كتاب : أثر التصوف   المعمارى والثقافى والاجتماعى فى مصر المملوكية

الفصل الأول : أثر التصوف في ازدهار العمارة الدينية والتعمير

نبــذة عن المؤسسات الصوفية في العصر المملوكي : الأضرحة والأضرحة المزورة

     المساجد والجوامع

1ـ  صارت ممثلة للتصوف في العصر المملوكي ، وبازدهار التصوف في العصر المملوكي كثرت الرغبة في بناء الجوامع في الدولة البرجية حتى بلغت مائة وثلاثين جامعاً تُقام فيها الجمعة ـ كان منها بمصر العتيقة عشرة وبالقرافة أحد عشر وبجزيرة الروضة خمسة وبالحسينية اثنا عشر وعلى النيل خارج القاهرة أربعون وبين القاهرة ومصر ثلاثة وعشرون وبالقلعة أربعة وخارج القاهرة سبعة بالترب  وداخل القاهرة سبعة عشر . وكان من بنى جامعا وقفه لله ووقف عليه الأوقاف [1].

2ـ وقد سعى المتصوفة لإقامة الجوامع؛ فالظاهر بيبرس يقيم جامعا بإشارة شيخه خضر[2] وتداعت أركان الجامع الحاكمي فجدده الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير وأوقف عليه إستجابة لطل شيخه نصر المنبجي[3] . وأمر السلطان محمد بن قايتباي ببناء جامع الفيوم وكان القائم في ذلك الشيخ الدشطوطي ،وأرسل صحبته جماعة من البنائين والمهندسين [4] ، ومن ناحية أخرى أقام المتصوفة مساجد بإشاعة الكرامات حولها أو بدعوى اكتشاف أثر قديم لولى أو نبي[5]   

3- وأقام بعض المتصوفة بأنفسهم جوامع . واشتهر في ذلك ابن الزاهد الذي أقام عدة مساجد بها خطبة بالقاهرة [6] ، وابن مصلح المنزلاوي الذي عمّر عدة جوامع في المنزلة والبحر الصغير[7] ، وعمّر الحريتي عدة جوامع في دمياط والمحلة وغيرها[8] . أما الدشطوطي فقد أقام عدة جوامع بمصر وقراها، وكان المتولي لعمائرته الشيخ جلال الدين البكري[9] . وأنشأ الغمري جامعاً بالقاهرة[10]وحول آخر مسجد إلى جامع بخطبة[11].

4ـ وكان المتصوفة يقيمون في الجامع كوسيلة للشهرة والاعتقاد، مثل زين الدين السطحي المقيم بسطح جامع الحاكم[12] وبيرم التركي المقيم في جامع الحاكمي[13] ،وكلاهما (من المعتقدين ) أى الأولياء الذين يعتقد فيهم الناس وقتها .  وعُرف مسجد قبالة بإقامة الفقراء[14] ، وسكن عمر البجائي بجامع الملك بالحسينية ثم انتقل إلى جامع محمود فنازعه أهل القرافة فرجع إلى قبة المارستان بخط بين القصرين[15] . وانقطع ابن الحداد في مسجده المعروف بالساحل[16] . واعتزل صوفي آخر أربعين عاماً في جامع[17] ، وأقام المعتقد رشيد التكروري بجامع راشد ، وهو آخر من سكنه من  الصوفية [18] . وسكن المقدسي بجامع المقدس[19]  فاكتسب اللقب ( المقدسى ) . وكان أحمد الوراق أحد المعتقدين عند العوام نزيلا في جامع الواسطي ببولاق[20] . وكان الاعتكاف أة الانقطاع فى جامع يجلب الشهرة بالصلاح وإعتقاد الناس فى بركة ذلك المنقطع فى الجامع أو المسجد ، وقد انقطع فقيه سنى شافعي في جامع فهرع الناس إليه معتقدين[21] ، وكان مسجد الحلبيين يعرف بالمشهد إلى أن انقطع فيه الشيخ الجعفري وقد أقام بهذا المسجد العارف عبد العزيز الحراني وقد توفي ودفن بمقصورة هذا المسجد[22].

5 ـ وقُرِر الصوفية موظفين متفرغين في الجوامع التي أنشأها المماليك وأتباعهم  ، فعلى سطح الجامع الناصري أقيم أربعون صوفياً مجردين بشيخ وجراية وخبز ولحم ومقصورة [23] ، وأنشأ برسباي جامعا ً أوقفه على الصوفية مع إمام وخطيب وقراء[24] ، وأقام قايتباي بتربته جامعاً وقرر به صوفية وشيخاً لحضور وظيفة التصوف وعددهم أربعون[25] . وأقام إبراهيم ابن عبد الغني جامعاً ببولاق جعل فيه شيخاً وصوفية[26] ، وفيها أنشأ الزين الاستادار جامعاً بتصوف وميعاد[27] . وقد يُقام الجامع لصوفية الخانقاه أو الرباط كجامع بشتاك الناصري تجاه خانقاه[28] ـ وجامع الرصد ـ بجوار رباط الأفرم ومسجد آخر بجوار الرباط الغربي[29]. 

أخيرا

بهذا تمت سيطرة التصوف على كل المؤسسات الدينية ، منها ما كان صوفيا محضا كالخوانق والزوايا والأربطة والأضرحة والقباب والترب والمشاهد ، ومنها ما كان ( علميا ) كالمدارس التى تحولت الى خوانق ، أو الخوانق التى كانت تقوم بدور المدارس . ثم إنتدت سيطرة التصوف الى المساجد و( المساجد الكبرى الجامعة : الجوامع ). ونتذكر أن الله جل وعلا يأمر أن تكون المساجد خالصة له وحده وينهى أن ندعو غيره فى مساجده ، بحيث لا يرتفع الأذان إلا باسمه ولا تقوم في المسجد الصلاة إلا بذكره . ولكن التصوف وأربابه أقاموا فى العصر المملوكى أكبر حركة تعمير للمؤسسات الدينية ، لا تزال باقية حتى الآن تمثل معظم الآثار ( الاسلامية ) فى القاهرة حتى اليوم ، مع أنها لا صلة لها بالاسلام . فكما أنه فى الاسلام يجب أن تكون المساجد لله جل وعلا وحده خالصة فإن أرباب التصوف جعلوا المساجد ـ وغيرها ـ خالصة للتصوف وأوليائه ومريديه وأنصاره من المماليك وأتباعهم ، وكانوا طبقا لدينهم ينشئونها بالمال السُّحت وبالسُّخرة والنهب والسرقة ، معتقدين أن أولياء التصوف سيشفعون لهم يوم القيامة . وقد ناقشنا ذلك فى كتبنا السابقة فى موسوعة التصوف المملوكى ، فلا جاجة للتكرار.

ولكن ــ وبكل أسف نقول ـ إنه وحتى الآن فلا يوجد مسجد خالص لله جل وعلا ، يرتفع فيه الأذان بذكر الله جل وعلا وحده ، ولا تعظيم فيه إلا لله جل وعلا وحده . فى كل مساجد المحمديين من سنة وشيعة وصوفية وأحمدية تتعدد الآلهة ، من محمد الى الخلفاء الراشدين عند السنة ، الى محمد وعلى وآل بيته عند الشيعة ، ثم الأولياء الصوفية عند الصوفية .

عار على المحمديين الذين يزعمن أنهم يؤمنون بالقرآن أن تخلو بلادهم من مسجد إسلامى حقيقى .

عار على المحمديين كفرهم بقول الله جل وعلا : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن )