آحمد صبحي منصور Ýí 2012-10-04
أولا : التدوين الديوان الرسمى فى جهاز الدولة
( الكتابة الديوانية) بدأت مع وضع الدواوين فى خلافة عمر بن الخطاب الذى قام بتدوين الدواوين فى عام 20 هجرية ، وسجل فيه أسماء العرب المسلمين وعطاء كل منهم ، و أنشأ ديوانا للجند وآخر للخراج ، وتطورت الدواوين فى عهد الأمويين لتصل الى أربعة تشمل الخراج والرسائل والايرادات واكبرها وهو ديوان الخاتم الذى يحمل أوامر الخليفة.وكانت الدواوين تكتب بالفارسية والرومية فنقلها عبد الملك الى العربية ، وأكمل ابنه الوليد نقل ديوان مصر الى العربية.
وبتعريب الدواوين ازدهرت حرفة الكتابة الديوانية ، وصار لكل خليفة كتاب رسميون وموظفون فى كل الدواوين للتعامل مع الخارج والداخل و ضبط الايرادات والمصروفات , يقول ابن سعد مثلا عن قبيصة بن ذؤيب ت 86 ( كان آثر الناس بعبد الملك بن مروان، وكان على خاتم عبد الملك ، وكان يقرأ الكتب اذا وردت ،ثم يدخلها على عبد الملك فيخبره بما فيها ) ( الطبقات الكبرى 5 / 131 ). وصارت الكتابة الديوانية أكثر تنوعا فى العصر العباسى حتى لقد كتبوا فى تقعيدها مؤلفات مثل (الخراج )لأبى يوسف ت 182 ، و(الخراج وصناعة الكتابة) ، لقدامة بن جعفر كتابهوقد توفى سنة 328 وقيل سنة 337 في أيام الخليفة المطيع العباسي ، و(الأحكام السلطانية) للماوردى ت 450 ، ثم كتب القلقشندى (ت 821 ) فى العصر المملوكى موسوعته ( صبح الأعشى فى صناعة الانشا ).
ولمزيد من التوضيح عن مدى تقدم الكتابة الديوانية و تنوعها فى عصر المأمون ننقل القصة التالية التى حكاها عمرو بن مسعدة ت 217 وكان أشهر كتاب المأمون ، يحكى عن نفسه : ( كنت معالمأمون عند قدومه من بلاد الروم حتى إذا نزل الرقة قال: يا عمرو أو ما ترىالرخجي ( كان الرخجى أحد قواد المأمون) قد احتوى على الأهوار وجمع الأموال وطمع فيها وكتبي تصل إليه في حملها وهويتعلل ويتربص بي الدوائر! فقلت: أنا أكفي أمير المؤمنين هذا وأنقذ من يضطره إلىحمل ما عليه .فقال: ما يقنعني هذا .قلت: فيأمر أمير المؤمنين بأمره .قال: تخرج إليه بنفسك حتى تصفده بالحديد وتحمله إلى بغداد وتقبضعلى جميع ما في يديه من أموالنا وتنظر في العمل وترتب فيه عمالًا .فقلت: السمع والطاعة .فلما كان من الغد دخلت إليه فاستعجلني فانحدرت في زلال( أى مركب شراعى ) أريد البصرةواستكثرت من الثلج لشدة الحر فلما صرت بين ( بلدة ) جرجرايا و( بلدة ) جيل ، سمعت صائحًا من الشاطئيصيح: يا ملاح ، فرفعت سجف الزلال فإذا شيخ كبير السن حاسر حافي القدمين خلق القميص.فقلت للغلام: أجبه ، فأجابه ، فقال: يا غلام أنا شيخ كبير السن علىهذه الصورة التي ترى وقد أحرقتني الشمس وكادت تتلفني وأريد جيل ( أى الوصول الى بلدة جيل ) فاحملوني معكم فإنالله يأجركم .فشتمه الملاح وانتهره،فأدركتني عليه رقة،فقلت للغلام: خذوه معنا، فحملناه ، فتقدمت بدفع قميص ومنديل إليه ، فغسل وجهه واستراح ، وحضر وقت الغداءفقلت للغلام: هاته يأكل معنا، فجاء فأكل معنا أكل أديب إلا أن الجوع قد بيّن عليه، فلما أكلت قلت:يا شيخ أي شيء صناعتك؟قال: حائك، فتناومت عليه ( أى تظاهرت بالنوم )ومددت رجلي .فقال: وأنت أعزك الله أي شيء صناعتك؟ فأكبرت ذلك، ( أى استعظمت أن يخاطبنى بمثل ذلك ) وقلت: أنا جنيتعلى نفسي ، أتراه لا يرى زلالي وغلماني ونعمتي وأن مثلي لا يقال له هذا، ثم قلت( أى لنفسى ) : ليسإلا الزهد بهذا ( أى التغافل عما قاله ) فقلت: كاتب .فقال لي: أصلحك الله إن الكتاب خمسة ، فأيهم أنت ؟ فسمعت كلمة أكبرتها، وكنت متكئًا فجلست ، ثم قلت: فصل الخمسة .(أى اشرح بالتفصيل معنى الأنواع الخمسة للكتاب )قال: نعم كاتب خراج: يحتاج أن يكون عالمًا بالشروط والطسوقوالحساب والمساحة والبثوق والفتوق والرتوقوكاتب أحكام: يحتاج أن يكون عالمًا بالحلال والحرام والاختلافوالأصول والفروع .وكاتب معونة: يحتاج أن يكون عالمًا بالقصاص والحدود والجراحات .وكاتب جيش: يحتاج أن يكون عالمًا بحلي الرجال وسمات الدوابومداراة الأولياء وشيء من العلم بالنسب والحساب .وكاتب رسائل: يحتاج أن يكون عالمًا بالصدور والفصول والإطالةوالإيجاز وحسن الخط والبلاغة.قلت له: فإني كاتب رسائل: فقال: أصلحك الله ، لو أن رجلًا منإخوانك تزوجت أمه وأردت أن تكاتبه مهنئًا له كيف تكاتبه ففكرت في الحال فلم يخطرببالي شيء فقلت: اعفني .فقال: قد فعلت .فقلت: ما أرى للتهنئة وجهًا قال: فتكتب إليه تعزية .ففكرت فلميخطر ببالي أيضًا شيء فقلت: اعفني .قال: قد فعلت ولكن لست بكاتب رسائل .قلت: فأنا كاتب خراج .قال: لو أن أمير المؤمنين ولاك ناحية وأمرك فيها بالعدل واستيفاءحق السلطان فتظلم بعضهم من مساحتك وأحضرتهم للنظر بينهم وبين رعيتك فحلف المساحبالله لقد أنصفوا وحلفت الرعية بالله لقد ظلموا فقالت الرعية: قف معنا على مسحهفخرجت لتقف فوقفوك على قراح كذا وكذا - لشيء وصفه - كيف تكتب قلت: لا أدري قال:فلست بكاتب خراج فما زال يذكر في حق كل كاتب حاله فلا أعلمها إلى أن قلت: فاشرحأنت فشرح الكلفقلت: يا شيخ أليس زعمت أنك حائك .فقال: أنا حائك كلام ..فقلت: فما الذي أرى بك من سوء الحال فقال: أنا رجل دامت عطلتي فخرجتأطلب البصرة فقطع علي الطريق فتركت كما ترى فمشيت على وجهي فلما رأيت الزلال استغثتبك .قلت: فإني قد خرجت إلى تصرف جليل أحتاج فيه إلى جماعة مثلك وقدأمرت لك عاجلًا بخلعة حسنة وخمسة آلاف درهم تصلح بها من أمرك وتنفذ منها إلى عيالكوتصير معي إلى عملي فأوليك أجله .قال: أحسن الله جزاك إذًا تجدني بحيث ما يسرك فانحدر معي فجعلتهالمناظر للرخجي والمحاسب له فقام بذلك أحسن قيام فحسنت حاله معي وعادت نعمته ) ( المنتظم 11 / 6 ـ ).
وقبل ان نترك التدوين الديوانى الرسمى الحكومى الذى بدأ به عمر بن الخطاب فى خلافته فى شهر محرم سنة 20 نشير الى تأخر التدوين العلمى بعده . ان عمر الذى بدأ التدوين الرسمى الحكومى وأنشأ الدواوين هو نفسه الذى منع من كتابة الأحاديث القليلة التى كان يتناقلها الناس فى عهده وهم يتذكرون سيرة خاتم الأنبياء عليهم جميعا السلام. وقد فكّر عمر فى كتابة تلك الأحاديث حتى لا يدخلها الخلط والتحريف ثم رجع عن قراره طبقا لما جاء فى رواية تؤكد تشدد عمر فى رفض كتابة الأحاديث، وأنه قال فيما يرويه البيهقى وابن عبد البر "إنى كنت أريد أن أكتب السنن، وإنى ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فانكبوا عليها وتركوا كتاب الله. وإنى والله لا أشوب كتاب الله بشىء أبدا..".
أى انه منذ عصر عمر وطيلة الخلافة الأموية لم يقم المسلمون بشىء من التدوين سوى التدوين الرسمى فى جهاز الدولة لتسيير دولاب أعمالها. وربما بتأثير نهى عمر امتنعت كتابة الأحاديث وغيرها من شذرات العلوم البسيطة طيلة العصر الأموى ، ثم أتيح لها التدوين والكتابة فى العصر العباسى الأول ، ثم سيطر التدوين وتسيد الساحة العلمية منذ القرن الثالث الهجرى. وندخل فى تفصيل أكثر عن تدوين الحركة العلمية فى الحضارة الاسلامية.
ثانيا :تدوين فكر المسلمين وعلومهم ثقافتهم خلال تاريخهم.
التدوين هنا ليس مقصودا به كتابة القرآن الكريم أو نسخ ـ بمعنى كتابة ـ المصاحف ، فقد استمر هذا منذ عصر النبى محمد عليه السلام وطيلة عصر الخلفاء الراشدين وغير الراشدين.
التدوين المراد هنا هو كتابة العلوم البشرية فى الحضارة الاسلامية.
ونبدا بابن الجوزى فى كتابه ( تلقيح فهوم أهل الأثر فى عيون التاريخ و السير) الذى أوجز فيه بعض خلاصات تاريخ المسلمين وسيرة النبى محمد عليه السلام ، وقد أشار الى أوائل من قام بالتدوين أو تصنيف العلوم فقال انهم بالبصرة : الربيع بن صبيح و سعيد بن عروبة ، وبمكة : عبد الملك بن جريج ، وباليمن : معمر بن راشد ، وبالكوفة سفيان الثورى ، اما المدينة فقد كان فيها مالك بن أنس وشعبة و الأوزاعى و أبو عوانة الوضاح ، ثم حماد بن سلمة بالبصرة و سفيان بن عيينة بمكة ومحمد بن اسحاق ووكيع بن الجراح والوليد بن مسلم بالشام وجريح بن عبد الحميد بالرى وعبد الله بن المبارك بخراسان وهشيم بن بشير بواسط وعبد الرزاق باليمن وابوعبيدة القاسم بن سلام .ويقول ابن الجوزى : ثم صار علم هؤلاء الى ثلاثة : ابن المبارك وعبد الرحمن بن مهدى. وقيل صار علم هؤلاء الى رجل واحد ولم ينتفع به الناس وهو يحيى بن معين. وعليه فان الكتابات الأولى أو المدونات الأولى لم تصل الينا.
ويستدرك ابن الجوزى فيقول : وقيل أول من صنف وبوّب الربيع بن صبيح. واختلف في المبتدىء بتصانيف الكتب فقيل سعيد بن ابى عروبة ، وقيل ابن جريج. ويضيف ابن الجوزى : ومنهم يحيى بن زكريا بن أبى زائدة ومحمد بن فضيل بن غزوان وهم جميعا بالكوفة ، و عبد الله بن وهب بمصر وأبو قرة موسى بن طارق باليمن وروح بن عبادة بالبصرة .. ثم اتسعت التصانيف.) ( تلقيح فهوم أهل الأثر : 457 : 458 . ط .مصر )
وما يقوله ابن الجوزى المتوفى عام 597 ـ فى عصر اتساع التدوين ـ يعكس الاختلافات فيمن ابتدأ بالكتابة والتدوين خلال تاريخ المسلمين. وبعض ما قاله يحوى خطأ واضحا فهو ينسب بعض مشاهير العلماء الى الى غير بلادهم ، فالأوزاعى هو عالم الشام ولكن جعله فى المدينة ، كما أنه وهو يتحدث عن الأقدمية الزمنية فى التدوين لم يذكر تاريخ وفاة أولئك الرواد فى مجال التدوين.
السبب فى الاختلاف و الاضطراب فى تحديد السابقين بالكتابة والتدوين فى تاريخ المسلمين وعلومهم يرجع الى أن التدوين جاء بعد فترة من الرواية الشفهية، وكانت هذه الرواية الشفهية معلما هاما فى تاريخ المسلمين الفكرى. تلك الفترة الشفهية عاش فيها أئمة الصحابة والتابعين الذين جعلوهم بعد موتهم روادا للحركة العلمية فى بدايتها ونشأتها البسيطة ،وفى عصر التدوين الذى جاء بعد الرواية الشفهية مصاحبا لاتساع الحركة العلمية وتعقدها و تفرعها فانهم أسندوا بالعنعنات تلك المعارف و المعلومات الى بعض مشاهير الصحابة وكبار التابعين ، وكانوا قد ماتوا من قبل بقرن وأكثر.
ولتيسير الموضوع فاننا نوجزه فى الحقائق التاريخية التالية:
1 ـسبقت الرواية الشفهية التدوين فى القرن الأول الهجرى
فقد إنشغل العرب بالسياسة و الحروب و النزاعات فى القرن الأول الهجرى وطيلة العصر الأموى ، وهم عموما ليسوا أصحاب حضارة أو تخصص فى الكتابة وانما كانت لهم معارف يتناقلونها بالحفظ والرواية الشفهية يتركز معظمها فى الأدب والشعر وبعض الخبرات الصحراوية البسيطة. ولأنهم الحكام المسيطرون على مقاليد الأمور فقد كانت الرواية الشفهية العربية هى السائدة فى الحركة العلمية التى حافظت على بساطتها و شفويتها طيلة العصر الأموى. خصوصا وأن الدولة الأموية كانت دولة عربية عروبية خالصة.
2 ـالتدوين والموالى
سيطر العرب بالفتوحات على أمم ذات حضارة وكتابة وتدوين ، وأصبح بعض أبناء تلك الأمم من سباياهم وعبيدهم. وعاش أولئك السبايا والعبيد خدما للأسياد العرب ، وحتى الأحرار منهم عاملتهم الدولة الأموية بالعسف والاحتقار نظرا للتعصب الذى غلّف الدولة الأموية ، وقد تعصبت للعرب ضد غير العرب ، خصوصا أبناء الفرس فى العراق وأطلقت عليهم لقب ( الموالى ). وكان الموالى وأبناؤهم هم رواد الحركة العلمية فى تاريخ المسلمين ، بعد أن تعلموا اللغة العربية و عايشوا أسيادهم العرب من كبار الصحابة.وبينما إنشغل العرب بالسياسة و الحروب و النزاعات فى القرن الأول الهجرى وطيلة العصر الأموى فقد كان للموالى الوقت الكافى للتفرغ للعلم وكان لديهم الموروث الحضارى من أسلافهم ، وكان لديهم ما هو أقوى وهو دافع التميز على العرب السادة. لذلك كانوا الرواد وسادة التابعين. والتابعون مصطلح أطلقوه على العلماء والفقهاء فى الجيل التالى للصحابة والذى أخذ أخبار النبى وعصره من أفواه الصحابة. ولأن الموالى كانوا الخدم الملازمين لأولئك الصحابة ولأن أولئك الموالى ـ كان معظمهم يعرف الكتابة ـ فقد كانوا قادة التابعين فى العلم وفى التدوين.
3 ـ التدوين والاسناد للصحابة
لم يكن مقبولا فى ذلك الوقت أن يتجرأ أحد الموالى فيقول رأيه العلمى فكان المخرج أن ينسب رأيه لسيده العربى الذى يخدمه ويعيش فى ظله ويحمل ولاءه والانتساب اليه وفق ما كان سائدا فى القرنين الأوليين من الهجرة ، حيث ظلت عائلات أولئك الموالى تتوارث ولاء القبائل العربية والأسر العربية المشهورة حتى العصر العباسى الثانى . لذلك قام الموالى بالرواية الشفهية وكانوا ينسبون أقوالهم الى سادتهم من العرب من كبار الصحابة، باعتبارهم المرجعية لديهم فى العلم بالاسلام. ومن الممكن والمنتظر أن يكون بعض المنسوب للصحابة قد قالوه فعلا ورواه عنهم أتباعهم من الموالى وغيرهم ، ولكن يستحيل أن يكون كل ذلك الكمّ الهائل من المنقول عن الصحابة قد قاله فعلا الصحابة، فقد انشغل معظم الصحابة بالصراع السياسى و الحربى منذ الفتوحات الى الفتنة الكبرى الى الصراع الحربى والسياسى مع أو ضد الدولة الأموية. والحياة العلمية تستلزم تفرغا و تفكرا وتركيزا لمن يكون لديه أهلية للبحث والفكر، وهذا ما لم يكن متوفرا لدى معظم الصحابة خصوصا الرواة منهم.
4 ـ التدوين وتطور الحركة العلمية فى تاريخ المسلمين.
وكما جاء التدوين تاليا للفترة الشفهية فانه ارتبط ايضا بالتطور اللاحق للحياة الفكرية والعلمية فى تاريخ المسلمين وتأثر بها.وقام التدوين بالتعبير بأثر رجعى عن مدرسة الحديث فى المدينة و مدرسة الرأى والاجتهاد فى العراق .
فى العصر الأموى كانت مدرسة المدينة تمثل المحافظة والتقليد وتعيش في استرجاع امجاد عصر النبوة والراشدين حين كانت المدينة العاصمة الاولي للمسلمين قبل ان تنتقل عنها الاضواء للشام والعراق . ودارت الحركة العلمية في المدينة حول سيرة النبي ومغازيه وتخصصت في الاحاديث دون القول بالرأي و الاجتهاد واعتمدت علي اهل المدينة مصدرا من مصادر التشريع ، ولأن الحياة الصحراوية تسير علي وتيرة واحدة فان التقليد يفرض نفسه.
وفي مقابل المدرسة المحافظة المتزمتة في المدينة اقام ابو حنيفة ( ت 150 هـ ) مدرسة الرأي في العراق ، حيث جمع ابو حنيفة بين الفقه والفلسفة وعلم الكلام ، وحيث رفض الاسانيد التي يخترعها اقرانه من فقهاء الحديث والتقليد . وجاء العصر العباسى بزخم كبير أثرى الحركة العلمية المحافظة و المتحررة، وجاء التدوين الفردى والجماعى والشعبى والرسمى ليسجل كل ذلك التنوع فى العلوم والمعارف .
5 ـ التدوين والانتحال:
من سوء حظ الدولة الأموية أنها عاشت فى فترة الرواية الشفهية ، ثم جاء عصر التدوين فى عصر الدولة العباسية ـ الخصم التقليدى للأمويين. أى أن تدوين التاريخ للأمويين حدث بأثر رجعى فى عصر خصومهم العباسيين ، وجاء معتمدا على ذاكرة من يحفظ من الرواة وعلى أمانة من يكتب ثم يخترع اسنادا ينسبه الى رواة ماتوا من قبل ، والعهدة عليه فيما يكتب وفيما يسند و يروى . ومن الطبيعى أن تتأثر الراوية الشفهية والتدوين بالهوى المذهبى و العصبية القومية و الانتماءات المختلفة، ولكن يظل الأقوى تأثيرا هو العامل السياسى. وهنا تبرز الدولة العباسية كدولة دينية مذهبية سنية ترعى حركة التدوين وتطارد المخالفين لها فى الرأى تتهمهم بالزندقة وتقتلهم بحد الردة. وحتى من كان مشهورا بالتفتح والمرونة مثل الخليفة المأمون (الذى أنشأ بيت الحكمة والذى رعى حركة التدوين و الترجمة ) كان هو الذى أرغم الفقهاء على القول بخلق القرآن وهو الذى اشتهر بكراهية الأمويين والانحياز للعلويين الهاشميين حتى لقد اختار ولى عهده منهم.لذا فالمتوقع منهم أن يتدخلوا فى الحركة العلمية وتدوين العلم بما يخدم دولتهم ومذهبهم الدينى.
6 ـ أبن عباس جعلته الدولة العباسية المرجعية الكبرى للتراث المدون.
فالجد الأكبر للخلفاء العباسيين وهو عبد الله بن عباس صار بالتدوين العباسى المرجعية الكبرى للفكر والتراث لدى المسلمين. لقد تضخمت الأحاديث المروية عن ابن عباس حتى لقد أسند له أحمد بن حنبل (1696) حديثاً.. هذا مع أن الآمدى فى كتاب (الأحكام فى أصول الأحكام) يقول أن ابن عباس لم يسمع من رسول الله ( سوى أربعة أحاديث لصغر سنه )( الآمدى: الأحكام 2/178: 180) ويقول ابن القيم " أن ما سمعه ابن عباس من النبى لم يبلغ عشرين حديثاً . (ابن القيم: "الوابل الصيب من الكلم الطيب : 77)وذلك الأقرب للصواب من خلال سيرة ابن عباس فى كتب التاريخ، فابن عباس أسلم مع أبيه قبيل فتح مكة وقابل الرسول محمدا عليه السلام بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة، ومات النبى بالمدينة وابن عباس فى مكة فى العاشرة من عمره، وفى رواية أنه كان فى الخامسة عشر من عمره( سيرة ابن عباس فى تاريخ ابن كثير 8/290: 291، طبقات ابن سعد 2/192.). أى رأى النبى مدة يسيرة وكان فيها طفلاً ملازماً لوالده فى مكة، فكيف يروى عنه آلاف الأحاديث؟
ومع ذلك فقد تكفل التدوين فى العصر العباسى باسناد آلاف الأحاديث ـ بأثر رجعى الى ابن عباس تقربا للخلفاء العباسيين.
7 ـ مزاعم متناقضة عن وجود تدوين فى العصر الأموى
ومن الطريف أنه واجهتهم مشكلة عند تدوين أحاديث ونسبتها لابن عباس. فالثابت أن ابن عباس عاش فترة الرواية الشفهية فكيف يمكن قبول نقل كل ذلك العلم عنه شفويا دون خطأ أو نسيان؟
فى الاجابة على هذا السؤال تضاربت الروايات فى عصر التدوين ، بعضها يثبت لابن عباس آلاف المدونات ، وبعضها ينفى .
وهنا نستشهد أيضا بأقدم مصدر تاريخى وهو ( الطبقات الكبرى )لابن سعد.
يروى ابن سعد أن سعيد بن جبير ( أحد كبار التابعين و أحد زعماء الموالى فى العصر الأموى ، وتلميذ ابن عباس ) كان يسائل ابن عباس قبل أن يصاب ابن عباس بالعمى، فلما أصيب بالعمى أخذ يكتب عنه فبلغ ذلك ابن عباس فغضب منه ( الطبقات الكبرى 6 / 179 ) اذن فالمفهوم هنا رفض ابن عباس لكتابة علمه. ولكن تأتى رواية أخرى لها أيضا سند من الرواة ـ كالعادة فى منهجية ابن سعد فى كتابه ( الطبقات الكبرى ) ـ تقول الرواية أن ( كريبا ) وهو أحد موالى ابن عباس و تلامذته وقد توفى سنة 98 هجرية ، قد كتب ما يعادل حمل بعير من علم ابن عباس ، وأن على بن عبد الله بن عباس كان اذا أراد شيئا من علم أبيه قال لكريب : إبعث لى بصحيفة كذا وكذا فينسخها ويبعث له باحداهما ( الطبقات 5 / 216 ) فهنا تأكيد على أن لابن عباس كتبا كثيرة وأنه إئتمن عليها مولاه وخادمه كريبا ، ولم يأتمن عليها ابنه على..وقد يأتى التناقض فى نفس الصفحة ، فهناك رواية يقول فيها سعيد بن جبير ( كنت آتى ابن عباس فأكتب عنه ) ورواية أخرى تقول ( كان سعيد بن جبير يكره كتابة الحديث ) ( الطبقات .. 6 / 179 )، فكيف يكتب وكيف يكره الكتابة ولا يكتب ؟
ونفس التناقض فى الكتابة وعدمها قيل عن محمد بن سيرين (ت 110 هجرية ) أحد كبار التابعين من الموالى . فهناك رواية تقول انه قال محذرا من الكتابة ( إياكم والكتب ، فقد تاه من كان قبلكم أو ضلّ من كان قبلكم بالكتب) وقال بكار بن محمد بن سيرين ( لم يكن لجدى ولا لأبى ولا لابن عون كتاب فيه تمام حديث واحد ) ثم تليها رواية أخرى مناقضة تقول ( ان محمد بن سيرين كان لا يرى باسا أن يكتب الحديث ) ( الطبقات 7 / 141 )
ونفس التناقض فى الروايات فى سيرة الحسن البصرى (ت 110 هجرية ) أشهرعلماء الموالى والتابعين فى العصر الأموى ، تقول رواية ان علم الحسن البصرى كان فى صحيفة صغيرة قدر أصبعين ، وتتناقض رواية أخرى فتؤكد أن أن حميد أحد الرواة كان قد أخذ كتب الحسن البصرى فنسخها ثم ردها عليه، ( الطبقات 7 / 116 ، 126 ) والغريب ان سلسلة السند والعنعنة فى الروايتين تجد فيها نفس الرواة حماد بن سلمة عن حميد.
8 ـ دعوى احراق الكتب و دفنها و اتلافها فى عصر الرواية الشفهية
وللخروج من هذا التناقض اخترع بعضهم كذبة أخرى يثبت بها أنه كان لبعض كبارالصحابة والتابعين كتب كثيرة و لكنهم أحرقوها أو دفنوها أو محوها. فينسبون الى من اسمه سهل بن الحصين قوله : بعثت الى عبد الله بن الحسن البصرى : إبعث لى بكتب أبيك ، فبعث الى : إنه لما ثقل ( أى اشتد عليه المرض ) قال لى اجمعها فجمعتها له وما أدرى ما يصنع بها ، فقال للخادم : استجرى التنور، ثم أمر بها فأحرقت ..) ( الطبقات 7 / 127 ). ورواية أخرى أن حماد بن زيد قال عند موته ( ادفعوا بكتبى الى أيوب ان كان حيا وإلا فأحرقوها ) ( الطبقات 7 / 135 ) ويروون أن عروة بن الزبير(ت 94 هجرية ) أحرق كتب فقه كانت له يوم معركة الحرة ( الطبقات 5 / 133 ) ومما يدل على أنها رواية مصنوعة فى العصر العباسى أن مصطلح الفقه لم يكن قد جرى استعماله فى هذا العصر المبكر من التاريخ الأموى.
أما محمد بن عبد الله الفزارى المتوفى فى آخر خلافة أبى جعفر المنصورفقد ( سمع كثيرا من الحديث وكتب ودفن كتبه ) ( الطبقات 6 / 255 )وأن علقمة بن قيس ( ت 72 ) دعا بكتبه عند موته فمحاها وقال : أخشى أن يليها أحد بعدى فيضعونها فى غير موضعها ) ( الطبقات 6 / 63 ).
9ـ صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص
وهناك رواية مشهورة تزعم أن عبد الله بن عمرو بن العاص كتب عن النبى محمد عليه السلام صحيفة فيها بعض أقواله ، قال محمد بن سعد( أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبى ادريس عن سليمان بن بلال عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال: استاذنت النبى فى كتابة ما سمعت فأذن لى فكتبته ، فكان عبد الله يسمى صحيفته تلك الصادقة ) ( الطبقات 7 /2 / 189 )
مما يؤكد كذب تلك الرواية هو موت عبد الله بن عمرو فى الثانية والسبعين من عمره، وقد اختلفوا فى سنة وفاته هل هى سنة 73 أو 67 أو قبل ذلك أو بعده ، وفى كل ألأحوال فقد كان طفلا صغيرا حين مات النبى محمد عليه السلام، وليس معقولا أن يعهد النبى محمد عليه السلام فى حياته الى طفل صغير بأن يكتب أقواله فى الوقت الذى منع الآخرين من ذلك ، فكيف يعطى استثناءا لطفل صغير لم يعطه لكبار الصحابة؟ .
لقد شارك عبد الله بن عمرو فى شبابه فى الفتنة الكبرى مع أبيه عمرو بن العاص متذرعا بأن النبى محمدا أمره ألا يخالف أباه، وهذا تبرير ساقط لأن التعاون لا يكون إلا على البر والتقوى وليس على الاثم والعدوان وسفك الدماء. وأفظع من الانغماس فى ظلم المسلمين و قتلهم و العدوان على أصحاب الحق أن يتم تبرير ذلك بأكذوبة ينسبها للنبى محمد عليه السلام بعد موته تزعم أن على الابن أن يطيع أباه حتى لو كان فى العصيان وسفك الدماء. بعد الفتنة الكبرى والحروب الأهلية عاش عبد الله بن عمرو معظم حياته فى مصر متمتعا بالوجاهة ضمن قلة قليلة من الذين امتد بهم العمر بعد أن رأوا النبى محمدا ، واستغل هذا فى تصدر الساحة دينيا بالاضافة الى وجاهته السياسية والاجتماعية فى الدولة الأموية التى شارك مع أبيه فى تأسيسها .وكان له أتباع نقلوا عنه تلك التقولات التى يحكيها عن النبى محمد وعن نفسه ومنها اسطورة تلك الصحيفة المزعومة التى لم يرد ذكر لما تحويه من الأحاديث، ولو كانت حقيقية لعاشت محمية محافظا عليها لتكون أهم مصدر يقوم عليه التدوين فيما بعد ،إلا أنه ليس لها وجود الا مجرد الحديث عنها فى كتب السّنة اللاحقة.
10 ـ أسباب ترك التدوين فى عصر الرواية الشفهية:
كان سعيد بن المسيب أشهر العلماء العرب فى العصر الأموى ، والشيخ الأكبر لمدرسة المدينة و للامام مالك فيما بعد. ومع ذلك لم يكتبوا علمه الغزير فضاع معظمه، ولما جاء عصر التدوين حزنوا على ما ضاع من علم سعيد بن المسيب ، يقول تلميذه يحيى بن سعيد ( ادركت الناس يهابون الكتب ولو كنا نكتب يومئذ لكتبنا من علم سعيدورأيه شيئا كثيرا ( ( ابن سعد 5 / 104 ). أى كان هناك رهبة و هيبة بين العرب من تدوين العلم وكتابته، باعتبارهم أمة ليست الكتابة من مميزاتها ، بينما كان الحفظ والاستظهار من مفاخرهم فى ذلك الوقت.
وكان لعلماء الموالى العارفين بالكتابة أسباب أخرى لعدم التدوين ، فالشعبى (ت 104 ) هو أشهر الرواة فى العصر الأموى ومن كبار قادة الموالى ، وكان يعرف الكتابة إلا إنه رفض الكتابة وتدوين مروياته مكتفيا بالحفظ والسرد . يقول ( ما كتبت سوداء في بيضاء ولا حدثني رجل بحديثقط إلا حفظته وما أحببت أن يعيده عليّ .) ( ابن سعد 6 / 174). ويتضح من كلامه أنه كان يفاخر بمقدرته على الحفظ حتى لا يتفوق عليه العرب أصحاب تلك الموهبة ، أى أن الفخر كله كان للحفظ والسرد من الذاكرة ، وأن اللجوء للتدوين كان يعنى نوعا من النقص والعجز.
ودخل الى البادية العربية ابو العلاء ابن عمار القارى ( ت 154) ليجمع من الأعراب غريب اللغة العربية والشعر العربى ليتعرف منه على قواعد اللغة العربية وأصولها المنطوقة. وكان لا بد من تدوين ما يسمعه ، يقول عنه ابن الجوزى ( وكان قد كتب عن العرب الفصحاء ما ملأ به بيتًا إلى قريب من السقف ثمأنه تقرى فأحرقها كلها فلما رجع من بعد إلى علمه لم يكن عنده إلا ما قد حفظه وكانتعامة أخباره أعراب قد أدركوا الجاهلية .).( المنتظم 8 / 182) هذا الرجل عاش العصر الأموى وأدرك أكثر من عشرين عاما فى العصر العباسى ، ومع ذلك فان التحرج من التدوين لازمه فأحرق ما دونه فى رحلته متفاخرا بذاكرته فما أغنت عنه شيئا.
وبعضهم كانت له اسبابه الدينية فى رفض التدوين ، وهى أسباب غير مقنعة ، فقد كان عبد الله بن إدريس من أهل الحفظ واعتبر التدوين خطيئة لو فعلها لعوقب بنسيان القرآن ، يقول: لولا أني أخشى أن ينفلت مني القرآن لدونتالعلم. ( المنتظم 9 / 205 ) وعبد الله بن ادريس مات سنة 192 أى عاش ستين عاما فى العصرالعباسى ، ولكن ظل مشدودا للثقافة الشفهية الأمويةحتى العصر العباسى الأول .
ونرجع للعصر الأموى حيث يقول حبيب بن أبى ثابت ت 119 ( ما عندى كتاب واحد فى الأرض إلا حديث واحد فى تابوتى ) ( الطبقات الكبرى 6 / 223 ) وبعضهم اضطر للكتابة فدافع عن نفسه كأنما يرتكب إثما ، يقول جامع بن شداد أنه رأى حماد بن أبى سليمان ( ت 120 ) ( يكتب عند ابراهيم النخعى فى الواح ويقول : و الله ما أريد به الدنيا ) ( الطبقات 6 / 232 ) هذا مع أن ابراهيم النخعى ـ وهو من كبار العلماء فى العراق الأموى كان يفخر بعدم الكتابة مع معرفته بها ، ويقول ( ما كتبت شيئا قط ) وقد قال له تلميذه فضيل ( إنى أجيئك وقد جمعت مسائل ..وأراك تكره الكتاب ، فقال : إنه قلّ ما كتب انسان كتابا إلا أتكل عليه ، وقلّ ما طلب إنسان علما إلا آتاه الله منه ما يكفيه ) ( الطبقات 6 / 189.)
والواضح أن الكتابة هنا تعنى الانصراف عن حلقات الدرس اكتفاء بالمكتوب مما يهدد مكانة الشيوخ و يقلل من عدد المستمعين لهم . وابراهيم النخعى كان لا يكتب ، وان كان يسمح لتلاميذه بالكتابة عنه ، وهو هنا يخالف قطر بن خليفة ت 155 الذى عاش فى الكوفة وأدرك أكثر من عشرين عاما فى العصر العباسى الأول وظل محافظاعلى عدم الكتابة الى درجة أنه ( كان لا يدع أحدا يكتب عنده ) ( الطبقات 6 / 253 ).أما عمرو بن دينار فقد كانت الكتابة مشكلة له ، لقد كان مقعدا يحملونه على حمار الى المسجد ، وفيه يلتف حوله الناس يأخذون عنه سماعا كالعادة فى الرواية الشفهية. وكان يقول ( اخرجوا عنى من يكتب عنى ) وقيل له أن تلميذه المقرب سفيان يكتب عنه فاضطجع وبكى وأمر باخراجه، وتاب سفيان من ذنب الكتابة وقال ( فما كتبت عنه شيئا، كنا نحفظ ) ( الطبقات 5 / 353 ). وواضح أن هذا الشيخ المقعد المشلول كان يخشى من أن يكتبوا عنه اليوم ثم ينصرفون عنه غدا مكتفين بما أخذوا منه ـ فتطرف فى منع الكتابة عنه حتى لا يفقد صحبتهم والأنس بهم.
11 ـ بداية التدوين
ومع ذلك بدأ التدوين على استحياء فى فترة جمعت بين الرواية الشفهية و التدوين المتفرق ، وكان ذلك بتشجيع قتادة أشهر علماء العصر الأموى المتوفى عام 117 ، وقد قيل لقتادة (نكتب ما نسمع ، فقال: وما يمنعك أحد أن تكتب ، وقد أنبأك اللطيف الخبير أنه كتب وقرأ فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى ) ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 2 ). ويرى ابن الجوزى أن أولمن صنف الكتبهو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح المكي( المنتظم 8 / 124 ) ، وقد توفى ابن جريج سنة 150 ، أى أدرك ما يقرب من عشرين عاما فى العصر العباسى. ولكن ابن سعد يذكر أن سالم بن أبى الجعد المتوفى عام 101 (كان يكتب الحديث ، ولكنه كان إذا حدث شفهيا أكثر من الحديث) ( الطبقات الكبرى 6 / 203 )، أى سبق ابن جريج فى التصنيف، و لكن ابن الجوزى يتحدث عن شىء محدد وهو تصنيف الكتب ، وليس مجرد كتابة متفرقات من الأحاديث ، وعليه فابن جريج هو أول من قام بالتصنيف والتأليف وليس مجرد الكتابة والتدوين.
فى فترة الجمع بين التدوين و الرواية الشفهية اشتهر ابو عوانة الذى كان يملى ويروى بالسماع معا، يقول تلميذه عفان بن مسلم ( كان يتحفظ ويملى علينا ويخرج الحديث الطويل فيقرؤه أو يمليه ، وقد سأل : ما يقول الناس فىّ ؟ فقيل له : يقولون كل شىء تحدث به من كتاب فهو محفوظ ، ومالم تجىء به من كتاب فليس بمحفوظ) ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 43 ) وهنا تفضيل للتدوين على الرواية الشفهية بعد أن اتضح دورها فى نسيان العلم وضياعه.
ومن الطبيعى أن يحدث تنافس بين التدوين و الرواية الشفهية فى ذلك الوقت المبكر من تاريخ التدوين ، فقد قيل لجابر بن زيد الأزدى : انهم يكتبون عنك ما يسمعون ، فلم يغضب بل قال: إن لله ما يكتبون، فقال عفان: أنا أتحول عنه غدا ، وقال عارم: وأنا أرجع اليه غدا ) ( الطبقات الكبرى 7 / 131 ) اى اختلفت مواقف تلاميذه منه بعد تشجيعه للكتابة عنه ، منهم من هجره ومنهم من تمسك به. ويقول عفان بن مسلم أيضا ان شيخه جويرية بن أسماء بن عبيد كان يمتنع من الاملاء متمسكا بالرواية الشفهية فلما بدأ يملى علمه على الناس تركه عفان (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 38 ـ )
12 ـ اتساع التدوين الشعبى والفردى
لم يكن الحديث أبرز دوافع التدوين لأنه ارتبط أكثر بالسماع فكان عادة أن يقال فى ترجمة شيوخ الحديث انه ( سمع من فلان )، و ( سمع ) تعنى الرواية الشفهية. ربما كان جمع اللغة العربية ومفرداتها وألفاظها وأبيات شعرها هو الدافع الأكبر حيث اعتاد علماء اللغة والأدب والبلاغة والشعر دخول البوادى العربية و سماع اللغة العربية من الأعراب الذين بقوا داخل الصحراء لم يتصلوا بالحضر فظلوا محافظين على نقاء لغتهم و لم يعرفوا اللحن فى اللغة. بدأ هذه الرحلة للبوادى العربية العبقرى العربى الخليل بن أحمد ، ثم تفرغ فى البصرة لوضع اسس علوم جديدة كالعروض وقواعد النحو ، وأخذ عنه أعلام اللغة والبلاغة والأدب مثل سيبويه وغيره. وقد توفى الخليل بن أحمد فى بداية العصر العباسى على خلاف فى تحديد سنة وفاته. وقد تعلم الكسائى النحوى ت 189من الخليل الرحلة للبوادى والأخذ عن الأعراب وتدوين ما يجمع. التحق الكسائى بحلقة الخليل وسأله : من أين أخذت علمكهذا؟فقال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة .فخرجالكسائى الى الصحراءورجع وقد أنفذ بخمس عشرة قنينة حبرًا في الكتابة عن العرب سوىما حفظه . ( المنتظم 9 / 169 ).
ثم دخل التدوين فى دور الاتساع والتنوع بفضل الموالى ، وكانوا فى العصر العباسى رواد علوم الطب والحكمة والفلسفة واللغة العربية و الأدب والحديث والسنة أيضا.
13 ـ الموالى وريادة التدوين
ومع التقدير لدورالخليل بن أحمد الفراهيدى للعلم العربى إلا إن ريادة التدوين ظلت فى أيدى الموالى ، كانوا رواد التدوين كما كانوا رواد الحركة العلمية الشفهية. يقول ابو العالية الرياحى المتوفى فى العصر الأموى سنة 90 ( كنت مملوكا أخدم أهلى فتعلمت القرآن ظاهرا و الكتابة العربية )( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 8 ) وبالعلم علا شأن أبى العالية الرياحى وانتقل الى طبقة أخرى نسى الناس بها أصله القديم . وأشهر علماء الموالى كان عبد الله بن المبارك ( 118 – 181 ) وقد طبقت شهرته الآفاق فى عصره ، وقد جمع بين العلم والتدوين والتجارة والجهاد وكثرة الأتباع والنفوذ، وصنف كثيرا من كتب العلم وصنوفه ، وتخصص كثيرون فى نسخ كتبه ونقل علمه ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 104 ـ ) وكان منهم عياذ بن عثمان (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 108 ). وظاهرة اسماء العلماء وألقابهم تؤكد أن أغلبية العلماء ـ ومن دونوا العلم ـ كانوا من الموالى.
العادة ان العربى ينتسب الى قبيلته ويهتم بنسبه ويرى فخره فى الانتماء القبلى ، بينما كان الانتماء فى البلاد الزراعية والحضارية للمكان وللحرفة . عند العرب يقال ( الخليل بن أحمد الفراهيدى ) نسبة لقبيلته ، و(هشام الكلبى ) نسبة لقبيلة كلب ، بينما يقال ( الحسن البصرى ) نسبة للبصرة ،لأن نسب الحسن الفارسى ليس معلوما فانتسب للبصرة بلدته، ويقال أيضا ( البخارى ) لابن برزويه أكبر وأشهر من جمع ودون الحديث وهو المولود فى بخارى فانتسب اليها باسمه مما غطى على اسمه الفارسى، ويقال ( اسحاق الموصلى ) نسبة للموصل ، او يقال ( الفراّء ) للعالم النحوى نسبة لصناعة الفراء أو (المبرد ) لعالم النحو الأدب وهى نسبة لصناعة التبريد ، وأيضا ( الزجاج ) نسبة لصناعة الزجاج ، وكان الزجاج من كبار علماء اللغة، و( الماوردى ) نسبة الى ماء الورد ، والماوردى هو على بن محمد أبرز فقهاء الشافعية فى القرن الخامس الهجرى .
وباستعراض أسماء قادة الحركة العلمية والتدوينية بل وقادة التشيع والتصوف والسنة تجد الأسماء التالية : الخشاب ، العطار ، الخياط ، الكحال ، الجوهرى ، الصيرفى ، الدهان ، الجزار ، القصاب ، الكيال ، الحلاج ، البزاز ، الطيالسى ، المزين ، الصباغ ، والسماك ، والنحاس ، الطحان ، النجار ، الجصاص ، الكسائى ، الأنماطى ، الفراش ، القواس ، الصفار ، الحداد ، الكتانى ، السقاء ، الحريرى ، الوراق ، الرياشى ، السفاطى ، الخبار ، الجمار ، الاسكافى ، الخلال ، الساعاتى ، الرفاء ، اللبان ، العلاف ، الهراس ، الخراز ، الشواء ، الصدفى ، الزعفرانى ، الخواص ، القواريرى ، الزيات ، الفحام ، المراكبى..الخ. ما يدل على أن اولئك العلماء انتموا الى طبقة العلماء الحرفيين بالأسرة أو عملوا بهذه المهنة او تلك ثم أرادوا تحسين وضعهم الطبقى بالاشتغال بالعلم والتدوين ، فدخلوا فى ميدان العلم وهم يحتفظون باسم الحرفة السابقة التى كانوا يمارسونها بالمهنة او تمارسها عائلاتهم .
وبتأثير أولئك الموالى العلمى والثقافى وريادتهم التدوين وقيادتهم المجتمعات ثقافيا ودينيا فقد انتهى احتكار الانتماء القبلى فى التسميات العربية وحل الى جانبه الانتماء الى البلد مثل ( ابن جريج المكى ) و( المدينى ) و ( الحلبى ) والانتماء الى القطر مثل ( المغربى ) و (المصرى ) والانتماء الى الحرفة كما سبق, وظل هذا ساريا طيلة العصرين العباسى والمملوكى.
وبجمع اللغة العربية وآدابها وجمع ما يشاع على الألسنة من حديث وتاريخ وسيرة بدأ التدوين يتسع و يتنوع ويزدهر عن طريق الأفراد ثم دخلت الدولة العباسية فى الميدان خصوصا فى خلافة المأمون.
14 ـ ازدهار التدوين الرسمى فى عهد المأمون
أخذ التدوين تطورا مذهلا فى خلافة المأمون العباسى. يكفى أن نأخذ العالم الفارسى الأصل الفراء (ت 207 ) نموذجا . لقد كان الفراء ثقة إمامًا فى اللغة العربية وقواعدها ، قال ثعلب: لو لا الفراء ما كانت عربية لأنهخلصها وضبطها .توثقت صلة الفراء بالخليفة المأمون حيث كان الفراء هو معلم ولدى المأمون،يقول ابن الجوزى : ( وقد أمر المأمون الفراء أن يؤلف ما جمع به أصول النحو وما سمع من العربوأمر أن يتفرغ للعلم في حجرة من حجر الدار، ووكل به جواري وخدمًا يقمن بما يحتاج إليه حتىلا يتعلق قلبه ولا تتشوق نفسه إلى شيء، حتى أنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة ، ووظف له الوراقين ( أى أصحاب الورق ) ,, وألزمه الأمناء والمنفقين فكان يملي والوراقون يكتبون حتى صنف الحدودفي سنين وأمر المأمون بكتبه في الخزائن فبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأيملي كتاب المعاني وكان ورَّاقاه: سلمة وأبا نصر ... فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا لإملاء كتاب المعاني فلميضبط . فعددنا القضاة فكانوا ثمانين قاضيًا فلم يزل يمليه حتى أتمهوله كتابان في المشكل أحدهما أكبر من الآخر.... فلما فرغ من إملاء كتاب المعانيخزنه الوراقون عن الناس ليكسبوا به وقالوا: لا نخرجه إلى أحد إلا مَنْ أراد أنننسخه له على خمس أوراق بدرهم ، فشكى الناس ذلك إلى الفراء، فدعا الوراقين فقال لهم فيذلك فقالوا: إنما صحبناكلننتفع بك وكل ما صنفته فليس بالناس إليه من الحاجة مابهم إلى هذا الكتاب،فدعنا نعيش به . فقال: فقاربوهم تنتفعوا وينتفعوا، فأبوا عليهفقال: سأريكم .وقال للناس: إني ممل كتاب معان أتم شرحًا وأبسط قولاا من الذيأمليت، فجلس يملي ، فأملى الحمد في مائة ورقة فجاء الوراقون إليه فقالوا: نحن نبلغللناس ما يحبون.فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم .( المنتظم 10 / 178 : )
نقلنا النصّ السابق من ابن الجوزى لنتعرف على أن التدوين صار له شهرة و مؤيدون ، وأزدهرت به حرفة (النشر) التى قام بها الوراقون وقد أرادوا احتكار ما كتبه الفراء وبيعه بالسعر الذى يريدون، ولولا موقف الفراء لنجحوا فى سعيهم.
15 ـ المظاهر الايجابية للتدوين
بالتدوين كثرت المدونات والكتب
ونأخذ أمثلة : قيل عن الشافعى ت 204 انه أخذ من محمد بن الحسن الشيبانى ت 189 مجموعة هائلة من الكتب( المنتظم 9 / 174)وأن الواقدى 207 (: انتقل ..فحمل كتبه على عشرين ومائة وقر) (.وكان له ستمائة قمطر كتب وكان الواقدي يقول: حفظيأكثر من كتبي .( المنتظم 10 / 174 ) وخلف يحيى بن معين ت 233 من الكتب ( مائة قمطر وأربعة عشر قمطرًا وأربعة حباب شرابية مملوءة كتبًا) ( المنتظم 11/ 205 ) وامتلأ بيت ابن الفرخى ت 271 كتبا ( المنتظم 12 / 248 ).
واتسعت المصنفات لتشمل كل نواحى المعرفة من فلسفة وحكمة وآداب و فقه و تفسير و لغويات وغيرها. كان ذلك فى فترة انتعاش الحركة العلمية فى العصر العباسى ، ثم حين سيطرالفقهاء الحنابلة واضطهدوا المعتزلة و العقليينو المتأثرين بالثقافات الأجنبية لحق الاضطهاد بكتبهم ورموها بالزندقة، وفى سنة 311 وفي نصف رمضان أحرق العوام فى بغداد ( أربعة أعدال من كتب الزنادقة فسقطمنها ذهب وفضة مما كان على المصاحف له قدر)( المنتظم 13 / 220 ).
وتم الاعتماد على المدونات فى العلم بدلا من الرواية الشفهية.
ونأخذ أمثلة : فقيل عن على بن الحسن ت 215 انه (كان يحفظ كتب ابن المبارك) ( المنتظم 10 / 270 ) وكان إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمداني .ت 255 (كثير الطلب للحديث منهمكًا في كتابته ) ( قال عبد الله بن وهب الدينوري: كنا نذكر إبراهيم بن الحسينبالحديث فيذاكرنا بالقمطر وكان يذاكر بالحديث الواحد فيقول عندي منه قمطر.( المنتظم 12 / 89 ) وتفرغ الزبير بن بكار للكتب التى ملأ بها داره واكتفى بزوجة واحدة لم يتزوج عليها ولم يشتر جوارى ، ومع ذلك كانت زوجته تقول: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر .( المنتظم 12 / 110 )
وتنوع الاعتماد على المدونات العلمية
فهناك من تخصص فى رواية كتب علماء بعينهم ، مثل معاوية بن عمرو الأزدى الذى روى عن زائدة ابن قدامة كتبه ومصنفاته كما روى كتاب السيرة عن ابن اسحاق ، وقد توفى سنة 215 فى بغداد فى خلافةالمأمون ( الطبقات الكبرى 7 / 2 / 82 ). وكان اسحاق بن عيسى الطباع ت 201 قاضى العسكر فى خلافة المأمون ( يروى كتب أبيه ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 83 )
وهناك علماء قاموا باملاء علمهم من الذكرةمثل وهيب بن خالد بن عجلان الذى ( كان يملى حفظا ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 43 ) وهناك علماء اتخذوا لأنفسهم من يتخصص فى الكتابة عنهم ، فالليث بن سعد أتخذ لنفسه كاتبا هو عبد الله بن صالح الجهنى (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 205 ) وهناك علماء كتبوا علمهم بأنفسهم وقاموا بتدريسه ومنهم القاسم بن سلام من خراسان ، وقد اشتهر بالنحو ، وقدم بغداد ففسر غريب الحديث وصنف كتبا واسمع الناس ، وحج وتوفى بمكة عام 224 (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 93 ) وصنف خلف بن سالم المسند فى الحديث وقدم بغداد وكتب الناس عنه وتوفى فى بغداد عام 231 ، ومثله زهير بن حرب بن أشتال ت 234 (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 92 ).
والواضح أن القدوم الى بغداد كان هدفا لمن يريد الشهرة من العلماء.
و فيما بعد تكاثرت المؤلفات ، وبعضهم كانت له عشرات المصنفات ، ومنهم محمد بن سعد صاحب الطبقات الكبرى الذى نعتمد عليه هنا ، وقد اشتهر بكثرة مؤلفاته فى الحديث وغيره ، وقد توفى عام 230. واشتهر ابن سعد بلقب ( كاتب الواقدى ) اذ كان يعمل كاتبا للواقدى المؤرخ المقرب من الخليفة المأمون . وقد صنف الخطيب البغدادى ت 463 ( تاريخ بغداد ) يؤرخ فيه طبقا لمنهج المحدثين فى الاسناد والعنعنة لكل من دخل بغداد وعاش فيها من العلماء ، ومعظمهم من المشتغلين بالحديث وروايته وتدوينه.
انتشارالاستملاء:
وبازدهار التدوين أصبح الاستملاء ملمحا اساسيا للحركة العلمية بديلا عن مجرد الاستماع والحفظ الشفهى. فقيل عن كثير من العلماء فى العصر العباسى الأول انهم ( كتبوا عنه ) مثل منصور بن بشير ت 235 (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 86 ) وبشر بن شعيب (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 176 ) وعمرو بن هارون البلخى (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 106 )
والى بغداد قدم الحسن بن سواد فى خلافة المأمون يريد الحج فكتب عنه الناس ، ومات فى آخر خلافة المأمون (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 106 )
ويقول ابن الجوزى عن سليمان بن داود ت 204 مولى قريش وأصله فارسي انهم ( كتبوا عنه أربعين ألف حديث وليس معه كتاب) ( المنتظم 10 / 133) وقال قاسم بن زكريا المطرز : وردت الكوفة فكتبت عن شيوخها كلهم) .( المنتظم 12 / 41 )
وقال عن على بن عاصم ت 201 انه (كان يجتمع عند على بن عاصم اكثر من ثلاثين الفا وكان يجلس على سطح وكان له ثلاثة مستملين) ( المنتظم 10 / 103 ) وكان ابن المدينى ت 234 شيخا لابن حنبل وابن معين يقول الأعين : رأيت علي بن المديني مستلقيًا وأحمد بن حنبل عن يمينهويحيى بن معين عن يساره وهو يملي عليهما .وقال عباسً العنبري يقول: كان الناس يكتبون عن ابن المدينى قيامهوقعوده ولباسه وكل شيء يقول ويفعل.( المنتظم 11 / 215 ).
وكما اشتهر كثيرون بالعلم فانهال على مجالسهم الناس يستملون ويكتبون فان البعض الآخر انصرفوا عنه ، أو بتعبيرهم ( تركوا الكتابة عنه ) كان منهم ابراهيم بن محمد ت 184 (الطبقات الكبرى 5 / 314) ويحيى بن أبى أنيسة (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 182)
وصاحب التدوين والاستملاء ازدهار صناعة الورق وظهور طبقة الوراقين ، وكانوا محترفى النشر وقتئذ، ومنهم آدم بن إياس المتوفى عام 220 (الطبقات الكبرى/ 2/ 186 )، كما ازدهر نسخ المصحف وكتابته بأجر أو تطوعا ، وممن اشتهر بهذه الحرفة مسلم بن كبيس الذى كان يكتب المصاحف للناس متطوعا ولا يشترط أجرا (الطبقات الكبرى 7/ 2 / 160)
16 ـ مظاهر سلبية صاحبت التدوين
وبرزت مصاعب فى التدوين. أهمها :
الأخطاء الاملائيةمن تصحيف وتنقيط وغيره ، وكان ينتج عنها تغيير المعنى, ونستشهد بهذا النص من ابن الجوزى ، يحكى الطوسى (كنا في مجلس اللحياني .فقال يومًا: تقول العرب " مثقل استعان بذقنه " يريدون الجمل، فقام عليه ابن السكيت - وهو حدث - فقال: يا أبا الحسين إنما هو تقول العرب: "مثقل استعان بدفيه " يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه، فقطع ( اللحيانى )الإملاءفلما كان في المجلس الثاني أملى فقال: تقول العرب "هو جاري مكاشري " فقامإليه ابن السكيت فقال: أعزك الله وما معنى مكاشري إنما هو مكاسري كسر بيتي .. .فقطع اللحياني الإملاء فما أملى بعد ذلك شيئًا ).( المنتظم 11 / 312 ). فهذا العالم ( اللحيانى ) كان يملى ما كتبه خطأ، وقام ابن السكيت ـ وكان لا يزال حديث السن ـ بالتصحيح مرتين ، فما أملى اللحيانى بعدها. وقد مات ابن السكيت عام 243 .
التصحيف في التدوين
التصحيف هو الخطأ فى كتابة أو قراءة حروف الكلمة بسبب التنقيط ، فبعض الحروف تتفق شكلا وتتميز بالنقط وجودا وعدما (مثل الدال والذال والراء والزين ، والصاد والضاد والطاء والظاء ، والعين والغين ، والسين والشين ) أو عددا ( مثل الباء والتاء والثاء ، والجيم والحاء والخاء ، والفاء والقاف ). وبسبب تحول الاستملاء الى صناعة فقد دخلها كثير من الجاهلين ، كانوا يخطئون فى قراءة تلك الحروف أو كتابتها فتحدث نوادر . وفى كتابه ( أخبار الحمقى ) جمع ابن الجوزى نماذج من حكايات عن الأخطاء فى التصحيف ، نذكر منها أمثلة : ( قال أبو بكر بن أبي أويس: بينا عبد اللهبن زياد يحدث انتهى إلى حديث شهر بن حوشب فقال: حدثني شهر بن خوشب ) . والصحيح ( شهر بن حوشب.).( عن عوام بن إسماعيل قال: جاء حبيب كاتب مالك يقرأ على سفيان بنعيينة فقال: حدثكم المسعودي عن جراب التيمي ) الصحيح ليس هو جراب إنما هوخوات.( وقرأ عليه: حدثكم أيوب عن ابن شيرين.) والصحيح ( سيرين.)( حدثنا إسحاق قال: كنا عند جرير فأتاه رجل وقال: يا أبا عبد اللهتقرأ علي هذا الحديث فقال: وما هو قال: حدثنا خربز عن رقبة قال: ويحك أناجرير.) ( حدثنا محمد بن سعيد قال: سمعت الفضل بنيوسف الجعفي يقول: سمعت رجلاً يقول لأبي نعيم: حدثتك أمك ، يريد حدثك أميّالصيرفي.)( قال أبو نعيم: كتب عبد الملك إلى أبي بكر بن حزم أن: احص من قبلكمن المخنثين) أى يحصيهم عددا ، ( فصحف الكاتب فقرأ بالخاء ( إخص ) فخصاهم.)!!حدثنا يحيى بن بكير قال: جاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيفحدثك نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم: "في الذي نشرت في أبيه القصة "فقالالليث: ويحك إنما هو "في الذي يشرب في آنية الفضة." )( قال الدارقطني: وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبوالعيناء قال: حضرت مجلس بعض المحدثين المغفلين فأسند حديثاً عن النبي صلى اللهعليه وسلم عن جبرائيل عن الله "عن رجل " فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟ فإذا هو قد صحفه وإذ هو "عز وجل ".) (عن أبي حاتم الرازي أنه قال: كان عمر بنمحمد بن الحسين يصحف فيقول: معاد بن حبل ، حجاج بن قراقصة ، وعلقمة بن مريد . فقلتله: أبوك لم يسلمك إلى الكتاب؟ فقال: كانت لنا صبية شغلتنا عن الحديث.). ( قال أبو زرعة: كان بشر بن يحيى بن حسان من أصحاب الرازي وكان يناظرفاحتجوا عليه بطاووس فقال: يحتجون علينا بالطيور.) طاووس هو من أِشهر التابعين ، وصاحبنا لا يعرفه وظنّه الطاووس الطائر المعروف . ( قال أبو زرعة: وبلغني أنه ناظر إسحاق في القرعة فاحتج عليه إسحاقبالأحاديث .. فأفحمه، فانصرف ، ففتش كتبه ، فوجد في حديث ..(القزع ) فصحّف بالراء ، فانصرف وقال لأصحابه: قد وجدت حديثاً أكسر به ظهره فأتى إسحاقفأخبره فقال: إنما هو القزع.)( وسأل حماد بن يزيد غلامٌ فقال: يا أبا إسماعيل حدثك عمر أن النبيصلى الله عليه وسلم نهى عن الخبز قال: فتبسم حماد وقال: يا بني إذا نهى عن"الخبز" فمن أي شيء يعيش الناس وإنما هو نهى عن "الخمر".)( وعن يحيى بن معين قال: قدم داود بن أبيهند عليهم الكوفة فقام مستملي أهل الكوفة فقال: كيف حديث سعيد يكفن "الضبي" في ثوبواحد يريد يكفن "الصبي "في ثوب واحد.)( وعن عبد الله بن ثعلبة قال: كان رسول الله صلى اللهعليه وسلم يمسح وجهه من القيح.قال عبد الله: أخطأ فيه وصحّف ..إنما هو الفيح.)( عن عامر بن صعب قال: اعتكفت عائشة عن أختها بعدما ماتت كذا قال:وإنما هو اعتقت.)(( قال الدارقطني: حدثنا أبي قال: ورد يحيى بن آدم فقال: أخطأ فيحديث كعب قال: قال الله أنا أشج وأداوي وأخطأ يحيى قبيحاً فقال: أسحر وأداوي.) ( قال الدارقطني: أملى علينا أبو بكر الصولي حديث أبي أيوب من صامرمضان واتبعه ستاً من شوال فقال: شيئاً من شوال.) ( وروى أحمد بن جعفر الحنبلي حديث أبي سعيد لا حليم إلا ذو عثرةفقال: غيرة بالغين المعجمة والياء.)( قال الجاحظ: أمليت مرة على إنسان عمراً فاستملى ستراً وكتبزيداً.) (وحكى لنا أبو بكر ابن عبد الباقي البزاز صحف رجلفقال: حدثنا "سقنان البوري "عن "جلد المجدا "عن "اتش "عن النبي صلى الله عليه وسلمقال: "اذهبوا عنا.". ) والصحيح ( سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أنس عن ...قال: ادهنوا غباً.).
الانتحال فى التدوين
كان معضلة أكبر. فقد كان بعض المستملين غير أمين فى كتابة ما يمليه الشيخ ، وقد قيل ليزيد بن هارون ( ت 206 ) ( إن هارون المستملي يريد أن يدخل عليك - يعني في حديثك - فتحفظ منه) أى خذ حذرك منه(فبينماهو كذلك إذ دخل هارون فسمع يزيد نغمته فقال: يا هارون بلغني أنك تريد أن تدخل عليفي حديثي فأجهد جهدك لا أرعى الله عليك) ( المنتظم 10 / 156 ).
ويقول ابن سعد فى ترجمة ابن لهيعة المتوفى فى خلافة هارون الرشيد عام 174 ( كان يقرأ عليه ما ليس فى حديثه فيسكت عليه ، فقيل له فى ذلك فقال : وما ذنى ؟ انما يجيئون بكتاب يقرءونه ويقومون ، ولو سألونى لأخبرتهم أنه ليس من حديثى ..!! ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 204 )
وقد قيل فى ترجمة الزبير بن بكار (ت 256 ) انه كان ثقة ثبتًا عالمًا بالنسب عارفًا بأخبار المتقدمين وله " كتابالنسب ".ولي القضاء بمكة وورد بغداد ( فلما أراد أن يحدث بها قال: أعرضواعلي مستمليكم .فعرضوا عليه) ( المنتظم 12 / 110 ). فهذا القاضى العالم ـ من ذرية الزبير بن العوام ـ لم يثق فى المستملين الذين يكتبون علمه فى بغداد ، فاراد أن يختبرهم أولا. ومعناه أن الشك فى المستملين كان حقيقيا استوجب حذر العلماء المؤلفين.
ومن الطبيعى أنه بعد موت العالم فان المستملين الذين لا أمانة لديهم كانوا يزيفون ما أرادوا فى الكتب التى ينسخونها، بل و قد ينسبون كتبا الى غير أصحابها ، وهذا شائع فى التدوين العربى فى العصر العباسى .
ثم أصبح الانتحال خطيئة كبرى فى العصرالمملوكى بعد سقوط بغداد بيد المغول ، وقيام المغول بتدمير مكتبة بغداد واحراق معالمها الثقافية. جرى بعدها اعادة تدوين للتراث قامت به الدولة المملوكية فى القاهرة و العواصم الأخرى, وصاحب اعادة التدوين كثير من الانتحال بعضه كان بسوء نية وكان البعض الآخر بسبب الخلط والاضطراب ، و تعسر أدوات البحث والتحقيق.وأصعب من الانتحال الجزئى والكلى كان ضياع معظم المصادر الأصلية الأولى للعلوم.
أثر ضياع الكتب فى ضياع بعض العلم
فالمصيبة الكبرى تمثلت فى ضياع الكتب المؤلفة فى هذا العصر المبكر من التدوين.
وقد قيل فى ترجمة هوذة بن خليفة ( 125 ـ 216 ) أحد علماء عصر المأمون انه طلب الحديث و كتب عن يونس وهشام وعوف وابن عون وابن جريج والتيمى وغيرهم ( فذهبت كتبه فلم يبق عندهم الا كتاب عوف وشىء يسير لابن عون وابن جريج وأشعث والتيمى. (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 80 ) أى أن ما كتبه هوذة قد ضاع بعد موته ، وذلك وارد فى عصر بداية التدوين الفردى الذى عاشه هوذة ، فلما انتشر التدوين الجماعى والرسمى كان قد ضاع وتفرق بعض التدوين الفردى السابق.
وبعض الكتب ضاع فى حياة مؤلفها فتعرض للنقد و التجريح ومنهم كان الشاذكونى (ت 234 ) الذى تعرض لحملة تجريح اتهمته بالكذب والانتحال ، و بالتخليط والنسيان ، وبرر بعضهم ذلك بضياع كتبه ، يقول عنه ابن الجوزى ( قد طعن في الشاذكوني رحمه الله جماعة من العلماء ونسبوه إلى الكذب وقلة الدين فذهبتبتخليطه بركات علمه .فقال أحمد بن حنبل: قد جالس الشاذكوني حماد بن زيد وبشر بن المفضلويزيد بن زريع فما نفعه الله بواحد منهم .وقال يحيى: كان الشاذكوني يكذب ويضع الحديث وقد جربت عليه الكذب.وقال البخاري: هو عندي أضعف من كل ضعيف وقال النسائي: ليس بثقة.وكان عبدان الأهوازي يقول: لا يتهم الشاذكوني بالكذب وإنما كتبهكانت قد ذهبت فكان يحدث فيغلط ).( المنتظم / 11 / 214 )
وتعقد الموضوع بعد تدمير بغداد و مكتبتها، فلم تستطع حركة اعادة التدوين فى العصر المملوكى العثور على كل التراث الذى تدمر و تفرق وضاع وتشرذم. ومن هنا تخصص التدوين المملوكى فى شرح ما تم العثور عليه فوضعوا الشروح على الكتب المشهورة فى الحديث ، فقام العينى و ابن حجر وغيرهما بشرح صحيح البخارى ، وسار على نفس الطريق آخرون ، كنوع من التعويض عما ضاع من مصادر أخرى فى نكبة بغداد. ومن المعهود لدى الباحثين أن نقرأ أسماء لتصانيف بالعشرات لعلماء فترة الازدهار فى العصر العباسى ثم لا نجد لها أثرا ..مجرد عناوين واشارات الى مؤلفات بائدة.
دفاع عن التدوين
على ان هذه السلبيات لا تقدح فى أهمية التدوين الذى حفظ التراث الى عصرنا، ويكفى ان الشاذكونى نفسه قيل عنه بعد وفاته فيما يزعم أحدهم ( سمعت إسماعيل بن طاهر البلخي يقول: رأيت سليمان الشاذكوني ت 234 فيالنوم فقلت:ما فعل الله بك يا أبا أيوب فقال: غفر الله لي .قلت: بماذا قال: كنت في طريق أصبهان أمر إليها فأخذتني مطرةوكانت معي كتب ولم أكن تحت سقف ولا شيء فانكببت على كتبي حتى أصبحت وهدأ المطر فغفرلي الله بذلك ..( المنتظم / 11 / 214 ) وهى بالطبع قصة مصنوعة ومنام كاذب ، إلا ان مخترع هذه القصة لم يرد الدفاع فقط عن الشاذكونى بل الدفاع أيضا عن التدوين.
16 هل ظهر النسخ التراثى فى مرحلة الرواية الشفهية فى العصر الأموى
نستطيع مما سبق الجزم بعدم وجود مؤلفات فى النسخ التراثى فى العصر الأموى ، عصر سيادة الرواية الشفهية ، ليس فقط بسبب عدم وجود تدوين ولكن لأن موضوع النسخ كان أعقد من أن تتحمله الحركة العلمية البسيطة فى العصر الأموى ، ولأن موضوع النسخ جاء ثمرة للتفاعل بين فكر المسلمين والفكر الأجنبى خصوصا اليهودى والتوراتى ، وهذا ما لم يكن واضحا أو مؤثرا فى العصر الأموى.
وعندما ظهرت فكرة النسخ كان التدوين قد استوى عوده فى العصر العباسى ، و جرى جدل حول موضوع النسخ استلزم من المؤيدين لفكرة النسخ أن ينسبوا كتبا وآراء فى النسخ لعلماء مشهورين فى العصر الأموى ، بل لبعض الصحابة والتابعين من ابن عباس الى سعيد بن المسيب.
وبعضهم نسب كتابا فى النسخ لقتادة بن دعامة السدوسى المتوفى سنة 117 فى العصر الأموى ،وأسماه ( الناسخ والمنسوخ في كتاب الله تعالى) وزعم أن راوى الكتاب عن قتادة هو تلميذه سعيد بن أبي عروبة المتوفى فى العصر العباسى سنة 157 .
إلا ان أقدم كتاب لدينا فى التراجم والطبقات وهو ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد لم يذكر لقتادة السدوسى أى كتاب مصنف ، ونذكر كل ما ذكره ابن سعد عن قتادة بالنص والحرف، يقول عنه :
( قتادةبن دعامةالسدوسي
وكان يكنى أبا الخطاب وكان ثقة مأمونا حجة في الحديث وكان يقول بشيءمن القدر( يعنى يؤمن بحرية الارادة أو القدرية بتعبير العصر )، أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال حدثنا أبو هلال قال سمعتقتادةيقول: الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر. وقال عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا أبو هلالقال: سألتقتادةعن مسألة فقاللا أدري ، فقلت: قل برأيك قال: ما قلت برأي منذ أربعين سنة. فقلت بن كم هو يومئذ قال بنخمسين سنة وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة كنت أعرف حديثقتادةما سمع مما لميسمع فإذا جاء ما سمع قال حدثنا أنس بن مالك وحدثنا الحسن وحدثنا سعيد وحدثنا مطرفوإذا جاء ما لم يسمع كان يقول قال سعيد بن جبيروقال أبو قلابة وقال عبد الرزاق عنمعمر قال قالقتادةجالست الحسناثنتي عشرة سنة أصلي معه الصبح ثلاث سنين قال ومثلي أخذ عن مثله قال معمر وقالقتادةإذا أعدتالحديث في المجلس أذهبت نوره قال وما أعدتعلى أحد يعني ممن أسمع منه قال معمر وقاللسعيد بن أبي عروبة يا أبا النضر خذ المصحف قال فعرض عليه سورة البقرة فلم يخطىءفيها حرفا واحدا قال فقال يا أبا النضر أحكمت قال نعم قال لا بالصحيفة جابر بن عبدالله أحفظ مني لسورة البقرة قال وكانت قرئت عليهقال معمر قيل للزهري أقتادةأعلم عندك أممكحول قال لا بلقتادةما كان عندمكحول إلا شيء يسير قال معمر وكنا نجالسقتادةونحن أحداثفنسأل عن السند فيقول مشيخة حوله مه إن أبا الخطاب سند فيكسرونا عن ذلكأخبرنا موسىبن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال قال قيل لقتادةيا أبا الخطابأنكتب ما نسمع قال وما يمنعك أحد أن تكتب وقد أنبأك اللطيف الخبير أنه قد كتب وقرأفي كتاب لا يضل ربي ولا ينسى قال أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال حدثنا سلام بنمسكين قال حدثني عمران بن عبد الله قال لما قدمقتادةعلى سعيد بنالمسيب جعل يسائله أياما وأكثر قال فقال له سعيد أكل ما سألتني عنه تحفظه قال نعمسألتك عن كذا فقلت فيه كذا وسألتك عن كذا فقلت فيه كذا وقال فيه الحسن كذا قال حتىرد عليه حديثا كثيرا قال يقول سعيد ما كنت أظن أن الله خلق مثلك وقال سلام بن مسكينفحدثت به سعيد بن أبي عروبة فكان يحدث به قال سلام وكانت مسائل قد درسها قبل ذلكعند الحسن وغيره فسأله عنها وقال عبد الرزاق عن معمر عنقتادةانه أقام عندسعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال له في اليوم الثامن ارتحل يا أعمى فقد نزفتنيأخبرنا عفان بن مسلم قال كانقتادةيقيس على قولسعيد بن المسيب ثم يرويه عن سعيد بن المسيب قال وذاك قليل أخبرنا عفان بن مسلم قالقال لنا همام أعربوا الحديث فإنقتادةلم يكن يلحنوقال إذا رأيتم في حديثي لحنا فقوموه أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمةقال كنا نأتيقتادةفيقول بلغنا عنالنبي عليه السلام وبلغنا عن عمر وبلغنا عن علي ولا يكاد يسند فلما قدم حماد بن أبيسليمان البصرة جعل يقول حدثنا إبراهيم وفلان وفلان فبلغقتادةذلك فجعل يقولسألت مطرفا وسألت سعيد بن المسيب وحدثنا أنس بن مالك فأخبر بالإسناد أخبرنا مسلم بنإبراهيم قال حدثنا قرة بن خالد قال رأيت خاتمقتادةفي يسارهأخبرنا محمد بن عمر قال أخبرني إسماعيل بن علية قال توفيقتادةسنة ثماني عشرةومائة وأخبرنا محمد بن عمر قال وأخبرني سعيد بن بشير قال توفيقتادةسنة سبع عشرةومائة قال محمد بن سعد وكذلك قال موسى بن إسماعيل.) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 1 ـ ).
ومن النص السابق نستنج المعلومات التالية:
1 ـ ان قتادة وان كان يشجع على الكتابة والتدوين فانه لم يؤلف كتابا ولم يدون شيئا.
2 ـ إن قتادة كان ينتمى الى مدرسة الحديث التقليدية التى قامت فى المدينة ، وكانت تشجب مدرسة الاجتهاد فى العراق والمسماة وقتئذ بمدرسة الرأى ، وقد رفض قتادة أن يقول برأيه فى فتوى ،وقال (ما قلت برأي منذ أربعين سنة)
3 ـ ولكن قتادة كان فى حقيقة الأمر يقول برأيه ولكن يصيغه فى ثوب حديث ينسبه مباشرة للنبى محمد عليه السلام أو لكبار أصحابه دون أن يهتم بصناعة سند أو عنعنة كأن يقول روى فلان عن فلان، بل يقول مباشرة ( بلغنا كذا عن رسول الله ): يقول عنه ابن سعد (حدثنا حماد بن سلمةقال كنا نأتيقتادةفيقول بلغنا عنالنبي عليه السلام وبلغنا عن عمر وبلغنا عن علي ولا يكاد يسند ) أى كان يؤلف الحديث ثم ينسبه مباشرة للنبى أو لكبار الصحابة كما لوكان قد سمعه بنفسه من النبىمحمد أو منهم. وهذا كان يحدث بعد موت النبى محمد باكثر من ثمانين عاما.
وأحيانا كان ينسب رأيه الى سعيد بن جبير أو الى غيره : (وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة كنت أعرف حديثقتادةما سمع مما لميسمع ، فإذا جاء ما سمع قال حدثنا أنس بن مالك وحدثنا الحسن وحدثنا سعيد وحدثنا مطرفوإذا جاء ما لم يسمع كان يقول قال سعيد بن جبير) أى انه من حيث الظاهر فان قتادة كان يسند بعض الأحاديث التى سمعها الى من رواها عنهم ، أما التى لا سند لها فقد كان يسندها الى سعيد بن جبير، وبالطبع فلم يقلها سعيد بن جبير، وكان ذلك بالطبع بعد وفاة أساتذته من الصحابة والتابعين : كأنس بن مالك و سعيد بن المسيب و الحسن البصرى و سعيد بن جبير، وبالتالى فلانعرف ان كانوا قد قالوا ذلك فعلا أم لم يقولوه أصلا.
ومع ذلك فقد تمتع قتادة بالثقة بحيث كان كبار الناس من حوله يرفضون أن يسأله شباب العلماء عن سند الأحاديث التى يرويها : (.وكنا نجالسقتادةونحن أحداثفنسأل عن السند فيقول مشيخة حوله مه إن أبا الخطاب سند فيكسرونا عن ذلك)
4 ـ انه ( كانقتادةيقيس على قولسعيد بن المسيب ثم يرويه عن سعيد بن المسيب) أى انه كان يخترع أقوالا على مثال ما كان يقوله سعيد بن المسيب ثم ينسبها اليه. وهذا تزوير فى السند لا شك فيه.
5 ـ أنه كان لا يعيد قول الحديث إلا مرة واحدة. ولم يكن فى طلبه للعلم وسماعه من شيوخه لم يكن يسمع الحديث الا مرة واحدة.: ( وقال قتادةإذا أعدتالحديث في المجلس أذهبت نوره قال وما أعدتعلى أحد يعني ممن أسمع منه )..وهذا أدعى للشك فيما سمع من شيوخه ، ومما سمعه منه تلاميذه.
5 ـ طبقا لما جاء فى روايات أخرى كثيرة فلم يكن الصحابة والتابعون يحفظون كل القرآن ، وانما يكتفى بعضهم بحفظ واستظهار بعض سور منه. وهنا نجد قتادة يفخر بأنه يحفظ سورة البقرة: (وقاللسعيد بن أبي عروبة يا أبا النضر خذ المصحف قال فعرض عليه سورة البقرة فلم يخطىءفيها حرفا واحدا قال فقال يا أبا النضر أحكمت قال نعم قال لا بالصحيفة جابر بن عبدالله أحفظ مني لسورة البقرة قال وكانت قرئت عليه ) هذا مع انهم اعتنوا أشد العناية بحفظ الأحاديث التى اصطنعوها ونسبوها للنبى محمد عليه السلام وأصحابه. ومن الطريف ما ذكره ابن الجوزى فى ترجمة المؤرخ الواقدى و صلته القريبة بالخليفة المامون ، وقد طلب منه المأمون أن يؤم الناس فى صلاة الجمعة وأن يخطب بهم فرفض لأنه لا يحسن قراءة سورة الجمعة ، وظل المأمون يقوم على تحفيظه سورة الجمعة فما أفلح فقال فى النهاية عنه ( هذا رجل يحفظ التاويل ولا يحفظ التنزيل ) أى يحفظ الأحاديث ولا يحفظ القرآن الكريم . ( المنتظم . 10 / 172 ـ )
هذا ما نستخلصه مما أورده ابن سعد من روايات فى تاريخ قتادة بن دعامة السدوسى.
فماذا قال ابن سعد عن تلميذ قتادة الشهير سعيد بن أبى عروبة الذى دون علم قتادة بعد موت قتادة وشهد حركة التدوين فى العصر العباسى ؟ هل أسند سعيد بن عروبة كتابا فى النسخ لقتادة بعد موت قتادة .؟
يقول ابن سعد :
(سعيد بن أبيعروبة
ويكنى أباالنضر واسم أبيعروبةمهران وكان ثقةكثير الحديث ثم اختلط بعد في آخر عمره، قال وسمعت عبد الوهاب بن عطاء قال جالست سعيدبن أبيعروبةسنة ست وثلاثينومائة ومات سنة سبع وخمسين ومائة، وقال غيره سنة ست وخمسين ومائة في خلافة أبي جعفر . قال وقال قريش بن أنس حلف لي سعيد بن أبيعروبةأنه ما كتب عنقتادة شيئا قط ، إلا أن أبا معشر كتب إلي أن أكتب له تفسير قتادة قال فقال تريد أنتكتب عني قال فلم أزل به . أخبرنا عفان بن مسلم قال قال لي همام جاءني سعيد بن أبيعروبةفطلب مني عواشر القرآن عن قتادة فقلت له أنا أنسخه لك وأرفعه إليك فقال لا إلاكتابك ، فأبيت عليه واختلف إلي فلم أعره ، أخبرنا عفان قالكان سعيد بن أبيعروبةيروي عن قتادةمما لم يسمع شيئا كثيرا ولم يكن يقول فيه حدثنا ، قال أخبرنا روح بنعبادة قال كان سعيد بن أبيعروبةمن أحفظ الناسفكان إذا حدث أعجبته نفسه.. ) (الطبقات الكبرى 7 / 2 / 33 ).
ونستخلص من هذه الروايات أن
1 ـ سعيد بن عروبة كان من أحفظ الناس : ،(كان سعيد بن أبيعروبةمن أحفظ الناس) إلا أن حفظه ضاع فى نهاية العمر(وكان ثقةكثير الحديث ثم اختلط بعد في آخر عمره ). وهذا شأن بشرى لا جدال فيه، وهو يعنى أن الحركة العلمية الشفهية فى العصر الأموى انتهت الى لا شىء تقريبا فى العصر العباسى مع ضياع الذاكرة للرواة بعد أن يمتد بهم العمر ، والله تعالى يقول عن الشيخوخة ( ومنكم من يرد الى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) ( الحج 5 )
2 ـ ان سعيد بن عروبة كان ينسب لقتادة ما لم يقله قتادة من أحاديث (كان سعيد بن أبيعروبةيروي عن قتادةمما لم يسمع شيئا كثيرا ولم يكن يقول فيه حدثنا) وهو ما تعلمه من قتادة نفسه الذى كان يدلس الاحاديث و يختلقها و ينسبها مباششرة للنبى والصحابة أو أن يصنع لها اسنادا يصلها بشيوخه من الصحابة والتابعين.
3 ـ الروايا هنا متضاربة فيما كتبه و دونه سعيد بن عروبة ، هل هو منقول عن قتادة ، أم هو من تأليف سعيد نفسه.
4 ـ وفى كل الأحوال فلم يرد هنا أيضا أن هناك كتابا فى النسخ ( التراثى ) قد كتبه سعيد أو قتادة. انما هو كلام عن التفسير. بل ان عبارة ( نسخ ) جاءت هنا بمعنى الكتابة والاثبات وليس الحذف والالغاء : (فقلت له أنا أنسخه لك وأرفعه إليك )
الذى لا شك فيه أن الانتحال ارتبط بالحركة العلمية للمسلمين فى فترتى الرواية الشفهية والكتابة والتدوين وأن هذا الانتحال قد أثر فى موضوع النسخ التراثى و ما صاحبه من اختلافات، وكان الانتحال أبرز الطرق فى تأييد رأى أو تغليب رأى على آخر. كان من السهل فى العصور اللاحقة أن ينسب القائلون بالنسخ التراثى أقاويل فى النسخ التراثى لمن سبق فى عصر الرواية الشفهية والتدوين ـ بل وأن ينسبوا لهم كتبا ، ومن خلال هذا التلفيق يؤكدون آراءهم.
النسخ التراثى وعلوم القرآن
( 1 )
الإمام السيوطى ت 911 هجرية ـ آخر العلماء المعتبرين فى نهاية العصر المملوكى، اشتهر بتأليف العشرات من الكتب التى كان يقوم فيها بتجميع ما قاله السابقون. وقد أفاد بعمله هذا حفظ بعض ما اندثر و ضاع من تراث العصر العباسى . ومن أهم كتبه ( الاتقان فى علوم القرآن ) الذى سار فيه على نسق القاضى أبى بكر الباقلانى المتوفى عام 403 هجرية، ولكن تفوق السيوطى عليه فى جمع معلومات أكثر قالها آخرون بعد الباقلانى. ولذلك يعد (ألاتقان فى علوم القرآن ) للباقلانى أبرز ما كتب فى علوم القرآن فى عصر الاجتهاد العلمى للمسلمين ، كما يعد ( الاتقان فى علوم القرآن) للسيوطى آخر المكتوب فى هذا الباب والحاوى لكل ما فيه من مساوىء ومحاسن.
( 2 )
المفروض فى ( علوم القرآن ) ان تزيد المسلم معرفة بالقرآن وايمانا به ، ولكن الواقع شىء آخر.
إن ( علوم القرآن ) فيها اجتهاد عقلى لا بأس به ، ولكن فيها أفظع أنواع الطعن فى القرآن الكريم. والملاحظ أن معظم مواضع الطعن فى القرآن تاتى عبر أحاديث منسوبة للنبى محمد عليه السلام ، بينما تأتى النواحى الايجابية فى أغلبها مجرد آراء منسوبة لأصحابها تحوى الكثير من الاجتهاد المحمود حتى لو اختلفت معه. وهذا يؤكد أن من أراد الطعن فى القرآن الكريم لم تكن له حجة عقلية فلجأ الى أسهل السبل وهى أن ينسب ما يقول الى النبى محمد فى صورة حديث ، فان لم يتيسر فينسبه الى واحد من كبار الصحابة أو علمائهم مثل عمر أو ابن عباس .
(3 )
الأساس الذى نبع منه الطعن فى القرآن هو مقولة أن النبى محمدا عليه السلام كان أميا أى لا يقرأ ولا يكتب، وأن كتابة الوحى قام بها بعض الصحابة، وأن جمع القرآن فى مصحف قام به أبو بكر ثم أتمه عثمان . وكل ذلك إفك كاذب فندناه فى بحوت منشورة فى تسعينيات القرن الماضى ، وأعيد نشرها فى موقعنا ( أهل القرآن ) . وفيها أثبتنا بالقرآن الكريم أن النبى محمد عليه السلام كان أميا وأن العرب كانوا أميين بمعنى أنهم لم يكونوا من ( أهل الكتاب ) وأن النبى محمد كان يقرأ ويكتب ، وأنه هو الذى كتب الوحى بنفسه ، وكان يعينه بعض أصحابه ، وأنه الذى جمع القرآن بنفسه ، وأن ماقام به أبو بكر هو كتابة نسخ من القرآن المكتوب بخط النبى محمد فى ( مصحف ) وأن ما قام به عثمان هو إخضاع كتابة المصاحف لنوعية واحدة من الكتابة هى التى لا يزال عليها كتابة المصحف حتى الآن ، والمعروفة حتى اليوم بالخط العثمانى نسبة الى عثمان .
من ذلك الافك القائل أن هناك كتبة للوحى وأن جمع القرآن فى عهد أبى بكر ـ أشاع أولئك الرواة الأفاكون أقاويل تطعن فى القرآن وتشكك فى آياته و سوره وتناقض قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ( الحجر 9 ) وقوله تعالى (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) ( فصلت 41 ـ 42 ) وقوله تعالى عن جمع القرآن فى حياة النبى محمد عليه السلام (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ( القيامة 17 ). وللتدليل على هذا الافك ـ الذى حمل عنوان علوم القرآن ـ فاننا نستشهد ببعض ما رواه السيوطى فى كتابه ( الاتقان فى علوم القرآن ) المشار اليه .
( 4 )
عقد السيوطى فصلا بعنوان (النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه) جمع فيه معظم الروايات المختلفة عن جمع القرآن فى عهد ابى بكر، وهى روايات إختلقوها كذبا فى العصر العباسى . وكانت كل رواية ـ مع اختلافها و تناقضها مع مثيلاتها ومع القرآن و العقل ـ لها سند يصلها بالصحابة الذين ماتوا دون أن يعلموا شيئا عن ذلك الافك الذى ألصقوه بهم بعد موتهم بقرون.
وسنورد بعضها مع حذف السند اختصارا :
( قال الديرعاقولي في فوائده: ( قبض النبي صلى الله عليه وسلمولم يكن القرآن جمع في شيء.)..وقال عكرمة ( لما كانبعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك، فأرسلإليه فقال: أكرهت بيعتي؟قال: لا والله. قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزادفيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه ...قال: لواجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف مااستطاعوا ) أى ان الذى جمع هنا هو ( على ) وأنه فعل ذلك لأنه وجد ـ بزعمهم ـ من يزيد فى القرآن أى ينتحل كلاما يجعله ضمن القرآن فاضطر (على) وحده للقيام بهذه المهمة دون أن يستشير أبا بكر.. هذا مع وجود روايات أخرى مشهورة تجعل أبابكر ـ وبمشورة من عمر ـ يكلف زيد بن ثابت بجمع القرآن . والواضح وجود حرب خفية بين السطور بين الشيعة و السنة ، كل منهما ينسب الفضل لعلى أو لأبى بكر وعمر ـ فى اسطورة جمع القرآن بعد وفاة النبى محمد عليه السلام ، وقد تناسوا أن تلك هى مهمة النبى محمد وكان مستحيلا أن يموت دون إتمام البلاغ بكتابة القرآن و تدوينه بنفسه.
ويأتى السيوطى برواية أخرى تقول:( أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبيحذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى جمعه، فجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه فقال بعضهم: سموهالسفر قال: ذلك تسمية اليهود فكرهوه فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحففاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف )أى أن سالم مولى أبى حذيفة هو الآخر أقسم ألا يرتدى ثيابه حتى يجمع القرآن ، فاذا كانت هذه المهمة يمكن الانتهاء منها دون رداء فكيف تركها النبى لفلان وعلان ؟ والمضحك هنا أنهم استعاروا اسم المصحف من الحبشة ، مع أن كلمة المصحف عربية وليست حبشية !!.
أما المواد التى جمعوا منها آيات القرآن فقد اختلفوا فيها كالعادة ، يقول السيوطى : ( وقد تقدم في حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف.في رواية: والرقاع.وفي أخرى: وقطع الأديم.وفي أخرى: والاكتاف.وفي أخرى: والأضلاع.وفي أخرى: والأقتاب.والعسب جمع عسيب وهو جريد النخل كانوا يكشطون الحوص ويكتبون فيالطرف العريض.واللختاف .. وهي الحجارة الدقاق.. والرقاع جمع رقعة وقد تكون من جلدأوورق أوكاغد.والأكتاف جمع كتف وهوالعظم الذي للبعير أوالشاة كانوا إذا جف كتبواعليه.والأقتاب جمع قتب وهوالخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.).
واختلفت الروايات أيضا فى ترتيب ألايات القرآنية و سور القرآن ؛ هل هو توقيفى أى أنه من عمل النبى محمد عليه السلام بوحى من الله ـ وهو الرأى الصحيح ، أم هو بعمل الصحابة وثمرة لاختلافاتهم . وننقل بعض ما قاله السيوطى:(أتى الحارث بن خزيمةبهاتين الآيتين من آخر سورة براءة فقال: أشهد أني سمعتهما من رسول الله صلى اللهعليه وسلم ووعيتهما فقال عمر: وأنا أشهد لقد سمعتهما ثم قال: لو كانت ثلاث آياتلجعلتها سورة على حدة فانظروا آخر سورة من القرآن فألحقوها في آخرها.قال ابن حجر: ظاهر هذا أنهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم،وسائر الأخبار تدل على أنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك إلا بتوقيف. ..) .
وفى عدد الايات القرآنية فى كل سورة اختلفوا فيها بسبب اختلافهم فى ( البسملة ) أى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هل تعد ضمن عدد الايات أم لا. وأن كان هذا اختلافا هينا فان الأفظع تلك الروايات التى تزعم أن هناك سورا وآيات من القرآن الكريم تم حذفها . تحت عنوان ( النوع التاسع عشر في عدد سوره وآياته وكلماته وحروفه) يقول السيوطى يورد اختلافاتهم : ( أما سوره فمائة وأربع عشرة سورة بإجماع من يعتد به وقيل وثلاث عشرةبجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة. أخرج أبو الشيخ عن أبي زروق قال: الأنفال وبراءة سورة واحدة.وأخرج عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن الأنفال وبراءة سورتان أمسورة قال: سورتان ).ثم ينقل السيوطى رواية يزعم فيها أن الامام مالك قال عن سورة براءة ( ثبت أنها كانت تعدلالبقرة لطولها.) أى كانت سورة التوبة أو براءة تساوى فى طولها سورة البقرة ـ بزعمهم ـ أى أنهم حذفوا من سورة التوبة 157 آية قرآنية.
ويقول السيوطى ( وفي مصحف ابن مسعود مائة واثنتا عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوذتين) أى ان ابن مسعود فى زعمهم لم يعترف بسورتى الفلق و الناس. ويقول ( وفي مصحف أبيّ بن كعب في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين واللهم إنا نستعينك واللهمإياك نعبد وتركهن ابن مسعود.) أى أن أبى بن كعب زاد فى القرآن (واللهم إنا نستعينك واللهمإياك نعبد ) .
(5 )
ويأتى السيوطى برواية عن الطبرانى أشهر رواة الحديث فى العصر العباسى الثانى . يقول السيوطى : ( وأخرج الطبراني في الدعاء من طريق ابن عباد ابن يعقوب الأسدي عنيحيى بن يعلي الأسلمي عن ابن لهيعة عن أبي هريرة عن عبد الله بن زرير الغافقيقال: قال لي عبد الملك بن مروان: لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنكأعرابي جاف فقلت: والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجتمع أبواك ولقد علمني منه عليبن أبي طالب سورتين علمهما إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمهما أنت ولاأبوك.). المستفاد من هذه الرواية الكاذبة أن ذلك الشخص المجهول عبد الله بن زرير الغافقي اتهمه الخليفة عبد الملك بن مروان بأنه وأباه يحبان ( أبا تراب ) أى على بن أبى طالب. ويرد ذلك الشخص مواجها عبد الملك بن مروان قائلا أن على بن أبى طالب قد علمه هو وأباه سورتين من القرآن لا يعلمهما عبد الملك ولا أبوه مروان. أى أن النبى محمدا عليه السلام علّم ابن عمه عليا بن أبى طالب سورتين من القرآن الكريم ـ سرا ـ وأن عليا قام بتلقين هاتين السورتين للأخ عبد الله بن زرير الغافقي . وتم ذلك أيضا سرا. وبالتالى فان النبى محمدا عليه السلام لم يبلغ كل الرسالة ، بل ترك بعضها ليحكيه سرا لابن عمه الشقيق ثم يقوم ابن عمه الشقيق بتعليم هذا السر الخاص للسيد المحترم عبد الله بن زرير الغافقي . و السيد المحترم اياه يجابه الخليفة الأموى سفاك الدماء بهذا مفتخرا عليه وعلى ابيه ، ثم يظل حيا يحكى الحكاية لأبى هريرة مفتخرا بها !!.. هذا مع أن حقائق التاريخ تؤكد أن عبد الملك بن مروان كان سفاكا للدماء و قدد هدد علنا بالقتل من يقول له ( اتق الله ) ، وهو الذى سلط الحجاج على المسلمين فى الحجاز ثم العراق يقتلهم لمجرد الظن والشك حتى ألجم الأفواه . ولكن الرواية المضحكة لذلك الكذاب الجاهل ( الطبرانى ) تجعل فاه ذلك الأخ الجليل المجهول عبد الله بن زرير الغافقي يتحدى عبد الملك بن مروان بما يكره فى حقه وحق أبيه.
جهل الطبرانى يتجلى أيضا فى اختراعه السند لهذه الرواية الكاذبة. فقد زعم أنه رواها عن طريق ابن عباد ابن يعقوب الأسدي عنيحيى بن يعلي الأسلمي عن ابن لهيعة عن أبي هريرة عن عبد الله بن زرير الغافقي . أى جعل أبا هريرة الصحابى المشهور برواية الأحاديث يروى عن أحد التابعين وهو الأخ المحترم عبد الله بن زرير الغافقي . وبالتالى لا بد أن يكون أبوهريرة حيا فى ذلك الوقت الذى جرت فيه المواجهة القولية بين الأخ المحترم عبد الله بن زرير الغافقي ( لا فض فوه ) و الخليفة عبد الملك بن مروان. ولكن لسوء الحظ فقد مات أبو هريرة قبل هذا العصر،فى خلافة معاوية. يقول ابن سعد ـ وهو من أقدم المصادر التاريخية وأوثقها عن أبى هريرة (كتب الوليد بن عتبة ( والى المدينة ) الى معاوية يخبره بموتأبي هريرة، فكتب إليه: أنظر من ترك فادفع الى ورثته عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهموافعل إليهم معروفا ، فإنه كان ممن نصر عثمان وكان معه في الدار فرحمه الله . ..وقد روى أبو هريرة عن أبي بكر وعمر وتوفي سنة تسعوخمسين في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان) أى كان أبو هريرة من حزب الأمويين وتولى لهم إمارة المدينة ، وعندما مات أحسن معاوية لذريته . و حتى لو عاش وأدرك عهد الخليفة ألأموى عبد الملك بن مروان فانه لم يكن ليروى عن خصم للأمويين. مات أبوهريرة فى خلافة معاوية ،وتوالت الأحداث بعده : مات معاوية وتولى يزيد ثم مات يزيد وتولى ابنه معاوية الثانى ثم اعتزل معاوية الثانى فدخل المسلمون فى حرب اهلية كان من قوادها مروان بن الحكم الذى تولى الخلافة ليواجه عبد الله بن الزبير ، و بعد موت مروان تولى ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 فأعاد تاسيس الدولة الأموية بالحديد والنار .. وبالحجاج وما أدراك ما الحجاج ..جهل الطبرانى كل ذلك التاريخ فافترى هذه الرواية لمجرد أن يطعن فى القرآن ويثبت أن هناك سورتين من القرآن ليستا فى المصحف.
ويتداخل القول بالنسخ التراثى هنا فى اختلاف الروايات حول جمع القرآن و تدوينه، فيروى السيوطى عن بعضهم (إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف، لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أوتلاوته ، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهمالله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة ، فكان ابتداءذلك على يد الصديق بمشورة عمر.). أى أن النبى محمدا عليه السلام لم يقم بجمع القرآن فى مصحف انتظارا لمجىء الناسخ و المنسوخ، ثم مات فقام بالجمع أبوبكر . ولم يقل الراوى هل جاء الناسخ والمنسوخ أم لا. ولكن الرواية تربط النسخ التراثى بجمع القرآن وما يحويه من التشكيك فى القرآن الكريم .
وقد ذكرنا الرواية التى نسبت جمع القرآن لعلى بن أبى طالب فى خلافة أبى بكر، وقد روى السيوطى رواية أخرى تعقب عليها ، يقول ( لما كانبعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك ، فأرسلإليه فقال: أكرهت بيعتي؟قال: لا والله. قال: ما أقعدك عني ؟ قال: رأيت كتاب الله يزادفيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه . قال له أبو بكر: فإنك نعمما رأيت . قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول.قال: لواجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف مااستطاعوا.وأخرجه ابن أشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتبفي مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلىالمدينة فلم أقدر عليه). أى أن الرواية تزعم أن عليا كتب الناسخ و المنسوخ فى ذلك المصحف المزعوم ، وأن ابن سيرين حاول البحث عن هذا المصحف فى المدينة فلم يجده.
وجاء السيوطى برأى بعضهم فى الفرق بين جمع ابى بكر و جمع عثمان للقرآن :( وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر فيجمع نفس القرآن بين لوحين ، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبيصلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك ، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولاتأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشيةدخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.) أى أن جمع أبى بكر احتوى على تاخير وتقديم و تنزيل و تأويل ، وناسخ ومنسوخ . ولا ندرى من أين جاء بهذا العلم بالمصحف الذى جمعه ابو بكر وما فيه من ناسخ ومنسوخ اذا كان عثمان قد أحرق كل النسخ فى عهده ، وأبقى منها النسخة الوحيدة التى صارت أصلا لكل المصاحف حتى اليوم. وعلى فرض صحة كلامه فانه لا مجال للنسخ التراثى بعد أن محاه عثمان (خشيةدخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ) على حد قوله.
والعجيب أن يأتى السيوطى برواية البخارى عن جمع القرآن و تدوينه ، و فيها استعمل البخارى مصطلح النسخ بمعنى الكتابة و التدوين و ليس بالمعنى التراثى الذى يعنى الحذف والالغاء. يقول (روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازيأهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءةفقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصةأن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها إلى حفصة فأمرزيد ابن ثابت عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشامفنسخوها في المصاحفوقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بنثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذانسخوا الصحف في المصاحفرد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخواوأمربما سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يحرق قال زيد ففقدت آية من الأحزابحين نسخنا المصحف قدكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناهافوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهفألحقناها في سورتها في المصحف.)
ويطول بنا الوقت لو توقفنا مع كل رواية من تلك الروايات بالتمحيص و النقد، ولكنها جناية الأحاديث على القرآن والاسلام .ولولا تلك ألأحاديث لكانت علوم القرآن الكريم جهدا عقليا ايجابيا نأخذ منه ونرد دون الكذب على الله تعالى ورسوله.
النسخ التراثى والطعن فى القرآن
( 1 )
النسخ فى القرآن وفى اللغة العربية يعنى الكتابة و الاثبات وليس الحذف والالغاء، والتفصيل فى كتاب لنا سبق نشره فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى ثم أعيد نشره على موقعنا ،بعنوان ( لا ناسخ ولا منسوخ فى القرآن الكريم : النسخ فى القرآن يعنى الكتابة والاثبات و ليس الحذف والالغاء ) وننصح القارىء الكريم بالرجوع اليه :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=5
وفيه جاء البرهان القاطع بأنه ليس فى القرآن ما يعرف بالنسخ التراثى أى أن آية بزعمهم قد نسختها أى أبطلت حكمها آية أخرى أو حديث كاذب منسوب للنبى محمد عليه السلام.
وعليه فاننى حين أقول ( النسخ التراثى ) فأقصد به تلك الأكذوبة التى تزعم أن أحكام القرآن الشرعية قد أبطلتها أحكام أخرى من القرآن أو مما يسمونه بالسنة، ذلك (النسخ التراثى ) يدخل ضمن علوم القرآن ، وأفظعها فى الطعن فى القرآن الكريم.
ولا نريد فى هذا المقال تكرار ما قلناه سايقا فى البحث المشار اليه ،حيث كان التركيز على دور النسخ التراثى فى الطعن فى تشريعات القرآن ، ولكن نريد الإشارة الى ناحية جديدة ؛ هى دور ذلك ( النسخ التراثى ) فى الطعن فى القرآن الكريم ذاته ؛ فى سوره وآياته.
(2 )
ونبدأ بما قاله الامام السيوطى ت 911 عن ذلك ( النسخ التراثى) فى كتابه ( الاتقان فى علوم القرآن ) حيث يتحدث عنه كأحد علوم القرآن تحت عنوان : (النوعالسابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه). وننقل عنه باختصار . يقول : (النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب: أحدها: ما نسخ تلاوته وحكمه معًا. قالت عائشة: كان فيما أنزل عشر مرضعات معلومات فنسخن بخمسمعلومات.فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن.رواه الشيخان.) أى روى البخارى ومسلم هذا الحديث الكاذب الذى يزعم أن هناك آية ملغاة فى النص ّ القرآنى ، وملغاة أيضا فى حكمها الشرعى. وهذه الرواية لا تهدف الا الى التشكيك فى القرآن ، وإلا فماهو الغرض من ذكر فقرة مزعومة، هم أنفسهم يقولون بالغاء حكمها الشرعى والغاء وجودها فى نصوص القرآن الكريم ؟ أى ليس للبخارى و مسلم من هدف ـ من ايراد هذه الرواية الكاذبة ـ سوى الطعن فى القرآن. ومن يؤيدهما أو يدافع عنهما فهو معهما فى صف العداء لكتاب الله تعالى.
(3 )
ونرجع للسيوطى.
يقول عن النوع الثانى من (النسخ التراثى) :(الضرب الثاني: ما نسخ حكمه دون تلاوته ، وهذا الضرب هو الذي فيهالكتب المؤلفة ، وهوعلى الحقيقة قليل جدًا، وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه فإنالمحققين منهم كالقاضي أبي بكر بن العربي بيّن ذلك وأتقنه.).
وأقول هذا النوع من النسخ التراثى هو الذى يلغى معظم تشريعات القرآن الكريم بأن يضرب بعضها ببعض أوأن يضربها بحديث كاذب منسوب للنبى محمد عليه السلام، كحديث ( لا وصية لوارث )الذى بدأ به الامام مالك فى الموطأ ، ثم جعله يلغى آيات الوصية للوارثة المذكورة فى القرآن الكريم كقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ) ( البقرة 180 ) (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا .وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ) ( النساء 11 ، 12 )
وقد جاء الشافعى على منوال مالك يقعّد فى كتابيه ( الأم ) و( الرسالة ) النسخ التراثى و بل ويزايد على مالك فيجعل ما يسميه بالسنة ( تنسخ ) أى تلغى القرآن الكريم. والسيوطى هنا يرى أن هذا النوع من النسخ التراثى قليل جدا ، يقول (، وهوعلى الحقيقة قليل جدًا) ثم يقول ( وإن أكثر الناس من تعديد الآيات فيه ) أى أن بعضهم بالغ فى القول بالنسخ التراثى حتى عطل معظم تشريعات القرآن.
(4 )
ثم يقول السيوطى عن النوع الثالث من النسخ التراثى ( الضرب الثالث: ما نسخ تلاوته دون حكمه.)أى ليس موجودا فى القرآن ولكن حكمه موجود . ويعطى أمثلة فيقول ( وأمثلة هذا الضرب كثيرة: قال أبوعبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابنعمر قال: لايقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله، وما يدريه ما كله ، فقد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر.) أى يأتى برواية يزعم فيها أحدهم فى العصر العباسى أن عبد الله بن عمر قال ـ منذ قرون خلت ـ أنه ضاع كثير من القرآن فلا يصح لأحد أن يقول إنه قد حفظ كل القرآن لأنه لا يدرى كل القرآن فقد ضاع منه الكثير. وطبعا لن يخرج عبد الله بن عمر من قبره ليعلن كذب هذا الراوى الأفاق .
ويروى السيوطى رواية اخرى ( قال: حدثنا ابن أبي مريم عن أبي لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بنالزبير بن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلممائتي آية ، فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلا ما هو الآن.) فهنا ينسبون للسيدة عائشة قولها أن سورة الأحزاب كانت 200 آية فاختصرها عثمان الى ما هى عليه الان ، أى حذف منها 127 آية.
والذين كتبوا فى الفتنة الكبرى وخصومة السيدة عائشة لعثمان فى حياته لم تخطر على بالهم تلك الأكاذيب، بل إن المراجع التاريخية المبكرة كالطبقات الكبرى لابن سعد وتاريخ الطبرى لم ترد فيها مطلقا تلك الأكاذيب عن عثمان ، مع وجود أخطاء هائلة له أدت الى الثورة عليه ومقتله. ولو ارتكب عثمان هذه الخطيئة فى حق القرآن لقامت عليه قيامة الصحابة ولكانت الثورة عليه دينية اسلامية قرآنية حيث قام بتحريف القرآن الكريم وحذف آياته. ولكن الثورة على عثمان كانت أساسا بسبب استئثار أهله الأمويين بالثروات المنهوبة من البلاد المفتوحة و تغلبهم علي قراراته السياسية. والملاحظ أن السيدة عائشة كانت تهاجم عثمان فى خلافته لأسباب سياسية ، فلما لقى مصرعه و تولى الخلافة على بن أبى طالب هبت لتقود جيشا يحارب عليا بزعم أن عثمان قد قتلوه ظلما.
(5 )
ويأتى السيوطى برواية أخرى بسلسلة من العنعنة والاسناد أيضا تقول ( وقال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن المبارك بنفضالة عن عاصم بن أبيالنجود عن ذر بن حبش: قال لي أبيّ بن كعب: كأين تعد سورة الأحزاب قلت:اثنتين وسبعين آية أوثلاثة وسبعين آية قال: إن كانت لتعدل سورة البقرة وإن كنالنقرأ فيها آية الرجم.قلت: وما آية الرجم قال: إذا زنا الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتةنكالًا من الله والله عزيز حكيم.) أى كانت سورة الأحزاب تعدل سورة البقرة لولا ( التخفيض ) الذى جرى عليها ، والتخفيض هنا مختلف عن الرواية السابقة ،إذ تصل عدد الايات المحذوفة من سورة الأحزاب ـ بزعمهم ـ 213 . وأيضا فالرواية هنا لا تضع الوزر على عثمان لأنها صيغت لتشريع رجم الزانى المحصن ، و تنسب ذلك لعمر فى روايات اخرى.
ومرة أخرى نقول أننا قد ناقشنا هذا الزعم الكاذب فى رجم الزانى فى بحث منشور على موقعنا يثبت أنه لا وجود لما يعرف بحد الرجم. ولكن المهم هنا أن اختراع تلك العقوبة المزورة استلزم اختراع تشريع لها يزعم وجود آية عنه فى سورة الأحزاب ، وأنه تم الغاء لفظها مع بقاء حكمها الشرعى.و لا يتحدث أحد عن الحكمة فى شطب آية مع بقاء حكمها الشرعى .. فيما يزعمون ..!!
ويقول السيوطى ( وقال: حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيدبن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته قالت: لقد أقرأنارسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة بما قضيامن اللذة.) وإذا كان النبى محمد عليه السلام معتنيا بهذه الفقرة الى هذا الحد الذى يجعله يقرؤها لأصحابه و النساء منهن ـ بزعمهم ـ واذا كانت حكما شرعيا فلماذا تم إلغاؤها من القرآن وعدم كتابتها فى المصحف ؟
(6 )
ويقول السيوطى : ( وقال: حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن أبي حميد عن حميدة بنتأبي يونس قالت: قرأ علىّ أبي وهوابن ثمانين سنة في مصحف عائشة: إن الله وملائكتهيصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلونالصفوف الأول.قالت: قبل أن يغير عثمان المصاحف.) أى أنه كان هناك مصحف خاص بالسيدة عائشة ، وأنها احتفظت فيه بفقرة مما أسقطه عثمان من المصحف ـ بزعمهم ، وأن هذا المصحف المجهول وصل الى الأخ المحترم أبى يونس الذى لا توجد أدنى صلة بينه و بين السيدة عائشة أو أى أحد من أقاربها. وأن الأخ المحترم اياه ( أبو يونس ) عندما بلغ ـ بالسلامة ـ سن الثمانين قرأ شيئا من مصحف عأئشة على ابنته السيدة الفاضلة ( حميدة بنت يونس ) ـ ولا نعرف ماذا كان عمرعا المبارك حينئذ . ثم انها قامت بدورها بحكاية هذا الخبر لمن كان اسمه ابن أبى حميد ، و التشابه بين الاسماء يوحى أنه ربما كان ابنها ، ولكن المهم أنه حكى ذلك لابن جريج الذى حكاه فيما بعد لمن اسمه حجاج.
المهم أنها سلسلة مضحكة من أسماء ملفقة كالعادة لدى رواة الأحاديث و السنة فى العصر العباسى الثانى الذين كانوا يؤلفون الحديث ثم يخترعون له سندا من أسماء الموتى السابقين ، بعضها عاش فعلا والبعض اخترعوه من بنات ـ وأولاد ـ أفكارهم وهم متأكدون أن أحدا من أولئك الموتى لن يقوم من قبره ليلعن كذبهم.
ويقول (قال الحسين بن المناري في كتابه الناسخ والمنسوخ: ومما رفع رسمهمن القرآن ولم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر وتسمى سورتي الخلعوالحفد.) وهذا الحسين بن المناوى عاش فى العصر العباسى الثانى بعد موت النبى محمد عليه السلام و الصحابة بعدة قرون ، فمن أعلمه بوجود هاتين السورتين المزعومتين فى القرآن ؟ ولم يسبقه أحد بهذا القول ؟. أم أن القرآن الكريم أصبح ألعوبة لكل من هب ودب من صغار البشر يتقولون عليه ما يشاءون ، ثم يأتى السيوطى وغيره ينقل عنهم مصدقا لأكاذيبهم مناصرا لهم ضد كتاب الله العزيز .
(7 )
ومن هذا النوع أورد السيوطى روايات أخرى كاذبة يضيق الصدرمن ايرادها كلها.ثم فى النهاية يقول منبها : (تنبيه: حكى القاضي أبو بكر في الانتصار .. إنكار هذا الضرب لأن الأخبارفيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجة فيها)أى بعد أن أوجع قلوبنا بتلك الأكاذيب المفتراة ألغاها بجرة قلم قائلا إنها أحاديث آحاد ، وأحاديث الأحاد عندهم لا تفيد حجة ولا برهانا ولا يصح الاحتكام اليها فى القرآن الكريم القائم على اليقين. وإذن ياأيها السيوطى لماذا استشهدت بها ؟ والجواب لأنها ضمن علم ( النسخ التراثى ) الذى يجعله السيوطى ضمن علوم القرآن ، حتى لو كان قائما كله على روايات وأحاديث آحاد يعترفون بأنها لا تفيد حجة ولا يصح أن تكون حكما على القرآن الكريم.
ونذكر القارىء الفاضل بحقيقة يقول بها علماء ما يسمى بالحديث؛ هى أن كل الأحاديث ـ أكرر: كل الأحاديث ـ الموجودة فى البخارى و مسلم وغيرهما ـ أكرر: كلها ـ أحاديث آحاد. أى ليست محلا للايمان و انما هى مجرد أخبار تحتمل الصدق و الكذب ، و لايعمل بها إلا عند ترجح صدقها ـ أو إذا وافقت آية قرآنية.
ونذكّر القارىء أن قول السيوطى عن أحاديث الآحاد ينطبق على ما أورده بنفسه فى حديث رواه الشيخان البخارى و مسلم وقد استشهد به من قبل. أى أنه دون أن يقصد قد ألمح الى أن ما جاء به البخارى و مسلم ليسا سوى أحاديث آحاد لا يعتد بها فى دين الله تعالى الذى لا يقوم إلا على اليقين. واليقين هو القرآن الذى لا ريب فيه ولو كره الكارهون.
(8 )
النسخ التراثى لم يقتصر على الطعن فى القرآن بالأصالة، ولكن تسلل الى باب آخر من علوم القرآن يطعن من خلاله القرآن الكريم، وهو اسطورة جمع القرآن فى عهد أبى بكر وعثمان . وهنا يتداخل القول بالنسخ التراثى فى اختلاف الروايات حول جمع القرآن و تدوينه، فيروى السيوطى عن بعضهم (إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحفلما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أوتلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهمالله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداءذلك على يد الصديق بمشورة عمر.). أى يزعم أن النبى محمدا عليه السلام لم يقم بجمع القرآن فى مصحف انتظارا لمجىء الناسخ و المنسوخ، ثم مات النبى فقام بالجمع أبوبكر . ولم يقل الراوى هل جاء الناسخ والمنسوخ للنبى فى حياته أم لا ، ولكن الرواية تربط النسخ التراثى بجمع القرآن وما يحويه من التشكيك فى القرآن الكريم .
والسيوطى فى إحدى اساطير جمع القرآن فى عهد ابى بكر يقول (لما كانبعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك فأرسلإليه فقال: أكرهت بيعتيقال: لا والله قال: ما أقعدك عني قال: رأيت كتاب الله يزادفيه فحدثت نفسي أن لا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه قال له أبو بكر: فغنك نعمما رأيت قال محمد: فقلت لعكرمة: ألفوه كما أنزل الأول فالأول.قال: لواجتمعت الأنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف مااستطاعوا.وأخرجه ابن أشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين وفيه أنه كتبفي مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: تطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلىالمدينة فلم أقدر عليه)
أى أن الرواية تزعم أن عليا كتب الناسخ و المنسوخ فى ذلك المصحف المزعوم ، وأن ابن سيرين حاول البحث عن هذا المصحف فى المدينة فلم يجده.
وجاء السيوطى برأى بعضهم فى الفرق بين جمع ابى بكر وجمع عثمان للقرآن :( وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر فيجمع نفس القرآن بين لوحين وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبيصلى الله عليه وسلم وإلغاء ما ليس كذلك وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولاتأويل أثبت مع تنزيل ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه خشيةدخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.)
أى أن جمع أبى بكر احتوى على تاخير وتقديم و تنزيل و تأويل ، وناسخ ومنسوخ . ولا ندرى من أين جاء بهذا العلم بالمصحف الذى جمعه ابو بكر وما فيه من ناسخ ومنسوخ اذا كان عثمان قد أحرق كل النسخ فى عهده ، وأبقى منها النسخة الوحيدة التى صارت أصلا لكل المصاحف حتى اليوم. وعلى فرض صحة كلامه فانه لا مجال للنسخ التراثى بعد أن محاه عثمان (خشيةدخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد ) على حد قوله.
(9 )
بقى أن نتوقف مع احدى عجائب السيوطى هنا.
فهو يأتى برواية البخارى عن جمع القرآن و تدوينه ، و فيها استعمل البخارى مصطلح النسخ بمعناه الحقيقى وهو الكتابة و التدوين و ليس بالمعنى التراثى الذى يعنى الحذف والالغاء. يقول (روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازيأهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءةفقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصةأن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك) أى كانت صحفا ولم تكن رقاعا وجريد نخل ، وكان يريد نسخها بمعنى كتابة نسخ منها ( فأرسلت بها إلى حفصة فأمرزيد ابن ثابت عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشامفنسخوها في المصاحف) أى كتبوها ودونوها ، وليس: حذفوها وألغوها ( وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بنثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذانسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة) حتى اذا نسخوا الصحف فى المصحف يعنى كتبوا ودونوا و ليس حذفوا يا سيوطى ..( وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا) .
أى بما كتبوا يا سيوطى .
مدوَّنة (بالإنجليزية: Blog ) هي تعريب كلمة "blog" الإنجليزية التي تتركب من كلمتي "web log" بمعنى سجل الشبكة. كما تستخدم أحيانا الكلمة المستعارة من الإنجليزية ويستخدمها المستخدمون العرب وينطقونها كما هي بالإنجليزية ولو أنها تكتب بطرق مختلفة لكون الحرف الأخير منها غير موجود في اللغة العربية، كما يطلق على المداخلة الواحدة من ضمن المداخلات العديدة التي تشكل المدونة اسم تدوينة.
المدونة تطبيق من تطبيقات شبكة الإنترنت، وهي تعمل من خلال نظام لإدارة المحتوى، وهو في أبسط صوره عبارة عن صفحة وب على شبكة الأنترنت تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا ينشر منها عدد محدد يتحكم فيه مدير أو ناشر المدونة، كما يتضمن النظام آلية لأرشفة المدخلات القديمة، ويكون لكل مداخلة منها مسار دائم لا يتغير منذ لحظة نشرها يمكِّن القارئ من الرجوع إلى تدوينة معينة في وقت لاحق عندما لا تعود متاحة في الصفحة الأولى للمدونة، كما يضمن ثبات الروابط ويحول دون تحللها.
هذه الآلية للنشر على الوب تعزل المستخدم عن التعقيدات التقنية المرتبطة عادة بهذا الوسيط، أي الإنترنت، وتتيح لكل شخص أن ينشر كتابته بسهولة بالغة. يتيح موفرو خدمة عديدون آليات أشبه بواجهات بريد إلكتروني على شبكة (الوب) تتيح لأي شخص أن يحتفظ بمدونة ينشر من خلالها ما يريد بمجرد ملء نماذج وضغط أزرار، وكما يتيحون أيضا خصائص مكملة؛ مثل تقنية التلقيم التي تهدف إلى تسهيل متابعة التحديثات التي تطرأ على المحتوى المنشور دون الحاجة إلى زيارة المواقع بشكل دوري ودون الحاجة للاشتراك في قوائم بريدية، وخدمات أخرى للربط بين المدونات، إضافة إلى الخاصية الأهم وهي التعليقات التي تحقق التفاعل بين المدونين والقراء، وتعتبر الصحف والمجلات الإلكترونية أحد أوجه التدوين المتقدمة.
التدوين الإخواني في مصر
البداية
بدأت حركة التدوين الإخوانية متأخرة، بعد بدايات حركة التدوين المصرية التي بدأت في عام 2004، حيث ما عرف بعام التغيير والإصلاح، في فترة الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر. بدأ التدوين الإخواني بمدونات لشباب كعبد المنعم محمود –أغسطس 2006- وعمرو مجدي –مارس 2006- ومحمود سعيد –ديسمبر 2006- وأحمد نصر –مارس 2005- وعبد الرحمن عياش –يوليو 2006- وأحمد جمال –مارس 2007 وأروي الطويل –أكتوبر 2005- وأسماء ياسر –ديسمبر 2006-، حيث كان أول من أشار إعلامياً لكونه مدوناً ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين هو عبد المنعم محمود ومدونته أنا إخوان.
لماذا تأخر التدوين الإخواني
تأخر التدوين الإخوان بحسب مراقبين ومختصين في شئون الإعلام الجديد والحركات الإسلامية لأسباب من أهمها:
الانشغال الكبير بالمواقع الشاملة ومنتديات الحوار، حيث كان جل تركيز جماعة الإخوان المسلمين علي المواقع الإخبارية والدعوية كما في تجارب مواقع الشاهد وإخوان أون لاين ونافذة مصر، حيث استهلكت المواقع جهود الإعلاميين التقليدين والمبتكرين، بهدف سد النقص الملاصق لـجماعة الإخوان المسلمين في تجربة دخول الإنترنت
كما أن قلة الكوادر الإعلامية، والتوجه السابق والغير معلن بدخول كليات الطب والصيدلة والتجارة والقانون من أجل مكاسب سياسية ومجتمعية أوجد قلة من المهتمين الإعلام، وإن اشتركوا فيه فتكون جهودهم تقليدية مبنية علي عقلية التلقي لا المبادرة
تأخر جماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما في استخدام وسيلة المدونات في نشر أفكارهم والتعبير عن رؤاهم، بسبب النظرة الاستباقية لأي تجربة جديدة ومثيرة للجدل، حيث ارتبطت تجربة التدوين بالحرية المطلقة للمدون، وهو ما يتعارض مع الأدبيات التقليدية للإخوان المسلمين باعتبارهم فصيلاً وطنياً يعتمد علي الدين الإسلامي في إرساء تشريعاتهم السياسية والفكرية
الاستخدام التقليدي للإنترنت من قبل المصريين خاصةً والعرب عموماً، حيث جاءت تجربة التدوين لتتماشي مع ما قيل من تعاظم دور ا لإنترنت مستقبلاً ولتفرض علي الراغبين في تجربة التدوين التعمق نسبياً في دراسة التكنولوجيا والإعلام، خاصة بالنسبة لـجماعة الإخوان المسلمين التي تسعي لتخطيط أدائها الجماعي والفردي لتحديد نتائجه ودوره في التنافس السياسي القائم في مصر
بروز الهاجس الأمني في تحركات وأفكار وتصرفات المنتمين لـجماعة الإخوان المسلمين، حيث تكيفت العقلية الإخوانية علي التوافق مع مفردات الاستبداد من ملاحقة واعتقال ومداهمة للمنازل، مما أدي إلي تعايشها مع الوضع واستسلامها له حيث اختزنت القدرات وطمست الرموز ودمرت الإمكانيات الفكرية والعملية، مما أدي لاختزال الفرد الإخواني في دور المضطهد وهدر مشاعره وأفكاره ورؤاه.[1]
عقلية الانتظار لدي الشعب المصري، وهي صفة تنعكس علي الإخوان المسلمين باعتبارها من أعمدة الحياة السياسية المصرية، التي تنطبع عليها ما يتصف به الشعب بالرغم من وجود أدبيات ثورية ودينية من الممكن أن تعكس الحال، إلا أنها توظف من أجل ترسيخ مبادئ الجمود لدي أبناء جماعة الإخوان المسلمين
غياب فلسفة المشاعر والهموم والأحاسيس الفردية، عند ناشط الحركة الإسلامية المنتمي لكيان شامل لا يتمتع فيه الفرد بفرادته، قدر ما يتوحد مع قضايا جماعته
غياب المبدعين والمميزين والمبادرين، بسبب حالة الملاحقات الأمنية والقمع الممنهج من قبل الأنظمة الدكتاتورية، فتكرست حالة غياب الأمان والإفراط في السرية والتوجس من كل جديد وهو ما يتعارض بشكل كبير مع ملكات الإنتاج الإبداعي
سيادة عقلية التلقي للتنفيذ على عقلية المبادرة بالفعل ثم التطوير، مما عطل كثير من المشاركات والمبادرات
عدم احترام قيمة التعبير عن الذات في الثقافة المصرية، وهي من ضمن أخطر الأمراض الثقافية التي يعاني منها الشعب المصري، وكذا تنطبق علي جماعة الإخوان المسلمين، إذ انتشار الثقافة السمعية والسلبية الثقافية هو السائد بين المصريين وأفراد جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلي أن التعبير عن الذات هو أمر غير مقبول إن لم يكن مرفوضاً في الثقافة المصرية
التقليدية والاعتماد علي وسائل اتصال معينة، وعدم الرغبة في تجربة الجديد، نتيجة اعتياد القديم، حيث يعتمد الناشط الإخواني علي طرق وأساليب حركية في جماعة الإخوان المسلمين شوهدت إيجابياتها في استعمالها، فتم الاعتماد عليها دون تجربة الجديد خوفاً أو قلقاً من النتائج[من صاحب هذا الرأي؟]
لكتابة الديوانية) بدأت مع وضع الدواوين فى خلافة عمر بن الخطاب الذى قام بتدوين الدواوين فى عام 20 هجرية ، وسجل فيه أسماء العرب المسلمين وعطاء كل منهم ، و أنشأ ديوانا للجند وآخر للخراج ، وتطورت الدواوين فى عهد الأمويين لتصل الى أربعة تشمل الخراج والرسائل والايرادات واكبرها وهو ديوان الخاتم الذى يحمل أوامر الخليفة.وكانت الدواوين تكتب بالفارسية والرومية فنقلها عبد الملك الى العربية ، وأكمل ابنه الوليد نقل ديوان مصر الى العربية.وبتعريب الدواوين ازدهرت حرفة الكتابة الديوانية ، وصار لكل خليفة كتاب رسميون وموظفون فى كل الدواوين للتعامل مع الخارج والداخل و ضبط الايرادات والمصروفات , يقول ابن سعد مثلا عن قبيصة بن ذؤيب ت 86 ( كان آثر الناس بعبد الملك بن مروان، وكان على خاتم عبد الملك ، وكان يقرأ الكتب اذا وردت ،ثم يدخلها على عبد الملك فيخبره بما فيها ) ( الطبقات الكبرى 5 / 131 ). وصارت الكتابة الديوانية أكثر تنوعا فى العصر العباسى حتى لقد كتبوا فى تقعيدها مؤلفات مثل (الخراج )لأبى يوسف ت 182 ، و(الخراج وصناعة الكتابة) ، لقدامة بن جعفر كتابهوقد توفى سنة 328 وقيل سنة 337 في أيام الخليفة المطيع العباسي ، و(الأحكام السلطانية) للماوردى ت 450 ، ثم كتب القلقشندى (ت 821 ) فى العصر المملوكى موسوعته ( صبح الأعشى فى صناعة الانشا ).
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5123 |
اجمالي القراءات | : | 57,056,772 |
تعليقات له | : | 5,452 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
الغزالى حُجّة الشيطان : ف 2 : الغزالى فى الإحياء يرفع التصوف فوق الاسلام ( 1 )
الغزالى حُجّة الشيطان ( 9) الغزالى والاسرائيليات ( جزء 2 )
دعوة للتبرع
فى القصاص: فى الفقه السنى الا يقتل الوال د بولده...
أسئلة مكررة : هلا اجبتم وني عن اسئلة تكاد تفتنن ي ولكم...
نعم معقول: هل يعقل ان يكون القرآ ن ، كلام رب العال مين ...
التخدير النصفى : جاء في مقالك م:(الت عذيب في رؤية قرآني ة) أنه...
( عاد ) الأولى : ( وَأَن َّهُ أَهْل َكَ عَادً ا الْأُ ولَى ...
more
الدكتور العلامة/أاحمد صبحي منصور السلام عليكم.. لقد ضاق صدرك وأنت تُعد هذا المقال البحثي .. ولقد ضاق صدري وأنا أقرأه مما فيه مما يؤكد أن العرب اليهود الذين أظهروا الاسلام وهم يبطنون الكفر كما وصفهم القرآن الكريم قد كادوا للإسلام شر المكائد وتبعهم القطيع.. فهم أحفاد يهود الجزيرة والله تعالى يعلمنا أن أهل الكتاب ليسوا على شئ حيتى يقيموا التوراة ومن دخل منهم في الاسلام ليسوا على شئ حتى يقيموا القرآن في سلوكهم وعقائدهم والله الذي حفظ الذكر ... فما كان ينبغي لمن كتب وتجرأ وكذب بالقرآن وأعلن أن هناك مصحفاً لعائشة فيه من النصوص ما هو غير مكتوب في المصحف الذي أمر عثمان بكتابته بالرسم المنسوب إليه وكلها أكاذيب وأباطيل.. ومرة أخى لايضيق صدرك وأنا لن يضيق صدري بعد قراءتي للآية الكريمة التي وصفتهم وأن لا نأسى على قوم كافرين بوصف القرآن يقول تعالى
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }المائدة68
وقد زاد كثر من اليهود الذين اعلنوا الاسلام وكثيرا من أكابر قريش بعد أن دخلوا في الاسلام الكثير من الكذب والافتراء على القرآن وعلى الرسول وزوجاته قد زادوا كثيرا من الطغيان والكفر بزعمهم أن هذه آيات منسوخة بمعنى محذوفة وهذه آيات لم يذكرها مصحف عثمان ووردت في مصحف عائشة .. أين المفر بالنسبة لهم من الله يوم الدين ومالك الدين
شكرا لك والسلام عليك ورحمة الله