حكم الخمر

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٤ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
أنا لا أشرب الخمر ، ولكننى لست مقتنعا بتحريمها ، أريد رايك .
آحمد صبحي منصور
تحريم الخمر جاء على سبيل الإيجاز والإجمال فى الوحى المكى فى قوله تعالى ﴿قُلْ إِنّمَا حَرّمَ رَبّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقّ﴾ (7 / 33).فالخمر من ضمن الإثم المحرم. وجاء تحريمه على سبيل الإجمال فى مكة ضمن عموميات التشريع المكى، ثم جاءت التفصيلات فى المدينة حين سئل النبى عليه السلام عن حكم الخمر فنزل قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نّفْعِهِمَا﴾ (2 / 219).وطالما كان فى الخمر إثم كبير فهى محرمة فى مكة قبل المدينة، لأن الإثم القليل حرام فكيف بالإثم الكبير؟!! والمنفعة لا تجعل الاثم حلالا بأى طريقة. المنفعة هنا اقتصادية لبعض الناس ولكن الاثم شر وبيل فى النهاية يضيع أثر المنفعة.

ثم يأتى تفصيل آخر يؤكد تحريم الخمر وذلك بالأمر باجتنابها ﴿يَـَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِنّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (5 / 90). واجتناب الخمر يعنى عدم الاقتراب منها بأى حال ، فاذا كان بعضها لا يسبب السكر الا اذا تناوله الشخص بكميات كبيرة فان الاجتناب يعنى ان تبتعد عما يسكر كثيره ، لذا قال الفقهاء فى تحديد الخمر ( ما أسكر كثيره فقليله حرام ) وهم بذلك حققوا المعنى المراد من الأمر باجتناب الخمر.

ان فى القرآن الكريم درجتين فى التحريم :ألأولى يعبر عنها بكلمة ( حرّم عليكم ) أى مجرد التحريم لفعل معين ، مثل تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير. هنا تحريم عادى ينصب على شىء محدد هو الأكل من هذا المحرم ، ولكن يجوز الاقتراب منه والتعامل معه بأى طريقة أخرى غير الأكل. وكذلك تحريم الزواج بالأم والأخت و ..الخ فالتحريم هنا على الزواج فقط بهن دون أى علاقة أخرى. أما أشد التحريم فهو قوله تعالى ( لا تقربوا ) أو ( اجتنبوا ) فالله تعالى لم يقل مثلا ( الزنا حرام ) وانما قال ( لا تقربوا الزنا ) فاصبح الحرام ليس مجرد ممارسة الزنا كاملا ولكن يحرم كل ما يقرّب الى الزنا من نظرات و حديث ولمس وتقبيل وخلافه. ونفس الحال حين امر باجتناب الخمر و الميسر و الأنصاب ( أى الأضرحة والقبور المقدسة ) ، فالتحريم هنا يشمل كل ما يقرّب الى تلك المحرمات.

لم تكن الخمر حلالاً ثم نزل تحريمها، ولم ينزل وحى بالسماح بالخمر ثم نزل تشريع آخر يلغى ذلك السماح.. وإنما نزل تحريمها اجمالا ضمن تحريم الإثم، ثم نزل التفصيل يؤكد ما سبق. أما قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ (4 / 43) فلا شأن لها بالخمر وسكرة الخمر، بل أن كلمة (سكر) و(سكارى) لم تأت فى القرآن عن الخمر، إذ جاءت بمعنى الغفلة عند المشرك فى قوله تعالى ﴿لَعَمْرُكَ إِنّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (15 / 72). وجاءت بمعنى المفاجأة عند قيام الساعة ﴿وَتَرَى النّاسَ سُكَارَىَ وَمَا هُم بِسُكَارَىَ﴾ (22 / 2). وجاءت بمعنى الغيبوبة عند الموت فى ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ﴾ (50 / 19). وجاءت بمعنى الغفلة وعدم الخشوع وغلبة الكسل والانشغال عن الصلاة عند أداء الصلاة فى قوله تعالى ﴿يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ﴾ وإذا قام الإنسان للصلاة وعقله غائب وقلبه مشغول بأمور الدنيا فهو فى حالة غفلة ولن يفقه شيئاً مما يقول فى صلاته، لذا تقول الآية ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىَ حَتّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾.

وقوله تعالى (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) ( النحل 67 ) لايعنى سكرة الخمر وانما يعنى السكر العادى المستخلص من سكر النخيل و الأعناب، ولذلك سماه الله تعالى رزقا حسنا ـ وهو فعلا كذلك واسألوا عن الحلو أو الحسن فى الطعام تجد السكريات فى المقدمة منها . ولهذا يحبها الأطفال بالغريزة ، ولهذا ايضا و امتن به على عباده بتفضله عليهم بتلك الثمار وفوائدها السكرية. ولا يعقل أن يقول الله تعالى فى هذه السورة مكية انها رزق حسن وآية لقوم يعقلون ثم يجعلها فيما بعد فى سورة مدنية رجسا من عمل الشيطان ويأمر باجتنابها.

اجمالي القراءات 77350