الصاحب ابن عباّد

في الأحد ٠١ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ الله جل وعلا أقسم بالقلم وبما يسطره القلم ، ولم يقسم بالسيف ، وفى العادة يظل هناك تنافس بين السيف والقلم ، ويضطر القلم فى معظم الوقت لأن يخدم السيف فيعمل صاحب القلم كاتبا أو قاضيا أو وزيرا أو معلما لصاحب السيف أى الحاكم المستبد . وقد يثور القلم على السيف فيعانى العالم الكاتب المؤلف من قسوة السيف أو الحاكم المستبد ، ولكن فى النهاية يفوز القلم على السيف ، فينزوى الحاكم بسيفه الى غياهب النسيان بينما يظل المؤلف الحرّ بعد موته مشهورا مذكورا .

2ـ  بعض الكتّاب حاول الجمع بين السيف والقلم فبرز فى الحكم وصار وزيرا عالى الشأن ، وجمع حوله العلماء والفقهاء وكسب ودهم فاكتسب شهرة ونفوذا فى عصره، وظلت تلك الشهرة تلاحقه حتى الآن ، مع أن السيف أوالسلطان الذى كان يخدمه ذلك الوزير الكاتب كان ولا يزال نسيا منسيا . بل إن الدولة نفسها أصبحت نسيا منسيا . نحن نتحدث عن اشهر الوزراء (الصاحب ابن عباد ) الوزير الذى خدم الدولة البويهية فأصبح أكثر شهرة من الدولة البويهية . ونعطى فكرة سريعة عن هذه الدولة التى انتقلت الى زوايا النسيان بينما لا يزال الصاحب ابن عباد مذكورا حتى الآن .

الدولة البويهية

1 ـ سيطرالبويهيون، أو بنو بويه على معظم الجزء الشرقى من الدولة العباسية حيث حكمت تلك الأسرة في غرب إيران و العراق . والبويهيون فرس شيعة ـ يقال أن جدهم الأعلى ينحدر من أعالي جبال الديلم ، و يزعمون أنهم يرجعون في نسبهم إلى ملوك الفرس الساسانية ، مقابل زعم معظم زعماء الشيعة بأن جدهم على بن أبى طالب . أقدم قائد منهم هو أبو شجاع بويه، والذي لمع اسمه أثناء عهد الدولتين السامانية ثم الزيارية، وقد استطاع تكوين جيش من اتباعه بمعاونة أبنائه الثلاثة ، الذين استطاعوا تأسيس الدولة البويهية فى وقت ضعف فيه الخلفاء العباسيون عن بسط نفوذهم فى الشرق (فارس وما بعدها ) وفى الغرب ( الشام ومصر وشمال أفريقيا) ، وحيث قامت دول مستقلة بل وخلافة فاطمية فى الغرب منتهزة فرصة ضعف العباسيين.

2 ـ فى فترة الضعف هذه تمكن ثلاثة من أبناء أبى شجاع البويهى من الاستيلاء على السلطة في العراق و فارس، واعترف الخليفة العباسى العاجز بسلطتهم ،بل وخلع عليهم ألقاب السلطنة. وقد استولى الابن الأول  "علي عماد الدولة" (932-949 م) على فارس وأسس فرعا دام إلى حدود سنة 1055 م. أما الابن الثاني حسن ركن الدولة (932-976 م) فقد استولى على الري و همذان و أصفهان واستمرت ذريته تحكم حتى سنة 1023 م. وأخيرا، استولى أحمد معز الدولة (932-967 م) بدوره على العراق، الأهواز (الأحواز) وكرمان. واستمرت ذريته تحكم حتى 1012 م.وقام    معز الدولة بالاستيلاء على بغداد سنة 945 م وأعلن نفسه حاميا على الخلافة (حتى 1055 م). من أهم حكام هذه الأسرة علي بن خسرو عضد الدولة (949-983 م) والذي استطاع أن يتملك دولة واسعة الأطراف شملت كل العراق المعروف اليوم و مناطق أخرى. شجع البويهيون المظاهر الإيرانية في دولتهم، كما حاولوا نشر المذهب الشيعي.

3 ـ  دبّ الخلاف كالعادة بين فروع الأسرة فيما بينها وتحاربوا فعمت الاضطرابات أرجاء الدولة. انتهى الأمر بأن قسمت دولة إلى فرعين، أولهما في العراق (1020-1055 م) و الآخر في كرمان (1012-1056 م). قضى الغزنويون سنة 1023 م على فرع البويهيين في الري، ثم أنهى السلاجقة ما تبقى من دولتهم وحلوا محلهم في بغداد. آخر فرع لهم حكم في كرمان حتى سنة 1062 م.

4 ـ بعد تلك اللمحة السريعة عن الدولة البويهية التى تمثل السيف نتوقف مع القلم الذى كان يخدمها وهو الصاحب ابن عباد.

لماذا أصبح لقب (الصاحب)  علما على كل وزير حتى العصر المملوكى ؟

 أصبح اللقب الرسمى للوزير منذ القرن الخامس الهجري هو (الصاحب )، واشتهر هذا اللقب (الصاحب ) لكل وزير في العصر المملوكي ، والسبب في أن يكون "الصاحب " لقباً للوزير يرجع إلى صداقة وصحبة مستمرة ربطت بين اثنين من الصبيان ، أحدهما اسمه إسماعيل إبن عباد بن العباس بن عباد ، والآخر هو مؤيد الدولة ابن ركن الدولة ابن بويه .وقد استمرت صحبتهما إلى البلوغ والشباب . ثم تولى مؤيد الدولة شئون فارس وما حولها فعين صاحبه أو صديقه ( إسماعيل بن عباد) وزيراً ، فالتصق باسماعيل بن عباد لقب (الصاحب ) بسبب صحبته القديمة لصديقه السلطان البويهى مؤيد الدولة . ثم استمرت أيام ابن عباد في الوزارة لتزيد على ثماني عشرة سنة ، وهى مدة قد لا نجد لها مثيلاً في تاريخ الوزراء ، كما لا نجد لها قريناً في عظمة الوزير وجاهه ، ومن هنا اجتهد كل وزير في أن يحظى بما كان لابن عباد من سؤدد ومكانة وطول بقاء في الوزارة ، ولذلك كان يطلق الوزير ـ بعد ذلك ـ على نفسه لقب الصاحب ، ليكون مثل الصاحب ابن عباد اشهر الوزراء في عصره والعصور التالية أيضاً .

(الصاحب ) الوزير اسماعيل (إ بن عباد)

 1 ـ  ولد إسماعيل بن عباد في منطقة الطالقان بجوار بحر قزوين ، وفي نفس العام 324هـ توفى والده الذي كان من أهل العلم والتصنيف وله كتاب مشهور في أحكام القرآن .. وورث الجاه مبكراً عن أبيه وأسرته فشاعت شهرته في مجال العلم والأدب والشعر ، وساعد على ذلك اتصاله ببني بويه وصداقته المبكرة لمؤيد الدولة ابن بويه فتولى له الوزارة فنبغ فيها وسعد بها وسعدت به ..

2ـ  والغريب أن من كتبوا تاريخ الصاحب ابن عباد انجذبوا إلى شخصه وأدبه وشعره و نوادره وأخلاقه ومكانته ومجالسه الشعرية والأدبية والعلمية ، وأهملوا التأريخ لسياسته في الوزارة وانعكاس مكانته الأدبية والسياسية على تسييره لشئون الدولة في عهده الطويل .. ولذلك فنحن مضطرون إلى التسليم بأنه كانت للصاحب ابن عباد بصمته وشخصيته في الوزارة ، وإن كنا لا نستطيع تحديد ماهية تلك البصمة ..

 3ـ  وفي العصر الذي كان من السهل  فيه عزل الوزراء وقتلهم ومصادرة أموالهم نجد الصاحب ابن عباد يقف وحده مثالاً للوزير القوى الذي يتصرف في الأمور دون أن يسائله السلطان ، وقد كانت تحكى عنه في ذلك نوادر مشهورة ، منها أنه كان مغرماً بالسجع الأدبي وأن يزين به رسائله وتوقيعاته ، وقد كتب إلى حاكم مدينة " قم" يقول له : " أيها العامل في قم ، قد عزلناك فقُمْ " فلما وصلت الرسالة إلى الحاكم قال : والله ما عزلني إلا السجع ، والذي نريد الإشارة إليه هنا أن الصاحب كان يولى الحكام ويعزلهم كيف شاء دون الرجوع إلى السلطان البويهي .

   وكان مع ذلك يتمتع بحظوة زائدة عند السلطان صديقه القديم والعتيد ، وقد قالوا ما عظم سلطان وزيره مثلما عظم السلطان مؤيد الدولة وزيره الصاحب ابن عباد . وبعد موت مؤيد الدولة استمر الصاحب ابن عباد وزيراً لأخيه فخر الدولة بل ومتمتعاً بمكانة أكبر وأعظم ، حتى أن ابن عباد يقول " ما استأذنت على فخر الدولة قط وهو في مجلس أنسه إلا انتقل إلى مجلس الحشمة وأذن لي فيه،وما أذكر أنه تبذل بين يدي أو مازحني قط إلا مرة واحدة، فأظهرت الكراهية لما قال وقلت له : بنا من الجد مالا نفرغ معه للهزل ، ونهضت وتركته .. فما عاد بعدها يمزح معي "!!

الصاحب ابن عياد مــع العلمـــــــاء

 1ـ  وقد قالوا إن الصاحب ابن عباد ما كان يقوم لأحد من الناس من الأمراء وغيرهم ، وقد دخل عليه أحد العلماء الزهاد من المعتزلة يعرف بابن إسحاق فقام له ، فلما خرج قال :ما قمت لأحد مثل هذا القيام منذ عشرين سنة.

2ـ  ومع ذلك كان يتبسط مع إخوانه ويتواضع معهم ويقول لهم :نحن بالنهار سلطان وبالليل إخوان، وأسهمت مجالسة الأدب والعلم وازدحام الشعراء على بابه في إرساء دعاية قوية له خارج مملكة البويهيين مما جعل ملك خراسان نوح بن منصور يبعث إليه برسالة سرية يطلبه للقدوم عليه ليسلم له مقاليد مملكته ويجعله متحكماً في بلاده ، فاعتذر الصاحب ابن عباد بكثرة حاشيته وأن نقل كتبه يحتاج إلى أربعمائة جمل .. !

3ـ  وحين مات ابن عباد أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته ، وكان في مقدمتهم السلطان فخر الدين ابن بويه وسائر القواد ، وقد غيروا لباسهم بما يلائم الفاجعة، فلما خرج النعش صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة وقبلوا الأرض خشوعاً ، ثم مشى السلطان أمام الجنازة وقعد للعزاء بنفسه أياماً.. وبعد موته تبارى الناس في إختراع حكايات عن منامات تخبر بمناقب ابن عباد ومنزلته على نحو ما كان سائداً في تلك العصور ..

 4ـ  على أن ذلك الجاه الذي تمتع به الصاحب ابن عباد يرجع إلى ما تمتع به من ذكاء سياسيي خارق ، فقد استطاع توظيف موهبته الأدبية وشخصيته العلمية في توثيق علاقاته بمجتمع الأدباء والعلماء والزهاد ، وجعلهم بوقاُ يتحدث بمناقبه ويثني على تدينه ويمتدح عفوه وكرمه ويحكي نوادره وأشعاره .. وبهذا أكتسب احترام السلطان وغيره من السلاطين كما حاز إعجاب الناس والطبقة المثقفة ، ماعدا أبا حيان التوحيدي الذى ناصبه العداء وكتب في هجائه رسالة خاصة .

دار التوبـــــة !!

1 ـ ولأن الصاحب أبن عباد كان يعرف نفوذ العلماء ورجال الدين ، كما كان يعرف ضعفهم تجاه السلطة وتكالبهم على أبواب السلاطين ، فقد كان سهلا عليه أن يجتذبهم وان يتخذ منهم (وزارة إعلام ) تتخصص فى مدحه وتنشر سيرته فى الآفاق . لذا لم يكتف بتقريبهم اليه بل قام بتوظيفهم دعاة لمناقبه والاشادة به، وتستطيع أن تلمح أثر التصنع أو التوظيف السياسي في الأخبار التي قيلت عن علم ابن عباد وتنسكه، فقد اتخذ لنفسه بيتاً سماه بيت التوبة وجلس فيه أسبوعاً وأخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته ، أي كأنه تاب لهم ولم يتب إلى الله !! وبعدها خرج من دار التوبة وقد ارتدى زى أهل العلم  وقال للناس: قد علمتم قدمي في العلم ، فأقروا له بذلك ، ثم أعلن لهم أنه ما أنفق من مال فهو من مال أبيه وجده وليس من مال السلطان ، وأشهدهم على توبته ، ثم عاد لبيت التوبة أسبوعاً آخر اعتكف فيه،ثم خرج منه وقعد لإلقاء العلم فتكاثر الناس عليه يكتبون أقواله ، وكان من بينهم بطبيعة الحال كبار رجال الدولة ويتقدمهم القاضي عبد الجبار المعتزلي قاضي القضاة بالري عاصمة بني بويه . موقف ابن عياد هذا يذكرنا بالمسئولين الكبار الذين يحصلون بالجاه والنفوذ ـ والرشاوى ـ على درجات الدكتوراه الفخرية ـ وبعضهم أجهل من دواب قريش.

2 ـ ولكن يبقى الصاحب ( صاحب ) قدم فى العلم ، وإن كانت شهرته الشخصية لا توازيها شهرة له حقيقية فى العلم والمؤلفات . ولم يكن منتظرا من وزير يدير دولة بنفسه ان يجد وقتا للتفرغ العلمى فاكتفى بمسامرة العلماء والزهّاد وكسب مودتهم وتوظيفهم لديه مداحين بأرخص الأسعار . ومن عجب أن يكون من بين خدامه علما مرموقا فى دنيا التأليف مثل القاضى عبد الجبار المعتزلى .

3ـ  ومن المنتظر أن يحس العلماء بالفخر لانتماء الوزير القوى إليهم وأنه أشهدهم على توبيته وعلى تبحره في العلم ، وبعدها انطلقت ألسنتهم في الثناء عليه.وفي ذلك العصر كان ( طلب ) العلم طريقا لأبناء الفقراء عسى أن يرتقوا به الى الطبقة العليا الثرية ، لذا ترك أبناء الحرفيين مهنة الآباء وانشغلوا ب ( الاستماع ) الى العلم ، أى مجرد ان يستمع الى (عالم ) يروى أحاديث ينسبها الى فلان عن فلان ، فينقل عنه ويأخذ منه ( شهادة ) بالاستماع منه والتتلمذ على يديه ، ويكون عالما فقيها ومحدثا يبحث عن حظه لدى أبواب السلاطين . وقد تكاثر (طلاب ) هذا (العلم) ( السماعى ) بحيث لم يكن يدانيهم في كثرتهم إلا مقدار ما يعانونه من الفاقة والحرمان ، فظهر ابن عباد يقرن انتماءه لهم بإعطائه إياهم المال والأرزاق، ففتح لهم أبواب قصره يأكلون ويرتزقون ويخرجون من عنده يتحدثون بفضله وكرمه ونوادره وكرمه وذكائه وعبقريته .. وبعض ما كانوا يروونه كان من حديث الوزير نفسه عن نفسه .. ومنها قصة طويلة موجزها  أن ابن عباد وهو في ريعان شبابه كان ينكر على ابن العميد الوزير السابق كيف يحضر الفقهاء مجلسه ويخرجون بلا طعام ، لذلك  كان يطعم الناس في بيته .

التوحيدى وابن عياد

1 ـ الوحيد الذى ثار على الصاحب ابن عبّاد وخرج على نطاق نفوذه واعلن عليه الثورة و العصيان هو ذلك الأديب اللوذعى والعالم الحقيقى المثقف غريب الأطوار المعروف باسم (أبو حيان التوحيدى ). ومن يتعمق فى تحليل شخصية أبى حيان التوحيدى وتحليل ما بقى من مؤلفاته يعلم إنه كان مستحيلا أن يتطامن التوحيدى ويرضى لنفسه بالدخول فى معية الصاحب ابن عباد ، مهما بلغت إغرءات الصاحب ومهما بلغ سوء الحال بالتوحيدى .

2 ـ كان المسكين أبو حيان التوحيدى صرخة اعتراض على شيوع الجهل باسم العلم وعلى الارتزاق بالعلم وتلاعب السلطة بالعلم والعلماء ، وتحول العلم الى مهرجانات واحتفالات يرقص فيها المنتسبون للعلم فى مواكب السلطان يسبحون بحمده بينما يعانى العلماء الحقيقيون من التجاهل والنسيان والنكران والحرمان .. لذا احرق هذا العالم المبدع الحقيقى ابوحيان التوحيدى مؤلفاته احتجاجا على ظلم وتفاهة وخسّة عصره.

أخر السطر

هل يوجد اختلاف كبير بين العرب فى عصرنا الراهن وعصر الصاحب ابن عياد ؟ !!

هذه المقالة تمت قرائتها 1075 مرة

 


التعليقات (2)
[60677]   تعليق بواسطة  عائشة حسين     - 2011-10-09
سؤال للدكتور أحمد صبحي

لقد عانى أبو حيان من تجاهل معاصريه من مؤرخين ، وهذا بخلاف الصاحب بن عباد الذي يعد أشهر وزير ، ومع أنهما ينتميان إلى عالم القلم علما وكتابة إلا أن التاريخ قد أفاض وأشاد وأطنب في ذكر شخص وأغفل الآخر ولقد قرأت هذه المعلومات البسيطة عن ابي حيان :


"أبو حيان التوحيدي (923–1023) فيلسوف متصوف، وأديب بارع، من أعلام القرن الرابع الهجري، عاش أكثر أيامه في بغداد وإليها ينسب.


وقد امتاز أبو حيان بسعة الثقافة وحدة الذكاء وجمال الأسلوب، كما امتازت مؤلفاته بتنوع المادة، وغزارة المحتوى؛ فضلا عما تضمنته من نوادر وإشارات تكشف بجلاء عن الأوضاع الفكرية والاجتماعية والسياسية للحقبة التي عاشها، وهي -بعد ذلك- مشحونة بآراء المؤلف حول رجال عصره من سياسيين ومفكرين وكتاب.


وجدير بالذكر أن ما وصلنا من معلومات عن حياة التوحيدي -بشقيها الشخصي والعام- قليل ومضطرب، وأن الأمر لا يعدو أن يكون ظنا وترجيحا؛ أما اليقين فلا يكاد يتجاوز ما ذكره أبو حيان بنفسه عن نفسه في كتبه ورسائله.


ولعل هذا راجع إلى تجاهل أدباء عصر التوحيدي ومؤرخيه له؛ ذلك الموقف الذي تعّجب منه ياقوت الحموي في معجمه الشهير معجم الأدباء (كتاب), مما حدا بالحموي إلى التقاط شذرات من مما ورد في كتب التوحيدي عرضا عن نفسه وتضمينها في ترجمة شغلت عدة صفحات من معجمه ذاك، كما لّقبه بشيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء؛ كنوع من رد الاعتبار لهذا العالم الفذ ولو بصورة غير مباشرة."


هل يمكن أن يغفل التاريخ عن شخصية بحجم أبي حيان ، ويبالغ في تخليد ذكرى الصاحب بن عباد لمجرد أنه كان يشتري شهرته بالمال والجاه ؟ أين إنصاف التاريخ ؟ وما الحل الذييراه الكتور أحمد صبحي بصفته مؤرخ تاريخي ، قضى جل وقته في هذا المجال ؟

 

[60678]   تعليق بواسطة  آحمد صبحي منصور     - 2011-10-09
اهلا وسهلا استاذة عائشة واقول
تعديل التعليق                     |                    

يحمل التاريخ كل خطايا المؤرخين لأنه صناعة المؤرخين . والمؤرخون بشر معظمهم من العاملين لدى أصحاب السلطة والجاه ، ووظيفتهم لا تفترق عن وظيفة وزارة الاعلام فى الحكم الاستبدادى . وهى وزارة سيادية لأنها المسئولة عن تلميع المستبد واعوانه من أنصاف وأشباه البشر من المنافقين والطبالين و المغنيين والحواة والراقصين من كتّاب وفنانين ورجال دين وسياسيين . أولئك هم الذين يقومون بالتأريخ فيوسعون لأنفسهم مكانا الى جانب الحاكم المستبد الذى يحتل الصف الأول . لذا ترى (العلماء ) و (الفقهاء ) هم أبرز المؤرخين فى تاريخ المسلمين ، وترى تأريخهم يدور حول السلطان والدول الحاكمة والأسرات الحاكمة ، وليس عن الشعب المغلوب على أمره . وتجدهم أيضا يوسعون لأنفسهم أنواعا خاصة من التأريخ مثل طبقات الشافعية فى تاريخ الفقهاء الشافعية وطبقات المفسرين والمحدّثين ..الخ . أما الفرد العادى فلا يحظى بلفتة من المؤرخ إلا إذا تعرض لعقوبة من قتل أو تشهير أو خوزقة أو تسمير . وفى أغلب الحوال لا يذكرون إسمه بل الحادث فقط . تلحق المأساة ايضا بالعالم المفكر الذى يخرج على المألوف فيتمتع بكراهية الحواة والطبالين الذين يمتهنون العلم ويزعمون أنهم علماء. يرون فى نبوغه خطرا عليهم وفضحا لجهلهم ، ويأتى الحل الأمثل فى تجاهله وفرض سور من الصمت حوله ، فيصرخ بلا مجيب ، وإزاء التعتيم المفروض عليه قد يقع فى أمراض أو يرتكب حماقات أو يتعرض لمكائد واضطهاد . ليس أبوحيان التوحيدى أول هؤلاء المظاليم ـ ونتمنى أن ينتهى عصر الاستبداد والاستعباد حتى يكون  أحمد صبحى منصور آخر هؤلاء المظاليم .