هل قتل محبوبته لأن حبها شغله عن تدبير مملكته ؟
عضد الدولة البويهى (2)

في الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة

بعد مقتل المتوكل (847-861 م) بدأت قوة الدولة العباسية تتراجع، حتى وقع الخلفاء العباسيون تحت سيطرة  بنى بويه (945-1055 م) وهم سلالة عسكرية فارسية تدين بالتشيع ، حكموا غرب إيران والعراق . ينحدر بنو بويه من أعالي جبال الديلم و يزعمون انتسابهم الى ملوك الفرس الساسانية . أبوهم الأكبر هو أبو شجاع بويه، والذي كان قائدا فى عهد الدولتين السامانية ثم الزيارية. ثم استطاع ثلاثة من أبنائه الاستيلاء على السلطة في العراق وفارس. خلع عليهم الخليفة العباسي ألقاب السلطنة. أشهر ملوكهم  هو عضد الدولة المتوفى عام 372  هجرية/ 983 م ،وهو الذي استطاع أن يتملك دولة  شملت كل العراق المعروف اليوم ومناطق أخرى.ونعرض له فى مقال بجزئين . نشرنا الجزء الأول ، وننشر هنا الجزء الآخر، وفيه نحلل الملامح الأساسية لحكم عضد الدولة وشخصيته ومن خلال الترجمة التى أوردها له ابن الجوزى ( المنتظم : 14 / 290 : 296 ) فى عام وفاته 372.   

 أوّلا  : تفرّد عضد الدولةبين عصره وعصرنا :

 1 ـ ورث عضد الدولة الحكم بعد أبيه ركن الدولة ، ولكنه اشتهر أكثر من أبيه وملوك أسرته وتفوّق عليهم ، فهو ـ على رأى المؤرخ ابن الجوزى ـ أول من خوطب في الإسلام بالملك شاهنشاه، أى ملك الملوك على العادة الفارسية ،  وكان دخوله إلى بغداد في ربيع الأول سنة سبع وستين وثلثمائة ، وخرج الخليفة العباسى الطائع إليهمتلقيًا له يستقبله بنفسه ولم يتلق سواه . ودخل المعتضد إلى الطائع فزاد فى تكريمه ، وولاّه السيطرة والحكم ،وأمر أنيخطب له على المنابر ببغداد ولم تجر بذلك عادة لغير الخليفة ، وأذن له في ضرب الطبلعلى بابه في أوقات الصلوات .

2 ـ ولكن تفرّد عضد الدولة الحقيقى يبدو فى شخصيته الفريدة ، فقد جمع عضد الدولة بين صفات يندر تجمعها فى ملك وارث للحكم عن أبيه،فقد كان مهابا حازما شديد الفتك بالمجرمين متحرزا يقظا .ومع ذلك كان مثقفا شاعرا كريمامهتما بالاصلاح والتعمير ورعاية الفقراء والمرضى حريصا على حقن دماء الناس فى الطرقات والشوارع وفى رحلات الحج . ونعطى بعض التفصيلات :

ثانيا : عضد الدولة رجل الأمن الناجح :

1 ـ المستبد العربى يبرر أستمراره فى الحكم بالحفاظ على الأمن والاستقرار،رافعا شعار(إمّا أنا أو الفوضى ). والواقع إنه يبدأ بتحقيق أمنه هو وعصابته أو ما يسمّى بالأمن السياسى فيطغى الأمن السياسى فى عمل الشرطة على حساب الأمن الجنائى ،أوأمن المواطن والشعب.   ثم يتطور الأمر فيصبح البوليس السياسى والجنائى معا منهمكين فى الفساد ، ثم يصبحون محترفى إجرام وقتل حقيقى ، ثم ينتهى الأمر بتكوين ميليشيات وعصابات إجرامية ومنظمات ارهابية تشارك الأمن السياسى فى أعماله القذرة ، وينحصر الفارق بين ضابط الشرطة والمجرم العادى فى الزى والرتبة ودرجة الاجرام .

فى مصر تصاعدت الاتهامات للعادلى وزير خارجية مبارك لتصل الى القيام بأعمال ارهابية مثل تدمير كنيسة القديسين فى الاسكندرية ، وقد اتهمناه وقتها بأنه الفاعل ، وظهر بعدئذ صدق اتهامنا ، واتضحت مسئوليته مع ابن مبارك عن تفجيرات سيناء كيدا فى حسين سالم وتصفية لحسابات بينهما فى تصدير الغاز لاسرائيل . وارتكب العادلى جريمة قتل أسرة فى الصعيد للحصول على أعضائها فيما يعرف بتجارة الأعضاء واتضح مشاركته لمافيا من هذا النوع ، وكان ضحاياها من الأبرياء ، منهم مصريون يموتون ولا يحس بهم أحد ، أو أفارقة وسودانيون يحاولون الهجرة الى اسرائيل عن طريق سيناء فتنتهى أجسادهم الى التقطيع والبيع بالتجزئة. حبيب العادلى المسئول وقتها عن الأمن فى نظام مبارك هو أخسّ وأحقر مجرم. بهذا ينتهى كل مستبد الى مجرم عتيد مؤاخذ بجرائم ضد الانسانية . حسنى مبارك لا يختلف عن صدام وشاوشيسكو وبونشيية والقذافى وبن على و بقية فئران الاستبداد العربى . يرفعون راية الأمن وتحت لوائها ينشرون الرعب والقتل الجماعى .

إختلف الحال مع الملك عضد الدولة.وقد رأينا حرصه فى المقال السابق على دم واعظ اسمه ابن سمعون ، حتى لقد استدعاه ليسمع منه بنفسه ، وكان ممكنا وفق ثقافة الاستبداد الماضى والمعاصر أن يأمر بقتله ، ورأينا صاحب شرطة الملك عضد الدولة رفيقا يقظ الضمير .. أى نحن أمام فارق هائل بين مبارك والعادلى من ناحية وعضد الدولة وصاحب شرطته من ناحية أخرى. ونعطى بعض التفاصيل ..

2 ـ   دخل عضد الدولة بغداد فوجدها فى أسوأ حال ، فقد استولى الخراب عليها وعلى المناطق الريفية الزراعية المحيطة بها بسبب قطع عربان بنى شيبان  الطرق وتبعتهم عصابات المفسدين تعبث فى طرقات بغداد نفسها ، فأسس سلطة الأمن وقام بالتعمير معا .

2/ 1 : بعث عضد الدولة جيشا هزم أعراب بني شيبان وأسر منهم ثماني مائة رجل. وقام بمحاولة رائدة لتسكين البدو فى مناطق حضرية بعيدة عن الصحراء ليتحولوا من السلب والنهب والفساد الى البناء والعمران ، فنقل عشائر من البادية قومًافاسكنهم بين فارس وكرمان فزرعوا وعمروا البرية .

هنا يختلف عضد الدولة مع صدّام حسين الذى قام يتغيير ديموجرافية العراق بإعادة توزيع سكانه طبقا لتعصبه للسنيين العرب ضد بقية سكان العراق من الشيعة والأكراد والمسيحيين، فأسكن العرب فى مناطق النفط التى يملكها غير العرب ، بينما انهالت قنابله بالغازات السامة على قرى الأكراد فى حلبجة وتابع بطولاته ضدهم فى موقعة ( الأنفال ).

2/ 2 : ومنع عضد الدولة السخرة ، وكانت منتشرة معتادة فى العصور الوسطى ، يقول ابن الجوزى: (ومنع أن يعمل في الآلة وآثر آثار من الظلم . )

2/ 3 :وبينما تفنن اعوان صدام وأعوان مبارك وغيرهم فى الظلم لأفراد الشعب فإن عضد الدولة كان شديدا فى ردع الظالمين وخصوصا أتباعه لو إستغل أحدهم وضعه ، عندها كان يستعمل معهم ما يعرف بالقوانين العرفية ، أوعلى حدّ قول المؤرخ ابن الجوزى:( فلو لطم إنسان إنسانًا قابله أشد مقابلة فانكف الناس عنالتظالم ، . وكان يقتلويهلك ظنًا منه أن ذلك سياسة فيخرج بذلك الفعل عن مقتضى الشريعة ) ويستشهد بأن غلاما من أتباعه أخذ ( بطيخًا من رجل غصبًافضربه بسيف فقطعه نصفين‏.‏). لو كان حسنى مبارك مكان عضد الدولة لقسم البطيخ بينه وبين السارق نصفين مقابل تعيين السارق وزيرا للبطيخ .!!.

2/4 : وكان لعضد الدولة جهاز مخابرات قوى يعتمد وقتها على نظام البريد الذى يأتى له بالأخبار فى سرعة قياسية ، ولم يكتف بذلك فقد كان يقرأ التاريخ ، يقول ابن الجوزى : ( وكان يبحث عن أشراف الملوك وينقب عن سرائرهم)، وقال عن نظام البريد لديه:( فإذا ترحلالنهار سأل عن الأخبار الواردة ، فإن تأخرت عن وقتها قامت عليه القيامة وسأل عن سببالتعويق فإن كان من غير عذر أنزل البلاء عليهم حتى أن بعضهم يعوق بمقدار ما تغدى، وكانت الأخبار تصل من شيراز إلى بغداد في سبعة أيام وتحمل معهم الفواكهة الطرية ).. (وكانت أخبار الدنيا عنده حتى لو تكلمإنسان بمصر رقى إليه ، حتى أن رجلًا بمصر ذكره بكلمة فاحتال حتى جاء به ووبخه عليهاثم رده ، فكان الناس يحترزون في كلامهم وأفعالهم من نسائهم وغلمانهم).  أى بخلاف الجهاز الأمنى للمستبد العربى الراهن الذى يفتش على عورات الناس ويقوم بالمهمات القذرة من القتل والسلب والنهب والتلفيق لأبرياء فإن مخابرات عضد الدولة كانت تتبع أعداءه داخل وخارج العراق ولكن للتحذير ودون قتل .

ثالثا : عضد الدولة : رجل التعميروالاصلاح

1 ـ: ومع عمله فى استقرار الأمن إهتم بالتعمير،فأصلح السدود المنهارة فى منطقة السهلية وغيرها ،وأمرالأغنياء بعمارة الخرائب وانشاء حدائق فيها ،وكان منها قصر الوزير الأسبق المشهور إبن مقلة الذى أصبح تلاّ من الخرائب فتحول الى بساتين ومنتزهات ، وكانت هناك حقول تحولت الى بور بسبب الاهمال بلغت ألفا وسبعمائةجريب فأستصلحها ، كما أمر بحفر الأنهار التي دثرت وعمل عليها سواقى وأرحاء ترفع الماء . وكان ينقل إلى بلاده فارس والديلم ما يوجد بالعراق منالأصناف. وعمل الجسر وبنى القنطرتينالعتيقة والجديدة على الصراة فتمت الجديدة بعد وفاته.

2 ـ بالاضافة للتعمير إمتدّ فضله الى خارج العراق ، إذ رفع الجباية عن الحجّاج وأقام لهم الاستراحات في الطريق وحفرلهم العيون والآبار على طول الطريق من العراق الى عمق الصحراء . وكان من المعتاد ان يهجم أعراب نجد على قوافل الحجاج الآتية من العراق والشام ،كما كانوا يقومون بالاغارة على مكة والمدينة وكان متبعا إرسال حماية عسكرية لتأمين سلامة الحجاج ، مع حصر أداء فريضة الحج خلال موسم الافتتاح فقط ، والتزم بهذا عضد الدولة الذى ( أدار السورعلىالمدينة لحمايتها من غارات الأعراب ) على قول المؤرخ ابن الجوزى.

رابعا : ثروته وكرمه:

1 ـ الى عهد  قريب لم تكن فى دول الخليج دساتير وفوارق بين خزينة الدولة وجيب الأمير أو الملك . ولا تزال آثار ذلك موجودة حتى الآن بطريقة أو أخرى، بل حتى فى مصر المشهورة ببيروقراطيتها العتيدة . فقد كان مبارك فى أول حكمه يعظ الناس بالزهد فى الدنيا والكفن الذى بلا جيوب ، ثم إتضح إنه وضع مصر كلها فى جيبه،ومن آخر ماوصل من أنباء حسبما نشرته مجلة روز اليوسف المصرية من أنّ:(مبارك ورجاله هرّبوا 46 مليار دولار خلال 5 سنوات)، فماذا عن سرقاته فى بقية الثلاثين عاما من حكمه ؟ ...عليه العوض .!!

عموما فقد كان  سائدا فى العصور الوسطى الخلط بين مال الدولة ومال الحاكم المستبد ، وهى نفس نظرة المستبد سواء كان سعوديا أو مصريا أو عراقيا ، ولكن تفوق مبارك على الجميع فقد كان يسرق الكحل من العين بمهارة لا تعدلها سوى الجرأة التى كان يسرق بها بنوك مصر وبترول مصر ومناجم أبى طرطور ومناجم الذهب،ثم لا يتعفف عن التسول من حكام وأمراء الخليج.! ونعود الى قضية بيت المال أو خزينة الدولة ومال الحاكم ، ونقول هذا مع أن مصر فى أغلب تاريخها الطويل وباعتبارها أقدم دولة ـ فقد كان لها نظمها المالية وضرائبها وأوجه الانفاق والتحصيل ، خصوصا فى العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية . ولكن لم يكن الأمر بهذه الدقة فى العراق والشام وقتها  بسبب كثرة الفتن وعدم الاستقرار. وبالتالى كان الخليفة أو الوالى فى العصر الأموى والعصر العباسى الأول يعطى من بيت المال ألوف الدنانير لهذا الشاعر أو ذاك مقابل قصائد مدح ونفاق ساقط ، فقد كان هذا الخليفة الآثم هو المالك لبيت المال دون رقيب أو حسيب . ولا ننسى إستثناءات بسيطة تتجلى فى عمر بن عبد العزيز ( الأموى ) و المهتدى (العباسى) الذى كان يتشبه به .

ولكن عضد الدولة قد تفرد هنا بطريقة تحثنا على التحسر على حالنا مع المستبد العربى ،إذ نلحظ نوعا من التمييز بين أموال عضد الدولة وأموال الدولة ،أو ما كان يعرف ببيت المال .

2 ـ ومن هنا فحين نتحدث عن كرم عضد الدولة فالأرجح أنه كان يعطى من ماله الخاص وضياعه التى كان يملكها ، وليس من بيت المال أو خزينة الدولة بدليل أنه كان يوقف من أملاكه، والوقف عادة لا يكون إلا من الممتلكات الخاصة. أى كان عضد الدولة ينفق من بيت المال فى التعمير والاستصلاح ، وكان يتصدّق من ماله الشخصى . وهكذا ، فبينما نجد مستبد عصرنا البائس يسرق أموال الدولة لنفسه فقد كان عضد الدولة ينمّى موارد الدولة ويتصدق من ماله الخاص.!.

3 ـ يقول ابن الجوزى إن عضد الدولة (اشتهر بالصدقات وربما تصدّق بثلاثين ألفًا وتصدّق مرة بثلاثين بدرة )، وخارج العراق وصلت صدقاته الى الحجاز فأرسل الأموال (لأهل الحرمين ورد رسومهم القديمة،وكسا المساجد وأطلق مرتبات للمؤذنينوالقراء فى المساجد ) على حدّ قول ابن الجوزى. ولم يكتف بالصدقات المالية فأنشأ المستشفيات أو(المارستانات). وكان هناك مشروع مستشفى ضخم فى بغداد بدأ فيه ( أمير الأمراء بجكم ) ومات قتلا قبل إتمامه فأتمّه عضد الدولة ، يقول ابن الجوزى:( وجلب إليه ما يصلح لكل فن ). (وعمل بين يديه سوقًاللبزازين ووقف عليه وقوفًا كثيرة وعمل له أرحاء بالزبيدية من نهر عيسى ووقفها عليه.) أى كان يوقف من ضياعه ما ينفق به على هذا السوق وتلك الساقية التى تزود الناس بالماء .ووصل كرمه الى الطلبة و(العلماء)، يقول ابن الجوزى : (وكان يحب العلم والعلماء ويجري الرسوم للفقهاء والأدباء والقراءفرغب الناس في العلم ).

4 ـ ومع كرمه فقد كان يحاسب موظفيه بالدرهم . يقول ابن الجوزى عن ثروته وحرصه على تنمية ماله بالحلال وحرصه على محاسبة موظفيه مع جوده وكرمه:(وكان قد طلب حسان دخله في السنة فإذا هو ثلثمائة ألف ألف وعشرين ألفألف درهم فقال‏:‏ أريد أن أبلغ إلى ثلثمائة وستين ألف ألف درهم ليكون دخلنا في كليوم ألف ألف درهم. وفي رواية أنه كان يرتفع له كل عام أثنان وثلاثون ألف ألف دينارومائتا ألف دينار).( وكان مع صدقاته وإيصاله ينظر في الدينار وينافس في القيراط )

 خامسا : صفاته وعاداته الشخصية   

1 ـ يقول ابن الجوزى في صفاته الشخصية : ( وكان غزير العقل شديد التيقظ كثير الفضل بعيد الهمة محبًا للفضائل مجتنبًاللرذائل ) وقال عن ذكائه : (وكانت له حيلعجيبة في التوصل إلى كشف المشكلات ، وقد ذكرت منها جملة في كتاب الأذكياء فكرهتالإعادة )،   ويقول عن جدوله اليومى (وكان يباكر دخول الحمام فإذا خرج صلى الفجر ، ودخل إليه خواصه ، فإذا ترحلالنهار سأل عن الأخبار الواردة.....  ثميتغدى والطبيب قائم وهو يسأله عن منافع الأطعمة ومضارها ، ثم ينام ، فإذا انتبه صلىالظهر ، وخرج إلى مجلس الندماء والراحة وسماع الغناء وكذلك إلى أن يمضي من الليل صدرثم يأوي إلى فراشه ، فإذا كان يوم موكب برز للأولياء فلقيهم ببشر معه هيبة . ).

2 ـ ويقول عنه مثقفا منشغلا بالقراءة : ( وكان هو يتشاغل بالعلم فوجد له في تذكرة : إذا فرغنا من حلأقليدس كله تصدقت بعشرين ألف درهم ، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدقت بخمسينألف درهم ، وكل ابن يولد لنا كما نحب أتصدق بعشرة آلاف درهم ، فإن كان من فلانة فبخمسينألف درهم ، وكل بنت فبخمسة آلاف ، فإن كان منها فبثلاثين ألفًا،  وكان يحب الشعر فمدحكثيرًا ، وكان يؤثر مجالسة الأدباء على منادمة الأمراء.) .

كان عضد الدولة يتكلم الفارسية والعربية ويقرأ بهما . وهنا نتندر على جهل المستبد العربى حيث نسعد بوجود الملك عبد الله آل سعود الذى لا يستطيع أن يقرأ سطرين باللغة العربية ، وهو مع ذلك يحصل على دكتوراهات فخرية ، تجعله عميد الأدب العربى . ولقد أعلن مبارك على الملأ كراهيته للقراءة ، وكان يتسلى بشرب الفودكا مع مشاهدة الأفلام الجنسية التى يسجلها له حبيب العادلى ، للفنانات المصريات والعربيات خصوصا ما كان منها لأمراء وحكام العرب. وحاليا تهددهم سوزان بهذه التسجيلات .أما الشاب الآخر عبد الله الهاشمى فهو يبيع مقدرات الأردنيين فى البنوك والأراضى ويؤجر الجيش الأردنى لكى ينفق على هوايته فى القمار فى أوربا وأمريكا. وبين عبد الله السعودى وعبد الله الاردنى تتعدد أوجه تزجية أوقات الفراغ لدى المستبد العربى ، ولكن تتوحد كلها أنها فى المجون والعصيان والفساد الخلقى .

سادسا : عضد الدولة شاعرا

ومن الممكن لمثقف قارىء يحب الشّعر مثل عضد الدولة أن يتصوّر نفسه شاعرا ،وأن (يمارس ) أو أن ( يحاول ) الشعر ، ومن المنتظر عندها أن يكون شعره على مستوى الهواية والتمنى ، وليس شعرا حقيقيا ، وهى ظاهرة فى شعر الفقهاء مثل ابن القيم الجوزية وفلاسفة الصوفية مثل ابن عربى ، والفقهاء المعاصرين مثل القرضاوى وقبله الشعراوى. بل مثل العقاد فى شعره الذى لا يصل الى قامته كاتبا . والى هذه النوعية المتواضعة من الشعر ينتمى شعر الملك عضد الدولة. ولقد أشار الى ذلك ابن الجوزى فقال عنه:(وقال شعرًا كثيرًا نظرت فيجميعه. فمن شعره‏:‏

يا طيب رائحة من نفحة الخيري إذا تمزق جلباب الدياجير‏.‏

كأنما رش بالماورد أو عبقت ** فيه دواخين ندّ عند تبخير‏.‏

كان أوراقه في القد أجنحة ** صفر وحمر وبيض من زنابير‏.‏

هو شعر يثاب قارئه بثواب الصبر والاحتمال .!!

سادسا : هل قتل عضد الدولة حبيبته لأنها شغلته عن تدبير مملكته ؟

1 ـ بقى أن نناقش هذه الرواية التى ساقها ابن الجوزى ، يقول عن عضد الدولة إنه قتل جارية كان يحبها لأنها شغلت قلبه عن مسئولياته: ( جارية شغلتقلبه بميله إليها عن تدبير المملكة فأمر بتغريقها ). قد يكون القتل صحيحا ،ولكنّ الأغلب أن سبب القتل سياسى وليس الحب والغرام على المعهود فى الأفلام المصرية قديما والهندية حديثا.

الروايات تؤكّد حرص عضد الدولة على حقن الدماء ، وانه لا يقتل إلا بعد التثبت . وأنه كان يبالغ فى عقوبة أتباعه إذا ظلموا. وبالتالى فلو كان فعلا قد قتل تلك الجارية فليس لمجرد أن حبه لها قد شغله عن تدبير مملكته ، فليس هذا ذنبها ، ولكن الحب ليس السبب ،فلو كان مغرما بها الى هذا الحد الذى تشغله عن تدبير مملكته لأصبحت مشهورة بين جواريه لها إسم تعرف به وليست جارية مجهولة الاسم ، ولو كان مغرما بها لنطق فيها شعرا ركيكا بنفس طريقته الشعرية . ثم لقد كان له جوارى كثيرة ، وأنجب منهم ذرية كبيرة العدد ،أى لم ينشغل بواحدة عن الباقيات ، مع جدّه ويقظته وجدوله المزدحم بالأعباء . لم يكن متفرغا للمجون شأن الخليفة العباسى فى عصره أو المستبد العربى فى عصرنا . كان عفيفا عن الدماء لا يقتل عشوائيا ولا يقتل بلا مسوغ شرعى أو سياسى متحريا العدل من وجهة نظره . وبالتالى فلو حدث فعلا أنه أغرق تلك الجارية فقد كان ذلك لتآمر خفى إكتشفه وعاقبها من أجله، ولكنه أشاع هذا السبب ليستفيد من قتلها سياسيا ودعائيا .

2 ـ يرجح هذا الافتراض ذلك الميراث الضخم من المكائد فى قصور مستبدى العصور الوسطى وعصرنا البائس، وأن المرأة كانت ولا تزال العنصر الفعّال لتلك المؤامرات ، فهى الجارية وهى المحظية وهى الأم وهى الأخت وهى الخادمة والوصيفة، وهى فى كل حال الأقرب الى خلوة المستبد والى سريره والى إذنه وقلبه. وفى حالة عضد الدولة فلا بد من إحتدام المكائد لأسباب كثيرة منها وجود الخليفة العباسى الذى اضطر لمصانعة عضد الدولة ، وهذا الخليفة وإن كان عاجزا علنا عن مواجهة عضد الدولة ونجاحه فهو يأمل فى التسلل اليه فى مأمنه بمؤامرة تنهى حياته فيستعيد الخليفة سلطانه الضائع بعد أن أدى عضد الدولة مهمته فى استتباب الأمن ونشر التعمير . ويشارك الخليفة فى أمانيه آخرون من القادة والأمراء حتى داخل البيت البويهى الذى كان يحكم شرق العراق . وليس غريبا أن يبالغ عضد الدولة فى يقظته وحرصه وفى إحكام سيطرته وفى أتقان جهاز مخابراته فى الداخل والخارج.

أى ربما جىء له بأدلة جعلته يشكّ فى تلك الجارية فقتلها . ولكنه قتلها لسبب سياسى تستحق به ـ عنده ـ القتل. الغريب أن هذا الحاكم الفذّ مات شابا ، مما يجعلنا نشكّ فى أن هناك مؤامرة أدت الى موته بالسّم على نحو ما كان ـ ولا يزال ـ سائدا فى مكائد القصور. وقديما قال المثل العربى : من مأمنه يؤتى الحذر .

أخيرا : موت عضد الدولة.

1 ـ يقول ابن الجوزى عنه : ( فلما احتضر عضد الدولة جعل يتمثلبقول القاسم بن عبيد الله‏:‏ واخليت دور الملك من كل نازل فشردتهم غربا وبددتهمشرقا‏.‏

فلما بلغت النجم عزًا ورفعة وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا‏.‏

رماني الردى سهما فأخمد جمرتي فها أنا ذا في حفرتي عاطلا ملقى‏.‏

فأذهبت دنياي وديني سفاهة فمن ذا الذي مني بمصرعة أشقى‏.‏)

أى أنه ظل الى آخر لحظات عمره يستشهد بالشعر، وقد عبّر به عن ندمه حين إغترّ بالدنيا ونسى الآخرة .

الأكثر وقعا من هذا إنه حين احتضر ظل يقرأ آية قرآنية يرددها الى ان مات ، يقول ابن الجوزى : (ثم جعل يقول‏:‏ "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ"،فرددها إلى أنتوفي في آخر يوم الاثنين من شوال هذه السنة عن سبع وأربعين سنة وأحد عشر شهرًاوثلاثة أيام . وقيل‏:‏ بل عن ثمانية وأربعين سنة .) رحمه الله جل وعلا.!!

2 ـ والآن .. ماذا عن فئران الاستبداد العربى فى نهاية العمروقبيل الموت ؟

صدّام حسين الذى تسبب فى قتل الملايين من العراقيين والايرانيين وخرّب البلاد وشرّد العباد لم يندم على ما ارتكب ، بل وجد من الصفاقة ما يكفى لأن يدافع عن نفسه فى المحكمة دون أن يتعظ بحاله وما سببه لوطنه وقومه . مبارك الذى يقولون أنه على حافة الموت يستجمع ما بقى له من أنفاس فى المحكمة ليقول منكرا من القول وزورا ، يكذب مؤكدا براءته ، بعد أن إنكشف بعض المستور ، وهو يكفى لاعدامه آلاف المرات .القذافى ظل متشبثا بالحكم وفق المبدأ الاستبدادى القائل ( إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم) فمات قتلا .وبنفس الطريقه سينتهى بشّار الأسد ، وسيسير آخرون من عبد الله الاردنى الى عبد الله السعودى ..

3 ـ قل : إن شاء الله ..جلّ وعلا ..

هذه المقالة تمت قرائتها 383 مرة

التعليقات (4)
[63995]   تعليق بواسطة  عائشة حسين     - 2012-01-18
بين عضد الدولة ونبي الله سليمان

{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ }النمل20


هل يصح لنا يا دكتور أحمد أن نقارن بين عضد الدولة ونبي الله سليمان ، الذي ذكرني حرصه على متابعة الأخبار وإحكام السيطرة كل البقاع بما حكاه القرآن عن : تفقد سليمان عليه السلام الطير،وملاحظته غياب الهدهد ،والنهضة التي كانت في عهده ، وطبعا العدل وأشياء أخرى تجعلنا نقول أن هناك قواسم مشتركة بينهما فهل يصح ذلك  ؟

 

[63996]   تعليق بواسطة  محمد دندن     - 2012-01-18
طلب تصحيح معلومة

 سيدي


أنا أعلم أنك تعلم ...و أنه  مجرد سهو بسيط...ولكن كي لا يقول الذين يتصيدوا العثرات أن أحمد صبحي منصور أخطا و أن من يقرأ له يقرأ بدون انتباه أقول:


في الفقرة المعنونة  ثانياً--عضد الدولة رجل الأمن الناجح 


كتبت   (فى مصر تصاعدت الاتهامات للعادلى وزير خارجية مبارك)


و الصحيح هو وزير داخلية مبارك


فاقتضى التنويه 

 

[63999]   تعليق بواسطة  رضا عبد الرحمن على     - 2012-01-18
تسخير العلم والتكنولوجيا والتطور في الفساد والإفساد عند المسلمين ...!!!

رغم ان التاريخ الإنساني الإسلامي وغير الإسلامي حافل بالطغاة الفاسدين والمفسدين والمستبدين والظالمين ، ولا ننكر هذا ، لكن هناك ملاحظة عجيبة جدا ان الحكام العرب المسلمين في الغالب هم أكثر من يستفيد من ويستغل لـ التكنولوجيا في ممارسة مزيد من الفساد والإفساد في البلاد ، وفي ظلم واستبداد وسرقة العباد ، وهذا واضح جدا جدا على الأقل في النصف قرن الأخير في البلاد العربية مثل مصر وليبيا والعراق وسوريا والسعودية واليمن والجزائر وتونس والمغرب ، اعتقد ان هذه الدول قبل نصف قرن او أكثر قليلا رغم أنها كانت تعاني من الاحتلال والاستعمار ، ورغم انها كانت تعيش بعيدة عن سبل العلم والتكنولوجيا وثورة الاتصالات والمعلومات والطفرة الرهيبة في العلم والمعرفة ، إلا ان هذه الفترات كانت الشعوب تعيش حياة أقل ظلما وقهرا واستبدادا وقمعا من النصف قرن الماضي وما اقوله هذا بالطبع ليس قرآنا ومن الممكن ان يكون قد حدث في إحدى هذه الدول مجازر بشرية في وقت ما أو حروب أهلية كما حدث في لبنان والجزائر أو الحروب الطائفية كما حدث ويحدث في العراق ، لكن بتقييم الفترة ما قبل نصف قرن نجدها فعلا أقل جرما وإجرما وفسادا وظلما ووقمعا واستبدادا للشعوب في هذه الدول ، وحين أردا الحكام في تلك الدول استخدام العلم والتكنولوجيا سخروههما في خدمة التعذيب والقمع والتجسس على الشعوب وقهرهم وسرقة حقوقهم واموالهم 
 


وهنا يلحق هؤلاء الحكام العار حين نقارنهم بعضد الدولة الذي كان حاكما مستبدا يحاول تطبيق بعض ملاح العدل 
 

 

[64033]   تعليق بواسطة  محمد عبدالرحمن محمد     - 2012-01-19
ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه..

سبحان من أنزل القرآن موعظة وشفاء لما في الصدور من فسق وفجور.. مشهد به جلالين جلال ترديد عضد الدولة لهذه الآيات العظيمة.. التي ربما لوتدبرها وفهمها مستبد عربي لما أقدم على قتل شعبه وتشريدهم بالسجن والتجويع والترويع آملا في خلوده الموهوم..!!


لكن عضد الدولة مع قوته كحاكم عربي مسلم .. عند الاحتضار.. ردد هذه الآيات التي تدل على فطنته للمصير المحتوم الذي ينتظر كل الحكام سواء مستبدين أو معتدلين.. يقتربون من العدل..


ومنهم عضد الدولة والخليفة المهتدي بالخليفة عمر بن عبدالعزيز..


ما أروع التاريخ وموعظته بين دفاترك يا دكتور أحمد.. وما أروع المصلحين ودورهم في انقاذ شعوبهم لو قرأتْ لهم تلك الشعوب ووعت ما يلقونه من نور الموعظة بالقرآن والعقل والتاريخ ..


لاعذر لنا كعرب أو مصريين في ألا نتعلم من مفكرينا ومصلحينا.. فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم..


المعرفة ووعي الضمير .. والنفس اللوامة .. التي تلوم صاحبها على الاستبداد ومجاوزة الحدود القرآنية.. هى أمل يسعى إليه كُتابنا.. ومعهم القراء الكرام الذين يسمعون ويتفاعلون فيتغيرون فيغير الله ما بالنفوس من آثام.. ويحلُ العدل والوئام..


دمت بكل خير وعافية ومتعك الله بالصحة والمنعة.