آحمد صبحي منصور Ýí 2016-02-19
أولا : يأتى بمعنى ( صفح ) فى التعامل بين الناس :
1 ــ يقول جل وعلا للرسول محمد عليه السلام: ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) الأعراف - الآية 199). ( خذ العفو ) يعنى إتخذه طريقا فى الصفح عن الناس . وتكرر هذا المعنى فى قوله جل وعلا : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف )
2 ـ ويأتى معنى ( العفو ) مرادفا للصفح فى التعامل بين الناس كما فى قوله جل وعلا فى تعامل المؤمنين مع أهل الكتاب : (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُواوَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة – الآية 109 ) .
3 ـ وفى حالة الخصومات بين المؤمنين يكون العفو والصفح مستحبا .
فى موضوع حديث الإفك يقول جل وعلا : ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النور - الآية 22).
والطلاق من الموضوعات الحساسة التى ينشأ عنها إحنُّ وأحقاد ، لذا يكون العفو مستحبا ، ومثلا يقول جل وعلا عن حق الزوجة المطلقة قبل الدخول بها : ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (البقرة - الآية 237). هنا ربط للعفو بالتقوى ، فالعفو أقرب للتقوى . وهذا من روعة التشريع الاسلامى .
وإذا إعتدى عليك أحد وأساء اليك فلك أن ترد بمثلها قصاصا ، وهذا هو العدل . ولكن الاحسان بالعفو درجة أعلى من العدل ، ويكون أجر المحسن المتسامح على ربه جل وعلا ، يقول جل وعلا : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) الشورى )
4 ـ وللعفو مكان حتى فى موضع القرابة الشديدة ، أى بين الزوجين ، وبين الأبوين وأولادهما . قد يسرف الزوج فى حب زوجته فتتسلط عليه وتسيطر عليه وتدمر علاقتهما وتتحول مشاعر الحب الى كراهية وعداء. والحل هو العفو والصفح . وقد يقوم الأب بتدليل أبنائه فيفسدون ويصبحون أعداء لأبيهم ، وهنا يكون الحل فى العفو والصفح ، يقول جل وعلا محذرا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) التغابن )
ثانيا : العفو بمعنى الصفح فى تعامل رب العزة مع البشر فى الدنيا :
لا بد من التذكير بأن الله جل وعلا يعاقب ويعذّب المُسىء فى الدنيا ، ثم إذا مات بلا توبة فهو خالد فى جهنم . إذا تاب فى حياته توبة مقبولة فإن الله جل وعلا يغفر له يوم الحساب . فالغفران ليس فى هذه الدنيا ، بل هو يوم الحساب. وعليه فإن ( العفو ) الالهى فى الدنيا بمعنى ( الصفح ) عن ذنب وقع وليس الغفران فى الآخرة ، وبالصفح الالهى عن هذا المذنب لا يتم عقابه فى الدنيا . ونعطى أمثلة :
1 ـ إتخذ بنو اسرائيل العجل ، وعفا رب العزة عنهم فلم يعذبهم بهذا فى الدنيا ، يقول جل وعلا : ( ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ ) النساء - الآية 153) (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(البقرة - الآية 52 ).
2 ـ ومن المصائب ما هو عقوبات الالهية ، أى تترتب على ذنب يقع فيه الانسان ، وقد يتوب الفرد فيعفو عنه ربه جل وعلا فلا تقع عليه عقوبة المصيبة . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى - الآية 30)
3 ـ وعن عصيان بعض المؤمنين فى موقعة (أُحُد ) وعفو رب العزة عنهم يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران 152 )(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) آل عمران 155 )
4 ـ وينزل التشريع بعفو عن مآخذ سابقة . يقول جل وعلا لأهل الكتاب عن القرآن الكريم : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ) المائدة - الآية 15).
وكان الصيام المتوارث من ملة ابراهيم يعنى بدء الصيام من بعد صلاة العشاء الى مغرب اليوم التالى ، فكان الوقت المُتاح للإفطار ( من المغرب للعشاء ) لا يكفى الطعام والممارسة الجنسية مع الزوجة ، لذا كان يحدث اللقاء الجنسى ليلا عصيانا للصيام ، فنزل التخفيف بجعل الافطار من المغرب الى الفجر ، وهذا مع عفو عمّا كان يحدث ، يقول جل وعلا : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) البقرة 187 ).
ونفس الحال فى قتل الصيد فى المسجد الحرام . نزل العفو عما سلف ، مع التهديد بعقاب من يعود لانتهاك حُرمة المسجد الحرام ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) المائدة 95 ).
وعن التسرع بطرح أسئلة وتكرار الأسئلة للنبى عليه السلام فيما لاحاجة إليه يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) المائدة 101 ).
وتسرع النبى محمد عليه السلام بالإذن للمنافقين الرافضين للخروج للدفاع عن المدينة ، فقال له رب جل وعلا : ( عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة )
ثالثا : العفو بمعنى الغفران فى الآخرة
1 ـ فى التيسير فى العبادات وفى رفع الحرج والمشقة نزلت تشريعات الافطار فى الصيام وقصر الصلاة ، ومنها تشريع الطهارة فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) ( النساء 43 ). ختم الآية بقوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) يفيد التيسير ، وهذا التيسير جاء صريحا فى الآية الأخرى فى نفس الموضوع : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة ) هنا ختم الآية الكريمة بالتيسير فى قوله جل وعلا : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).
2 ـ والعفو جاء مرتبطا بالغفران فى الآخرة فى قوله جل وعلا عن المستضعفين المضطهدين فى الدين العاجزين عن الهجرة من قريتهم الظالمة : ( فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ) (النساء - الآية 99)، وفى قوله جل وعلا عن من يعمل الخير والعافين عن الناس : ( إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء - الآية 149)، وفى قوله جل وعلا عمّن يرد عدوانا وقع عليه : ( ذَٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) الحج - الآية 60)، وفيمن يقع فى (الظهار ) أو تحريم زوجته عليه :( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ) المجادلة – الآية 2 ).
وفى كل الأحوال فإن رب العزة جل وعلا قال عن ذاته جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى - الآية 25) وقال جل وعلا عن المتقين الذين سيغفر لهم يوم القيامة : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران ). فالعفو عن الناس من ضمن صفات التقوى والاحسان . والله جل وعلا مع الذين إتقوا والذين هم محسنون : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)النحل )
رابعا : العفو بمعنى الزيادة :
1 ـ الزيادة ، أى الزائد فى الدخل أو ( الفاضل ) الذى يمكن الاستغناء عنه ، والذى يجب انفاقه فى سبيل الله جل وعلا ، أى فى الدعوة السلمية جهادا بالمال فى سبيل رب العزة ، يقول جل وعلا : (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) البقرة )
2 ـ الزيادة بمعنى العافية والقوة ، يقول جل وعلا عن الأمم السابقة وإختبارها بالنعمة والنقمة وبالمنحة والمحنة : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) الاعراف )، أى يختبرهم عند ارسال الرسل اليهم بالمصائب والأزمات لعلهم يرجعون تائبين الى الله جل وعلا فلا يتوبون ولا يتذكرون ، ثم يبتليهم ويصيبهم بابتلاء النعمة والقوة والعافية فلا يتعظون ، فيحل بهم العذاب بغتة وهم لاهون لا يشعرون .
غفران الله مرتبط بالعفو والصفح ..!
لا يستطيع احد ان يدخل الجنة إلا بغفران الله ومن منا بلا ذنوب ؟؟ فالكل يحتاج لغعران الله ..(وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61 النحل
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً (45) فاطر..
ثم جاءت آية سورة النور للتوضح الطريق الامثل لغفران الله للذنوب وهو في العفوا والصفح ..
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) النور - الآية 22).
ومن منا لا يحب ان يغعر له الله ..؟؟؟
لم تأت كلمة الجميل معرفة بالالف واللام إلا في موضغ واحد فقط في القرآن الكريم .. وجاء مرتبط بالصفح ..
يقول الله تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)الحجر
لابد للصفح ان يكون جميلاً اي بلا ندم حتى لا يحوله الشيطان من النقيض إلى النقيض ..
الاستاذ محمد شعلان احاول التفكير معك في تساؤلك بايراد هذه الخواطر وأقول إن حالة الشخص سواء كان قويا أو ضعيفاً .. سليم صحياً أو معتل ..غني أو فقير لا تمنع فضيلة الصفح والغفران ..
كل هذه الحالات هي نسبية .. فكم من اغنياء يحسون بالفقر والدونية .. وكم من فقراء برضاهم يصلون لدرجة الغنى النفسي .. لدرجة انك تحسبهم اغنياء من التعفف ..
وكم من اقوياء هم ضعفاء بلجوئهم للقوة والبطش .. وكم من ضعفاء كان ضعفهم مصدر قوتهم ..وكم من اصحاء يحسون بأنهم مرضى .. وكم من مرضى يتصرفون كالاصحاء .. وكم من ظالم يحس بأنه مظلوم .. وكم من جاني يحسب نفسه مجنيا عليه .. وكم من مجني عليه تحسبه جانياً ..
في ظل هذا البحر المتداخل والمتضارب الذي يعيش فيه ابناء آدم .. لابد من تفعيل قيم الصفح والغفران والعفو فهم السبيل الوحيد لعيشة راضية في الدنيا وغفران للذنوب في الآخرة ..!!
أشكر الأستاذ الفاضل / عبدالرحمن اسماعيل ، على هذه المداخلة الكريمة، وقد صدرت من أخ كريم لا يبخل بحوار بناء لإرساء قيم وهدْي القرءان العظيم.
ومن نوره تشفى الصدور وتتطهر من الغل والحقد والحسد والتسيد"الاستعباد"
ودمت بكل خير وعافية.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,055,434 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
تنقيح العهد القديم !: بعد قراءة مقالا تكم" حوار ال سي ان ان مع...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : من السيد ة ( أم محمد ) :...
صيام صحيح غير مقبول : لو التزم ت بكل شروط الصيا م هل صيام مقبول عند...
النبات والحيوان: قرآني ا : ما هو الفرق بين ( النبا ت ) في الأرض...
الطريق المستقيم: عزيزى الدكت ور احمد صبحى منصور ، بعد وافر...
more
دائما وساوس الشيطان، تأتي للإنسان. فعند المشاحنات والعداوات يكون هناك طرفين طرف أقوى من طرف ، يستقوي عليه ، وهنا تكون المعضلة الطرف الضعيف أو الذي يتوهم الضعف تحادثه نفسه بأمرين،إما أن يسلم بضعفه، وقلة حيلته، ويعلم أنه مستضعف، ويسلم بذلك، مدعياً أنه سامح في حقه وعفا!
وطرف يعفو وهو في موقف القوة، وغيره في موقف الضعف، وهناك حالة أخرى يكون فيها الطرفان المتشاحنان، متكافئي القوة والمعطيات،،
السؤال الآن التوقيت المناسب والصحيح للعغو، كيف نتعرف عليه، ونعلم أن بهذا العفو نكون قد تقربنا إلى الله تعالى، ؟
وسؤال أكثر أهميةً: هل الشعوب المستضفة من حكامها ومن الظالمين لأهلها من أهلها، من حقها أن تعفو وهى في موقف الضعف والعبودبة؟
أم لابد من القصاص ومجاهدة الظالمين حتى يسقطوا وبعدها يكون العفو!
وافر الحب والعرفان لكم ودمتم بكل صحة وعافية.