آحمد صبحي منصور Ýí 2013-12-19
الحنابلة وإضطهاد الأشاعرة ب 5 ف 9
النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الخامس : الشفاعة وتطبيق الشريعة الحنبلية
الفصل التاسع : الحنابلة وإضطهاد الأشاعرة
مقدمة :
1 ـ فى الدولة الدينية تتأسّس المزايدة الدينية ، والأكثر تشددا هو الذى يفوز بالمزايدة على ( المعتدلين ) أو المنافقين المتظاهرين بالاعتدال . والعادة أن الأكثر تشددا هو الأكثر جهلا ، وهو يستر جهله برفض وحظر وتحريم ما لا يعلمه . وبالتالى فبعد التخلص من العدو الخارجى تبدأ المزايدة داخليا يقوم بها الأعلى صوتا والأكثر تزمتا وبطشا ، وفى النهاية مع ترسُّخ الجهل هو الذى يفوز ، ويهبط بالجميع من الحضيض الى أسفل سافلين .
2 ـ لا ينطبق هذا فقط على الصراعات داخل الدول الدينية بل أيضا على الجماعات الدينية ، وهذا يشمل حركة الحنابلة التى زايدت على الدولة العباسية الكهنوتية ، وإستأصلت المعتزلة ( العدو الخارجى ) ثم بدأت ( تطهيرا ) داخل الدين السّنى نفسه بجعل أعظم مؤلف سُنى وهو محمد بن جرير الطبرى عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يفكّر ، أو أن يعلو بفكره وإجتهاده فوق سقف العقلية العامية ، حيث كان العوام وأئمتهم هم القوة الغالبة . واجه العوام ما إعتبروه عدوا آخر فى الداخل ، وهم الأشاعرة الذين وقفوا ضد العدو الخارجى ( المعتزلة ) وشنّوا ضدهم حربا فكرية ساندت الحرب الإستئصالية الجسدية . لم يسترح العوام الحنابلة للاشاعرة السنيين وما لديهم من فكر وقدرة على التنظير والجدل ، فأصبح الأشاعرة الضحية التالية بعد المعتزلة .
أولا : أبو الحسن الأشعرى ( 260 : 331 )
1 ـ ـ فى وقت محنة المعتزلة وتعرضهم للإضطهاد ، وبعد أن إنقرض الأئمة الكبار للمعتزلة وصار العصر كله ضدهم إنتهز الفرصة فقيه معتزلى مغمور كان تلميذا للجبائى المعتزلى فإنشق عن المعتزلة ، فبرز إسمه وأسس له شهرة ، وتبعه آخرون . لقد إنشقّ أبو الحسن الأشعرى عن المعتزلة مستغلا محنة المعتزلة وأملا فى شهرة أكبر من شيخه الجبائى المعتزلى ، الذى لم يكن شيئا مذكورا بالمقارنة للأئمة السابقين للمعتزلة . وبعد أن أدى الأشعرى مهمته قوبل بفتور من عوام الحنابلة ، ثم تحول النفور الى إضطهاد للأشاعرة أدى فى النهاية الى إستئصالهم فكريا ، ليغطى الجهل الحنبلى على الساحة .
2 ـ وهو (علي بن إسماعيل ) من نسل ( بلال بن أبي بردة الأشعرى ) أحد الولاة الأمويين الظالمين ، وابوه ( أبو بردة ) القاضى الذى شهد زورا لصالح معاوية وزياد بن أبيه ضد ( حُجر بن عدى ) مما أدى لقتل ( حُجر بن عدى ) أول قتيل مظلوم بسبب حرية الرأى . والجد الأكبر هو ( ابوموسى الأشعرى ) والى العراق فى عهد عمر والذى عزله عمر ، ثم كان ممثل ( على ) فى التحكيم ، فخان ثقة ( على ) وتلاعب به ( عمرو بن العاص). لا نؤاخذ أبا الحسن الأشعرى بخطايا أجداده ، ولكن ما فعله مع المعتزلة وإنشقاقه عنهم فى محنتهم يوضح أنه سار على سُنّة أسلافه. كان بإمكانه أن (يعتزل )(المعتزلة ) بهدوء كما إعتزل مؤسس ( المعتزلة ) واصل بن عطاء ( ت 131 ) شيخه الحسن البصرى . كان ممكنا أن يزهد أبو الحسن الأشعرى فى الدنيا مكتفيا بالضيعة التى آلت اليه من جده بلال الأشعرى ، ويسير على طريقة ( عمرو بن عبيد ت 144 ) زعيم المعتزلة الزاهد الذى كان يواجه أبا جعفر المنصور بقوة الحُجّة بلا خوف رافضا عطاياه فلا يزداد من أبى جعفر المنصور إلا إحتراما . كان بإمكانه أن يسير على نهج أبى الهذيل العلاف ت 235 ، الذى إستخدم عقليته الجبارة فى الدفاع عن الاسلام ، واسلم على يده آلاف الناس. آثر أبو الحسن الأشعري أن يتخصص فى الهجوم على المعتزلة مستخدما ما تعلمه منهم فى التشنيع عليهم . صحيح إنه تعرض لاضطهاد من الحنابلة وصل الى تهديد حياته ، ولكن كان له متسع فى التقية كما فعل كثيرون أو التوارى والانزواء كما فعل آخرون . ولا نُطالبه بالصمود كما فعل شيخه الجبائى وغيره .
3 ـ ولكن تبدو إنتهازية أبى الحسن الأشعرى ونفاقه فى إعلانه عن مذهبه بعد إنشقاقه عن المعتزلة ، فهو يؤكد تمسكه بالكتاب والسُّنة ويقول :( وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان عليه أحمد بن حنبل ـ نضّر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته ـ قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذى أبان الله به الحق عند ظهور الضلال . ). هنا يهبط الأشعرى الى حضيض العوام وتقديسهم لابن حنبل ، مع علمه كمعتزلى سابق أن ابن حنبل كان عاريا من الحُجّة ، وليست له دراية بالفقه أو بعلم الكلام ، هو مجرد جامع للأحاديث يحشو بها رأسه ، أى من ( الحشوية ) وهو اللقب الذى كان المعتزلة يطلقونه على أرباب الحديث. وقد ظل الأشعرى أربعين عاما معتزليا ، أى يعلم أن أرباب الحديث هم الذين يصنعونه ليستشهدوا به بسبب إنعدام الحُجّة العلمية لديهم ، ولكن الأشعرى يعلن إيمانه و( إعتصامه ) بتلك الأحاديث المصنوعة والمنسوبة للنبى والصحابة والتابعين . واضح أنه أراد هذه المزايدة فى تقديس ابن حنبل ليكون زعيما للحنابلة بما لديه من مواهب فى الجدل وفنون المناظرات ومعرفة بالفكر الدينى والملل والنحل . ولكن خاب ظنُّه فمواهبه ( المعتزلية ) وصحبته للمعتزلة أثارت إشمئزاز العوام الحنابلة .
4ـ ولقد عبّر ابن الجوزى بتعصبه الحنبلى عن موقف عوام الحنابلة من أبى الحسن الأشعرى . يقول عنه فى المنتظم فى : ( تشاغل بالكلام ،) وهذا فى الاصطلاح الحنبلى أنه أضاع وقته فى علم محرم باطل . ، ويقول ابن الجوزى : ( وكان على مذهب المعتزلة زمانًا طويلًا ، ثم عنّ له مخالفتهم . وأظهر مقالة خبطت عقائد الناس وأوجبت الفتن المتصلة . ) . أى يعتبر مذهب الشاعرة خبطا فى عقائد الناس وسببا فى الفتن . ويؤاخذه ابن الجوزى بكونه معتزليا سابقا ، وأنه وافق المعتزلة بالقول فى خلق القرآن : ( .. والمعتزلة قالوا هو مخلوق فوافق الأشعري المعتزلة في أن هذا مخلوق، وقال: ليس هذا كلام الله إنما كلام الله صفة قائمة بذاته ما نزل ولا هو مما يسمع. ) . ويقول ابن الجوزى إن الأشعرى خاف على نفسه من الحنابلة فاستجار ببعضهم ليحميه من القتل : ( وما زال منذ أظهر هذا خائفًا على نفسه لخلافه أهل السنة، حتى أنه استجار بدار أبي الحسن التميمي حذرًا من القتل . ) وأنه بعد أن إنشق عن المعتزلة وجد من يحميه : ( ثم تبع أقوام من السلاطين مذهبه فتعصبوا له ، وكثر أتباعه حتى تركت الشافعية معتقد الشافعي رضي الله عنه ودانوا بقول الأشعري.). أى إن أتباع المذهب الشافعى إتبعوا الأشعرى وتركوا الحنابلة . وأورد ابن الجوزى قول أحدهم عن الأشعرى : ( .. ولم يزل معتزليًا أربعين سنة يناضل عن الاعتزال، ثم قال بعد ذلك: قد رجعت عن الاعتزال..! ) وقال آخر : ( كان الأشعري تلميذ الجبائي يدرس عليه ويتعلم منه لا يفارقه أربعين سنة.) . أى لم يغفر له الحنابلة أنه كان معتزليا من قبل . و يقول ابن الجوزى عنه بما يُشبه الاحتقار:( وتوفي ببغداد..وقبره اليوم عافي الأثر لا يُلتفت إليه.).وكان الخطيب البغدادى أقل تعصبا من ابن الجوزى ، فقال عن الأشعرى : ( صاحب الكتب والتصانيف فى الرد على الملحدة وغيرهم من المعتزلة والرافضة والجهمية والخوارج وسائر أصناف المبتدعة. )( تاريخ بغداد 11 / 346 : 347 ). لم يؤاخذه الخطيب بماضيه السابق ، وإقتصر على مدحه ونضاله ممّن جعلهم ملحدين ومبتدعين . ولكن الغلبة كانت للعوام الحنابلة وشيوخ وعظهم كابن الجوزى .
ثانيا : إرهاب الأشاعرة
1 ـ وُلد الأشعرى فى خلافة المعتمد العباسى ، ومات فى خلافة المتقى . أى عاصر قوة النفوذ الحنبلى ، والذى وصل ذروته فى خلافة القادر وابنه القائم . ثم حدث انحسار مؤقت فى النفوذ الحنبلى مع بداية سيطرة السلاجقة ونفوذ الوزير القوى نظام الملك وإتجاهاته السنية المعتدلة والتى تلتقى مع الأشاعرة ، لذا تشجع التيار المعتزلى على الظهور فاشتبك مع الحنابلة ، وزاد فى حدة المواجهة أن بعض مناصرى الاعتزال الذين إختفوا أوتواروا عادوا للظهر فى إطار الأشعرية ، يواجهون من خلالها تخلف الحنابلة وسطوتهم . وهذا موضوع طويل يخرج عن عنوان بحثنا ، ولكن نعطى لمحة عن الصراع الحنبلى الأشعرى من خلال ما أورده ابن الجوزى فى تاريخ المنتظم.
2 ـ وفي شوال عام 469 كانت ( الفتنة بين الحنابلة والأشعرية ) ، وبدأها عبد الرحيم القشيرى المعتزلى ، وهو ابن عبد الكريم القشيرى الصوفى صاحب ( الرسالة القشيرية ) المشهورة . جاء عبد الرحيم القشيرى الى بغداد ووعظ فى المدرسة النظامية التى أسسها نظام الملك ، وشنّ هجوما على الحنابلة ، وأيده الصوفية وأبو اسحاق الشيرازى والشريف أبو جعفر فى مسجده بالرصافة، وطلبوا تأييد نظام الملك ، بما يعنى أنها خطّة مدبرة لمواجهة الحنابلة قام بها رموز الأشاعرة والصوفية والشيعة وبقايا المعتزلة . وقام عوام الحنابلة بهجوم مسلح على الشريف أبى جعفر أسفر عن قتيل ، حدثت مواجهة مسلحة ، ووصل الخبر الى الوزير نظام الملك فارسل رسالة غاضبة للوزير فى بغداد ، وخاف الخليفة المقتدى العباسى من غضب نظام الملك ، وعقد الوزير بأمر من الخليفة إجتماعا لتطيبب خاطر الشريف أبى جعفر ، حضره القشيرى والشيرازى وكبير الصوفية ، وقال القشيرى للوزير : ( أي صلح بيننا ؟ إنما يكون الصلح بيـن مختصميـن علـى ولايـة أو دنيـا أوقسمـة ميـراث أو تنازع في الملك . فأما هولاء القوم فهم يزعمون أننا كفار ونحـن نزعـم أن مـن لا يعتقـد مـا نعتقـده كافـر، فـأي صلـح بيننـا ؟ ) وقال عن الخليفة العباسى المقتدى : ( وهـذا الإمـام مفـزع المسلمين ، وقد كان جده القائم والقادر أخرجا اعتقادهما للناس وقرىء عليهم فـي دواوينهـم ). أى يذكّر بما فعله القادر بالله العباسى وإبنه القائم بالمعتزلة .وهذا يشير الى أن القشيرى كان فى حقيقته معتزليا تظاهر بأنه اشعرى لينتقم من الحنابلة . وبعد مداولات تم إحتواء الموقف المتفجّر ، ومات بعدها الشريف أبو جعفر مسموما . ويقول ابن عقيل شيخ ابن الجوزى : ( كـان النظـام ( الوزير نظام الملك ) قـد نفـذ ابـن القشيري إلى بغداد فتلقاه الحنابلة بالسب ،وكان له عرض ( أى كان يخاف على عرضه وشرفه ) فأنف من هذا ، فأخذه النظام إليه . ونفذ لهم البكري وكان ممن لا خلاق له وأخذ يسب الحنابلة ويستخـف بهـم.). أى ارسل نظام الملك بالقشيرى ليواجه خنابلة بغداد ، فقالبلوه بالسبّ والشتم فلم يحتمل ، فأمره نظام الملك بالرجوع،وأرسل الى حنابلة بغداد من يماثلهم فى القدرة على السّب وهو البكرى .
3 ـ وقد مات البكرى عام 478 وإسمه ( أبوبكر الفوركى ) . وقد قال ابن الجوزى فى ترجمته ( متحاملا عليه ) : ( وكان متكلمًا مناظرًا واعظًا..وكان يعظ في النظامية فوقعت بسببه الفتنة في المذاهب ..وكان مؤثرًا للدنيا طالبًا للجاه لا يتحاشى من لبس الحرير ... قـال شيخنـا أبـو الفضل بن ناصر: كان داعية إلى البدعة .. ) وذكر ابن الجوزى ما فعله البكرى هذا حين خطب فى جامع المنصور ( اكبر جامع فى بغداد ) ومعه العسكر الأتراك . ) وأن نظام الملك أرسله الى بغداد عوضا عن القشيرى : ( .. وكان هذا البكري فيه حدة وطيش ، وكان النظام قد أنفذ ابن القشيري فتلقاه الحنابلة بالسب ) ( فأخـذه النظـام إليـه، وبعـث إليهـم هـذا الرجـل ، وكـان ممن لا خلاق له ، فأخذ يسب الحنابلة ويستخف بهم ، وكان معه كتاب من النظام يتضمن الإذن له في الجلوس في المدرسة ، والتكلم بمذهب الأشعرية ، فجلس في الأماكن كلها .وقال: لابد من جامع المنصور. ) وهكذا خطب فى جامع المنصور تحت الحراسة ، وأخذ يسب الحنابلة فى عقر دارهم ، فحدثت مواجهة . . يقول ابن الجوزى : ( أنه لما أنفذ نظام الملك بأبي نصر ابن القشيري تكلـم بمذهب أبي الحسن فقابلوه بأسخف كلام على السن العوام ، فصبر لهم هنيئة ، ثم أنفذ البكري سفيهـًا طرقيـًا شاهد أحواله الإلحاد فحكى عن الحنابلة ما لايليق بالله سبحانه فأعزى بشتمهم . ) ويجعل ابن الجوزى موت البكرى عقوبة الاهية بسبب تهجمه على الحنابلة ، فيقول : ( فرماه الله في ذلك العضو بالخبيث فمات . ).
4 ـ وفى سنة 470 طلب أبو اسحاق الشيرازى ( الأشعرى ) من الوزير نظام الملك بأن تقف المدرسة النظامية بحزم ضد حنابلة بغداد ، فرفض نظام الملك ، وأرسل اليه رسالة مفادها بأن سياسة السلطان تستوجب الحياد بين المذاهب ( .. ونحن بتأييد السنن أولى من تشييد الفتن، ولم نتقدم ببناء هذه المدرسة إلا لصيانة أهـل العلـم والمصلحـة ، لا للاختلاف و تفريـق الكلمـة . ) وطلب نظام الملك ترك الحنابلة على معتقدهم . وسمع الحنابلة بهذا ففرحوا ، يقول ابن الجوزى :(.. فتداول هذا الكلام بين الحنابلة وسروا به وقووا معه . ). ولكن قام الأشاعرة فى المدرسة النظامية بمسيرة يقودها شيخ اسمه الاسكندرانى ، وانتهت المسيرة الى سوق الثلاثاء فى بغداد حيث أعلن الاسكندراى تكفير الحنابلة . حدث هذا فى يوم الثلاثاء الثانى من شوال عام 470 . فهاجمه الحنابلة فهرب منهم الى المدرسة النظامية مستغيثا بأهل المنطقة ليحموه من الحنابلة ، وحدثت معركة أسفرت عن قتلى . وتدخلت السُّلطة بجنودها فهزموا عوام الحنابلة وصدوا هجومهم . وتدخل القضاة وأعوانهم من ( الشهود ) لإخماد الفتنة .
5 ـ كان هذا مجرد صحوة قبل الموت للأشاعرة ، ظهرت بتشجيع نظام الملك ، وانتهت بوفاته . وحتى فى حياته فإن نظام الملك كان حريصا على إستتاب ( نظام الملك ) وكان يناصر الأشاعرة بالقدر الذى لا يتعرض فيه النظام للخطر والفتن . وبالتالى عادت سلطة الحنابلة وعوامها ، ولم يقض عليها بالتدريج سوى دين التصوف الذى سرى بين العوام وإستمالهم بعيدا عن السنة الحنبلية .
6 ـ ومن هنا نلاحظ ظاهرتين فى تاريخ سنوات القرن السادس ، حيث كان ابن الجوزى يؤرخ الأحداث شاهدا على العصر :
6 / 1 : الظاهرة الأولى خفوت الوجود للأشاعرة وإضطهاد ما يقى من رموزهم كما حدث لأبى الفتوح الاسفرايينى الذى تعرض لللإضطهاد عام 521 لأنه أنكر حديث البخارى: ( ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبـات. ) ، وترتب عليه منعه من الوعظ وإستتابته واتهامه بتهم كاذبة ، وطرده من بغداد ،(فنصـره قـوم مـن الأكابـر يميلـون إلـى اعتقـاده فأعـادوه ..وزادت الفتـن فـي بغـداد وتعـرض أصحـاب أبي الفتوح بمسجد ابن جردة فرجموا ورجم معهم أبو الفتوح .وكان اذا ركب يلبس الحديد ومعه السيوف المجذبة تحفظه . ثم اجتـاز بسـوق الثلاثـاء فرُجم ، ورميت عليه الميتات .). وفى النهاية منعه الخليفة المسترشد من الوعظ وتعصب ضده الوزير ابن صدقة،يقول ابن الجوزى:( وكان الحنابلة يصيحون على عادتهم : هذا يوم سني حنبلي لا قشيري ولا أشعري، ويصرخون بسبّ أبى الفتوح (الاسفرايينى)، فمنعه(الخليفة ) المسترشد من الجلوس ، وأمر أن لا يقيم ببغداد. وكان ابن صدقة ( الوزير ) يميل إلى مذهب أهل السنة فنصرهم. ). ومات ابو الفتوح الاسفرايينى عام 538. وفى المقابل مال الأتراك السلاجقة للحنبلية ، وفى حوادث نفس عام 538 يذكر ابن الجوزى : ( قـدم مـع السلطـان فقيه كبير القدر اسمه الحسن بن أبي بكر النيسابوري وكان من أصحاب أبي حنيفة وكانت له معرفة حسنة باللغة وفهم جيد في المناظرة وجالسته مدة وسمعت مجالسه كثيرًا، فجلس بجامع القصر وجامع المنصور، وأظهر السنة ، وكان يلعن الأشعري جهرًا علـى المنبـر،ويقـول: كـن شافعيـًا ولا تكـن أشعريـًا وكنـت حنفيـًا ولا تكـن معتزليـًا وكـن حنبليًا ولاتكن مشبهًا..ومـدح الأئمـة الأربعة وذم الأشعري. ) وتعبير ( السّنّة ) عند ابن الجوزى يعنى الحنبلية .
6 / 2 : الظاهرة الثانية : هى المزايدة على التشدد داخل الحنابلة أنفسهم . إذ بعد أن خلت لهم الساحة اصبحوا كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله . كان أبو الوفاء بن عقيل أستاذا فكريا لابن الجوزى ، وربما كان هو الوحيد الذى نجا من لسان ابن الجوزى ، وكان ينقل من كتاباته النقدية معجيا ، ونرى هذا فى المنتظم وفى ( تلبيس ابليس ). ومع تفوقه فى التعصب والتزمت الحنبلى كما تشهد عليه آراؤه التى حكااها ابن الجوزى إلّا إنه إمتاز ببعض العلم فوق مستوى الرعاع الحنابلة ، ومن هنا جاءت محنته من أتباعه .يقول ابن الجوزى فى أحداث عام 461 وفـي ربيـع الآخـر: ( جـرت فتنـة لأجـل أبـي الوفـاء بـن عقيـل . وكـان أصحابنا قد نقموا عليه تردده إلى أبـي علـي بـن الوليـد لأجـل أشيـاء كـان يقولها ، وكان في ابن عقيل فيه فطنه وذكاء فأحب الاطلاع على كل مذهب. ) بقصد الردّ عليهم طبعا ، ولكن هذا لم يعجب عوام الحنابلة وأئمتهم . ولأن أستاذهم أبا الوفاء زار شخصا ( مشبوها ) عند الحنابلة ، أو كما يقول عنهم ابن ( الجوزى ) ( أصحابنا ) فكانت محنة أبى الوفاء بن عقيل، و فيها لم تشفع لابن عقيل زعامته أو سنّه وشيخوخته . إذ يكفى كما قال ابن الجوزى هذا الفعل الشنيع : ( وكـان أصحابنا قد نقموا عليه تردده إلى أبـي علـي بـن الوليـد لأجـل أشيـاء كـان يقولها )، وبعد اربع سنوات انتهى الأمر عام 465 ، إذ أعلن أبو الوفاء بن عقيل توبته فصالحه الحنابلة أتباعه .! يقول ابن الجوزى : ( ثم دخلت سنة خمس وستين وأربعمائة.. فمن الحوادث فيها أنه يوم الحادي عشر من محرم حضر أبو الوفاء ابن عقيل الديوان ومعه جماعـة مـن الحنابلـة واصطلحوا . ) وكتب ابن عقيل توبته : ( بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم. يقـول علـي بـن عقيـل بن محمد: إني أبرأ إلى الله تعالى من مذاهب المبتدعة والاعتزال وغيره ، ومـن صحبـة أربابـه، وتعظيـم أصحابه ،والترحم على أسلافهـم ، والتكثـر بأخلافهـم ، ومـا كنـت علقتـه ووجـد خطـي بـه مـن مذاهبهم وضلالاتهم فأنا تائب إلى الله تعالى من كتابته . ) (.. وكتب يوم الأربعاء عاشر محرم سنة خمس وستين وأربعمائة وشهد عليه بذلك جماعة كثيرة من الشهود.).
وفى إطار المزايدة أيضا نرى مزايدة ابن الجوزى المؤرخ الحنبلى ت 597 على سلفه المؤرخ الحنبلى الخطيب البغدادى ( 391 : 463 ) صاحب موسوعة ( تاريخ بغداد ). فقد ترجم ابن الجوزى للخطيب البغدادى فى المنتظم فى وفيات عام 463 . تحدث فى البداية عن نبوغه فى علم الحديث وكثرة مؤلفاته ، وفى خاتمة الترجمة تحدث عن أخلاقه العالية وكرمه . وبين هذا وذاك هاجمه ، فوقع فى التناقض ، والسبب أن الخطيب لم يكن متعصبا لابن حنبل كما ينبغى . قال ابن الجوزى عنه :( كان أبو بكر الخطيب قديمًا على مذهب أحمد بن حنبل فماله عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه. وتعصب في تصانيفه عليهم ، فرمز إلى ذمهم ، وصرّح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة أحمد بن حنبل : سيد المحدثين ،وفي ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء فلم يذكر أحمد بالفقه. ..ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن.وله دسائس في ذمهم عجيبة . )( وكان في الخطيب شيئان أحدهما: الجري على عادة عوام المحدثين في الجرح والتعديل فإنهم يجرحون بما ليس يجرح وذلك لقلة فهمهم والثاني: التعصب على مذهب أحمد وأصحابه . وقـد كشفـت عـن جميع ذلك في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق وتعصبه على ابن المذهب ولأهل البدع مألوف منه وقد بان لمن قبلنا.) . هنا يتناقض ابن الجوزى مع تأكيداته السابقة عن علم وتفنن الخطيب فى الحديث .
كان الخطيب حنبليا سنيا ، اما ابن الجوزى فبرغم كثرة مؤلفانه فقد كان عاميا حنبليا شديد التعصب لابن حنبل ورعاع الحنابلة ، فعاش حياته سعيدا بهم . ولذا قام بالمزايدة على الخطيب الذى كان أرفع مستوى منه فى الاخلاق وفى العلم .
كان الخطيب حنبليا سنيا ، اما ابن الجوزى فبرغم كثرة مؤلفانه فقد كان عاميا حنبليا شديد التعصب لابن حنبل ورعاع الحنابلة ، فعاش حياته سعيدا بهم . ولذا قام بالمزايدة على الخطيب الذى كان أرفع مستوى منه فى الاخلاق وفى العلم .وفى إطار المزايدة أيضا نرى مزايدة ابن الجوزى المؤرخ الحنبلى ت 597 على سلفه المؤرخ الحنبلى الخطيب البغدادى ( 391 : 463 ) صاحب موسوعة ( تاريخ بغداد ). فقد ترجم ابن الجوزى للخطيب البغدادى فى المنتظم فى وفيات عام 463 . تحدث فى البداية عن نبوغه فى علم الحديث وكثرة مؤلفاته ، وفى خاتمة الترجمة تحدث عن أخلاقه العالية وكرمه . وبين هذا وذاك هاجمه ، فوقع فى التناقض ، والسبب أن الخطيب لم يكن متعصبا لابن حنبل كما ينبغى . قال ابن الجوزى عنه :( كان أبو بكر الخطيب قديمًا على مذهب أحمد بن حنبل فماله عليه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه. وتعصب في تصانيفه عليهم ، فرمز إلى ذمهم ، وصرّح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة أحمد بن حنبل : سيد المحدثين ،وفي ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء فلم يذكر أحمد بالفقه. ..ثم التفت إلى أصحاب أحمد فقدح فيهم بما أمكن.وله دسائس في ذمهم عجيبة . )( وكان في الخطيب شيئان أحدهما: الجري على عادة عوام المحدثين في الجرح والتعديل فإنهم يجرحون بما ليس يجرح وذلك لقلة فهمهم والثاني: التعصب على مذهب أحمد وأصحابه . وقـد كشفـت عـن جميع ذلك في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق وتعصبه على ابن المذهب ولأهل البدع مألوف منه وقد بان لمن قبلنا.) . هنا يتناقض ابن الجوزى مع تأكيداته السابقة عن علم وتفنن الخطيب فى الحديث .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,055,284 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
سبقت الاجابات: الله سبحان ه بين المقص دالشر عي من...
موسى والغضب والخوف: القتل من الكبا ئر ، فكيف لشخص سيصبح نبى ان...
أنواع الصلاة : ما هو رأيك فى تأديت نا للصلا ة ؟ وفى رأيك ما...
أحاديث تثبت الصلاة: في كتاب صحيح السير ه النبو يه لنصر الدين...
أحاديث الشيعة : . جاءت احادي ث كثيره في كتب الشيع ه توافق...
more
الحنابلة وإضطهاد الأشاعرة فى الدولة الدينية تتأسّس المزايدة الدينية ، والأكثر تشددا هو الذى يفوز بالمزايدة على ( المعتدلين ) أو المنافقين المتظاهرين بالاعتدال . والعادة أن الأكثر تشددا هو الأكثر جهلا ، وهو يستر جهله برفض وحظر وتحريم ما لا يعلمه . وبالتالى فبعد التخلص من العدو الخارجى تبدأ المزايدة داخليا يقوم بها الأعلى صوتا والأكثر تزمتا وبطشا ، وفى النهاية مع ترسُّخ الجهل هو الذى يفوز ، ويهبط بالجميع من الحضيض الى أسفل سافلين 2 ـ لا ينطبق هذا فقط على الصراعات داخل الدول الدينية بل أيضا على الجماعات الدينية ، وهذا يشمل حركة الحنابلة التى زايدت على الدولة العباسية الكهنوتية ، وإستأصلت المعتزلة ( العدو الخارجى ) ثم بدأت ( تطهيرا ) داخل الدين السّنى نفسه بجعل أعظم مؤلف سُنى وهو محمد بن جرير الطبرى عبرة لكل من تسوّل له نفسه أن يفكّر ، أو أن يعلو بفكره وإجتهاده فوق سقف العقلية العامية ، حيث كان العوام وأئمتهم هم القوة الغالبة . واجه العوام ما إعتبروه عدوا آخر فى الداخل ، وهم الأشاعرة الذين وقفوا ضد العدو الخارجى ( المعتزلة ) وشنّوا ضدهم حربا فكرية ساندت الحرب الإستئصالية الجسدية . لم يسترح العوام الحنابلة للاشاعرة السنيين وما لديهم من فكر وقدرة على التنظير والجدل ، فأصبح الأشاعرة الضحية التالية بعد المعتزلة .: أبو الحسن الأشعرى ( 260 : 331 ) فى وقت محنة المعتزلة وتعرضهم للإضطهاد ، وبعد أن إنقرض الأئمة الكبار للمعتزلة وصار العصر كله ضدهم إنتهز الفرصة فقيه معتزلى مغمور كان تلميذا للجبائى المعتزلى فإنشق عن المعتزلة ، فبرز إسمه وأسس له شهرة ، وتبعه آخرون . لقد إنشقّ أبو الحسن الأشعرى عن المعتزلة مستغلا محنة المعتزلة وأملا فى شهرة أكبر من شيخه الجبائى المعتزلى ، الذى لم يكن شيئا مذكورا بالمقارنة للأئمة السابقين للمعتزلة . وبعد أن أدى الأشعرى مهمته قوبل بفتور من عوام الحنابلة ، ثم تحول النفور الى إضطهاد للأشاعرة أدى فى النهاية الى إستئصالهم فكريا ، ليغطى الجهل الحنبلى على الساحة