أنواع الكفر باليوم الآخر : ب2 ف 3
النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة
الفصل الثالث : أنواع الكفر باليوم الآخر
مقدمة :
1 ـ فى أوائل التسعينيات دعانى إستاذ فى جامعة عين شمس لحضور ندوة ، كان هذا الاستاذ الجامعى متخصصا مثلى فى ( التاريخ الاسلامى ) ومشهورا بعلمانيته وشيوعيته . وتعرّضت بعض كتبه للمصادرة . أى كان هناك بعض إتفاق بيننا . وقمت لأعلّق على محاضرته ، ففوجئت به يقول وهو يقدمنى للحاضرين أننى فلان ( مُنكر السّنة ) ويتحدث وهو يتبرأ من مشروعى الفكرى .
2 ـ تكرر نفس الموقف تقريبا مع كثير من العلمانيين ، ما إن يبدأ النقاش بيننا حتى يتحول ذلك العلمانى الى سُنى يدافع عما توارثه من أسلافه ، وتتبخّر القشرة الالحادية العلمانية ، ويظهر على حقيقته طالما تعلق الأمر بالبخارى وبالسّنة وبحديث الشفاعة وتقديس النبى محمد . إيقنت بعدها إنه يوجد بين البشر هذا الصنف الذى أسميته ( علمانى محمدى ) . حين يُواجه هذا الصنف بنقاش حول معتقداته المتوارثة تراه وقد إصفرّ وجهه خوفا ، وانطلق يدافع عن هويته الدينية التى تقبع فى أعماق قلبه .
3 ـ بل ربما يتندر ساخرا على القرآن وما جاء فيه من عذاب مستكثرا هذا ( الإلحاح ) على العذاب ، متناسيا وجود ( إلحاح ) آخر مواز عن حرية البشر المُطلقة فى الايمان او الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وأن يوم الدين هو يوم المُساءلة والثواب والعقاب على هذه الحرية، وأن الالحاح على العذاب يساويه الإلحاح على نعيم الجنة. هذا العلمانى المحمدى يتعلّق بالشفاعة طوق نجاة له ، تعطيه حرية الكفر والفسوق والعصيان مع الأمل فى النجاة من العذاب بشفاعة النبى التى سينتج عنها طبقا لآساطير الشفاعة الخروج من النار لكل من فى قلبه ذرة من إيمان .
4 ـ وفى عام 1987 صدر كتابى الصغير ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وقد صودروكان سببا مباشرا فى القبض علىّ وقتها . وأتذكّر أنه أحدث صدمة هائلة لمن سمع به ، فقد كانوا يعيشون على أمل الشفاعة غافلين عن الآخرة وعن قيامها على القسط والتحكم المُطلق لرب العالمين مالك يوم الدين . أتذكر أنه كان من بين المُستائين بعض من عرفتهم وقتها من العلمانيين المُلحدين . ومن هذه التجارب الشخصية تأكّد لى أكثر وأكثر عظمة وروعة الإعجاز القرآنى ، الذى قام بتوصيف دقيق لأنواع الكفر باليوم الآخر ، وكيف أن هذا ينطبق تماما على ( المحمديين ) العلمانيين منهم والسلفيين .
أولا : اليوم الآخر بين الكفر السلوكى والكفرالعقيدى
1 ـ وقلنا من قبل إن هناك كفرا سلوكيا باليوم الآخر يتركز فى الانغماس فى المعاصى بدون حاجة الى تبرير دينى أو تشريع أرضى ، وهذا الكفر السلوكى بالله جل وعلا وباليوم الآخر وقع فيه الصحابة بجريمة ( الفتوحات ) وما نجم عنها من قتل ونهب واسترقاق وإغتصاب وإحتلال وقهر وسبى لشعوب بأكملها باسم الاسلام . ثم تم التسويغ والتشريع الدينى لهذا بأثر رجعى فى العصر العباسى فيما يعرف الان بالجهاد السّنى ، والذى لا يزال يجرى بهمّة ونشاط من جانب الوهابيين . وهذا الكفر السلوكى بالله جل وعلا وباليوم الآخر يوجد على مستوى الأفراد السادرين فى غفلتهم المنهمكين فى المعاصى والتقاتل على حُطام الدنيا بطريقة ( علمانية ) أى بدون التحجّج بأحاديث أو تسويغات دينية من دينهم الأرضى . تجد هذا لدى المجرم العادى فى العصابات العادية كما تجد هذا أيضا فى مستبد علمانى يقهر شعبه باسم الوطنية أو القومية أو حقوق العمال والعدالة الاجتماعية ، كما كان يوجد فى الجزيرة العربية فى غارات الأعراب فى منطقة ( نجد ) وغيرها على القوافل .
2 ـ ولكن يختلف الأمر حين يتم إضفاء مبرر دينى على نفس الجرائم ، وهذه وظيفة الدين الأرضى الذى تتأسّس عليه الدولة الدينية . والدولة السعودية الأولى قامت بتحويل غارات القبائل الى ( جهاد دينى ) وهو نفس ما فعله منشىء الدولة السعودية الراهنة عبد العزيز آل سعود ، حين أقنع شباب البدو بأن يمارسوا نفس السلب والنهب والقتل والاغتصاب والسبى للآخرين بعد إتهامهم بالكفر ، فمن ليس وهابيا فهو حلال الدم والمال والعرض ، ويجب الجهاد ضده وإحتلال أرضه وقهره . وفى صعيد مصر نجح المتطرفون فى أن يضموا اليهم قطّاع الطرق الذين يعتصمون بالجبال فأصبح هؤلاء اللصوص يمارسون نفس الجُرم من قتل وسلب ونهب تحت مُسمى الجهاد ( الاسلامى ) .
3 ـ المُسفاد أن الدين الأرضى يقوم بتقعيد الكفر السلوكى وجعله ( دينا أرضيا ). وبهذا يتم التشجيع على ارتكاب الجرائم ، فقد أصبح إرتكابها عبادة ، ( وجهادا ) . ومن هنا يتم بسهوله إقناع الشباب بارتكاب العمليات الانتحارية على أنها جهاد ، وأن الانتحارى الذى يفجّر نفسه ليقتل الأبرياء عشوائيا سيجد سبعين من جميلات الحور العين يفتحن أحضانهن وأرجلهن له ، وبعض الروايات تبشّره بأن عضوه الذكرى الذى سينكح به هؤلاء الحور العين سيكون فى حجم جبل أُحُد ..يا للهول ..!!
4 ـ وبتبرير وتسويغ الجرائم يتنوع الكفر العقيدى ـ طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ، الى ثلاث حالات : الإنكار ، التحريف والتزييف ، والجمع بين الانكار والتحريف . ونتعرض لها بإيجاز :
ثانيا : إنكار اليوم الآخر :
1 ـ يقول العلمانيون اليوم ما كان أقرانهم من كُفّار قريش يقولونه فى إنكار اليوم الآخر ، يقولون أنها حياة واحدة فقط نحياها ، ثم نموت كما يموت السابقون واللاحقون فى هذا الدهر:( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ). ويردُّ عليهم ربّ العزة:( وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24) ( الجاثية ). ويتكرر فى حديثنا العادى وحتى فى الدراما أن يقال ( إحنا بنعيش مرة واحدة ) ، وهو إنكار صريح لليوم الآخر ، وهو الحياة الخالدة الذى لا موت فيه فى الجنة أو فى الجحيم ، أو هو بالتعبير القرآنى ( الحيوان ): (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) ( العنكبوت ). ولنا هنا ثلاث ملاحظات :
2 ـ الملاحظة الأولى : أنه جاء التركيز على بداية اليوم الآخر وهو يوم البعث لأن ما يتلوه مؤسّس عليه. وحول البعث دارت تساؤلات المنكرين لليوم الآخر من العرب وقت نزول القرآن الكريم ، وكالعادة لم يقم النبى بالردّ لأنّ الذى يتولى الردّ هو رب العزّة بالوحى القرآنى . فقد إعتبروا البعث سحرا : ( وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ )( الصافات 15 ـ ). وبعضهم إعتبر البعث من أساطير الأولين ، وإتّهم بهذا ملة ابراهيم التى وصلت اليهم عن طريق آبائهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ). وجاء الأمر للرسول أن يقول لهم سيروا فى الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المجرمين : ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ )(النمل 67 : 69 ) . وتساءل بعضهم فى عجب وهو يُنكر البعث:كيف يبعث الله جل وعلا جثة أصبحت ترابا:( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ). وجاءهم التهديد المباشر من رب العزة : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )( الرعد 5 ).
وبعضهم ضرب الأمثال بعظام بشرية قد بليت فكيف ستعود اليها الحياة ، وجاء الردّ عليه من الرحمن بجملة إعتراضية مُذهلة هى : (وَنَسِيَ خَلْقَهُ ) :( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)( يس ). أى إنه نسى أنه مخلوق الآن ولم يكن قبل ذلك شيئا مذكورا . هو مخلوق من منى وبويضة ، وتم تخليقهما من طعام أكله الأب والأم ، وتم هضمه وتمثيله ، وهذا الطعام جاء من عناصر طبيعية تكون منها النبات والحيوان ، ثم سيموت هذا الجسد ويتحلّل ويعود الى نفس العناصر الطبيعية ، وتتكرر دورة الحياة والموت والبعث فى صورة مبسّطة فى هذه الدنيا ، قبل أن يأتى البعث الأكبر باليوم الآخر . ثم أتى رب العزة بحُجّة عقلية : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79). أى أن الذى خلق هو القادر على أن يعيد ما خلقه ، وهو العليم بكل ما خلق . ثم يأتى رب العزّة بردّ علمى يخاطب كل مُنكر للبعث، فهو الذى يحيل النبات الأخضر الى طاقة ونار :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80). فالمادة الخضراء فى النبات هى طاقة متجمدة تأتى أصلا من الشمس مصدر الطاقة والحياة، وتتحول الى خشب ووقود. بل إن الفحم والبترول كانت فى الأصل غابات هائلة من الشجر الأخضر ، وبالضغط والحرارة الهائلة فى ملايين السنين تحولت الى أهم مصادر الطاقة الآن . وفى سورة الواقعة يشير رب العزّة الى أن أصل الطاقة التى نعيش عليها الآن هو شجرة : ( أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) .وهذه التحولات فى داخل أجسادنا وحولنا من مادة الى طاقة والعكس هى عمايات متعاقبة من الخلق والبعث. وتمتد لتشمل السماوات والارض وما بينهما من نجوم ومجرات تولد وتتضخم وتنفجر وتندثر وتتحول الى أشباح أو ثقب أسود أو أبيض ليعاد خلقها من جديد ، وسبحان المبدىء المعيد . ثم يشير جل وعلا فى الاية التالية الى أنه جل وعلا هو الذى خلق السماوات والأرض وهو القادر على تدميرها وإعادة خلقها :( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81 )( يس ) . ووصف (الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) هنا غاية فى الإعجاز والإيجاز ، فهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده ، وتتكرر عملية الخلق والبعث أو إعادة الخلق ، بل إن البعث اسهل عليه جل وعلا من الخلق أول مرة : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) الروم 27 ).
3 ـ الملاحظة الثانية : أن الردود الالهية عن البعث وارتباطه بالخلق تحوى أحيانا بعض الحقائق العلمية ، ومنها ما تم إكتشافه كما سبقت الاشارة اليه عن الطاقة والمادة داخلنا وحولنا ، وكقوله جل وعلا يخاطب البشر جميعا عن مراحل خلق الجنين والمراحل العمرية للإنسان فى سياق التدليل على البعث : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ )( الحج 5 : 7 ).
ومنها ما لم نكتشفه بعد كقوله جل وعلا فى سورة ( ق ):( بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ )2 : 3 ) . الرد العلمى الأول هو قوله جل وعلا ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ) . فكل فرد يستهلك جسده قدرا محددا سلفا من الماء والاوكسجين والمعادن التى يتكون منها طعامه وشرابه وتنفسه . ثم يموت ويتحلل جسده الى عناصره الطبيعية لتعود تلك العناصر للأرض بخارا وترابا لو إختلط به الماء صار طينا . أى جاء من التراب والى التراب يعود . وبينهما فكل ( الفاقد ) من هذا وذاك وكل المستهلك وكل العائد يتم حفظه فى كتاب الاهى حفيظ ، فيه مقدار ما استهلكناه من الأرض ، من ترابها ومائها وغازاتها وأوكسجينها وثانى أوكسيد كربونها . هذا الحساب فوق طاقتنا .
أيضا فإنّ ألية البعث يوم البعث لم يكتشفها علمنا البشرى بعد ، وإن جاءت الاشارة اليه فى القرآن الكريم . ففى نفس سورة ( ق ) يقول جل وعلا يخاطبنا : ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)ق ) . هنا يدعونا جل وعلا للنظر الى الخلق فى السماء وفى الأرض . ونزول السماء بالماء ، وحياة الأرض بالنبات ، ثم موت النبات ، ثم إعادته للحياة ، ويختم جل وعلا بقوله (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ )، أى بنفس الطريقة سيكون البعث أو الخروج من القبر ، أوالنشور:( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)( فاطر ) . والبعث هو عملية عكسية للخلق (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) ( الأعراف ) ويشمل هذا إعادة خلق السماوات والأرض فى يوم القيامة (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)( الأنبياء )، وذلك سهل ويسير على الله جل وعلا : ( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (28) ( لقمان ).
4 ـ الملاحظة الثالثة : إن الخطاب بالبعث جاء للبشر جميعا لأن إنكار البعث والكفر باليوم الآخر عادة سيئة لمُعظم البشر . قال ذلك قوم عاد للنبى هود عليه السلام : ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )( المؤمنون 35 : 37 ). وردّد نفس القول كفرة العرب وقت نزول القرآن فقالوا مثل ما قال الأولون : ( بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )( المؤمنون 81 : 83 ). وسيظل الكفرة يقولون هذا الكفر بالبعث الى أن تقوم الساعة . ويؤتى بهم يوم القيامة الى النار من أصحاب الشمال ، وقد وصفهم رب العزة فقال: ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ). ويأتى الرد عليهم مقدما بما ينتظرهم من العذاب:( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) ( الواقعة 46 : 56 ) .
ثالثا : التحريف والتزييف وصناعة يوم آخر يالشفاعات
1 ـ وليمتع العاصى بعصيانه والمجرم الطاغى بطغيانه يكون الحل أحيانا ليس بالكفر الصريح باليوم الأخر ، ولكن بصناعة وصياغة يوم آخر على هوى البشر ، يزدحم بالشفاعات ، ويدخل العصاة والمتقون الجنة معا ، وهذا ما يفعله المحمديون بأساطير الشفاعة ، وما يفعله المسيحيون بأساطير الخلاص ، وكلم يتخذون شفعاء لهم من دون الله جل وعلا . وقد ردّ رب العزة عليهم فقال جل وعلا : ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) الزمر ).وجعلهم بافتراءاتهم هذه أظلم الخلق :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) يونس ). 2 ـ وليس من عدله جل وعلا أن تساوى الصالح بالطالح ، وحتى ليس هذا فى قوانين البشر التى تحاول تأسيس العدل أن يتساوى المجرم بالبرىء . يقول جل وعلا ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) القلم ) ،( أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) ( السجدة ) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) ( ص )
رابعا : النوعان معا
وبعضهم ينكر اليوم الآخر ، ولكن يقول: وحتى لو كان هناك هذا اليوم الآخر فسأجد فيه النعيم مهما فعلت من عصيان . قالها الرجل صاحب الجنتين فى المثل الذى ضربه رب العزة لمن يغترُّ بالدنيا ويعبد حُطامها فيكفر بالله جل وعلا وباليوم الآخر ، ويفقد حطام الدنيا نفسه ويخسر الدنيا والآخرة معا : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) الكهف ) وتنهى القصة وقد دمّر رب العزة جنتيه : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42)( الكهف ). قال عن كفره بالآخرة (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) ، وفى نظره حتى لو كان هناك يوم آخر سيجد خيرا من جنته : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً ). وقالها رجل من العرب ونزل الرد عليه فى القرآن الكريم : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم )
وهى عادة سيئة للإنسان ، يقول رب العزة : (لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) ( فصلت ). يقول منكرا الآخرة شاكّا فيها (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )، وفى نظره أنه حتى لو صحّ وقوعها سيجد الجنة أو الحُسنى فى إنتظاره مهما أجرم : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ). ويأتي الردُّ : ( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) .
ودائما : صدق الله العظيم .
اجمالي القراءات
11919
لكم جزيل الشكر ، أستاذنا المحترم ..
وأعتقد أن عبارة " العلمانية " ما زالت في حاجة ماسة إلى مزيد من شرح وتوضيح ، ولكم الشكر :
* ما هو بالضبط تعريف العلماني ؟
* وهل يكون العلماني ملحدا بالضرورة وحتما ؟
* ألا يمكن أن نتصور علمانيا غير ملحد ، ؟ قريبا جدا من ذلك الحر المحترم لغيره بل المستميت من أجل أن تسود حرية الغير ؟
* والعلمانية أصلا ...؟ ألم تولد أولا وقبل كل شئ بالغرب ؟ وكرد فعل للمارسات التي اسرف فيها رجال الدين في عصور خلت ؟
وشكرا من قبل ومن بعد .