آحمد صبحي منصور Ýí 2016-08-22
مقدمة :
1 ـ عرفت الجوارى فى العصر العباسى فنون الثقافة ( الجنسية )، وهذه الثقافة الجنسية أنهت إسطورة الحب الأفلوطونى أو الحب العذرى ، الذى كان فى العصر الأموى حيث كان الولع بقصص وشعر مجنون ليلى( قيس وليلى ) و ( كثير عزة )و ( جميل وبثينة ). وكان الشعر الأموى عفيفا فى أكثره ـ حتى شعر الفرزدق . غاية ما يقوله أحدهم هو التعزل فى العيون ، مثل جرير الخطفى القائل :
أن العيون التى فى طرفها حور قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا .
فى العصر العباسى ظهر الأدب المكشوف الذى لا يتورع عن كتابته ( ليبراليون ) معتزلة كالجاحظ ، وفقهاء مؤرخون وُعّاظ حنابلة مثل ابن الجوزى .
وفى هذا المناخ الماجن الصريح إشتهر أبو نواس ، وفيه قالت إحدى الجوارى تعبر عن وجهة نظر العصر فى الحب :
ما الحب إلا تقبيل وضمُّ وجرُّ بالبطون على البطون
ورهز تهمل العينان منه وأخذ بالمناكب والقرون
( الرهز : هو حركة الرجل فى الجماع الجنسى ) . هذا أصدق شعر فى وصف الشبق الجنسى عند الممارسة الجنسية تعبر عنه أُنثى خبيرة مُدمنة . بدأت بأسلوب القصر ( ما الحب إلا .. ) أى لا تعترف سوى بالجنس فى موضوع الحب ، ما عدا ذلك لا ينتمى للحب فى نظرها ، ثم هذا الوصف الحركى للتشابك الجنسى بين الذكر والأنثى ، ثم تأثيره على الأنثى بالبكاء المتفجع . وحتى لم تقل ( تدمع العينان ) بل قالت ( تهمل ) أى تتفجر الدموع من عينيها شبقا ولوعة.!!
2 ـ فى هذا العصر برزت (قبيحة ) جارية الخليفة المتوكل . بلغ من جمالها أن أطلقوا عليها لقب (قبيحة ) لم يجدوا تعبيرا عن جمالها سوى ما يسمى بالوصف بالأضداد ، وبهذا الجمال إستولت على قلب الخليفة المتوكل متفوقة على ثلاثة آلاف جارية كل منهن دخلت فراش المتوكل ، وإستباحها المتوكل ، ومع ذلك فلم تستطع واحدة منهم مسح ( قبيحة ) من قلب المتوكل وذاكرته ، فظل متيما بها . هذا يدل على أن قبيحة كانت ــ الى جانب جمالها وفتنتها وجاذبيها ـ أستاذة فى فنون الفراش . بهذا تفوقت على غيرها من جوارى الفراش ، وبهذا وصلت الى موقع السيطرة السياسية فى حياة المتوكل ، وأوصلت ابنها الى الخلافة وسيطرت عليه . وكان لا يضارع جمالها الأخاذ إلا حبها للمال ، ومن هنا جاءت محنتها وسقوطها .
ونعطى بعض التفصيل :
1 ـ كانت قبيحة أجمل جوارى الخليفة المتوكل العباسى ، كان المتوكل مشغوفا بها لا يطيق الابتعاد عنها، وقد ارتفعت مكانتها لديه حين أنجبت له ابنه المعتز المشهور فى عصره بابن قبيحة .وكان المعتز فى صباه شديد النبوغ والذكاء مما جعل أباه المتوكل ــ وبتأثير قبيحة ــ يفكر فى تقديمه فى ولاية العهد على أخيه الأكبر ( المنتصر ) ، وساءت العلاقات بين المتوكل وابنه المنتصر ولى العهد ، وتآمر المنتصر مع القواد الأتراك وقتل أباه المتوكل حين كان يشرب الخمر مع وزيره ونديمه وصديقه الفتح بن خاقان . وبدأت سيوف الغلمان الأتراك بذلك تعرف طريقها إلى رقاب الخلافاء العباسيين ، فكان من ضحاياهم المنتصر نفسه، ثم المستعين ، ثم المعتز وأمه قبيحة.
2 ــ ولقد عاشت قبيحة أيام عزّها فى كنف المتوكل ، وتحكمت فى الخلافة العباسية حين تولاها ابنها المعتز. وأدّت سياستها الخرقاء إلى هلاك ابنها المعتز وإلى إذلالها فى أخريات حياتها. وما بين بدايتها ـ محظية للمتوكل ـ إلى نهايتها ـ وهى ذليلة تحت أقدام القواد الأتراك ـ شهدت قبيحة عظمة الخلافة العباسية فى عهد المتوكل ثم انحدار شأنها فى أخريات حياتها . وربما كانت قبيحة نفسها من عوامل هذا الإنحدار.
3 ــ وقد تحدث المؤرخون عن شغف المتوكل بقبيحة والحفلات الضخمة التى أقامها المتوكل حين أتم ابنه المعتز حفظ القرآن ، وقالوا أن المعتز تولى الخلافة سنة 251هجرية حين كان فى التاسعة عشرة من عمره ، وكان أصغر من ولى الخلافة ، وأول من ركب بحُلىّ الذهب وأكثر من وقع تحت السيطرة التامة لأمه قبيحة .
4 ـ استخدمت قبيحة نفوذها لدى القادة الأتراك فى عزل الخليفة المستعين ، ثم جعلتهم يقتلونه بعد أن عزلته من الخلافة ،ثم خططت لابنها كى يتخلص من منافسيه من أمراء البيت العباسى ، ثم تستغل الشقاق بين القادة الأتراك لتحكم سيطرتها عليهم . وكانت قد استحوذت على الأموال والجواهر وحفظتها فى أماكن سرية .
5 ـ وكان هناك تنافس بين الأتراك والجنود المغاربة والجنود الشراكسة ، واستغلت قبيحة هذا التنافس لصالحها ، وأثارت المغاربة على الأتراك ، فاتهم المغاربة الأتراك بقتل الخلفاء وعزلهم ، وحدثت فتن بين الفريقين ، وقتل الأتراك زعيمى الجند المغاربة .مما عزّز الشقاق والحقد بينهما .
6 ــ وجربت قبيحة أسلوبا آخر، فجعلت ابنها ( الخليفة المعتز ) يمسك يده عن دفع مرتبات الجنود ، وكانت تبلغ مليون دينار سنة 252هجرية ، أى ما يساوى دخل المملكة سنتين . وتحقق امل قبيحة لأن الجنود ثاروا على القائد ( وصيف ) زعيم القواد الأتراك وقتلوه سنة 253هجرية بسبب تأخر رواتبهم، واستراحت قبيحة وابنها من سطوة ( وصيف ) . وأعطى الخليفة المعتز مناصب ( وصيف ) إلى زميله ( بغا ) ليؤجج العداء بين (صالح بن وصيف ) و ( بغا ) .
7 ـ وتزايد نفوذ ( بغا ) القائد التركى ، فأرادت قبيحة أن تجرب نفس اللعبة مع ( بغا ) ، بان تمسك الرواتب عن الجند لتثيرهم عليه .ولكن ( بغا ) فهم اللعبة فهجم بأتباعه على أموال قبيحة وأحتملها على عشرين بغلة ، منتهزا فرصة ركوب الخليفة المعتز للنزهة . ولكن حرس الخليفة كان يترصد ( بغا ) وأوقعوه فى كمين وقتلوه ، وأمر الخليفة بإحراق جسده واعتقال بعض اتباعه سنة 254 هجرية.
8 ـ وبذلك لم يبق أمام المعتز وقبيحة إلا (صالح بن وصيف ) زعيم الجند الأتراك. وخططت قبيحة للقضاء على ( صالح بن وصيف )، فأرسلت تستدعى ( موسى بن بغا ) إلى بغداد ليحل محل أبيه ، وفى نفس الوقت اتفقت مع الوزير ( احمد بن اسرائيل )على ألا يعطى شيئا من الأموال إلى (صالح بن وصيف ) ليعجز عن دفع رواتب الجند فيثور عليه الجند ويقتلوه. وفطن ( صالح بن وصيف ) للخطة فدخل بقوة عسكرية على الخليفة والوزير ( أحمد بن إسرائيل ) ليجعل الجنود شهودا على منع الوزير والخليفة للمرتبات ، وحدثت مشادة بين الوزير وابن وصيف ، وتأكد الجند من سلامة موقف ( صالح بن وصيف ) فضربوا الوزير أمام الخليفة ، بينما انكمش الخليفة مذعورا وقد عجز عن حماية وزيره. ثم اعتقلوا الوزير وعذبوه مع رفيقيه حتى يرشدهم إلى الأموال المخبأة .
9 ـ وبدأ الصراع صريحا بين قبيحة و ( صالح بن وصيف ) وأرسلت قبيحة إلى ( ابن وصيف ) تأمره بإطلاق سراح الوزير ولكنه أهمل أمرها ، ونجح ( صالح بن وصيف ) فى جمع طوائف الجند حوله ، وأعلمهم أن قبيحة وابنها الخليفة يمنعان الأموال عنهم ، فأثارهم على الخليفة وأمه قبيحة .
10 ــ ولأن ( ابن وصيف ) يعلم أن الخليفة ( المعتز ) ابن قبيحة لا حول له ولا قوة ، وأن الخزائن السرية فى حوزة قبيحة ، فإنه أرسل وفدا من الجند إلى الخليفة يسأله فى صرف المرتبات ، فأرسل الخليفة إلى أمه قبيحة يطلب منها خمسين ألف دينار ، فقالت له ما عندى شئ . واستمهلته حتى يقدم عليها موسى بن بغا لتستعين به فى القضاء على صالح بن وصيف. لم تدرك قبيحة أن ابنها أصبح رهينة لدى قائد الجند الأتراك وزعيمهم ( صالح بن وصيف ) . برفض قبيحة صرف مرتبات الجند أسرع ابن وصيف فاعتقل الخليفة، قبل قدوم غريمه ( موسى بن بغا ) وقام الأتراك بتعذيب الخليفة المعتز ، ثم خلعوه وعينوا مكانه الخليفة المهتدى فى رجب 255هجرية وسارعت قبيحة بالاختفاء خلال سرداب يصل من حجرة نومها إلى الخارج. .
11 ـ وقام البحث عنها فى كل بغداد، وفى النهاية ظهرت قبيحة ووقعت فى يد غريمها صالح بن وصيف الذى عثر على كنوزها المخبأة وكانت بالملايين . وتعجب ( صالح بن وصيف ) وهو يرى تلال الدنانير من حرص قبيحة على الأموال الى درجة أن تضحى بابنها المعتز .
12 ـ ويبدو أن صالح بن وصيف قد اغتصب قبيحة وعذبها ثم نفاها إلى مكة ، فكانت تدعو عليه أمام الكعبة بأنه الذى إستباح الحرام منها ..! وظلت فيها إلى أن اعادها الخليفة المعتمد الى سامرا . وماتت سنة264هجرية .
المراجع :
تاريخ الطبرى :9/175 ،224 ،349 ،387 ،388 ،393 ،395 ،406 ،441 ،442 ،533 تاريخ المنتظم لابن الجوزى 12/251-:تاريخ ابن كثير 11/ 11 : 160).
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,882,458 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
حسن البنا وأحمد فتحى: بسم الله الرحم ن الرحي م الاخو ه ادارة موقع...
فرج فودة والأحاديث: اقرا كتاب فرج فودة رحمه الله كم كان شجاعا...
حديث هجص: كيف ينسب إلى النبي عليه السلا م حديث وأقضو...
المترفون والهلاك: انا شاب مسلم اسعى الى لمعرف ت ديني المعر فه ...
سماحة الاسلام: قرأت مقالك عن تحريم حضور صلاة الجمع ة فى...
more
ومن العبر والعظات التي يمكنك العثور عليها في سطور المقال وما بين السطور، نجد أكثر من مجرد احداث تاريخية ، ولكنها دراما مؤثرة .
الجمال بدون عقيدة سليمة وثقافة قويمة ليس بنعمة بلا هو نقمة ، على صاحبه او على صاحبته، ربما يؤدي هذا الجمال الى القبح الأخلاقي والروحاني والنفسي، !
وهذا ما حدث مع قبيحة جارية الخليفة المتوكل فقد عشقها لجمال جسدها ووقع اسيرا له ولم ببال بقبح روحها التي جعلت الخليفة يمتنع عن دفع مرتبات الجند مما جعلهم يثورون عليه. وكان ذلك سببا في قتله.
جمال قبيحة الجسدي وقبح روحها كانا سببا في مقتل ابنها المعتز، ودفع حياته ثمنا لجمال امه وقبح اخلاقها،.
كانت سببا في قتل بغا ووصيف، وهذا ما آثار حفيظة صالح بن وصيف لقتلها لمحاولتها تأليب جنوده بمنع مرتباتهم، مما اضطراره الى قتلها بعد الاستيلاء على الثروات المكدسة المخبأة في قصرها
وكانت متآمرة على قتل الكثير من امراء الخلافة، في العصر العباسي