آحمد صبحي منصور Ýí 2015-11-30
أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المكى
معنى الإلتفات :
1 ــ عند النحويين ينقسم ( الضمير ) الى بارز ومستتر والبارز ينقسم الى متصل ومنفصل . ومن حيث الخطاب تنقسم الضمائر كلها الى ثلاث نوعيات : ضمير المتكلم ( "أنا ": للمفرد المذكر والمؤنث ، " نحن " للجمع المذكر والمؤنث ) ثم ضمير المخاطب : ( "أنت" ( بفتح التاء ) للمفرد المذكر ، و " أنت " بكسر التاء للمفرد المؤنث ، "أنتما ": للمثنى مذكرا ومؤنثا ، "أنتم " للجمع المذكر ، " أنتن " للجمع المؤنث ) ثم ضمير الغائب ( "هو" للمفرد المذكر ، "هى " للمفرد المؤنث ، " هما " للمثنى مذكرا ومؤنثا ، "هم" للجمع المذكر ، "هُنّ" للجمع المؤنث ). فى ( علم البلاغة العربية ) توجد الدرجات الثلاث فى الخطاب : المتكلم والمخاطب والغائب ، ولكنها لا تقتصر على الضمائر السابقة بل تشمل ( الظاهر ) وهو ما يقابل ( الضمير ) أى الكلام العادى ، كقولك ( محمد كان هنا ) فإسم ( محمد ) هنا غائب حسب المفهوم من السياق ، ويساوى ( هو كان هنا ) .
2 ــ حين ينتقل الخطاب من المتكلم الى المخاطب أو الى الغائب ـ مثلا ـ يقال هنا ( إلتفات ) أى إلتفت من المتكلم الى الغائب .أو من المخاطب الى الغائب والعكس ، ومن المتكلم الى الغائب والعكس ..الخ . وهذا هو معنى الالتفات فى علم البلاغة العربية.
3 ـ اسلوب ( الإلتفات ) فى القرآن الكريم يختلف عنه فى التراث العربى والبلاغة العربية ، مثلا :
3 / 1 : كلمة ( هو ) عندهم تفيد الغائب مطلقا . ولكن كلمة ( هو ) وإن كانت تفيد الغيبة بالنسبة للبشر فهى تفيد تأكيد الحضور لرب العزة ، يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)المجادلة )، ( يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) ) النساء ). والتفاصيل فى القاموس القرآنى عن كلمة ( هو ) .
3 / 2 ـ إن اسلوب الالتفات فى القرآن يعلو ويسمو فى روعته عن أساليب الالتفات فى التراث العربى ( الأدبى ) ، ليس فقط لأنه بالغ التعقيد والتركيب ولكن أيضا لأنه ميسر للذكر ، أى يجمع بين العمق والبساطة . وهذه ناحية تستحق بحثا مستقلا ،لا محل له الآن .
3 / 3 ــ ونعطى مثالا بالفاتحة : فالآيات الأربع الأولى :( بسماللهالرحمنالرحيم (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) لا يُقال عنها إنها تتحدث عن غائب بل عن أسماء رب العزة الحسنى ، وبعدها إنتقال أو إلتفات الى المُخاطب وهو رب العزة : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)) ولكن الالتفات هنا مركب ، لأنه يحوى فى داخله المخاطب والمتكلم معا : المخاطب وهو رب العزة ، نقول له ( إياك ) والمؤمنون المتكلمون هم الذين يقولون ( نعبد )و( نستعين ) ثم إنتقال أو إلتفات للحديث عن الغائب ( الغائبين ) : ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)).
3 / 4 : ومن روعة ما دعا به ابراهيم عليه السلام أنه بدأ بقوله عن ربه جل وعلا :( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)) الإلتفات المركب هنا أنه يتحدث عن نفسه وعن ربه جل وعلا . ثم قال عن نفسه باسلوب المتكلم : ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) لم يقل وإذا أمرضنى فهو يشفين ) ثم بعدها يتحدث عن رب العزة بنفس الالتفات المركب : ( وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) ثم بعدها يتحدث عن رب العزة داعيا بطريق غير مباشر:( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) ثم يدعو ربه جل وعلا صراحة ومخاطبا إياه عن نفسه ( نفس ابراهيم ) فى إلتفات مركب : ( رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) الشعراء )
4 ـ. ونكتفى بلمحة سريعة ومبسطة عن الالتفات فى التنزيل المكى تبعا لأغراضه وموضوعاته :
أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص الدعوة الى ( لا إله إلا الله ):
1 ـ فى أول سورة مكية ، نراها تبدأ بالمخاطب وهو الرسول محمد عليه السلام : ( اقْرَأْ ) وبعدها الحديث عن رب العزة ( بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ) ثم العودة للمخاطب مع الحديث عن رب العزة أيضا ( هنا إلتفات مركب ) : ( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ثم إلتفات الى الغائب وهو الانسان ، أى عن الانسان :( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)) ثم توجيه الخطاب للنبى / أى مخاطب : ( إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)) ثم إلتفات ( مركب ) للمخاطب وهو النبى : ( أَرَأَيْتَ) وعن الغائب : ( الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْداً إِذَا صَلَّى (10)) ويتكرر المخاطب ثم الغائب بنفس الطريقة : ( أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) ثم إلتفات ( مركب )الى المتكلم وهو رب العزة فى حديث عن الغائب ( كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَه (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)) ثم إلتفات ( مركب ) للمخاطب فى حديث عن الغائب : ( كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19))
2 ـ فى سورة الأعلى يبدا الخطاب للمخاطب : ( سَبِّحْ ) ثم الحديث عن رب العزة جل وعلا : (( اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)) ثم العودة للمُخاطب : ( سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (6) ثم العودة للحديث عن رب العزة : (إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) ثم المخاطب : (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى (9) ثم الغائب عن البشر ( سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)) ثم المخاطب من البشر : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) )
3 ـ وفى سورة البلد : يبدأ الخطاب بالمتكلم وهو رب العزة : ( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) ثم المخطاب وهو النبى عليه السلام : ( وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) ثم الغائب :( وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) ثم عن رب العزة جل وعلا الخالق ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ (4) ثم عن الغائب ( أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَداً (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) ) الى آخر السورة .
4 ـ فى سورة الليل : البداية برب العزة وآلائه : ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى (3)ثم المخاطب ( إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)ثم الغائب : ( فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)) ثم إلتفات الى المتكلم ، فيقول رب العزة عن ذاته : ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى (13)) ثم إلتفات من المتكلم الى المخاطب : ( فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14)) ثم الغائب : ( لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21))
5 ـ تبدأ سورة المُلك بالحديث عن رب العزة :( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) ثم الالتفات الى المخاطب : ( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) ثم العودة للحديث عن رب العزة : ( وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ) ثم الالتفات الى المخاطب (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك )
6 ـ تبدأ سورة الذاريات بالحديث عن الغائب ( الملائكة ) بصفاتها ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً (1) فَالْحَامِلاتِ وِقْراً (2) فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً (3) فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً (4)ثم إلتفات الى المخاطب : ( إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) ) ثم الغائب ( وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)) ثم المخاطب :( إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) ثم الغائب ( يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11) .. الى الآية (20) ثم إلتفات الى المخاطب :( وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23)). وفى نفس السورة حديث عن الغائب : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) ثم إلتفات ( مركب ) الى المخاطب فى إشارة للغائب : ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) الذراريات ).
7 : تبدأ سورة الأنعام بحمد رب العزة : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) ثم الالتفات الى الغائب ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)) ثم إلتفات الى المخاطب ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ) ( ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2))، ثم العودة للحديث عن رب العزة ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِوَفِي الأَرْضِ ) ثم إلتفات الى المخاطب :( يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)) وهناك أمثلة كثيرة للإلتفات فى سورة الأنعام نكتفى منها بهذا المثال الهام عن الأحاديث الضالة الشيطانية التى يخترعها ويروجها أعداء النبى من شياطين الانس والجن : البداية إلتفات مركب بالمتكلم فى إشارة للغائب : المتكلم هنا قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا ) الغائب هم الأنبياء وأعداؤهم والأتباع الذين يصغون اليهم ويرتضون تلك الأحاديث الضالة :( لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) بعدها الالتفات من الغائب الى المتكلم ، وهو هنا ليس رب العزة بل النبى وكل مؤمن بالقرآن الكريم: ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً ) هنا كلمة ( قل ) محذوفة ومفهومة ضمنا من السياق ، بمعنى ( قل أفغير الله أبتغى حكما ) . وهنا أيضا إلتفات مركب لأنه متكلم يشير الى رب العزة : المتكلم فى كلمة ( أبتغى ) مع الاشارة الى رب العزة بأنه الذى أنزل الكتاب مفصلا ، ثم يزداد التركيب فى الالتفات بإضافة (غائب ) وهم أهل الكتاب : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ثم إلتفات الى المخاطب ( فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) بعدها الحديث عن رب العزة الذى تمت كلمته صدقا وعلا ، وهو إلتفات مركب لأنه داخله المخاطب ( كاف الخطاب فى ( ربك ) : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)ثم المخاطب فى ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) وهو إلتفات مركب لأنه يشير الآ أكثرية أهل الأرض المُضلة ، ثم حديث عن رب العزة فى إلتفات مركب بكلمة ( ربك ) : مع إشارة الى الضالين وهم (غائب ) ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117))
8 ـ نفس الحال فى الالتفات المركب فى قوله جل وعلا :( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )99) يونس )، بداية الآية حديث عن رب العزة يتضمن كاف الخطاب ( ربك ) وفى إشارة للغائب وهم البشر فى الأرض : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ).و تكملة الآية خطاب مباشر للنبى ينهاه عن الاكراه فى الدين ويتضمن إشارة للناس : ( ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ).
9 ـ ومن سورة الأعراف نتوقف مع قوله جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)) حديث عن آلاء رب العزة جل وعلا ، وفيه إلتفات مركب للمخاطب بكلمة ( ربكم ). الآية التالية: ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) خطاب ( مخاطب ) مع الاشارة الى رب العزة الذى لا يحب المعتدين. ثم ( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) أوامر ونواهى للمخاطب مع إشارة الى رحمة رب العالمين . ثم :( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) الاعراف). عن رحمته جل وعلا وآلائه ثم ختم الآية بإلتفات للمخاطب من البشر يُذكرهم بأن البعث للبشر شبيه بما يحدث للنبات .
أمثلة لاسلوب الالتفات فى السور المكية فيما يخص القصص القرآنى
1 ـ فى سورة الفجر : يأتى الكلام للمخاطب ثم عن الغائب : ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)) (أَلَمْ تَرَ ) للمخاطب ، ثم ما بعدها عن الغائب: ( كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)) ثم حديث عن رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) ) ثم عن الغائب : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ثم للمخاطب ( كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً (20))
2 ـ فى التعليق على بعض الأحداث التاريخية فى سورة ( عبس ) بدأت السورة بخطاب الغائب (عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2)) ثم كان الالتفات المركب من الغائب الى المخاطب وهو النبى ( فى إشارة للغائب ) فى الايات التالية : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10))
3 ــ عن سخرية القرشيين الكفار بالنبى يأتى هذا التعليق الإلهى فى التنزيل المكى: ( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (8) الفرقان )هنا كلام عن الغائب ( الغائبين . يتلوه كلام للمخاطب وهو النبى عليه السلام ( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً (10) ثم عودة الى الغائب ( بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (11) الفرقان ) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,058,981 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
المحرمات بالرضاع: إمرأة بأولا دها أرضعت طفلا وبعد وفاة زوجها...
سؤالان : السؤا ل الأول من الاست اذة ام محمد : ما معنى (...
ثلاثة أسئلة: السؤ ال الأول : فى آية الكرس ى ( وَسِع َ ...
سبقت الاجابات: سلام علی ;کم یا دکتر احمد صبحي منصور انا...
المحصنات: أريد معرفة كيفية \"التو فيق\" بين الآيت ين ...
more
الحقيقة بنحاول نلتهم من علم حضرتك رغم دسامته وغزارته
ربنا يديك الصحه وخير الجزاء يارب