اقتصاد مصر بين دوامة الديون والخصخصة والخوف من ثورة جياع.. ما الحل؟

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٢ - سبتمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


اقتصاد مصر بين دوامة الديون والخصخصة والخوف من ثورة جياع.. ما الحل؟

لم تكن دعوة حزب "الإصلاح والتنمية" المصري، مجلس الأمن القومي للاجتماع بحثا عن حلول لأزمة تفاقم الديون، إلا استشعارا للخطر الذي يهدد البلاد؛ جراء أزمة اقتصادية عاصفة تكالبت عليها نتيجة عدة عوامل، كان آخرها الحرب الروسية الأوكرانية.
مقالات متعلقة :


الأمر لا يقتصر على الديون، رغم أنها الأزمة الأكبر، إلا أن التضخم بات يتسع شهرا بعد آخر، والعملة المصرية (الجنيه) في تدهور مستمر، في ظل غياب الاستثمار، وتراجع إيرادات السياحة وتحويلات المصريين في الخارج، وهما مصدران رئيسيان للدولار في البلاد.

كل هذا أثر على حياة المواطنين؛ حيث تراجع مستوى معيشتهم بشكل ملحوظ، ما دفع "عمرو موسى" الأمين العام لجامعة الدول العربية وزير خارجية مصر الأسبق للتصريح علنا بأن "هناك قلقا عاما وحالة تشاؤم في مصر"، مشددا على أهمية علاج "حالة الاكتئاب" السائدة فورا.

أيضا، دفعت هذه الظروف الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" نفسه للاعتراف بوجود أزمة، موجها الحكومة إلى تنظيم مؤتمر اقتصادي، نهاية الشهر الجاري، يضم المتخصصين وأصحاب الرأي المخالف.

وأرجع "السيسي" الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدل الديون إلى الأحداث السياسية خلال السنوات الماضية، وطالب المصريين بتحمل المسؤولية؛ لأنهم السبب بعدما خرجوا لتغيير الحكم في عامي 2011 و2013، وفق قوله.

إلا أن الحقيقة تخالف ذلك؛ حيث أن مصر تعد من بين أكثر الدول التي اعتمدت على الاستدانة خلال السنوات الماضية؛ بهدف سد العجز في موازين المدفوعات وتمويل المشاريع الضخمة في مجال الطاقة والسكك الحديدية والعاصمة الجديدة.

وقد شكلت قروض صندوق النقد الدولي وإيرادات بيع الأذون والسندات الحكومية مصادر أساسية لذلك، فقد قدم لها الصندوق لوحده على سبيل المثال 20 مليار دولار خلال الفترة المذكورة.

ومع ارتفاع تكاليف استيراد الأغذية والمواد الأولية ومصادر الطاقة بسبب "كورونا" والحرب في أوكرانيا، تراكمت الديون الخارجية أكثر فأكثر لتتجاوز 157 مليار دولار، بعدما شهدت في نهاية مارس/آذار 2022 ارتفاعا بنحو 19.9 مليار دولار مقارنة بنهاية يونيو/حزيران 2021، في حين بلغ إجمالي الودائع لدى البنك المركزي 14.9 مليار دولار.

وتتوقع تقارير دولية أن يصل مجموع الديون الخارجية والداخلية هذه السنة إلى نحو 94% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يزيد على 400 مليار دولار؛ ما يضعها في أعلى مستوياتها منذ عام 2013، الأمر الذي عزز إضعاف العملة المحلية (الدولار يتخطى 19 جنيها) منذ الخفض المفاجئ لقيمتها عام 2016، وسط مؤشرات حول تخفيض تدريجي جديد.

يشار إلى أن الجنيه المصري سجل أدنى مستوياته على الإطلاق، مقتربا من مستوى 20 جنيهاً للدولار الواحد، فيما كان الدولار عند مستوى 7 إلى 8 جنيهات قبل بدء مشوار "التعويم" في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

وانخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار بنسبة تجاوزت 20% منذ مارس/آذار الماضي، وسجّل 19.28 جنيهًا للشراء، و19.38 جنيهًا للبيع، في البنك المركزي المصري.

ووفق كالة "بلومبرج"، فإن مصر أصبحت في المركز الخامس على قائمة الدول المعرضة للتخلف عن سداد ديونها، وذلك بعد السلفادور وغانا وتونس وباكستان.

وعبر نشرته الإحصائية الشهرية الصادرة في يوليو/تموز الماضي، عزا البنك المركزي المصري الزيادة في الدين الخارجي إلى ارتفاع صافي المستخدم من القروض والتسهيلات بنحو 22.2 مليار دولار، إضافة إلى تراجع أسعار العملات المقترض بها أمام الدولار بنحو 2.3 مليار دولار.

وفي حين تصف وكالات التصنيف الدولية ديون مصر "بالكارثية"، يتحدث وزير المالية المصري "محمد معيط" عن قوة اقتصاد بلاده رغم كل التحديات، منتقدا صدور نحو 150 تقريرا سلبيا عن أوضاع الاقتصاد المصري.

وفي أبريل/نيسان الماضي، ذكرت وكالة "ستاندرد آند بورز" الأمريكية أن مصر تستحوذ على نسبة تقدر بـ0.6% من إجمالي الديون في العالم، مشيرة إلى أنها نسبة مرتفعة إذا قورنت بالعديد من الدول المماثلة، أو إذا قورنت بالاقتصادات الناشئة.

وفي مايو/أيار، للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، خفضت وكالة "موديز" نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، محذرة من أن "البلاد لا تزال معرضة للخطر".


اقرأ أيضاً
لبحث أزمة الديون.. حزب مصري يدعو لاجتماع مجلس الأمن القومي

ومع تراجع الاحتياطي من العملات الأجنبية والارتفاع الجنوبي لأسعار الأغذية التي تشكل نحو 13% من قيمة مجمل الاستيراد تزداد الضغوط المالية والاقتصادية والاجتماعية على الحكومة المصرية.

ويزيد من هذه الضغوط تضرر الاقتصاد من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والسلع الزراعية والمواد الخام اللازمة لمعظم الصناعات المصرية.

وتأثر الاقتصاد المصري كذلك بشدة بعد انسحاب 20 مليار دولار مما يعرف بالأموال الساخنة منذ بداية عام 2022، وهي تدفقات استثمارية تهدف للاستفادة من وضع اقتصادي خاص مثل تدنّي سعر صرف العملة المحلية.

وأكثر من ذلك، فقد بلغ إجمالي حجم تلك الأموال التي خرجت من البلاد في السنوات الأربع الماضية 55 مليار دولار.

كما فقد قطاع السياحة سوقين أساسيين هما السوق الروسية والسوق الأوكرانية.

وعلى ضوء ذلك تذهب التقديرات إلى أن مصر تحتاج من الآن وحتى نهاية العام المقبل، إلى أكثر من 41 مليار دولار؛ لسداد عجز الحساب الجاري وخدمة الديون المستحقة.

وحسب تقرير لبنك "إتش إس بي سي"، عن الحالة المالية للبنك المركزي المصري، فإن الجنيه المصري عرضة للخطر وفي طريقه لانهيار جديد، بعد أزمات متعددة يشهدها الاقتصاد، في ظل العجز الكبير في الحساب الجاري، وضعف تدفقات رأس المال، والضغط على ميزان المدفوعات.

وتوقع التقرير، الذي كتبه الخبير الاقتصادي "سايمون ويليامز"، الشهر الماضي، أن يُسجل الجنيه المصري مزيدا من الانهيار خلال الفترة المقبلة، وأن يتجاوز سعر الدولار 22 جنيها قريبا.

وفي حين أن سعر الصرف الفعلي الحقيقي للجنيه المصري أقل من أعلى مستوياته، إلا أنه أيضا أعلى بكثير من متوسطه خلال فترة ما بعد 2016 وأدنى من مستوياته الدورية، حسب التقرير.

في الوقت الذي توقعت فيه وكالة "بلومبرج" خفضا جديدا في قيمة الجنيه المصري، ليس فقط من أجل الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، ولكن لإعادة المستثمرين إلى أسواق شراء السندات المصرية، والتي تعد أحد مصادر التمويل الرئيسية للبلاد.

ويؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى معيشة المصريين، حسب الخبير الاقتصادي "شريف عثمان"، الذي يشير إلى أن تقارير المؤسسات الدولية ترجح خفضا إضافيا قادما للجنيه، وبالتالي هناك فشل في تحقيق الهدف الأساسي لأي سياسة اقتصادية، ألا وهو رفع مستوى معيشة الفرد.

ويتابع: "الموظف والعامل المصري يحصلان على أقل متوسط للأجور في الوطن العربي، وكل ذلك نتاج سياسيات غير سليمة وإعطاء أمور كثيرة أولوية لم تكن تستحقها".

ويلفت "عثمان" إلى أن الحكومة لا تحل الأزمة الاقتصادية، ولكنها تحاول فقط حل أزمة السيولة الراهنة فيما يخص العام الحالي.

وأمام ذلك، تعمل الحكومة على طرح الشركات الرابحة وعرضها للبيع؛ حيث تستهدف 10 مليارات دولار خلال العام المقبل، في خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية، في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، وجهات أخرى.

إلا أن الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة تحظى تاريخيا بسمعة سيئة في مصر؛ وذلك نظرا لارتباط هذه العملية بالفساد الذي وصم برنامج الخصخصة الوطني في تسعينيات القرن الماضي.

فقد بيعت أعداد ضخمة من الشركات والمصانع المملوكة للدولة في عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك" بأسعار أقل بكثير من قيمتها الحقيقية في السوق؛ ما أثار سخطا شعبيا في ذلك الوقت.

وثمة مخاوف من أن دولا عربية قد تستغل حاليا الأحوال الاقتصادية المتردية في مصر للاستحواذ على الممتلكات العامة بأسعار أدنى بكثير من قيمتها السوقية، وأن إيرادات البيع ستستخدم لسداد الديون المتراكمة على البلد.

وقامت بعض الدول العربية التي اشترت ممتلكات محلية بإيداع مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري لتعزيز احتياطي العملات الأجنبية والمساعدة في بقاء العملة الوطنية طافية على السطح مقابل العملات الأجنبية.

ونجم عن ذلك القلق من أن مصر ستقايض هذه الإيداعات بممتلكات محلية أو قد تستخدم العائدات لسداد الديون.

وباتت السعودية والإمارات تتسابقان في الاستحواذ على الشركات المصرية؛ حيث تركزان حسب موقع "إنتليجنس أون لاين" الفرنسي، على الاستثمار بدلا من تقديم مساعدات للميزانية، مع إحباطهما بسبب عدم وجود خطة إصلاح جادة لتقليص العجز العام المصري، رغم النصح بالإصلاح في عام 2014 دون جدوى.

أما معدل التضخم في مصر فواصل مساره التصاعدي خلال أغسطس/آب، ليسجل التضخم السنوي في المدن 14.6%، وهو أعلى مستوى في 4 سنوات؛ نتيجة زيادة أسعار السلع الغذائية.

وتوقع خبراء أن يواصل التضخم تصاعده خلال الشهور المتبقية من عام 2022؛ متأثرًا بانخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتداعيات التضخم العالمي.

كما توقعوا أن يؤثر على قرار لجنة السياسات بالبنك المركزي هذا الشهر، وقد تتخذ قرارًا بزيادة سعر الفائدة 100 نقطة أساس على الأقل.

كل هذا حذرت منه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية؛ حين قالت إنها تخشى من تداعيات "أزمة خبز" في مصر، "قد توقظ مخاوف قديمة من اضطرابات سياسية في البلاد".

وأشارت الصحيفة إلى أن احتمال حدوث نقص في الخبز يعد بين التحديات الأمنية الأكثر إلحاحا التي واجهتها الدولة المصرية منذ عام 2013.

وتستورد مصر أكثر من 42% من الحبوب التي تحتاجها من روسيا وأوكرانيا.

وعن ذلك، يقول الكاتب المصري "سليم عزوز" إن "نظرية أنه لا ثورة من أجل لقمة العيش سقطت"، مشيرا إلى أن "الغلاء الفاحش تجاوز قدرة الناس على الاحتمال".

ويضيف: "المصريون لم يمروا بيوم حلو منذ الانقلاب العسكري؛ فالغلاء بدأ مبكراً، لكن كانت هناك آمال عريضة لدى قطاع كبير من المصريين بأنها (شدة وتزول)، لكن الأوضاع انتقلت من السيئ إلى الأسوأ"

من جانبه، يضع الخبير الاقتصادي خطة إنقاذ للاقتصاد المصري فيقول إن أهمها وأولها هو تجميد الاقتراض الخارجي فورا، وتجميد أيّ مشروع حكومي يمول بقروض دولارية ولا يدر عائدا دولاريا مثل القطار الكهربائي السريع والمفاعل النووي وناطحات السحاب في العاصمة الإدارية الجديدة.

كما يدعو إلى طمأنة أصحاب المدخرات الدولارية الذين سحبوا أموالهم من البنوك مع انتشار شائعات الإفلاس، وحث المصريين العاملين في الخارج على زيادة تحويلاتهم إلى مصر.

ويطالب "عبدالسلام" بإقناع دول الخليج بسرعة تحويل دفعات جديدة من الودائع الدولارية لتغذية الاحتياطي الأجنبي، مع زيادة جرعة الاستثمارات المباشرة خلال الفترة المقبلة، وفتح قنوات اتصال مع دول عربية لديها فوائض مالية ناتجة عن قفزات أسعار النفط الأخيرة، وذلك للحصول منها على ودائع مساندة للاحتياطي الأجنبي يمكن أن تتحول إلى استثمارات مباشرة في وقت لاحق.

ويشدد على أهمية الاستفادة من أزمة الطاقة الأوروبية وخروج غاز روسيا من أوروبا وزيادة صادرات الغاز المصري لتلك الأسواق المتعطشة، فضلا عن فتح قنوات اتصال مع مستثمرين دوليين لإعادة ضخ استثمارات في مصر، مع منحهم مزايا استثمارية وضريبية.

ويتابع: "هذا يتطلب تحركا جادا من الحكومة للتغلب على المشاكل التي تواجه الاستثمار الأجنبي في مصر، ومنها أزمات العملة والطاقة وارتفاع كلفة الانتاج والفساد والبيروقراطية والاحتكار ومزاحمة المؤسسات السيادية للقطاع الخاص سواء المحلي أو الأجنبي".

كما يقترح بيع بعض الأصول التي لا تمثل أهمية للاقتصاد والدولة، مثل الطائرة الرئاسية والقصور والفنادق التي تم تأسيسها في السنوات الأخيرة، على أن تباع هذه الأصول بالدولار أو لمستثمرين عرب وأجانب.

الخلاصة، أن أزمة الاقتصاد المصري لم تنتج عن الحرب في أوكرانيا وتداعياتها، لكنّ الحرب عملت على تسريع النتيجة المحتومة التي حذرت منها تقديرات متواترة عن هشاشة وضع الاقتصاد ومؤشرات ضعفه رغم كبر حجمه.

وسيدفع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية وضيق الوقت، الحكومة المصرية إما إلى الاكتفاء بقرض محدود من صندوق النقد الدولي، يتضمن شروطا مخففة ستكون أيضا لها تداعيات اجتماعيا، أو الاستسلام لأجندة الصندوق من أجل الحصول على قرض كبير نسبيا، وتكرار الرهان الحصري على كفاية قدرات الدولة الأمنية لاحتواء الغضب الاجتماعي.

وبين ذلك وذاك، تختبر مصر في هذه المرحلة حدود ثقلها الإقليمي الذي يتآكل منذ سنوات طويلة نتيجة ضعف الاقتصاد.

كما تكشف هذه التطورات حدود الاستقرار الداخلي الهش الذي لم يحدث نتيجة إصلاح جذور المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن استند إلى تحكم واسع من قبل الدولة في الاقتصاد المصري، خاصة عبر مؤسسات الجيش وشبكة ضيقة من رجال الأعمال، بالتزامن مع إغلاق المجال السياسي بواسطة هيمنة أمنية وإجراءات قاسية بحق المعارضين.

وعلى الرغم من حتميته، فمن الصعوبة بمكان تقليص حجم الجيش في الاقتصاد في الوقت الحالي، حيث ستكون العواقب كارثية، لأن القرار ليس سياسيا يمكن اتخاذه بسرعة، بل يستغرق تنفيذه وقتا طويلا، ويتطلب الكثير من التغييرات في القوانين واللوائح، فضلا عن التغييرات البيروقراطية في هيكل الدولة، وكيفية إدارة الأموال، والإصلاح الضريبي، وكل هذه تعهدات ضخمة لا يمتلك أحد الصلاحيات الكافية لتحقيقها.
اجمالي القراءات 740
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق