( .. وكان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا- روى ذلك عن ابن مسعود....فقال إبراهيم في نفسه: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ}. قال مجاهد وقتادة: إنما قال ذلك إبراهيم في سر من قومه، ولم يسمعه إلا رجل واحد وهو الذي أفشاه عليه... وقيل: إنما قاله بعد خروج القوم، ولم يبق منهم إلا الضعفاء فهم الذين سمعوه.) 2 ــ وأفظع الهجص فى الاجتراء على الغيبيات ما أورده القرطبى عن محاولتهم حرق ابراهيم عليه السلام . هنا ينسبون بكل جُرأة أقوالا لرب العزة وللملائكة كما لو كانوا حاضرين . نتابع هذا القرطبى :
{قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (68) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (69)} وجاء في الخبر: أن نمرود بنى صرحا طوله ثمانون ذراعا وعرضه أربعون ذراعا. قال ابن إسحاق: وجمعوا الحطب شهرا ثم أوقدوها، واشتعلت واشتدت، حتى أن كان الطائر ليمر بجنباتها فيحترق من شدة وهجها. ثم قيدوا إبراهيم ووضعوه في المنجنيق مغلولا.
ويقال: إن إبليس صنع لهم المنجنيق يومئذ. فضجت السموات والأرض ومن فيهن من الملائكة وجميع الخلق، إلا الثقلين ضجة واحدة: ربنا! إبراهيم ليس في الأرض أحد يعبدك غيره يحرق فيك فأذن لنا في نصرته. فقال الله تعالى: {إن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره فقد أذنت له في ذلك وإن لم يدع غيري فأنا أعلم به وأنا وليه} فلما أرادوا إلقاءه في النار، أتاه خزان الماء- وهو في الهواء- فقالوا: يا إبراهيم إن أردت أخمدنا النار بالماء. فقال: لا حاجة لي إليكم. وأتاه ملك الريح فقال: لو شئت طيرت النار. فقال: لا. ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: {اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ليس أحد يعبدك غيري حسبي الله ونعم الوكيل. }. قال أبو العالية: ولو لم يقل {بَرْداً وَسَلاماً} لكان بردها أشد عليه من حرها، ولو لم يقل {عَلى إِبْراهِيمَ} لكان بردها باقيا على الأبد. وذكر بعض العلماء: أن الله تعالى أنزل زربية من الجنة فبسطها في الجحيم، وأنزل الله ملائكة: جبريل وميكائيل وملك البرد وملك السلامة . وقال على وابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها، ولم تبق يومئذ نار إلا طفئت ظنت أنها تعني. قال السدي: وأمر الله كل عود من شجرة أن يرجع إلى شجره ويطرح ثمرته . وقال كعب وقتادة: لم تحرق النار من إبراهيم إلا وثاقه. فأقام في النار سبعة أيام لم يقدر أحد أن يقرب من النار، ثم جاءوا فإذا هو قائم يصلي . وقال المنهال بن عمرو قال إبراهيم: «ما كنت أياما قط أنعم مني في الأيام التي كنت فيها في النار. وقال كعب وقتادة والزهري: ولم تبق يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه، فلذلك أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها وسماها فويسقة . وقال شعيب الحماني: ألقى إبراهيم في النار وهو ابن ست عشرة سنة . وقال ابن جريج: ألقي إبراهيم في النار وهو ابن ست وعشرين سنة. ذكر الأول الثعلبي، والثاني الماوردي..وقال الكلبي: بردت نيران الأرض جميعا فما أنضجت كراعا، فرآه نمروذ من الصرح وهو جالس على السرير يؤنسه ملك الظل. فقال: نعم الرب ربك! لأقربن له أربعة آلاف بقرة وكف عنه .) إتهام ابراهيم عليه السلام بالكذب :
فى قوله جل وعلا (قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (62) ـ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ ( 36) )}
|
الفصل الثالث : هجص القرطبى عن داود عليه السلام
اولا : مكانة داود عليه السلام
يلفت النظر الآتى :
1 ـ أن الله جل وعلا بعد أن قصّ بداية ظهور داود ختم القصة بقوله جل وعلا : (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ ) ( البقرة 251 ) ، أى أن الله جل وعلا آتى داود الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ، ثم قال جل وعلا عن قصة داود لخاتم الأنبياء :( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (252) البقلرة ) ثم قال بعضها يشير الى تفضيل داود عليه السلام وبقية الرسل من بنى إسرائيل ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (253) البقرة).
2 ـ (الزبور ) بمعنى الكتاب، والجمع ( زُبر). ويأتى بمعنى كتاب الأعمال فى قوله جل وعلا:(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)القمر) ، وبمعنى الكتاب السماوى عموما كقوله جل وعلا:( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43) القمر )، وبمعنى الكتب السماوية السابقة ، يقول جل وعلا عن ذكر القرآن الكريم فى الكتب السماوية قبله : ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) الشعراء) ، ويقول جل وعلا:( فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) آل عمران)( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل ).
3 ــ وقد تفرد داود عليه السلام بين الأنبياء السابقين بتسمية الكتاب المنزل عليه بالزبور، كتابا سماويا متميزا عن الكتب السماوية الأخرى ، يقول جل وعلا : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163)النساء ) ، وفى تفضيله وتفرّد كتابه يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (55) النساء ).
4 ـ كما تفرد داود وسليمان بآيات كانت ولا تزال تكنولوجيا متقدمة عن عصرنا حققا بها ما يمكن أن نسميه بالمعجزات . لذا يبدو أن الزبور كان كتابا الاهيا فى التكنولوجيا ، وقد ورثه من بعده ابنه سليمان ، وبه حققا ما نعتبره من المعجزات ، يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) النمل ) ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنْ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) سبأ )، ويقول جل وعلا عنهما : ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) الانبياء ).
5 ـ ووردت إشارة لكتاب الزبور فى ذلك الذى لديه ( علم من الكتاب ) من المحيطين بسليمان عليه السلام ، والذى إستطاع به تحييد الجاذبية الأرضية ونقل عرش ملكة سبأ فى أسرع من سرعة الضوء ، يقول جل وعلا : (قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل ). وذو القرنين الذى حجز يأجوج ومأجوج تحت السّد كان معه ( كتاب الحديد ، أو زبر الحديد ) : ( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً (97) الكهف ) .
6 ـ هذا النبى العظيم ـ داود عليه السلام ـ مدحه رب العزة قائلا لخاتم النبيين : ( اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) ص ). نلاحظ هنا قوله جل وعلا عن داود (عَبْدَنَا دَاوُودَ ) ( ذَا الأَيْدِ ) اى صاحب القوة الايمانية (إِنَّهُ أَوَّابٌ ) أى كثير الانابة والخشوع لرب العزة جل وعلا . ثم قال جل وعلا عن الايات التى أعطاها له بكتاب الزبور : ( إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) ص) وقال جل وعلا عن مُلك داود وحكمته وفصاحته: ( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)ص ). ثم قصّ رب العزة قصة تتجلى فيها إنابة داود وخشوعه : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ (24) ص ) اى خرّ راكعا وأناب لأنه أواب لربه خاشع له ، يسارع بالركوع لو جاءه هاجس الذنب ، أو تخيل وقوعه فى ذنب . لذا يقول جل وعلا مقدما عن مكانته وجزائه يوم القيامة : ( فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25) ص ).
7 ـ هذا النبى العظيم داود عليه السلام إتهمه الهجص السنى بأنه زنا بزوجة قائد له ، وتآمر عليه الى أن قتله . ندخل الآن على الهجص السُّنّى عن داود عليه السلام :
ثانيا : الهجص السنى القرطبى عن داود عليه السلام :
1 ـ حولوا القصة السابقة التى قالها جل وعلا مدحا لداود عليه السلام الى فيلم بورنو يتهم هذا النبى الخاشع التقى بالزنا .
2 ـ يقول هذا القرطبى : ( {إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ} ... قيل: إنهما كانا إنسيين، قاله النقاش.وقيل: ملكين، قال جماعة. وعينهما جماعة فقالوا: إنهما جبريل وميكائيل.
وقيل: ملكين في صورة إنسيين بعثهما الله إليه في يوم عبادته. فمنعهما الحرس الدخول، فتسوروا المحراب عليه، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين، وهو قوله تعالى: {وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ} أي علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب، قال سفيان الثوري وغيره... وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم. فقيل له: انك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك. فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير، فجعل يدرج بين يديه. فهم أن يتناوله بيده، فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب، فدنا منه ليأخذه فطار، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته غطت جسدها بشعرها. قال السدي: فوقعت في قلبه. قال ابن عباس: وكان زوجها غازيا في سبيل الله وهو أوريا بن حنان، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا، فقدمه فيهم فقتل، فلما انقضت عدتها خطبها داود، واشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة بعده، وكتبت عليه بذلك كتابا، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بني إسرائيل، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب، وتسور الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه. ).
ثالثا : مصدر هذا الهجص السنى :
تفصيل هذا الهجص جاء فى تحريفات العهد القديم فى سفر صموئيل الثانى إصحاح 11 ، وإصحاح 12 . ونورد ما جاء فيهما متصلا بموضوعنا :
( سفر صموئيل الثاني : اصحاح 11 :
1 وكان عند تمام السنة في وقت خروج الملوك ان داود ارسل يواب وعبيده معه وجميع اسرائيل فاخربوا بني عمون وحاصروا ربة.واما داود فاقام في اورشليم.
2 وكان في وقت المساء ان داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فراى من على السطح امراة تستحم.وكانت المراة جميلة المنظر جدا.
3 فارسل داود وسال عن المراة فقال واحد اليست هذه بثشبع بنت اليعام امراة اوريا الحثي
. 4 فارسل داود رسلا واخذها فدخلت اليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها.ثم رجعت الى بيتها.
5 وحبلت المراة فارسلت واخبرت داود وقالت اني حبلى.
6 فارسل داود الى يواب يقول ارسل الي اوريا الحثي.فارسل يواب اوريا الى داود
. 7 فاتى اوريا اليه فسال داود عن سلامة يواب وسلامة الشعب ونجاح الحرب
. 8 وقال داود لاوريا انزل الى بيتك واغسل رجليك.فخرج اوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك
. 9ونام اوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ، ولم ينزل الى بيته.
10 فاخبروا داود قائلين لم ينزل اوريا الى بيته.فقال داود لاوريا اما جئت من السفر.فلماذا لم تنزل الى بيتك
. 11 فقال اوريا لداود ان التابوت واسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وانا اتي الى بيتي لاكل واشرب واضطجع مع امراتي.وحياتك وحياة نفسك لا افعل هذا الامر.
12 فقال داود لاوريا اقم هنا اليوم ايضا وغدا اطلقك.فاقام اوريا في اورشليم ذلك اليوم وغده
. 13 ودعاه داود فاكل امامه وشرب واسكره.وخرج عند المساء ليضطجع في مضجعه مع عبيد سيده والى بيته لم ينزل
14 وفي الصباح كتب داود مكتوبا الى يواب وارسله بيد اوريا
. 15وكتب في المكتوب يقول : اجعلوا اوريا في وجه الحرب الشديدة وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت.
16 وكان في محاصرة يواب المدينة انه جعل اوريا في الموضع الذي علم ان رجال الباس فيه
. 17 فخرج رجال المدينة وحاربوا يواب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات اوريا الحثي ايضا.
18 فارسل يواب واخبر داود بجميع امور الحربى
19 ـ واوصى الرسول قائلا عندما تفرغ من الكلام مع الملك عن جميع امور الحرب
20 فان اشتعل غضب الملك وقال لك لماذا دنوتم من المدينة للقتال.اما علمتم انهم يرمون من على السور.
21 من قتل ابيمالك بن يربوشث.الم ترمه امراة بقطعة رحى من على السور فمات في تاباص.لماذا دنوتم من السور.فقل قد مات عبدك اوريا الحثي ايضا
22 فذهب الرسول ودخل واخبر داود بكل ما ارسله فيه يواب.
23 وقال الرسول لداود قد تجبر علينا القوم وخرجوا الينا الى الحقل فكنا عليهم الى مدخل الباب
.24 فرمى الرماة عبيدك من على السور فمات البعض من عبيد الملك ومات عبدك اوريا الحثي ايضا
. 25 فقال داود للرسول هكذا تقول ليواب.لا يسوء في عينيك هذا الامر لان السيف ياكل هذا وذاك.شدد قتالك على المدينة واخربها.وشدده
26 فلما سمعت امراة اوريا انه قد مات اوريا رجلها ندبت بعلها.
27 ولما مضت المناحة ارسل داود وضمها الى بيته وصارت له امراة وولدت له ابنا.واما الامر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب .
إصحاح 12
1 فارسل الرب ناثان الى داود.فجاء اليه وقال له.كان رجلان في مدينة واحدة واحد منهما غني والاخر فقير
2 . وكان للغني غنم وبقر كثيرة جدا.
3 واما الفقير فلم يكن له شيء الا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعا.تاكل من لقمته وتشرب من كاسه وتنام في حضنه وكانت له كابنة.
4 فجاء ضيف الى الرجل الغني فعفا ان ياخذ من غنمه ومن بقره ليهيئ للضيف الذي جاء اليه فاخذ نعجة الرجل الفقير وهيا للرجل الذي جاء اليه.
5 فحمي غضب داود على الرجل جدا وقال لناثان حي هو الرب انه يقتل الرجل الفاعل ذلك
6 ويرد النعجة اربعة اضعاف لانه فعل هذا الامر ولانه لم يشفق
7 فقال ناثان لداود انت هو الرجل.هكذا قال الرب اله اسرائيل.انا مسحتك ملكا على اسرائيل وانقذتك من يد شاول
8 واعطيتك بيت سيدك ونساء سيدك في حضنك واعطيتك بيت اسرائيل ويهوذا وان كان ذلك قليلا كنت ازيد لك كذا وكذا.
9 لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه.قد قتلت اوريا الحثي بالسيف واخذت امراته لك امراة واياه قتلت بسيف بني عمون
10 والان لا يفارق السيف بيتك الى الابد لانك احتقرتني واخذت امراة اوريا الحثي لتكون لك امراة
11 . هكذا قال الرب هانذا اقيم عليك الشر من بيتك واخذ نساءك امام عينيك واعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس
12 . لانك انت فعلت بالسر وانا افعل هذا الامر قدام جميع اسرائيل وقدام الشمس.
13 فقال داود لناثان قد اخطات الى الرب.فقال ناثان لداود.الرب ايضا قد نقل عنك خطيتك.لا تموت.
14 غير انه من اجل انك قد جعلت بهذا الامر اعداء الرب يشمتون فالابن المولود لك يموت
15 . وذهب ناثان الى بيته وضرب الرب الولد الذي ولدته امراة اوريا لداود فثقل.
16 فسال داود الله من اجل الصبي وصام داود صوما ودخل وبات مضطجعا على الارض.
17 فقام شيوخ بيته عليه ليقيموه عن الارض فلم يشا ولم ياكل معهم خبزا.
18 وكان في اليوم السابع ان الولد مات فخاف عبيد داود ان يخبروه بان الولد قد مات لانهم قالوا هوذا لما كان الولد حيا كلمناه فلم يسمع لصوتنا.فكيف نقول له قد مات الولد.يعمل اشر.
19 وراى داود عبيده يتناجون ففطن داود ان الولد قد مات.فقال داود لعبيده هل مات الولد.فقالوا مات
20 فقام داود عن الارض واغتسل وادهن وبدل ثيابه ودخل بيت الرب وسجد ثم جاء الى بيته وطلب فوضعوا له خبزا فاكل.
21 فقال له عبيده ما هذا الامر الذي فعلت.لما كان الولد حيا صمت وبكيت ولما مات الولد قمت واكلت خبزا.
22 فقال لما كان الولد حيا صمت وبكيت لاني قلت من يعلم ربما يرحمني الرب ويحيا الولد.
23 والان قد مات فلماذا اصوم.هل اقدر ان ارده بعد.انا ذاهب اليه واما هو فلا يرجع الي
24 وعزى داود بثشبع امراته ودخل اليها واضطجع معها فولدت ابنا فدعا اسمه سليمان والرب احبه. ) .
اخيرا
جعل رب العزة لكل نبى عدوا من شياطين الانس والوجنّ يوحى بعضهم الى بعض أحاديث من زخرف القول غرورا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117) الانعام )
ودائما : صدق الله العظيم .!!
الفصل الرابع : الهجص السُّنّى عن الاسراء والمعراج
أولا : عن الاسراء فى القرآن الكريم :
1 ـ تحدث القرآن الكريم عن الإسراء صراحة في قوله جل وعلا : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) الاسراء ).
حين نزلت هذه الآية المكية لم تكن للإسلام دولة ، ولم يقم المسلمون ببناء المسجد الأقصى بالقدس الذي اكتمل بناؤه في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ، إذن فالمقصود بالمسجد الأقصي في الآية الكريمة هو أقصي مسجد ، أي أبعد مسجد. وهو موضع السجود عندما رفع الله جل وعلا جبل الطور وأخذ العهد والميثاق على بنى اسرائيل ، فسجدوا على ذقونهم وهم ينظرون الى الجيل المرفوع فوقهم ، يقول جل وعلا :( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) الاعراف ) . (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) البقرة) ، وعنده جاء التبشير مسبقا بخاتم النبيين فى قوله جل وعلا : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) الاعراف ) . ولهذا فإن الذين أوتوا العلم من بنى اسرائيل فى حياة النبى محمد عليه السلام ـ كما جاء فى سورة الاسراء ـ حين سمعوا القرآن الكريم تذكروا العهد القديم وسجود أسلافهم على الأذقان ، فخروا سجدا إذ تحقق الوعد بنزول القرآن الكريم ، يقول جل وعلا لقريش والعرب : (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الاسراء ) . ومن هنا فإن الآية التالية بعد آية الاسراء فى سورة الاسراء تشير الى إيتاء موسى الكتاب عند جبل الطور:(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) الاسراء) . والآيات التالية تشير الى نفس المسجد فى إشارة الى تاريخ مجهول لبنى إسرائيل حين ورثوا أرض مصر وسيناء ( الاعراف 137 ، الشعراء 57 : 59 الدخان 25 : 28 ) ، بما يفهم منه أنهم إبتنوا مسجدا وحدثت تطورات أشار اليها رب العزة جل وعلا ضمنيا فى قوله جل وعلا : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) الاسراء )
2 ـ وتحدث رب العزة جل وعلا عن الإسراء ضمنا في سورة النجم : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) ) الى أن يقول جل وعلا : (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) )
3 ـ وفي الموضعين يتحدث القرآن الكريم عن رؤية رآها النبي : فى سورة الاسراء :( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ) ،وفى سورة النجم : ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) ) ) (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) ). فالنبي وحده هو الذي رأي رؤيا لا يستطيع البشر تخيلها لأنها خصوصية للنبي وليست إعجازا لتحدي البشر . ولذلك فإن تلك الرؤيا ـ التي لم يرها البشر ـ إذا تحدثوا عنها وقعوا في الفتنة، يقول جل وعلا عنها : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (60) الاسراء ). وهذه " والشجرة الملعونة " المذكورة " في القرآن" هي نفسها " سدرة المنتهي" التي ذكرتها سورة النجم في قوله تعالي " وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) ) ، فالسدرة هي الشجرة " والملعونة " أي بعيدة ، أو التي تبلغ النهاية في الابتعاد .
والمقصود أن القرآن تحدث صراحة عن الإسراء في سورة الإسراء وتحدث ضمنا عنه في سورة النجم وجعل الحديث من الناس في موضوع الإسراء فتنة لأنهم سيتحدثون بما لا يعلمونه وبما لم يشهدوه . وذلك ما حدث فعلا حين ارتبط حديث الناس عن الإسراء بخرافات يخجل منها كل مسلم عاقل .
ثانيا : أُكذوبة المعراج :
أما المعراج فهو خرافة ينفيه القرآن الكريم. فقد وردت كلمة المعراج أو مشتقاتها في القرآن الكريم فيما يخص الملائكة والأمر الإلهي وغير ذلك . أي أن القرآن استعمل الكلمة بمفهوم الصعود في السماء ، ولكن لم يرد في القرآن مطلقا استعمال تلك الكلمة فيما يخص النبي عليه السلام . بل علي العكس فإن القرآن الكريم ينفي أن النبي صعد إلي السماء :
1ـ وسورة النجم نفسها أول دليل ينفي المعراج المزعوم. إذ تبدأ السورة بالحديث عن الوحي القرآني الذي يكفر به المشركون فيقسم رب العزة بالنجم إذا هوي أن محمدا الذي صحبه أهل مكة وعلموا صدقه وأمانته ما ضلّ وما غوي حين نطق بالقرآن ، وهو ينطق بالقرآن ولا يتكلم من عنده وإنما يتكلم بالوحي القرآني الذي تعلمه من جبريل الذي (دَنَا فَتَدَلَّى ) أى إن حبريل هو الذى نزل لمحمد ، والنبى محمد لم يصعد ، قد رأي محمد حبريل نزلة أخرى (نَزْلَةً أُخْرَى (13) النجم ) فرب العزة يؤكد عكس المعراج الذى يؤمن به المحمديون .
2ـ ولقد طلب المشركون من النبي أن يعرج إلي السماء ورد القرآن عليهم ينفي ذلك قالوا للنبي يسألونه معجزة المعراج : ( أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (93) الاسراء ) ، أي طلبوا من النبي أن " يرقي في السماء" أي المعراج وأمره الله أن يقول لهم" سبحان ربي هل كنت إلا بشرا"
3ـ وبسبب الطلب المستمر للمشركين بان تكون للنبي عليه السلام معجزة حسية غير القرآن فإن النبي كان يحزن فقال له ربه جل وعلا : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الانعام ) أي أنهم لا يكذبونك ولكنهم يعرفون إنك علي الحق ويجحدون الحق عنادا ويطلبون المعجزات الحسية عنادا ، الى أن يقول له رب العزة جل وعلا : ( وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ (35) الانعام )، أي قال له ربه إذا استطعت أن تأتي بسلم وتصعد للسماء لتأتيهم بآية فافعل ذلك ويقول له ربه جل وعلا :( فَإِنْ اسْتَطَعْتَ ) أي من عندك وبقوتك ، والمفهوم أن الله تعالي يمنع ذلك، والنبي بقوته البشرية لا يستطيع أيضا ذلك . ولو كان هناك معراج لما قال تعالي للنبي ذلك القول .
أخيرا :
الهجص السنى فى أحاديث الاسراء والمعراج :
1 ـ فى التسعينيات كتبت لمجلة روز اليوسف مقالا بحثيا فى تحليل أحاديث الاسراء والمعراج ، ولم تنشره روز اليوسف . وكنت فى فقر مدقع لا أستطيع معه تصوير أى مقال أو كتاب أكتبه بخط اليد . ولذا ضاعت أصول مقالات وكتب لأنه لم تكن لدى مقدرة على تصوير الأصول . وضاع هذا المقال البحثى . وقد ناقشت فيه أحاديث الاسراء والمعراج من حيث السند ، وكانوا ينسبون احدي روايات الإسراء إلي عمر بن الخطاب ، وهم يذكرون أنه كان يرفض رواية الأحاديث ، ثم ينسبون الروايات الأخرى إلي صحابة من الأنصار اسلموا بعد الإسراء وبعد الهجرة ، مثل حذيفة بن اليمان وأنس وبريدة بن الخصيب وأبي هريرة وابن عباس الذي ولد بعد الإسراء وأسلم عند فتح مكة في العاشرة من عمره . ويزعمون أن الله جل وعلا فرض الصلاة في ذلك المعراج ، مع أن أول سورة في القرآن جاء فيها قوله جل وعلا : تعالي : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10)) إلي أن يقول جل وعلا للنبي عليه السلام : ( كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)العلق )
وأتذكر أن المقال الضائع أظهر التناقض بين الروايات ، منها ما يثبت المعراج ومنها ما ينفيه ، وهناك تناقض فى تفصيلات كثيرة منها أين التقى النبى محمد بالأنبياء فى السماوات ، هذا عدا خرافات ، منها أن النيل ينبع من السماء رقم كذا .
2 ـ سأنقل هنا روايات الاسراء والمعراج ، واطلب من أحبتى الباحثين من ( اهل القرآن ) أن يكتبوا مقالات تحليلية نقدية لهذا الهجص ، وقد نقلتها من هذا الموقع : http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?nType=1&bm=&nSeg=0&l=arb&nSora=17&nAya=1&taf=KATHEER&tashkeel=0
يقول ابن كثير فى ( فى تفسير سُورَة الْإِسْرَاء ) :
" ذِكْر الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الْإِسْرَاء :
1 ـ رِوَايَة أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَبُو عَبْد اللَّه الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنِي عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا سُلَيْمَان - هُوَ اِبْن بِلَال - عَنْ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه قَالَ : سَمِعْت أَنَس بْن مَالِك يَقُول لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِد الْكَعْبَة أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَة نَفَر قَبْل أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ أَوَّلهمْ أَيّهمْ هُوَ ؟ فَقَالَ أَوْسَطهمْ هُوَ خَيْرهمْ فَقَالَ آخِرهمْ خُذُوا خَيْرهمْ فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبه وَتَنَام عَيْنه وَلَا يَنَام قَلْبه - وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تَنَام أَعْيُنهمْ وَلَا تَنَام قُلُوبهمْ - فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حَتَّى اِحْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْد بِئْر زَمْزَم فَتَوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيل فَشَقَّ جِبْرِيل مَا بَيْن نَحْره إِلَى لَبَّته حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْره وَجَوْفه فَغَسَلَهُ مِنْ مَاء زَمْزَم بِيَدِهِ حَتَّى أَنْقَى جَوْفه ثُمَّ أَتَى بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب فِيهِ تَوْر مِنْ ذَهَب مَحْشُوّ إِيمَانًا وَحِكْمَة فَحَشَا بِهِ صَدْره وَلَغَادِيده - يَعْنِي عُرُوق حَلْقه - ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَضَرَبَ بَابًا مِنْ أَبْوَابهَا فَنَادَاهُ أَهْل السَّمَاء مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مَعِي مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا يَسْتَبْشِر بِهِ أَهْل السَّمَاء لَا يَعْلَم أَهْل السَّمَاء بِمَا يُرِيد اللَّه بِهِ فِي الْأَرْض حَتَّى يُعْلِمهُمْ فَوَجَدَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدَم فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل هَذَا أَبُوك آدَم فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَم فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا بِابْنِي نِعْمَ الِابْن أَنْتَ فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ فَقَالَ " مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيل ؟ " قَالَ هَذَانِ النِّيل وَالْفُرَات عُنْصُرهمَا ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاء فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَر عَلَيْهِ قَصْر مِنْ لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَإِذَا هُوَ مِسْك أَذْفَر فَقَالَ " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل " قَالَ هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خَبَّأَ لَك رَبّك ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَتْ الْمَلَائِكَة لَهُ مِثْل مَا قَالَتْ لَهُ الْمَلَائِكَة الْأُولَى مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَقَالُوا لَهُ مِثْل مَا قَالَتْ الْأُولَى وَالثَّانِيَة ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مِثْل ذَلِكَ كُلّ سَمَاء فِيهَا أَنْبِيَاء قَدْ سَمَّاهُمْ فَوَعَيْت مِنْهُمْ إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة وَهَارُون فِي الرَّابِعَة وَآخَر فِي الْخَامِسَة لَمْ أَحْفَظ اِسْمه وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة وَمُوسَى فِي السَّابِعَة بِتَفْضِيلِ كَلَام اللَّه تَعَالَى فَقَالَ مُوسَى رَبّ لَمْ أَظُنّ أَنْ تَرْفَع عَلَيَّ أَحَدًا ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْق ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمهُ إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَدَنَا الْجَبَّار رَبّ الْعِزَّة فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى اللَّه إِلَيْهِ فِيمَا يُوحِي خَمْسِينَ صَلَاة عَلَى أُمَّتك كُلّ يَوْم وَلَيْلَة ثُمَّ هَبَطَ بِهِ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى فَقَالَ يَا مُحَمَّد مَاذَا عَهِدَ إِلَيْك رَبّك ؟ قَالَ " عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم وَلَيْلَة " قَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك رَبّك وَعَنْهُمْ فَالْتَفَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيل كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرهُ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل أَنْ نَعَمْ إِنْ شِئْت فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّار تَعَالَى وَتَقَدَّسَ فَقَالَ وَهُوَ فِي مَكَانه " يَا رَبّ خَفِّفْ عَنَّا فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيع هَذَا " فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْر صَلَوَات ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدهُ مُوسَى إِلَى رَبّه حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْس صَلَوَات ثُمَّ اِحْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْد الْخَمْس فَقَالَ يَا مُحَمَّد وَاَللَّه لَقَدْ رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ فَأُمَّتك أَضْعَف أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْك رَبّك كُلّ ذَلِكَ يَلْتَفِت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيل لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَه ذَلِكَ جِبْرِيل فَرَفَعَهُ عِنْد الْخَامِسَة فَقَالَ " يَا رَبّ إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاء أَجْسَادهمْ وَقُلُوبهمْ وَأَسْمَاعهمْ وَأَبْصَارهمْ وَأَبْدَانهمْ فَخَفِّفْ عَنَّا " فَقَالَ الْجَبَّار تَبَارَكَ وَتَعَالَى : " يَا مُحَمَّد قَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْك " قَالَ إِنَّهُ لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ كَمَا فَرَضْت عَلَيْك فِي أُمّ الْكِتَاب فَكُلّ حَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أُمّ الْكِتَاب وَهِيَ خَمْس عَلَيْك فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ كَيْف فَعَلْت ؟ فَقَالَ " خَفَّفَ عَنَّا أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا " قَالَ مُوسَى قَدْ وَاَللَّه رَاوَدْت بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فَتَرَكُوهُ فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَلْيُخَفِّفْ عَنْك أَيْضًا قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا مُوسَى قَدْ وَاَللَّه اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا أَخْتَلِف إِلَيْهِ " قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّه قَالَ وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام)
هَكَذَا سَاقَهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب التَّوْحِيد وَرَوَاهُ فِي صِفَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي أُوَيْس عَنْ أَخِيهِ أَبِي بَكْر عَبْد الْحَمِيد عَنْ سُلَيْمَان بْن بِلَال
وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ هَارُون بْن سَعِيد عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ سُلَيْمَان قَالَ فَزَادَ وَنَقَصَ وَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَهُوَ كَمَا قَالَ مُسْلِم فَإِنَّ شَرِيك بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي نَمِر اِضْطَرَبَ فِي هَذَا الْحَدِيث وَسَاءَ حِفْظه وَلَمْ يَضْبِطهُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه إِنْ شَاءَ اللَّه فِي الْأَحَادِيث الْأُخَر
وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَل هَذَا مَنَامًا تَوْطِئَة لِمَا وَقَعَ بَعْد ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا حَسَن بْن مُوسَى حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة أَخْبَرَنَا ثَابِت الْبُنَانِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُتِيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبْيَض فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل يَضَع حَافِره عِنْد مُنْتَهَى طَرَفه فَرَكِبْته فَسَارَ بِي حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس فَرَبَطْت الدَّابَّة بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِط فِيهَا الْأَنْبِيَاء ثُمَّ دَخَلْت فَصَلَّيْت فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْت فَأَتَانِي جِبْرِيل بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن فَاخْتَرْت اللَّبَن فَقَالَ جِبْرِيل : أَصَبْت الْفِطْرَة قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَم فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَة يَحْيَى وَعِيسَى فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوْا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْر الْحُسْن فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ يَقُول اللَّه تَعَالَى " وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا " ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل فَقِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُون فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد فَقِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِد إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذَا هُوَ يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا وَرَقهَا كَآذَانِ الْفِيلَة وَإِذَا ثَمَرهَا كَالْقِلَالِ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه مَا غَشِيَهَا تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَد مِنْ خَلْق اللَّه تَعَالَى يَسْتَطِيع أَنْ يَصِفهَا مِنْ حُسْنهَا قَالَ فَأَوْحَى اللَّه إِلَيَّ مَا أَوْحَى وَقَدْ فَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة خَمْسِينَ صَلَاة فَنَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى مُوسَى قَالَ مَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك ؟ قُلْت خَمْسِينَ صَلَاة فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ وَإِنِّي قَدْ بَلَوْت بَنِي إِسْرَائِيل وَخَبَرْتهمْ قَالَ فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي فَقُلْت أَيْ رَبّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَنَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مَا فَعَلْت فَقُلْت قَدْ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَقَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِع بَيْن رَبِّي وَبَيْن مُوسَى وَيَحُطّ عَنِّي خَمْسًا خَمْسًا حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّد هُنَّ خَمْس صَلَوَات فِي كُلّ يَوْم وَلَيْلَة بِكُلِّ صَلَاة عَشْر فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلَاة وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَة فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلهَا لَمْ تُكْتَب فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَة وَاحِدَة . فَنَزَلْت حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَقَدْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت " وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ شَيْبَان بْن فَرُّوخ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة بِهَذَا السِّيَاق وَهُوَ أَصَحّ مِنْ سِيَاق شَرِيك . قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَفِي هَذَا السِّيَاق دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمِعْرَاج كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقّ الَّذِي لَا شَكّ فِيهِ وَلَا مِرْيَة
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ مُسَرَّجًا مُلَجَّمًا لِيَرْكَبهُ فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل مَا يَحْمِلك عَلَى هَذَا فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك قَطُّ أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنْهُ قَالَ فَارْفَضَّ عَرَقًا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ إِسْحَاق بْن مَنْصُور عَنْ عَبْد الرَّزَّاق وَقَالَ غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثه .
وَقَالَ أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَة حَدَّثَنَا صَفْوَان حَدَّثَنِي رَاشِد بْن سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا عُرِجَ بِي إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْت بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَار مِنْ نُحَاس يَخْمُشُونَ بِهَا وُجُوههمْ وَصُدُورهمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضهمْ " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيث صَفْوَان بْن عَمْرو بِهِ وَمِنْ وَجْه آخَر لَيْسَ فِيهِ أَنَس فَاَللَّه أَعْلَم .
وَقَالَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيع حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَنْ أَنَس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَرَرْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمًا يُصَلِّي فِي قَبْره " وَرَوَاهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ سُلَيْمَان بْن طَرْخَان التَّيْمِيّ وَثَابِت الْبُنَانِيّ كِلَاهُمَا عَنْ أَنَس قَالَ النَّسَائِيّ هَذَا أَصَحّ مِنْ رِوَايَة مَنْ قَالَ سُلَيْمَان عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا وَهْب بْن بَقِيَّة حَدَّثَنَا خَالِد عَنْ التَّيْمِيّ عَنْ أَنَس قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْره وَقَالَ أَبُو يَعْلَى حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرْعَرَة حَدَّثَنَا مُعْتَمِر عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت أَنَسًا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ مَرَّ بِمُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْره
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَزَّار فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا سَلَمَة بْن شَبِيب حَدَّثَنَا سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا الْحَارِث بْن عُبَيْد عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بَيْنَا أَنَا نَائِم إِذْ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَوَكَزَ بَيْن كَتِفَيَّ فَقُمْت إِلَى شَجَرَة فِيهَا كَوَكْرَيْ الطَّيْر فَقَعَدَ فِي أَحَدهمَا وَقَعَدْت فِي الْآخَر فَسَمَتْ وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدَّتْ الْخَافِقَيْنِ وَأَنَا أُقَلِّب طَرْفِي وَلَوْ شِئْت أَنْ أَمَسّ السَّمَاء لَمَسْت فَالْتَفَتّ إِلَى جِبْرِيل كَأَنَّهُ حِلْس لَاطَ فَعَرَفْت فَضْل عِلْمه بِاَللَّهِ عَلَيَّ وَفُتِحَ لِي بَاب مِنْ أَبْوَاب السَّمَاء فَرَأَيْت النُّور الْأَعْظَم وَإِذَا دُون الْحِجَاب رَفْرَف الدُّرّ وَالْيَاقُوت وَأُوحِيَ إِلَيَّ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يُوحَى "
رَوَاهُ الْحَارِث بْن عُبَيْد وَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ أَبِي عِمْرَان الْجَوْنِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن عُمَيْر بْن عُطَارِد أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابه فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَنَكَتَ فِي ظَهْره فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الشَّجَرَة وَفِيهَا مِثْل وَكْرَيْ الطَّيْر فَقَعَدَ فِي أَحَدهمَا وَقَعَدَ جِبْرِيل فِي الْآخَر " فَنَشَأَتْ بِنَا حَتَّى بَلَغَتْ الْأُفُق فَلَوْ بَسَطْت يَدَيَّ إِلَى السَّمَاء لَنِلْتهَا فَدُلِّيَ بِسَبَبٍ وَهَبَطَ إِلَيَّ النُّور فَوَقَعَ جِبْرِيل مَغْشِيًّا عَلَيْهِ كَأَنَّهُ حِلْس فَعَرَفْت فَضْل خَشْيَته عَلَى خَشْيَتِي فَأُوحِيَ إِلَيَّ نَبِيًّا مَلَكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا وَإِلَى الْجَنَّة مَا أَنْتَ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ جِبْرِيل وَهُوَ مُضْطَجِع أَنْ تَوَاضَعْ قَالَ قُلْت لَا بَلْ نَبِيًّا عَبْدًا "
وَقَالَ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير حَدَّثَنَا يُونُس حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن وَهْب حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن هَاشِم بْن عُتْبَة بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ : لَمَّا جَاءَ جِبْرِيل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا حَرَّكَتْ ذَنَبهَا فَقَالَ لَهَا جِبْرِيل مَهْ يَا بُرَاق فَوَاَللَّهِ مَا رَكِبَك مِثْله وَسَارَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِعَجُوزٍ عَلَى جَانِب الطَّرِيق فَقَالَ " مَا هَذِهِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ سِرْ يَا مُحَمَّد قَالَ فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير فَإِذَا شَيْء يَدْعُوهُ مُتَنَحِّيًا عَنْ الطَّرِيق فَقَالَ هَلُمَّ يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل سِرْ يَا مُحَمَّد فَسَارَ مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَسِير قَالَ فَلَقِيَهُ خَلْق مِنْ خَلْق اللَّه فَقَالُوا السَّلَام عَلَيْك يَا أَوَّل السَّلَام عَلَيْك يَا آخِر السَّلَام عَلَيْك يَا حَاشِر فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل اُرْدُدْ السَّلَام يَا مُحَمَّد فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ لَقِيَهُ الثَّانِيَة فَقَالَ لَهُ مِثْل مَقَالَته الْأُولَى ثُمَّ الثَّالِثَة كَذَلِكَ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَعُرِضَ عَلَيْهِ الْخَمْر وَالْمَاء وَاللَّبَن فَتَنَاوَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَن فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أَصَبْت الْفِطْرَة وَلَوْ شَرِبْت الْمَاء لَغَرِقْت وَغَرِقَتْ أُمَّتك وَلَوْ شَرِبْت الْخَمْر لَغَوَيْت وَلَغَوَتْ أُمَّتك ثُمَّ بَعَثَ لَهُ آدَم فَمَنْ دُونه مِنْ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فَأَمَّهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيل : أَمَّا الْعَجُوز الَّتِي رَأَيْت عَلَى جَانِب الطَّرِيق فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ عُمُر تِلْكَ الْعَجُوز وَأَمَّا الَّذِي أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ فَذَاكَ عَدُوّ اللَّه إِبْلِيس أَرَادَ أَنْ تَمِيل إِلَيْهِ وَأَمَّا الَّذِينَ سَلَّمُوا عَلَيْك فَإِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السَّلَام
" طَرِيق أُخْرَى " عَنْ أَنَس بْن مَالِك
أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أُتِيت بِدَابَّةٍ فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل خَطْوهَا عِنْد مُنْتَهَى طَرَفهَا فَرَكِبْت وَمَعِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَسِرْت فَقَالَ اِنْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت ؟ صَلَّيْت بِطَيْبَة وَإِلَيْهَا الْمُهَاجَرَة ثُمَّ قَالَ اِنْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت ؟ صَلَّيْت بِطُورِ سَيْنَاء حَيْثُ كَلَّمَ اللَّه مُوسَى ثُمَّ قَالَ اِنْزِلْ فَصَلِّ فَصَلَّيْت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت صَلَّيْت بِبَيْتِ لَحْم حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ دَخَلْت بَيْت الْمَقْدِس فَجُمِعَ لِيَ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فَقَدَّمَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَمَمْتهمْ ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذَا فِيهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذَا فِيهَا اِبْنَا الْخَالَة عِيسَى وَيَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذَا فِيهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذَا فِيهَا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ صَعِدَ بِي فَوْق سَبْع سَمَاوَات وَأَتَيْت سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَغَشِيَتْنِي ضَبَابَة فَخَرَرْت سَاجِدًا فَقِيلَ لِي إِنِّي يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَرَضْت عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك خَمْسِينَ صَلَاة فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك فَرَجَعْت بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرّ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك ؟ قُلْت خَمْسِينَ صَلَاة قَالَ فَإِنَّك لَا تَسْتَطِيع أَنْ تَقُوم بِهَا لَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتك فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي فَخَفَّفَ عَنِّي عَشْرًا ثُمَّ أَتَيْت مُوسَى فَأَمَرَنِي بِالرُّجُوعِ فَرَجَعْت فَخَفَّفَ عَنِّي عَشْرًا ثُمَّ رُدَّتْ إِلَى خَمْس صَلَوَات قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّهُ فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل صَلَاتَيْنِ فَمَا قَامُوا بِهِمَا فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلْته التَّخْفِيف فَقَالَ إِنِّي يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فَرَضْت عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك خَمْس صَلَوَات فَخَمْس بِخَمْسِينَ فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك قَالَ فَعَرَفْت أَنَّهَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ صِرَّى فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ اِرْجِعْ فَعَرَفْت أَنَّهَا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ صِرَّى - يَقُول أَيْ حَتْم - فَلَمْ أَرْجِع ""
طَرِيق أُخْرَى " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا هِشَام اِبْن عَمَّار حَدَّثَنَا خَالِد بْن يَزِيد بْن أَبِي مَالِك عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَس بْن مَالِك
قَالَ : لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس أَتَاهُ جِبْرِيل بِدَابَّةٍ فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل حَمَلَهُ جِبْرِيل عَلَيْهَا يَنْتَهِي خُفّهَا حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفهَا فَلَمَّا بَلَغَ بَيْت الْمَقْدِس وَبَلَغَ الْمَكَان الَّذِي يُقَال لَهُ بَاب مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى إِلَى الْحَجَر الَّذِي ثَمَّةَ فَغَمَزَهُ جِبْرِيل بِأُصْبُعِهِ فَثَقَبَهُ ثُمَّ رَبَطَهَا ثُمَّ صَعِدَ فَلَمَّا اِسْتَوَيَا فِي صَرْحَة الْمَسْجِد قَالَ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد هَلْ سَأَلْت رَبّك أَنْ يُرِيك الْحُور الْعِين ؟ فَقَالَ " نَعَمْ " فَقَالَ فَانْطَلِقْ إِلَى أُولَئِكَ النِّسْوَة فَسَلِّمْ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ جُلُوس عَنْ يَسَار الصَّخْرَة قَالَ " فَأَتَيْتهنَّ فَسَلَّمْت عَلَيْهِنَّ فَرَدَدْنَ عَلَيَّ السَّلَام فَقُلْت : مَنْ أَنْتُنَّ ؟ فَقُلْنَ نَحْنُ خَيْرَات حِسَان نِسَاء قَوْم أَبْرَار نُقُّوا فَلَمْ يَدْرَنُوا وَأَقَامُوا فَلَمْ يَظْعَنُوا وَخُلِّدُوا فَلَمْ يَمُوتُوا قَالَ ثُمَّ اِنْصَرَفْت فَلَمْ أَلْبَث إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى اِجْتَمَعَ نَاس كَثِير ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّن وَأُقِيمَتْ الصَّلَاة قَالَ فَقُمْنَا صُفُوفًا نَنْتَظِر مَنْ يَؤُمّنَا فَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَدَّمَنِي فَصَلَّيْت بِهِمْ فَلَمَّا اِنْصَرَفْت قَالَ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي مَنْ صَلَّى خَلْفك ؟ قَالَ قُلْت : لَا قَالَ صَلَّى خَلْفك كُلّ نَبِيّ بَعَثَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل فَصَعِدَ بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا اِنْتَهَيْنَا إِلَى الْبَاب اِسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك قَالَ فَلَمَّا اِسْتَوَى عَلَى ظَهْرهَا إِذَا فِيهَا آدَم فَقَالَ لِي جِبْرِيل يَا مُحَمَّد أَلَا تُسَلِّم عَلَى أَبِيك آدَم ؟ قَالَ قُلْت بَلَى فَأَتَيْته فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ وَقَالَ مَرْحَبًا بِابْنِي الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك فَإِذَا فِيهَا عِيسَى وَابْن خَالَته يَحْيَى عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ قَالُوا مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك فَإِذَا فِيهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قَالُوا مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ ؟ قَالَ فَفَتَحُوا وَقَالُوا لَهُ مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك فَإِذَا فِيهَا إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفَتَحُوا وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك وَإِذَا فِيهَا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفَتَحُوا وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك وَإِذَا فِيهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَفَتَحُوا لَهُ وَقَالُوا مَرْحَبًا بِك وَبِمَنْ مَعَك وَإِذَا فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ جِبْرِيل يَا مُحَمَّد أَلَا تُسَلِّم عَلَى أَبِيك إِبْرَاهِيم ؟ قُلْت بَلَى فَأَتَيْته فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَام وَقَالَ مَرْحَبًا بِابْنِي الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي عَلَى ظَهْر السَّمَاء السَّابِعَة حَتَّى اِنْتَهَى بِي إِلَى نَهَر عَلَيْهِ خِيَام اللُّؤْلُؤ وَالْيَاقُوت وَالزَّبَرْجَد وَعَلَيْهِ طَيْر خُضْر أَنْعَم طَيْر رَأَيْت فَقُلْت يَا جِبْرِيل إِنَّ هَذَا الطَّيْر لَنَاعِم قَالَ يَا مُحَمَّد آكِله أَنْعَم مِنْهُ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي أَيّ نَهَر هَذَا ؟ قَالَ قُلْت لَا قَالَ هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك اللَّه إِيَّاهُ فَإِذَا فِيهِ آنِيَة الذَّهَب وَالْفِضَّة يَجْرِي عَلَى رَضْرَاض مِنْ الْيَاقُوت وَالزُّمُرُّد دِمَاؤُهُ أَشَدّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَن قَالَ فَأَخَذْت مِنْ آنِيَته آنِيَة مِنْ الذَّهَب فَاغْتَرَفْت مِنْ ذَلِكَ الْمَاء فَشَرِبْت فَإِذَا هُوَ أَحْلَى مِنْ الْعَسَل وَأَشَدّ رَائِحَة مِنْ الْمِسْك ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى الشَّجَرَة فَغَشِيَتْنِي سَحَابَة فِيهَا مِنْ كُلّ لَوْن فَرَفَضَنِي جِبْرِيل وَخَرَرْت سَاجِدًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ اللَّه لِي : يَا مُحَمَّد إِنِّي يَوْم خَلَقْت السَّمَاوَات وَالْأَرْض اِفْتَرَضْت عَلَيْك وَعَلَى أُمَّتك خَمْسِينَ صَلَاة فَقُمْ بِهَا أَنْتَ وَأُمَّتك. قَالَ ثُمَّ اِنْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَة فَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل فَانْصَرَفْت سَرِيعًا فَأَتَيْت عَلَى إِبْرَاهِيم فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا فَأَتَيْت عَلَى مُوسَى فَقَالَ مَا صَنَعْت يَا مُحَمَّد ؟ فَقُلْت فَرَضَ رَبِّي عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاة قَالَ فَلَنْ تَسْتَطِيعهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتك فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّف عَنْك فَرَجَعْت سَرِيعًا حَتَّى اِنْتَهَيْت إِلَى الشَّجَرَة فَغَشِيَتْنِي السَّحَابَة وَرَفَضَنِي جِبْرِيل وَخَرَرْت سَاجِدًا وَقُلْت رَبّ إِنَّك فَرَضْت عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاة وَلَنْ أَسْتَطِيعهَا أَنَا وَلَا أُمَّتِي فَخَفِّفْ عَنَّا قَالَ قَدْ وَضَعْت عَنْكُمْ عَشْرًا قَالَ ثُمَّ اِنْجَلَتْ عَنِّي السَّحَابَة وَأَخَذَ بِيَدِي جِبْرِيل قَالَ فَانْصَرَفْت سَرِيعًا حَتَّى أَتَيْت عَلَى إِبْرَاهِيم فَلَمْ يَقُلْ لِي شَيْئًا ثُمَّ أَتَيْت عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مَا صَنَعْت يَا مُحَمَّد ؟ فَقُلْت وَضَعَ عَنِّي رَبِّي عَشْرًا قَالَ فَأَرْبَعُونَ صَلَاة لَنْ تَسْتَطِيعهَا أَنْتَ وَلَا أُمَّتك فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ أَنْ يُخَفِّف عَنْكُمْ - فَذَكَرَ الْحَدِيث كَذَلِكَ إِلَى خَمْس صَلَوَات وَخَمْس بِخَمْسِينَ ثُمَّ أَمَرَهُ مُوسَى أَنْ يَرْجِع فَيَسْأَلهُ التَّخْفِيف - فَقُلْت إِنِّي قَدْ اِسْتَحْيَيْت مِنْهُ تَعَالَى " قَالَ ثُمَّ اِنْحَدَرَ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيل " مَا لِي لَمْ آتِ أَهْل سَمَاء إِلَّا رَحَّبُوا بِي وَضَحِكُوا لِي غَيْر رَجُل وَاحِد فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَام وَرَحَّبَ بِي وَلَمْ يَضْحَك لِي " قَالَ يَا مُحَمَّد ذَاكَ مَالِك خَازِن جَهَنَّم لَمْ يَضْحَك مُنْذُ خُلِقَ وَلَوْ ضَحِكَ إِلَى أَحَد لَضَحِكَ إِلَيْك قَالَ ثُمَّ رَكِبَ مُنْصَرِفًا فَبَيْنَا هُوَ فِي بَعْض الطَّرِيق مَرَّ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ تَحْمِل طَعَامًا مِنْهَا جَمَل عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غِرَارَة سَوْدَاء وَغِرَارَة بَيْضَاء فَلَمَّا حَاذَى بِالْعِيرِ نَفَرَتْ مِنْهُ وَاسْتَدَارَتْ وَصُرِعَ ذَلِكَ الْبَعِير وَانْكَسَرَ ثُمَّ إِنَّهُ مَضَى فَأَصْبَحَ فَأَخْبَرَ عَمَّا كَانَ فَلَمَّا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ قَوْله أَتَوْا أَبَا بَكْر فَقَالُوا يَا أَبَا بَكْر هَلْ لَك فِي صَاحِبك ؟ يُخْبِر أَنَّهُ أَتَى فِي لَيْلَته هَذِهِ مَسِيرَة شَهْر وَرَجَعَ فِي لَيْلَته فَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ إِنْ كَانَ قَالَهُ فَقَدْ صَدَقَ وَإِنَّا لَنُصَدِّقهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَد مِنْ هَذَا لَنُصَدِّقهُ عَلَى خَبَر السَّمَاء فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلَامَة مَا تَقُول قَالَ " مَرَرْت بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ وَهِيَ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فَنَفَرَتْ الْإِبِل مِنَّا وَاسْتَدَارَتْ وَفِيهَا بَعِير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غِرَارَة سَوْدَاء وَغِرَارَة بَيْضَاء فَصُرِعَ فَانْكَسَرَ " فَلَمَّا قَدِمَتْ الْعِير سَأَلُوهُمْ فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَر عَلَى مِثْل مَا حَدَّثَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْر أَبُو بَكْر الصِّدِّيق وَسَأَلُوهُ وَقَالُوا هَلْ كَانَ فِيمَنْ حَضَرَ مَعَك مُوسَى وَعِيسَى ؟ قَالَ " نَعَمْ " قَالُوا فَصِفْهُمْ لَنَا قَالَ " نَعَمْ أَمَّا مُوسَى فَرَجُل آدَم كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال أَزْد عُمَان وَأَمَّا عِيسَى فَرَجُل رَبْعَة سَبْط تَعْلُوهُ حُمْرَة كَأَنَّمَا يَتَحَادَر مِنْ شَعْره الْجُمَان " هَذَا سِيَاق فِيهِ غَرَائِب عَجِيبَة. "
رِوَايَة أَنَس بْن مَالِك عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا هَمَّام قَالَ سَمِعْت قَتَادَة يُحَدِّث عَنْ أَنَس بْن مَالِك أَنَّ مَالِك بْن صَعْصَعَة حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُمْ عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيم - وَرُبَّمَا قَالَ قَتَادَة فِي الْحِجْر - مُضْطَجِعًا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَقُول لِصَاحِبِهِ الْأَوْسَط بَيْن الثَّلَاثَة قَالَ فَأَتَانِي فَقَدَّ - وَسَمِعْت قَتَادَة يَقُول فَشَقَّ - مَا بَيْن هَذِهِ إِلَى هَذِهِ " وَقَالَ قَتَادَة فَقُلْت لِلْجَارُودِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي مَا يَعْنِي قَالَ مِنْ ثُغْرَة نَحْره إِلَى شِعْرَته وَقَدْ سَمِعْته يَقُول مِنْ قَصَّته إِلَى شِعْرَته قَالَ " فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي - قَالَ فَأُتِيت بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مَمْلُوء إِيمَانًا وَحِكْمَة فَغُسِلَ قَلْبِي ثُمَّ حُشِيَ ثُمَّ أُعِيدَ ثُمَّ أُتِيت بِدَابَّةٍ دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار أَبْيَض " قَالَ فَقَالَ الْجَارُود هُوَ الْبُرَاق يَا أَبَا حَمْزَة ؟ قَالَ نَعَمْ يَقَع خَطْوه عِنْد أَقْصَى طَرْفه قَالَ " فَحُمِلْت عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ بِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَتَى بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا فِيهَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا أَبُوك آدَم فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا عِيسَى وَيَحْيَى وَهُمَا اِبْنَا الْخَالَة قَالَ هَذَانِ يَحْيَى وَعِيسَى فَسَلِّمْ عَلَيْهِمَا قَالَ فَسَلَّمْت فَرَدَّا السَّلَام ثُمَّ قَالَا مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت إِذَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا يُوسُف قَالَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا إِدْرِيس قَالَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح قَالَ ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا هَارُون فَسَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح قَالَ ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ هَذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالْأَخِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح قَالَ فَلَمَّا تَجَاوَزْته بَكَى قِيلَ لَهُ مَا يُبْكِيك قَالَ أَبْكِي لِأَنَّ غُلَامًا بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُل الْجَنَّة مِنْ أُمَّته أَكْثَر مِمَّا يَدْخُلهَا مِنْ أُمَّتِي . قَالَ ثُمَّ صَعِدَ حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قِيلَ مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَفُتِحَ لَنَا فَلَمَّا خَلَصْت فَإِذَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ هَذَا إِبْرَاهِيم فَسَلِّمْ عَلَيْهِ قَالَ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِالِابْنِ الصَّالِح وَالنَّبِيّ الصَّالِح قَالَ ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقَهَا مِثْل قِلَال هَجَرَ وَإِذَا وَرَقهَا مِثْل آذَان الْفِيلَة فَقَالَ هَذِهِ سِدْرَة الْمُنْتَهَى قَالَ وَإِذَا أَرْبَعَة أَنْهَار نَهَرَانِ بَاطِنَانِ وَنَهَرَانِ ظَاهِرَانِ فَقُلْت مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ أَمَّا الْبَاطِنَانِ فَنَهَرَانِ فِي الْجَنَّة وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيل وَالْفُرَات قَالَ ثُمَّ رُفِعَ إِلَيَّ الْبَيْت الْمَعْمُور " قَالَ قَتَادَة وَحَدَّثَنَا الْحَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَأَى الْبَيْت الْمَعْمُور يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفًا ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيث أَنَس قَالَ " ثُمَّ أُتِيت بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْر وَإِنَاء مِنْ لَبَن وَإِنَاء مِنْ عَسَل - قَالَ - فَأَخَذْت اللَّبَن قَالَ هَذِهِ الْفِطْرَة أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتك - قَالَ - ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَاة خَمْسِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم - قَالَ - فَنَزَلْت حَتَّى أَتَيْت مُوسَى فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك ؟ قَالَ فَقُلْت خَمْسِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم قَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع خَمْسِينَ صَلَاة وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا قَالَ فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت ؟ قُلْت بِأَرْبَعِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم قَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع أَرْبَعِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَر فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت فَقُلْت أُمِرْت بِثَلَاثِينَ صَلَاة قَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع ثَلَاثِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَر فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت ؟ قُلْت بِعِشْرِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم فَقَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع لِعِشْرِينَ صَلَاة كُلّ يَوْم وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا أُخَر فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت ؟ فَقُلْت أُمِرْت بِعَشْرِ صَلَوَات كُلّ يَوْم فَقَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع لِعَشْرِ صَلَوَات كُلّ يَوْم وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ فَرَجَعْت فَأُمِرْت بِخَمْسِ صَلَوَات كُلّ يَوْم فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت فَقُلْت أُمِرْت بِخَمْسِ صَلَوَات كُلّ يَوْم فَقَالَ إِنَّ أُمَّتك لَا تَسْتَطِيع لِخَمْسِ صَلَوَات كُلّ يَوْم وَإِنِّي قَدْ خَبَرْت النَّاس قَبْلك وَعَالَجْت بَنِي إِسْرَائِيل أَشَدّ الْمُعَالَجَة فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك قَالَ قُلْت قَدْ سَأَلْت رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت وَلَكِنْ أَرْضَى وَأُسَلِّم فَنَفَذْت فَنَادَى مُنَادٍ قَدْ أَمْضَيْت فَرِيضَتِي وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي "
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث قَتَادَة بِنَحْوِهِ . " رِوَايَة أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ " قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن بُكَيْر حَدَّثَنَا اللَّيْث عَنْ يُونُس عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ أَنَس بْن مَالِك قَالَ كَانَ أَبُو ذَرّ يُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " فُرِجَ عَنْ سَقْف بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّة فَنَزَلَ جِبْرِيل فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَم ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مُمْتَلِئ حِكْمَة وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَلَمَّا جِئْت إِلَى السَّمَاء قَالَ جِبْرِيل لِخَازِنِ السَّمَاء اِفْتَحْ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قَالَ هَلْ مَعَك أَحَد قَالَ نَعَمْ مَعِي مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا فَتَحَ عَلَوْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذَا رَجُل قَاعِد عَلَى يَمِينه أَسْوِدَة وَعَلَى يَسَاره أَسْوِدَة إِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَل شِمَاله بَكَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح قَالَ قُلْت لِجِبْرِيل مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا آدَم وَهَذِهِ الْأَسْوِدَة عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله نَسَم بَنِيهِ فَأَهْل الْيَمِين مِنْهُمْ أَهْل الْجَنَّة وَالْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ شِمَاله أَهْل النَّار فَإِذَا نَظَرَ عَنْ يَمِينه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ عَنْ شِمَاله بَكَى ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَ لِخَازِنِهَا اِفْتَحْ فَقَالَ لَهُ خَازِنهَا مِثْل مَا قَالَ لَهُ الْأَوَّل فَفَتَحَ " قَالَ أَنَس فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَات آدَم وَإِدْرِيس وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيم وَلَمْ يُثْبِت كَيْف مَنَازِلهمْ غَيْر أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَم فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة قَالَ أَنَس فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيل وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيس قَالَ " مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح فَقُلْت مَنْ هَذَا قَالَ إِدْرِيس ثُمَّ مَرَّ بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح فَقُلْت مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى ثُمَّ مَرَرْت بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح قُلْت مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا عِيسَى ثُمَّ مَرَرْت بِإِبْرَاهِيم فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح قُلْت مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيم " . قَالَ الزُّهْرِيّ فَأَخْبَرَنِي اِبْن حَزْم أَنَّ اِبْن عَبَّاس وَأَبَا حَبَّة الْأَنْصَارِيّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْت لِمُسْتَوًى أَسْمَع فِيهِ صَرِيف الْأَقْلَام " قَالَ اِبْن حَزْم وَأَنَس بْن مَالِك قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَفَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاة فَرَجَعْت بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْت عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّتك ؟ قُلْت فَرَضَ خَمْسِينَ صَلَاة قَالَ مُوسَى فَارْجِعْ إِلَى رَبّك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ شَطْرهَا فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى قُلْت وَضَعَ شَطْرهَا فَقَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَرَجَعْت فَوَضَعَ شَطْرهَا فَرَجَعْت إِلَيْهِ فَقَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَرَاجَعْته فَقَالَ هِيَ خَمْس وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك قُلْت قَدْ اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي حَتَّى اِنْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَغَشِيَهَا أَلْوَان لَا أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْت الْجَنَّة فَإِذَا فِيهَا حَبَائِل اللُّؤْلُؤ وَإِذَا تُرَابهَا الْمِسْك " وَهَذَا لَفْظ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الصَّلَاة وَرَوَاهُ فِي ذِكْر بَنِي إِسْرَائِيل وَفِي الْحَجّ وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مِنْ طُرُق أُخْرَى عَنْ يُونُس بِهِ وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه فِي كِتَاب الْإِيمَان عَنْ حَرْمَلَة عَنْ اِبْن وَهْب عَنْ يُونُس بِهِ نَحْوه.
قَالَ اِبْن شِهَاب قَالَ أَنَس بْن مَالِك كَانَ أُبَيّ بْن كَعْب يُحَدِّث أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُرِجَ سَقْف بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّة فَنَزَلَ جِبْرِيل فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاء زَمْزَم ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَب مُمْتَلِئ حِكْمَة وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا جَاءَ السَّمَاء الدُّنْيَا إِذَا رَجُل عَنْ يَمِينه أَسْوِدَة وَعَنْ يَسَاره أَسْوِدَة فَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينه تَبَسَّمَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَسَاره بَكَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح قَالَ قُلْت لِجِبْرِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا آدَم وَهَذِهِ الْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ يَمِينه وَعَنْ شِمَاله نَسَم بَنِيهِ فَأَهْل يَمِينه هُمْ أَهْل الْجَنَّة وَالْأَسْوِدَة الَّتِي عَنْ شِمَاله هُمْ أَهْل النَّار فَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَمِينه ضَحِكَ وَإِذَا نَظَرَ قِبَل يَسَاره بَكَى قَالَ ثُمَّ عَرَجَ بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَ لِخَازِنِهَا اِفْتَحْ فَقَالَ لَهُ خَازِنهَا مِثْل مَا قَالَ خَازِن السَّمَاء الدُّنْيَا فَفَتَحَ لَهُ " قَالَ أَنَس فَذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ فِي السَّمَاوَات آدَم وَإِدْرِيس وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيم وَعِيسَى وَلَمْ يُثْبِت لِي كَيْف مَنَازِلهمْ غَيْر أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ وَجَدَ آدَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَإِبْرَاهِيم فِي السَّمَاء السَّادِسَة قَالَ أَنَس فَلَمَّا مَرَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِدْرِيس قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح قَالَ " قُلْت مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذَا إِدْرِيس قَالَ ثُمَّ مَرَرْت بِمُوسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح فَقُلْت مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا مُوسَى ثُمَّ مَرَرْت بِعِيسَى فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالْأَخ الصَّالِح قُلْت مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَالَ ثُمَّ مَرَرْت بِإِبْرَاهِيم فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِح وَالِابْن الصَّالِح قُلْت مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا إِبْرَاهِيم " قَالَ اِبْن شِهَاب وَأَخْبَرَنِي اِبْن حَزْم أَنَّ اِبْن عَبَّاس وَأَبَا حَبَّة الْأَنْصَارِيّ كَانَا يَقُولَانِ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ثُمَّ عَرَجَ بِي حَتَّى ظَهَرْت لِمُسْتَوًى أَسْمَع صَرِيف الْأَقْلَام " قَالَ اِبْن حَزْم وَأَنَس بْن مَالِك قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَرَضَ اللَّه عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاة قَالَ فَرَجَعْت بِذَلِكَ حَتَّى أَمُرّ عَلَى مُوسَى فَقَالَ لِي مُوسَى مَاذَا فَرَضَ رَبّك عَلَى أُمَّتك ؟ قُلْت فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسِينَ صَلَاة فَقَالَ مُوسَى رَاجِعْ رَبّك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ قَالَ فَرَاجَعْت رَبِّي فَوَضَعَ شَطْرهَا فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْته فَقَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ فَرَجَعْت فَقَالَ هِيَ خَمْس وَهِيَ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ قَالَ فَرَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبّك فَقُلْت قَدْ اِسْتَحْيَيْت مِنْ رَبِّي قَالَ ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى قَالَ فَغَشِيَهَا أَلْوَان مَا أَدْرَى مَا هِيَ قَالَ ثُمَّ دَخَلْت الْجَنَّة فَإِذَا فِيهَا جَنَابِذ اللُّؤْلُؤ وَإِذَا تُرَابهَا الْمِسْك " هَكَذَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي مُسْنَد أَبِيهِ وَلَيْسَ هُوَ فِي شَيْء مِنْ الْكُتُب السِّتَّة وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَنَس عَنْ أَبِي ذَرّ مِثْل هَذَا السِّيَاق سَوَاء فَاَللَّه أَعْلَم .
" رِوَايَة بُرَيْدَة بْن الْحُصَيْب الْأَسْلَمِيّ " قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَزَّار حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن الْمُتَوَكِّل وَيَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم وَاللَّفْظ لَهُ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو نُمَيْلَة حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بْن جُنَادَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِي - قَالَ - فَأَتَى جِبْرِيل الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِس قَالَ فَوَضَعَ أُصْبُعه فِيهَا فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاق "
رِوَايَة جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِح عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ : قَالَ أَبُو سَلَمَة سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه يُحَدِّث أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش حِين أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قُمْت فِي الْحِجْر فَجَلَّى اللَّه لِي بَيْت الْمَقْدِس فَطَفِقْت أُخْبِرهُمْ عَنْ آيَاته وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُق عَنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ بِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن الْحَسَن الْقَاضِي حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس الْأَصَمّ حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن مُحَمَّد الدَّوْرِيّ حَدَّثَنَا يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِح بْن كَيْسَان عَنْ اِبْن شِهَاب قَالَ سَمِعْت سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقُول : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين اِنْتَهَى إِلَى بَيْت الْمَقْدِس لَقِيَ فِيهِ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى وَإِنَّهُ أُتِيَ بِقَدَحَيْنِ قَدَح مِنْ لَبَن وَقَدَح مِنْ خَمْر فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا ثُمَّ أَخَذَ قَدَح اللَّبَن فَقَالَ جِبْرِيل أَصَبْت هُدِيت لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْت الْخَمْر لَغَوْت أُمَّتك
قَالَ أَبُو سَلَمَة سَمِعْت جَابِر بْن عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا يُحَدِّث أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْش حِين أُسْرِيَ بِي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس قُمْت فِي الْحِجْر فَجَلَّى اللَّه لِي بَيْت الْمَقْدِس فَطَفِقْت أُخْبِرهُمْ عَنْ آيَاته وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ "" رِوَايَة حُذَيْفَة بْن الْيَمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد ثَنَا أَبُو النَّضْر ثَنَا سُلَيْمَان عَنْ شَيْبَان عَنْ عَاصِم عَنْ زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ أَتَيْت عَلَى حُذَيْفَة بْن الْيَمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَهُوَ يُحَدِّث عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُول : فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا بَيْت الْمَقْدِس فَلَمْ يَدْخُلَاهُ قَالَ قُلْت بَلْ دَخَلَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتئِذٍ وَصَلَّى فِيهِ قَالَ مَا اِسْمك يَا أَصْلَع ؟ فَأَنَا أَعْرِف وَجْهك وَلَا أَدْرِي مَا اِسْمك قَالَ قُلْت أَنَا زِرّ بْن حُبَيْش قَالَ فَمَا عِلْمك بِأَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِيهِ لَيْلَتئِذٍ قَالَ قُلْت الْقُرْآن يُخْبِرنِي بِذَلِكَ قَالَ فَمَنْ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فَلَجَ اِقْرَأْ قَالَ فَقُلْت " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى " قَالَ يَا أَصْلَع هَلْ تَجِد صَلَّى فِيهِ ؟ قُلْت لَا قَالَ وَاَللَّه مَا صَلَّى فِيهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَتئِذٍ وَلَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَتْ عَلَيْكُمْ صَلَاة فِيهِ كَمَا كُتِبَ عَلَيْكُمْ صَلَاة فِي الْبَيْت الْعَتِيق وَاَللَّه مَا زَايَلَا الْبُرَاق حَتَّى فُتِحَتْ لَهُمَا أَبْوَاب السَّمَاء فَرَأَيَا الْجَنَّة وَالنَّار وَوَعْد الْآخِرَة أَجْمَع ثُمَّ عَادَا عَوْدهمَا عَلَى بَدْئِهِمَا قَالَ ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى رَأَيْت نَوَاجِذه. قَالَ وَيُحَدِّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ لَا يَفِرّ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَخَّرَهُ لَهُ عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة قُلْت أَبَا عَبْد اللَّه أَيّ دَابَّة الْبُرَاق ؟ قَالَ دَابَّة أَبْيَض طَوِيل هَكَذَا خَطْوه مَدّ الْبَصَر . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَاصِم بِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير مِنْ حَدِيث عَاصِم وَهُوَ اِبْن أَبِي النَّجُود بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ غَيْره عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَبْط الدَّابَّة بِالْحَلْقَةِ وَمِنْ الصَّلَاة بِبَيْتِ الْمَقْدِس مِمَّا سَبَقَ وَمَا سَبَقَ مُقَدَّم عَلَى قَوْله وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ " رِوَايَة أَبِي سَعِيد سَعْد بْن مَالِك بْن سِنَان الْخُدْرِيّ " قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَاب دَلَائِل النُّبُوَّة حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْحَافِظ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر يَحْيَى بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا عَبْد الْوَهَّاب بْن عَطَاء حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد رَاشِد الْحِمَّانِيّ عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَصْحَابه يَا رَسُول اللَّه أَخْبِرْنَا عَنْ لَيْلَة أُسْرِيَ بِك فِيهَا قَالَ قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " الْآيَة قَالَ فَأَخْبَرَهُمْ قَالَ " فَبَيْنَمَا أَنَا نَائِم عِشَاء فِي الْمَسْجِد الْحَرَام إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَيْقَظَنِي فَاسْتَيْقَظْت فَلَمْ أَرَ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا بِكَهَيْئَة خَيَال فَأَتْبَعْته بَصَرِي حَتَّى خَرَجْت مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام فَإِذَا أَنَا بِدَابَّةٍ أَدْنَى شَبَهًا بِدَوَابِّكُمْ هَذِهِ بِغَالكُمْ هَذِهِ غَيْر أَنَّهُ مُضْطَرِب الْأُذُنَيْنِ يُقَال لَهُ الْبُرَاق وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْكَبهُ قَبْلِي يَقَع حَافِره عِنْد مَدّ بَصَره فَرَكِبْته فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير عَلَيْهِ إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَة عَنْ ذِرَاعَيْهَا وَعَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة خَلَقَهَا اللَّه فَقَالَتْ يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أَلْتَفِت إِلَيْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا حَتَّى أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس فَأَوْثَقْت دَابَّتِي بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تُوثِقهَا بِهَا ثُمَّ أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءَيْنِ أَحَدهمَا خَمْر وَالْآخَر لَبَن فَشَرِبْت اللَّبَن وَأَبَيْت الْخَمْر فَقَالَ جِبْرِيل أَصَبْت الْفِطْرَة أَمَا إِنَّك لَوْ أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك فَقُلْت اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر فَقَالَ جِبْرِيل مَا رَأَيْت فِي وَجْهك هَذَا ؟ قَالَ فَقُلْت بَيْنَمَا أَنَا أَسِير إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَمِينِي يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أُجِبْهُ وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي الْيَهُود أَمَا إِنَّك لَوْ أَجَبْته أَوْ وَقَفْت عَلَيْهِ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتك . قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير إِذْ دَعَانِي دَاعٍ عَنْ يَسَارِي قَالَ يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أَلْتَفِت وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهِ قَالَ ذَاكَ دَاعِي النَّصَارَى أَمَا إِنَّك لَوْ أَجَبْته لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتك قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ حَاسِرَة عَنْ ذِرَاعَيْهَا عَلَيْهَا مِنْ كُلّ زِينَة خَلَقَهَا اللَّه يَا مُحَمَّد اُنْظُرْنِي أَسْأَلك فَلَمْ أُجِبْهَا وَلَمْ أَقُمْ عَلَيْهَا قَالَ تِلْكَ الدُّنْيَا أَمَا إِنَّك لَوْ أَجَبْتهَا أَوْ قُمْت عَلَيْهَا لَاخْتَارَتْ أُمَّتك الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَة . قَالَ ثُمَّ دَخَلْت أَنَا وَجِبْرِيل بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّى كُلّ وَاحِد مِنَّا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُتِيت بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي كَانَتْ تَعْرُج عَلَيْهِ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء فَلَمْ يَرَ الْخَلَائِق أَحْسَن مِنْ الْمِعْرَاج أَمَا رَأَيْت الْمَيِّت حِين يُشَقّ بَصَره طَامِحًا إِلَى السَّمَاء فَإِنَّمَا يُشَقّ بَصَره طَامِحًا إِلَى السَّمَاء عَجَبه بِالْمِعْرَاجِ قَالَ فَصَعِدْت أَنَا وَجِبْرِيل فَإِذَا أَنَا بِمَلَكٍ يُقَال لَهُ إِسْمَاعِيل وَهُوَ صَاحِب السَّمَاء الدُّنْيَا وَبَيْن يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْف مَلَك مَعَ كُلّ مَلَك جُنُوده مِائَة أَلْف مَلَك قَالَ : قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَمَا يَعْلَم جُنُود رَبّك إِلَّا هُوَ " قَالَ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل بَاب السَّمَاء قِيلَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قِيلَ أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَإِذَا أَنَا بِآدَم كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى صُورَته ؟ فَإِذَا هُوَ تُعْرَض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُرِّيَّته مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُول رُوح طَيِّبَة وَنَفْس طَيِّبَة اِجْعَلُوهَا فِي عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُرِّيَّته الْفُجَّار فَيَقُول رُوح خَبِيثَة وَنَفْس خَبِيثَة اِجْعَلُوهَا فِي سِجِّين فَمَضَيْت هُنَيْهَة فَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ عَلَيْهَا لَحْم مُشَرَّح لَيْسَ يَقْرَبهَا أَحَد وَإِذَا أَنَا بِأَخْوِنَةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا لَحْم قَدْ أَرْوَحَ وَأَنْتَنَ عِنْدهَا أُنَاس يَأْكُلُونَ مِنْهَا قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتك يَأْتُونَ الْحَرَام وَيَتْرُكُونَ الْحَلَال قَالَ ثُمَّ مَضَيْت هُنَيْهَة فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ مَشَافِرهمْ كَمَشَافِر الْإِبِل قَالَ فَتُفْتَح أَفْوَاههمْ فَيُلْقَمُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْر ثُمَّ يَخْرُج مِنْ أَسَافِلهمْ فَسَمِعْتهمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتك " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونهمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا " قَالَ ثُمَّ مَضَيْت هُنَيْهَة فَإِذَا أَنَا بِنِسَاءٍ تَعَلَّقْنَ بِثَدْيِهِنَّ فَسَمِعْتهنَّ يَضْجِجْنَ إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ النِّسَاء ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الزُّنَاة مِنْ أُمَّتك. قَالَ ثُمَّ مَضَيْت هُنَيْهَة فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ بُطُونهمْ أَمْثَال الْبُيُوت كُلَّمَا نَهَضَ أَحَدهمْ خَرَّ فَيَقُول اللَّهُمَّ لَا تُقِمْ السَّاعَة قَالَ وَهُمْ عَلَى سَابِلَة آلِ فِرْعَوْن قَالَ فَتَجِيء السَّابِلَة فَتَطَؤُهُمْ قَالَ فَسَمِعْتهمْ يَضِجُّونَ إِلَى اللَّه قَالَ قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتك " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُوم الَّذِي يَتَخَبَّطهُ الشَّيْطَان مِنْ الْمَسّ " قَالَ ثُمَّ مَضَيْت هُنَيْهَة فَإِذَا أَنَا بِأَقْوَامٍ يُقْطَع مِنْ جُنُوبهمْ اللَّحْم فَيُلْقَمُونَهُ فَيُقَال لَهُ كُلْ كَمَا كُنْت تَأْكُل مِنْ لَحْم أَخِيك قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ الْهَمَّازُونَ مِنْ أُمَّتك اللَّمَّازُونَ قَالَ ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ أَحْسَن مَا خَلَقَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ فَضَلَ النَّاس فِي الْحُسْن كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا أَخُوك يُوسُف وَمَعَهُ نَفَر مِنْ قَوْمه فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة وَاسْتَفْتَحَ فَإِذَا أَنَا بِيَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام وَمَعَهُمَا نَفَر مِنْ قَوْمهمَا فَسَلَّمْت عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَا عَلَيَّ ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيس قَدْ رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ قَالَ ثُمَّ صَعِدْنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذَا أَنَا بِهَارُون وَنِصْف لِحْيَته بَيْضَاء وَنِصْفهَا سَوْدَاء تَكَاد لِحْيَته تُصِيب سُرَّته مِنْ طُولهَا قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا الْمُحَبَّب فِي قَوْمه هَذَا هَارُون بْن عِمْرَان وَمَعَهُ نَفَر مِنْ قَوْمه فَسَلَّمْت عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى بْن عِمْرَان رَجُل آدَم كَثِير الشَّعْر لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ لَنَفَذَ شَعْره دُون الْقَمِيص فَإِذَا هُوَ يَقُول يَزْعُم النَّاس أَنِّي أَكْرَم عَلَى اللَّه عَنْ هَذَا بَلْ هَذَا أَكْرَم عَلَى اللَّه مِنِّي قَالَ قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا أَخُوك مُوسَى بْن عِمْرَان عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ نَفَر مِنْ قَوْمه فَسَلَّمْت عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ صَعِدَتْ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذَا أَنَا بِأَبِينَا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن سَانِد ظَهْره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور كَأَحْسَن الرِّجَال قُلْت يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا ؟ قَالَ هَذَا أَبُوك إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَهُ نَفَر مِنْ قَوْمه فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَإِذَا أَنَا بِأُمَّتِي شَطْرَيْنِ شَطْر عَلَيْهِمْ ثِيَاب بِيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشَطْر عَلَيْهِمْ ثِيَاب رُمْد قَالَ فَدَخَلْت الْبَيْت الْمَعْمُور وَدَخَلَ مَعِي الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الثِّيَاب الْبِيض وَحُجِبَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الثِّيَاب الرُّمْد وَهُمْ عَلَى خَيْر فَصَلَّيْت أَنَا وَمَنْ مَعِي فِي الْبَيْت الْمَعْمُور ثُمَّ خَرَجْت أَنَا وَمَنْ مَعِي قَالَ وَالْبَيْت الْمَعْمُور يُصَلِّي فِيهِ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْف مَلَك لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ ثُمَّ رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَإِذَا كُلّ وَرَقَة مِنْهَا تَكَاد تُغَطِّي هَذِهِ الْأُمَّة وَإِذَا فِيهَا عَيْن تَجْرِي يُقَال لَهَا سَلْسَبِيل فَيَنْشَقّ مِنْهَا نَهَرَانِ" أَحَدهمَا " الْكَوْثَر " وَالْآخَر " يُقَال لَهُ نَهَر الرَّحْمَة فَاغْتَسَلْت فِيهِ فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ , ثُمَّ إِنِّي رُفِعَتْ إِلَيَّ الْجَنَّة فَاسْتَقْبَلَتْنِي جَارِيَة فَقُلْت لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَة ؟ قَالَتْ لِزَيْدِ بْن حَارِثَة وَإِذَا بِأَنْهَارٍ مِنْ مَاء غَيْر آسِن وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى وَإِذَا رُمَّانهَا كَالدِّلَاءِ عِظَمًا وَإِذَا أَنَا بِطَيْرِهَا كَأَنَّهَا بُخْتكُمْ هَذِهِ فَقَالَ عِنْدهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَعَدَّ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْن رَأَتْ وَلَا أُذُن سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَر . قَالَ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّار فَإِذَا فِيهَا غَضَب اللَّه وَزَجْره وَنِقْمَته وَلَوْ طُرِحَتْ فِيهَا الْحِجَارَة وَالْحَدِيد لَأَكَلَتْهَا ثُمَّ أُغْلِقَتْ دُونِي ثُمَّ إِنِّي رُفِعَتْ إِلَيَّ سِدْرَة الْمُنْتَهَى فَتَغَشَّانِي فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنه قَاب قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى قَالَ وَيَنْزِل عَلَى كُلّ وَرَقَة مِنْهَا مَلَك مِنْ الْمَلَائِكَة قَالَ وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاة وَقَالَ لَك بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر فَإِذَا هَمَمْت بِالْحَسَنَةِ فَلَمْ تَعْمَلهَا كُتِبَ لَك حَسَنَة فَإِذَا عَمِلْتهَا كُتِبَتْ لَك عَشْرًا وَإِذَا هَمَمْت بِالسَّيِّئَةِ فَلَمْ تَعْمَلهَا لَمْ يُكْتَب عَلَيْك شَيْء . فَإِنْ عَمِلْتهَا كُتِبَتْ عَلَيْك سَيِّئَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَا أَمَرَك رَبّك ؟ فَقُلْت بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَإِنَّ أُمَّتك لَا تُطِيق ذَلِكَ وَمَتَى لَا تُطِيقهُ تَكْفُر . فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي فَقُلْت يَا رَبّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَف الْأُمَم فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا وَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ فَمَا زِلْت أَخْتَلِف بَيْن مُوسَى وَرَبِّي كُلَّمَا أَتَيْت عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْل مَقَالَته حَتَّى رَجَعْت إِلَيْهِ فَقَالَ لِي بِمَ أُمِرْت فَقُلْت أُمِرْت بِعَشْرِ صَلَوَات قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَرَجَعْت إِلَى رَبِّي فَقُلْت أَيْ رَبّ خَفِّفْ عَنْ أُمَّتِي فَإِنَّهَا أَضْعَف الْأُمَم فَوَضَعَ عَنِّي خَمْسًا وَجَعَلَهَا خَمْسًا فَنَادَانِي مَلَك عِنْدهَا تَمَّمْت فَرِيضَتِي وَخَفَّفْت عَنْ عِبَادِي وَأَعْطَيْتهمْ بِكُلِّ حَسَنَة عَشْر أَمْثَالهَا ثُمَّ رَجَعْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْت ؟ فَقُلْت بِخَمْسِ صَلَوَات قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَإِنَّهُ لَا يَئُودهُ شَيْء فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لِأُمَّتِك فَقُلْت رَجَعْت إِلَى رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ بِالْأَعَاجِيبِ : إِنِّي أَتَيْت الْبَارِحَة بَيْت الْمَقْدِس وَعُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاء وَرَأَيْت كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَبُو جَهْل يَعْنِي اِبْن هِشَام أَلَا تَعْجَبُونَ مِمَّا قَالَ مُحَمَّد ؟ يَزْعُم أَنَّهُ أَتَى الْبَارِحَة بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ أَصْبَحَ فِينَا وَأَحَدنَا يَضْرِب مَطِيَّته مُصْعِدَة شَهْرًا وَمُقْفِلَة شَهْرًا فَهَذِهِ مَسِيرَة شَهْرَيْنِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة قَالَ فَأَخْبَرْتهمْ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ لَمَّا كُنْت فِي مَصْعَدِي رَأَيْتهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَأَنَّهَا نَفَرَتْ فَلَمَّا رَجَعْت وَجَدْتهَا عِنْد الْعَقَبَة وَأَخْبَرَهُمْ بِكُلِّ رَجُل وَبَعِيره كَذَا وَكَذَا وَمَتَاعه كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَبُو جَهْل يُخْبِرنَا بِأَشْيَاء فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ أَنَا أَعْلَم النَّاس بِبَيْتِ الْمَقْدِس وَكَيْف بِنَاؤُهُ وَهَيْئَته وَكَيْف قُرْبه مِنْ الْجَبَل فَإِنْ يَكُ مُحَمَّد صَادِقًا فَسَأُخْبِرُكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَسَأُخْبِرُكُمْ فَجَاءَ ذَلِكَ الْمُشْرِك فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَنَا أَعْلَم النَّاس بِبَيْتِ الْمَقْدِس فَأَخْبِرْنِي كَيْف بِنَاؤُهُ وَكَيْف هَيْئَته وَكَيْف قُرْبه مِنْ الْجَبَل قَالَ فَرُفِعَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْت الْمَقْدِس مِنْ مَقْعَده فَنَظَرَ إِلَيْهِ كَنَظَرِ أَحَدنَا إِلَى بَيْته قَالَ بِنَاؤُهُ كَذَا وَكَذَا وَهَيْئَته كَذَا وَكَذَا وَقُرْبه مِنْ الْجَبَل كَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْآخَر صَدَقْت فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ صَدَقَ مُحَمَّد فِيمَا قَالَ أَوْ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَام وَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير بِطُولِهِ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ وَعَنْ الْحَسَن بْن يَحْيَى عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ بِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث اِبْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي رَوْح بْن الْقَاسِم عَنْ أَبِي هَارُون بِهِ نَحْو سِيَاقه الْمُتَقَدِّم وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَد بْن عَبْدَة عَنْ أَبِي عَبْد الصَّمَد عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد الصَّمَد عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فَذَكَرَهُ بِسِيَاقٍ طَوِيل حَسَن أَنِيق أَجْوَد مِمَّا سَاقَهُ غَيْره عَلَى غَرَابَته وَمَا فِيهِ مِنْ النَّكَارَة ثُمَّ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة رَوْح بْن قَيْس الْحَدَّائِيّ وَهُشَيْم وَمَعْمَر عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ وَاسْمه عُمَارَة بْن جُوَيْن وَهُوَ مُضَعَّف عِنْد الْأَئِمَّة وَإِنَّمَا سُقْنَا حَدِيثه هَاهُنَا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّوَاهِد لِغَيْرِهِ وَلِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَخْبَرَنَا الْإِمَام أَبُو عُثْمَان إِسْمَاعِيل بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنْبَأَنَا أَبُو نُعَيْم أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم الْبَزَّار حَدَّثَنَا أَبُو حَامِد بْن بِلَال حَدَّثَنَا أَبُو الْأَزْهَر يَزِيد بْن أَبِي حَكِيم قَالَ : رَأَيْت فِي النَّوْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه رَجُل مِنْ أُمَّتك يُقَال لَهُ سُفْيَان الثَّوْرِيّ لَا بَأْس بِهِ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا بَأْس بِهِ" حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ عَنْك يَا رَسُول اللَّه لَيْلَة أُسْرِيَ بِك قُلْت رَأَيْت فِي السَّمَاء فَحَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ فَقَالَ لِي " نَعَمْ " فَقُلْت لَهُ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتك يُحَدِّثُونَ عَنْك فِي السُّرَى بِعَجَائِب ؟ فَقَالَ لِي " ذَاكَ حَدِيث الْقَصَّاص "" رِوَايَة شَدَّاد بْن أَوْس " قَالَ الْإِمَام أَبُو إِسْمَاعِيل مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء بْن الضَّحَّاك الزُّبَيْدِيّ حَدَّثَنَا عَمْرو بْن الْحَارِث عَنْ عَبْد اللَّه بْن سَالِم الْأَشْعَرِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن الْوَلِيد بْن عَامِر الزُّبَيْدِيّ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جُبَيْر بْن نُفَيْر حَدَّثَنَا شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ : قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه كَيْف أُسْرِيَ بِك ؟ قَالَ " صَلَّيْت لِأَصْحَابِي صَلَاة الْعَتَمَة بِمَكَّة مُعْتِمًا فَأَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّةٍ أَبْيَض أَوْ قَالَ بَيْضَاء فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل فَقَالَ اِرْكَبْ فَاسْتَصْعَبَ عَلَيَّ فَرَازَهَا بِأُذُنِهَا ثُمَّ حَمَلَنِي عَلَيْهَا فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَع حَافِرهَا حَيْثُ اِنْتَهَى طَرْفهَا حَتَّى بَلَغْنَا أَرْضًا ذَات نَخْل فَأَنْزَلَنِي فَقَالَ صَلِّ فَصَلَّيْت ثُمَّ رَكِبْت فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت ؟ قُلْت اللَّه أَعْلَم قَالَ صَلَّيْت بِيَثْرِب صَلَّيْت بِطَيْبَة فَانْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَع حَافِرهَا عِنْد مُنْتَهَى طَرْفهَا ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا قَالَ اِنْزِلْ ثُمَّ قَالَ صَلِّ فَصَلَّيْت ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت ؟ قُلْت اللَّه أَعْلَم قَالَ صَلَّيْت بِمَدْيَن عِنْد شَجَرَة مُوسَى ثُمَّ اِنْطَلَقَتْ تَهْوِي بِنَا يَقَع حَافِرهَا حَيْثُ أَدْرَكَ طَرْفهَا ثُمَّ بَلَغْنَا أَرْضًا بَدَتْ لَنَا قُصُور فَقَالَ اِنْزِلْ فَنَزَلْت فَقَالَ صَلِّ فَصَلَّيْت ثُمَّ رَكِبْنَا فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْنَ صَلَّيْت ؟ قُلْت اللَّه أَعْلَم قَالَ صَلَّيْت بِبَيْتِ لَحْم حَيْثُ وُلِدَ عِيسَى اِبْن مَرْيَم ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَة مِنْ بَابهَا الْيَمَانِيّ فَأَتَى قِبْلَة الْمَسْجِد فَرَبَطَ فِيهِ دَابَّته وَدَخَلْنَا الْمَسْجِد مِنْ بَاب تَمِيل فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر فَصَلَّيْت مِنْ الْمَسْجِد حَيْثُ شَاءَ اللَّه وَأَخَذَنِي مِنْ الْعَطَش أَشَدّ مَا أَخَذَنِي فَأُتِيت بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدهمَا لَبَن وَفِي الْآخَر عَسَل أُرْسِلَ إِلَيَّ بِهِمَا جَمِيعًا فَعَدَلْت بَيْنهمَا ثُمَّ هَدَانِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذْت اللَّبَن فَشَرِبْت حَتَّى عَرِقَتْ بِهِ جَبِينِي وَبَيْن يَدَيَّ شَيْخ مُتَّكِئ عَلَى مَثَوَات لَهُ فَقَالَ أَخَذَ صَاحِبك الْفِطْرَة إِنَّهُ لَيُهْدَى ثُمَّ اِنْطَلَقَ بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْمَدِينَة فَإِذَا جَهَنَّم تَنْكَشِف عَنْ مِثْل الرَّوَابِي " قُلْت يَا رَسُول اللَّه كَيْف وَجَدْتهَا ؟ قَالَ " وَجَدْتهَا مِثْل الْحُمَة السُّخْنَة ثُمَّ اِنْصَرَفَ بِي فَمَرَرْنَا بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ قَدْ جَمَعَهُ فُلَان فَسَلَّمْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضهمْ هَذَا صَوْت مُحَمَّد ثُمَّ أَتَيْت أَصْحَابِي قَبْل الصُّبْح بِمَكَّة فَأَتَانِي أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ كُنْت اللَّيْلَة فَقَدْ اِلْتَمَسْتُك فِي مَظَانّك فَقَالَ عَلِمْت أَنِّي أَتَيْت بَيْت الْمَقْدِس اللَّيْلَة فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ مَسِيرَة شَهْر فَصِفْهُ لِي قَالَ فَفُتِحَ لِي صِرَاط كَأَنِّي أَنْظُر إِلَيْهِ لَا يَسْأَلنِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْته بِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْر أَشْهَد أَنَّك لَرَسُول اللَّه وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ اُنْظُرُوا إِلَى اِبْن أَبِي كَبْشَة يَزْعُم أَنَّهُ أَتَى بَيْت الْمَقْدِس اللَّيْلَة ؟ قَالَ فَقَالَ إِنَّ مِنْ آيَة مَا أَقُول لَكُمْ أَنِّي مَرَرْت بِعِيرٍ لَكُمْ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَقَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَجَمَعَهُ لَهُمْ فُلَان وَإِنَّ مَسِيرهمْ يَنْزِلُونَ بِكَذَا ثُمَّ بِكَذَا وَيَأْتُونَكُمْ يَوْم كَذَا وَكَذَا يَقْدُمهُمْ جَمَل آدَم عَلَيْهِ مَسْح أَسْوَد وَغِرَارَتَانِ سَوْدَاوَانِ فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْم أَشْرَفَ النَّاس يَنْظُرُونَ حِين كَانَ قَرِيبًا مِنْ نِصْف النَّهَار حَتَّى أَقْبَلَتْ الْعِير يَقْدُمهُمْ ذَلِكَ الْجَمَل الَّذِي وَصَفَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . هَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ بِهِ ثُمَّ قَالَ بَعْد تَمَامه هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَرَوَى ذَلِكَ مُفَرَّقًا مِنْ أَحَادِيث غَيْره وَنَحْنُ نَذْكُر مِنْ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه مَا حَضَرَنَا ثُمَّ سَاقَ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الْإِسْرَاء كَالشَّاهِدِ لِهَذَا الْحَدِيث وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس بِطُولِهِ الْإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم فِي تَفْسِيره عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاق بْن إِبْرَاهِيم بْن الْعَلَاء الزُّبَيْدِيّ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث أَعْنِي الْحَدِيث الْمَرْوِيّ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس مُشْتَمِل عَلَى أَشْيَاء مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيح كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُنْكَر كَالصَّلَاةِ فِي بَيْت لَحْم . وَسُؤَال الصِّدِّيق عَنْ نَعْت بَيْت الْمَقْدِس وَغَيْر ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم. " رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عُثْمَان بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا جَرِير عَنْ قَابُوس عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن عَبَّاس قَالَ : لَيْلَة أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْجَنَّة فَسَمِعَ فِي جَانِبهَا وَخْشًا فَقَالَ " يَا جِبْرِيل مَا هَذَا " قَالَ هَذَا بِلَال الْمُؤَذِّن فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين جَاءَ إِلَى النَّاس " قَدْ أَفْلَحَ بِلَال رَأَيْت لَهُ كَذَا وَكَذَا " قَالَ فَلَقِيَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيّ قَالَ وَهُوَ رَجُل آدَم طَوِيل سَبْط شَعْره مَعَ أُذُنَيْهِ أَوْ فَوْقهمَا " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل " قَالَ هَذَا مُوسَى قَالَ فَمَضَى فَلَقِيَهُ شَيْخ جَلِيل مُتَهَيَّب فَرَحَّبَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكُلّهمْ يُسَلِّم عَلَيْهِ قَالَ " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل " قَالَ هَذَا أَبُوك إِبْرَاهِيم قَالَ وَنَظَرَ فِي النَّار فَإِذَا قَوْم يَأْكُلُونَ الْجِيَف قَالَ " مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل " قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُوم النَّاس وَرَأَى رَجُلًا أَحْمَر أَزْرَق جِدًّا قَالَ " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل " قَالَ هَذَا عَاقِر النَّاقَة قَالَ فَلَمَّا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ فَلَمَّا اِنْصَرَفَ جِيءَ بِقَدَحَيْنِ أَحَدهمَا عَنْ الْيَمِين وَالْآخَر عَنْ الشِّمَال فِي أَحَدهمَا لَبَن وَفِي الْآخَر عَسَل فَأَخَذَ اللَّبَن فَشَرِبَ مِنْهُ فَقَالَ الَّذِي كَانَ مَعَهُ الْقَدَح أَصَبْت الْفِطْرَة إِسْنَاد صَحِيح وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ . " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا حَسَن حَدَّثَنَا ثَابِت أَبُو زَيْد حَدَّثَنَا هِلَال حَدَّثَنِي عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَته فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ وَبِعَلَامَةِ بَيْت الْمَقْدِس وَبِعِيرهمْ فَقَالَ نَاس نَحْنُ لَا نُصَدِّق مُحَمَّدًا بِمَا يَقُول فَارْتَدُّوا كُفَّارًا فَضَرَبَ اللَّه رِقَابهمْ مَعَ أَبِي جَهْل وَقَالَ أَبُو جَهْل يُخَوِّفنَا مُحَمَّد بِشَجَرَةِ الزَّقُّوم هَاتُوا تَمْرًا وَزُبْدًا فَتَزَقَّمُوا وَرَأَى الدَّجَّال فِي صُورَته رُؤْيَا عَيْن لَيْسَ بِرُؤْيَا مَنَام وَعِيسَى وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيم وَسُئِلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّجَّال فَقَالَ " رَأَيْته فَيْلَمَانِيًّا أَقْمَر هِجَانًا إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دُرِّيّ كَأَنَّ شَعْر رَأْسه أَغْصَان شَجَرَة وَرَأَيْت عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَبْيَض جَعْد الرَّأْس حَدِيد الْبَصَر وَمُبَطَّن الْخَلْق وَرَأَيْت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَسْحَم آدَم كَثِير الشَّعْر شَدِيد الْخُلُق وَنَظَرْت إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمْ أَنْظُر إِلَى إِرْب مِنْهُ إِلَّا نَظَرْت إِلَيْهِ مِنِّي حَتَّى كَأَنَّهُ صَاحِبكُمْ قَالَ جِبْرِيل سَلِّمْ عَلَى أَبِيك فَسَلَّمْت عَلَيْهِ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي زَيْد ثَابِت بْن زَيْد عَنْ هِلَال وَهُوَ اِبْن حِبَّان بِهِ وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح ." طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْر الشَّافِعِيّ أَنْبَأَنَا إِسْحَاق بْن الْحَسَن حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد حَدَّثَنَا شَيْبَان عَنْ قَتَادَة عَنْ أَبِي الْعَالِيَة قَالَ حَدَّثَنَا اِبْن عَمّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَيْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْن عِمْرَان رَجُلًا طِوَالًا جَعْدًا كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَة وَرَأَيْت عِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام مَرْبُوع الْخَلْق إِلَى الْحُمْرَة وَالْبَيَاض سَبْط الرَّأْس " وَأَرَى مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم وَالدَّجَّال فِي آيَات أَرَاهُنَّ اللَّه إِيَّاهُ قَالَ " فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَة مِنْ لِقَائِهِ " فَكَانَ قَتَادَة يُفَسِّرهَا أَنَّ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ لَقِيَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام " وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل " قَالَ جَعَلَ اللَّه مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيل رَوَاهُ مُسْلِم فِي الصَّحِيح عَنْ عَبْد بْن حُمَيْد عَنْ يُونُس بْن مُحَمَّد عَنْ شَيْبَان وَأَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيث شُعْبَة عَنْ قَتَادَة مُخْتَصَرًا . " طَرِيق أُخْرَى " وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن أَحْمَد بْن عَبْد اللَّه أَنَا أَحْمَد بْن عُبَيْد السَّتَّار ثَنَا دُبَيْس الْمُعَدَّل ثَنَا عَفَّان قَالَ ثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَّتْ بِي رَائِحَة طَيِّبَة فَقُلْت مَا هَذِهِ الرَّائِحَة ؟ قَالَ مَاشِطَة بِنْت فِرْعَوْن وَأَوْلَادهَا سَقَطَ الْمُشْط مِنْ يَدهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّه فَقَالَتْ بِنْت فِرْعَوْن أَبِي قَالَتْ رَبِّي وَرَبّك وَرَبّ أَبِيك قَالَتْ أَوَلَك رَبّ غَيْر أَبِي ؟ قَالَتْ نَعَمْ رَبِّي وَرَبّك وَرَبّ أَبِيك اللَّه . قَالَ فَدَعَاهَا فَقَالَ أَلَك رَبّ غَيْرِي ؟ قَالَتْ نَعَمْ رَبِّي وَرَبّك اللَّه عَزَّ وَجَلَّ . قَالَ فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاس فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى فِيهَا قَالَتْ إِنَّ لِي إِلَيْك حَاجَة قَالَ مَا هِيَ ؟ قَالَ تَجْمَع عِظَامِي وَعِظَام وَلَدِي فِي مَوْضِع قَالَ ذَاكَ لَك لِمَا لَك عَلَيْنَا مِنْ الْحَقّ قَالَ فَأَمَرَ بِهِمْ فَأُلْقُوا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى بَلَغَ رَضِيعًا فِيهِمْ فَقَالَ يَا أُمَّهْ قَعِي وَلَا تَقَاعَسِي فَإِنَّك عَلَى الْحَقّ " قَالَ وَتَكَلَّمَ أَرْبَعَة فِي الْمَهْد وَهُمْ صِغَار هَذَا وَشَاهِد يُوسُف وَصَاحِب جُرَيْج وَعِيسَى اِبْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام إِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر وَرَوْح بْن الْمُعِين قَالَا حَدَّثَنَا عَوْف عَنْ زُرَارَة بْن أَوْفَى عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَّا كَانَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِي فَأَصْبَحْت بِمَكَّة فَظِعْت وَعَرَفْت أَنَّ النَّاس مُكَذِّبِيَّ" فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا فَمَرَّ بِهِ عَدُوّ اللَّه أَبُو جَهْل فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ هَلْ كَانَ مِنْ شَيْء ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَمْ " قَالَ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ " إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَة " قَالَ إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ " إِلَى بَيْت الْمَقْدِس " قَالَ ثُمَّ أَصْبَحْت بَيْن ظَهْرَانَيْنَا ؟ قَالَ" نَعَمْ " قَالَ فَلَمْ يَرَ أَنْ يُكَذِّبهُ مَخَافَة أَنْ يَجْحَد الْحَدِيث إِنْ دَعَا قَوْمه إِلَيْهِ فَقَالَ أَرَأَيْت إِنْ دَعَوْت قَوْمك أَتُحَدِّثُهُمْ بِمَا حَدَّثْتنِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَعَمْ " فَقَالَ يَا مَعْشَر بَنِي كَعْب بْن لُؤَيّ قَالَ فَانْفَضَّتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِس وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا قَالَ حَدِّثْ قَوْمك بِمَا حَدَّثْتنِي فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنِّي أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَة" فَقَالُوا إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ " إِلَى بَيْت الْمَقْدِس " قَالُوا ثُمَّ أَصْبَحْت بَيْن ظَهْرَانَيْنَا قَالَ " نَعَمْ " قَالَ فَمِنْ بَيْن مُصَفِّق وَمِنْ بَيْن وَاضِع يَده عَلَى رَأْسه مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ قَالُوا وَتَسْتَطِيع أَنْ تَنْعَت لَنَا الْمَسْجِد وَفِيهِمْ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَد وَرَأَى الْمَسْجِد فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَمَا زِلْت أَنْعَت حَتَّى اِلْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْض النَّعْت قَالَ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ حَتَّى وُضِعَ دُون دَار عُقَيْل أَوْ عِقَال فَنَعَتَهُ وَأَنَا أَنْظُر إِلَيْهِ قَالَ وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْت لَمْ أَحْفَظهُ قَالَ فَقَالَ الْقَوْم أَمَّا النَّعْت فَوَاَللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ فِيهِ " . وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث عَوْف بْن أَبِي جَمِيلَة وَهُوَ الْأَعْرَابِيّ بِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ حَدِيث النَّضْر بْن شُمَيْل وَهَوْذَة عَنْ عَوْف وَهُوَ اِبْن أَبِي جَمِيلَة الْأَعْرَابِيّ أَحَد الْأَئِمَّة الثِّقَات " رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْحَافِظ اِبْن بَكْر الْبَيْهَقِيّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن يَعْقُوب حَدَّثَنَا السُّرِّيّ بْن خُزَيْمَة حَدَّثَنَا يُوسُف بْن بُهْلُول حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ الزُّبَيْر بْن عَدِيّ عَنْ طَلْحَة بْن مُصَرِّف عَنْ مُرَّة الْهَمْدَانِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَهَى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُصْعَد بِهِ حَتَّى يُقْبَض مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَط بِهِ مِنْ فَوْقهَا حَتَّى يُقْبَض " إِذْ يَغْشَى السِّدْرَة مَا يَغْشَى " قَالَ غَشِيَهَا فَرَاش مِنْ ذَهَب وَأُعْطِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَات الْخَمْس وَخَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة وَغُفِرَ لِمَنْ لَا يُشْرِك بِاَللَّهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَات يَعْنِي الْكَبَائِر . وَرَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر وَزُهَيْر بْن حَرْب كِلَاهُمَا عَنْ عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر بِهِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود طَرَف مِنْ حَدِيث الْمِعْرَاج وَقَدْ رَوَاهُ أَنَس بْن مَالِك عَنْ مَالِك بْن صَعْصَعَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَنْ أَبِي ذَرّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَوَاهُ مُرَّة مُرْسَلًا مِنْ دُون ذِكْرهمَا ثُمَّ إِنَّ الْبَيْهَقِيّ سَاقَ الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة كَمَا تَقَدَّمَ . قُلْت وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود بِأَبْسَط مِنْ هَذَا وَفِيهِ غَرَابَة وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَن بْن عَرَفَة فِي جُزْئِهِ الْمَشْهُور : حَدَّثَنَا مَرْوَان بْن مُعَاوِيَة عَنْ قَتَادَة بْن عَبْد اللَّه التَّيْمِيّ حَدَّثَنَا أَبُو ظَبْيَان الْجَنْبِيّ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن مَسْعُود وَمُحَمَّد بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَهُمَا جَالِسَانِ فَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد لِأَبِي عُبَيْدَة حَدِّثْنَا عَنْ أَبِيك لَيْلَة أُسْرِيَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة لَا بَلْ حَدِّثْنَا أَنْتَ عَنْ أَبِيك فَقَالَ مُحَمَّد لَوْ سَأَلْتنِي قَبْل أَنْ أَسْأَلك لَفَعَلْت قَالَ فَأَنْشَأَ أَبُو عُبَيْدَة يُحَدِّث يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ كَمَا سُئِلَ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّةٍ فَوْق الْحِمَار وَدُون الْبَغْل فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثُمَّ اِنْطَلَقَ يَهْوِي بِنَا كُلَّمَا صَعِدَ عَقَبَة اِسْتَوَتْ رِجْلَاهُ كَذَلِكَ مَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا هَبَطَ اِسْتَوَتْ يَدَاهُ مَعَ رِجْلَيْهِ حَتَّى مَرَرْنَا بِرَجُلٍ طِوَال سَبْط آدَم كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال أَزْد شَنُوءَة فَيَرْفَع صَوْته يَقُول أَكْرَمْته وَفَضَّلْته قَالَ فَدَفَعَنَا إِلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام فَقَالَ مَنْ هَذَا مَعَك يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذَا أَحْمَد قَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيّ الْعَرَبِيّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَة رَبّه وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ قَالَ ثُمَّ اِنْدَفَعْنَا فَقُلْت مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذَا مُوسَى بْن عِمْرَان قَالَ قُلْت وَمَنْ يُعَاتِب قَالَ يُعَاتِب رَبّه فِيك قُلْت وَيَرْفَع صَوْته عَلَى رَبّه قَالَ إِنَّ اللَّه قَدْ عَرَفَ لَهُ حِدَّته . قَالَ ثُمَّ اِنْدَفَعْنَا حَتَّى مَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ كَأَنَّ ثَمَرهَا السَّرْح تَحْتهَا شَيْخ وَعِيَاله قَالَ فَقَالَ لِي جِبْرِيل اِعْمِدْ إِلَى أَبِيك إِبْرَاهِيم فَدَفَعَنَا إِلَيْهِ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَرَدَّ السَّلَام فَقَالَ إِبْرَاهِيم مَنْ هَذَا مَعَك يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذَا اِبْنك أَحْمَد قَالَ فَقَالَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّيّ الَّذِي بَلَّغَ رِسَالَة رَبّه وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ يَا بُنَيّ إِنَّك لَاقٍ رَبّك اللَّيْلَة وَإِنَّ أُمَّتك آخِر الْأُمَم وَأَضْعَفهَا فَإِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ تَكُون حَاجَتك أَوْ جُلّهَا فِي أُمَّتك فَافْعَلْ . قَالَ ثُمَّ اِنْدَفَعْنَا حَتَّى اِنْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَنَزَلْت فَرَبَطْت الدَّابَّة فِي الْحَلْقَة الَّتِي فِي بَاب الْمَسْجِد الَّتِي كَانَتْ الْأَنْبِيَاء تَرْبِط بِهَا ثُمَّ دَخَلْت الْمَسْجِد فَعَرَفْت النَّبِيِّينَ مِنْ بَيْن قَائِم وَرَاكِع وَسَاجِد قَالَ ثُمَّ أُتِيت بِكَأْسَيْنِ مِنْ عَسَل وَلَبَن فَأَخَذْت اللَّبَن فَشَرِبْت فَضَرَبَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَنْكِبِي وَقَالَ أَصَبْت الْفِطْرَة وَرَبّ مُحَمَّد قَالَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاة فَأَمَمْتهمْ ثُمَّ اِنْصَرَفْنَا فَأَقْبَلْنَا " إِسْنَاد غَرِيب وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ فِيهِ مِنْ الْغَرَائِب سُؤَال الْأَنْبِيَاء عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام اِبْتِدَاء ثُمَّ سُؤَاله عَنْهُمْ بَعْد اِنْصِرَافه وَالْمَشْهُور فِي الصِّحَاح كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُعْلِمهُ بِهِمْ أَوَّلًا لِيُسَلِّم عَلَيْهِمْ سَلَام مَعْرِفَة وَفِيهِ أَنَّهُ اِجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَام قَبْل دُخُوله الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَالصَّحِيح أَنَّهُ إِنَّمَا اِجْتَمَعَ بِهِمْ فِي السَّمَاوَات ثُمَّ نَزَلَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثَانِيًا وَهُمْ مَعَهُ وَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ ثُمَّ إِنَّهُ رَكِبَ الْبُرَاق وَكَرَّ رَاجِعًا إِلَى مَكَّة وَاَللَّه أَعْلَم " طَرِيق أُخْرَى " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا هُشَيْم حَدَّثَنَا الْعَوَّام عَنْ جَبَلَة بْن سُحَيْم عَنْ مَرْثَد بْن جُنَادَة عَنْ اِبْن مَسْعُود عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَقِيت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السَّلَام فَتَذَاكَرُوا أَمْر السَّاعَة قَالَ فَرَدُّوا أَمْرهمْ إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَا عِلْم لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرهمْ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَا عِلْم لِي بِهَا فَرَدُّوا أَمْرهمْ إِلَى عِيسَى فَقَالَ أَمَّا وَجْبَتُهَا فَلَا يَعْلَم بِهَا أَحَد إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ الدَّجَّال خَارِج قَالَ وَمَعِي قَضِيبَانِ فَإِذَا رَآنِي ذَابَ كَمَا يَذُوب الرَّصَاص قَالَ فَيُهْلِكهُ اللَّه إِذَا رَآنِي حَتَّى إِنَّ الْحَجَر وَالشَّجَر يَقُول يَا مُسْلِم إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ قَالَ فَيُهْلِكهُمْ اللَّه ثُمَّ يَرْجِع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ وَأَوْطَانهمْ قَالَ فَعِنْد ذَلِكَ يَخْرُج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب يَنْسِلُونَ فَيَطَئُونَ بِلَادهمْ فَلَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْء إِلَّا أَهْلَكُوهُ وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاء إِلَّا شَرِبُوهُ قَالَ ثُمَّ يَرْجِع النَّاس إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ فَأَدْعُو اللَّه عَلَيْهِمْ فَيُهْلِكهُمْ وَيُمِيتهُمْ حَتَّى تَجْوَى الْأَرْض مِنْ نَتْن رِيحهمْ أَيْ تُنْتِن قَالَ فَيُنْزِل اللَّه الْمَطَر فَيَجْتَرِف أَجْسَادهمْ حَتَّى يَقْذِفهُمْ فِي الْبَحْر فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنَّ السَّاعَة كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ لَا يَدْرِي أَهْلهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " . وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ عَنْ بُنْدَار عَنْ يَزِيد بْن هَارُون عَنْ الْعَوَّام بْن حَوْشَب رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط أَخِي عَبْد اللَّه بْن قُرْط الثُّمَالِيّ قَالَ سَعِيد بْن مَنْصُور حَدَّثَنَا مِسْكِين بْن مَيْمُون مُؤَذِّن مَسْجِد الرَّمْلَة حَدَّثَنِي عُرْوَة بْن رُوَيْم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط أَنَّ رَسُول اللَّه لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى مِنْ بَيْن زَمْزَم وَالْمَقَام جِبْرِيل عَنْ يَمِينه وَمِيكَائِيل عَنْ يَسَاره فَطَارَا بِهِ حَتَّى بَلَغَ السَّمَاوَات الْعُلَى فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ " سَمِعْت تَسْبِيحًا فِي السَّمَاوَات الْعُلَى مَعَ تَسْبِيح كَثِير سَبَّحَتْ السَّمَاوَات الْعُلَى مِنْ ذِي الْمَهَابَة مُشْفِقَات مِنْ ذَوِي الْعُلُوّ بِمَا عَلَا سُبْحَان الْعَلِيّ الْأَعْلَى سُبْحَانه وَتَعَالَى " . وَنَذْكُر هَاهُنَا الْحَدِيث عِنْد قَوْله تَعَالَى مِنْ هَذِهِ السُّورَة " تُسَبِّح لَهُ السَّمَاوَات السَّبْع وَالْأَرْض " الْآيَة . " رِوَايَة عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ أَبِي سِنَان عَنْ عُبَيْد بْن آدَم وَأَبِي مَرْيَم وَأَبِي شُعَيْب أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ بِالْجَابِيَةِ فَذَكَرَ فَتْح بَيْت الْمَقْدِس قَالَ : قَالَ أَبُو سَلَمَة فَحَدَّثَنِي أَبُو سِنَان عَنْ عُبَيْد بْن آدَم قَالَ سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول لِكَعْبٍ أَيْنَ تَرَى أَنْ أُصَلِّي ؟ فَقَالَ إِنْ أَخَذْت عَنِّي صَلَّيْت خَلْف الصَّخْرَة فَكَانَتْ الْقُدْس كُلّهَا بَيْن يَدَيْك فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَة فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَة فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاس فَلَمْ يُعَظِّم الصَّخْرَة تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا وَهِيَ بَيْن يَدَيْهِ كَمَا أَشَارَ كَعْب الْأَحْبَار وَهُوَ مِنْ قَوْم يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتهمْ وَلَكِنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَهُدِيَ إِلَى الْحَقّ وَلِهَذَا لَمَّا أَشَارَ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة وَلَا أَهَانَهَا إِهَانَة النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا قَدْ جَعَلُوهَا مَزْبَلَة مِنْ أَجْل أَنَّهَا قِبْلَة الْيَهُود وَلَكِنْ أَمَاطَ عَنْهَا الْأَذَى وَكَنَسَ عَنْهَا الْكُنَاسَة بِرِدَائِهِ وَهَذَا شَبِيه بِمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي مَرْثَد الْغَنَوِيّ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُور وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا " . " رِوَايَة أَبِي هُرَيْرَة وَهِيَ مُطَوَّلَة جِدًّا وَفِيهَا غَرَابَة " قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَان حَدَّثَنَا عَلِيّ اِبْن سَهْل ثَنَا حَجَّاج ثَنَا أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة الرَّيَاحِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - فِي قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " الْآيَة قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ جَبْرَائِيل لِمِيكَائِيل اِئْتِنِي بِطَسْتٍ مِنْ مَاء زَمْزَم كَيْمَا أُطَهِّر قَلْبه وَأَشْرَح لَهُ صَدْره قَالَ فَشَقَّ عَنْهُ بَطْنه فَغَسَلَهُ ثَلَاث مَرَّات وَاخْتَلَفَ إِلَيْهِ مِيكَائِيل بِثَلَاثِ طِسَاس مِنْ مَاء زَمْزَم فَشَرَحَ صَدْره فَنَزَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ غِلّ وَمَلَأَهُ عِلْمًا وَحِلْمًا وَإِيمَانًا وَيَقِينًا وَإِسْلَامًا وَخَتَمَ بَيْن كَتِفَيْهِ بِخَاتَمِ النُّبُوَّة ثُمَّ أَتَاهُ بِفَرَسٍ فَحَمَلَهُ عَلَيْهِ كُلّ خُطْوَة مِنْهُ مُنْتَهَى بَصَره أَوْ أَقْصَى بَصَره قَالَ فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ فَأَتَى عَلَى قَوْم يَزْرَعُونَ فِي يَوْم وَيَحْصُدُونَ فِي يَوْم كُلَّمَا حَصَدُوا عَادَ كَمَا كَانَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا جِبْرِيل مَا هَذَا ؟ " قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّه تُضَاعَف لَهُمْ الْحَسَنَة بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْف وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْء فَهُوَ يَخْلُفهُ وَهُوَ خَيْر الرَّازِقِينَ ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُرْضَخ رُءُوسهمْ بِالصَّخْرِ كُلَّمَا رُضِخَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ وَلَا يَفْتُر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء فَقَالَ " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ " قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَل رُءُوسهمْ عَنْ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم عَلَى أَقْبَالهمْ رِقَاع وَعَلَى أَدْبَارهمْ رِقَاع يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَح الْإِبِل وَالنَّعَم وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيع وَالزَّقُّوم وَرَضْف جَهَنَّم وَحِجَارَتهَا " قَالَ فَمَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ " قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤَدُّونَ صَدَقَات أَمْوَالهمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّه تَعَالَى شَيْئًا وَمَا اللَّه بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم بَيْن أَيْدِيهمْ لَحْم نَضِيج فِي قِدْر وَلَحْم نِيء فِي قِدْر خَبِيث فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ اللَّحْم النِّيء الْخَبِيث وَيَدَعُونَ النَّضِيج الطَّيِّب فَقَالَ " مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ " فَقَالَ هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك تَكُون عِنْده الْمَرْأَة الْحَلَال الطَّيِّبَة فَيَأْتِي اِمْرَأَة خَبِيثَة فَيَبِيت عِنْدهَا حَتَّى يُصْبِح وَالْمَرْأَة تَقُوم مِنْ عِنْد زَوْجهَا حَلَالًا طَيِّبًا فَتَأْتِي رَجُلًا خَبِيثًا فَتَبِيت مَعَهُ حَتَّى تُصْبِح قَالَ ثُمَّ أَتَى عَلَى خَشَبَة عَلَى الطَّرِيق لَا يَمُرّ بِهَا ثَوْب إِلَّا شَقَّتْهُ وَلَا شَيْء إِلَّا خَرَقَتْهُ قَالَ مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذَا مَثَل أَقْوَام مِنْ أُمَّتك يَقْعُدُونَ عَلَى الطَّرِيق فَيَقْطَعُونَهَا ثُمَّ تَلَا " وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاط تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ " الْآيَة قَالَ ثُمَّ أَتَى عَلَى رَجُل قَدْ جَمَعَ حُزْمَة عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حَمْلهَا وَهُوَ يَزِيد عَلَيْهَا فَقَالَ " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ " قَالَ هَذَا الرَّجُل مِنْ أُمَّتك يَكُون عَلَيْهِ أَمَانَات النَّاس لَا يَقْدِر عَلَى أَدَائِهَا وَهُوَ يُرِيد أَنْ يَحْمِل عَلَيْهَا ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْم تُقْرَض أَلْسِنَتهمْ وَشِفَاههمْ بِمَقَارِيض مِنْ حَدِيد كُلَّمَا قُرِضَتْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لَا يَفْتُر عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْء فَقَالَ " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ " فَقَالَ هَؤُلَاءِ خُطَبَاء الْفِتْنَة ثُمَّ أَتَى عَلَى حَجَر صَغِير يَخْرُج مِنْهُ ثَوْر عَظِيم فَجَعَلَ الثَّوْر يُرِيد أَنْ يَرْجِع مِنْ حَيْثُ خَرَجَ فَلَا يَسْتَطِيع فَقَالَ " مَا هَذَا يَا جِبْرِيل ؟ " فَقَالَ هَذَا الرَّجُل يَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَة ثُمَّ يَنْدَم عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيع أَنْ يَرُدّهَا ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَوَجَدَ رِيحًا طَيِّبَة بَارِدَة وَرِيح مِسْك وَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ : " يَا جِبْرِيل مَا هَذِهِ الرِّيح الطَّيِّبَة الْبَارِدَة وَمَا هَذَا الْمِسْك وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ " قَالَ هَذَا صَوْت الْجَنَّة تَقُول يَا رَبّ اِئْتِنِي بِمَا وَعَدْتنِي فَقَدْ كَثُرَتْ غُرَفِي وَإِسْتَبْرَقِي وَحَرِيرِي وَسُنْدُسِي وَعَبْقَرِيِّي وَلُؤْلُؤِي وَمَرْجَانِي وَفِضَّتِي وَذَهَبِي وَأَكْوَابِي وَصِحَافِي وَأَبَارِيقِي وَأَكْؤُسِي وَعَسَلِي وَمَائِي وَلَبَنِي وَخَمْرِي فَائْتِنِي بِمَا وَعَدْتنِي فَقَالَ لَك كُلّ مُسْلِم وَمُسْلِمَة وَمُؤْمِن وَمُؤْمِنَة وَمَنْ آمَنَ بِي وَبِرُسُلِي وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يُشْرِك بِي شَيْئًا وَلَمْ يَتَّخِذ مِنْ دُونِي أَنْدَادًا وَمَنْ خَشِيَنِي فَهُوَ آمِن وَمَنْ سَأَلَنِي أَعْطَيْته وَمَنْ أَقْرَضَنِي جَزَيْته وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيَّ كَفَيْته إِنِّي أَنَا اللَّه لَا إِلَه إِلَّا أَنَا لَا أَخْلُف الْمِيعَاد وَقَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ وَتَبَارَكَ اللَّه أَحْسَن الْخَالِقِينَ قَالَتْ قَدْ رَضِيت . قَالَ ثُمَّ أَتَى عَلَى وَادٍ فَسَمِعَ صَوْتًا مُنْكَرًا وَوَجَدَ رِيحًا خَبِيثَة فَقَالَ : مَا هَذِهِ الرِّيح يَا جِبْرِيل وَمَا هَذَا الصَّوْت ؟ " فَقَالَ هَذَا صَوْت جَهَنَّم تَقُول يَا رَبّ اِئْتِنِي بِمَا وَعَدْتنِي فَقَدْ كَثُرَتْ سَلَاسِلِي وَأَغْلَالِي وَسَعِيرِي وَحَمِيمِي وَضَرِيعِي وَغَسَّاقِي وَعَذَابِي وَقَدْ بَعُدَ قَعْرِي وَاشْتَدَّ حَرِّي فَائْتِنِي بِمَا وَعَدْتنِي قَالَ لَك كُلّ مُشْرِك وَمُشْرِكَة وَكَافِر وَكَافِرَة وَكُلّ خَبِيث وَخَبِيثَة وَكُلّ جَبَّار لَا يُؤْمِن بِيَوْمِ الْحِسَاب قَالَتْ قَدْ رَضِيت . قَالَ ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى بَيْت الْمَقْدِس فَنَزَلَ فَرَبَطَ فَرَسه إِلَى الصَّخْرَة ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى مَعَ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا قُضِيَتْ الصَّلَاة قَالُوا يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا مَعَك قَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ ثُمَّ لَقِيَ أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء فَأَثْنَوْا عَلَى رَبّهمْ فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي اِتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي مُلْكًا عَظِيمًا وَجَعَلَنِي أُمَّة قَانِتًا يُؤْتَمّ بِي وَأَنْقَذَنِي مِنْ النَّار وَجَعَلَهَا عَلَيَّ بَرْدًا وَسَلَامًا . ثُمَّ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه فَقَالَ الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي كَلَّمَنِي تَكْلِيمًا وَجَعَلَ هَلَاك آلِ فِرْعَوْن وَنَجَاة بَنِي إِسْرَائِيل عَلَى يَدَيَّ وَجَعَلَ مِنْ أُمَّتِي قَوْمًا يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ . ثُمَّ إِنَّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ لِي مُلْكًا عَظِيمًا وَعَلَّمَنِي الزَّبُور وَأَلَانَ لِيَ الْحَدِيد وَسَخَّرَ لِيَ الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر وَأَعْطَانِي الْحِكْمَة وَفَصْل الْخِطَاب . ثُمَّ إِنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لِي الرِّيَاح وَسَخَّرَ لِي الشَّيَاطِين يَعْمَلُونَ لِي مَا شِئْت مِنْ مَحَارِيب وَتَمَاثِيل وَجِفَان كَالْجَوَابِ وَقُدُور رَاسِيَات وَعَلَّمَنِي مَنْطِق الطَّيْر وَآتَانِي مِنْ كُلّ شَيْء فَضْلًا وَسَخَّرَ لِيَ جُنُود الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالطَّيْر وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِير مِنْ عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ وَآتَانِي مُلْكًا عَظِيمًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي وَجَعَلَ مُلْكِي مُلْكًا طَيِّبًا لَيْسَ فِيهِ حِسَاب ثُمَّ إِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَثْنَى عَلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي كَلِمَته وَجَعَلَ مَثَلِي كَمَثَلِ آدَم خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنَّ فَيَكُون وَعَلَّمَنِي الْكِتَاب وَالْحِكْمَة وَالتَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلَنِي أَخْلُق مِنْ الطِّين كَهَيْئَةِ الطَّيْر فَأَنْفُخ فِيهِ فَيَكُون طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه وَجَعَلَنِي أُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه وَرَفَعَنِي وَطَهَّرَنِي وَأَعَاذَنِي وَأُمِّي مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْنَا سَبِيلًا. قَالَ ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ " كُلّكُمْ أَثْنَى عَلَى رَبّه وَإِنِّي مُثْنٍ عَلَى رَبِّي فَقَالَ : الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي أَرْسَلَنِي رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ وَكَافَّة لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَأَنْزَلَ عَلَيَّ الْفُرْقَان فِيهِ بَيَان لِكُلِّ شَيْء وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَجَعَلَ أُمَّتِي أُمَّة وَسَطًا وَجَعَلَ أُمَّتِي هُمْ الْأَوَّلِينَ وَهُمْ الْآخِرِينَ وَشَرَحَ لِي صَدْرِي وَوَضَعَ عَنِّي وِزْرِي وَرَفَعَ لِي ذِكْرِي وَجَعَلَنِي فَاتِحًا وَخَاتَمًا " فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِهَذَا فَضَلَكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ خَاتَم بِالنُّبُوَّةِ فَاتِح بِالشَّفَاعَةِ يَوْم الْقِيَامَة . ثُمَّ أُتِيَ بِآنِيَةٍ ثَلَاثَة مُغَطَّاة أَفْوَاههَا فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْهَا فِيهِ مَاء فَقِيلَ لَهُ اِشْرَبْ فَشَرِبَ مِنْهُ يَسِيرًا ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ لَبَن فَقِيلَ لَهُ اِشْرَبْ فَشَرِبَ مِنْهُ حَتَّى رُوِيَ ثُمَّ دُفِعَ إِلَيْهِ إِنَاء آخَر فِيهِ خَمْر فَقِيلَ لَهُ اِشْرَبْ فَقَالَ " لَا أُرِيدهُ قَدْ رُوِيت " فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل أَمَا إِنَّهَا سَتُحَرَّمُ عَلَى أُمَّتك وَلَوْ شَرِبْت مِنْهَا لَمْ يَتَّبِعك مِنْ أُمَّتك إِلَّا الْقَلِيل قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل فَقَالَ مُحَمَّد فَقَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ فَفُتِحَ لَهُمَا فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ تَامّ الْخَلْق لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء كَمَا يَنْقُص مِنْ خَلْق النَّاس عَنْ يَمِينه بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح طَيِّبَة وَعَنْ شِمَاله بَاب يَخْرُج مِنْهُ رِيح خَبِيثَة فَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ وَإِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَكَى وَحَزِنَ فَقُلْت " يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا الشَّيْخ التَّامّ الْخَلْق الَّذِي لَمْ يَنْقُص مِنْ خَلْقه شَيْء وَمَا هَذَانِ الْبَابَانِ " فَقَالَ هَذَا أَبُوك آدَم وَهَذَا الْبَاب الَّذِي عَنْ يَمِينه بَاب الْجَنَّة فَإِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُل الْجَنَّة مِنْ ذُرِّيَّته ضَحِكَ وَاسْتَبْشَرَ وَالْبَاب الَّذِي عَنْ شِمَاله بَاب جَهَنَّم إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ يَدْخُلهَا مِنْ ذُرِّيَّته بَكَى وَحَزِنَ ثُمَّ صَعِدَ بِهِ جِبْرِيل إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا مَعَك ؟ فَقَالَ مُحَمَّد رَسُول اللَّه قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِشَابَّيْنِ فَقَالَ " يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَانِ الشَّابَّانِ " قَالَ هَذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم وَيَحْيَى بْن زَكَرِيَّا اِبْنَا الْخَالَة عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاس فِي الْحُسْن كَمَا فُضِّلَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر عَلَى سَائِر الْكَوَاكِب قَالَ " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل الَّذِي قَدْ فُضِّلَ عَلَى النَّاس فِي الْحُسْن " قَالَ هَذَا أَخُوك يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَالَ " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل " قَالَ هَذَا إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام رَفَعَهُ اللَّه مَكَانًا عَلِيًّا ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس وَحَوْله قَوْم يَقُصّ عَلَيْهِمْ قَالَ " مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيل وَمَنْ هَؤُلَاءِ حَوْله " قَالَ هَذَا هَارُون الْمُحَبَّب وَهَؤُلَاءِ بَنُو إِسْرَائِيل ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيل قَالُوا وَمَنْ مَعَك ؟ قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ جَالِس فَجَاوَزَهُ فَبَكَى الرَّجُل فَقَالَ " يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا " قَالَ مُوسَى قَالَ " فَمَا بَاله يَبْكِي " قَالَ يَزْعُم بَنُو إِسْرَائِيل أَنِّي أَكْرَم بَنِي آدَم عَلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا رَجُل مِنْ بَنِي آدَم قَدْ خَلَفَنِي فِي دُنْيَا وَأَنَا فِي أُخْرَى فَلَوْ أَنَّهُ بِنَفْسِهِ لَمْ أُبَالِ وَلَكِنْ مَعَ كُلّ نَبِيّ أُمَّته قَالَ ثُمَّ صَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ جِبْرِيل قِيلَ وَمَنْ مَعَك قَالَ مُحَمَّد قَالُوا أَوَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ قَالَ نَعَمْ قَالُوا حَيَّاهُ اللَّه مِنْ أَخ وَمِنْ خَلِيفَة فَنِعْمَ الْأَخ وَنِعْمَ الْخَلِيفَة وَنِعْمَ الْمَجِيء جَاءَ قَالَ فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ أَشْمَط جَالِس عِنْد بَاب الْجَنَّة عَلَى كُرْسِيّ وَعِنْده قَوْم جُلُوس بِيض الْوُجُوه أَمْثَال الْقَرَاطِيس وَقَوْم فِي أَلْوَانهمْ شَيْء فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء فَدَخَلُوا نَهَرًا فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَ مِنْ أَلْوَانهمْ شَيْء ثُمَّ دَخَلُوا نَهَرًا آخَر فَاغْتَسَلُوا فِيهِ فَخَرَجُوا وَقَدْ خَلَصَتْ أَلْوَانهمْ فَصَارَتْ مِثْل أَلْوَان أَصْحَابهمْ فَجَاءُوا فَجَلَسُوا إِلَى أَصْحَابهمْ فَقَالَ " يَا جِبْرِيل مَنْ هَذَا الْأَشْمَط ؟ ثُمَّ مَنْ هَؤُلَاءِ الْبِيض الْوُجُوه ؟ وَمَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء وَمَا هَذِهِ الْأَنْهَار الَّتِي دَخَلُوا فِيهَا فَجَاءُوا وَقَدْ صَفَتْ أَلْوَانهمْ " قَالَ هَذَا أَبُوك إِبْرَاهِيم أَوَّل مَنْ شَمِطَ عَلَى وَجْه الْأَرْض وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْبِيض الْوُجُوه فَقَوْم لَمْ يُلْبِسُوا إِيمَانهمْ بِظُلْمٍ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فِي أَلْوَانهمْ شَيْء فَقَوْم خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَر سَيِّئًا فَتَابُوا فَتَابَ اللَّه عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْأَنْهَار فَأَوَّلهَا رَحْمَة اللَّه وَالثَّانِي نِعْمَة اللَّه وَالثَّالِث سَقَاهُمْ رَبّهمْ شَرَابًا طَهُورًا قَالَ ثُمَّ اِنْتَهَى إِلَى السِّدْرَة فَقِيلَ لَهُ هَذِهِ السِّدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا كُلّ أَحَد خَلَا مِنْ أُمَّتك عَلَى سُنَّتك . فَإِذَا هِيَ شَجَرَة يَخْرُج مِنْ أَصْلهَا أَنْهَار مِنْ مَاء غَيْر آسِن وَأَنْهَار مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيَّر طَعْمه وَأَنْهَار مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَار مِنْ عَسَل مُصَفًّى وَهِيَ شَجَرَة يَسِير الرَّاكِب فِي ظِلّهَا سَبْعِينَ عَامًا لَا يَقْطَعهَا وَالْوَرَقَة مِنْهَا تُغَطِّي الْأُمَّة كُلّهَا قَالَ فَغَشِيَهَا نُور الْخَلَّاق عَزَّ وَجَلَّ وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة أَمْثَال الْغِرْبَان حِين يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرَة مِنْ حُبّ الرَّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالُوا فَكَلَّمَهُ اللَّه عِنْد ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ سَلْ فَقَالَ إِنَّك اِتَّخَذْت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَأَعْطَيْته مُلْكًا عَظِيمًا وَكَلَّمْت مُوسَى تَكْلِيمًا وَأَعْطَيْت دَاوُد مُلْكًا عَظِيمًا وَأَلَنْت لَهُ الْحَدِيد وَسَخَّرْت لَهُ الْجِبَال وَأَعْطَيْت سُلَيْمَان مُلْكًا وَسَخَّرْت لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين وَسَخَّرْت لَهُ الرِّيَاح وَأَعْطَيْت لَهُ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْده وَعَلَّمْت عِيسَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلْته يُبْرِئ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَص وَيُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِك وَأَعَذْته وَأُمّه مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمَا سَبِيل فَقَالَ لَهُ الرَّبّ عَزَّ وَجَلَّ وَقَدْ اِتَّخَذْتُك خَلِيلًا - وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة حَبِيب الرَّحْمَن - وَأَرْسَلْتُك إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَشَرَحْت لَك صَدْرك وَوَضَعْت عَنْك وِزْرك وَرَفَعْت لَك ذِكْرك فَلَا أُذْكَر إِلَّا ذُكِرْت مَعِي وَجَعَلْت أُمَّتك خَيْر أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَجَعَلْت أُمَّتك أُمَّة وَسَطًا وَجَعَلْت أُمَّتك هُمْ الْأَوَّلِينَ وَهُمْ الْآخِرِينَ وَجَعَلْت أُمَّتك لَا تَجُوز لَهُمْ خُطْبَة حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّك عَبْدِي وَرَسُولِي وَجَعَلْت مِنْ أُمَّتك أَقْوَامًا قُلُوبهمْ أَنَاجِيلهمْ وَجَعَلْتُك أَوَّل النَّبِيِّينَ خَلْقًا وَآخِرهمْ بَعْثًا وَأَوَّلهمْ يُقْضَى لَهُ وَأَعْطَيْتُك سَبْعًا مِنْ الْمَثَانِي لَمْ يُعْطَهَا نَبِيّ قَبْلك وَأَعْطَيْتُك خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة مِنْ كَنْز تَحْت الْعَرْش لَمْ أُعْطِهَا نَبِيًّا قَبْلك وَأَعْطَيْتُك الْكَوْثَر وَأَعْطَيْتُك ثَمَانِيَة أَسْهُم الْإِسْلَام وَالْهِجْرَة وَالْجِهَاد وَالصَّلَاة وَالصَّدَقَة وَصَوْم رَمَضَان وَالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر وَجَعَلْتُك فَاتِحًا خَاتَمًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ : أَعْطَانِي فَوَاتِح الْكَلَام وَخَوَاتِيمه وَجَوَامِع الْحَدِيث وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاس كَافَّة بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَقَذَفَ فِي قُلُوب أَعْدَائِي الرُّعْب مِنْ مَسِيرَة شَهْر وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِم وَلَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْض كُلّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا قَالَ وَفَرَضَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاة فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى قَالَ بِمَ أُمِرْت يَا مُحَمَّد قَالَ بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم فَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة قَالَ فَرَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ لَهُ بِكَمْ أُمِرْت قَالَ بِأَرْبَعِينَ قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة قَالَ فَرَجَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِكَمْ أُمِرْت قَالَ أُمِرْت بِثَلَاثِينَ . فَقَالَ لَهُ مُوسَى اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة . قَالَ فَرَجَعَ إِلَى رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ بِكَمْ أُمِرْت بِعِشْرِينَ قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة قَالَ فَرَجَعَ إِلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرًا فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ بِكَمْ أُمِرْت قَالَ أُمِرْت بِعَشْرٍ قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة قَالَ فَرَجَعَ عَلَى حَيَاء مِنْ رَبّه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوَضَعَ عَنْهُ خَمْسًا فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ بِكَمْ أُمِرْت ؟ قَالَ أُمِرْت بِخَمْسٍ قَالَ اِرْجِعْ إِلَى رَبّك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِنَّ أُمَّتك أَضْعَف الْأُمَم وَقَدْ لَقِيت مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل شِدَّة قَالَ قَدْ رَجَعْت إِلَى رَبِّي حَتَّى اِسْتَحْيَيْت فَمَا أَنَا بِرَاجِعٍ إِلَيْهِ قِيلَ أَمَا إِنَّك كَمَا صَبَرْت نَفْسك عَلَى خَمْس صَلَوَات فَإِنَّهُمْ يَجْزِينَ عَنْك خَمْسِينَ صَلَاة فَإِنَّ كُلّ حَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا قَالَ فَرَضِيَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّ الرِّضَا قَالَ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَشَدّهمْ عَلَيْهِ حِين مَرَّ بِهِ وَخَيْرهمْ لَهُ حِين رَجَعَ إِلَيْهِ . ثُمَّ رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه عَنْ أَبِي النَّضْر هَاشِم بْن الْقَاسِم عَنْ أَبَى جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَوْ غَيْره - شَكَّ أَبُو جَعْفَر - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْمَالِينِيّ عَنْ اِبْن عَدِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن السَّكُونِيّ الْبَالِسِيّ بِالرَّمْلَةِ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سَهْل فَذَكَرَ مِثْل مَا رَوَاهُ اِبْن جَرِير عَنْهُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الْحَاكِم أَبَا عَبْد اللَّه رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد بْن الْفَضْل بْن مُحَمَّد الشَّعْرَانِيّ عَنْ جَدّه عَنْ إِبْرَاهِيم بْن حَمْزَة الزُّبَيْرِيّ عَنْ حَاتِم بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنِي عِيسَى بْن مَاهَان يَعْنِي أَبَا جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم ذَكَرَ أَبُو زُرْعَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن نُمَيْر حَدَّثَنَا يُونُس بْن بُكَيْر حَدَّثَنَا عِيسَى بْن عَبْد اللَّه التَّيْمِيّ عَنْ أَبِي جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس الْبَكْرِيّ عَنْ أَبِي الْعَالِيَة أَوْ غَيْره - شَكَّ عِيسَى - عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام " فَذَكَرَ الْحَدِيث بِطُولِهِ كَنَحْوٍ مِمَّا سُقْنَاهُ " قُلْت " وَأَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ فِيهِ الْحَافِظ أَبُو زُرْعَة الرَّازِيّ يَهِم فِي الْحَدِيث كَثِيرًا وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْره أَيْضًا وَوَثَّقَهُ بَعْضهمْ وَالظَّاهِر أَنَّهُ سَيِّئ الْحِفْظ فَفِيمَا تَفَرَّدَ بِهِ نَظَر . وَهَذَا الْحَدِيث فِي بَعْض أَلْفَاظه غَرَابَة وَنَكَارَة شَدِيدَة وَفِيهِ شَيْء مِنْ حَدِيث الْمَنَام مِنْ رِوَايَة سَمُرَة بْن جُنْدُب فِي الْمَنَام الطَّوِيل عِنْد الْبُخَارِيّ وَيُشْبِه أَنْ يَكُون مَجْمُوعًا مِنْ أَحَادِيث شَتَّى أَوْ مَنَام أَوْ قِصَّة أُخْرَى غَيْر الْإِسْرَاء وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ أَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حِين أُسْرِيَ بِي لَقِيت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام - فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُل حَسِبْته قَالَ - مُضْطَرِب رَجِل الرَّأْس كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَة قَالَ وَلَقِيت عِيسَى - فَنَعَتَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - رَبْعَة أَحْمَر كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاس - يَعْنِي حَمَّامًا قَالَ - وَلَقِيت إِبْرَاهِيم وَأَنَا أَشْبَه وَلَده بِهِ قَالَ وَأُتِيت بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدهمَا لَبَن وَفِي الْآخَر خَمْر قِيلَ لِي خُذْ أَيّهمَا شِئْت فَأَخَذْت اللَّبَن فَشَرِبْت فَقِيلَ لِي هُدِيت الْفِطْرَة أَوْ أَصَبْت الْفِطْرَة أَمَا إِنَّك لَوْ أَخَذْت الْخَمْر غَوَتْ أُمَّتك " وَأَخْرَجَاهُ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيّ بِهِ نَحْوه وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مُحَمَّد بْن رَافِع عَنْ الْحُجَيْن بْن الْمُثَنَّى عَنْ عَبْد الْعَزِيز بْن أَبِي سَلَمَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْفَضْل الْهَاشِمِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتنِي فِي الْحُجْرَة وَقُرَيْش تَسْأَلنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاء مِنْ بَيْت الْمَقْدِس لَمْ أُثْبِتهَا فَكُرِبْت كَرْبًا مَا كُرِبْت مِثْله قَطُّ فَرَفَعَهُ اللَّه إِلَيَّ أَنْظُر إِلَيْهِ مَا سَأَلُونِي عَنْ شَيْء إِلَّا أَنْبَأْتهمْ بِهِ وَقَدْ رَأَيْتنِي فِي جَمَاعَة مِنْ الْأَنْبِيَاء فَإِذَا مُوسَى قَائِم يُصَلِّي وَإِذَا هُوَ رَجُل جَعْد كَأَنَّهُ مِنْ رِجَال شَنُوءَة وَإِذَا عِيسَى اِبْن مَرْيَم قَائِم يُصَلِّي أَقْرَب النَّاس شَبَهًا بِهِ عُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَإِذَا إِبْرَاهِيم قَائِم يُصَلِّي أَقْرَب النَّاس شَبَهًا بِهِ صَاحِبكُمْ - يَعْنِي نَفْسه - فَحَانَتْ الصَّلَاة فَأَمَمْتهمْ فَلَمَّا فَرَغْت قَالَ قَائِل يَا مُحَمَّد هَذَا مَالِك خَازِن جَهَنَّم فَالْتَفَتّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مِنْهَال حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَلِيّ بْن زَيْد عَنْ أَبِي الصَّلْت عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَأَيْت لَيْلَة أُسْرِيَ بِي لَمَّا اِنْتَهَيْت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَنَظَرْت فَوْق فَإِذَا رَعْد وَبَرْق وَصَوَاعِق . قَالَ وَأَتَيْت عَلَى قَوْم بُطُونهمْ كَالْبُيُوتِ فِيهَا الْحَيَّات تُرَى مِنْ خَارِج بُطُونهمْ فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَؤُلَاءِ آكِلُوا الرِّبَا فَلَمَّا نَزَلْت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا نَظَرْت أَسْفَل مِنِّي فَإِذَا أَنَا بِرَهْجٍ وَدُخَان وَأَصْوَات فَقُلْت مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل ؟ قَالَ هَذِهِ الشَّيَاطِين يَحُومُونَ عَلَى أَعْيُن بَنِي آدَم لَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَلَكُوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَأَوْا الْعَجَائِب " وَرَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ حَسَن وَعَفَّان كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّاد بْن سَلَمَة بِهِ وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث حَمَّاد بِهِ " رِوَايَة جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَغَيْرهمْ " قَالَ الْحَافِظ الْبَيْهَقِيّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّه يَعْنِي الْحَاكِم حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن يَزِيد بْن يَعْقُوب الدَّقَّاق الْهَمَذَانِيّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن الْحُسَيْن الْهَمْدَانِيّ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد هُوَ إِسْمَاعِيل بْن مُوسَى الْفَزَارِيّ حَدَّثَنَا عُمَر بْن سَعْد النَّضْرِيّ مِنْ بَنِي نَضْرَة بْن مَعِين حَدَّثَنِي عَبْد الْعَزِيز وَلَيْث بْن أَبِي سُلَيْم وَسُلَيْمَان الْأَعْمَش وَعَطَاء بْن السَّائِب بَعْضهمْ يَزِيد فِي الْحَدِيث عَلَى بَعْض عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ سُلَيْم بْن مُسْلِم الْعُقَيْلِيّ عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَجُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك بْن مُزَاحِم قَالُوا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْت أُمّ هَانِئ رَاقِدًا وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاء الْآخِرَة قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْحَاكِم قَالَ لَنَا هَذَا الشَّيْخ وَذَكَرَ الْحَدِيث فَكَتَبْت الْمَتْن مِنْ نُسْخَة مَسْمُوعَة مِنْهُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا يَذْكُر فِيهِ عَدَد الدَّرَج وَالْمَلَائِكَة وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يُنْكَر شَيْء مِنْهَا فِي قُدْرَة اللَّه إِنْ صَحَّتْ الرِّوَايَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِيمَا ذَكَرْنَا قَبْل فِي حَدِيث أَبِي هَارُون الْعَبْدِيّ فِي إِثْبَات الْإِسْرَاء وَالْمِعْرَاج كِفَايَة وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق " قُلْت " وَقَدْ أَرْسَلَ هَذَا الْحَدِيث غَيْر وَاحِد مِنْ التَّابِعِينَ وَأَئِمَّة الْمُفَسِّرِينَ رَحْمَة اللَّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ " رِوَايَة عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا " قَالَ الْبَيْهَقِيّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ أَخْبَرَنِي مُكْرَم بْن أَحْمَد الْقَاضِي حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْهَيْثَم الْبَكْرِيّ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن كَثِير الصَّنْعَانِيّ حَدَّثَنَا مَعْمَر بْن رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَصْبَحَ يُحَدِّث النَّاس بِذَلِكَ فَارْتَدَّ نَاس مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَسَعَوْا بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْر فَقَالُوا هَلْ لَك فِي صَاحِبك ؟ يَزْعُم أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَقَالَ أَوَقَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ قَالُوا فَتُصَدِّقهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَجَاءَ قَبْل أَنْ يُصْبِح ؟ قَالَ نَعَمْ إِنِّي لَأُصَدِّقهُ فِيمَا هُوَ أَبْعَد مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقهُ فِي خَبَر السَّمَاء فِي غَدْوَة أَوْ رَوْحَة فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق " رِوَايَة أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب " قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن مُحَمَّد بْن السَّائِب الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح بَاذَان عَنْ أُمّ هَانِئ بِنْت أَبِي طَالِب فِي مَسْرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول : مَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِم عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَصَلَّى الْعِشَاء الْآخِرَة ثُمَّ نَامَ وَنِمْنَا فَلَمَّا كَانَ قُبَيْل الْفَجْر أَهَبَّنَا رَسُول اللَّه فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح وَصَلَّيْنَا مَعَهُ قَالَ " يَا أُمّ هَانِئ لَقَدْ صَلَّيْت مَعَكُمْ الْعِشَاء الْآخِرَة كَمَا رَأَيْت بِهَذَا الْوَادِي ثُمَّ جِئْت بَيْت الْمَقْدِس فَصَلَّيْت فِيهِ ثُمَّ صَلَّيْت صَلَاة الْغَدَاة مَعَكُمْ الْآن كَمَا تَرَيْنَ " الْكَلْبِيّ مَتْرُوك بِمُرَّة سَاقِط لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَده عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَنْصَارِيّ عَنْ ضَمْرَة بْن رَبِيعَة عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أُمّ هَانِئ بِأَبْسَط مِنْ هَذَا السِّيَاق فَلْيُكْتَبْ هَاهُنَا . وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ مِنْ حَدِيث عَبْد الْأَعْلَى بْن أَبِي الْمُسَاوِر عَنْ عِكْرِمَة عَنْ أُمّ هَانِئ قَالَتْ " بَاتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ فِي بَيْتِي فَفَقَدْته مِنْ اللَّيْل فَامْتَنَعَ مِنِّي النَّوْم مَخَافَة أَنْ يَكُون عَرَضَ لَهُ بَعْض قُرَيْش فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي فَإِذَا عَلَى الْبَاب دَابَّة دُون الْبَغْل وَفَوْق الْحِمَار فَحَمَلَنِي عَلَيْهَا ثُمَّ اِنْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بِي إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَأَرَانِي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يُشْبِه خَلْقه خَلْقِي وَيُشْبِه خَلْقِي خَلْقه وَأَرَانِي مُوسَى آدَم طَوِيلًا سَبْط الشَّعْر شَبَّهْته بِرِجَالِ أَزْد شَنُوءَة وَأَرَانِي عِيسَى اِبْن مَرْيَم رَبْعَة أَبْيَض يَضْرِب إِلَى الْحُمْرَة شَبَّهْته بِعُرْوَة بْن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأَرَانِي الدَّجَّال مَمْسُوح الْعَيْن الْيُمْنَى شَبَّهْته بِقَطَنِ بْن عَبْد الْعُزَّى - قَالَ - وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَخْرُج إِلَى قُرَيْش فَأُخْبِرهُمْ بِمَا رَأَيْت فَأَخَذْت بِثَوْبِهِ فَقُلْت إِنِّي أُذَكِّرك اللَّه إِنَّك تَأْتِي قَوْمك يُكَذِّبُونَك وَيُنْكِرُونَ مَقَالَتك فَأَخَاف أَنْ يَسْطُوا بِك قَالَتْ : فَضَرَبَ ثَوْبه مِنْ يَدِي ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَأَتَاهُمْ وَهُمْ جُلُوس فَأَخْبَرَهُمْ مَا أَخْبَرَنِي فَقَامَ جُبَيْر بْن مُطْعِم فَقَالَ : يَا مُحَمَّد أَنْ لَوْ كُنْت لَك شَأْن كَمَا كُنْت مَا تَكَلَّمْت بِمَا تَكَلَّمْت بِهِ وَأَنْتَ بَيْن ظَهْرَانَيْنَا . فَقَالَ رَجُل مِنْ الْقَوْم يَا مُحَمَّد هَلْ مَرَرْت بِإِبِلٍ لَنَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللَّه قَدْ وَجَدْتهمْ قَدْ أَضَلُّوا بَعِيرًا لَهُمْ فَهُمْ فِي طَلَبه " قَالَ هَلْ مَرَرْت بِإِبِلٍ لِبَنِي فُلَان ؟ قَالَ نَعَمْ وَجَدْتهمْ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَقَدْ اِنْكَسَرَتْ لَهُمْ نَاقَة حَمْرَاء وَعِنْدهمْ قَصْعَة مِنْ مَاء فَشَرِبْت مَا فِيهَا " قَالُوا فَأَخْبِرْنَا عِدَّتهَا وَمَا فِيهَا مِنْ الرُّعَاة قَالَ قَدْ كُنْت عَنْ عِدَّتهَا مَشْغُولًا " فَقَامَ فَأُوتِيَ بِالْإِبِلِ فَعَدَّهَا وَعَلِمَ مَا فِيهَا مِنْ الرُّعَاة ثُمَّ أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ " سَأَلْتُمُونِي عَنْ إِبِل بَنِي فُلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وَفِيهَا مِنْ الرُّعَاة فُلَان وَفُلَان وَسَأَلْتُمُونِي عَنْ إِبِل بَنِي فُلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وَفِيهَا مِنْ الرُّعَاة اِبْن أَبِي قُحَافَة وَفُلَان وَفُلَان وَهِيَ تُصَبِّحكُمْ بِالْغَدَاةِ عَلَى الثَّنِيَّة " قَالَ فَقَعَدُوا عَلَى الثَّنِيَّة يَنْظُرُونَ أَصَدَقَهُمْ مَا قَالَ فَاسْتَقْبَلُوا الْإِبِل فَسَأَلُوهُمْ هَلْ ضَلَّ لَكُمْ بَعِير ؟ فَقَالُوا نَعَمْ فَسَأَلُوا الْآخَر هَلْ اِنْكَسَرَتْ لَكُمْ نَاقَة حَمْرَاء قَالُوا نَعَمْ قَالُوا فَهَلْ كَانَتْ عِنْدكُمْ قَصْعَة قَالَ أَبُو بَكْر أَنَا وَاَللَّه وَضَعْتهَا فَمَا شَرِبَهَا أَحَد وَلَا أَهْرَاقُوهُ فِي الْأَرْض فَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْر وَآمَنَ بِهِ فَسُمِّيَ يَوْمئِذٍ الصِّدِّيق . " فَصْل " وَإِذَا حَصَلَ الْوُقُوف عَلَى مَجْمُوع هَذِهِ الْأَحَادِيث صَحِيحهَا وَحَسَنهَا وَضَعِيفهَا فَحَصَلَ مَضْمُون مَا اِتَّفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَسْرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَأَنَّهُ مَرَّة وَاحِدَة. وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ عِبَارَات الرُّوَاة فِي أَدَائِهِ أَوْ زَادَ بَعْضهمْ فِيهِ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ فَإِنَّ الْخَطَأ جَائِز عَلَى مَنْ عَدَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام . وَمَنْ جَعَلَ مِنْ النَّاس كُلّ رِوَايَة خَالَفَتْ الْأُخْرَى مَرَّة عَلَى حِدَة فَأَثْبَتَ إِسْرَاءَات مُتَعَدِّدَة فَقَدْ أَبْعَدَ وَأَغْرَبَ وَهَرَبَ إِلَى غَيْر مَهْرَب وَلَمْ يَتَحَصَّل عَلَى مَطْلَب . وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضهمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أُسْرِيَ بِهِ مَرَّة مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس فَقَطْ وَمَرَّة مِنْ مَكَّة إِلَى السَّمَاء فَقَطْ وَمَرَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَمِنْهُ إِلَى السَّمَاء وَفَرِحَ بِهَذَا الْمَسْلَك وَأَنَّهُ قَدْ ظَفِرَ بِشَيْءٍ يَخْلُص بِهِ مِنْ الْإِشْكَالَات وَهَذَا بَعِيد جِدًّا وَلَمْ يُنْقَل هَذَا عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف وَلَوْ تَعَدَّدَ هَذَا التَّعَدُّد لَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أُمَّته وَلَنَقَلَهُ النَّاس عَلَى التَّعَدُّد وَالتَّكَرُّر . قَالَ مُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ الزُّهْرِيّ : كَانَ الْإِسْرَاء قَبْل الْهِجْرَة بِسَنَةٍ وَكَذَا قَالَ عُرْوَة وَقَالَ السُّدِّيّ بِسِتَّة عَشَر شَهْرًا وَالْحَقّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام أُسْرِيَ بِهِ يَقَظَة لَا مَنَامًا مِنْ مَكَّة إِلَى بَيْت الْمَقْدِس رَاكِبًا الْبُرَاق. فَلَمَّا اِنْتَهَى إِلَى بَاب الْمَسْجِد رَبَطَ الدَّابَّة عِنْد الْبَاب وَدَخَلَهُ فَصَلَّى فِي قِبْلَته تَحِيَّة الْمَسْجِد رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أُتِيَ بِالْمِعْرَاجِ وَهُوَ كَالسُّلَّمِ ذُو دَرَج يُرْقَى فِيهَا فَصَعِدَ فِيهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَى بَقِيَّة السَّمَاوَات السَّبْع فَتَلَقَّاهُ مِنْ كُلّ سَمَاء مُقَرَّبُوهَا وَسَلَّمَ عَلَى الْأَنْبِيَاء الَّذِينَ فِي السَّمَاوَات بِحَسَبِ مَنَازِلهمْ وَدَرَجَاتهمْ حَتَّى مَرَّ بِمُوسَى الْكَلِيم فِي السَّادِسَة وَإِبْرَاهِيم الْخَلِيل فِي السَّابِعَة ثُمَّ جَاوَزَ مَنْزِلَتَيْهِمَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِر الْأَنْبِيَاء حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى مُسْتَوًى يَسْمَع فِيهِ صَرِيف الْأَقْلَام أَيْ أَقْلَام الْقَدَر بِمَا هُوَ كَائِن وَرَأَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى وَغَشِيَهَا مِنْ أَمْر اللَّه تَعَالَى عَظَمَة عَظِيمَة مِنْ فَرَاش مِنْ ذَهَب وَأَلْوَان مُتَعَدِّدَة وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَة وَرَأَى هُنَاكَ جِبْرِيل عَلَى صُورَته وَلَهُ سِتّمِائَةِ جَنَاح وَرَأَى رَفْرَفًا أَخْضَر قَدْ سَدَّ الْأُفُق . وَرَأَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِبْرَاهِيم الْخَلِيل بَانِي الْكَعْبَة الْأَرْضِيَّة مُسْنِد ظَهْره إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الْكَعْبَة السَّمَاوِيَّة يَدْخُلهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَة يَتَعَبَّدُونَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة . وَرَأَى الْجَنَّة وَالنَّار وَفَرَضَ اللَّه عَلَيْهِ هُنَالِكَ الصَّلَوَات خَمْسِينَ ثُمَّ خَفَّفَهَا إِلَى خَمْس رَحْمَة مِنْهُ وَلُطْفًا بِعِبَادِهِ وَفِي هَذَا اِعْتِنَاء عَظِيم بِشَرَفِ الصَّلَاة وَعَظَمَتهَا . ثُمَّ هَبَطَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَهَبَطَ مَعَهُ الْأَنْبِيَاء فَصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لَمَّا حَانَتْ الصَّلَاة. وَيَحْتَمِل أَنَّهَا الصُّبْح مِنْ يَوْمئِذٍ وَمِنْ النَّاس مَنْ يَزْعُم أَنَّهُ أَمَّهُمْ فِي السَّمَاء وَاَلَّذِي تَظَاهَرَتْ بِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ بِبَيْتِ الْمَقْدِس وَلَكِنْ فِي بَعْضهَا أَنَّهُ كَانَ أَوَّل دُخُوله إِلَيْهِ . وَالظَّاهِر أَنَّهُ بَعْد رُجُوعه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِهِمْ فِي مَنَازِلهمْ جَعَلَ يَسْأَل عَنْهُمْ جِبْرِيل وَاحِدًا وَاحِدًا وَهُوَ يُخْبِرهُ بِهِمْ وَهَذَا هُوَ اللَّائِق لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا مَطْلُوبًا إِلَى الْجَنَاب الْعُلْوِيّ لِيُفْرَض عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّته مَا يَشَاء اللَّه تَعَالَى ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ اِجْتَمَعَ بِهِ هُوَ وَإِخْوَانه مِنْ النَّبِيِّينَ ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفه وَفَضْله عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَة وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَيْت الْمَقْدِس فَرَكِبَ الْبُرَاق وَعَادَ إِلَى مَكَّة بِغَلَسٍ وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم . وَأَمَّا عَرْض الْآنِيَة عَلَيْهِ مِنْ اللَّبَن وَالْعَسَل أَوْ اللَّبَن وَالْخَمْر أَوْ اللَّبَن وَالْمَاء أَوْ الْجَمِيع فَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ فِي بَيْت الْمَقْدِس وَجَاءَ أَنَّهُ فِي السَّمَاء وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَاهُنَا وَهَاهُنَا لِأَنَّهُ كَالضِّيَافَةِ لِلْقَادِمِ وَاَللَّه أَعْلَم . ثُمَّ اِخْتَلَفَ النَّاس هَلْ كَانَ الْإِسْرَاء بِبَدَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَام وَرُوحه أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ عَلَى قَوْلَيْنِ فَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ أُسْرِيَ بِبَدَنِهِ وَرُوحه يَقَظَة لَا مَنَامًا وَلَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى قَبْل ذَلِكَ مَنَامًا ثُمَّ رَآهُ بَعْده يَقَظَة لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْل فَلَق الصُّبْح وَالدَّلِيل عَلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى " سُبْحَان الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْله" فَالتَّسْبِيح إِنَّمَا يَكُون عِنْد الْأُمُور الْعِظَام فَلَوْ كَانَ مَنَامًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِير شَيْء وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَعْظَمًا وَلَمَا بَادَرَتْ كُفَّار قُرَيْش إِلَى تَكْذِيبه وَلَمَا اِرْتَدَّتْ جَمَاعَة مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَبْد عِبَارَة عَنْ مَجْمُوع الرُّوح وَالْجَسَد وَقَدْ قَالَ " أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا " قَالَ تَعَالَى " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ " قَالَ اِبْن عَبَّاس هِيَ رُؤْيَا عَيْن أُرِيَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ وَالشَّجَرَة الْمَلْعُونَة هِيَ شَجَرَة الزَّقُّوم . رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَقَالَ تَعَالَى " مَا زَاغَ الْبَصَر وَمَا طَغَى " وَالْبَصَر مِنْ آلَات الذَّات لَا الرُّوح وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاق وَهُوَ دَابَّة بَيْضَاء بَرَّاقَة لَهَا لَمَعَان وَإِنَّمَا يَكُون هَذَا لِلْبَدَنِ لَا لِلرُّوحِ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاج فِي حَرَكَتهَا إِلَى مَرْكَب تَرْكَب عَلَيْهِ وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرُوحِهِ لَا بِجَسَدِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار فِي السِّيرَة حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن عُتْبَة بْن الْمُغِيرَة بْن الْأَخْنَس أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كَانَتْ رُؤْيَا مِنْ اللَّه صَادِقَة . وَحَدَّثَنِي بَعْض آلِ أَبِي بَكْر أَنَّ عَائِشَة كَانَتْ تَقُول : مَا فُقِدَ جَسَد رَسُول اللَّه وَلَكِنْ أُسْرِيَ بِرُوحِهِ . قَالَ اِبْن إِسْحَاق فَلَمْ يُنْكَر ذَلِكَ مِنْ قَوْلهَا لِقَوْلِ الْحَسَن إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ " وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إِلَّا فِتْنَة لِلنَّاسِ " وَلِقَوْلِ اللَّه فِي الْخَبَر عَنْ إِبْرَاهِيم " إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَام أَنِّي أَذْبَحك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى " قَالَ ثُمَّ مَضَى عَلَى ذَلِكَ فَعَرَفْت أَنَّ الْوَحْي يَأْتِي لِلْأَنْبِيَاءِ مِنْ اللَّه أَيْقَاظًا وَنِيَامًا فَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " تَنَام عَيْنَايَ وَقَلْبِي يَقْظَان " وَاَللَّه أَعْلَم . أَيْ ذَلِكَ كَانَ قَدْ جَاءَهُ وَعَايَنَ مِنْ اللَّه فِيهِ مَا عَايَنَ عَلَى أَيّ حَالَاته كَانَ نَائِمًا أَوْ يَقْظَانًا كُلّ ذَاكَ حَقّ وَصِدْق اِنْتَهَى كَلَام اِبْن إِسْحَاق وَقَدْ تَعَقَّبَهُ أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير فِي تَفْسِيره بِالرَّدِّ وَالْإِنْكَار وَالتَّشْنِيع بِأَنَّ هَذَا خِلَاف ظَاهِر سِيَاق الْقُرْآن وَذَكَرَ مِنْ الْأَدِلَّة عَلَى رَدّه بَعْض مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم " فَائِدَة حَسَنَة جَلِيلَة " رَوَى الْحَافِظ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَاب دَلَائِل النُّبُوَّة مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عُمَر الْوَاقِدِيّ حَدَّثَنِي مَالِك بْن أَبِي الرِّجَال عَنْ عُمَر بْن عَبْد اللَّه عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ قَالَ بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَة بْن خَلِيفَة إِلَى قَيْصَر فَذَكَرَ وُرُوده عَلَيْهِ وَقُدُومه إِلَيْهِ . وَفِي السِّيَاق دَلَالَة عَظِيمَة عَلَى وُفُور عَقْل هِرَقْل ثُمَّ اِسْتَدْعَى مَنْ بِالشَّامِ مِنْ التُّجَّار فَجِيءَ بِأَبِي سُفْيَان صَخْر بْن حَرْب وَأَصْحَابه فَسَأَلَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَسَائِل الْمَشْهُورَة الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَان يَجْهَد أَنْ يُحَقِّر أَمْره وَيُصَغِّرهُ عِنْده . قَالَ فِي هَذَا السِّيَاق عَنْ أَبِي سُفْيَان : وَاَللَّه مَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أَقُول عَلَيْهِ قَوْلًا أُسْقِطهُ مِنْ عَيْنه إِلَّا أَنِّي أَكْرَه أَنْ أَكْذِب عِنْده كَذِبَة يَأْخُذهَا عَلَيَّ وَلَا يُصَدِّقنِي فِي شَيْء قَالَ حَتَّى ذَكَرْت قَوْله لَيْلَة أُسْرِيَ بِهِ قَالَ فَقُلْت أَيّهَا الْمَلِك أَلَا أُخْبِرك خَبَرًا تَعْرِف أَنَّهُ قَدْ كَذَبَ ؟ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ قُلْت إِنَّهُ يَزْعُم لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضنَا أَرْض الْحَرَم فِي لَيْلَة فَجَاءَ مَسْجِدكُمْ هَذَا مَسْجِد إِيلِيَاء وَرَجَعَ إِلَيْنَا تِلْكَ اللَّيْلَة قَبْل الصَّبَاح . قَالَ وَبِطْرِيقِ إِيلِيَاء عِنْد رَأْس قَيْصَر فَقَالَ بِطْرِيق إِيلِيَاء قَدْ عَلِمْت تِلْكَ اللَّيْلَة قَالَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَيْصَر وَقَالَ وَمَا عِلْمك بِهَذَا ؟ قَالَ إِنِّي كُنْت لَا أَنَام لَيْلَة حَتَّى أُغْلِق أَبْوَاب الْمَسْجِد فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة أَغْلَقْت الْأَبْوَاب كُلّهَا غَيْر بَاب وَاحِد غَلَبَنِي فَاسْتَعَنْت عَلَيْهِ بِعُمَّالِي وَمَنْ يَحْضُرنِي كُلّهمْ مُعَالَجَة فَغَلَبَنَا فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُحَرِّكهُ كَأَنَّمَا نُزَاوِل بِهِ جَبَلًا فَدَعَوْت إِلَيْهِ النَّجَاجِرَة فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا إِنَّ هَذَا الْبَاب سَقَطَ عَلَيْهِ النِّجَاف وَالْبُنْيَان وَلَا نَسْتَطِيع أَنْ نُحَرِّكهُ حَتَّى نُصْبِح فَنَنْظُر مِنْ أَيْنَ أَتَى . قَالَ فَرَجَعْت وَتَرَكْت الْبَابَيْنِ مَفْتُوحَيْنِ . فَلَمَّا أَصْبَحْت غَدَوْت عَلَيْهِمَا فَإِذَا الْحَجَر الَّذِي فِي زَاوِيَة الْمَسْجِد مَثْقُوب وَإِذَا فِيهِ أَثَر مِرْبَط الدَّابَّة قَالَ فَقُلْت لِأَصْحَابِي مَا حُبِسَ هَذَا الْبَاب اللَّيْلَة إِلَّا عَلَى نَبِيّ وَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَة فِي مَسْجِدنَا وَذَكَرَ تَمَام الْحَدِيث : " فَائِدَة " قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْخَطَّاب عُمَر بْن دِحْيَة فِي كِتَابه " التَّنْوِير فِي مَوْلِد السِّرَاج الْمُنِير " وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيث الْإِسْرَاء مِنْ طَرِيق أَنَس وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ تَوَاتَرَتْ الرِّوَايَات فِي حَدِيث الْإِسْرَاء عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ وَابْن مَسْعُود وَأَبِي ذَرّ وَمَالِك بْن صَعْصَعَة وَأَبِي هُرَيْرَة وَأَبِي سَعِيد وَابْن عَبَّاس وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأُبَيّ بْن كَعْب وَعَبْد الرَّحْمَن بْن قُرْط وَأَبِي حَبَّة وَأَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيَّيْنِ وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَجَابِر وَحُذَيْفَة وَبُرَيْدَة وَأَبِي أَيُّوب وَأَبِي أُمَامَة وَسَمُرَة بْن جُنْدُب وَأَبِي الْحَمْرَاء وَصُهَيْب الرُّومِيّ وَأُمّ هَانِئ وَعَائِشَة وَأَسْمَاء اِبْنَتَيْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مِنْهُمْ مَنْ سَاقَهُ بِطُولِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ اِخْتَصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمَسَانِيد وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رِوَايَة بَعْضهمْ عَلَى شَرْط الصِّحَّة فَحَدِيث الْإِسْرَاء أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ الزَّنَادِقَة وَالْمُلْحِدُونَ " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ وَاَللَّه مُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " . ) . إنتهى
الخاتمة :
بإيجاز :
1 ـ هجص القرطبى فى التفسير لا يعدله فى الهجص إلا هجص البخارى فى الحديث ، ويتفوق عليهما معا هجص الشيعة فى (الكافى ) للكلينى. وعلى الجميع يتفوق الشعراى الصوفى فى كتابه ( الطبقات الكبرى ) .
2 ـ مقابل هذا الهجص الذى جعلوه دينا ـ كانت هناك حركة علمية جادة أخذت علوم اليونان وفلسفتهم وحكمتهم ومزجتها بعلوم الفرس والهند ، وقامت بالبناء عليها ، ووصلت الى أعتاب العلم التجريبى فى العصر العباسى ، وكان من أعمدتها الكندى وجابر بن حيان والرازى الطبيب و البيرونى والفارابى وابن سينا والخوارزمى و ابن الهيثم ...وأسماء كثيرة لا تزال منيرة فى السجل العلمى فى تاريخ الحضارة الانسانية . فى مقابلهم وقف أئمة الهجص ، وانتصروا عليهم لأنهم كانوا يخترعون الهجص ثم يجعلونه دينا ، ينسبونه للنبى ولرب العزة فيما يُعرف بالحديث النبوى والحديث القدسى ، بينما لم يفعل ذلك أولئك العلماء الحقيقيون . إنتصر أرباب الهجص ، وتعرض آخر فيلسوف طبيب للإضطهاد وحرق مؤلفاته ، وهو القاضى ابن رشد ، وأصبحت الساحة خالية لهم ولهجصهم ، فتوسعوا فى نسبة الهجص للأنبياء والأولياء ، وتنوع الهجص تحت عناوين مختلفة من التفسير والحديث والفقه والتشريع الى كرامات الأولياء ومعجزات آل البيت ، وتطور الهجص فلم يقتصر على إنتهاك الغيب الالهى بروايات عن الماضى وروايات عن المستقبل وما سيحدث غدا وفى علامات الساعة وفى اليوم الآخر ( كاساطير الشفاعة ) بل أصبح الهجص يُفتى فى الطب وفى العلم . وبالتالى فقد أصبح من ينكرها كافرا لأن هذا الهجص الطبى أصبح دينا . وحتى الآن فإن أئمة الهجص الوهابيين يحكمون بكفر من يقول بكروية الأرض ، ويحكمون بكفر من ينكر التداوى بشرب بول الابل .
3 ـ والمحمديون الآن يحملون هذا الهجص فى قلوبهم وعلى ظهورهم يواجهون به العالم المتحضر الذى تتطور مخترعاته وتتقدم إنجازاته كل دقيقة .
4 ـ وقلناها من ثلاثين عاما : إن العالم المتقدم يتنافس فى إنشاء مستعمرات على سطح القمر ، ولو نجحوا فسيشب خلاف بين أئمة الفقه حول حكم الاستنجاء .. فوق سطح القمر ..!!
5 ـ ألا لعنة الله على الهجص والهجاصين ..!!
رجاء :
نحن نقوم بأبحاث نرجو أن يتابعنا فيها الأحبة من علماء التنوير الاسلامى . أتمنى أن يقوموا ببحث مختلف الهجص السنى والشيعى والصوفى ومناقشته فى ضوء الهدى القرآنى .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5118 |
اجمالي القراءات | : | 56,903,594 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
تدبر آيات 32 : 34 من سورة الشورى
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
قتل الأسرى: اقدر مجهود ات حضرتك جدا واعتز ر اني فوت من...
ضاع التعليم .!!!: تم نقلي لمدرس ة نائيه ، وجدت ان معظم الطلا ب ...
شكل الصلاة : هل الصلا ة على الشكل المتع ارف عليه...
انا من بنغلاديش: • انا من بنغلا ديش. انا في مشكله في ان...
التشيع والشيعة : سلام عليكم استاذ نا الكري م دكتور احمد صبحي...
more