حاوره نزار جاف:
حوار د. منصور مع الصحافة الكردية

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً.


حوار د. منصور مع الصحافة الكردية

كيف تنظرون الى مستقبل التيارات الدينية المتشددة بصورة عامة، سيما وإنها تزداد توسعا و إنتشارا بشکل بات يثير القلق على أکثر من صعيد؟
ليس لها مستقبل .
للأسباب الآتية :
1 ـ أنها رد فعل للفساد والاستبداد ، وليست فعلا أصيلا ., وبالتالى فاذا تم الاصلاح السياسى و الدينى و الاقتصادى و الاجتماعى فستندثر . ولهذا يقفون ضد الاصلاح بكل ما يستطيعون ، ولا يرون بأسا من التحالف مع عدوهم المحلى ( السلطات المستبدة العسكرية و الحزبية ) ضد المصلحين ، كما يحدث من تحالف الاخوان والوهابيين مع النظام العسكرى فى مصر ضد القرآنيين .


2 ـ إنها أفكار تنتمى للعصور الوسطى و تتناقض مع ثقافة عصرنا ( ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان و حقوق المواطنة و المواطن العالمى و القرية الكونية ) و بالتالى فلن تصمد طويلا لضغط الثقافة العالمية التى تنتشر تبشر بالحرية و الانفتاح و تنشر كلام المصلحين ، وتجتاز بالانترنت و الفضائيات كل الحواجز و اجهزة الرقابة .
3 ـ أثبت نضال القرآنيين بالحجة و البرهان ضد الوهابيين أن تلك الأفكار المتشددة لا يمكن أن تقف بمفردها ، لأنها تحتاج الى عصا السلطة لفرضها على الناس و يد الرقابة لتحميها من النقاش، وكما حدث ويحدث مع القرآنيين فان الوهابيين وأذنابهم من الاخوان وبقية التظيمات المتطرفة ترد على الحجة بالاضطهاد و السجن و الافتاء بالقتل ، وبل والقتل. هذا هو دليل الافلاس . وهذه هى شريعتهم الحقيقية قبل الوصول الى السلطة فكيف إذا وصلوا لها. وفى هذا يتساوى الجميع من مسئولين ودعاة رسميين و مدعى اعتدال ومجاهرين بالتشدد .
وبالتالى فان مجرد فتح نوافذ الحرية أمام المصلحين وتزوديهم بعشر معشار ما لدى الوهابيين من وسائل الاتصال من انترنت و قنوات فضائية و مساجد ومعاهد سيؤدى الى القضاء السلمى و النهائى على هذه الأفكار وسترجع سريعا الى بطون الكتب التراثية التى أتت منها.
4 ـ أكبر نقطة ضعف لدى هذه التيارات أنها تكتسب مشروعيتها من حملها لاسم الاسلام فى نفس الوقت الذى تتناقض فيه مع الاسلام فى عقيدته وشريعته واخلاقياته وثقافته ومصطلحاته ، وفى الأسس و فى التفصيلات . ولهذا يغلبهم القرآنيون المستضعفون الذين لا يملكون ما ينفقون. القرآنيون ينجحون بالحجة القرآنية و بالتخصص فى تراث تلك الجماعات فى تأكيد تناقضهم مع الاسلام . ولا يستطيع جهابذة هذه التيارات الرد سوى بالعنف او الافتاء به ، أو يتركون الساحة لأتباعهم كى يردوا بالسب و الشتم والاتهامات الشخصية ، أى يفعلون ما يفعله كل فاشل فى الحجة ، يترك الرأى ويهاجم صاحب الرأى عجزا عن مواجهة الرأى .
هناك سعي للربط بين إنتشار التيارات الظلامية و المتشددة و بين نظرية المؤامرة، کيف تنظرون الى ذلك؟

لست من المهووسين بنظرية المؤامرة ولكننى أعترف بها إذا ظهرت باثباتات تاريخية . من ذلك أننى أتحفظ من التفسير الذى يرفعه المتطرفون و المستبدون ، ذلك التفسير الذى يعلل تأخر العرب و المسلمين فى ضوء التآمر الغربى عليهم . وأرى أن هذا التفسير مقصود به مصادرة المطالبة بالاصلاح وتوجيه الغضب والاحباط نحو عدو خارجى بدلا من ان يتوجه الوجهة الصحيحة نحو العدو الحقيقى المحلى وهوالفساد والتطرف والاستبداد.
وعلى العكس من ذلك فان أولئك المفسدين والمستبدين القائمين فى الحكم أو الساعين للحكم هم أساطين التآمر. بالتآمر وصلوا الى السلطة ـ ليس عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة ـ ولكن على جنازير الدبابات و قلب نظم حكم ليبرالية أو على وشك أن تكون ديمقراطية . بالتآمر يحاول الاخوان وغيرهم الوصول للحكم ، وعلى نفس الوتيرة يستخدمون الديمقراطية مجرد سلم يصلون به ثم يواصلون بقية الطريق بالتآمر ، وما فعلته حماس فى غزة ليس بالبعيد .
وبالتآمر قامت الدولة السعودية الأولى ( 1745 ـ 1818 ) وقضى عليها والى مصر محمد على باشا . وبالتآمر قامت الدولة السعودية الثانية ، وبه سقطت فى نفس القرن التاسع عشر. وبالتآمر أقام عبد العزيز آل سعود دولته قطعة قطعة بدءا من عام 1902 ، وبعد أن كشف احلافه تآمره قام بتكوين جيشه الخاص (الاخوان ) وبهم توسع حتى استولى على الحجاز (1924 ـ 1925 ) وبدأ التآمر البينى ـ أى بين الاخوان وزعيمهم فيصل الدويش من ناحية وعبد العزيز من ناحية أخرى ، وتم حسمه فى موقعة السبلة 1929 ـ1930 . واستدعى هذا عبد العزيز أن يؤسس تنظيما آخر للاخوان خارج مملكته فقام رشيد رضا ـ عميل عبد العزيز آل سعود ـ باحتضان المدرس الالزامى الشاب حسن البنا فأنشأ حماعة الاخوان المسلمين فى مصر. ( والتفاصيل فى بحث : جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية ) وهو منشور على موقعنا :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10
وبالتآمر استطاع حسن البنا خلال عشرين عاما (1928 : 1948 ) انشاء 50 ألف شعبة للاخوان فى مصر ، وانشاء التنظيم العالمى للاخوان المسلمين و انشاء الجيش السرى للاخوان . وبالتآمر أشعل حسن البنا ثورة الميثاق فى اليمن وقتل إمامها يحيى ، وبالتآمر قتل إثنين من رؤساء الوزارات المصرية (احمد ماهر و النقراشى) والقاضى الخازندار و بعض قادة البوليس المصرى. وبعده تآمر الاخوان المسلمون مع عبد الناصر فى انقلابه ثم تآمروا على حياته ، وعملوا مع السادات ثم تآمروا على قتله وقتلوه. واحتضنت أمريكا الشيخ عمر عبد الرحمن فتآمر عليها ،وفتحت أمريكا أبوابها للوهابيين ينشئون المساجد والمراكز( الاسلامية ) والمدارس (الاسلامية ) فاعتدوا عليها فى 11 سبتمبر. ولا يزالون يتآمرون على أمريكا ، ولا يمر وقت حتى يقبض البوليس الأمريكى على بعضهم متلبسا ..

ويلاحظ أن كل من تعامل مع الوهابيين ـ والاخوان المسلمين شجرة وهابية ـ لا بد أن ينقلبوا عليه ويتآمروا عليه. تاريخهم قائم على التآمر لأنهم إما طلاب سلطة كالاخوان المسلمين وسائر تنظيماتهم السرية و العلنية ،أو لأنهم فى موقع السلطة و يريدون الاحتفاظ بها بالاستبداد و الاستئثار بالثروة و القوة كالنظم الحاكمة فى السعودية و السودان . ومثلهم النظام الحاكم فى ايران .
التآمر هو البديل الوحيد فى حالة عدم وجود آليات ديمقراطية للوصول الى السلطة باختيار نزيه للشعب قائم على المصارحة والشفافية وصندوق زجاجى مرئى للانتخابات ، ثم إذا وصل الى السلطة فهو مسئول أمام الشعب و البرلمان وخاضع للاستجواب والعزل . وهذه هى الديمقراطية التى يقول الاخوان والوهابيون أنها كفر .
وطالما يرفضون الديمقراطية والشفافية فليس لهم من طريق للوصول للسلطة سوى التآمر, وهكذا يفعلون ..
کيف تنظرون الى الصراع الحالي القائم بين الولايات المتحدة الامريکية و بين منظمة القاعدة، هل بإمکان أحدهما أن يحسم الامر لصالحه؟

قلت واقول ان امريكا تخسر الصراع مع القاعدة ، وستظل تخسره لأنها تواجه القاعدة بالجيوش المسلحة . الحرب مع القاعدة هى حرب فكرية من داخل الاسلام ، ولا يقوم بها سوى مسلمين مؤمنين بدينهم مخلصين له ، يعملون على تبرئته من تهم التطرف والارهاب.
أكبر مساندة للقاعدة هى قيام أمريكا بملاحقة أفرادها وزعمائها بالجيش والأساطيل. من العبث أن تطارد الأفكار بالسلاح الحربى . لو قتلت أمريكا اسامة بن لادن فستخلق آلاف كأسامة بن لادن . الخطر ليس فى اسامة الشخص ولكن فى الأفكار التى تجعل شابا فى مقتبل العمر يفجر نفسه ليقتل ابرياء معتقدا أنه سيدخل الجنة ويعاشرالحور العين .
الحرب الفكرية ضد القاعدة و المتطرفين والارهابيين هى التى ستبرىء الاسلام وتضع فاصلا سميكا بين الاسلام واولئك المنتسبين له ظلما وعدوانا ، ثم ان تلك الحرب الفكرية ستنقذ حياة الآلاف من الضحايا ـ من الجانبين ـ فى عمليات القتل العشوائى والتفجير والعمليات العسكرية التى لا طائل من ورائها سوى القتل و التخريب وتعقيد المشكلة.
ومنذ لجوئى الى أمريكا عام 2001 وأنا أبشر فيها الى استخدام الحرب الفكرية والاصلاح السلمى من داخل الاسلام بديلا عن التدخل المسلح و الحرب العسكرية كما حدث ويحدث فى العراق. واستدعانى الكونجرس لجلسة استماع فقدمت لهم شهادة مكتوبة ، وهى منشورة هناك وفى مواقع على الانترنت وفى موقعنا:
http://www.ahl-alquran.com/English/show_article.php?main_id=634

وفى سبيل الدعوة للمواجهة الفكرية بديلا للحرب فقد شاركت فى تأسيس مراكز اسلامية جديدة مثل (مركز التنوع الاسلامى ):
http://www.islamicpluralism.org/texts/2005t/openforum.htm


الذى قمت برئاسته ، ويديره الان الصحفى المريكى المسلم ستيف شوارتز ، ومنظمة
مواطنون من أجل السلام و التسامح فى بوسطن: Citizens For Peace and Tolerance - Promoting a Hate-Free America(
وشاركت فى قيادة مركز (تجمع المسلمين الأحرار)
http://www.freemuslims.org/document.php
ثم أسست المركز العالمى للقرآن الكريم فى واشنطن الذى ياتحدث باسم اكثر من عشرة آلاف فقيه مسلم يؤمن بالاسلام دينا لحقوق الانسان والعدل و الحرية و الديمقراطية.
وبالجهود الحالية للمركز العالمى للقرآن الكريم فقد دخلت الدعوة للحرب الفكرية الى دائرة اهتمام صناع السياسة الأمريكية فى البيت الأبيض والبنتاجون والخارجية الأمريكية والكونجرس .
ولن يمر وقت طويل ـ بإذنه تعالى ـ حتى تقام فى أمريكا وكالة خاصة للحرب الفكرية والاصلاح فى العالم العربى والاسلامى ، فالاسلام هو التحدى الذى يواجه أمريكا خلال هذا القرن ـ ولا بد أن تعمل أمريكا على أن تكون القوة الأعظم فى الحرب الفكرية حيث لم تعد القوة العسكرية قادرة على التعامل مع الحرب الفكرية التى يشنها الارهابيون ومن مظاهرها ( الانتحاريون ) من الشباب والحوامل من النساء.!!

کيف تقيمون التجربة السياسية للجمهورية الاسلامية الايرانية، وهل بالامکان أن تستمر في عصر العولمة وتلاقح الثقافات و تواصلها؟

كما قلت من قبل أنه : لا مستقبل للتيارات الدينية المتشددة سواء كانت فى طور السعى الى السلطة أو هى متمكنة من السلطة و تسعى للاحتفاظ بها.
الاصلاح والحرب الفكرية هما السبيل للقضاء على الدول المستبدة والجماعات التى تسعى للوصول الى الحكم وهى حمل ثقافة الاستبداد . الاستبداد العلمانى (الذى يتمسح بالقومية والوطنية) يلفظ انفاسه الان . وسيلحق به الاستبداد الدينى فى نظم الحكم المذهبية فى الجزيرة العربية وايران.
نظام الحكم الايران ـ شأنه شأن نظم الحكم الوهابية و التيارات السياسية الوهابية ـ تعيش وتنتصر بسبب أخطاء خارجية هى خطايا السياسة الأمريكية والاسرائلية فى المنطقة ، وبسبب أخطاء محلية مثل شيوع ثقافة الاستبداد والاستعباد والخنوع والاستسلام وقلة الاكتراث بالاصلاح وضعف الطبقة المتوسطة مع تركز المال فى أقلية ضئيلة من الحكام والمحيطين بهم فى مقابل حرمان الأغلبية العظمى من الناس الذين يجاهدون لمجرد البقاء على قيد الحياة.
هذا الوضع لن يستمر.. سينفجر فى دوامة عنف تجبر زعماء القرية الكونيةعلى التدخل الايجابى . عندها ستتغير خريطة الشرق الوسط (الكبير ) وسترجع الى متاحف العصور الوسطى تلك الدول التى قامت على فتاوى ابن تيمية وولاية الفقيه ، وفى انتظار تلك الخريطة الجديدة للشرق الوسط الكبير لا بد لأكراد العراق من الاستعداد من الان لتحقيق حلم الدولة الكردية الموحدة التى تضم كل الأكراد ، حتى لا تتكرر مأساة سايكس بيكو ..
ولقد تعرضت لايران وسياستها الراهنة فى مقالات تحليلية منشورة ، منها :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=138
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=137
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=89

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2965


الحديث عن القنبلة النووية الاسلامية قد کثر بعد أن توفقت باکستان في صنع قنبلتها النووية، بتصورکم هل بإمکان القنبلة النووية الاسلامية أن تقدم شيئا للعالم الاسلامي و هل هناك ضرورة ملحة لها في الاساس؟

مشكلتنا تنبع من سوء استخدام المصطلحات . الارهابيون السنيون الوهابيون نقول عنهم (اسلاميون ) والدول المستبدة الكافرة المعتدية على مواطنيها نقول عنها دولا اسلامية كالسعودية وايران وباكستان ..
وإذا أفلحت باكستان فى تصنيع قنبلة أسميناها قنبلة اسلامية.
ما معنى قنبلة نووية اسلامية ؟ هل هى قنبلة تصلى الفرائض الخمسة وتحج وتعبد الله جل وعلا آناء الليل و أطراف النهار؟ هل هى تختلف علميا وتكنولوجيا عن أى قنبلة نووية أخرى ؟ هل تختلف عن اختها القنبلة النووية الاسرائيلية ؟ ثم لماذا لا نسمى قنبلة اسرائيل القنبلة اليهودية وقنابل اوربا وامريكا القنابل المسيحية ؟ طالما أصبح لكل قنبلة دين تعتنقه وتؤدى فرائضه ؟!!
مفهوم ان الدافع لهذه التسمية أنها القنبلة الأولى التى تفلح دولة (اسلامية ) فى انتاجها وتملكها ـ أى أن الخطأ أصلا فى إطلاق اسم الاسلام أو صفة الاسلام على تلك الدولة باكستان التى يعتبر إنشاؤها أحدى الأخطاء العظمى للقرن العشرين .!!
فى اعتقادى ان العالم المتقدم الحرّ قد تجاوز الان مرحلة التصنيع الذرى لأغراض دفاعية بعد أن تبين له آثاره الأبدية المدمرة للبيئة وصعوبة التخلص من نفاياته. أصبح العالم المتقدم الآن حريصا على منع الدول المستبدة من صناعة تلك السلحة النووية ، نظرا لأن تلد الدولة المستبدة ليست سوى شخص واحد ـ غالبا ما يكون أحمق التفكير ـ فلا يصح وضع تلك اللعبة الخطرة فى يده فيحرق بها نفسه ومن حوله. ولنتذكر كيف كان صدام حسين يجرب اسلحة الدمار الشامل فى التعامل مع المدنيين الأكراد البسطاء فى حلبجة وفى عمليات الأنفال.
العالم الحر الآن يحاول إغلاق هذا الباب الشيطانى المسمى بالسلاح النووى ، ويحاول ـ من طريق آخر ـ تقليل الاعتماد على الطاقة الذرية فى الوقود ، بل و نشأت ثقافة حماية البيئة المحلية بل والكرة الأرضية من التلوث ، وأصبحت هناك مؤتمرات عالمية للسهر على صحة الكوكب الأرضى وحماية جهازه التنفسى (الغابات والخضره ) من مضاعفات ثقب الأوزون.
وكالعادة يأتى العرب والمسلمون متاخرين على الدرب،وهكذا يفعل بعض حكامهم فى الشأن النووى سواء فى التسليح اوالاستعمال السلمى؛ يدخلون المجال الذرى دون قاعدة معرفية وأخلاقية كالتى اكتسبها الغرب عبر قرون من الوعى والثقافة والمنهجية والالتزام.
وكالعادة أيضا، سيفشلون لأنهم يلعبون فى الوقت الضائع .هم مجرد مراهقين فى أعين العالم المتقدم الحر ، وإن كانوا حكاما مستأسدين على شعوبهم المنكوبة بهم.

يقام في أواخر هذا الشهر"يناير"مؤتمرا عالميا للأنفال في إقليم کوردستان العراق، و هناك نوع من الصمت و التجاهل غير العاديين من قبل العالم الاسلامي بشکل عام و العربي بشکل خاص لمأساة الانفال وحتى ان الامر قد وصل بالبعض الى التشکيك بها مثلما شککوا في القصف الکيمياوي لمدينة حلبجة، ماسبب هذا الموقف بنظرکم؟

يرجع التشكيك والتجاهل الى شعور بالخوف من سوء المصير ممن علم ولم يشجب فى حينه ولم يسجل موقفا بحسب له . نتحدث هنا عن مستبدى العرب وخدمهم من المثقفين الذين عاصروا صدام وصفقوا له أثناء عتوه وتجبره ، ثم فوجئوا به مختبئا فى حفرة ثم متهما فى محكمة ثم مشنوقا على مقصلة. هم كصدام ، ارتكبوا بعض (الأنفال ) و بعض (حلبجة ) فى ديارهم ، ويتصورون أنهم نجحوا فى إخفاء ملامح جرائمهم ، ولكن قصة صدام جعلتهم يرتعدون من يوم حساب دنيوى قادم. التذكير بحلبجة والأنفال يجعلهم يرتعدون ، فلا تتعجبوا إن هم وخدمهم يجاهلون ويتشككون. على أية حال ليسوا هم القضية ،لأنهم زائلون.
القضية هى فى الوعى .
والوعى هنا على ثلاث مستويات :
1 ـ وعى المواطن الكردى بحقوقه كفرد وحقوق أمته الكردية فى تصحيح خطأ الجغرافيا والتاريخ بأن تكون لها دولة مثل بقية الأمم ، وألا يظل الكرد مشتتين فى أراضيهم الأصلية ، حيث يعتبرهم الحكام فى سوريا و ايران و تركيا مواطنين من الدرجة الثانية ،أو أقليات . هذا الوعى الكردى لا بد أن تقوم على تحقيقه هيئات كردية مسئولة ، تنشر الوعى بالشأن الكردى بين العرب و المسلمين وفى العالم الغربى .
2 ـ وعى المواطن العربى الجار والقريب للمواطن الكردى ، وأخيه فى المكان والزمان والمذاهب والأديان. هذا المواطن العربى محتاج لأن يتعلم الكثير عن جاره الكرد واسهاماتهم فى الحضارة العربية والمسلمة ، وأن يدرك أن العدل هو الذى يضمن السلام والرخاء للجميع ، وليس من العدل حرمان فرد واحد من حقوقه الانسانية و السياسية و الثقافية لمجرد أنه مختلف عن الآخرين. فكيف إذا كنا نتحدث عن عشرات الملايين ؟ وكيف إذا كان أولئك الملايين هم أصحاب الأرض الأصلاء؟ وكيف إذا كانت لهم اسهاماتهم فى الحضارة و التاريخ طيلة قرون ؟ وكيف إذا كانوا قد تعرضوا للاضطهاد و العنت طيلة قرون وقد آن الأوان لانصافهم ؟ وكيف إذا كانوا الشعب الوحيد الممزقة أشلاؤه وأرضه بين نظم حكم أجنبية سيئة السمعة ؟
حقائق كثيرة يجب أن يعيها الفرد العربى من خلال تاريخه وباللغة العربية ، ولا بأس من الاستشهاد بالقرآن الكريم وقيم الاسلام العليا فى العدل و القسط ..بهذا الوعى يمكن للحركة الكردية ان تكتسب الانسان العربى ، وهو فى الأغلب مسالم و لا يريد سوى العيش بسلام مع الاخرين .
3 ـ وعى المواطن الغربى الذى يؤثر فعلا فى سياسة دولته لتناصر الحقوق المشروعة للكرد فى المنطقة.
بهذا الوعى يمكن أن تتحقق الامال مهما بدت متعذرة أو مستحيلة .

الدولة الکوردية المستقلة يتم ربطها دوما بنظرية المؤامرة و، ليس هناك أي تقبل لهذه الفکرة من قبل الدول العربية و ترکيا و إيران، والذي يجمع بين هؤلاء هو الاسلام، هل يعني ذلك أن الاسلام يعادي نشوء دولة کوردية مستقلة؟

العدل هو جوهر الاسلام كما أن الظلم هو اساس الكفر .
والعدل فى التعامل بين البشر ميزانه معروف كما أن الظلم والبغى و الطغيان هو الاعتداء على حقوق الاخرين سواء كانوا أفرادا أم شعوبا.
ولقد عانى الأكراد من ظلم استمر قرونا .. وتحملوا الظلم متمسكين بلغتهم وثقافتهم برغم طول الزمان واختلاف الدول والأمم التى تعاقبت على حكمهم وسلب بلادهم ، من العرب الى الأتراك السلاجقة الى الأتراك العثمانيين . جاء الى أرض الكرد قبائل وافدة من اواسط آسيا ومن صحراء الجزيرة العربية ، وتشتت الأكراد داخل بلادهم وتقسموا بين ممالك غريبة معتدية ومع ذلك فقد أسهموا فى حضارة تلك الدول وحافظوا فى نفس الوقت على موروثاتهم الثقافية .
الاعتداء على الأكراد ظلم يرفضه الاسلام .
وأفظع الظلم ان يتخفى خلف دين الله جل وعلا كما فعل الصحابة فيما يعرف بالفتوحات التى وصلت فى عهد عمر الى بلاد الكرد واحتلتهم بعد حرب كان فيها العرب المسلمون الأوائل هم المعتدين الظالمين .
وقد ناقشت هذه القضية منذ أكثر من عشرة أعوام فى بحث ( المسكوت عنه من تاريخ عمر ) قلت :
(تعالوا بنا الي بداية الموضوع :ماهو حكم الاسلام في الفتوحات الاسلامية ؟
هل الفتوحات العربية في عصر الراشدين تتفق مع تشريعات القرآن للدولة الاسلامية ؟
ان هذه الفتوحات كانت رد فعل لهجوم المرتدين علي المدينة في اول خلافة ابي بكر ، وقد هزمهم ، ثم طارد المرتدين الاخرين الي ان وصل الي اطراف الجزيرة العربية حيث تخوم الامبراطوريتين الفارسية والرومية . وبعد اخضاع المرتدين اراد ان يتخلص من شوكتهم الحربية بتصديرها الي الهجوم علي ممالك وولايات الامبراطوريتين ،و هكذا بدأت الفتوحات أو الغزوات ، والويل فيها للمغلوب دولة او شعبا . وكان الشعار المرفوع وقتها لتسويغ الفتوحات هو تخييرهم بين واحدة من ثلاث : اما الاسلام واما الجزية واما الحرب ، وهذا التخيير من جيش يقتحم حدود الاخرين متأهبا للهجوم عليهم لا يعني سوي اجبارهم علي الاسلام او دفع الجزية مع الذلة والعبودية او الدخول في حرب مع عسكر ( يحبون الموت كما يحب اولئك الناس الحياة ) .. وبذلك اكتسب الجهاد عند المسلمين معني جديدا يخالف معناه القرآني الذي كانت عليه دولة الاسلام في عصر النبي عليه السلام .
فالجهاد ان تضحي بالمال والنفس دفاعا عن عقيدتك وعن حرية العقيدة لك وللاخرين ، و ليس بأن تقتحم علي الاخرين بلادهم لتجبرهم علي الاسلام والا فالجزية ، والا فالحرب . ان ما كتبوه في سيرة النبي يؤكد علي الطبيعة الدفاعية للغزوات مع كثرة الاكاذيب في الروايات ، والتي تختلف عن حديث القرآن عن غزوات النبي (ص) ، ثم ان هذه الفتوحات تتناقض تماما مع القرآن في تشريعاته وقصصه .
ان تشريعات الجهاد في الاسلام تبدأ بالكلمة والموعظة القرآنية ، أي الجهاد بالقرآن ( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا : الفرقان 52 ) ويقترن ذلك بتحمل الاذي . و الطرد ومصادرة المال والهجرة . ثم يضطر المسلمون للدفاع عن انفسهم مخافة الاستئصال ضد عدو يطاردهم حتي بعد هجرتهم ، وحتي لا تنهدم بيوت العبادة لكل المؤمنين من صوامع لليهود وبيع للنصاري وصلوات لكل صاحب عقيدة ، ومساجد للمسلمين ( الحج 40 ) وفي كل الاحوال فتشريعات القتال في الدولة الاسلامية تدور بين اوامر تشريعية تخضع لقواعد تشريعية ، فالاوامر هي ( قاتلوا ) والقواعد التشريعية هي ( في سبيل الله ) بمعني ان يكون القتال دفاعيا فقط او قتال اولئك الذين يقاتلونكم وبدون اعتداء عليهم ، يقول الله تعالي ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) .. ( فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم ، واتقوا الله : البقرة 190 ، 194 ) .أي ان المسلمين حين يعتدون علي من لم يعتد عليهم فانهم لم يتقوا الله .!!
وذلك العدو المعتدي اذا هزمته الدولة الاسلامية فمن حقها ان تجبره علي دفع غرامة حربية هي الجزية ، وذلك عرف مألوف في تاريخ العصور الوسطي ، وفي التاريخ الحديث والمعاصر ، ولنتذكر ما حدث لألمانيا بعد الحربين العالميتين ، وما حدث مع صدام حسين ، ومن حقها ايضا ان تحصل منه علي غنائم تركها في ميدان المعركة ، ولكن ليس من حقها ان تحتل ارضه لأن آية الجزية ( التوبة 29 ) بما فيها من اوامر انما تخضع للقواعد التشريعية والمقاصد التشريعية التي تؤكد علي القسط والعدل ، ومعني ان الدولة المعتدية تعطي الجزية بعد هزيمتها أي انها تظل قائمة علي ارضها وشعبها ومواردها دون ان يحتلها المسلمون ، بالضبط كما حدث حين دفع الروم البيزنطيون الجزية للدولة الاموية والعباسية والعكس ، في اطار الحروب وما تداولوه من نصر وهزيمة ، وكل من الدولتين كانت في موقعها وعلي حدودها .
ولكن كل ذلك كله يخالف ما جري في الفتوحات العربية في عهد عمر ، لأن عمر بعد ان اسقط الدولة الفارسية فرض علي اهلها الجزية وفرض علي ارضها الخراج ، وهؤلاء الناس ( الغلابة ) لم يحاربوا احدا ، بل ان الدولة الفارسية نفسها لم تعلن الحرب علي الدولة العربية ، ولم تقتحم الجزيرة العربية ، بل العكس هو ما حدث ، فالعرب المسلمون هم الذين اقتحموا علي الفرس دارهم ، وبعد ان هزموا الجيوش في مواقع متعددة داخل بلادها ، سلبوا كنوز الفرس في كل مدينة ، واسترقوا الذرية من النساء والاطفال فيما بينهم ، ثم بعدها فرضوا علي المساكين اهل البلاد المفتوحة جزية علي الرءوس ، ثم ضريبة علي الارض ، ولا يتفق ذلك مع تشريعات القرآن بكل تاكيد .
وما حدث في مصر كان افظع ..
فالفرس كانوا اصحاب الملك ، وكانوا احدي أقوي قوتين في العالم ، لذلك حاربوا دفاعا عن النفس ، اما المصريون فقد كان البيزنطيون يحتلون ارضهم ويضطهدونهم في دينهم ، لذلك عاونوا العرب في فتح بلادهم نكاية في الروم ، واسهب المقريزي في توضيح انواع المساعدة التي قدمها المصريون لجيش عمرو الضئيل منذ ان نزل الفرما الي ان فتحوا له ابواب الاسكندرية خلسة .. ومع ذلك كافأهم عمر وعمرو بفرض الجزية عليهم !!
لقد اتسعت الفتوحات العربية في عهد عمر فيما بين ( 14 : 23 هـ ) لتمتد فيما بين اصفهان في شرق ايران الي طرابلس ليبيا ، ففي سنة 14 كانت فتوحات دمشق وحمص وبعلبك وموضع البصرة وهي الابلة ، وفي سنة 15 تمت فتوحات الاردن وانتصر العرب علي الروم في اليرموك ، وعلي الفرس في القادسية ، وفي سنة 16 تمت فتوحات الاهواز والمدائن والانتصار في جلولاء وهزيمة الامبراطور الفارسي يزدجر وهروبه ، ثم فتوحات تكريت شمال العراق ، ثم تسلم عمر بن العاص بيت المقدس ، وتمت فتوحات قنسرين وحلب وانطاكية ومنسج وسروج وقريقساء ، وفي سنة 18 تمت فتوحات جندباسبور وجلوان و الرهاد وسميساء وحران ونصيبين والموصل والجزيرة فيما بين العراق وسوريا ،وفي سنة 19 فتوحات قيسارية ، وفي سنة 20 فتحوا مصر غربا ، وتستر في ايران ، وفي سنة 21 فتح الاسكندرية ، ثم في نهاوند في ايران ، وفتح برقة في ليبيا ، وفي سنة 22 فتح اذريبجان والدنيور وماسبذان وهمذان والري وعسكر وقومس في اواسط اسيا ، وفتح طرابلس الغرب في ليبيا .
وفي السنة التي قتل فيها عمر كان فتح كرمان وسجستان ومكران واصفهان سنة 23هـ .
وخلال هذه السنوات العشر سالت دماء مئات الالوف من الابرياء في كل تلك المناطق ظلما وعدوانا تحت اسم الاسلام والجهاد ، وتشتت مئات الالوف من العائلات والاسر فيما بين اواسط اسيا الي ليبيا ، ونهب العرب كنوز المنطقة بعد المعارك وقسموا بينهم الذرية والنساء .
ونأخذ مثالا علي احدي المعارك التافهة ، والتي سجلها الطبري في اربع صفحات وقام بتلخيصها ابن كثير في ثلاثة اسطر ، تحت عنون ( خبر سلمة بن قيس الاشجعي والاكراد : بعثه عمر علي سرية ووصاه بوصايا كثيرة ، فساروا فلقوا جمعا من المشركين فدعوهم الي احدى ثلاث خلال ، فأبوا ان يقبلوا واحدة منها ، فقاتلوهم ، فقتلوا مقاتليهم ، وسبوا ذراريهم وغنموا اموالهم ، ثم بعث سلمة رسولا الي عمر بالفتح والغنائم ) ( تاريخ ابن كثير 7/ 133 ، التفاصيل في تاريخ الطبري 4/ 186 : 190 ) لم تكن للاكراد دولة ، ولم تكن لهم علاقة بالعرب من أي نوع . وكل ما هنالك انهم فوجئوا بجيش لا يعرفون لغته يقتحم عليهم ديارهم ، فدافعوا عن وطنهم واموالهم واعراضهم ، فانهزموا ، وبعد ان قتل العرب (مقاتليهم ) اخذوا النساء والاولاد والبنات سبيا ، واخذوا الاموال ، وكالعادة بعثوا بالخمس الي عمر ، واقتسموا فيما بينهم الاربعة اخماس من الغنائم المالية والبشرية . وتخيل نفسك تعيش في قرية ثم فوجئتم بجيش يهزم المدافعين عن القرية ، ثم يستبيح بيوت القرية ويستحل الدماء والاعراض والاموال ويصل الي بيتك ، يأخذ اموالك ، ويأخذ امك وزوجتك واختك وبناتك واولادك ، وقد يقتلك اذا قاومت ، فاذا استسلمت يفرض عليك جزية بحجة انه يحميك !! ثم يفرض ضرائب علي بيتك ، وارضك وانتاجك ، ثم تكون بعدها مواطنا من الدرجة الثانية ، وذلك تحت لافتة انك اهل ذمة النبي ، والنبي عليه السلام لم يشهد هذه الفتوحات ، ولم يكن يعلم الغيب حتي يعرف ما سيحدث بعده ويضع له تشريعا ، ناهيك ان النبي لا يملك التشريع ، وانما يتلقي التشريع ، و الا ما كان الله تعالي يقول له ( يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك. )
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=51

على منوال الظلم العربى ـ الذى استخدم اسم الاسلام فى الاعتداء و الاحتلال ـ قامت دول متتالية ، منها فى عصرنا تلك الدول التى تتقاسم السيطرة على الشعب الكردى و ارضه .
ومن حق الشعب الكردى أن يلتئم فى وحدة سياسية واحدة يتمتع فيها الأكراد وبقية الأقليات بالعدل وحقوق المواطنة المتساوية الكاملة و حرية الفكر و المعتقد.
وشأن شعب عانى الاضطهاد طيلة قرون أن يكون أكثر إحساسا بمعاناة الظلم ، وأن يكون أكثر حرصا على ألا يقع فى ظلم الاخر.
ولكن ليس بالمبادىء الأخلاقية وحدها تقام الدول و يمكن استرجاع الحقوق.
إقامة الدولة الكردية الموحدة لكل الكرد حلم قابل للتحقيق ، بل قد آن أوان تحقيقه فى ظل العملية القادمة باعادة رسم خريطة الشرق الأوسط .. وإذا لم يستعد الكرد لتلك اللحظة من الان فسيدفع الشعب الكردى قرونا أخرى من التقسيم و التشرذم والوقوع تحت مهانة الاحتلال و التمييز العرقى.

 

اجمالي القراءات 3982
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الثلاثاء ٠٤ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً
[17635]

أخي الدكتور أحمد منصور.

حياك الله يا أخي على موقفك العادل ،الذي مثلت فيه بمصداقية  وشفافية رائعة لمشكلة شعب كان ومازال ضحية الصراعات الاقليمية والدولية ،وأحيانا بسبب غباء قياداته السياسية .لقد عبرت اصدق تعبير عن موقف الانسان الذي يتمثل ويتجوهر في كتاب الله ،كيف يرفض الظلم مهما كان  مصدره، وفقنا وأياك يا أخي لخدمة العدالة ،والحب والتأخي ,حركت فيّ مشاعري الكردية  مشاعر الأخوة العربية الكردية ،التي اتمنى  واحلم أن  يتحقق حلم الشعبين في الحرية والديمقراطية إن شاء الله


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق