حكاية مرفت و ولاء

في الأربعاء ٢٠ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

مرفت فتاة مصرية سكندرية ، جميلة هادئة في عقدها الثالث لم تبلغ من العمر بعد الثالثة والعشرين ، وهي لأسرة مسيحية متوسطة الحال أقرب للفقيرة منها للغنية ، ولكنها أسرة متدينة تسكن بجوار كنيسة السيدة العذراء ،شقيقها ماجد يعمل سائق لسيارة أجرة يمتلكها بعد أن أتم تعليمه الفني اشتراها له والده لتأمين دخلة و تحسين دخل الأسرة كلها.
ولاء شاب مصري سكندري ضابط بالقوات البحرية بالاسكندرية ، وسيم نشيط وفي عقده الثالث أيضا تخطى عامه السابع والعشرين بقليل برتبة نقيب ، لأسرة مسلمة متوسطة الحال أقرب للغنية منها للفقيرة ، والده كان يعمل ضابط بالقوات المسلحة دفع حياته ثمن كرامة بلده في حرب اكتوبر ، ووالدته سيدة منزل يمتلك سيارة هوندا شارد ، محبوب بين أقرانه ومن رؤساءه.
الصدفة وحدها جمعت بينهما في عيد ميلاد إيفون شقيقة ميلاد صديق ولاء ، وهي في نفس الوقت صديقة مرفت ومستودع أسرارها ، أحبها من أول نظرة ووقع في غرامها ، كما دخل حبه في قلبها الذي بدأ إعجابا وترعرعت زهرة حبهما يوما بعد يوم وميعاد بعد ميعاد ، سرحا بخيالهما بعيدا قرر أن يتزوجها متخطيا كل الحدود وجميع العقبات ، ولا عبرة لديه لدينها فقد أحبها وهي مسيحية ويرغب في الزواج منها مسيحية كما هي ، ووقعت في غرامه مسلم وتقبلت فكرة الزواج منه وهو مسلم كما هو ، ولكي تصل علاقة الحب بينهما لمرفأ الزواج ، اتصل ولاء بوالد مرفت وحدد موعد للقاءه في منزله ، حاول ولاء إقناع والدته بشتى الطرق ولكنها رفضت رفضا قاطعا ، فقال لها ’لا أحب أن أعصي لكي أمرا ولكن دون حبي لمرفت الموت ، وسأذهب لوالدها حتى لو أضطررت أن أذهب لوحدي’ وغذاء إصراره العنيد وافقت الأم على الذهاب مع إبنها لمنزل مرفت ، وهناك كانت الطامة الكبرى ، حيث أرعد وأزبد والدها ، وحذره من معاودة لقاء ابنته أو حتى مجرد المحاولة ، وإلا فإن الويل والثبور وعظائم الأمور ليس أشدها مستقبله الذي سيضيع بل وحياته التي سوف تتعرض لخطر حقيقي ، وقال له كم أنت محظوظ أن معك والدتك المسنة ولو كنت بمفردك لكان الرد بالقول والفعل وأنهى معه اللقاء وأعطاه جميع ما أحضر معه من ورد وهدايا.
إتخذت أسرة مرفت جميع التدابير لمنع إستمرار هذه العلاقة ، فمن اليوم لا خروج من المنزل مطلقا إلا للمشغل الذي تعمل فيه وبصحبة أخيها سائق السيارة الأجرة الذي ينتظرها حتى تعود معه ، كما تم استباق الأحداث بكتابة شكوى لقائد البحرية التي يعمل فيها ولاء بأن الأخير يغرر بابنتهم ويتعرض لها ويطلبون منعه من ذلك وأخذ التعهد عليه وإلا يتم نقله لمنع الكارثة من الحدوث – من وجهة نظرهم طبعا – وقد تكلم قائد ولاء معه وحذره من الاستمرار في هذا الطريق والذي قد يقضي فعلا على مستقبله ، كما قررت الأسرة سرعة البحث عن شاب مسيحي ليتزوجها يستشيرون في ذلك الأب راعي الكنيسة وكل الأصدقاء.
ولكن الحب الذي ولد بينهما بدأ يأن تحت وطئة المنع والحجب والتقييد ثم تحول أنينه لبكاء وصار البكاء نحيب فصياح فصراخ يحطم كل القيود ، وبواسطة إيفون وضع ولاء خطة لمرفت لكي تهرب من رقابة أخيها وليقابلها ، وتم لقاء تبعه لقاء لكل ذلك مرة في بيت إيفون ومرة في المشغل الذي تعمل فيه ، وبدأ الحبيبان يتدارسا أين المهرب ، وهنا فاجأت مرفت ولاء برغبتها في تغيير دينها ، وأن ذلك هو المخرج الوحيد لأزمتهما ، زحلا لقضيتهما وعندها سيتمكنان من الفرار والزواج ويضعان العائلة أمام الأمر الواقع ، وأتفقا على الزمان والمكان ، الثلاثاء القادم سوف تطلب وإيفون ولاء بالتليفون للحضور لمنزلها لأمر هام في الساعة السادسة مساءا ، بيت إيفون قريب من محطة مصطفى كامل العسكرية القريبة من نادي الضباط على البحر وسينتظر ولاء هناك بعدما تدخل مرفت شقة إيفون تقوم بتغيير ملابسها ، وترتدي حجاب معد لذلك وتخرج مع إيفون وشقيقها وتركب سيارة أجرة للمكان الذي ينتظر فيه ولاء بسيارته على كورنيش البحر ، وتذهب معه حتى يتدبران أمرهما وتترك مرفت رسالة لوالها تخبره فيها بقرارها وما تعتزم أن تفعله ، وسارت الخطة كما هو مرسوم لها إلا خطأ واحد وهو إكتشاف شقيق مرفت للخطة بعد ركوبها السيارة الأجرة لأنه شاهد إيفون وشقيقها ميلاد ، وركب سيارته وسار مسعرا خلف شقيقته ، والتي وصلت قبله بخطوات لحبيب قلبها ولاء ، وركبت سيارته مسرعة وتمت مطاردة مثيرة في شوارع الاسكندرية ، وتمكن ولاء في النهاية من الهروب من شقيق مرفت ، ولكن باقي الخطة تعثر ولا يدريان ماذا يفعلان ، وأمام أول يافطة لمحامي توقف بسيارته ونزلا منها دونما يدريان وتوجها لذلك المحامي الاستاذ قاسم إبراهيم المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة.
جلس الحبيبان يحكيان قصتهما للمحامي ، والذي تأثر بها جدا وقال إن حل إسلام مرفت حل جيد ، ولكن على مرفت بعد ذلك أن تتعلم جيدا في الدين أو تعود لدينها الأصلي بدون تسجيل العودة حتى لا تحدث مشاكل كثيرة من ذلك ، وقال لهما أرى أن المهم عندكما هو الزواج والارتباط ، والمكتوب على الورق لا يعني أنه الحقيقة ، وقد وافقت مرفت على إشهار إسلامها عند المحامي وقد حرر المحامي شهادة بذلك من مكتبه بعدما أشهد عليها بواب العمارة ووكيل المحامي الذي يعمل لديه ، ثم عقد لهما بعقد زواج عرفي ، وكتب لهما طلب لتقديمه للنيابة بتمكينهما من عقد زواجهما ، وطلب منهما الوتجه لقسم الشرطة التابع له منزل الفتاه وتقديم طلب لمأمور القسم بحمايتهما ، وقال لهما المواجهة قد تحدث ألما ولكن بعد زوال الألم يبقى الحل وتستمر الحياة ، أما عدم المواجهة ففيه خطر على كليهما ، وقد استمعا لنصيحة هذا المحامي والذي قرر ألا يذهب معهما للقسم مفضلا أن يتم إستدعائه من مأمور القسم أو رئيس المباحث بناء على طلب العروسان.
توجه ولاء ومرفت لقسم شرطة محرم بك ، وبمجرد دخولهما من باب القسم شاهدا والد مرفت والأب مرقص يقدمان بلاغا ضد ولاء بسرقة مرفت ، وهنا بدأ الصياح والصراخ ومحاولات التعدي على مرفت و ولاء ، وتدخلت قوة الشرطة في القسم لتهدئة الجميع وقام رئيس المباحث بأخذ الجميع لغرفته ، رفض ولاء حضور الشرطة العسكرية ، ولكن مأمور القسم صمم على إستدعاء الشرطة العسكرية وكذلك إخطار النيابة العسكرية ، وبدأ التحقيق في غرفة رئيس المباحث ، وأستمع الضابط للجميع ، ثم سمح أن تنفرد والدة مرفت ووالها بها على شرط عدم الاعتداء عليها بالضرب ، خاصة وقد أصبحت زوجة رجل آخر ، ولكن الوالدان لم يلتزما بالشرط ، ولما على صياح البنت تدخل ضباط الشرطة لتستكمل مناقشة الأم والأب للبنت في حضور ضابط شرطة.
وفي هذه الأثناء بدأت تجمعات كثيرة من المسيحيين تتوافد على قسم الشرطة ، وكذلك تسرب الخبر بمبالغاته لبعض القهاوي ، وبدأ بعض المسلمين في التجمع أيضا لاسيما بعض أقارب وأصدقاء ولاء ، وكادت تحدث بعض المشاجرات والمشاحنات لولا تدخل الشرطة وقد طلب المأمور إستدعاء قوات إضافية من الأمن المركزي.
حدث ما توقعة الأستاذ / قاسم المحامي ، فقد إتصل به مأمور القسم يستدعيه للحضور لأخذ شهادته ، وقد ذهب المحامي للقسم ووجد أن المأمور قد سمح للأب مرقص راعي الكنيسة بالانفراد بمرفت والتحدث معها لعله يقنعها بالعدول عن قرار الإسلام ، وتخل المحامي طالبا إنهاء هذه الجلسة معلنا أن موكلته قد أسلمت بمحض إرادتها وهي حرة في ذلك وطلب من المأمور التصرف في المحضر بشكل قانوني وعرض الموضوع برمته على النيابة خاصة أنن لديه بلاغ من الوالدان بإختطاف إبنتهما وبلاغ من ولاء ضدهما بأنهما يهددانه ويطلبان تفريقه عن زوجته التي تزوجها بعقد شرعي ، ونفذ المأمور نصيحة المحامي وتم إرسال الجميع والمحاضر للنيابة العامة وكان قد تجمع عدد غفير يقدر باأكثر من ألفي شخص أمام سراي النيابة العامة ، وبعد أن استمع وكيل النيابة للجميع أصدر قراره ، باحتجاز العروسان في القسم حتى الصباح لحمايتهما من الاعتداء على أن يمكنا من تسجيل عقد زواجهما بالشهر العقاري ، ويقيد المحضر برقم إداري ويرسل للنيابة المختصة.
وهنا تفتق زهن ضابط المباحث عن حيلة زكية ، بأن اختار فردين من الأمن المركزي في نفس حجم مرفت و ولاء ، وغطاهما ببطانية ميري ، ونزل بهما لسيارة الأمن المركزي أمام الجميع وقد إختلط صياح المسلمين بصياح المسيحيين وتبع الجميع سيارة الشرطة ، ونزل العروسان لبيات ليلتهما الأولى في قسم شرطة المنشية بدلا من قسم شرطة محرم بك حفاظ على حياتهما ، وفي الصباح توجها مع محاميهما للشهر العقاري وقامت مرفت بتسجيل إشهار إسلامها ، كما قاما بتسجيل عقد زواجهما ، وبدأ شهر العسل وإستأجر ولاء شقة لإقامته مع مرفت ، ولكن بعد ثلاث شهور من زواجهما إختفت مرفت فجأة ، وقد بحث عنها ولاء كثيرا ولم يعثر عليها ، ثم إتصلت به إيفون لتخبره أن مرفت في وادي النطرون وتنصحه بنسيانها وعدم البحث عنها ، إتصل ولاء بوالد مرفت الذي أغلق التليفون في وجهة ، توجه ولاء مع مجموعة من أصدقائه لمنزل والد مرفت ، ودارت رحى خناقة حامية بين الجانبين أنتهت في قسم الشرطة ، بعدها قامت إدارة القوات البحرية بنقل ولاء للبحر الأحمر.
وفي هذه الأثناء وفي دير الأنبا مقار بوادي النطرون بدأت مرفت تظهر انتهاء حبها لولاء وعودتها لرسشدها ولدينها وتبدي ندمها واستغفارها على ما كان منها وبعد أكثر من شهرين بالدير تأكد الجميع من سلامة عقل مرفت وعودتها لرشدها وتقرر إعادتها لبيت أبيها ، مع إتخاذ الأجراءات القانونية لوعدتها مسيحية ولطلاقها من ولاء ، ووافقت على توكيل محامي الكنيسة للقيام بالأجراءات القانونية ، وعادت مرفت لبيت أبيها ، ولكن بمجرد نزولها من السيارة أمام منزل والها أنتهزت فرصة صغيرة بإنشغالهم عنها وأستقلت سيارة أجرة مرة أخرى وهربت تبحث عن ولاء ، وقد تمكنت من العثور على زوجها وهربت معه خارج الاسكندرية ، وبعد ثلاث سنوات من هروبهما شاهدتهما ومعهما بوسي طفلتهما التي لم تبلغ العامين بعد ، وكانا سعداء بعدما تقبلت أسرة مرفت الوضع وأنتصر الحب الصادق على جميع العادات والتقاليد البالية ، ويالها من قصة وأظن أن بوسي الآن في العشرينات من عمرها فقد دارت أحداث هذه القصة الحقيقية في مدينة الاسكندرية في ربيع سنة 1986 ، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أحلم بمصر تعلي قيمة المواطنة ، لافرق فيها بين مسلم ومسيحي ولا قيمة لعقيدة الشخص في تقيمه والحكم عليه ، ولكن مازال الأمل موجود طالما وجد الحب في هذا العالم ، ولعلنا جميعا نصرخ لاعنين التعصب و الأرهاب ، فهل يا ترى سنعيش لنرى مصر متسامحة تعلي قيمة المواطنة وتستمع لنداء الحب بعيدا عن التعصب والأرهاب؟ ربما
شريف هادي