من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى:(6)(الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)

في الأحد ٢٠ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى:(6)(الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق)

 

القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم "

 

الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق

 

1 ـ شهد تاريخ مصر الطولونية حادثة تاريخية غريبة يرويها موسى بن مصلح المعروف بأبي مصلح ، وكان من الأعوان الثقاة لأحمد بن طو&aacu; طولون ، وكان هو القائم على السجن في عهده ،وكان ابن طولون يقول له سراً " إذا رأيت من رجل إنه بريء فكلمني في شأنه ، فإني أضطر لاستعمال الشدة" .

   ولاحظ ابن مصلح أن في السجن رجلاً منفرداً عن باقي المساجين منقطعاً للعبادة لا يسأل أحداً شيئاً، وبينما يتهالك بقية المساجين على طلب الشفاعات والوساطات للخروج فإن هذا الرجل منهمك في العبادة لا يلتفت إلى أحد .

اقترب منه ابن مصلح وسأله عن سبب عدم تلهفه على الوساطات حتى يخرج فاكتفى بالرد عليه بالشكر والدعاء له ،  فازداد ابن مصلح إعجاباً به وحرصا على مساعدته ، وتحين فرصة فاختلى به وقال له: لو يجوز إطلاق سراحك بغير إذن لفعلت ولكني إذا أردتني أن أتشفع فيك لفعلت، فقال له السجين :" ما تقدر على ذلك ولا يستطيع التشفع فيّ عند ابن طولون إلا أبو طالب الخليج رئيس الشرطة، ولو أطلقت سراحي وقابلته لرجوت تسهيل أمري . " ، فقال له ابن مصلح :" أنا أخاطر بإطلاق سراحك على أن تعطيني العهود الموثقة أنك ستعود للسجن ولا تهرب " فقال السجين :" إذا كنت تشكّ في صدقي ووفائي فلا حاجة لك بإخراجي ". !  

ووافقه ابن مصلح وأخرجه من السجن مقابل وعد شفهي بأن يعود بعد ثلاثة أيام ، أى يخرج ليلة الجمعة ويعود ليلة الاثنين.

 وفوجيء ابن مصلح وهو يفتح باب السجن صباح السبت بوجوده أمام الباب قبل موعد مجيئه ، فأدخله السجن متعجبا، فلما دخل السجين غرفته سجد لله شكراً وحمد الله . وأخبر ابن مصلح عن السبب في عودته مبكراً ، فقد اتصل برئيس الشرطة أبي طالب الخليج ، وطلب أن يتوسط له ابن الخليج لدى الأمير أحمد بن طولون لاطلاق سراحه ، ووافق أبو طالب ودخل على ابن طولون وكلمه في إطلاق سراحه، ولكن ابن طولون كان في لحظة ضيق وغضب ، فتذكر جريمة السجين وتذكر أنه لابد من عقوبته وقتله، وفى غمرة غضبه حدد ابن طولون يوم السبت لتنفيذ العقوبة .!

ورجع أبو طالب الخليج بالخبر السيئ إلى صاحبنا فلم ينم ليلتها خوفا على مصير ابن مصلح الذى أطلقه من السجن سرا ، ومنذ الصباح الباكر جاء إلى السجن ليدخله حتى لا تقع العقوبة على ابن مصلح، وحتى يفي بوعده ولا يخيب ظن ابن مصلح فيه.

   وسجد ابن مصلح لله شكراً، وامتلأ تقديراً للرجل الشريف.

 وما إن مرت ساعات حتى حضر الجنود فأخذوا الرجل إلى ابن طولون ومجلسه، وفي المجلس الذي حضره ابن مصلح عرف أن جريمة الرجل كانت في قيادته ثورة في الإسكندرية لم يتم لها النجاح ، وقدم الرجل اعتذاره لابن طولون بأفصح بيان، فقبل ابن طولون اعتذاره وعفا عنه .

    ولم يجرؤ ابن مصلح على إخبار ابن طولون بقصته مع الرجل، واكتفى بأن كتم اسمه، وبأن الرجل أصبح من أخلص أصدقائه.

ولذا خلت تلك الرواية من اسم البطل السجين الثائر الذى يفى بكلمته ولو فيها مقتله .

 

2 ـ ويبقى القول بأن أحمد بن طولون كان اقرب ما يعرف بوصف (المستبد العادل )،  وهو توصيف خرافى لأن الاستبداد لا يجتمع و العدل . ولذلك فان مع حرص ابن طولون على العدل أكثر ممن تلاه وممن سبقه فقد اوقعه استبداده فى ظلم ابرياء كثيرين ، فبكلمة واحدة من المستبد يتم قتل انسان قد يكون بريئا شريفا .

 

3 ـ ومن القصة نفهم انه حتى فى عصور الاستبداد فان الارض لا تخلو من الشرفاء ، بل حتى لا يخلو المستبد نفسه من بعض نوازع الخير .

لذا فانه فى الاسلام لا نعادى الانسان الشرير المستبد نفسه بل نعادى الشر والاستبداد فيه . ولهذا فان باب التوبة مفتوح لكل انسان ، وبوسع الانسان الشرير أن يعود الى الخير و التقوى بعد الاثم و العدوان ، وبعد أن كان ظالما فاسدا يمكن أن يكون ورعا تقيا محسنا ، وهو هو بجسده وهيئته وملامح وجهه.

هذه المقالة تمت قرائتها 499 مرة

 


التعليقات (4)
[48249]   تعليق بواسطة  نعمة علم الدين     - 2010-06-05
الفارق كبير بين الوفاء بالعهد وبين نقضه

" َمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111"


{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران 76


{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران77


شتان الفارق بين من يوفى بعهده ومن لا عهد له ، فآيات القرآن الكريم وضحت لنا جزاء من يوفى بعهده وجزاء من ينقضه ، فمن يوفى بعهده فقد فاز الفوز العظيم فى الدنيا والآخرة ، أما من ينقض عهده فلا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب عظيم ، ولقد أظهرت لنا قصة ابن المصلح مع السجين مثال حى على الوفاء بالعهد ، وهناك امثلة كثيرة لمن قاموا بنقض عهودهم ولكن أذكر منها ما حدث فى فتح مكةحيث كان من بنود صلح الحديبية أن من أراد الدخول في حلف المسلمين دخل، ومن أراد الدخول في حلف قريش دخل، دخلت قبيلة خزاعة في عهد الرسول، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وقد كانت بين القبيلتين حروب وثارات قديمة، فأراد بنو بكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ليلاً، فاقتتلوا، وأصابوا منهم، وأعانت قريش بني بكر بالسلاح والرجال، فأسرع عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة، وأخبر النبي بغدر قريش وحلفائها، وأرادت قريش تفادي الأمر، فأرسلت أبا سفيان إلى المدينة لتجديد الصلح مع المسلمين، ولكن دون جدوى ؛ حيث أمر رسول الله المسلمين بالتهيؤ والاستعداد، وأعلمهم أنه سائر إلى مكة، كما أمر بكتم الأمر عن قريش من أجل مباغتتها في دارها ، وكانت نتيجة نقض قريش لعهدها أنه تم فتح مكة وتمت هزيمتهم هزيمة ساحقة وزوال سلطانهم واصنامهم .




 

 

[48258]   تعليق بواسطة  خـــالد ســالـم     - 2010-06-06
حقيقة هو وصف عجيب وغريب ((( المستبد العادل)) .!!!!!!!!!!!!

المستبد العادل وصف عجيب وغريب وأعتقد كما ذكرت يا دكتور أنه يستحيل ان يجتمع العدل والاستبداد فى شخصية إنسان واحد ، ولكن هل نعتبر استحالة هذا التزاوج بين العدل والاستبداد الذي قد يؤدي لظلم كثير من الأبرياء هو بمقياس عقولنا نحن البشر


بمعنى ان كل نفس بشرية بداخلها الخير والشر يتصارعان كلاهما مع الأخر وهذا ما اخبرنا به رب العزة جل وعلا حين خلق الأنفس كلها يقول تعالى ((وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ــ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ــ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ــ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)) سورة الشمس : 7:10 وهذه الآيات توضح أن النفس البشرية مخلوقة وبداخلها الخير والشر وكل إنسان يتحكم فى نفسه وفى تصرفاته وأفعاله التى يختارها بإرادته حسب قدرته الإيمانية وخوفه من ربنا جل وعلا ودرجة ارتباطه بالله سبحانه وتعالى.


ومن ناحية اخرى يذكر ربنا جل وعلا آيات قرآنية توضح فعلا ان القرآن الكريم فعلا :: لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم "  هذه حقيقة عظيمة يقول سبحانه وتعالى فى آية عظيمة توضح أمثلة لبعض الناس الذي يقعون فى خلط العمل الصالح بالعمل السيء ومن الممكن أن يتوب الله عليهم ويغفر لهم إذا تابوا توبة حقيقية يقول تعالى(( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) التوبة :102 .


ولو ربطان هذه الآية بآيات سورة الشمس سنجدا أن الإنسان فعلا يعيش فى صراع ويعيش فيه نفس الصراع بين الخير والشر ولذلك يقو ربنا جل وعلا يوضح أنه يعلم ما نخفى وما نعلن يقول تعالى ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) البقرة : 284


بمعنى ان الانسان أثناء التفكير فى عمل خير او شر يتحدث مع نفسه اولا وهذا الحديث مع النفس قبل المضي قدما نحو أي عمل خير كان او شر يعلمه الله جل وعلا


ونرجع لمسألة الوفاء بالعهد هى بعينها تشبه من يؤمن بقضية معينة او مبدأ معين ويدافع عنه رغم كل ما يتعرض له من أذى وضرر وظلم وسب وشتم وتقبيح من الآخرين الوفاء بالعهد يشبه هذا تماما هو أن يأخذ الإنسان منا عهدا مع نفسه أمام الله جل وعلا أن يدافع عن قضية معينة مهما أوذي فيها ومهما تعرض للاضطهاد والظلم من الأخرين فهي قضيته وهي عهده الذي عاهد نفسه عليه


ولمحة أخرى من هذه القصة هى ان بن طولون خلط عملا صالحا بعمل سيء هل يستطيع أحدنا ان يصنفه ويجعله من أصحاب الجنة او أصحاب النار هذه عبرة أخرى من القصة ليس من حق أي إنسان أن يصنف الاخر ويعطيه درجة كبيرة كانت او صغيره

"48275">[48275]   تعليق بواسطة  محمود مرسى     - 2010-06-07
سؤال عن ابن طولون .يتبع

 هناك سؤال الدكتور منصور عن ابن طولون هل كان يتيما في صغره أم أن والديه انفصلا وتزوجت أمه من هذا الوالي المصري ؟؟ لأن في الإجابة عن هذا السؤال من الممكن أن تنير لنا جانباً من جوانب شخصية بن طولون ، وهذه الشدة الشديدة التي كان يعالج بها أمور رعيته ودولته ومواجهته لأعدائه وطريقة أخذه للقرارات الصعبة أو المصيرية .


وبرغم كل ما يقال عن استبداده وتحريه العدل قدر استطاعته في حكم رعيته إلا أنه لم يكن بالسوء الذي وصل إليه الحاكم المصري اليوم والذي يريد أن يفرض ابنه على المصريين جميعا رغم كرههم له في عصر تسيدت فيه الحريات والديمقراطية في شتى بقاع الأرض عدا منطقتنا العربية التعيسة