التشابه والمتشابه

في الخميس ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

التشابه والمتشابه

التشابه يجمع بين الاتفاق والاختلاف فى الشىء الواحد ،أى توجد بعض اتفاقات وبعض اختلافات فى شيئين أو أكثر ، وهذا قد يساعد على الفهم وقد يبعث على الحيرة أيضا .

ونتتبع هذا المصطلح فى السياق القرآنى :

أولا : التشابه بمعنى الاتفاق الجزئي

يقول جل وعلا عن بعض مشركى أهل الكتاب : (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنقَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)  (البقرة 118  ).فهناك اختلافات فى المكان والزمان بين أولئك المشركين فى عهد النبوة ومن سبقهم فى الزمان ، ولكن يتشابهون فى الجهل وعدم العلم ، لذا يتصدر وصفهم بأنهم الذين لا يعلمون ، وينتهى بوصفهم أيضا بأن قد تشابهت قلوبهم ،اى فى عدم العلم وفى الجهل تشابهت عقلياتهم وأفكارهم وطبيعة إيمانهم . وعلى النقيض منهم يأتى الذين يوقنون أى يعرفون الحق ويتيقنونه ، وهم المؤهلون بعقلياتهم لبيان القرآن الكريم (قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)                     

ثانيا : بمعنى الأختلاف الجزئي الذي يوهم عدم المعرفة

أى يؤدى التشابه العام الى عدم المعرفة الدقيقة بالخصائص الفردية والفروق الفردية لدى أفراد النوع الواحد ، وحين طولب بنو اسرائيل بذبح بقرة تعللوا لموسى عليه السلام بحجج شتى ، ومنها :(قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا )(البقرة 70).

وفى حوار يجريه رب العزة مع من يعبدون الأولياء ويقدسونهم يسأل الله جل وعلا أولئك المشركين بنوعية من الأسئلة ليس لها إلا إجابة واحدة هى الإقرار بأنه لا اله إلا الله . ومن تلك الأسئلة : هل تلك الأولياء المقدسة و المعبودة قد خلقت أناسا مثل الذين خلقهم الله جل وعلا وأصبح التمييز عسيرا بين خلق الله والخلق المخلوق بيد تلك الأولياء ؟ والاجابة طبعا بالنفى ، وبالتالى فالخالق رب العزة هو وحده المستحق للتقديس و العبادة ، وما عداه مخلوقات . يقول جل وعلا يخاطب من يعبد ويقدس الأولياء من عصر النبوة وحتى عصرنا والعصور القادمة : (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (الرعد 16). ومهما شرحنا فلن نستطيع توصيل المعنى بكل ذلك الايجاز والاعجاز فى قوله تعالى (أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ)، ومنه نفهم معنى التشابه المراد.

ثالثا : الأتفاق الجزئي والأختلاف الجزئي معا.

ومن هنا فالتشابه يعنى الاتفاق الجزئى و الاختلاف الجزئى ، وهذا عكس التماثل و التطابق .

نفهم هذا أكثر فى تدبر قوله جل وعلا :( وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ً( الأنعام 99 ) (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (. الأنعام  141). ،فالنبات بكل انواعه يختلف و يتفق فى بعض الأشياء ، وهذا الاتفاق والاختلاف (أى التشابه ) أمر نسبى يزيد درجة ويقل درجات فى الأنواع المختلفة للنبات . وهو أمر محسوس لنا فى هذه الدنيا ، فمن السهل التفرقة بين البقوليات بعضها البعض ، ومن السهل التفرقة بين الخضروات والفواكه ، وهكذا.

ولكن من الصعب التفرقة بين نبات هذه الدنيا وثمارها وثمار الجنة فى الآخرة ، حيث تتشابه الأسماء فقط ولكن تختلف الثمار ، يقول جل وعلا :(وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)( البقرة 25)

الخلاصة

من هنا نفهم المراد بالمحكم والمتشابه فى القرآن الكريم والذى جاءت الاشارة اليه فى قوله جل وعلا (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) ( آل عمران 7 ) فبينما تذكر الآية المحكمة المعنى باسلوب علمى موجز تأتى التفصيلات فى الآيات المتشابهة ، وتلك التفصيلات تتشابه أى تتفق فى بعض التفصيلات وتختلف فى بعضها الآخر ، ولكن عندما تقوم بجمعها كلهاتجدها تؤكد معنى واحدا هو ما تؤكده الآية المحكمة .