اللغة الأصلية الأكثر انتشارا في القارة السمراء.. هل توحد السواحلية الأفارقة؟

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٠٩ - أغسطس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الجزيرة


اللغة الأصلية الأكثر انتشارا في القارة السمراء.. هل توحد السواحلية الأفارقة؟

في الخامس من يوليو/تموز الماضي، تبنى مجلس الوزراء الأوغندي اللغة السواحلية لغة رسمية وجعلها مادة إلزامية في المدارس الابتدائية والثانوية، بعد توصية من منظمة شرق أفريقيا (EAC).

وتعد السواحلية اللغة الأصلية الأكثر انتشارا في أفريقيا، وكانت لفترة طويلة تتمتع بوضع رسمي في كينيا وتنزانيا.وفي مقاله بموقع الجزيرة الإنجليزية قال تافي مهاكا -الكاتب والمحلل السياسي المقيم في جنوب أفريقيا- إنه يؤيد هذا التطور بشدة ويعتقد أن القارة الواقعة جنوب الصحراء بأكملها يجب أن تعتمد السواحلية لغة رسمية.
مقالات متعلقة :


ويرى الكاتب أنه في الوقت الراهن لا توجد لغة أصلية في أفريقيا يتحدثها الناس على نطاق واسع بما يكفي لتكون لغة مشتركة في القارة، ويضيف أنه كثيرا ما يجد نفسه مضطرا للتواصل مع زميل أفريقي باللغة الإنجليزية "لغة مستعمرينا السابقين"، وهذا يجعله يشعر "بالخجل والإحراج، لكن لا يوجد بديل".
وللأسف، يتابع الكاتب، بعد الاستقلال فشل الآباء المؤسسون لدول أفريقيا في إدراك الحاجة إلى إنشاء لغة مشتركة -لغة لا تنتمي إلى المستعمرين- "يمكن أن تساعدنا على التواصل بسهولة بيننا وتساعد على دعم روح التقارب والوحدة. وبدلا من ذلك، دفعونا إلى تبني اللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو البرتغالية وجعلوها لغتنا المشتركة".
تجربة شخصية
يقول الكاتب إن حياته، من المدرسة الابتدائية إلى مرحلة الشباب، اجتماعيا وأكاديميا، على سبيل المثال، سيطرت عليها اللغة الإنجليزية في موطنه الأصلي زيمبابوي.

في عام 1980، وهو العام الذي نالت فيه زيمبابوي استقلالها عن بريطانيا، بدأت مدرسة (هالينغبيري) Hallingbury الابتدائية عملها في عاصمة البلاد هراري.

هناك، يقول الكاتب، "أخبرنا مدرسونا الناطقون باللغة الإنجليزية، ومعظمهم من البيض، ألا نتحدث أثناء ساعات الدراسة بلغة الشونا -وهي لغته الأم وتتحدثها نسبة كبيرة من سكان زيمبابوي- أو أي لغة أخرى أصلية في البلاد، واستمروا في معاقبة أي شخص يفعل ذلك حتى ولو كان من غير قصد.
ويرى الكاتب أنه كان لديهم الحق في ذلك، لأن الحكومة قد حددت بالفعل اللغة الإنجليزية لغة التواصل الأساسية في البلاد. وذهل الجميع بإتقان رئيس الوزراء آنذاك روبرت موغابي للغة الإنجليزية، وكان المراقبون في الغرب يعتبرونه "أحد أعظم الخطباء في العالم".

لذلك، يتابع الكاتب، عندما كان ينبغي على حكومة أمتنا المستقلة حديثا أن تدعم وتعطي الأولوية للغات وثقافات السكان الأصليين، تم تقديم اللغة الإنجليزية للأطفال الصغار كمؤشر على الذكاء والتطور والمكانة الرفعية، "وسرعان ما توصلت إلى الاعتقاد بأن الشونا كانت أدنى من اللغة الإنجليزية ولا ينبغي ربطها بالأوساط الأكاديمية أو العلوم أو الأعمال".

ويتابع "وبعد أن أكملت تعليمي الابتدائي، انتقلت إلى مدرسة الأمير إدوارد الثانوية في هراري، والتي تعتبر واحدة من أفضل المدارس الحكومية في البلاد"، مشيرا إلى أن المدرسة سميت على اسم الأمير إدوارد البريطاني، وكانت تفخر كثيرًا بالحفاظ على التقاليد الإنجليزية القديمة، وتشجع التلاميذ على الكتابة والتحدث والتفكير باللغة الإنجليزية "على حساب تراثنا الأفريقي".

ويروي عن فترة وجوده هناك قائلا "خضعت لعملية تغريب مكثفة وعلنية شوهت هويتي الأفريقية. ولم يكن الوضع مختلفًا كثيرًا خارج المدرسة. كانت تبث اثنتان من أصل 4 قنوات إذاعية وطنية مملوكة للدولة، راديو 1 وراديو 3 ، باللغة الإنجليزية، وكذلك جزء كبير من البرامج على الإذاعة الحكومية ZBC، بما في ذلك النشرة الإخبارية اليومية الرئيسية، كل ذلك كان باللغة الإنجليزية، لقد تعرضنا في الغالب لبرامج دراسية بريطانية وأميركية، مع وضع الجمهور الغربي الناطق باللغة الإنجليزية في الاعتبار، طوال سنوات تكويننا".

وإلى جانب اللغة الإنجليزية، درس الكاتب لغة أخرى واحدة فقط خلال تعليمه الرسمي، وهي الفرنسية؛ ولم يحرص أحد على تعليمه لغات إيسينديبيلي أو تيجيكالانجا، أو تشيفيندا أو سيتسوانا -وهي لغات السكان الأصليين الشائعة في زيمبابوي- ونتيجة لذلك، لم يكتسب أبدا القدرة على التواصل الاجتماعي مع الزيمبابويين في جميع أنحاء البلاد الذين لم يتلقوا تعليما باللغة الإنجليزية أو اختاروا، من حيث المبدأ، عدم التعلم أو التواصل بلغة المستعمر

شخصيتان
نظرا للأولوية التي أعطتها الدولة للغة الإنجليزية، انتهى بها الأمر إلى تطوير شخصيتين مختلفتين للكاتب، إحداهما تتواصل في الغالب باللغة الإنجليزية وتستجيب للقواعد الاجتماعية الغربية وتنغمس في الثقافة الغربية في الحياة اليومية والتفاعلات، والأخرى تتواصل بلغة الشونا وتعطي الأولوية للطرق التقليدية للعيش والوجود، لاستخدامها في التفاعلات مع بعض أفراد الأسرة، "مثل جدتي لأبي، التي لا تستطيع التحدث باللغة الإنجليزية" يقول الكاتب.

وكما قال الكاتب والفيلسوف السياسي الغربي الشهير فرانتز فانون في عمله الأدبي "بشرة سوداء، أقنعة بيضاء" فإن "التحدث بلغة يعني أن تتبنى عالمها وثقافتها"، وللأسف، يضيف الكاتب، "كنت أنا وزملائي الأفارقة عالقين في اللغة الإنجليزية، وانغمسنا في الموسيقى والفنون والآداب التي فرضتها علينا، لم تبذل حكومة زيمبابوي أي جهد لتشريع وتعزيز التعددية اللغوية من خلال التعليم".

Frantz Fanon
اهتم المفكر فرانتز فانون بالنضال ضد الاستعمار وتبني الماركسية الإنسانية وأفكار التحرر الأفريقية (مواقع التواصل الاجتماعي)
وعلى الصعيد الإقليمي، لم يكن أداء المنظمات الأفريقية الرسمية أفضل حالا، فقد سنت سياسات روجت للغة الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية لغات رسمية في العمل، ولم تبذل أي جهد لاستيعاب لغات السكان الأصليين، بحسب الكاتب.
وتحسر الأكاديمي والكاتب الكيني الشهير نغوغي وا ثيونغو على أن الأجيال الأفريقية الأكبر سنا من خلال تقديم "لغات أوروبا كما لو أنها الوحيدة التي يمكنها تحمل المعرفة والذكاء وكل شيء آخر خلقت عقلية أفريقية تبحث عن الاعتراف من الغرب"، ومن الواضح أن هذه العقلية المضللة لا ينبغي أن يكون لها مكان في أفريقيا اليوم، يقول الكاتب.

لغة المستعمر
في الحقبة الاستعمارية، تم إدخال اللغة الإنجليزية والبرتغالية والفرنسية إلى القارة ومنحها الأولوية في جميع السياقات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، ليس لأنها كانت "أفضل" من لغات السكان الأصليين، ولكن لأن استخدامها على نطاق واسع جعل من السهل على المستعمرين استغلال الموارد الطبيعية والمعدنية لأفريقيا وتقويض تاريخها وتقاليدها وأنظمتها الاقتصادية

ويتساءل الكاتب مستنكرا، لماذا لا يزال الأفارقة يصرون على استخدام هذه اللغات للتواصل مع بعضهم البعض؟

وفي فبراير/شباط من هذا العام اعتمد الاتحاد الأفريقي أخيرا اللغة السواحلية لغة عمل رسمية إلى جانب اللغات الأوروبية، وقررت أوغندا الشيء نفسه بعد أشهر قليلة.
ومع ذلك، يتابع الكاتب، يجب على القادة الأفارقة بذل المزيد من الجهد للحد من هيمنة اللغات الاستعمارية بأفريقيا في أفق إنهاء هذه الهيمنة، إذ "يمكن أن يساعد ترسيخ اللغة السواحلية لغة عابرة للحدود الوطنية في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في شفاء أرواحنا الملطخة واستعادة كرامتنا".

لغة غارقة في التاريخ
واللغة السواحلية، التي نشأت في شرق أفريقيا، غارقة في التاريخ وتتشابه مع مجموعة من لغات "البانتو" (غرب ووسط أفريقيا على امتداد أراضي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى) مثل شيشونا وإيزولو وأوشيوامبو وإيسيكسوسا ولينجالا، على سبيل المثال لا الحصر.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن السواحلية يتحدثها أكثر من 200 مليون منتشرين في أكثر من 14 دولة: تنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال وموزمبيق وملاوي وزامبيا وجزر القمر، وبدرجة قليلة في عُمان واليمن في الشرق الأوسط.

تخطط جامعة كيب تاون لتدريس اللغة السواحلية لغة اختيارية اعتبارا من عام 2023، وجعلها مادة رئيسية بدءا من عام 2028. وبالمثل، من المقرر أن تبدأ جامعة أديس أبابا تدريس اللغة السواحلية بالشراكة مع جامعة دار السلام.
ويمكن لسياسة تعليم اللغة السواحلية في المدارس والجامعات الأفريقية أن تساعد في تشجيع حرية تنقل الناس في القارة وتعزيز التكامل الاجتماعي والاقتصادي، فمن شأن ذلك أن يخلق سوقا من 1.1 مليار شخص ويغير قواعد اللعبة في صناعة الإعلام والسينما والتلفزيون، وهو احتمال تجاري محير يمكن أن يساعد المبدعين في سرد ​​عدد كبير من القصص الأفريقية التاريخية والمعاصرة المهملة، بحسب الكاتب.

كما يمكن أن يؤدي استخدام اللغة السواحلية على نطاق واسع إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والمساعدة في التخفيف من عواقب الاستعمار في الغرب.

ويضيف الكاتب أنه إذا اتبعت المزيد من البلدان خطى أوغندا وجعلت السواحلية لغة رسمية، فيمكنها تشجيع المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء أفريقيا على إيلاء نفس القدر من الاهتمام لهذه اللغة الأصلية كما تفعل مع اللغات الأوروبية.

ونتيجة لذلك، يختم الكاتب، "يمكن لأجيالنا الشابة أخيرا أن تتواصل اجتماعيا باستخدام لغة أفريقية أصلية.. هذه هي أفريقيا، ونحن أفارقة. لقد حان الوقت لبدء الحديث مع بعضنا البعض باستخدام لغة أفريقية".
اجمالي القراءات 463
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق