مصر تبحث عن رئيس!

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢١ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


مصر تبحث عن رئيس!

مصر تبحث عن رئيس!
بقلم د.حسن نافعة ٢١/ ٦/ ٢٠٠٩
منذ شهر أو يزيد، ثارت شائعات قوية تقول إن الرئيس مبارك يفكر جديا فى ترك منصبه، دونما انتظار لانتهاء فترة ولايته الحالية، وذلك لأسباب صحية ونفسية تجعل من الصعب عليه الاستمرار فى أداء مهامه، بل توقع البعض أن يتخذ الرئيس قرارا نهائيا بهذا الشأن قبل انقضاء العام الحالى إن لم يكن قد اتخذ قراره بالفعل.

مقالات متعلقة :


وقبل أسبوعين، ثارت شائعات قوية أخرى تتوقع حلا قريبا لمجلس الشعب ما لبثت أن تصاعدت حين قامت الحكومة، وفى عملية سياسية مباغتة، بتقديم مشروع قانون يقضى بتخصيص ٦٤ مقعدا للمرأة عن طريق إقفال ٣٢ دائرة خاصة بها!.

ولأن العدد كبير ويتجاوز ١٢% من إجمالى مقاعد مجلس الشعب، فضلا عن أنه يمس موضوعا يثير حساسيات كثيرة تستدعى الحذر والتروى، فقد كان من الطبيعى أن يثير التحرك المباغت للحكومة وإصرارها على الانتهاء من مناقشة مشروعها فى ساعات قليلة، وقبل يوم واحد من فض الدورة البرلمانية، تكهنات وشكوكاً كثيرة ولدت إحساسا بأن شيئا ما يجرى وراء الكواليس فى الدهاليز المعتمة!. ضخّم من هذا الإحساس ما قيل عن أن القانون الجديد مجرد «تجربة» لن تستمر إلا لفصلين تشريعيين فقط!

وأيا كان الأمر، فهناك شىء مؤكد هو أن مصر مقبلة على انتخابات تشريعية خلال العام القادم، بصرف النظر عن احتمالات حل المجلس الحالى، وعلى انتخابات رئاسية فى العام الذى يليه، بصرف النظر عما يتردد حول احتمال استقالة الرئيس، وهو ما يفرض على نخبتها السياسية أن ترتفع إلى مستوى المسؤولية.

فهناك سؤال كبير يتعين عليها أن تطرحه على نفسها وأن تسعى لتقديم إجابة مقنعة عليه، حتى قبل أن يشرع كل فصيل فى ترتيب أوراقه الخاصة استعدادا لهذين الحدثين الكبيرين، حول ما إذا كانت تقبل أن تظل طرفا فى لعبة غريبة تستهدف إعادة إنتاج نظام سياسى يتحكم فى مقدراته ويمسك بكل خيوطه شخص واحد، أم أنه بات عليها أن تتحرك منذ الآن لفتح طريق يستهدف إحداث تغيير حقيقى فى قواعد إدارة اللعبة السياسية على نحو يسمح بتجنب السيناريوهات الكارثية المتوقعة والتى تنذر بفوضى كبيرة يتوقعها كثيرون؟

للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتذكر أن المعضلة الكبرى التى يواجهها النظام السياسى الحالى فى مصر تكمن فى كونه نظاما يبدو مغلقا تماما على نفسه حيث يخلو من أى نوافذ للتهوية تسمح بخروج هوائه الفاسد أو بدخول هواء نقى يكفى لاستمرار تنفسه بشكل طبيعى.

الأخطر من ذلك، أنه نظام بلا «كُوّات» تسمح له بمراقبة ما يجرى خارجه وبالتالى تمكّنه من القيام بعمليات هبوط آمنة عند الضرورة. لذا يبدو مصيره محتوما إما بالموت البطىء خنقا، حين يختفى الأوكسجين تماما من فضائه ولا يبقى فيه سوى غازات سامة، أو برحيل مفاجئ عنيف، حين تصطدم مركبته أو ترتطم بصخرة بسبب انعدام الرؤية أمامه أو فقدانه للوعى أو للبصيرة!.

ولأنه نظام صمم بطريقة تسمح لمن تتاح له فرصة الوصول إلى قمرة القيادة بالبقاء فيها حتى آخر لحظة فى حياته، بصرف النظر عن قدراته ومواهبه، فمن الطبيعى أن يتوقف أداء النظام بكامله على حالة الجالس فى قمرة القيادة!.

لذا، لا يجب التعويل كثيرا على ما سوف يحدث فى انتخابات مجلس الشعب، والتى ستجرى خلال العام القادم، والتركيز بشكل أكبر على انتخابات الرئاسة التى ستجرى فى العام الذى يليه، فحتى بافتراض عدم وجود أساس من الصحة للشائعات التى تقول إن الرئيس مبارك قد يقرر عدم الاستمرار حتى نهاية فترة ولايته الحالية، وهو أمر ليس بالمستبعد أصلا، إلا أنه من المستبعد فى الوقت نفسه أن يقرر الرئيس مبارك إعادة ترشيح نفسه لولاية جديدة تبدأ فى ٢٠١١ وذلك لسبب بسيط وهو أنه، أمد الله فى عمره، سيكون قد بلغ فى نهاية تلك الولاية مشارف التسعين من عمره. لذا أرجح شخصيا، أن تدخل مصر اعتبارا من عام ٢٠١١ على أكثر تقدير مرحلة البحث عن رئيس جديد للجمهورية!

ليس من السهل، وفقا للنص الحالى للمادة ٧٦ من الدستور المصرى، والتى عدلت مرتين متتاليتين فى أقل من عامين، الترشح لمنصب الرئاسة. فهذا الحق مكفول فقط للقيادات الحزبية، لكن بشروط صعبة تجعله يكاد يكون حكرا على الحزب الوطنى، وأيضا للشخصيات المستقلة، لكن بشروط تعجيزية تكاد تجعله شبه مستحيل.

فبالنسبة لمرشحى الأحزاب السياسية يتعين أن تتوافر فيهم شروط أربعة، الأول: أن يكون قد مضى على تأسيس الحزب الذى ينتمون إليه خمسة أعوام متصلة قبل إعلان فتح باب الترشيح.

والثانى: أن يكون الحزب قد استمر طوال هذه المدة فى ممارسة نشاطه دون انقطاع، الثالث: أن يكون الحزب قد حصل فى آخر انتخابات على نسبة ٣% من مجموع مقاعد المنتخبين فى مجلسى الشعب والشورى أو ما يساوى ذلك فى أحد المجلسين. الرابع: أن يكون المرشح عضوا فى الهيئة العليا للحزب وأمضى فيها مدة لا تقل عن عام.

ولأن المشرع اكتشف أن الشرط الثالث لا ينطبق فى الأوضاع الراهنة إلا على الحزب الوطنى دون سواه، فقد ضمن المادة ٧٦ استثناء يسمح لكل حزب حصل بالانتخاب على مقعد واحد على الأقل فى أى من المجلسين أن يتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية. غير أن هذا الاستثناء مؤقت ولا يسرى إلا لفترة عشر سنوات فقط اعتبارا من ٢٠٠٧!

ويلاحظ على هذه الشروط ما يلى:

١- أنها تتيح للدولة فرصة التدخل لمنع أى حزب من التقدم بمرشح من خلال إجراء إدارى بسيط يترتب عليه تجميد نشاطه فى أى وقت خلال السنوات الخمس التى تسبق فتح باب الترشيح. ٢

- أنها تجعل الترشيح لمنصب الرئاسة حكرا على الحزب الوطنى اعتبارا من الانتخابات الرئاسية التالية إذا استمرت أوضاع الأحزاب السياسية على ما هى عليه حاليا، وهو أمر وارد تماما.

أما بالنسبة للمرشحين المستقلين فيتعين حصول أى منهم على تأييد ٢٥٠ عضواً على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب، وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربعة عشرة محافظة على الأقل!.

ولزيادة الأمر تعقيدا حظر المشرع «منح التأييد لأكثر من مرشح». وفى ظل الظروف السائدة حاليا يستحيل على أى شخص، حتى لو كان البرادعى أو أحمد زويل أو عمرو موسى، أن يتقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية إلا بموافقة ورضا الحزب الوطنى الديمقراطى.

نظريا، يوجد فى مصر رسميا أربعة وعشرون حزبا. وفيما عدا الأحزاب التى نشأت عام ٢٠٠٧، ومن بينها حزب الجبهة الديمقراطية، وبعض الأحزاب التى ربما تكون قد تعرضت للتجميد، مثل حزب الغد، يحق لباقى الأحزاب أن يتقدم كل منها بمرشح لرئاسة الجمهورية.

غير أن الكل يدرك أن عددا قليلا جدا من الأحزاب القائمة بالفعل لديه حضور حقيقى فى الشارع أو حتى تمثيل نيابى فى مجلسى الشعب والشورى حاليا. ولذلك لا يحتاج المواطن المصرى لذكاء كبير كى يدرك أو يستنتج أن موقع رئاسة الجمهورية ما زال حكرا على الحزب الحاكم. فمن ياترى يمكن أن يكون مرشح هذا الحزب لرئاسة مصر عام ٢٠١١ إذا ما قرر الرئيس مبارك عدم ترشيح نفسه.

لا أظن أيضا أن المواطن البسيط يحتاج إلى ذكاء كبير كى يدرك أو يستنتج أن جمال مبارك سيكون هو ذلك المرشح لأنه مقتنع كل الاقتناع بأن جميع التعديلات الدستورية وغير الدستورية التى شهدتها البلاد طوال السنوات العشر السابقة أرادت لنا وبنا أن نصل إلى هذه النتيجة وليس إلى نتيجة سواها!

إذا كان الاختيار الوحيد المتاح أمام شعب مصر هو المفاضلة بين استمرار مبارك الأب أو ترشيح مبارك الابن، فأنا شخصيا أفضل مبارك الأب دون تردد.

ما يدعونى إلى ذلك سبب أراه وجيها جدا، وهو أن الرئيس مبارك، وبصرف النظر عن حجم اختلافنا مع سياساته، هو ابن المؤسسة العسكرية المصرية فى النهاية وهى مؤسسة لها احترامها. أما مبارك الابن فليس له من سند سوى جماعة خاصة جدا من رجال الأعمال، على شاكلة هشام طلعت مصطفى، وهى جماعة لا أظن أن أحدا يقبل بتسليمها مصير هذا البلد الكبير.

لذا نناشد الرئيس مبارك إما أن يظل فى موقعه حتى النهاية أو يبدأ على الفور فى القيام بالتعديلات الدستورية اللازمة لتوسيع نطاق البحث عن مرشح آخر يمكن لشعب مصر أن يثق به. فهل هذا بكثير؟!

أما الحل الآخر الذى يتعين على النخبة المصرية أن تبدأ التفكير فيه منذ الآن فهو الاتفاق على مرشح مستقل يحظى بثقتها جميعا ويقبل أحد الأحزاب ضمه إلى هيئته العليا منذ الآن كى تنطبق عليه شروط الترشيح. لكن ذلك يحتاج إلى تفصيل ربما نتناوله فى مقال آخر!

اجمالي القراءات 3304
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   احمد شعبان     في   الأحد ٢١ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[40214]

قراءة نقدية

هل تعتقد يادكتور :


بعد كل هذا التمكين بالتعديلات الدستورية رغم ما دار حولها من لغط ، هل تعتقد بإمكانية التنازل عنها ؟ .


ولصالح من ؟ !!!


التاريخ يقول لنا غير ذلك ، وخاصة منطقتنا العربية .


والبديل الذي طرحته :


هل في ظل أمراضنا الاجتماعية ، والتي قيل عن فسادها " أصبح للركب " ، هل تظن أن هذه النخب قادرة على إخيار مرشح واحد ؟ .


وحتى في إمكانية حصول ذلك : هل تعتقد أنه قادر على استيفاء شروط الترشيح والتي وصفتها سيادتك أنها محبوكة على الحزب الوطني ، والبديل تعديلها ، وهنا نعود للمربع صفي .


من يستطيع تعديل أبسط قانون ناهيك عن التعديلات الدستورية غير الحزب الحاكم ؟ ..


المسافة ما زالت طويلة وهى منوطة في المقام الأول بتغيير ثقافة مجتمعنا المصري " حكاما ومحكومين "، وهذا أيضا ناهيك عن صعوبته إلا أنه سيجد مقاومة عنيفة ممن يمانعون التغيير .


فالأمل أخي في الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيدنا إذا صدقت نوايا الاصلاحيين .


دمتم جميعا بكل خير .


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق