آحمد صبحي منصور Ýí 2014-06-21
كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز
الفصل الثالث : التكوين الأيديولوجي للإخوان أساس المعارضة السعودية في عهد عبد العزيز
أثر ثقافة الوهابية والمعادلة الصفرية : القتل ونفى الآخر
أولا : فى الخلافات السياسية
( أ ) شهادة مؤرخ معاصر للاخوان فى التفريق بين البدو والاخوان النجديين الوهابيين :
1 ـ يقول حافظ وهبة عن البدو وحالهم بعد ان تشربوا الايدولوجية الوهابية واصبحوا اخوانا (لقد عرفت البدو في حروبهم وفي حياتهم البدوية ،وعرفتهم بعد ما سكنوا الهجر ، وعرفت كثيرا من قاداتهم في جاهليتهم –أي قبل الدخول في الوهابية –واسلامهم –أي بعد دخولهم الوهابية –فرأيت ان الدين قد غيرهم تغييرا تاما . كان البدوي لا هم له الا النهب والسلب وقطع الطريق ،ثم هو يعد هذا العمل من مفاخر البادية ،والويل للضعيف في البادية ،وكان لسان حالهم يقول : ( المال مال الله ،يوم لي ويوم لك ،نصبح فقراء ونمسي اغنياء ،ونصبح اغنياء ونمسي فقراء ) والقوافل التجارية كانت تحت رحمة البادية لا تمر من المنطقة الا باتاوة او مجيز، والبدوي لا يمكن ابدا ان يخاطر بحياته ،فاذا رأي ان النهب سيكون من ورائه خطر تركه ،وكذلك اذا رأي دفاعا قويا من خصمه تركه ،والبدوي لا يعرف قلبه الاخلاص تقريبا ، شيمته الرياء والنفاق،لا تنفع معه الا الشدة المشوبة بالعدل، لذا فلا يعول الامراء كثيرا علي عددهم ولا علي قوتهم ،وكثيرا ما كانوا وبالا علي صديقهم ،فاذا بدرت منه بوادر الهزيمة فانهم يكونون اول الناهبين له، ويحتجون بأنه مادام صديقهم منهوبا او مأخوذا كما يقولون فهم اولي به ) .
2 ـ ثم يقارن بأحوال البدو بعد ان اصبحوا اخوانا فيقول (اصبح الاخوان لا يهابون الموت بل يندفعون إليه اندفاعا طلبا للشهادة ولقاء الله ، واصبحت الام حين تودع ابنها تودعه بهذه الكلمات :جمعنا الله واياك في الجنة ،واصبحت كلمة التشجيع علي الحرب :هبت هبوب الجنة وين (اين )انت يا باغيها )وكلماتهم عند الهجوم (إياك نعبد واياك نستعين ). ولقد شاهدت بعض مواقعهم الحربية ،فوجدتهم يقذفون بأنفسهم الي الموت قذفا، ويتقدمون الي اعدائهم صفا صفا ، ولا يفكر احدهم في شئ الا هزيمة العدو وقتله .والاخوان علي العموم لا تعرف قلوبهم الرحمة علي الاعداء ولا يفلت من تحت ايديهم احد ،فهم رسل الموت اينما حلوا .) .[25]
( ب ) : التعليق
1 ـ أي كان البدوي يحترف السلب والنهب وابتزاز القوافل طالما لا يخاطر بحياته،واذا تقابل مع من هو اقوى منه نافقه ووافقه الي ان يجد فيه ضعفا فينقلب عليه، ومع هذا الصنف المتقلب المنافق فالحل هو الشدة والعدل،او بالتعبير القرآني : (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ).
2 ــ والتحول الذي طرأ علي اولئك البدو بالثقافة الوهابية أنهم إقتنعوا بواسطة شيوخهم ان الجنة تنتظرهم ، لا يفصلهم عنها سوى الموت قتلا ، مع الفوز بالغنائم لو فاتهم الموت ، ومن هنا كانوا يقذفون بانفسهم الي الموت قذفا ،واصبحوا رسل الموت لاعدائهم ،لا تعرف قلوبهم الرحمة علي اعدائهم .
والعدو هنا- وهذا هو الفارق الاساسي مع الاسلام ـ هو من ليس منهم .أي هو ( الآخر ) غير الوهابى . وهذا ( الآخر) أساسا من المسلمين المسالمين من الشيعة والسنة الذين لم يبدأوا الوهابيين بالعتداء ، بل إن الوهابيين هم الذين إعتدوا عليهم واحتلوا بلادهم . ثم اضيف ( للاخر ) الوهابيون من البادية ومن الحضر ،ممن لم يهاجر و لم يعش في الهجر مع الاخوان ولم يرتد مثلهم العمامة. وعندما منع عبد العزيز ذلك في مؤتمر العلماء سنة 1919 اصبح عبد العزيز نفسه مرشحا ليكون هو ( الآخر ) المطلوب قتله بعد تكفيره . كان إمامهم وسيدهم ، ثم جعلوه خصما لهم و تمردوا عليه ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ من الوهابيين المسالمين في تمردهم الثاني .
3 ـ بهذا يختلف الاخوان الوهابيون عن البدو العاديين . أو بهذا حدث التحول فى عقلية وثقافة البدو بعد أن صاروا إخوانا وهابيين . فالبدوي العادي غاية ما كان يفعله ان يتخلي عن عبد العزيز ويهرب عنه حين يشتد القتال ، وقد يثور علي عبد العزيز اذا وجد الثورة في مصلحته ولكنه في كل الاحوال يحرص علي حياته ودمائه ، وفي سبيل حرصه علي حياته قد يحرص علي حياة خصمه اذا كان قويا يخشي منه او كان يريد سلب امواله . . نسي البدو ذلك حين اصبحوا بالايدولوجية الوهابية اكثر حرصا علي قتل انفسهم وقتل الاخرين . وبالتالي اصبحت معارضتهم لا تعرف الوسط ولا تعرف الحدود السياسية المصلحية ،والسياسة هي فن الـ ( COMPROMISING) أى ( المواءمة ) والحلول الوسط والتفاوض فى المناطق الرمادية ، من الأبيض وما يتلوه من الأوان حتى الأسود . وفيها لاينفي فيها طرف الطرف الاخر . ليس فيها المعادلة الصفرية ( أبيض أو غير أبيض ) أو ( القتل أو القتل ) أو ( أنا أو أنت ) . إما أن آخذ كل شىء أو لاشىء . هذه هى المعادلة الصفرية التى زرعها عبد العزيز الوهابى فى الاخوان الوهابيين ، وكما قال جل وعلا ( وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ) فقد دفع عبد العزيز الثمن ، فكانت الساحة لا تتسع له وللإخوان معا بعد خلافهم معه . تطور الخلاف ، إذ لم يقتنع أحد الطرفين بحجة الآخر ، فتحول الخلاف السياسى الى مواجهة حربية ، لا بد أن تنتهى بالقضاء التام على طرف من الطرفين . كان عبد العزيز يستطيع ان يصل الي نوع من التراضي مع البدو ،لكن بعد ان حولهم الي اخوان ما كان يستطيع ذلك ،والدليل علي ذلك ان عبد العزيز جرب معهم التساهل والتسامح فما افلح ،فازدادوا طغيانا ،وجرب معهم الشدة ثم عفا عنهم ،فعاد الدويش للثورة وعادت عتيبة للثورة مرتين .وادرك عبد العزيز في النهاية انه لا سبيل امامه الا بنفيهم من حياته السياسية .
ثانيا : العصبية القبلية البدوية والعصبية البدوية الاخوانية :
1 ــ والبدوي مشهور بتعصبه للقبيلة التي ينتمي اليها .والقبيلة في الصحراء هي الدولة المتحركة طالما لا توجد دولة قوية تسيطر علي تلك الصحراء. والعصبية القبلية هي التي تربط البدوي بقبيلته، تحميه ويحميها في نوع من المصلحة المشتركة لمن يجمعهم النسب الواحد. ولكن التعصب للقبيلة يحمل في طياته نفيا للقبائل الاخري ،وحيث تعيش القبائل في معارك حول الماء والمرعي والمال والسلب والنهب والثأر فان التعصب القبلي يجعل البدوي لا يري في القبائل الاخري الا عدوا حاضرا او محتملا .
2 ــ وحين كون عبد العزيز نظام الاخوان مزج بين الولاء القبلي والولاء للدعوة فكان يحرص علي ان يضم إليه اكثرية القبيلة ما استطاع ،ولكن يؤاخي بين ابناء القبائل في اطار الاخوان ،وهكذا اصبح بدو مطير مع بدو عتيبة وبدو حرب وغيرهم اخوانا، ومع ان المستوطنات او الهجر كانت في الاغلب لأبناء قبيلة واحدة الا انه كان يضم إليها عناصر من قبائل اخري لمزج الولاء القبلي بالولاء الديني .
3 ــ الا ان هذا المزج لم يضعف العصبية القبلية ،بل حولها الي عصبية اشد ،وهي العصبية الدينية .فاذا كانت العصبية القبلية عصبية محلية تتعامل في محيط الجزيرة العربية ومع القبائل القريبة منها والتي تشاركها نفس المكان والمرعي ،فان العصبية الدينية بطبيعتها عالمية ،تتسع وتضيق دوائرها من التعصب ضد الاخر في نفس المذهب والطائفة والدين ،تبدأ بالتعصب ضد الكافر الوثني ،ثم اهل الكتاب ،ثم المسلمين من اهل العقائد الاخري (الشيعة والصوفية )،ثم تضيق ليكون التعصب ضد السني غير الحنبلي ،ثم ضد الحنبلي غير الوهابي ،ثم ضد الوهابي غير الاخواني ،ثم ضد الاخواني المؤيد لعبد العزيز وهكذا . وفي كل دائرة يتم التعامل مع الاخر بالنفي والتكفير والقتل .
4 ــ والعصبية القبلية العادية ينتج عنها معارك وقتية حتي وان طال زمنها مثل ايام العرب في الجاهلية ،ولكن عادة ما يتم الاتفاق ويتم التراضي بالقصاص نادرا وبالدية غالبا .اما العصبية الدينية الوهابية فهي حرب مستمرة الي ان يتم ابادة الطرفين معا . يبدأ الأمر بابادة الطرف الأضعف وبقاء الطرف الأقوى المنتصر ، ثم ينقسم الطرف الأقوى على نفسه يزايد هذا على ذاك ، وتعود الحرب البينية داخل المعسكر الواحد ويبقى الطرف المنتصر الذى لا يكاد يهنأ باستمراره حتى تظهر من داخله معارضة تزايد عليه وتتحول الى حرب صفرية أخرى ، وهكذا .
ثالثا : لا يمكن للدولة الدينية أن تستمر أو أن تستقر
1 ـــ ولذلك لا يمكن لتلك الحركات الدينية المتعصبة ان تنشئ دولة مستقرة موطدة الاركان . مهما بلغ نجاحها فلن تنشىء سوى دولة مؤقتة أو متحركة حسب الظروف . أنشأ الزنج والقرامطة دولا متحركة تنشر المذابح والخراب ثم إنتهت . وأنشأت الوهابية دولتين سعوديتين مؤقتتين ، الدولة السعودية الأولى ( 1745 : 1818 ) والدولة السعودية الثانية التى أسسها تركى بن عبد الله آل سعود عام 1819 ، بمساندة مصرية ثم دمرها عبد الله آل الرشيد أمير حائل عام 1891. سقطت الدولتان السعوديتان الوهابيتان ، وهو نفس المصير الذى ينتظر الدولة السعودية الثالثة الراهنة التى أنشأها عبد العزيز آل سعود بسيوف الاخوان . وكان أول إرهاص للسقوط هو ثورة الاخوان الوهابيين الذين أسسوا هذه الدولة نفسهم عليه ، ثم فيما بعد نشبت معارضات وهابية أخرى . وستتوالى الانشقاقات والمعارضات الى أن تسقط الدولة السعودية الراهنة ، هذا إذا لم تسقط بتدخل خارجى دولى أو اقليمى . عاجلا أو آجلا ستنتهى الدولة السعودية الراهنة الثالثة لتلحق بما سبقها . تظل الدولة الدينية تعيش بل وتتوسع إذا استطاعت طالما بقيت الدول الاخري حولها ضعيفة . فإذا وُجهت بدولة قوية سقطت . ولو تُركت الدولة الدينية فى حالها فستأكل نفسها بنفسها بسبب لعنة ( المعادلة الصفرية ) ونفى الآخر تماما ، وشريعة إما أن أقتلك وإما أن أقتلك .
2 ــ وقد لاتستطيع الحركة الدينية المتعصبة إنشاء دولة من الأساس . نشر الخوارج الرعب فى العراق والشام وخراسان ، ولم يستطيعوا إقامة دولة برغم مئات الألوف من القتلى المدنيين وغير المدنيين . كل ما فعلوه هو الإنقسام فيما بينهم و إنهاك الدولة الأموية مما أدى الى الإسراع بسقوطها ، ثم ما لبثوا أن إنتهوا فى بداية العصر العباسى . نجا بعض الخوارج من هذا .عاش الاباضية من الخوارج حتي الان ،لأنهم اكثر تسامحا مع انهم بدو.
3 ـ ولو ربط عبد العزيز نفسه بالاخوان لانتهي معهم، لذا كان لابد ان يتخلص منهم سريعا لتستمر دولته، فالعصور الوسطي نفسها ـــ وهي عصور التعصب الديني والمذهبي ــ لم تكن لتسمح لحسن الصباح الشيعي بتكوين دولة حقيقية ، فظل يهدد المسلمين المخالفين له من الشيعة والسنة ،وويهدد الصليبيين وصلاح الدين الأيوبى معا ، وينشر فدائيين يحملون معهم الموت للدعاة والزعماء والخلفاء والسلاطين والقادة . واولئك الفدائيون كانوا يعرفون باسم الحشاشين، ومنهم اشتق المصطلح الانجليزي عن الاغتيال . ومع ذلك لم يكن الحسن الصباح سوي زعيم عصابة في قلعته المنيعة في (آلموت ) . ظل هو وخلفاؤه سجناء فى تلك القلعة ، ينشرون الرعب الى أن دمر هولاكو قلعتهم . وبالتالي فان استعادة فكر التعصب وتطبيقه بالدماء والنار والخراب لا يمكن ان ينشئ دولة في العصر الراهن .
4 ـ وهذا كلام نوجهه للاخوان المسلمين وتنظيماتهم الوهابية التي خرجت من عباءتهم تحمل نفس المعتقد ونفس الاستحلال .
الهوامش
( 25 ) حافظ وهبة :المرجع السابق 285-286.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,054,951 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
ليس مهما التراضى: ليه الزنا والشذ وذ الجنس ي لهما عقوبة...
مريد الدنيا فقط : ما معنى آية ( فَلا تَكُن ْ فِي مِرْي َةٍ ...
نقد سريع لنا : الدكن ور احمد صبحي ، يطرح قضية سليمة باسلو ب ...
اسماء الله الحسنى: قُلِ ٱدْعُ واْ ٱللَّ هَ أَوِ ٱدْعُ واْ ...
موافق ولكن : انا من المعج بين بكم واتمن ى ان انضم اليكم...
more
كان المجتمع العربي في الجاهلية مجتمعا قبليا حضره وبواديه ،حكمه القوانين والأعراف التي تضمن للقبيلة بقاءها، ولذلك شاعت بينهم العصبية بالمعنى الذي يحمله المثل الجاهلي «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، وكانت هذه العصبيَّة على طبقات تناسب الجماعة التي ينتسب إليها أحدهم، فهو في قبيلته يتعصب لأسرته على سائر الأسر، والبطن الذي هو منه على سائر البطون، ويتعصب للقبائل التي يجمعها مع قبيلته أب واحد قريب على القبائل التي يجمعها مع قبيلته أب بعيد، وإلى جانب رابطة الدَّم هذه كانت روابط أخرى كالولاء والجوار والتحالف والمصاهرة، وكلُّها داعيةٌ إلى ضروب من التَّعصب متفاوتة القوة، وتقتضي هذه العصبيَّة أموراً تدلُّ عليها أمثالهم وأشعارهم، ومنها أن يكون همُّ القبيلة والدفاع عنها مقدَّماً على ما سواه من الهموم الخاصَّة، ولاسيَّما إذا كان الرَّجل سيِّداً في قبيلته، ولكن بقدوم الإسلام اختفت في عهد الرسول ،لكنها عادت بالتدريج وأخذت مسميات عدة ، كثيرة للصراع لكن يجمعها انها بعيدة عن الإسلام وما فيه من مبادئ واخلاق.:أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ