ج1 ب1 ف 5 :مدخل عن المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-12-25


 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

 الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى           

المزيد مثل هذا المقال :

 الفصل الخامس :المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة.  

مدخل  عن المرحلة الثالثة للعقيدة الصوفية : رفض الإسلام صراحة

1 -أسهبنا القول في خصائص المرحلتين (الأولى والثانية) في تاريخ العقيدة الصوفية .. وقلنا أن العقيدة الصوفية بدأت (بنفاق الجنيد ) الذي حافظ على عقيدة التصوف من ضغط الفقهاء الذي كان في أبان قوته ، وانتهت تلك المرحلة – وقد ضعف الفقهاء – بعقد صلح أضحى به التصوف (سُنيا  ) على يد ( الغزالي ) وتحول الإنكار على التصوف إلى إنكار على أشخاص الصوفية المعاصرين ، وأسهم في هذا الإنكار الغزالي نفسه لحماية الطريق الصوفي ..

2 – ثم جاءت المرحلة الثانية قبيل العصر المملوكي على يد (ابن عربي ) الذي أعلن صراحة ما كان الغزالي يرمز به ، فأعلن عقيدة ( وحدة الوجود ) أو الوحدة الكاملة بين الله والعالم ، أو أنه ( لا موجود إلا الله ) أى نفى الألوهية تماما وحصرها فى المخلوقات .

3 – ثم عرضنا للعقيدة الدينية للعصر المملوكي وكيف أنها تبعت ابن عربي وسيطر عليها أتباعه ، ومع ذلك فالصراع بينهم وبين الفقهاء لم يهدأ ، بل ثار الفقهاء ثورتين في القرن الثامن بزعامة ابن تيمية ، وفي القرن التاسع بزعامة البقاعي .. وكل ما هدف إليه الفقهاء هو مجرد التمسك بما كان يعلنه الجنيد قبلاً وهو الالتزام بالكتاب والسنة ..( مع أن الجنيد كان يقول ذلك تقية وخوفاً من القتل ) ، ووضحنا كيف أجهض التصوف المسيطر على العصر حركتي الفقيهين .. ثم استسلم العصر المملوكي في نهايته للشعراني الذي سار على طريق الغزالي في توثيق أواصر القربى بين التصوف والسنة ، وبذلك خف الإنكار عليه بل عرف عصره منافقين من الفقهاء داهنوا التصوف لأنه الغالب ، بمثل ما فعل الجنيد سابقاً حين أبطن التصوف وأظهر الإسلام ..

4 – والمرحلة الثالثة بدأ بها بعض الصوفية بقصد التحلل الكامل من الإسلام شكلاً وموضوعاً واسما. وقد ظهرت هذه الحركة – أو المرحلة – في العصر المملوكي – العصر الذهبي للتصوف، إلا أنها – وقد حصرت همها في رفض الإسلام علناً  واستهزءوا به وبالأنبياء والقرآن ، وادعى بعضهم النبوة صراحة ، وادعى آخرون الألوهية ، ومارس بعضهم شرع التصوف علنا فى الزنا بالمحارم و الانحلال الخلقي ..

5- إلا أن هذه المرحلة لم يكتب لها الاستمرار ، كانت (هبّة ) تظهر وتختفى تزدهر ثم تندثر، وليست فترة زمنية محددة. صحيح أنها تطبيق لما أعلنه ابن عربى صراحة ، ولكن لا نجعلها مرحلة مستقلة بزمنها ووقتها ، وذلك لأكثر من سبب :

أ) ففي التاريخ العقائدي للتصوف لا تبدأ مرحلة بالإجهاز التام على سابقتها .. وإنما تبقى بعض ملامح الفترة السابقة وتكون الملامح الجديدة أوضح وأصرح، وذلك لأن العقيدة الصوفية قاسم مشترك في المراحل الثلاث . فالجنيد قال بوحدة الوجود وتابعه الغزالي ثم أعلنها ابن عربي فالذي اختلف بينهم هو الأسلوب ، والفارق هو في نفاق الجنيد والغزالي وصراحة ابن عربي .. وقد يأتي في المرحلة التالية ( مرحلة ابن عربي ) من يتمسك بأسلوب الجنيد والغزالي، ثم جاء الشعراني متأخرا فكرر مسيرة الغزالى والقشيرى وقال ( بوحدة الوجود ) مع تنزيهه  لابن عربي ودفاعه عن الطريق الصوفي. إلا أنه مع ذلك يبقى الصوت العالي لابن عربي وتلاميذه في مرحلته وبنفوذهم أخمدت حركات الفقهاء ..

ب) عايشت هذه المرحلة المؤقتة ( رفض الإسلام صراحة ) العصر المملوكي وهو عصر التصوف الاتحادي وأتباع ابن عربي .ومع أن أتباع المرحلة المؤقتة الجديدة كانوا صوفية تابعين لابن عربى واستفادوا بسيطرة التصوف وعقيدته إلا أنهم وجدوا الإنكار ليس من الفقهاء فقط ولكن من الصوفية العاديين أيضاً وبعض الحكام .ويرجع السبب في ذلك إلى الإنكار على أسلوبهم الذي يهدف إلى التحلل المطلق من الإسلام شكلاً وموضوعاً .. وذلك الأسلوب لا يقول به ابن عربي ورغم التعارض التام بين وحدة الوجود والإسلام .. فابن عربي حرص على الشكل الإسلامي وحاول أن يجد لعقيدته مسوّغا إسلاميا بتأويل آيات القرآن الكريم ، كما قال جل وعلا ( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  ) (7) آل عمران )( إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت ) بل إن ابن عربى  قام بتأويل أو ( تفسير ) القرآن ليوافق عقيدته ، وأكثر من الاستشهاد بالأحاديث الموضوعة لأنه رأى أن الأسلوب الأمثل لا يكون بإعلان رفض الإسلام صراحة ، وإنما باستخدام اسم الإسلام وهيكله لحماية العقيدة الصوفية وإلباسها الثوب الإسلامي ، وتذويب الفوارق بينهما بتأويل القرآن ووضع الأحاديث الباطلة، وليس غريباً بعد هذا أن يكون العصر المملوكي عصر الأحاديث الزائفة الذائعة الصيت والمتداولة حتى الآن .وهكذا رأى الصوفية في العصر المملوكي الخطر كله في أصحاب الحركة الصوفية الجديدة ، فاضطهدوهم مع الفقهاء كما فعل الشعراني حين طالب برءوس الاتحادية المعاصرين له حماية للطريق الصوفي ...

ج) إن المجتمع المملوكي ورث التصوف السنى الذى أرساه الغزالى ثم الناصر صلاح الدين الأيوبى ، وورث المماليك مُلك أسيادهم الأيوبيين وساروا على ( سُنّتهم ) فى تقرير ( التصوف السنى ) واستراح لفكرة المواءمة الشكلية السطحية بين التصوف والإسلام والتي قال بها الغزالي واستمرت بعده ليحافظ عليها ابن عربي مع صراحته في إعلان عقيدته . ومع دخول العصر المملوكي في مرحلة التقديس للأشياخ الصوفية وسيطرة التصوف على الحياة العلمية ضعف المستوى العلمي والعقلي وآمن الناس بإشارات الصوفية في ( التفسير ) وتخريجاتهم للأحاديث الموضوعة ، وصار معلوماً لديهم من الدين بالضرورة أن مبدأ التصوف قرين للإسلام أو هو ذروة الاسلام ، وأن السّنة هى الشريعة وأن التصوف هو الحقيقة ، وبثنائية ( العقيدة والشريعة ) سار العصر المملوكى ثم العثمانى ، كما سادت من قبل فى العصر العباسى الثانى ثنائية ( الكتاب والسُّنّة ) أما دين الاسلام الذى كان يعنى فى عصر النبوة ( القرآن ) فقط فقد إنتهى . وفى النهاية تسيدت عقيدة وحدة الوجود التى تنفى الالوهية عن رب العزة وتجعله ــ جل وعلا ــ هو المخلوقات فحسب ، ويستبيح بعضهم الخروج العلنى عن الاسلام ، وتلك خطوة لم يسمح بها العصر الذى أصبح يعتبر الخروج على ( إسم ) الإسلام خروجا على التصوف ، فلاقى أصحابنا اضطهاد الفريقين ( الصوفية والفقهاء ) حين حاولوا نبذ الإسلام صراحة ..

د) ثم إن ثورات الفقهاء وإنكارهم على أتباع ابن عربي ونحلته لم تنقطع ، رغم أنه لم يرفض الإسلام شكلاً واسماً ، حتى ظهر الشعراني في أواخر العصر يعيد سيرة الغزالي في اصطناع الاعتدال والهجوم على أوباش الصوفية . وطبيعي أن يتحرج الصوفية من ظهور الدعاة الجدد الرامين لنبذ الإسلام مطلقاً خوفاً من أن يتعرض التصوف من أساسه لإنكار الفقهاء المتحمسين ، ذلك أن الدعاة الجدد صوفية اتحاديون استفادوا بالحرية الدينية التي كفلها لهم المجتمع المملوكي الصوفي ، وقالوا بالشطحات مثلهم في ذلك مثل الصوفية الآخرين،  فبادر الصوفية للإنكار عليهم وإعلان البراءة منهم ليسحبوا البساط من تحت أقدام الفقهاء ..

6- وهكذا، بدأت هذه المرحلة الأخيرة للعقيدة الصوفية ( رفض الاسلام صراحة ) وانتهت في العصر المملوكي ، لا كمرحلة زمنية وإنما كمرحلة موضوعية منطقية في تاريخ العقيدة الصوفية لم يكتب لها الاستمرار، لأن الظروف التاريخية لم تكن صالحة لاستمرارها .وعلى ذلك يمكننا أن نعتبر العصر المملوكي – وهو العصر الذهبي للتصوف – قد حفل بجميع التيارات الصوفية المعبرة عن العقيدة الصوفية في مراحلها الثلاث : - (فالجنيد ) الذي نافق لينجو من الاضطهاد تابعه في العصر المملوكي أحمد الزاهد ولقبه ( جنيد القوم ..) و( الغزالي ) الذي وفق بين الإسلام والتصوف نهج طريقة ( الشعراني ) ..و (ابن عربي ) الذي صرح وأعلن عقيدته سار على طريقة كثيرون ( كالتلمساني والمنبجي واليافعي وزكريا الأنصاري ومحمد الصوفي ) ثم أشياخ الطرق الصوفية ( البدوي الشاذلي الدسوقي.. ) والمتحللون من الإسلام في العصر المملوكي أبرزهم الباجريقي والبققي وابن اللبان وآخرون. وكلهم قال بالشطح الصوفي رمزا كالجنيد والغزالى والشعرانى أو علنا كالحلاج والشبلى والبسطامى وابن عربى والتلمسانى والباجربقى والبققى . وفى العصر المملوكى استغلوا الحرية التي يقرها المجتمع للصوفي كي يتطاول من شاء على الله تعالى ودينه ورسله وأنبيائه ..لذا أصبح ( الشطح ) من طقوس التصوف لدى شيوخ التصوف العاديين ، وكان الوسيلة المُتاحة لمن يريد إعلان كفره أن يسبّ رب العزة كما يشاء ، وأن يهذى بما يريد ، وربما يجد من يدافع عنه ويؤول كلامه .

ونعطى بعض التفصيل : 

اجمالي القراءات 8675

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,875,722
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي