15- روميو وجولييت ـ خالد ورملة

في الإثنين ٢٥ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

( وفيات 82

خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

كان من رجالات قريش والمعدودين من كبرائهم سخاء وفصاحة وعقلًا‏.‏

وكان قد شغل نفسه بعمل الكيمياء فضاع زمانه.. ‏.‏

أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد العلاف قال‏:‏ حدثنا عبد الملك بن بشران قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال‏:‏ حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال‏:‏ حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم‏.‏ وكان عظيم القدر عند عبد الملك فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقًا شديدًا ووقعت بقلبه وقوعًا متمكنًا‏.‏ فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه فوقع بقلب عبد الملك تهمه فبعث إليه يسأله عن أمره فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله والسلو على قلبي فامتنع منه فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال‏:‏ ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك فقال‏:‏ وإني لأشد تعجبًا من تعجبك مني ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس‏:‏ الشعراء والأعراب‏.‏ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل فمال طمعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين‏.‏ وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها ولا يشغله شيء عنه فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم‏.‏ وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه‏.‏ فتبسم عبد الملك وقال‏:‏ أو كل هذا قد بلغ بك فقال‏:‏ والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد فذكروا لها ذلك فقالت‏:‏ لا والله أو يطلق نساءه فطلق امرأتين كانتا عنده إحداهما من قريش والأخرى من الأزد وظعن بها إلى الشام‏.‏ ......

وكان الحجاج قد بعث إلى خالد‏:‏ ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني فكيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفائك وهم الذين نازعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة‏.‏ فقال لرسوله‏:‏ ارجع فقل له‏:‏ ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أؤامرك في خطبة النساء وأما قولك‏:‏ نازعوا أباك وشهدوا عليه بالقبيح فإنها قريش تتقارع فإذا أقر الله الحق مقره تعاطفوا وتراحموا‏.‏ وأما قولك‏:‏ ليسوا لك بأكفاء‏.‏ فقبحك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش أيكون العوام كفوءًا لعبد المطلب بن هاشم حتى يتزوج صفية ويتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ولا تراهم أكفاء لأبي سفيان‏.‏

ولما قدم الحجاج على عبد الملك مر بخالد فقال له رجل‏:‏ من هذا فقال خالد كالمستهزئ به‏:‏ هذا عمرو بن العاص فرجع الحجاج إليه فقال‏:‏ ما أنا بعمرو بن العاص ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل من قريش ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا‏.‏ )

 التعليق

بسبب  التوريث  ـ أنجانا الله تعالى من شره ـ حدثت فى عهد يزيد بن معاوية فظائع ثلاث: مذبحة كربلاء ، واستحلال المدينة و انتهاك حرمة الكعبة. جاءت هذه المآسى متتابعة بسبب إقامة أول حكم وراثى فى تاريخ المسلمين. عهد معاوية ليزيد بالخلافة وضمن له ولاء الجند فثارالحسين فقتلوه مع اسرته فى كربلاء، ورجع الى المدينة من تبقى من نساء الحسين وآله وصغاره ومنهم على زين العابدين، يقود الموكب الحزين زينب بنت على أخت الحسين ومعها رأس الحسين الذى دفنوه فى البقيع. ( يعنى لا صلة للحسين بمشهد الحسين فى القاهرة الذى بنى بعد مقتل الحسين بنحو 250 عاما ) لم يستطع أحرار المدينة رؤية ما حدث فثاروا على الأمويين فارسل لهم يزيد بجيش هزمهم فى موقعة الحرة  واستباح المدينة قتلا و سلبا ونهبا واغتصابا. انتهز الفرصة عبد الله بن الزبير فأعلن نفسه خليفة فى مكة وسمى نفسه العائذ بالحرم. مات يزيد بن معاوية فتفرق شمل الأمويين وعلا شأن عبد الله بن الزبير فانضم له جزء من العراق ومصر و جزء من الشام نفسها. انتهى الأمر باعادة الصف الأموى تحت قيادة مروان بن الحكم وانتقال الحكم من فرع أبى سفيان الى فرع العاص من البيت الأموى. ثم توطد الحكم الأموى بقيادة عبد الملك بن مروان و قسوة الحجاج بن يوسف الذى حاصر الكعبة والحرم و قتل عبد الله بن الزبير وصلبه. وذهب الى العراق فأخضعه للأمويين. وبفضل الحجاج تأكد السلطة للفرع المروانى  على حساب ذرية معاوية وزعيمهم خالد بن يزيد بن معاوية.

من هذه الأرضية التاريخية نفهم مغزى تلك الرواية ، وهى تدور حول شيئين متلازمين: عشق خالد بن يزيد بن معاوية لرملة بنت الزبير أخت عبد الله بن الزبير. وزواجه منها برغم الخصومة الدائمة بين الأسرتين ، و معارضة الحجاج لتلك العلاقة و العداء الكامن بين الحجاج وخالد.

يلفت النظر شيئان فى الحوار بين خالد والحجاج. فالحجاج يتصرف كأنه ولى أمر خالد يحتج لماذا لم يشاوره فى خطبته لرملة بنت الزبير، و أن آل الزبير ليسوا أكفاء لبنى أمية ، وهم أعداء لهم. ويرد خالد باحتقار ضمنى للحجاج مستغربا أن يضع نفسه فوق خالد ، وأن الهاشميين قد أصهروا لبنى العوام ومنهم النبى محمد عليه السلام ، ثم أنهم جميعا قرشيون ـ أعلى العرب مكانة ، والقرشيون يتقاتلون سياسيا ولكن يتعاطفون اجتماعيا. والعرب أتباع لهم.  وفى موقف آخر رد الحجاج على سخرية خالد به قائلا : (ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا) الحجاج هنا لم يهاجم كل الأمويين ، اقتصر هجومه على الفرع ا

لسفيانى فقط. وهذه من أصول الدهاء.