دروس ..!!

آحمد صبحي منصور Ýí 2012-10-28


دروس!!

أعيد نشر هذا المقال ، وقد سبق نشره فى باب ( قال الراوي) بجريدة ( الأحرار ) بتاريخ 6 / 6 / 1994 .

مع مضى هذه المدة فالمقال يحكى تجربة عشت بعدها  أتعلّم منها حتى الآن .

دروس

تعرضت لحادث سيارة على الطريق يوم الاثنين 11 رمضان الماضي كانت الأحرار قد نشرت لي في هذا اليوم مقال " نعمة الموت " والذي اعبر فيه عن اهتمامي باستجلاء حقيقة الموت ، وقد كان المقال تلخيصا لمبحث لم ينشر في كتابي " حقائق الموت في القرآن الكريم " الذي صدر ونفذ منذ سنوات . في ذلك الحادث اقتربت من الموت في ثانية أو ثانيتين وازددت فهما لقوله تعالى " وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. آل عمران : 143 " . وعرفت أن التفكر النظري في الموت شيء والاقتراب منه في لحظات الخطر شيء آخر . والأمر يحتاج إلى كاتب منشغل بالموضوع لكي يكتب تجربته وأحاسيسه .. ولقد خرجت من هذا الحادث بعدة دروس اعتبرها نعمة من الله العلي الوهاب .

. الدرس الأول هو ما تأكد لدي من عظمة الإنسان المصري .. وذلك ما كنت دائما أراهن عليه ، وكثيرا ما قلت أن في النفس المصرية حضارة عمقها سبعون قرنا من الزمان ، وهذه الحضارة تفصح عن نفسها وقت المحنة فتنفض عنها خبائث الفساد ويندفع المصري في شهامة ورجولة يفعل ما ينبغي ..

كنت اركب بجانب السائق الذي حاول أن يتخطى السيارة التي أمامه فاصطدم بأتوبيس في الاتجاه العكسي ، ورأيت نفسي وقد اصطدمت جبهتي في كابينة السيارة الداخلية ، وهي ثوان قليلة التي أبعدتنا عن الموت ، فلو كان الاصطدام بمقدمة السيارة لتحولت إلى حطام تحت الأتوبيس ، ولكن السائق في ثانية واحدة افلت ولم يعط الأتوبيس إلا فرصة الاصطدام الجانبي فقط فإنحفرت الإصابة الدموية في شخصي الضعيف فقط . نزلت من السيارة وجرح غائر في جبهتي لا يبعد عن العين إلا بضع سنتيمترات ، ولكن النزيف الدموي المتدفق جعل منظري مفزعا ، ولم اشعر إلا بالأيدي الرحيمة تتلقفني وتنقلني إلى سيارة جرت مسرعة إلى مستشفى أبو زعبل . وهناك قام طبيب شاب اسمه مجدي بخياطة الجرح تعاونه آنسة لم يسألني احد عن اسمي ، الجميع تطوع بالإسعاف دون أن ينتظر حتى كلمة شكر ، حتى الطبيب الشاب حين عرضت عليه مالا رفض بإباء وشمم .وتأكدت لي عظمة الإنسان المصري ، وشعرت أنه يستحق ما أقوله فيه وما آمله منه ، هو فقط يريد مشروعا حضاريا يفرغ فيه شحنته الحضارية الأصيلة .. وهذا المشروع الحضاري شرحه يطول .. 

. والدرس الثاني في موضوع الألم في نقاشي مع صاحبي الملحد كان يسرف في وصف معاناة الأطفال الأبرياء المرضى ويعتبر الله تعالى مسئولا عن ذلك وكنت أقول له " إن من رحمة الله تعالى بنا انه جعل حدا أقصى لتحمل الألم فإذا وصل الألم إلى منتهاه دخل الإنسان في إغماء ، والأطفال يقل إحساسهم بالألم ، وهم يبكون بلا سبب ، ونحن لا نتذكر شيئا من ذكريات الطفولة . ونحن نضخم في الإحساس بألم الأطفال لأن الله تعالى جعل حب الأطفال غريزة فينا لأنهم أحوج إلينا وإلى رحمتنا وعطفنا ، والله تعالى ارحم الراحمين بنا وبهم ، ولذلك فإن ما تصفه من ألام الأطفال إنما هو أمر مبالغ فيه . وكان صاحبي الملحد لا يقتنع ، وما كنت أقوله نظريا عرفته عمليا ، كان منظر الدماء على وجهي وملابسي تثير الجميع , وكنت أحس بالشفقة عليهم ، وكان إحساسي بالألم متوسطا لأنني فقدت الإحساس بمنطقة الجرح، واعتقدت أنني لو رأيت شخصا آخر في نفس حالتي لكنت أكثر الناس إشفاقا عليه . وفعلا فإن ما نراه على المريض أو الذي يحتضر به شيء ، وما يحس المريض شيء آخر ، هو بالتأكيد اقل مما نتوقع أو ما نتخيل .. وتأكدت من قوة حجتي مع صاحبي الملحد ..

الدرس الثالث كان في غرفة العمليات ، فالمستشفى المذكور لم يكن به مخدر واضطر الطبيب الشاب إلى خياطة الجرح بدون بنج .. واستجمعت كل قوتي وعزمت على ألا أصرخ مهما بلغ الألم . وتحملت عشر غرز دون أن يعلو صوتي ، وتأكد لي مجددا ما كنت اردده  من قبل من أهمية أن يقهر الإنسان نفسه إذا أراد أن يقهر العالم . والحل إنك تستطيع إذا قهرت نفسك أن تتحدى العالم كله بل حتى تتحدى ألام الجراحة بدون بنج , المهم أن تبيع نفسك لله تعالى طاعة لكتابه والحق الذي نزل على خاتم النبيين ، أما إذ غلبتك نفسك فقد صرت عبدا لسيجارة .. مجرد سيجارة .!!.

اجمالي القراءات 12645

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   أريج البلخي     في   الأحد ٢٨ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70009]

رائعة المقالة يا دكتور.. أجمل درس يمكن لي أن آخذه في نهاية يومي

 لدي تعقيب على جزئية حجتك أمام محاورك الملحد.. الملحدون غالباً ما يمتلكون عواطف تجعلهم يسألون حتى عن سبب وجود الخير و الشر أصلاً، و ليس فقط الألم..


و هل كنا سنعرف الخير لولا وجود الشر.. هل كان يمكن لمشاعر الرحمة و الشفقة أن تظهر لو أننا لا نرى آلام الناس؟


هناك بيت شعر لجون ميلتون يقول فيه: 


ما من شيء جيد أو سيء.. لكن التفكير يجعله كذلك


شكراً لك


2   تعليق بواسطة   رضا عبد الرحمن على     في   الأحد ٢٨ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70017]

كنت مع الدكتور منصور في هذا الحادث ولي تعقيب

في هذا اليوم اتصل الدكتور منصور بشقيقته التي تسكن في قرية أبوحريز وطلب منها أن تبلغني أن اتفق مع أحد سائقي السيارات النصف نقل للذهاب للمطرية مكان سكن الدكتور منصور لكي نحضر بعض المنقولات من هناك وننقلها الى بيته في ابو حريز


وبالفعل اتفقت مع أحد السائقين الذين اعتاد الدكتور منصور دائما السفر معهم بسياراتهم الأجرة ، وذهبت للمطرية وكان معنا الأستاذ/ عبد اللطيف سعيد / الاخ غير الشقيق للدكتور منصور ، وبدأنا في وضع المنقولات في السيارة النصف نقل ، وكانت عبارة عن ثلاجة ، وبوتاجاز وبعض قطع الأثاث وسجادة كبيرة ولوح زجاج كان يمثل مشكلة كبرى في هذا المشوار رغم انه لم يكسر بعد الحادث رغم التصادم الشديد الذي حدث بين السيارة التي كنا فيها مع مؤخرة الاتوبيس


وقتها كان عمري حوالي 17 سنة ، خرجنا من المطرية وحدث التصادم أمام مصنع أبوزعبل للأسمدة ، وكما قال الدكتور منصور ظهرت شهامة المصريين وأصالتهم الفطرية الطبيعية ، هرع الناس علينا من كل مكان وخرج عمال المصنع لتفقد الوضع ، وفورا أنزلوا الدكتور منصور من السيارة لأنه الوحيد الذي أصيب في هذا الحادث ، وأخذه الأستاذ عبد اللطيف في سيارة أحد المتطوعين وتوجه به الى المستشفى وتركني وحيدا مع السائق في موقف لأول مرة أتعرض له ، جاءت الشرطة لمعاينة الحادث وأخذوا السائق معهم لاستكمال التحقيقات ، وتركوني وحدي ، جاءنئ أحد المواطنين بكل إخلاص وقال لي لابد أن تتصرف في سيارة أخرى وتنقلي فيها هذه المنقولات لأنها لو ذهبت بهذا الوضع إلى قسم الشرطة ستتبدد وتضيع ولن تجد منها أي شيء ، وساعدوني في الحصول على سيارة نقل من السيارات المارة على الطريق ، وساعدوني أيضا في نقل الأغراض من السيارة التي كنا فيها إلى السيارة الأخرى والتفوا حولي عأسرة وعائلة وبدأ كل واحد يقول كلمات يطمأني ويخفف عني ، وقال أحدهم لا تقلق حتى لو اضطررت للمبيت لا تقلق سوف نفطر سويا في المصنع وسوف تبيت معنا بجوار أغراض لحين التصرف فيها ، وأثناء نقل المنقولات من سيارة إلى أخرى عاد إلى الاستاذ عبد اللطيف وأعطاني مبلغا من المال لكي احاسب السيارة بعد ما اتفق معهم على الأجرة ، وفورا سألني على السائق فقلت له أنه ذهب إلى قسم الشرطة فتوجه إليه فورا إلى هناك وأحضر له إفطار وأعطاه مبلغا من المال وطمأنه وقال له لاتقلق نحن معك


وذهبت بالمنقولات متوجها لقريتي ابوجريز وكانت العائلة تنتظر الدكتور منصور على الافطار وحين دخلت عليهم بسيارة أخرى وسائق غريب لا يعرفونه هجموا علي جميعا وأمطروني بالأسئلة ماذا حدث .؟ وأين الدكتور أحمد .؟ قلت لهم هو بخير لا تقلقوا ، وقلت لهم أنه كان مشغولا وأجل نزوله لموعد آخر ، ولكنهم لم يصدقوني ، وكان أخي الأكبر الدكتور عثمان في ضمن المنتظرين في البيت وقتها طلب أن يحدثني على انفراد وسألني بإصرار وهو يعلم أنني لن أستطيع الكذب عليه ، فقلت له ماحدث ، وطمأنهم جميعا واتصلوا تليفونيا بالدكتور منصور واطمأنوا عليه ..


من هذا الموقف فعلا نستطيع أن نكتشف شهامة المصريين أفرادا وجماعات ، أفرادا وهو موقف الاستاذ عبد اللطيف الذي ذهب بأخيه لإسعافه فورا وهذا واجبه ، ولكنه كان مشغولا بي وبالسائق وبعد ان اطمئن على أنني ذاهب الى البلد ذهب للسائق في قسم الشرطة لمتابعته والاطمئنان عليه


وعلى مستوى الجماعات ظهرت شهامة المصريين في انقاذ الموقف وعرض خدماتهم بكل فطرة إنسانية وبلا حدود ولم يفكر مصري واحد في سرقة أي شيء من المنقولات أو التعدي عليها أو عليّ أو القيام بأي عمل فيه بلطجة أو ارهاب ، وكانت الانسانية والشهامة المصرية هي أبرز ما في القصة


 


 


3   تعليق بواسطة   محمد مهند مراد ايهم     في   الأحد ٢٨ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70019]

فقد رأيتموه وأنتم تنظرون

 هذا الموقف شهدته مرات عديدة أغلبها حين كنت في السجن , وأعظمها كان ما سأرويه الآن 


بعد خمس سنوات من سجني تمت محاكمتي التي استغرقت دقيقة واحدة فقط , تم خلالها استجوابي ثم النطق بالحكم ببراءتي , وكان حكم البراءة يعني أحد أمرين إما أنه إعدام أو أنه براءة حقا 


بعد ذلك بشهور قليلة , أتى إإلينا السجان وكان يتلوا أسماء عدة ثم ذكر اسمي , 


كانوا لا يصرحون بما يريدونه منا حين تذكر أسماؤنا


ثم اقتادوني إلى الساحة التي تتم فيها الإعدامات, وأوقفونا هناك لربع ساعة تقريبا, وكانوا يقولون لنا أننا ذاهبون للإعدام


طبعا صدقنا ذلك كوننا كنا مكبلي الأيدي معصوبي العينين, وبعد ذلك اقتادونا إلى جهة أخرى قاموا فيها بإرجاع ثلاثمائة ليرة كانت بحوزتي يوم اعتقالي 


خلال تلك الربع ساعة تغيرت الأحاسيس  لدي مرات عدة ,وجال في خاطري كم هائل من الذكريات , فتارة ينتابني خوف وتارة أخرى أتذكر فها ما كسبته من سيئات وتارة أتذكر ما كسبته من عمل صالح, ثم استكانت نفسي وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون 


 


 


4   تعليق بواسطة   عثمان محمد علي     في   الإثنين ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70027]

إحترام الألم .

استاذنا الكبير الدكتور منصور - اسعد الله أوقاتكم ،وأدام عليكم نعمة الصحة والعافية ..


بالـاكيد التفكير فى الموت وحقائق الموت وما بعد الموت فى الحياة الآخرة لابد ان يشغل الحيز الأكبر فى تفكير المؤمن العاقل ،وأن يؤمن بان الموت أقرب إليه  مما يتخيل ،وأنه ذُكر قبل الحياة . ومع ذلك فإن من حقائق معاناة الإنسان على الأرض تعرضه لبعض الإبتلاءات وعلى راسها المرض . وقد يكون المرض ساكنا (بدون إلم ) وقد يكون المرض  يصاحبه ألما لا يستطيع الإنسان تصوره بل ولا تحمُله ،ولا بد أن يُعبر عنه وربما بطريقة لا إرادية (قبل أن يصل من شدته إلى مرحلة الغيبوبة المؤقتة ) .. فصحيح أن الإنسان بداخله قدر كبير من التحمل يستطيع أن يستغله فى التعامل مع بعض درجات الألم ،ولكن هناك أوقات وحالات مرضية صعبة  للغاية لا يستطيع أن يتحمل فيها  المريض الألم مهما حاول ،بل من الخطورة عليه وعلى صحته ان يحاول أن يُظهر للآخرين أنه قادر على تحمله ، ومن ضمن هذه الألام - الام أمراض العظام ،والكُلى والسرطانات . وهناك مقولة علمية يستعملها أطباء الغرب خاصة ،وسمعتها من أكثر من طبيب تعاملت معه فى ألام (يدى ) (عليك بإحترام الألم ) ولابد من إعطاءه حقه وتناول الأدوية المُسكنة له فورا ..وهنا فى النظام الطبى ألأمريكى الكندى .يصفون أدوية يسمونها (قاتلة للألم ) ( pain killer) مشتقة من المورفينات الطبيعية أو الصناعية لقتل الإحساس بالألم .(يعنى بيجيبوا من الآخر ) . ولا يستعملون المسكنات المتوسطة والخفيفة إلا نادرا .


فموضوع إحترام الألام والتعامل معها على قدر درجة خطورتها وشدتها آمر هام  وضرورى  جدا للإبقاء و للمحافظة على صحة وحياة الإنسان .


5   تعليق بواسطة   محمد عبدالرحمن محمد     في   الإثنين ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً
[70036]

كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ


كل عام وأنتم بخير أستاذنا العزيز / دكتور أحمد صبحي منصور.. ومع  مقالك الذي ينبهنا إلى ذكريات الموت والاقتراب منه  سواء مباشرة عن طريق الشخص نفسه أو عن طريق مرض يصيب أقرب المقربين إليك.. فأنت تعايش الموت ربما أكثر  من الآخرين المحيطين.
 عندما أصيب والدي بسرطان المثانة .. وكنت وقتها بكلية الطب بالسنة الثالثة ومتمرداً على أوضاع التعليم والحياة بمصر والمتناقضات بها.. ولم أكن وقتها أستطيع أن  أتصالح مع المجتمع وما تفرضه الأغلبية على الفرد.
 وعندما علمت  بحقيقة مرض والدي فزعت أشد الفزع  ولقد ترك الفزع من فراق الوالدين أو أحدهما   قد  ترك جرحاً  بي حتى يومنا هذا.
 حتى أنني كنت بالليل أسترق الخطوات الخفيفة لفراش والدي وفي ساعات عديدة على مدار النهار لأستطلع تنفسه وارتفاع بطنه صعوداً وهبوطاً مطمئنا على علامة الحياة الأكيدة وهى التنفس..
 لقد عاش والدي أربع سنوات بعد عملية استئصال المثانة.. كنت كل ليلة اكون فيها معه في بيت العائلة أصحو عدة مرات بالليل  وهو نائم اطمئن على حركة التنفس جارية بين ضلوع والدي.
 كان يصحو في الأحيان ويقول لي ماذا تريد يا محمد: ؟ كنت أقول له: . كنت بشوفك لو عايز حاجة تشرب أو أي شء أجبيه لك.. ولم أكن أبوح له بما يؤرقني كل كل يوم؟
 ومع القرآن والتربي في كنفه تعلمنا منه وبمجهودك الطيب.. أن نتقبل الموت بصدر وعقل رحبين .. متعلمين أن الموت ليس شر في حد ذاته وربما وفي كثير من الأحيان هو النعمة بعينها.. لمن يعاني آلام مبرحة على مدار الساعة تتحول حياة الانسان إلى معاناة لاتطاق.. ووقتها فالموت رحمة بهذا الانسان.. أما عن الأقارب فربما يكونوا هم الأكثر أنانية بعدم قبولهم لأن يتركهم العزيز لديهم ويفارقهم فراقاً دائما بالموت..
حتى ولو كان هذا الفراق به رحمة للعزيز الغالي لديهم... لأنه ضيق الأفق، والجزع الذي يصيب القلوب الغضة..
لكننا تعلمنا ودرسنا القرآن ذلك الكتاب الذي لاريب فيه ودرسنا منه وبه حتى أننا يمكن أن يشملنا الله تعالى بهذا الوصف العزيز في قوله تعالى:

{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران79


6   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٢٢ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[84992]

أعيد نشر هذا المقال ، وقد سبق نشره فى باب ( قال الراوي) بجريدة ( الأحرار ) بتاريخ 6 / 6 / 1994 .


كنت اركب بجانب السائق الذي حاول أن يتخطى السيارة التي أمامه فاصطدم بأتوبيس في الاتجاه العكسي ، ورأيت نفسي وقد اصطدمت جبهتي في كابينة السيارة الداخلية ، وهي ثوان قليلة التي أبعدتنا عن الموت ، فلو كان الاصطدام بمقدمة السيارة لتحولت إلى حطام تحت الأتوبيس ، ولكن السائق في ثانية واحدة افلت ولم يعط الأتوبيس إلا فرصة الاصطدام الجانبي فقط فإنحفرت الإصابة الدموية في شخصي الضعيف فقط . نزلت من السيارة وجرح غائر في جبهتي لا يبعد عن العين إلا بضع سنتيمترات ، ولكن النزيف الدموي المتدفق جعل منظري مفزعا ، ولم اشعر إلا بالأيدي الرحيمة تتلقفني وتنقلني إلى سيارة جرت مسرعة إلى مستشفى أبو زعبل . وهناك قام طبيب شاب اسمه مجدي بخياطة الجرح تعاونه آنسة لم يسألني احد عن اسمي ، الجميع تطوع بالإسعاف دون أن ينتظر حتى كلمة شكر ، حتى الطبيب الشاب حين عرضت عليه مالا رفض بإباء وشمم .وتأكدت لي عظمة الإنسان المصري ، وشعرت أنه يستحق ما أقوله فيه وما آمله منه ، هو فقط يريد مشروعا حضاريا يفرغ فيه شحنته الحضارية الأصيلة .. وهذا المشروع الحضاري شرحه يطول .. 



. والدرس الثاني في موضوع الألم في نقاشي مع صاحبي الملحد كان يسرف في وصف معاناة الأطفال الأبرياء المرضى ويعتبر الله تعالى مسئولا عن ذلك وكنت أقول له " إن من رحمة الله تعالى بنا انه جعل حدا أقصى لتحمل الألم فإذا وصل الألم إلى منتهاه دخل الإنسان في إغماء ، والأطفال يقل إحساسهم بالألم ، وهم يبكون بلا سبب ، ونحن لا نتذكر شيئا من ذكريات الطفولة . ونحن نضخم في الإحساس بألم الأطفال لأن الله تعالى جعل حب الأطفال غريزة فينا لأنهم أحوج إلينا وإلى رحمتنا وعطفنا ، والله تعالى ارحم الراحمين بنا وبهم ، ولذلك فإن ما تصفه من ألام الأطفال إنما هو أمر مبالغ فيه . وكان صاحبي الملحد لا يقتنع ، وما كنت أقوله نظريا عرفته عمليا ، كان منظر الدماء على وجهي وملابسي تثير الجميع , وكنت أحس بالشفقة عليهم ، وكان إحساسي بالألم متوسطا لأنني فقدت الإحساس بمنطقة الجرح، واعتقدت أنني لو رأيت شخصا آخر في نفس حالتي لكنت أكثر الناس إشفاقا عليه . وفعلا فإن ما نراه على المريض أو الذي يحتضر به شيء ، وما يحس المريض شيء آخر ، هو بالتأكيد اقل مما نتوقع أو ما نتخيل .. وتأكدت من قوة حجتي مع صاحبي الملحد ..



7   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الأربعاء ٢٢ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[84993]

أهمية أن يقهر الإنسان نفسه


لدرس الثالث كان في غرفة العمليات ، فالمستشفى المذكور لم يكن به مخدر واضطر الطبيب الشاب إلى خياطة الجرح بدون بنج .. واستجمعت كل قوتي وعزمت على ألا أصرخ مهما بلغ الألم . وتحملت عشر غرز دون أن يعلو صوتي ، وتأكد لي مجددا ما كنت اردده  من قبل من أهمية أن يقهر الإنسان نفسه إذا أراد أن يقهر العالم . والحل إنك تستطيع إذا قهرت نفسك أن تتحدى العالم كله بل حتى تتحدى ألام الجراحة بدون بنج , المهم أن تبيع نفسك لله تعالى طاعة لكتابه والحق الذي نزل على خاتم النبيين ، أما إذ غلبتك نفسك فقد صرت عبدا لسيجارة .. مجرد سيجارة .!!.



، فالحرية المطلقة أن تتحرر من غرائزك فتكون أقوى إنسان فى العالم ، ولا يستطيع العالم كله أن يهزمك ، لأنه ليس لديك ما تفقده ، ولأنك تتمتع بفضيلة القدرة على الاستغناء .والقدرة علا الاستغناء من أهم ملامح الحرية الحقيقية للإنسان ، فبمقدار ما تتكاثر رغباتك وبقدر ما تلهث فى تلبيتها يكون احتياجك للغير أكبر ويكون ضعفك أمام نفسك أكثر وأمام الغير أكثر وأكثر . فالمدمن للسيجارة فما فوقها يفقد من حريته ـ وربما من كرامته ـ بمقدار حاجته وبقدر إدمانه . فأقوى البشر هو من  لا إدمان عنده ، ولا يحتاج إلا لضرورات الحياة من تنفس وطعام وشراب ومسكن مع قناعة وزهد واستعداد للتحمل ورغبة عما فى يد الناس ، فمن لا يكون عبدا لنفسه لا يكون عبدا لغيره. وبالتالى فلا تستطيع قوة بشرية أن تقهره ، لأنه ببساطة لا يحتاج للغير ولا مطمع له فى الغير .


 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5118
اجمالي القراءات : 56,903,532
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي