الإسلام دين الديمقراطية : ملحق (2 ) لكتاب الشورى
الشورى الفريضة الغائبة
1- هناك فرائض اسلامية غائبة صادرها المسلمون عمدا حين أقاموا لهم امبراطوريات تقلد الحكم البيزنطى والفارسى بقدر ما تناقض الاسلام وتشريعاته وقيمه الأخلاقية. الشورى الاسلامية –أو الديمقراطية المباشرة – هى احدى تلك الفروض الاسلامية الغائبة أو المغيبة عمدا.
2 ـ لنا كتاب بالانجليزية منشور على الانترنت بعنوان "جذور الديمقراطية فى الاسلام " يبحث فى ديمقراطية الاسلام وكيف تحولت الى طغيان فى تاريخ المسلمين . هذا البحث الأصولى التاريخى يؤكد التناقض بين ديمقراطية الاسلام المباشرة وكيف صادر المسلمون بالتدريج تلك الديمقراطية الى أن تحولت الى ديكتاتورية عسكرية قبلية عنصرية فى العصر الأموى ثم الى ديكتاتورية كهنوتية دينية فى العصر العباسى – وهو عصر تدوين حضارة المسلمين – فتم تثبيت معنى الشورى بمفهوم الراعى والرعية وأهل الحل والعقد لتسويغ تسلط الخليفة العباسى - ثم العثمانى – على الناس بحجة أنه يستمد سلطته السياسية من الله تعالى ،وأنه مسئول امامه فقط عن الرعية يوم القيامة ، وأنه يملك الأرض وماعليها ومن عليها ومن حقه أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين الى آخر ذلك من تشريعات تفنن فيها فقهاء العصر العباسى لارضاء فرد واحد واغضاب رب العالمين .
الشورى تنبع من عقيدة الاسلام
1 ـ الشورى – أو الديمقراطية الاسلامية المباشرة – لها جذور فى عقيدة الاسلام ( لا اله الا الله ). فالله وحده هو الذى لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هى تتعرض للمساءلة ( الأنبياء 23). وعليه فالحاكم الذى يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الى مستوى الله تعالى الذى لا يسأل عما يفعل.
2 ـ ثم إنّ خاتم النبيين محمدا عليه وعليهم السلام قد أمره الله تعالى بأن يشاور الناس ، انه نبى يأتيه الوحى الالهى ومع ذلك فالوحى الالهى نفسه يأمره بالشورى ، وعليه فان أى حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشورى انما يرفع نفسه فوق مستوى خاتم النبيين ، أى يدعى الألوهية ، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.
3 ـ والقرآن الكريم ردد قصة فرعون موسى وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذى يصل به استبداده الى ادعاء الألوهية ويصل به فساده الى اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه – وحزبه الوطنى !! حين تتدبر القصص القرآنى عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها على الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدى عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية.
4 ـ كل ذلك يؤكد على ان الاستبداد قرين الكفر والظلم كما أن الديمقراطية الاسلامية لها جذور فى عقيدة التوحيد الاسلامية. وكما أن العدل أو القسط هو سبب انزال الكتب السماوية وارسال الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام ـ فان الظلم هو خصم لدين الله تعالى وشرعه ، وعليه فالديمقراطية الاسلامية أو الشورى هى العدل السياسى فى الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب.
الشورى الاسلامية ضمن الفرائض التعبدية كالصلاة
1- ومن العجب ان الشورى الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر بها - فى سورة اسمها الشورى - مقترنا بالصلاة وايتاء الصدقة: ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)الشورى) ، لتؤكد أن فرضية الشورى مثل فرضية الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة فى الصلاة – اى لا يصح أن يصلى أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك فى حضور مجالس الشورى - وهى جمعية عمومية فى كل قرية وحى تضم كل المواطنين بغض النظر عن عقائدهم وأى وضع اجتماعى آخر .
2 ـ وبالتالى فالشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابى ، أى أن الشورى الاسلامية او الديمقراطية الاسلامية تتفوق على أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية . واذا كانت الصلاة فرضا عينيا على كل مسلم فى الصحة والمرض وفى الاقامة والسفر وحتى وقت الحرب فان فريضة الشورى كذلك يمارسها المسلم فى جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها فى بيته وعمله . من المهم هنا التأكيد على أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه .
الأمّة مصدر السلطات فى الشورى الاسلامية
1- فى ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هى مصدر السلطات وليس الحاكم . لقد جاء النبى محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له مسلمو المدينة وغيرهم له دولة ، هى أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه تعالى يخاطبه وهو الحاكم لتلك الدولة : " فبما رحمة من الله لنت لهم" أى بسبب رحمة من الله تعالى جعلك لينا معهم ورحيما فى التعامل معهم.فماذا اذا لم يكن لينا هينا معهم ؟ تقول الآية الكريمة :" ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك " فماذا اذا انفضوا من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعانى الاضطهاد. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والمنعة والدولة من اجتماعهم حوله ، أى أنهم مصدر السلطة له فى الدولة التى أقاموها له ، أى أنه لا يستمد سلطته من الله تعالى وأنما يستمدها من الشعب ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أى الشعب - كى لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ تقول الآية تضع التشريع السياسى للنبى الحاكم وكل حاكم ديمقراطى – " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر " اى يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا فى حقه، ويشاورهم فى الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر.
2 ـ الأمر بالشورى جاء هنا يأمر النبى بأن يشاورهم جميعا فى أى أمر مطروح بحثه – أى يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أى نوع أو استثناء لأى نوع - وفق الديمقراطية المباشرة التى لا مجال فيها للتمثيل النيابى أو الديمقراطية غير المباشرة.
3 ـ لاحظ هنا أن الحاكم المستبد الذى يسرق سلطة الشعب ويحتكرها لنفسه لا يحتاج الى أن يكون لينا هينا مع الناس ، بل يمارس ما بسمى بهيبة الدولة أو هيبة النظام التى تتجلى فى تسلط ضابط البوليس مع أفراد الشعب لارهاب الناس وارعابهم وتخويفهم حتى يسكتوا عن حقوقهم المسلوبة . ولذلك يقترن الاستبداد بالتعذيب بدءا من فرعون موسى الى عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مع بداية الخروج على تعاليم الاسلام وديمقراطيته وشفافيته وعدله ، حيث بدأ التعذيب لارهاب المعارضة ، وتعرض للتعذيب بعض كبار الصحابة – بدرجات مختلفة – ومنهم عمار بن ياسر وابن مسعود وأبو ذر وأبوالدرداء. ثم أصبح التعذيب سنة متبعة ملازمة للظلم والفساد والاستبداد من العصر الأموى وحتى عصرنا السعيد . وعليه كان لزاما التعتيم على فريضة الشورى الاسلامية ومصادرتها لصالح الاستبداد.
تطبيق الشورى
1 ـ نزلت فريضة الشورى فى مكة ، وطبقها المسلمون فيها وقت أن كانوا أقلية مستضعفة ، ثم بعدها فى المدينة كانت تؤدى علانية كفريضة اسلامية فى المسجد الذى يتحول الى مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ونساءا ،وحدث أن تخلف بعضهم فنزل القرآن يلومهم ويحذرهم من التغيب عن حضور هذه الفريضة ويتوعدهم بالعقاب اذا فعلوا.( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64) النور) وتردد فى أيات أخرى بعض ما كان يحدث فى مجالس الشورى وتآمر المنافقين الى آخر ما أوضحناه فى كتابنا سالف الذكر.
2 ـ بعد موت النبى حافظ المسلمون جزئيا فى عهد أبى بكر وعمر على انعقاد مجالس الشورى العامة فى المسجد حيث كان يتم النداء لها بتعبير " الصلاة جامعة" ثم أهملها عثمان الذى اكتفى باستشارة سكرتيره وقريبه مروان بن الحكم الذى تسبب فى مقتل عثمان واشتعال الفتنة الكبرى ومصادرة الديمقراطية الاسلامية فى الدولة الأموية.
3 ـ جاء تدوين التراث فى العصر العباسى حيث تحول الحكم من الاستبداد الأموى العسكرى القبلى – نسبة للقبيلة – الى حكم استبدادى كهنوتى فى العصر العباسى ، فكان طبيعيا اغفال كتب السيرة وما يسمى بالسنن والتفاسير الاشارة والتعليق على تلك المجالس التى كان يحضرها النبى وتتم فيها مناقشة كل امور المسلمين علانية، كما يتم فيها تطبيق آليات الشورى المباشرة.
ولى الأمر ليس حاكما للشعب بل هو خادم الشعب فى حدود تخصصه
1ـ أولو الأمر –بالمصطلح القرآنى – هم أصحاب الشأن والاختصاص ، أى الخبراء فى الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر على جمهور المسلمين أن يتخصصوا فى كل شىء ، لذا فان طاعتهم واجبة فى حدود تخصصهم وفى اطار طاعة المولى جل وعلا والرسول اى القرآن أو الرسالة. وجاء مصطلح أولى الأمر بهذا المعنى مرتين فقط فى القرآن الكريم {النساء 59 ، 83 } . ومعنى أنه صاحب خبرة فى الشأن المطروح فالعبرة بخبرته وتخصصه سواء كان ذكرا أو انثى ، وبغض النظر عن عقيدته وإيمانه . فدولة الاسلام الدين فيها لله جل وعلا والوطن فيها للجميع .
2 ـ جاء التراث العباسى ليجعل أولى الأمر هم الحكام ويجعل طاعتهم مطلقة حسب تأويلهم للقرآن وتحريفهم لمعناه.
الخطاب القرآنى للمؤمنين وليس لحاكم فرد
1ـ ان الخطاب التشريعى فى القرآن الكريم جاء يخاطب عموم المسلمين يقول لهم مثلا : " يأايها الذين آمنوا " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص" البقرة178} " ان الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " النساء 58} لم يأت يخاطب حاكما فردا على الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، على اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
2 ـ وهذا الخطاب للمؤمنين فى دولتهم الاسلامية الديمقراطية بتلك الأوامر يخالف رسالة النبى موسى عليه السلام التى كانت فى البداية موجهة الى شخص واحد هو الفرعون الذى كان يمثل كل المصريين ويتحدث باسمهم ، لذا توجه موسى وهارون ليس للمصريين ولكن لفرعون فقط لأنه كان يملك مصر وما عليها ومن عليها .
ليس فى الدولة الاسلامية ( حاكم ) لأن الشعب هو الذى يحكم نفسه بنفسه :
1 ـ أن القرآن الكريم لم يذكر كلمة حاكم فى تفصيلاته التشريعية إلا فى معرض النهى عن الرشوة والفساد فى دولة غير إسلامية : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة ) .
2 ـ بل أن لفظ " يحكم " أو "حكم " جاءت بمعنى التقاضى وليس الحكم السياسى ، أى الحكم بين الناس وليس حكم الناس كأن يقول تعالى " واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " النساء :_58 " هذا فى التقاضى أو الحكم بين الناس فى الدنيا، أما التقاضى بين الناس أو الحكم بين الناس فى الآخرة فهو لله تعالى وحده يوم الحساب حين يحكم بين الناس فى خلافاتهم العقيدية : " قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون." الزمر 46}.
3 ـ باختصارفان ( فعل ) " حكم" لم يأت فى القرآن الكريم متعديا أى بمعنى الحكم السياسى أى " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الى ظرف أو جار ومجروربمعنى " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعنى القضاء والتقاضى أى يقضى بين الناس، أو " يحكم ب " أى يحكم فى القضاء بشرع الله تعالى أو شرع غيره . وفى هذا المجال جاء قوله تعالى : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون " المائدة 44 ،45 ،47 }
( حاكمية الاخوان ) أسوأ أنواع الاستبداد
1 ـ الاخوان المسلمون وشيعتهم السلفيون يستشهدون بالآيات الكريمة السابقة فى مزاعمهم السياسية ضد الاستبداد المحلى العسكرى والحزبى ، مع أن هذه الآيات الكريمة تحكم عليهم هم بالكفر والفسوق والظلم . انها تنطبق عليهم هم قبل غيرهم لأنهم الدعاة لتطبيق شريعة الفقه السنى المناقضة لما أنزل الله تعالى فى الأصول العقيدية و التشريعية . وهذا ما أثبتناه فى أبحاث عديدة لنا تناولت التناقض بين الفقه السنى والقرآن فى المصطلحات والمقاصد التشريعية والقواعد التشريعية والأحكام والتفصيلات التشريعية. الأمثلة عديدة ليس فقط فى تقديس النبى محمد والصحابة والأئمة والأولياء والقبور المقدسة والأسفار والكتب المقدسة وما وجدنا عليه آباءنا ، بل أيضا انكار فريضة الديمقراطية وفرض الحاكمية الاستبدادية وفى استحلال الدماء التى حرمها الله تعالى . فى شريعتهم الشيطانية يوجبون قتل المخالف لهم فى الرأى بتهمة الردة والزندقة ، ويوجبون رجم الزانى وقتل تارك الصلاة وقتل المخالف للسلطان بل جعلوا من حق الخليفة قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.
2 ـ. على دأب فرعون سار الخلفاء غير الراشدين فى العصور الوسطى ، وعلى سنتهم السيئة يسير الاخوان حاليا فى دعوتهم الى الحاكمية التى تعنى ان الخليفة يحكم باسم الله تعالى وأنه مصدر السلطة وليس مسئولا أمام الناس ، بل هو مسئول فقط أمام الله تعالى فيما فعل فى الرعية ، وهو الراعى والناس رعية له أو انعام يملكها ويستغلها فى الانتاج ويقتل منها ما يشاء ويستبقى من يشاء ولا معقب لقوله ولا راد لارادته، أى انه التأليه للحاكم الناطق باسم الله والذى يحكم باسمه ، لذا كانت الشورى الاسلامية جزءا من عقيدة الاسلام التى تقصر الألوهية على الهو تعالى وحده دون شريك من ولى معبود أو حاكم متأله . ومن هنا أيضا توجه الخطاب القرآنى لعموم المؤمنين ولم يتوجه لشخص حاكم اذ ليس فى الدولةالاسلامية وديمقراطيتها المباشرة وجود لحاكم بل يحكم الناس أنفسهم بأنفسهم وفق آلية شرحناها فى كتابنا سالف الذكر.
الجهاد فرض لإقامة القسط والشورى الاسلامية
1 ـ نأتى للسؤال الهام : اذا كانت الشورى فريضة اسلامية فماذا نفعل اذا اغتصب أحدهم الحكم واستبد به ظالما للناس مصادرا لحقوقهم بالقهر والتعذيب ؟ الاجابة هى وجوب الجهاد ضده . هنا يتحتم الجهاد السلمى أولا فان لم ينفع فالجهاد بالسلاح ليس فقط لازاحة المستبد الظالم ولكن – وهذا هو الأهم – لاقامة العدل والقسط .
2 ـ ليس المقصود هنا الجهاد على الطريقة السلفية الاخوانية – أى الوصول الى الحكم واستغلال اسم الاسلام العظيم لاقامة دولة دينية كهنوتية استبدادية معادية للاسلام كالدولة العباسية أو العثمانية أو الفاطمية أو السعودية وباستعمال الارهاب أى قتل المدنيين والأجانب – وانما يعنى الجهاد الاسلامى الحق السعى لاقامة دولة اسلامية حقيقية أى بالمفهوم المعاصر دولة مدنية علمانية ديمقراطية تحقق العدل والحرية ، ليس مهمتها ادخال الناس الجنة رغم انوفهم ولكن حماية كل حقوقهم فى هذه الدنيا على أساس المساواة والعدل المطلق بين كل المواطنين.
من أسف ان من يثور على الاستبداد ويطرد المستبد ويحل محله سرعان ما ينسى الشعارات البراقة التى كان يرفعها ويخدع بها الجماهير، لذا سرعان ما يستبد ويطغى ويفسد فى الأرض ويحتاج الأمر الى ثورة جديدة تحمل شعارات أخرى فاذا وصل الثوار الجدد للحكم سكنوا فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وكرروا نفس الاستبداد. كانت هذه مسيرة تاريخ المسلمين فى ثوراته وانقلاباته منذ العهد بالرضا لآل محمد الذى رفعته الدعوة الشيعية العباسية – والمهدى المنتظر – الى عصرنا ؛ وهوعصر الثورات والجمهوريات التى تحولت الى شىء قبيح يحمل فى داخله عورات الاستبداد بكل ملامحه وتزيد عليه التمديد والتوريث. وهذا هو حال العرب والمسلمين اليوم. هم بين دعاة الاستبداد الدينى الكهنوتى و الاستبداد العسكرىوالحزبى القائم على القهر والظلم. والجهاد الاسلامى واجب ضد الفريقين معا سلميا فى الاساس ثم عسكريا اذا لم يكن هناك طريق آخر.
3 ـ الشورى الاسلامية تجمع فى داخلها المعادلة السحرية التى توازن بين الحرية والعدل. فالديمقراطية الاسلامية المباشرة تعنى العدل المطلق فيما نسميه حاليا بالمشاركة السياسية فالمجتمع هو صاحب الحق المطلق فى السلطة السياسية أو هو مصدر السلطات ، وحق المجتمع هنا يتقسم بالعدل المطلق على عدد أفراد المجتمع بالمساواة المطلقة. الحاكم هنا هو ولى الأمر أى صاحب الاختصاص فى عمله الذى يجيد القيام به وهو مسئول امام المجتمع ومجرد خادم يقوم بعمله المختص به ويعاونه آخرون يطيعونه فى اطار طاعة الله تعالى ورسوله أى طالما يؤدى عمله فى حدود القانون الذى يتم تطبيقه على الجميع بلا استثناء.
4 ـ جدير بالذكر ان تشريعات القرآن لا تزيد عن مائتى آية معظمها فى حماية الأسرة والمرأة وحماية المجتمع ، وتترك مجالا واسعا للتشريع البشرى الذى يغطى كل احتياجات المجتمع فى اطار العرف أو المعروف أو ما يتعارف الناس عليه على أساس انه القيم العليا والفضائل. وكل تشريع يقننه المجتمع فى اطار هذه القيم العليا يكون تشريعا اسلاميا ، كما أن أى دولة تقيم حقوق الانسان ومعالم العدل وحرية الفكر والعقيدة تكون دولة اسلامية.
5 ـ الشورى أو الديمقراطية الاسلامية المباشرة تساوى بين الأفراد جميعا بغض النظر عن الغنى والفقر ، الذكر والانثى، الملة والاعتقاد ، العنصر ، اللغة الأصل ، العرق ، الطبقة واللون...الخ. فالديمقراطية المباشرة عدالة سياسية مطلقة.وهى أيضا تؤكد على حرية المعتقد المطلقة ؛ فكما أن للفرد حريته المطلقة فى الايمان بالله تعالى أو الكفر به والتنقل بين أى دين كيف شاء وترك الايمان متى أراد وهو مسئول أمام الله تعالى فقط يوم الدين عما اختار - له أيضا حقه المطلق فى حريته السياسية بمعنى التساوى التام بين كل المواطنين ، والعدل المطلق فى المواطنة . المساس بهذا المعيار يضيع العدل ويفتح الباب لاستئثار مجموعة بالسلطة ، ثم بالثروة، ويتسلل الاستبداد والفساد فى غيبة الأكثرية من الناس مما يؤدى الى تهميشهم ثم الى العصف بحقوقهم.ولأن الديمقراطية – الشورى – فريضة اسلامية فان الجهاد فى سبيلها فريضة اسلامية طالما يهدف هذا الجهاد لازاحة الطاغوت السياسى والدينى واحلال حكم عادل ديمقراطى حقيقى
6 ـ لقد أنزل الله تعالى من السماء شيئين: الرسالات السماوية والحديد.
الحديد لا ينتمى لكوكب الارض وانما هبط اليها وتركز فيها ليؤدى مهمة نعرفها جميعا. الرسالات السماوية هبطت من السماء لاصلاح أهل الارض باقامة العدل أو القسط بينهم , وهى أيضا مهمة نعرفها جميعا. الذى نعرفه وننكره فى نفس الوقت هو الاستخدام السىء للحديد والاستغلال السىء للرسالات السماوية. الحديد فى حد ذاته معدن محايد , لا تقول انه حرام أوحلال. انما يحرم استعماله فى الظلم ويجوز استعماله فى المباح وقد يجب استعماله فى الفرض. السكين والبندقية قد تستعملها فى الصيد المباح ويكون استعمالها واجبا وضروريا عندما تدافع بها عن نفسك حين يهاجمك مجرم سفاك، ويكون حراما استعمالها فى الاعتداء على المسالمين .
الرسالات السماوية هدفها جميعا أن يقوم الناس بالقسط والعدل . ولكن سرعان ما تتحول تلك الرسالات السماوية النبيلة الى وسائل لاستعباد البشر وظلمهم . يفعل ذلك عادة شر الناس الذين يحترفون التدين ويركبون ظهور الشعوب والعوام باسم الدين وهم أعدى اعدائه.
من السهل تحديد العدو الظاهرالذى يرفع سلاحه الحديدى فى وجهك فيقتلك فعلا. ولكن من الصعب جدا ان تتعرف على العدوالخفى القريب وهو الذى يرفع فى وجهك دينا مزيفا مغشوشا يزعم انه دين الله تعالى ورسوله، وبه يرهبك أو يهددك ويرعبك ويخيفك فيقتل فيك أسمى ما فيك : آدميتك التى كرمك الله تعالى بك ، وبعد ان سلب منك شرف الآدمية يركب ظهرك ويستحل حرماتك بل ويجعلك تهتف باسمه مهللا . هذا بالضبط ما يفعله أخطر الدجالين ؛ دعاة الدولة الدينية.
7 ـ القرآن أرسى فارقا حقيقيا يوضع الفرق بين الداعية للحق والداعية للباطل حين قال : اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون" يس 21 " الأنبياء كانوا لا يأخذون أجرا على الهداية ، وهذا ما تكرر فى القرآن. والأنبياء أيضا هم اول البشر عملا بما يقولون واول الناس طاعة وتطبيقا لما يأمرون به الناس. وعلى نفس النسق يكون الداعية للحق ؛ لا ياخذ من الناس أجرا بل يجاهد بما يملك من مال ونفس يبتغى رضا الله تعالى، ويطبق على نفسه ما يقول للآخرين ويكون أول الملتزمين بما يدعو اليه . دعاة الباطل كما وصفهم القرآن الكريم يأكلون اموال الناس بالباطل ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، عينهم على الأجر والمتاع الدنيوى و" تبرع يا أخى لبناء مسجد نفق شبرا" يجمعون الأموال وينهبونها ويسرقونها باسم الاسلام. أما كبارهم فالأجر الذى يسعون اليه هو ان يموت الشباب انتحارا من أجل أن يركبوا على أكتافنا باسم الاسلام باعتبار انهم وحدهم من دون العالمين هم الذين اختارهم الله تعالى لاسترقاقنا وامتلاكنا والتحكم فينا حيث تكون لهم كل الحقوق وعلينا لهم كل الواجبات !!
هل هناك ظلم للبشر أفظع من ذلك ؟
8 ـ الأفظع منه ظلمهم لله تعالى . فالله تعالى أرسل الأنبياء جميعا وأنزل كل الرسالات السماوية لتحقيق هدف واحد وهو أن يقوم الناس بالقسط : " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .:"الحديد 25" الا ان اعداء الله تعالى قاموا بتزييف دينه بأحاديث كاذبة وتفسيرات ضالة وتأويلات فاسدة ومصطلحات مبتدعة ليبرروا ظلمهم وسرقتهم حقوق الناس والأمم والشعوب . وبذلك فهم لم يظلموا الشعوب فقط وانما جعلوا لظلمهم مسوغا شرعيا ليستمر الظلم محتميا بمرجعية الاهية مزورة. وفى هذا كل الظلم للواحد القهار ودينه ورسالاته السماوية التى نزلت لاقرار العدل المطلق والديمقراطية المباشرة فحولها أعداء الله بالتزوير والغش الى تقنين للظلم . هم بذلك يظلمون الله تعالى أكثر من ظلمهم للبشر. ويكفى ان هناك من المسلمين وغيرهم من يبغضون الاسلام واسمه وشريعته لأنهم عاشوا مقتنعين – ولا يزالون مقتنعين – أن اولئك السلفيين الحاليين وائمتهم وتراثهم وتاريخهم هو الاسلام فأصبح الاسلام متهما بما فعله أعداؤه القدامى والمعاصرون .
لانصاف الله تعالى ولانصاف البشر شرع الله تعالى الجهاد بالحديد لاقامة العدل الاجتماعى والسياسى واقرار الحرية الدينية لاستئصال الكهنوت الذى يسلب البشر أروع ما خلقه الله تعالى فيهم – العقل الناقد الشاك المتسائل الباحث عن الحقيقة حتى لوتعارضت مع المألوف والسائد وما وجدنا عليه آباءنا – وهو نفس الكهنوت الذى يسلب من تشريعات الرحمن أروع ما فيها – حرية الانسان فى عقيدته واختياره ومسئوليته امام الخالق وحده فقط عما يختار.
التحالف بين الاستبداد السياسى والاستبداد الدينى
9 ـ وظيفة الكهنوت أن يزعم – كذبا - التوسط بين الله تعالى والبشر. وليس فى الاسلام واسطة بين الله تعالى والناس. ولأنه زعم كاذب لا سند له فى دين حق أو فى عقل سليم كان لا بد للكهنوت أن يحتمى بقوة تساعده فى الزام الناس بطاعته وتقديسه وعبادته . من ناحية أخرى فالاستبداد السياسى يحتاج الى مسوغ دينى يخدع به الجماهير، أى يحتاج الى مؤسسة كهنوتية تبرر له وتفتى من أجله وتترعرع فى ظله وتنعم معه على حساب حقوق الناس. وهكذا عاش الاستبداد والكهنوت معا فى تاريخ المسلمين والغربيين ، وبينما تقلص الكهنوت فى الغرب بعد أفول الاستبداد الغربى فان الاستبداد الشرقى العريق لا يزال يعيش معتمدا على الكهنوت الدينى فى شكل مؤسسات دينية تدعى أنها مؤسسات علمية . تميز الكهنوت الشيعى باقامة دولته الدينية التى يحكمها مباشرة وفق ما يعرف بولاية الفقيه ، وهى الحلم الذى يسعى اليه المعارضون الوهابيون للدولة السعودية امثال الفقيه والمسعرى وتلميذهم الشهير أسامة بن لادن.
المستبدون والكهنوت أعداء حقيقيون لله تعالى ، سواء كانوا فى السلطة أو يسعون اليها مسلحين بفكر الكهنوت وثقافة الارهاب والاستبداد والاستعباد ، ولذا ترى حركتهم العسكرية معبرة عنهم حين تقتل المدنيين والأبرياء مخالفة تشريعات القرآن فى جعل الحرب استثناء لا قاعدة وللدفاع وليس للهجوم ولقتال الذين يقاتلوننا وليس من لم يقم بالاعتداء علينا. هم فى جهادهم المزعوم يكررون نفس الخطيئة التى فعلها الصحابة حين قاموا بما يسمى بالفتوحات الاسلامية وقتلوا فيها مئات الألوف من الأبرياء فى آسيا وأفريقيا مقابل حطام دنيوى زائل.
جهاد اولئك المستبدين واجب اسلامى سواء كانوا فى السلطة أو يسعون اليها. الهدف الاساسى هنا ليس الوصول للسلطة طبقا لتلك العادة السيئة للثوار من العسكر وأصحاب الأيدلوجيات الدينية والقومية والسياسية ، ولكن لاعادة السلطة للشعب ، ليس لحاكم او حزب أو طائفة تزعم وتحتكر الحديث باسم الشعب ولكن للشعب بالحقيقة وليس بالمجاز.
10 ـ اذا كان تطبيق الشورى الاسلامية – أى الديمقراطية المباشرة – صعبا الآن فلا بأس من الأخذ مؤقتا بالديمقراطية النيابية التمثيلية بانتخابات حقيقية نزيهة يختار الشعب فيه ممثلين عنه ، ثم بنشر الوعى والتقدم فى الثورة المعرفية والاتصالات يصبح ميسورا لكل فرد في الشعب ان يتحدث بنفسه دون حاجة لنائب يمثله بممارسة الديمقراطية المباشرة التى جعلها الاسلام فريضة وطبقها المسلمون فى عهد النبى ثم أضاعوها – وحان وقت استرجاعها ..
اجمالي القراءات
9540