آحمد صبحي منصور Ýí 2015-07-05
أولا
( *قبل أن يقتله الفلسطيني المهاجر سرحان بشارة سرحان كان السيناتور روبرت كنيدي ملء السمع والبصر في أمريكا ، كان قد ورث أسطورة أخيه الرئيس الراحل جون كيندي وقد رشحه الحزب الديموقراطي للرئاسة وكان على قيد خطوات من البيت الأبيض ،وحدث أن تأخر قليلاً عن أحد مؤتمراته الصحفية في حملته الانتخابية ـ وربما تعمد هذا التأخير ـ وسئل عن سبب تأخره فقال مبتسماً :شربت قهوة عربية وكنت أطهر فمي منها ،أي يقدم القرابيين المعتادة في عبادة الصهيونيه، وسئل عن الخطر الشيوعي الذي يتهدد أمريكا،وكانت الحرب الباردة على أشدها، وكان رده مفاجأة في منتصف الستينات،أخرج من جيبه قلماً جافاً جميل المنظر مصنوعاً في اليابان وقال: الخطر الحقيقي هنا، أي في المصنوعات اليابانية التي بدأت وقتها تنتشر على استحياء في الأسواق الأمريكية وتنبه لها روبرت كيندي، وبعدها انطلقت الرصاصات ومات السيناتور الأمريكي الشاب قبل أن يرى نبوءته وقد تحققت وقد سيطرت اليابان على أسواق متنوعة في أمريكا وانتقمت لنفسها من هزيمة الحرب العالمية الثانية وقنابل هيروشيما.
*إن اليابان تسيطر الآن على تجارة السيارات والتليفزيونات والفيديو في الأسواق الأمريكية وتسعى إلى المزيد وقد فهمت لعبة الحرب الاقتصادية وغزت بها أمريكا، وكانت السيارة الأمريكية التقليدية ضخمة فخمة تستهلك الكثير من الوقود، ومع ضخامتها الخارجية فهي في الأغلب ضيقة من الداخل، وهى على العموم باهظة التكاليف، ودخلت اليابان بتصميم جديد يلائم عصر أزمات الوقود ويلبي حاجة الأمريكى في أن تكون له أسرة وأن يخرج من عزلته إلى الاندماج مع الآخرين، وجاءت السيارة اليابانية تلبي هذا كله،فهى اقتصادية في الوقود وإن كانت أصغر من السيارة الأمريكية إلا أنها أوسع منها في الداخل وتتسع لأسرة بأكملها ثم هى تنساب في خفة ونعومة ومرونة في الشوارع الضيقة وازدحام المرور، وبذلك اكتسحت السيارة اليابانية أمريكا،وبنفس الدراسة والتخطيط اقتحموا ثم سيطروا على تخصصات دقيقة في عالم الكمبيوتر والاليكترونات والساعات والأجهزة المتطورة، وكان لهم جواسيسهم الذين ينقلون أحدث الاختراعات والتطورات ثم يزيدون فيها تطويراً وينتجون منها نمازج أرخص وأبسط ويحققون المعادلة الصعبة في إنتاج سلعة متقدمة جداً ورخيصة في متناول الفرد العادي.
* اعتبرتها اليابان حرباً حقيقية ترد فيها على أمريكا والحلفاء، وحشدت لهذه الحرب الجديدة كل قوتها البشرية والعقلية والتكتيكية، وانتبهت أمريكا في النهاية أمام الانتصارات اليابانية فبدأت تطالب بأن تستورد اليابان منها شيئاً يعوض ما تستنزفه اليابان من الدخل الأمريكي، واقترح الأمريكان أن يصدروا الأرز لليابان، ورفض اليابانيون استيراد الأرز بالذات لأن من العار عليهم أن يستوردوا طعامهم الرئيسي!! ، وطلبت أمريكا إنشاء شركات أمريكية داخل اليابان ورفضت اليابان لأن القانون الياباني يحرم ذلك. وفي النهاية وافق اليابانيون على استيراد اللحوم من أمريكا ولكن وفقاً للشروط اليابانية، فأسسوا مزارع للماشية داخل أمريكا وأرسلوا لها مديرين من اليابان يتعلموا طريقة رعاة البقر الأمريكان في كل شيء حتى في تناولهم الفاصوليا ، وبعد أن فهموا اللعبة بدأوا في شراء المزارع داخل أمريكا وأصبحوا ينتجون اللحوم ويصدرون منها لليابان ، وفي النهاية تعود الأرباح لليابان والشركات أمريكية في الظاهر يابانية في الواقع وأرباحها تعود لليابان بمباركة القانون الأمريكي نفسه ، وأمريكا لا تستطيع أن تفعل حيالها شيئاً ، فتلك هى قوانين السوق التي تدافع عنها ولا تستطيع التنكر لها مهما كسبت اليابان على حسابها. وهكذا انتصرت اليابان على أمريكا وانتقمت لنفسها..
*وإذا كانت أمريكا قد خسرت الحرب الاقتصادية ضد عدوها الياباني في الحرب العالمية الثانية، فإن أمريكا قد استطاعت أن تكسب الحرب الاقتصادية ضد حليفها السابق الاتحاد السوفيتي في نفس الحرب العالمية الثانية، إن الشيوعية كانت الرباط الوحيد الذي يضم الولايات والدول السوفيتية،وبعد سبعين عاماً من التطبيق الشيوعي القائم على العسف والدماء أثبتت النظرية الشيوعية فشلها في تحدي النظرية الرأسمالية، وبرغم الامكانات الهائلة للاتحاد السوفيتي فقد أصبح رغيف الخبز مشكلة، وبفشل الشيوعية إنهار الاتحاد السوفيتي من الداخل ؛ شنت عليها أمريكا حرباً اقتصادية، واستنزفت موارده في سباق مجنون للتسلح أعاقه عن توفير الحد الأدنى من الرفاهية للفرد ، ثم انتهى به إلى الانهيار الاقتصادي التام ثم إلى الانهيار السياسي تماماً بدون طلقة رصاص واحدة،وتنازلت الشعوب السوفيتية عن الكتل النووية المرعبة في نظير رغيف الخبز وقطعة زبد!!
* ولتتفادى أوربا الحرب الاقتصادية فيما بينها فقد أنشأت السوق الأوربية المشتركة وجعلتها بداية لقيام أوربا الموحدة، وحين تستكمل أوربا الموحدة وحدتها السياسية ستكون قوة اقتصادية تستطيع المواجهة ضد اليابان وأمريكا معاً. والمهم أن أوربا بدأت بالاقتصاد والوحدة الاقتصادية وجعلته الأساس في قيام وحدتها السياسية، وبدون أي شعارات وأغان وطنية.. وبقى علينا أن نتعلم..
*إن الأطماع الاقتصادية كانت السبب الأساسي في قيام الحروب . وقد نضج الفكر الإنساني في عصرنا بحيث تحولت الحروب بين الدول المتقدمة إلى تنافس اقتصادي يدور في الأسواق والبنوك والمزارع والمصانع.
وربما كان الانجليز أول من طبق الحرب الاقتصادية بمفهومها الحديث، فقد بدأ الأسبان كشوفهم الجغرافية واستنزف الأسبان ذهب المستعمرات وكدسته في أسبانيا، ولم يكن بمقدور الانجليز وقتها مواجهة الأسبان الذين عجزت قوتهم البشرية على إمداد القوة البشرية للإستعمار فى أمريكا وفى آسيا معا فى الخارج وفى نفس الوقت للإنتاج الزراعى والصناعى فى الداخل . إحتاجت أسبانيا الى إستيراد كل شىء بما لديهم من ذهب متكدس . ووجدوا الذكاء البريطانى فى إنتظارهم لإستنزاف الذهب الاسبانى ، وهى تسخير كل طاقتهم في إنتاج سلع للأسبان ، ونجحوا في استهواء الأسبان ليشتروا من عندهم، وبذلك انتقل ذهب الأسبان إلى انجلترا في مقابل بعض البضائع الانجليزية . ثم بدأ الأنجليز الخطوة التالية فأرسلوا قراصنة للاستيلاء على الذهب الأسباني وهو في البحر، ثم كانت الخطوة الأخيرة تحطيم الارمادا أو الأسطول الأسباني المخيف، وبعدها ورث الانجليز مستعمرات أسبانية وغيرها. والمهم أن انجلترا جعلت من الحرب الاقتصادية خطوة في مواجهتهم القتالية مع الأسبان .
أما في عصرنا الراهن فإن الحرب العالمية الآن أصبحت حرباً اقتصادية كاملة لها برامجها وخططها وجنرالاتها الجدد.
* وينبغي علينا ألا نكون بعيدين عن فهم الواقع الجديد الذي يجرى حولنا وداخل أرضنا. ولو تحدثنا عن خططنا الاقتصادية لوجدنا خليطاً من القوانين الشيوعية والرأسمالية وتدخلاً من الدولة في كل شيء لافساد كل شيء مع تحرك بطيء متثاقل نحو الاصلاح في عالم يتطور في كل دقيقة، وفي خضم تلك القوانين والقرارات المتشابكة والمتضاربة يعاني التحرك الاقتصادي من غباء الروتين وتلاعب المفسدين، فهل نستطيع أن نواجه الحرب الاقتصادية حولنا وفي داخلنا بهذا الاستعداد المترهل العاجز؟..
* لابد من وقفة حاسمة حازمة نبدأ فيها بتنقية الدستور والقوانين والقرارات من كل أثار الحكم الشيوعي والشمولي، وينحصر دور الدولة في إقامة العدل وتقديم الخدمات وجمع الضرائب بالعدل وفق ما تسير عليه الدولة الحديثة.
* حدث أن كنت في أمريكا عام 1988 ، ورأيت منسوجات رائعة قطنية من صنع بنجلاديش، وتحظى بالاقبال عليها من جانب الأمريكان وهم مجانين بالقطن الطبيعي ومنسوجاته . وإجراءات الاستيراد في أمريكا سهلة ميسورة . واقترح بعضهم أن يستورد منسوجات وجلاليب قطنية مصرية لصالح المتاجر الأمريكية رأساً، وطلب مني أن أتحري له الأمر، وفوجئت بتلال من اللوائح والمعوقات آثرت معها ألا أخبره بها حتى لا تسوأ نظرته لنا!!..
* إن الحرب أصبحت اقتصاية في "بلاد برة" ..
* متى نعرف ذلك في "بر مصر" ..! ).
أخيرا
1 ـ نشرت هذا المقال بتاريخ 27 ابريل عام 1992 فى جريدة الأحرار . من 23 عاما .!!
2 ـ خلال 23 عاما ظهرت الصين عملاقا إقتصاديا مُرعبا يقوم بإغراق العالم الغربى والشرقى والأفريقى والعربى بمنتجاته . أصبحت الصين والهند وبنجلاديش وغيرها من الدول الآسيوية تفتح أبوابها للمستثمرين الأمريكيين لينشئوا فيها مصانع متقدمة تكنولوجيا للسيارات والمنسوجات وللأجهزة الاليكترونية والاستهلاكية. المستثمرون الأمريكيون إستفادوا من إنخفاض سعر الخامات وإنخفاض سعر الطاقة وتوافر اليد العاملة الرخيصة فى تلك البلاد ، ثم يصدرون تلك السلع الى بلادهم أمريكا بأسعار أرخص ، تحمل العلامة التجارة للبلاد المنتجة فى آسيا ، وتحظى بالقبول الهائل داخل السوق الأمريكى فى أشهر المتاجر الأمريكية ( وول مارت ، ميسىز ، ك مارت ، وجى سى بينى ، بيست باى ..الخ ) ، ويفوز الرأسمالى الأمريكى ليس فقط لأنه أنتج سلعة رخيصة ويبيعها بأضعاف أضعاف تكلفتها ، ولكن أيضا يستفيد من الفارق الهائل بين سعر الدولار وسعر العملات الآسيوية فى بلد المنتج الأصلى .
وأثّر هذا سلبيا على المصانع الأمريكية التى تنفق اموالا باهظة بالدولار الأمريكى فى شراء الخامات الأمريكية والعمالة الأمريكية ، فأغلقت آلاف المصانع الأمريكية عجزا عن المنافسة ، وتضاعفت أعداد البطالة داخل أمريكا ، بل إن مدينة ديترويت فى ولاية ميتشيجان أكبر منتج للسيارات فى العالم صارت خرابا بعد إعلاق مصانعها بسبب عجزها عن المنافسة ، وبذل اوباما جهدا لإعادة تشغيل مصانعها ولإحيائها من جديد. قضية البطالة أهم القضايا التى دار حولها الجدل فى التنافس الرئاسى بين ميت رومنى واوباما فى سباق الرئاسة الأمريكية ( رومنى نفسه ديناصور رأسمالى بنشاطه الصناعى فى الصين ) ، ومنتظر أن تستحوذ هذه القضية على إهتمام أكبر فى سباق الرئاسة الأمريكية فى الأشهر القادمة .
3 ـ أما المحمديون فهم بأديانهم الأرضية مشغولون ، وبها يقتتلون، هى الصناعة الوحيدة التى فيها يتفوقون . وقد نجحوا نجاحا ساحقا فى تخريب مدن عريقة فى سوريا والعراق ، وهم يبذلون أقصى ما لديهم من جهد وما فى دينهم من جهاد لتدمير ما بقى من بشر ومن حجر . عجزوا عن البناء فاستسهلوا الهدم ، كرهوا التعمير فتخصصوا فى التدمير !.
4 ــ هذا هو الفارق بين ( الحرب فى بلاد برّه ) و( الحرب فى بلاد جُوّه ).!!
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,881,376 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
الشفيع رب العزة: هل الشفي ع من اسماء الله الحسن ي ؟ ...
ونريد الاستراك : نحن من عائلة مصرية ونريد الاشت راك ...
لا تهتم به .!: كنت اتناق ش مع زميل مسيحي في العمل فقال لي ان...
القرابين والنذور : هل القرب ان بمعنى النذر أم مختلف ان ؟...
النباتيون : انا اعتقد دعوة للنبا تیة دعوة الایج ابي ...
more
كيف يتطور في الصناعة من يؤمن بهكذا حديث؟
(حديث مرفوع) 503 قَالَ : وَأَخْبَرَنِي 503 قَالَ : وَأَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَلامٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ الْمُجَمِّرِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ : " إِنَّ أَكْذَبَ النَّاسِ الصُّنَّاعُ " .