ق2 / ف2 جهيمان العتيبى واحتلال الحرم عام 1979 فى تقرير تاريخى

آحمد صبحي منصور Ýí 2014-09-17


كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثانى : المعارضة الوهابية فى عصر سعود وفصل وخالد

الفصل الثانى جهيمان العتيبى واحتلال الحرم المكى (10/11/1979 اول محرم سنة 1400 هـ )

 جهيمان العتيبى واحتلال الحرم عام 1979 فى تقرير تاريخى

من هو جهيمان العتيبي :

نشأ جهيمان العتيبي نشأة دينية بدوية في كنف والده حكيم ،اما جده فقد قتل في معركة السبلة ،وعمل جهيمان فترة طويلة في الحرس الوطني حوالي 18 عاما ،ثم استقال قبل حركته بستة اعوام ،وانتسب الي الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة ،أي انه جمع الثقافة الوهابية مع التدريب العسكري مع الانتماء للاخوان النجديين  والحقد علي من قتل جده .ولذا نراه يترك الدراسة في الجامعة كما ترك العمل في الحرس الوطني، وتفرغ للدعوة او للمعارضة القولية وساعده علي ذلك صلته بصديقه محمد بن عبد الله القحطاني  الرجل الثاني في عملية الاقتحام ،والذي قدمه جهيمان علي انه المهدي المنتظر .

وكان محمد بن عبد الله القحطاني طالبا يتعلم اصول الدين علي يد الشيخ عبد العزيز بن باز ،وقبلها كان يعمل في مستشفي الشميسي المركزي بالرياض ،واتهم في قضية سرقة وعوقب بالسجن لفترة قصيرة ،ثم خرج ليلتحق بالجامعة الاسلامية ويلتقي بجهيمان سنة 1979 ويتزوج جهيمان من اخت القحطاني ويجمع بينها وبين زوجته الاولي ابنه امير ساجر من ال محيا .ولفتت انشطة جهيمان نظر السلطات  فاعتقلته عدة مرات ولكن كانت تفرج عنه لعدم ثبوت ارتباطه بحركة او جماعة معينة ،وبسبب توسط بعض الشيوخ والعلماء من معارفه .[5] الي ان فوجئ به الجميع يقتحم الحرم المكي باتباعه في مطلع القرن الخامس عشر الهجري .

تقرير تاريخى موجز عن اقتحام جهيمان للحرم

قبيل اقتحام الحرم

1-    سبب اختيار الحرم مكانا لتلك العملية : يقال ان غرضهم الاساسى هو احراج الدولة السعودية واعطاء حركتهم بُعدا اعلاميا لا يمكن اخفاؤه عن العالم، فلقد تساءلت جريدة السفير اللبنانية عن سبب اختيار الحرم خصوصا وان هناك دلائل قوية تشير الى نية المقتحمين الى البقاء كثيرا فى الحرم مثل توفيرهم الغذاء وأهمه التمر ،مع الذخيرة والسلاح واصطحاب نسائهم واطفالهم معهم.

2-    مصدر الحصول على السلاح :فكان سهلا الحصول عليه من الداخل ، اذ هاجم المتمردون ثكنة تابعة للحرس الوطنى بالقرب من جدة ،وسرقوا منها اسلحة خفيفة ،بالاضافة الى التهريب من داخل الثكنات ومصانع الاسلحة الصغيرة ،ووفرة السلاح لدى افراد القبائل حيث لم تكن توجد قيود شديدة على امتلاك السلاح او نقله او تجارته .وحصلوا على السلاح من الخارج بالتهريب من سوريا والاردن والعراق،وكان ذلك السلاح من الاتحاد السوفيتى وتشيكوسلوفاكيا ،وقد اعتقلت السلطات السعودية خمسمائة رجل من مهربى الاسلحة بهذا الشأن .

3-   ترتيبات ما قبل الاقتحام :استطاع تنظيم جهيمان الحصول على خرائط هندسية للحرم ودراستها لمعرفة المواقع الاستراتيجية الهامة وترتيب خطط الدفاع عنها ،مع توفير الاقنعه لمواجهة قنابل الغاز المسيلة للدموع ،ثم وصلت مجموعات المقتحمين الى المسجد قبل اسابيع من التنفيذ ،واعدت مستودعات الاغذية والذخيرة التى كانت تهرب اليها بمختلف الوسائل ومنها توابيت الموتى، وعن طريق التوابيت تم نقل الاسلحة الى داخل الحرم بالاضافة الى السيارات .

4-   هل كان الاقتحام جزءا من عملية كبرى : اشارت الصحف وقتها الى انها جزء من انقلاب لم ينجح ، خصوصا وقد واكبها حوادث اخرى في مناطق متفرقة ، وردت السلطات السعودية عليها باجراءات شامله باغلاق المطارات وتعطيل الاتصالات وفرض حظر التجول فى عدة مدن ، واعتقال مئات من افراد الجماعة من الاحساء وتبوك والرياض والقصيم ومكة والمدينة وجدة والطائف ،واكتشفت الحكومة مخابىء عديدة للسلاح بالاضافة الى حدوث بعض الاشتباكات واعتراف الحكومة السعودية بوجود محاولة فاشلة للسيطرة على المسجد النبوى فى نفس اليوم 20111979.

5-   ملاحظات عامة: ويلاحظ ان اغلب المقتحمين كانوا من الجزيرة العربية ،الا ان بعضا منهم جاء من مصر وتونس وباكستان والسودان وايران واليمن وتركيا ، وثار الجدال حول الرجل الثانى فى الحركة ، وهومحمد القحطانى ، فقيل انه مصرى الجنسية كما ذكر والده لصحيفة السفير اللبنانية ، وشارك بعض النساءفى العملية .وهناك تضارب فى عدد المقتحمين ؛ يقال انهم 400 ،وتراوحت التقديرات فى الصحف التى تابعت الموضوع فيما بين 600 الى 4000شخص .وقد حصلت الحركة على دعم مالى عن طريق جمع المعونات من حصيلة بيع الكتب الدينية والتبرعات حتى ممن لا يعرف اهدافهم على اعتبار انهم مسلمون اتقياء.

وقائع الاقتحام :

قبيل انبلاج الفجر يوم(111400) هـ كانت اعداد كبيرة من السيارات تنزل ركابها فى الشارع المحيط بالمسجد الحرام ،واتجه مئات من الرجال والنساء والاطفال نحو البيت العتيق وهم يهتفون ( الله اكبر ) ودخلوا المسجد الذى كان ممتلئا بالمصلين والحجاج وسيطروا على ابواب الحرم واغلقوها ، ثم سيطروا على مكبرات الصوت واذاعة الحرم ،وفى ذلك الوقت انتهت صلاة الفجر فى المسجد تحت امامة الشيخ محمد بن شبل الامام الرسمى للصلاة فى المسجد الحرام.

بعدها خطب  قائد المقتحمين ،وهو جهيمان العتيبى فأعلن رفضه للحكم السعودى واتهمه بمخالفة الشرع وهاجم الاسرة المالكة والامراء ، واوضح اهداف جماعته وآفكارها ومآخذها على البيت السعودى .

ودار مجمل الخطاب حول ثلاثة محاور 1-الخروج على الدولة السعودية  2- قطع العلاقات مع الغرب وحكوماته والنصارى عموما   3- القضاء على الانحراف والفساد فى المجتمع والتشديد فى تطبيق الشريعة.

وفى ختام الخطاب قدم المتحدث (جهيمان )للمستمعين زميله محمد بن عبد الله القحطانى على انه المهدى المنتظر وامام المسلمين، موضحا انطباق صفات المهدى المنتظر عليه ،وطالب المصلين بالتعرف عليه ومبايعته ان شاءوا ،وقد بايعه جميع افراد الجماعه .

وبعدها تم توزيع الاسلحة التى كانت مخزونه فى قبو المسجد ،واتخذ المدافعون مواقعهم فى منارات الحرم ومآذنه المرتفعه ،واستعدوا لموقف السلطات السعودية التى وصلتها الانباء بعد ثلاث ساعات من العملية .

موقف السلطات السعودية

بادرت باتخاذ اجراءات سريعة وقائية مثل تجريد معظم وحدات الجيش والشرطة من الذخيرة ،وتشديد الحراسة على الوزارت والمنشئات الحكومية الهامة ،ووضع الجيش والحرس الوطنى فى حالة تأهب قصوى ، واوكلت الامن الداخلى الى الحرس الوطنى المعروف بولائه للأسرة السعودية ،وحاصرت بعض وحداته ثكنات الجيش ،وفرضت حظر التجول فى مكة والمدينة والطائف بالاضافة الى المنطقة الشرقية اثر انتفاضتها التى رافقت احداث الحرم ، وحدث استنفار اعلامى للتغطية على الحدث مع تشديد الرقابة على المطبوعات والبريد ،واغلاق المطارات والحدود ومنع السفارات السعودية فى الخارج من اعطاء اى تأشيرات دخول للمملكة ،ثم بعد اعادة فتح المطارات والحدود شددت السلطات فى تفتيش القادمين ، وطردت السلطات اعدادا ضخمة من الاجانب ،سواء من المسلمين او العرب خصوصا الباكستانيين والايرنيين ونقلتهم الى بلادهم فى 26 طائرة ، وتعطيل الدراسة فى الجامعة الاسلامية بالمدينة وكلية الشريعة فى مكة حيث كان من طلابها مشاركون فى عملية الاقتحام، وقطع الامير عبدالله بن عبد العزيز رئيس الحرس الوطنى وقتها عطلته فى المغرب وعاد سريعا الى البلاد ، اما الامير فهد ولى العهد وقتها- فقد كان فى تونس وظل فيها يتابع الاحداث، وتشددت السلطات فى التصريح للصحفيين ومراسلى الصحف الاجنبية بالدخول .وأصدر وزير الدفاع (سلطان بن عبد العزيز ) امرا بإغلاق مصانع السلاح والذخيرة ،وقامت السلطات بحركة اعتقالات واسعة فى المشتبه فيهم فى المدينة وجدة وساجر مسقط رأس جهيمان العتيبى ،وفى الاحساء والرياض ومكة وتبوك .

القرار بالاشتباك مع المقتحمين

اصدر وزير الداخلية ( نايف بن عبد العزيز ) البيان فى صبيحة اليوم التالى للعملية (21111979) فأشار الى ان السلطات اتخذت التدابير الكافية للسيطرة على الموقف بناء على فتوى العلماء جميعا لحماية ارواح المسلمين المتواجدين فى الحرم ،وبعد ان رفض المقتحمون عرض السلطات بالاستسلام بدأ العمل العسكرى ضدهم، ولم تكن فتوى العلماء التى اشار اليها بيان وزير الداخلية قد صدرت بعد .

فتوى العلماء:

وصدرت فتوى العلماء يوم 24111979 فى اليوم الخامس للعملية، ونشرتهاالصحف السعودية فى اليوم السادس ، الا انها صيغت على انها صدرت فى اليوم الاول ،وقد وقع عليها ثلاثون عالما ، إذ اجتمع الملك خالد بالعلماء المتواجدين فى الرياض بعد وقوع الحادث واعطاهم التصور الحكومى لما حدث ،ولما تكامل العلماء الى 30 اصدروا الفتوى وكتبوها بتاريخ اليوم الاول لعدم احراج الدولة السعودية التى بادرت بالاجراء العسكرى قبل اصدار الفتوى فعلا، وهكذا اصدرت الفتوى بتاريخ 24111979 ونشرت بتاريخ 25111979 على اساس انها حررت بتاريخ 20111979 وهذا هو نص الفتوي :

[بسم الله الرحمن الرحيم :الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبيه محمد وعلى آله وصحبه ،وبعد :ففى يوم الثلاثاء ،اليوم الاول من شهر محرم عام اربعمائة والف من الهجرة ،دعانا نحن الموقعين ادناه ،جلالة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود ،لدى جلالته فى مكتبه فى المعذر ،واخبرنا ان جماعة فى فجر هذا اليوم بعد صلاة الفجر مباشرة ،دخلوا فى المسجد الحرام مسلحين ،واغلقوا باب الحرم ،وجعلوا عليها حراسا مسلحين ،واعلنوا طلب البيعة لمن سموه المهدى ،وبدأوا مبايعته ،ومنعوا الناس من الخروج من الحرم ،وقاتلوا من منعهم ،وأطلقوا النار على من مانعهم ،وأطلقوا النار على اناس داخل المسجد وخارجه ،وقتلوا بعض رجال الدولة ،وأصابوا غيرهم ،وانهم لا يزالون يطلقون النار على المسجد والناس ،واستفتانا فى شأنهم ومن يعمل معهم ،فأفتينا ان الواجب دعوتهم الى الاسلام ،ووضع السلاح ،فإن فعلوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر فى امرهم شرعا، وإن امتنعوا وجب اتخاذ كافة الوسائل للقبض عليهم ولو ادى الى قتالهم ،وقتل من لم يحصل القبض عليه منهم ويستسلم الا بذلك ،لقول الله تعالى (ولا تقاتلوهم  عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ،فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين )ولقول النبى صلى الله عليه وسلم :( ومن آتاكم وامركم جميع يريد ان يفرق جماعتكم ويشق عصاكم فاضربوا عنقه)، رواه  مسلم .. والاحاديث والايات فى هذا المعنى كثيرة ،ونسأل الله تعالى ان يعلى كلمته وينصر دينه وان يخذل من اراد للاسلام والمسلمين بسوء ،وان يشغله بنفسه ، انه سميع مجيب ،وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم )

تعليق على الفتوى:

1ـ ــ ان الفتوى لم تكن من جميع العلماء كما اشار بيان وزاة الداخلية الاول وانما من 30 عالما فقط ،وهناك عشرات غيرهم لم يوقعوا على الفتوى، اما لانهم معارضون لآل سعود او لانهم معارضون لنص الفتوى او لان آل سعود لم يستدعوهم للتوقيع !! ويلاحظ ان جميع الموقعين يعملون ضمن مؤسسات تابعة للدولة ، رغم أن منهم عددا يتعاطف مع جماعة جهيمان ،الامر الذى كشف عنه فهد واخوه نايف .

2 ـ  ان الفتوى اصدرت على اساس ان المعلومات التى قدمها الملك خالد واخوته صحيحة اى كانت المعلومات من جهة الخصم . والجدير بالذكر ،ان مجموعة من المواطنين وجهت سؤالا الى عدد من العلماء الموقعين على الفتوى ، ولفتت انتباههم الى خطأ المعلومات التى استقوها من آل سعود ،والتى ثبت خطؤها .

3 ــ توضح صياغة الفتوى امرين :اولهما :_ان ضغطا حكوميا مورس بحق الموقعين ، وثانيهما :انها لم ترض آل سعود تماما ومما يدلل على ذلك حذر العلماء فى بعض الجوانب، منها :ان الفتوى نسبت كل المعلومات الى الملك خالد ، مما يعنى انه واخوته الامراء كانوا يريدون من العلماء ان يصدروا شيئا يؤيدهم ، أي  ان المعلومات التى قدمت كان هدفها ادانة الطرف المقابل بأية وسيلة ،وليس بهدف ابداء الرأى من اجل حل المشكلة .

4 -ان الفتوى لم تفتح الباب على مصراعيه امام آل سعود لاقتحام الحرم رغم ان الملك قال لهم ان الجماعة هم الذين بدأوا بالقتال ، بل لقد طالبوهم بالاستسلام بصورة تحفظ للحرم قدسيته ،بل وعرضوا علي الملك ان يقوموا بوساطه رفضها امامهم .. واشارت جريدة الوطن الكويتية فى اليوم الثالث للعملية أى قبل صدور الفتوى بيومين ان علماء الاسلام نصحوا بتجنب الدماء داخل الحرم المكى ،، وبالطبع كانت النصيحة موجهة الى اركان الحكم السعودى وليس الى داخل المحاصرين داخل الحرم .

5 ـ ويبدو أن آل سعود ضغطوا على العلماء لتبيان ان المعتصمين خارجون على الدين وانه يجوز قتالهم لأمرين  :الاول :لانهم بدأوا القتال داخل الحرم ،وثانيا : لانهم خارجون على طاعة ولى الامر ..واذا كان العلماء قد سلموا بالامر الاول على مضض ،وبناء على معلومات الملك ، فأنهم تحفظوا على تسميتهم بالخوارج ، لذا جاءوا بالحديث :( من جاءكم وامركم جميع يريد ان يفرق جماعتكم ،ويشق عصاكم ,فاضربوا عنقه ).

6 ــ اشارت الفتوى الى محاكمة افراد الجماعة شرعا فى حال استسلامهم ،حيث جاء قولهم (فان فعلوا قبل منهم وسجنوا حتى ينظر فى امرهم شرعا ).. وكان تأكيد العلماء على المحاكمة الشرعية امرا هاما ، فالعلماء يعلمون هوية الجماعة ،ويعلمون انها لا تقر المحاكم غير الشرعية التى تأخذ بها جميع اجهزة الدولة ،والتى تستند على قوانين وضعية ،لذا قالوا شرعا ، وفى هذا القول رغم قسوته ، شيء من التعاطف مع الاخوان ، رغم عدم اقرارهم واتفاقهم على الوسيلة التى يلزم بها الاصلاح، وكان يمكنهم ان يقولوا( محاكمتهم ) بدون الحاجة الى ذكر اللفظ (شرعا) التى تعنى ان هناك احكاما غير شرعية ،وان وزارة الداخلية يلزم عليها ان تتركهم للعلماء كي يحاكموهم وليس لها ان تقر الحكم الذى تريده ، وهو الاعدام لحامل السلاح فى وجه الدولة  .

وقائع المعركة:

في بدء القتال لم تقدر القوات السعودية جيدا قوة المقتحمين الذين استطاعوا افناء الفوج الاول من المهاجمين ،فعرفوا ان عددهم كبير وان خبراتهم القتالية جيدة ، لذا استدعيت الطائرات الهيلوكوبتر  بعد ظهر الاربعاء 21/11/79 لتشارك في العملية العسكرية مع الدبابات .

ويذكر ان بعض الجنود السعوديين رفضوا القتال ،وتم اعدام بعضهم في ارض المعركة ،وبسبب تفشي التردد خصوصا بين الحرس الوطني فقد خطب فيهم الامير سلطان ،ولم يغن ذلك شيئا ،فأحضروا بعض الوعاظ من مكة فلم يستجب لهم الجنود ،واصروا علي ان  يصدر الشيخ ابن باز فتوي بذلك ،وهو مالم يكن متوفرا في ذلك الوقت ،فعاد الامير سلطان يخطب فيهم ويمتدح شجاعتهم واخلاصهم واهمية ان يقاتلوا لكي يخلصوا البيت الحرام من الخوارج .واعلن عدد من الضباط الكبار تأييدهم له ،واصبح واضحا ان من يرفض القتال مصيره الي القتل او السجن ،ومع ذلك رفض بعضهم القتال ،ويقال ان بعضهم انضم الي المعسكر الاخر بحجة الحفاظ علي البيت الحرام ،وقدروا عددهم بألف جندي .واستمرت المعارك حتي استطاعت القوات السعودية اخيرا الانتصار علي المقتحمين (وتطهير الحرم وتهيئته للمصلين ) ، وهذا ما اعلنه وزير الداخلية السعودية اخيرا يوم (15/1/1400 ) ( 4/12/1979 ) اذ قال ( انه تم بعون الله وتوفيقه في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الموافق 15/4/1400 هـ تطهير قبو المسجد الحرام  من جميع افراد الطغمة الفاسدة الخارجة عن الدين الاسلامي ممن كانوا فيه ،حيث اسر بعضهم وقتل البعض الاخر ) . وتم اعدام 63 شخصا من بقايا المقتحمين في صباح يوم الاربعاء 9/1/1980 ،فكانت اكبر عمليات الاعدام في تاريخ البلاد حسبما تقول جريدة النهار .وتوالي بعدها اعدام الاخرين .[6]

نتائج الحركة  ودلالاتها السياسية:

1-   اتبعت الدولة السعودية سياسة مزدوجة لارضاء المتدينين الوهابيين والعلمانيين المدنيين ،وهي التركيز في الخطاب الديني الرسمي علي ان الاسلام دين التوسط والاعتدال وإسلامية ال سعود  وان عصيانهم غير مسموح به طالما يطبقون الشريعة ،وعلي هامش هذا الخطاب بدأ انتقاد التشدد والتعصب ،وفي نفس الوقت فرضت الدولة بعض القيود علي عمل المرأة وعلي الاجانب لكي يراعوا تقاليد المجتمع ،واغلقت نوادي الفيديو .ولتهدئة العلمانيين وعدت الدولة بتقديم دستور وتشكيل مجلس شوري ،وامر الملك خالد في 18/3/1980 بتشكيل لجنة يرأسها الامير نايف وزير الداخلية لاستكمال اعداد مشروع الدستور واعداد برنامج الشوري ، واتيح المجال للصحف كي تكتب في الموضوع وتوضح انه ميراث اسلامي ،ومع ان فيصل ذكر الدستور والشوري في برنامجه الاصلاحي ذي النقاط العشر ،الا انه لم يحقق ذلك .[7]

2-من ناحية اخري فبرغم الود المفقود بين جهيمان والشيعة ،الا ان الشيعة في المنطقة الشرقية قاموا بانتفاضة سياسية في نفس التوقيت مع جهيمان ،واشترك في هذه الانتفاضة اربعمائة الف شيعي بعد خمول سياسي استمر طويلا ،وسقط في هذه الانتفاضة عشرون قتيلا ، واعتقل المئات .وقد اندلعت الانتفاضة في الاحتفال الشيعي بعاشوراء الذي وافق 27 نوفمبر ،وكان سهلا في مثل هذا التجمع وفي تلك الظروف ان تتحول مسيرة عاشوراء الي مظاهرة سياسية ، وهذا ما حدث ،وتدفق عشرون الف جندي لفض المظاهرات ،الا ان المسيرات الشيعية استمرت طيلة الشهرين التاليين ..[8]

3- علي ان الدلالة الكبري لمأساة الحرم تتجلي في مشكلة الوهابية السلفية التى تتيح الفرصة للمزايدة السياسية والدينية ، وتعطى من يشاء التكلم باسم الشرع والخروج على الحاكم الوهابى . وواضح أن الدولة السعودية تحتاج الى إجتهاد دينى يخرج عن نطاق الوهابية ويستشرف القيم الاسلامية العليا ، وإلا ستكون تلك الدولة ضحية متجددة لوهابيتها . ولكن التمسك بالوهابية وتحريم وتجريم نقاشها ونقدها وإعتبارها الصورة الصحيحة الوحيدة للإسلام يعني اتاحة الفرصة للخروج علي الدولة من داخل ايدولوجيتها الدينية الوهابية ، كما حدث من قبل فى عهد عبد العزيز  .

اجمالي القراءات 12786

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5123
اجمالي القراءات : 57,055,987
تعليقات له : 5,452
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي